نسعى في هذا المقال إلى نفض الغبار عن أهم الوجوه الأدبية التي عرفتها الحضارة العربية الاسلامية في القرن السادس للهجرة والثاني عشر للميلاد، وذلك من خلال تحقيق ديوان شعريٍّ بقي حتى هذه السَّاعة مغمورا بين المخطوطات في المكتبات العالمية. ويحمل المخطوط عنوان ديوان شذور الذَّهب حيث يعتبر وفق ما ورد في كتابات المتقدِّمين شاهدا على تقدُّم الأندلسيِّين في مجال النَّظم في علم الكيمياء. أمَّا ناظمه فهو ابن أرفع رأس الجيَّاني الذي لم ينصفه التَّاريخ على الرَّغم من التمكُّن الذي أبداه في الإمامة والفقه ورواية الحديث والشِّعر وعلم الكيمياء. ولقد ارتأينا أن نعرض بعضاً من مقدِّمة تحقيق هذا الدِّيوان حتَّى يتسنَّى للدَّارسين والباحثين الاطِّلاع عليه. وسنتعرَّض بالدِّراسة إلى اسم الشَّاعر ونسبه، منزلته ووظائفه، آثاره، ديوانه. وسنركِّز بشكل وجيز على مسألة غرض الصِّناعيَّات أو ما سمِّي قديما بالسَّلامات، وهو غرض لم يتناوله المترجمون ولا النُّقاد بالتَّفصيل، وإنَّما توقَّفوا على ما وصفوه بالشِّعر التَّعليمي أو شعر الصَّنعة الالهية دون اعتباره غرضا شعريَّا مستقلاًّ كما هو الحال في شعر الغزليَّات أو الخمريَّات.
-1 الاسم والنسب
بمجموع ما جاء في نسبة الشاعر اسماً ولقباً ونسباً وكنيةً ومُنْتمى، فإنَّه يعود بالأصل إلى قبيلةٍ عربيَةٍ وبنسبته إلى أكثر من موضع واسم، فهو أنصاري، سالمي، جياني، غرناطي، مجريطي، شذوري ثمَّ فاسي مغربي. فأمَّا الأنصاري فنسبة إلى أنصار المدينة من بني الأوس والخزرج، الذين نزل أبناؤهم بالأندلس. وأمَّا السالمي فنسبة “إلى مدينة سالم من جزيرة الأندلس“، وهي مدينة تقع على الطريق الرابط بين سرقسطة ومدريد بإسبانيا حاليا، ويعود اسمها نسبة إلى بني سالم وهم بطن من بطون قبيلة مصمودة(1)، الذين استقرُّوا بها في القرن الثامن ميلادي(2) بالأندلس. وذكر له ابن الجزري في غاية النهاية نسبة “الساطي”(3)، وهي مفردة لا تكون إلا خطأً في المطبوع لشبهها بالسَّالمي كتابةً. وأمَّا الجيَّاني فنسبة إلى جيَّان، وهي مدينة أندلسيَّة، وما جاء فيه من كونه غرناطيًّا إنَّما كان استثناءً من بعض المؤلفين كحاجي خليفة في كشف الظنون(4) وكارل بروكلمان في تاريخ الادب العربي(5)، فليسَ يُعرفُ له أصلٌ قد ذُكِرَ من غرناطة أو أقام فيها.
وقد ذكر فاضل مهدي بيَّات نسباً له في مجريط اعتماداً على مخطوطة شرح شذور الذَّهب للجلدكي، وهي مخطوطة مقيَّدَةٌ بمكتبة طوب قابي سرايى باسطنبول تحت رقم [7155 A. 2111]، نسخت بتاريخ 843 للهجرة الموافقة لـــــ1439 للميلاد. وورد في التعريف به أنَّه : «علي بن موسى بن قاسم ابن الأنصاري الأندلسي المجريطي“(6). وهي نسبة أستثنيها لقلَّة توفُّرها من بين ترجمات الشاعر. ولقد وُصف أيضا بالشُّذوري نسبة إلى الشُّذور وذلك لدى القلقشندي في صبح الأعشى الذي قال: « ومن النَّظم الرَّائق في (علم الكيمياء) نظم الشُّذوري»(7). كما وصفه حاجي خليفة(8) في كشف الظنون بالشذوري أيضا، وهي الإضافة نفسها التي اعتمدها كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي(9).
اسمه ولقبه :
أمَّا اسمه فقد اتَّفق في ثبته «علي بن موسى» أغلبُ المترجمين، مثلما فعل العسقلاني في لسان الميزان باكتفائه القول بـــ : “علي بن موسى“(10)، كما زاد عليه ثلَّةٌ منهم بقولهم : “علي بن موسى بن علي“(11)، مع استثناء نجده في ذكر اسمين له آخرين وهما أبو العباس أحمد بن علي لدى حاجي خليفة وبرهان (شمس) الدين لدى كارل بروكلمان الذي وضع (شمس) بين قوسين شكًّا وريبةً في صحَّته(12) وهو ما يظهر أيضا في مخطوطة الدر المنثور في شرح الشذور للجلدكي المصنَّفة في مكتبة طوب قابي سرايى باسطنبول تحت رقم: [7154 A. 2111]. ومن المترجمين من زاد على نسبته سلسلة أطول ومنهم من اقتصر فيها على الاسم فقط، وانتهت سلسلة نسب الشاعر إلى محمد بن خلف كما جاء في تاريخ الاسلام للذهبي، وفي فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، وفي الوافي بالوفيات للصفدي، وفي هدية العارفين للباباني. كما يتخلل اسم «أبي القاسم» هذه السلسلة التي يظهر بها في بعض الترجمات والكتب التي تتحدَّث عنه. وهذا الخلاف في السلسلة لا يكاد ينقطع في أغلب مصادر الترجمات العربيَّة القديمة(13).
ولعلَّ من جمع له من تعريفه أحسن جمعٍ واستوفى فيه أكمل استيفاء هو ابن الأبَّار الذي قال فيه: “علي بن موسى بن علي بن موسى بن محمد بن خلف، ويقال: علي بن موسى بن أبي القاسم بن علي الأنصاري السالمي، من أهل جيان، ونزل مدينة فاس، يعرف بابن النَّقرات، ويكنى أبا الحسن“(14).
ولم يورد ابن الأبَّار «ابن أرفع رأس» إنَّما اعتمد كنية أخرى وهي ابن النَّقرات. فلقد عُرِف الشَّاعر بكنيتين: ابن أرفع رأس عند الأدباء والشعراء وعلماء الكيمياء في الأغلب الأعم وابن النَّقِرات عند مجموع الفقهاء والمحدِّثين والمقرئين بخاصَّة. فأمَّا كنية «ابن أرفع رأس”، فقد اعتمدها بن العماد في شذرات الذهب(15)، وإسماعيل باشا في هدية العارفين(16)، والزركلي في الأعلام(17)، وكحالة في معجم المؤلفين(18)؛ وحاجي خليفة في كشف الظنون، وخلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبي(19) الذي نعته بما ينعت به المريد شيخه المتصوِّف «سيدي»، وهو نعت يطلق للأولياء الصَّالحين. وعليه أيضا اقتصرت فهارس أغلب المكتبات العالمية كمكتبة دار الكتب الظاهرية(20) التي توجد بها نسخة من ديوان شذور الذهب في الكمياء تحت رقم 4817.
ويورد فؤاد سيزكين في كتاب تاريخ التراث العربي(21) بالمجلد الرَّابع الكنية نفسها بإضافة لام التعريف «ابن أرفع الرَّأس». إلاَّ أنَّ كارل بروكلمان يضيف بدل لام التَّعريف هاء مضمومة مع فتح السين على النَّحو الآتي: «ابن أرفع رأسَهُ. ولا نعدم أن يكون بروكلمان قد وقع في هذه الصيغة مثلما وقع فيها الكثير من المترجمين. ويعود هذا الخلط -أوَّل الأمر على ما يبدو- إلى حاجي خليفة في كشف الظُّنون حيث نسب كتاب «رياض العقول المنيفة في غياض الصناعة الشريفة» إلى أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن موسى بن أرفع الرأس الأنصاري الأندلسي الغرناطي الشذوري(22). والواقع أنَّ كتاب»رياض العقول المنيفة في غياض الصناعة الشريفة» إنَّما يعود لصاحبه ابن شكر (شاكر) الأندلسي وقيل هو ابن سكن الأندلسي أبو العباس المقري المالكي المكنَّى بابن أرفع رأسه. واسمه كما ورد في كتاب هدية العارفين أحمد بن علي بن موسى بن أرفع رأسه بن محمد بن علي بن شاكر، له من الكتب «المهند القاضي في شرح الشاطبي في القراءات» و»مختصر التيسير كذا». وإذا كان قد اتُّفِق في «فيُّوم» موضعِ دفنه، فإنَّ تاريخ وفاته لم يضبط جيِّداً، فقد جاء في كشف الظُّنون(23) رقماً سنة 541 هـ، وخطًّا سنة إحدى وأربعين وستمائة 641هـ.
ولا بدَّ من ذكر شاعر آخر يحمل لقب ابن أرفع رأسه حيث أضيف إلى الاسم هاء كذلك وهو أبو بكر محمد ابن أرفع رأسه (1043-1075) شاعر المأمون يحيى ابن ذي النون أمير طليطلة الذي حكم بين فترتي435 هـ/1044 م ـ-467 هـ/1075 م. يعتبر هذا الشَّاعر من أهم الوشَّاحين في فترة حكم ملوك الطوائف. وقد اشتهرت في زمنه مجموعة أخرى من الوشَّاحين كابن اللبانة وعبادة القزاز شاعر المعتصم ابن صمادح(24). ولأبي بكر محمد ابن أرفع رأسه موشحات مشهورة يغنَّى بها في بلاد المغرب(25) ذكر ذلك ابن سعيد في المُغرب وابن خلدون في المقدمة بالفصل الخاص بالموشَّحات ولقد ذكر له ابن الخطيب في جيش التوشيح عشر موشحات(26)، وأورد له الصفدي موشحة واحدة(27). ولقد جاء في موسوعة الاسلام التي تقوم بالاشراف على إنجازها وطبعها مطبعة بريل ما يفيد بصلة قرابة الشاعر الموشِّح من الشاعر الكيميائي ابن أرفع رأس(28).
أمَّا اشتهاره بابن النَّقِرَات، فلقد اقْتَصَرَتْ أغلب مصادر ترجمته(29) من التَّكملة لكتاب الصلة، والذيل والتكملة، والمستملح من كتاب التكملة، ولسان الميزان، وغاية النهاية وجذوة الاقتباس، وَضَبطَه جماعةٌ من محققي كتب التراجم التي ترجم أصحابها ابن النَّقِرات، كما سبق ضبطه بالقلم، أي: بفتح النون وكسر القاف؛ مثل المحقق الشَّيخ عبد الفتاح أبو غدَّة الذي أفاد في تحقيقه للسان الميزان لابن حجر، بثبوت هذا الضبط في نسخة معتمدة من اللسان، فقال: “النَّقِرَات(30): شُكل في «ص»(31) بفتح النون وكسر القاف، وكُتب فوقه: خف، يعني: أن الراء مخففة“«(32)، ولقد خالف الذَّهبي في تاريخ الاسلام والصَّفدي في الوافي بالوفيات هذه الكتابة بوضعهما فتحة على القاف(33).
ولا بدَّ أن نضيف نعتاً آخر ضمَّنه ابن خلدون في المقدِّمة في حديثه عن الكيمياء، وهو «ابن المغيربي». وهو رأي دفع ريتشارد تود إلى الاعتقاد بأنَّ هاتين التَّسميتين المبنية إحداهما على صيغة التَّصغير والتي تعني ابن المغربي الصَّغير مقارنة بالثانيَّة «ابن أرفع رأس» التي توحي برقيِّ الشَّأن- إنَّما هما في الأصل ذواتا دلالةٍ واحدة. فهناك ما يوحي في كليهما بأنَّ أبا الشَّاعر كان ذا ضعفٍ في المقام وتردٍّ بالمنزلة يعود ذلك فيه إلى تأخُّر رتبته الاجتماعية. ويتأوَّل ريتشارد تود كنية ابن أرفع رأس على هذا الأساس بالتَّحديد، فهذه الكنية إنَّما سُمي بها تيمُنَّا له بالرِّفعة والعلُوّ.
ولكنَّنا نرى خلاف ذلك، فيمكن أن يكون التَّضاد مضمَّنا في اسم «ابن المغيربي» عكس الاسم الذي اشتُهِرَ به. فلو كان الحال على ما ذكر، فلمَ اعتمدَ جميع الكتاب والمترجمين اسم ابن أرفع رأس دون ابن المغيربي؟ ألم يمِلْ كلُّ هؤلاء إلى الأكثر تداولاً والأقوى صدقاً؟ في الواقع، يوجد في الأعلام من العرب من كانت تسمياتهم توحي بأقلَّ من ذلك، فاحتفظ بها – مع ذلك- الرُّواة والمدوِّنون دون أدنى إحساسٍ بالذَّنب لما قد يكون في ذلك من حطٍّ من قدر الكاتب. وقد يكون في الأمر تحاملٌ على الشَّاعر وغيرةٌ وحسد، كما هو الحال عادةً في البلاط بين الشعراء والعلماء حيث أنَّ الشاعر كان مقَرَّبا جدًّا من حكم العائلة الموحِّديَّة ما يجعله عرضةً للانتقاد ومدعاةً للكراهيَّة والمقتِ والبغض. ثمَّ لقد جاء فيه أنَّه نزيل فاس، فليس له إذاً في المغربيَّة نسبٌ إلا النزول والمقام، وليس له ولا لأبيه في تسميتهما بالمغربي أو المغيربي حقٌّ لكونهما أندلسيَّين.
لا يوجد لدينا ما يدعِّم كلَّ هذه التساؤلات، إلاَّ أنَّ مقام العرب الوافدين من الأندلس كان -على ما يبدو في جلِّه- رفيع الشَّأن، فالدول الأمازيغيَّة المرابطيَّة والموحّديَّة ما لبثت أن أكرمت هؤلاء لحضوتهم العلمية عندها ولدوافع سيَّاسية من شأنها تثبيت حكم الأمازيغ الاسلامي في إقليم كان يتدافع عليه العرب من المشرق تدافعا.
-2 منزلته
ولِدُ الشَّاعر بجيَّان شهر رمضان سنَة 515 للهجرة(34) الموافقة لــ1121 للميلاد في فترة كانت الدولة المرابطية تنعم بحياة آمنة(35) وتُوُفِّيَ بفاس سنة 593 للهجرة الموافقة لــــــ1197 للميلاد. وعلى الرَّغم من اختلاف الرُّواة في تاريخ وفاته، كابن العماد الحنبلي الذي يورد سنة 594 ه، وابن عبد الملك الذي قال إنه كان حيًّا سنة 595ه، وحاجي خليفة وإسماعيل باشا البغدادي اللَّذين أرَّخا وفاتَه بسنة 500هـ، إلاَّ أنَّ أغلبهم يتَّفق في تاريخ 593 هـ، وهو التاريخ الذي رجَّحَهُ أيضاً كلٌّ من كارل بروكلمان(36) وخير الدين الزركلي(37) وعمر رضا كحالة(38).
ولقد نعته المترجمون مثلما جرت العادة في ترجماتهم بأوصاف عدَّةٍ وتحلياتٍ جمَّة، أجمعها لديهم ما جاء لدى ابن عبد الملك في قوله: “مقرئ، مجود، محدث، راوية، حافظ للآداب، عارف بالأنساب، صالح، ورع، فاضل، زاهدٌ، ذو حظ من قرض الشعر“(39). أمَّا ما اشتهر به فهو شاعر الحكمة وحكيم الشعراء. وهو ما يقال أيضا في شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء الذي لم يكن فيلسوفا بقدر ما كان في شعره قريبا منها، حتَّى وإن كان كما دافع عنه طه حسين: «… شاعرا في فلسفته، وفيلسوفا في شعره، قد جمَّل الفلسفة بما أسبغ عليها من الفن، ومنح الشعر وقارًا ورزانة بما أشاع فيه من الفلسفة»(40). وتقتضي مفردة الحكمة أن نعي مفهومها لدى المترجمين، فليس من الدقَّة وصفًا نعتُ ابن أبي أرفع رأس بذلك، إذ أنَّ الحكمة لم يكن المقصود منها الغرض الشِّعري المعروف إنَّما المقصود منها على وجه التَّقريب دلالتان: التَّمكن من المعادن ومعرفة جوهره ودقائقه، أو التَّفردُ في علوم الدِّين. وسبب هذا التبيُّن اللُّغوي يعود في واقع الأمر إلى أنَّ ابن أرفع رأس لم يكن منفردا بإتقان علم الكمياء ومقتدراً على نظم الشعر فقط، بل كان عالما بالقراءات وعارفا بالحديث، محيطا بعلوم أخرى كالأنساب، والروايات. نقل ابن الأبار أنَّه: “كان مقرئا، أديبا، له حظ صالح من قرض الشعر“(41). فما جاء في ديوان الشذور بنسخة الأسكوريال الذي نصه: «الإمام العالم العلامة الهمام، الماهر الفهَّامة حكيم الاسلام حاوي أسرار الله العظام» يشير إلى أنَّ الحكمة إنَّما مردُّها ههنا إلى الدِّين وليس إلى الصَّنعة. وهي بهذا المفهوم نجدها لدى ابن الجزري(42) في تعريفه للشاعر بقوله: «إمام كبير، وأديب بليغ“، وحتَّى في كتب الصَّنعة كما هو الحال في كتاب مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور(43) للجلدكي الذي يوحي نصه بأنَّ الحكمة علم جامع لا مختصّ، يقول: «نظرتُ في كتب الحكماء المتقدمين والمتأخرين، فما وَجَدتُ أفصح، ولا أبلغ، ولا أغوص في العلوم، من الشيخ الإمام العالم العلامة الذي غاص في العلوم، واستخرج الدر من النجوم، وملك الدنيا وزهد فيها، ولم يدع مكرمة لم يوافيها الإمام أبو الحسن علي بن موسى بن قاسم بن علي الأنصاري الأندلسي تغمده الله بالرحمة والرضوان». ويذكر فرج رزوق معتمدا على مقدمة مخطوطة الشذور بمكتبة المتحف البريطاني وصفا ينعت الشاعر بالشيخ برهان الدين سراج الاسلام حجة الشريعة زين الأمة شرف الفقهاء(44). أمَّا ما جاء لدى الزركلي من أنَّه “حكيم، عالم بالكمياء وشاعر“(45)، فلعلَّ ذلك يوحي بأنَّ الحكمة صنعة ومعرفة بعلم الكيمياء، وهو ما جاء أيضا في نقل المقري له من حيث إحكامُهُ النظمَ، وسلاستُهُ في الكلام: “إن فاتك ذَهَبُه لم يفتك أدبه”(46). فالأدب والذَّهب مجتمعان فيه، كما هو الشعر والحكمة. ويوجد من المترجمين من ضمَّ الدِّين والأدب إلى الصَّنعة وجعلهما حكمة ً كابن شاكر الكتبي الذي اتَّخذ من القصيدة الطَّائيَّة دليلا على ذلك في قوله: «لـم يَنْظِم أَحَدٌ في الكيمياء مثل نظمه بلاغةَ معاني، وفصاحةَ ألفاظ، وعذوبةَ تراكيب، حتى قيل فيه: إن لم يُعَلِّمْك صنعة الذهب علمك صنعة الأدب، وقيل هو: شاعر الحكماء وحكيم الشعراء، وقصيدته الطائية أبرزَها في ثلاثة مظاهر: مظهر غزل، ومظهر قصة موسى، والمظهر الذي هو الأصل في صناعة الكيمياء، وهذا دليل على القدرة والتمكن(47). كما جاء فيه أنَّه شاعر الحظ حكيم الشعر(48). ولعلَّ هذه عبارة تجعلنا نتذكَّر شعراء الحظِّ السيِّئ من أولئك الذين ماتوا حزنا على عشيقاتهم. بينما سيكون على أكثر الأحوال غنيًّا بفضل ما أوتي به من قدرة حكيمة على صناعة ما قد يكون له فيه حظٌّ من الدنيا وغنى.
ولقد أثنى عليه المترجمون في ذكر حاله من الدُّنيا إذ قالوا بالزهد، والصلاح، والورع فيه، والعدل والفضل كما جاء عند ابن الأبار عن التجيبي، وعند ابن عبد الملك (49)، وعند الحافظ ابن حجر العسقلاني(50).
-3 وظائفه
ولِدُ الشَّاعر في فترة تزامنت مع بدء الموحِّدين في تقويض حكم المرابطين. ولقد كان لبَّ قيام الموحِّدين السياسي وجوهرَ دعوتهم العقائديَّة مهديَّةُ ابنِ تومرت ومعصوميتُهُ(51)، وهو الذي ينحدر أصلاً من قبيلة هرغة المتفرِّعة عن مصمودة البربرية المعروفة الآن باسم الشلوح(52)، ثمَّ من بعده عبد المؤمن بن علي الذي لم يلبث حتَّى انتزع الشَّوكة من سلطان المرابطين بعد أن تمَّت له البيعة سنة 526/1132م(53) فأطاح به ودخل عاصمته مراكش سنة 541 هـ/ 1147م(54).
استطاعت الدولة الموحِّديَّة في زمن قصير أن تبسط نفوذها السياسي والعسكري على شمال إفريقيا بأكمله وعلى الأندلس غربا، حيث جعلت من مراكش عاصمةً لها ومن إشبيلية مقرها السياسي بالأندلس. توفي عبد المؤمن بن علي سنة 558 هـ/1163 م بعد أن وطَّد الحكم بإخضاعه بني حماد ببجاية سنة 547 هـ/ 1154 م، ثمَّ باستيلائه على تونس عندما أنهى حكم أسرة بني خراسان التي دامت قرنا من الزمان، ثمَّ بضربه حصاراً على معقل النَّصارى الرئيسي بالمهدية سنة 555 هـ/ 1160 م والذي سمح بإبعاد النُّورمان عن إفريقيَّة وبسط نفوذه على طرابلس الغرب.
تعاقب على الحكم من بعده ثلاثة خلفاء هم: أبو يعقوب يوسف والذي حكم من عام 558هـ إلى عام 580 ه/ 1163-1184 م وهو الذي أطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين وكانت بينه وبين ابن طفيل وابن رشد صداقة وثَّقها التاريخ، ثمَّ وليه على الحكم ابنه أبو يوسف يعقوب الذي اتَّخذ لنفسه لقب المنصور وقد حكم من عام 580 إلى عام 595 هـ/ 1184-1199م، ثمَّ محمد النَّاصر الذي حكم من عام 595 إلى عام 610 هـ/ 1199-1213 م.
ولقد تـخضرم ابنُ أرفع رأس في كنف هؤلاء جميعا، فعايش وهو شابٌّ حُكْمَ عبد المؤمن ابن علي ومات قبل أن تؤول الخلافة إلى خامس خلفاء الدولة الموحديَّة بفارق سنتين. تولَّى في إقامته بفاس عدَّة مهام من أهمِّها التَّصدُّر للإقراء والتَّصدُّر للتَّسميع والخطابة بجامع القرويِّين. فأمَّا التَّصَدُّرُ للإقراء فذلك لإتقانه لعلم القراءات مثلما علمه بالحديث ونقله روايةً وسنداً لتلامذته ومريديه سبباً في تصدُّرهِ للتَّسميع ، وأمَّا خطابته بجامع القرويِّين فهو اعتلاؤه منبر الموحِّدين في جامع فاس الرَّئيس. ولعلَّنا نتساءل عن دوره الدِّيني السيَّاسي في فترة كانت الدَّولة الموحِّدية توطِّدُ من سيطرتها على المغرب والأندلس عقائديًّا وسياسيًّا، إذ لم يكن وقد تولَّى خطابة جامع القرويِّين إلا مهيَّأً ليكون اللسان السيَّاسي للدَّولة الموحِّديَّة، على الرغم ما في هذا الموضوع من شكٍّ واضطراب وغموض. ولنطرح الإشكال بطريقة أخرى: لماذا نصَّب الموحدون ابن أرفع رأس على رأس جامع القرويِّين حتى صار خطيب فاس بأجمعها(55)؟ وما هي دوافعهم في ذلك؟
لا بدَّ أن نجزم قطعاً في أنَّ ابن ارفع رأس قد حظيَ برضىً سياسيٍّ كبيرٍ جعله يتبوَّأ هذه المكانة المرموقة بين أقرانه وأصحابه، وإلا ما صار له ذلك لو كان مخالفاً. ويعود هذا الرضَى في اعتقادنا إلى أسباب كثيرة لانعرف في الواقع أقواها دليلا ولا أقربها صحَّةً. ولعلَّ من بين هذه الأسباب اقترابه في الانتساب من الموحِّدين الذين ينحدرون من قبيلة مصمودة المغربيَّة. وهي القبيلة التي بفضلها تأسَّست مدينة سالم والتي نُسب إليها الشاعر كما أشرنا في مقدمة التَّحقيق. ولعلَّ هذا ما يكفل له أن يكون مقرَّبا منهم.
ويوجد على ما يبدو سبب آخر جعل من ابن أرفع رأس مقرَّباً من الدَّولة الموحديَّة وهو معرفته الأعمق بكتاب الموطَّأ. فلقد جاء في الترجمات أنَّه كان كثير الرِّواية من كتب الحديث، ذكر ذلك ابن الأبار في ترجمة ابن النَّقرات بقوله: “أكثر عنه أبو الحسن ابن القطان”(56) وجاء عند ابن عبد الملك في ترجمة ابن القطان الفاسي من كونه قد لازم شيخه ابن النَّقرات(57). وقال الحافظ ابن حجر : (…) حدث بالموطَّأ بسماعه من يوسف بن محمد بن فُتُوح، عن الحافظ أبي القاسم خلف بن محمد بن الإمام، عن سعيد بن نصر، عن قاسم بن أصبغ، عن محمد بن وضاح، عن يحيى بن يحيى. أكثر عنه الحافظ أبو الحسن ابن القطان، وسمع منه أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المُرْسِي كتاب الموطأ، سنة 590”(58). ولقد فصَّل محمد سرار وهو باحث مغربي حديثٌ ضمن مقال عن شيوخ ابن القطَّان في قراءات ابن أرفع رأس وروايته للحديث(59)، ويحتوي هذا المقال على دراسة جديرة بالاطِّلاع. وابن أرفع رأس هو سندٌ في كتابين مشهورين بالأندلس : الموطَّأ برواية يحيى الليثي، والتَّقصي لحديث الموطأ لابن عبد البر.(60) والواقع أنَّ مقدرته على ذاك تتقاطع مع رغبة الموحِّدين في الاعتماد على هذا الدستور الديني والسياسي معا. فلقد روى أوَّل خلفاء الدولة الموحِّديَّة عبد المؤمن بن علي موطَّأ الامام مالك (ت 197 هـ) بمراكش يوم الاثنين 3 ذي الحجة سنة 544 هـ عن شيخه بن تومرت مؤسِّس الدولة الموحِّدية(61) الذي اختصر فيه السَّند، واكتفى بالرَّاوي الأول لنصِّ الحديث يحيى بن عبدالله بن بكير المخزومي (ت 231 هـ)، وكان بن تومرت مؤسس الدولة الموحِّديَّة قد أملاه في أول رمضان 515 هـ برباط هرغة ببلد سوس(62). ولقد نُشر هذا الموطَّأ في الجزائر سنة 1905 اعتمادا على نسخة مخطوطة بالمكتبة الوطنية بالجزائر، وتوجد له نسخة أخرى مخطوطة في الرباط وفي فاس بجامع القرويِّين(63).
ولقد أوردَ مؤرخ مجهول الاسم عاش في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر ميلادي معلومات عن اهتمام الخليفة الأوَّل للدولة الموحِّديَّة عبد المؤمن بالموطَّأ قائلا : «وربَّى الحفَّاظَ بحفظ كتاب الموطَّأ، وهو كتاب أعزُّ ما يطلب، وغير ذلك من تواليف المهدي. وكان يدخلهم في كل يوم جمعة بعد الصلاة داخل القصر، فيجتمع الحفاظ فيه وهو ثلاثة آلاف كأنَّهم أبناء ليلة، من المصامدة وغيرهم. قَصَدَ بهم سرعة الحفظ والتربية على ما يريده.(64)»
وهناك تفسير آخر قدَّمه ريتشارد تود وهو أستاذ بجامعة إيدنبورغ جنوب الإيكوس في مقال نشره بمجلة أوريون (Oriens)، يقول: كما نعرف، فإنَّ موقف الموحِّدين المشجِّع للكتابة العلميَّة والفلسفة الأرسطوطاليسيَّة بشكل خاص قد بلغ أوجَهُ إبَّان حكم أبي يعقوب يوسف كما يعترف بذلك ابن طفيل وابن رشد. ويمكن أن نتساءل فيما إذا كان الخليفة هو نفسه من قام بتولية ابن أرفع رأس خطيباً بجامع القرويِّين وفيما إذا كان ذلك يوحي بانجذاب الخلافة إلى العمل الكيميائي. فلعلَّ هذا يعود بالأساس إلى اهتمام بن تومرت مؤسس الدولة الموحديَّة بالعلوم الغيبيَّة لاسيما بعلم الجفر الذي كان له أثرٌ واضحٌ على خلفه وأحفاده(65). من جهة أخرى، لربما أعطت الترجمات الأرسطوطاليسيَّة للنظريَّات الفيزيائيَّة بما في ذلك نظريات جابر بن حيَّان الشَّرعية الفلسفيَّة للكيمياء في عيون الخلفاء الموحِّدين، ولعل هذا ما نلاحظه في تلك العلاقة التي أشار إليها ابن أرفع رأس والتي تربط بين الكيمياء والسلطة. إنَّ ما يتجلَّى في القصيدة الرَّائيَّة [??] هو فكرة السيطرة على الطَّبيعة من أجل خدمة أغراض الكيميائي التي تعتبر من أهم النتائج الايجابية التي تبحث عن تحقيقها الفلسفة(66).
-4 آثاره
فضلا عن كون ابن أرفع رأس قد نظم ديوانه في الكيمياء، فإنَّ له مؤلَّفات أخرى وكتبا، ذكرها اسماعيل باشا البغدادي. قال : «من تصانيفه: الجهات في علم التوجيهات. في شرح قصيدة ثابت قصيدته الطائيَّة. الوسم الوسيم عن الحجر الكريم»(67).
وذكر كارل بروكلمان خلافاً لاسماعيل باشا البغدادي والباباني كتاب «الجهات في علم التوجيهات» وكتاب «في شرح قصيدة ثابت بن سعيد» ضمن عنوان واحد، وأشار إليه بمخطوطٍ مقيَّدٍ بجاريت 41،68. ويبدو أنَّ المترجمين قد أخطآ في تدقيق العنوان، إذ وضعا بين عنوان «كتاب الجهات» وعنوان «شرح قصيدة ثابت» نقطة كأنهما عنوانان مختلفان. والأصحُّ أنهما عنوان واحد. وقد تبعه في هذا الخطأ فرج رزوق(69)، إلا أنَّه استدرك ذلك ولم يعتبر العنوانين مستقلَّين بل تتمَّة واستكمال. ولابن أرفع رأس كتاب آخر بعنوان «حلُّ المشكلات الشَّذوريَّات»، وهو كتاب صاغه في شكل محادثة مع تلميذه أبي القاسم محمد بن عبدالله الأنصاري، والكتاب مخطوط مقيَّدٌ ببرلين 4181/2، وببطرسبرج روزن 201، وبجاريت 932. وله أيضا «الطب الروحاني بالقرآن الرَّحماني»، وهو مخطوط مصنَّفٌ مقيَّدٌ بباريس تحت رقم 2643.، وله رسالة في الكيمياء بدون عنوان، مقيَّدٌ بتيمور طبيعة 15270.
أمَّا كتاب «مختصر التَّيسير كذا»، «المهند القاضي في شرح الشاطبي في القراءات» و»رياض العقول المنيفة في غياض الصناعة الشريفة «، فهي على ما يبدو من تأليف ابن شكر (شاكر) الأندلسي (ابن سكن الأندلسي أبو العباس المقري المالكي) (71)، ولا تُعدُّ من مؤلفات ابن أرفع رأس الجيَّاني.
-5 ديوانه بين الحكمة والصَّنعة والسَّلامات
للدِّيوان تسميَّات مختلفةٌ، فبينما اتَّفق فيه الجميع على صيغة الشُّذور أو شذور الذَّهب، فقد اختلف أكثرهم في العنوان الفرعي، فنجد ديوان الشذور في صناعة الكيمياء(72)، وديوان الشذور في تحقيق الأمور، وديوان شذور الذهب من حرِّ الكلام المنتخب في الصناعة الشريفة في فن السَّلامات، وديوان الشُّذور والجامع لمعاني الحكم والأدب في الصَّنعة الالهية. ولقد اقتصرت للتحقيق على العنوان المختصر «ديوان الشذور». وينبغي أن نشير إلى أنَّ المكتبة العربية تزخر بعناوين مشابهة لكتب تتضمَّن علوماً أخرى كما هو الحال في علوم النَّحو حيث نجد عنوان شذور الذهب فى معرفة كلام العرب لمؤلفه ابن هشام الأنصاري، وفي علم الأنساب كتاب شذور الذهب في خير نسب للتهامي بن رحمون، وفي النثر والبلاغة والأدب كما يبدو من العنوان شذور الذهب في صروم الخطب لأبي جعفر أحمد ابن الحسن الكلاعي.(73)
والديوان يتحدث عن علم الكيمياء أو علم الخيمياء وهو عبارة عن خليط من الممارسات القديمة التي يمتزج فيها التجريب العلمي والتحليل الفلسفي، ومعارف كثيرة من بينها الفيزياء، والفلك، وعلم الرموز، وعلم المعادن والاحجار، والطّب وحتَّى السِّحر. ويعرّف ابن خلدون الخيمياء بأنها علم ينظر في المادة التي يتم بها تكوين الذَّهب والفضَّة بالصِّناعة(74).
وأصل كلمة شذور الواردة في عنوان الدِّيوان هو شِذْرٌ ويجمع على صيغتين: التكسير والمؤنَّث السالم: الشذور والشذرات. وجاء في اللسان: الشَّذْر: قِطَعٌ من الذهب يُلْقَطُ من المعْدِن من غير إِذابة الحجارة، ومما يصاغ من الذهب فرائد يفصل بها اللؤلؤ والجوهر. والشَّذْرُ أَيضاً: صغار اللؤلؤ، شبهها بالشذر لبياضها.
وفضلا عن كون هذه المفردة قد استُخدمت في عنوان الدِّيوان، فإنَّها أيضا قد وردت في عنوان كتاب يشرح فيه ابن أرفع رأس ديوانه أمام تلميذه أبي القاسم محمد بن عبدالله الأنصاري. واللافت للانتباه أنَّ هذه المفردة صيغت على غير ما تصاغ فيه النعوت. فعوض أن يستخدم الشاعر مفردة «الشُّذوريَّة» على أساس كونها نعتاً يصاغ صياغة المفرد المؤنَّث لكلمة «المشكلات» التي تعتبر ههنا منعوتا غير عاقل، صاغها صياغة جمع المؤنَّث السَّالم وذلك بقوله: « حلُّ المشكلات الشَّذوريَّات». والواقع أنَّ هذه الظَّاهرة تذكِّرنا بذلك التَّقليد الذِّي اعتادته العرب في تسمياتها للدَّواوين المجموعة والتي ذاع فيما بعد صيتها ونالت شهرة فائقة، كديوان المفضَّليَّات، والمسمَّطات، والمذهَّبات، والاصمعيات، والحماسات وغيرها..». يدفعنا هذا الرَّأي إلى الاعتقاد بأنَّ الشَّاعر كان يريد أن يكون لديوانه على ما يبدو الصدى نفسُه لما كان من الدَّواوين المذكورة.
وخلافا للمتأخِّرين الذين أكثروا من إثبات ديوان الشذور لابن أرفع رأس، فإنَّ الأوائل ممن ترجم له كابن الأبَّار قد نسبوه له(75)، بينما لم يورد ابن عبد الملك الذي جاء بعده له ذكرا عن عمله وعلمه بالكيمياء، واقتصر على ذكر حظِّه من قرض الشعر فقط”(76). ويقول محمد سرَّار(77) وكأنَّه يشك في نسب ديوان الشُّذور لابن أرفع رأس : «ولست أدري هل الحامل له (ابن عبد الملك) على ترك ذلك هو عدم تحقق نسبة شذور الذهب إليه، خصوصا أن عبارة ابن الأبار قد تكون تشير إلى ذلك، وهي قوله: “إليه ينسب التَّأليف الموسوم بشذور الذهب في الكيمياء» (78).
وبرغم هذه الشُّكوك الحائمة كطيفٍ خفيف، فإنَّ قيمة الدِّيوان قد بلغت لدى المترجمين له مبلغا رفيعا لا تحيد بنا إلا لدراسته والبحث فيه، فابن شاكر الكتبي قال عنه: «ولو لم يكن للأندلسيين غير كتاب «شذور الذهب» لكفاهم دليلاً على البلاغة (…) فلم ينظم أحدٌ في الكيمياء مثل نظمه بلاغة معانٍ، وفصاحة ألفاظٍ، وعذوبة تراكيب، حتى قيل فيه: إن لم يعلمك صناعة الذهب علمك الأدب. وفي عبارة بعضهم: إن فاتك ذهبه، لم يفتك أدبه. وقيل فيه: إنه شاعر الحكماء، وحكيم الشعراء(79).
يثير هذا التَّصريح فينا رغبة غامرةً للتحليل والتأويل. فليس ابن أرفع رأس أقدر الشعراء الأندلسيِّين على النَّظم فحسب وإنَّما هو أيضاً كافٍ في أن تكون أشعاره دليل البلاغة لهم عند العرب وشاهدة على أدائهم في النظم وفي مقدرتهم عليه. والواقع أنَّ المقَّري قد استنبط من بين المترجمين هذا الرَّأي أيضا لما قد رأى من تمكُّنٍ لديه في جمع الكيمياء بالشعر، والتَّجريب بالخيال، والمعادن بالمجاز، فهو جامع بين صناعة الذَّهب وتعليم الأدب، وقلَّ ما اجتمع الاثنان في شاعر.
ولعلَّ هذا ما دفع الرَّافعي أيضاً إلى استثناء الأندلسيِّين بهذا الجمع عندما قال: «ولا تكاد تجد في غير الأندلسيين من يتحقق بأجزاء الفلسفة فيكون فيلسوفاً، ويبرز في الشعر فيكون شاعراً، ويجمع في شعره الجمال الروحي في المعنيين فيكون شاعراً وفيلسوفاً معاً، ومن هؤلاء يحيي الغزال، وأبو الأفضل بن شرف (…) وابنه وابن باجة، ومالك بن وهب (…)، وأبو الحسن الأنصاري الجياني (…) المعدود من مفاخر الأندلسيين، ويلقبونه بشاعر الحكماء وحكيم الشعراء، (…) وأبو الصَّلت أمية بن عبد العزيز الأشبيلي المتوفـَّى سنة 549 هـ، وأبو بكر بن زهر المتوفَّى سنة 753هـ، وكان أعجوبة في الاطلاع على علوم الأوائل، وأبو الحسين علي بن الحمارة الغرناطي، وقد برع خاصة في التَّلحين يقولون فيه إنه آخر فلاسفة الأندلس»(80).
ويدعونا هذا الأمر -باعتبار مقدرة الأندلسيِّين على الجمع بين الفلسفة بما في ذلك الكيمياء والشعر- إلى تقصِّي مسألة الأغراض الشعرية عند نقَّاد العرب عامَّة والأندلسيِّين خاصَّةً الذين لم يلتفتوا إلى جنس الصِّناعيَّات التي أولى لها الشعراء أهميَّة بالغةً. فكثيرٌ من النُّقاد من صنَّف شعر الكيمياء في خانة النَّظم والشِّعر التَّعلِيمي، نظرا لكونه يهتمُّ بالجانب التعليمي من خلال نظم صاحبِه العلومَ في قالب شعري كفيل بحفظه سريعا بالذاكرة. بل هناك من يعتقد أنَّ أول نظم تعليميٍّ كان في شعر الكيمياء، فجلال شوقي مثلا يعتقد أنَّ خالد بن يزيد بن معاوية الأموي (ت 704 م) هو أوَّل من أنشأ ما نعرفه اليوم بالنظم التعليمي، (…) ويضيف أن ديوانه يشتمل على 2.903 أبيات(81).
ولكن، لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نقارن ألفية ابن مالك مثلاً التي نظمها في شرح قواعد النَّحو أو الأجروميَّة في العروض بقصائد نظمت في الكيمياء. فكلاهما يختلف عرضا ومقصدا. فأمَّا الشعر التَّعليمي فإنَّما يكون للشَّرح والتَّفسير وتسهيل الحفظ للنَّائشة والمتعلِّمين، وعادةً ما تكون الأبيات متزاوجةً(82) وعلى غير رويٍّ واحد. أمَّا شعر الكيمياء، فمقصده خلاف ذلك، فالمراد منه مدح الذَّهب ووصف المعادن ونعت الأقيسة والأدوات نعتا فيه مجازٌ مسترسلٌ وخيال جموحٌ، تشبَّه فيه الجوامد بالأحياء، وتكون القصائد على حرف رويٍّ واحد وقافية واحدة، وهو في ذلك شبيه إلى حدٍّ ما بشعر الخمريَّات والصُّوفيَّات.
ولا بدَّ أن نشير إلى أنَّ مقصد الكيميائيِّين من النَّظم لم يكن مقصداً تعليميًّا، فهم يصِرُّون في الكثير من قصائدهم على سِرِيَّة المهنةِ فيحذِّرون من هتك الأستار وكشف الأسرار ويطِوِّقون نصوصهم بلغة الإشارات التي لا يفهمها إلا الخاصَّة منهم فيجعلونها في الظَّاهر وصفا ومدحا وغزلاً وحكمة وفي الباطن كلاماً محجوباً. وما يزيدنا إيمانا في ذلك، تفسير الجلدكي الذي يعتبر من أهم مفسِّري شعر ابن ارفع رأس. فالقارئ لشرحه لن يجد إلا تأويلاً لفلسفة الشَّاعر وتحليلا لرموزه، وهو بعيد عن أن يوصف كلامه بشرح النَّظم أو بتوضيحه كما يرد عادة في شرح المنظومات وتبسيط القصائد التَّعليميَّة بالتَّفسير. والجلدكي نفسه من يقرُّ بهذه الشِّعرية عندما يقول متحدِّثا عن إحدى قصائد ابن أرفع رأس: «وهي قصيدة تخجل العين بما فيها من أنوار الحكمة وتخجل الفرزدق الشاعر بما فيها من البلاغة». ولعلَّ أكثر ما يوثِّق من عرى اعتقادنا في ذلك ما نجده في إحدى المخطوطات التي لا نتبيَّن صاحبها بسهولةٍ، من مدح لابن أرفع رأس بليغٍ لا يكاد يكون له مثيلٌ، وهو مدحٌ أثنى على ابن أرفع رأس شاعراً، إذ قارنه بالطغرائي صاحب لاميَّة العجم التي لم يأت عليها أحد من مؤرِّخي الأدب القدامى إلا وذكرها أو ذكر جزءا منها في تأليفه. يقول:
«فانظر يا أخي إلى اتفاق هذا المعنى بتغير الألفاظ ولكن كم بين لفظ الطغرائي وبين لفظ صاحب الشذور مثلما بين الأخرس والفصيح والأعمى والبصير كما تقدم القول في التوطئة وإن كان مؤيد الدين الطغرائي أقرب المتأخرين إلى حجر الحكماء وتدبيرهم ورموزهم وواقع على أسرارهم وموافق لأقوالهم وما نصّوه في كتبهم بما لا يقاس من غيره فلهذا استشهدنا بقوله وأسندنا بقوله مع قول صاحب الشذور فإنّ معانيهم معنى واحد»(83).
لكنَّ مجال الشِّعرية لدى هؤلاء الشعراء يتقلَّص بشكل كبير بمجرَّد الأخذ برأي مصطفى صادق الرَّافعي الذي يعتقد وهو يضرب مثلاً عن ابن أرفع رأس أنَّ هذا النوع من النَّظم إنَّما يبدو شعريَّا لكون أصحابه أرادوه أن يكون لهم شاهدا على قدرتهم الأدبيَّة والبلاغية ليس إلا، وهو يبقى إلى حدٍّ كبير تعليميَّا. يقول :
«وقد ينظمون ذلك الشعر على جهة الفخر بالنظم نفسه وقوة التصرف كما فعل أبو العباس الناشئ المعروف بابن شرشير، وهو الناشئ الأكبر، وكان متبحراً في عدة علوم، وهو في الشعر من طبقة البحتري وابن الرومي وأضرابهما، قال ابن خلكان، وله قصيدة في فنون من العلم على روي واحد تبلغ أربعة آلاف بيت، وتوفي سنة 293ه، فلو أنه جعل هذه القصيدة في فنون من التاريخ والقصص ونحوها، لما خلا الشعر العربي إلى اليوم من النمط القصصي الذي نفاخر به الإلياذة وأمثالها في كل شعر غير عربي. وكذلك فعل أبو الحسن الأنصاري الجياني المتوفى سنة 593 في نظم كتابه شذور الذهب في صناعة الكيمياء»(84).
غير أنَّ الذي يثيرنا في هذا المقطع، هو الوصول بهؤلاء الشُّعراء إلى درجة تصنيفهم في طبقات الشعراء الأعلام من قبيل البحتري وابن الرومي. وهذا ليدلُّ دلالةً قاطعةً في استثنائيةِ هؤلاء مقارنة بالتَّعليميِّين. والأمر نفسه ندركه لدى الصَّفدي وهو يصف ابن أرفع رأس. فبعد أن أورد جملة من شعره في الكيمياء قال: “هذا فنٌّ لا يقدر عليه غيره، ولا أعرف لأحدٍ مثل هذا؛ نعم، المتنبي وبعض شعراء العرب الفحول، لهم قدرةٌ على إبراز صورة الحرب في صورة الغزل، فتجد حماساتهم تشبه الأغزال” (85).
وهو من هذا المنطلق، قد أبعد ابنَ أرفع رأس عن أن يكون تعليميًّا بعد أن وضعه موضع الشعراء الفحول في طبقة جعل لها أبا الطيِّب المتنبِّي رأسا. ولا نشكُّ في أن يدخل وصف المترجمين إياه كابن الجزري(86)، والمقري(87)، والزركلي(88) بجودة النَّظم، وشاعرية النفس في هذا الباب، فالشَّاعريَّة ليس ممَّا يوصف بها أصحاب الشعر التَّعليمي. ونلاحظ في دراسة حديثة نشرت شهر جوان/حزيران سنة 2016ـ، قام بإصدارها الأستاذ الأكاديمي ريتشارد تود عن ابن أرفع رأس، ميله إلى اعتبار الشعر الكيميائي شعرا تعليميًّا بينما يورد نصَّا في مقاله يوحي خلاف ذلك حيث يقول:
إنَّ الشُّذور حالة استثنائيَّة، فالملاحظُ أنَّ الخطب المدحيَّة التي نقلها المترجمون له نظرا لجمال أساليبه ورونق عباراته قد صدرت عن الكيميائيِّين وغير الكيميائيِّين. ولم يول هؤلاء (غير الكيميائيِّين) للغة التَّشفيريَّة اهتماما بالغاً، فاللغة الرَّمزيَّة لم تكن عائقاً ضدَّ وقوع الاعجاب في النَّفس بشعره. ولذلك لا نعجب إذا رأينا ابن خلدون يقول في ابن أرفع رأس : ولابن المغيربي من أئمَّة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجيء في الشعر ملغوزة كلها لغز الأحاجي و المعاياة فلا تكاد تفهم. (89)
من جهة أخرى، يعتقد نيكولا هاريس وهو باحث من جامعة بنسلافيا خلاف ريتشارد تود أنَّه ليس من الصُّدفة أن يتقاطع الكيمياء والشعر خلال مسار تاريخيٍّ للأدب العربي، بل من الطَّبيعي جدًّا بالنِّسبة لشَاعر متمكِّنٍ أن يكون حضور الكيمياء قويًّا لديه: فبفضل مزج عناصرهما يـمكن الحصولُ على الاتقان والمثال، بشرط توفُّر الكثير من الكفاءات والتمرُّس(90). ، وحتَّى وإن كان يبدو أنَّ الشعر الكيميائي يجعلنا نستثني إمكانية استخدام التَّورية كعامل أساسيٍّ لحصول ازدواج المعاني ويدفع بنا إلى تفادي حالة الغموض التي تكتسي تأويل القارئ للكاتب، فإنَّ اعتبار اللغة الكيميائية لغة مشفَّرة أمرٌ قد تقادم به العهد منذ البنيوية الأدبية(91). وهو في هذا الاعتبار يعطي انطباعا بأن الغرض الشعري لقصائد الكيمياء يمكن أن يكون مستقِّلاً عن الأغراض الاخرى بما في ذلك ما نصطلح عليه بالتَّعليمي. نضيف إلى ذلك ما سجَّلناه من محبَّة الشعراء في تخميس الشذور الذي لا يكون عادةً موضوعاً للشِّعر التَّعليمي.
ولهذا السَّبب، فإنَّ حاجتنا إلى البحث عن تأسيس غرض شعريٍّ جديدٍ صار ملحًّا وذلك من خلال اشتغالنا بالخصوص على شعراء الكيمياء الذين سيكون لهم الفضل في تحديد ملامح غرض الصِّناعيات. ويمكن أن نُسمِّي الغرض أيضا بالسَّلاميات حسبما جاء في أحد العناوين الفرعية للشُّذور «حرُّ الكلام المنتخب في الصِّناعة الشَّريفة في فنِّ السَّلامات». وهو فنٌّ يكاد يكون كفنِّ الخمريَّات من حيثُ تمرُّده على واقع التَّقليد الشعري القديم. فأبو نوَّاس أشهر سيفه الأدبي ضدَّ الغزَلِ بالمرأة وجعله للنَّبيذ. ويذكِّرُنا الكثير من المقاطع الشعرية في ديوان ابن أرفع رأس بشعر أبي نواس، إذ فيه ترفُّعٌ لا يفيد إلا بما للذَّهبِ من قيمةٍ لديه ومن غنى به عن النَّاس.
وإذا قلنا إنَّ شعر الكيمياء هو غرض مستقِّلٌ بذاته، فإنَّ الكيمياء يمكنها أن تكون حاضرة في أغراض شعريَّة أخرى. فنجدها وقد استخدمت في الغزل والمدح والرِّثاء والوصف وحتَّى في الهجاء. فلقد سخر ابن الرومي(92) مثلاً من شخص ذي أصل عجمي يدعى «أبو صقر» ادَّعى لنفسه العروبة كأصل عندما نسب نفسه إلى قبيلة شيبان. وسنجد ابن الرومي يستخدم الكيمياء كتشبيه لمن يحوِّل نسبه الأعجمي المتواضع إلى نسب عربي نفيس، فيقول :
عجِبت من معشر بعقوتنا
باتوا نبيطاً وأصبحوا عربا
مثلَ أبي الصقرِ، إن فيه وفي
دعواهُ شيبانَ آيةً عجبا
بيناهُ عِلْجاً على جِبلَّتهِ
إذ مسَّه الكيمياء فانقلبا
عرَّبَهُ جَدُّهُ السعيدُ كما
حَولَّ زِرْنيخَ جدِّهِ ذهبا
وهَكذا هذه الجدودُ لها
إكسيرُ صدقٍ يُعرِّبُ النسبا
يسمحُ الاطِّلاع على ديوان ابن أرفع رأس بالحصول على رؤية أعمق لمفهوم الغرض الشعري الذي مارسه شعراء الكيمياء، وهو غرض لم يتطرَّق إليه النُّقاد بكثير من الدراسة والتَّحليل. وسيحتاج هذا الأمر إلى تخصيص مجال لدراسة قصائد شعراء الكيمياء جميعهم حتَّى يتسنَّى لنا الخروج بنتائج موحَّدة حول فلسفتهم والطَّريقة التي سارت عليها منهجية إنتاجهم الأدبي. وستقوم دار الكتب العلمية ببيروت بنشر تحقيق الديوان كاملا قبل نهاية هذا العام 2017 بعنوان: ديوان ابن أرفع رأس الجيَّاني الاندلسي؛ شاعر الحكماء وحكيم الشُّعراء.
باريس 22 أكتوبر 2017.
1 انظر جمهرة أنساب العرب، ابن حزم الأندلسي، تحقيق عبد السلام محمد هارون، سلسلة ذخائر العرب، 2، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1982، ص. 501. ولقد جاء في معجم البلدان أن «سالم هي مدينة بالأندلس، كانت من أعظم المدن وأشرفها وأكثرها شجراً وماء، وكان طارق بن زياد لما افتتح الأندلس ألفاها خراباً، فعمرت بالإسلام». انظر معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي، دار صادر، 1993، ج 3، ص172. وتسمى المدينة حاليا «Medinaceli».
2 The Muslim conquest and settlement of North Africa and Spain, ?Abdulw??id Dhan?n ??ha, London; New York: Routledge, , 1989, p. 175.
3 غاية النهاية في طبقات القراء، علي بن الجزري الدمشقي، المحقق: ج برجستراسر، دار الكتب العلمية، بيروت، 2006، ج1، ص 513.
4 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، محمد شرف الدين يالتقايا، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص 936-937. أورد حاجي خليفة هذا النسب في معرض حديثه عن كتاب رياض العقول المنيفة في غياض الصناعة الشريفة. وقد خصَّص نصًّا تعريفيًّا آخر لابن أرفع رأس بالجزء الثَّاني من الكتاب نفسه بالصفحة رقم 1029.
5 تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ترجمة د. محمود فهمي حجازي، القسم الخامس، (9)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995، ص 312.
6 فهرس المخطوطات العلميَّة في مكتبة طو? قا?ــــي سرايى باسطنبول، القسم الخامس، فاضل مهدي بيَّات،ص 407-480، في عدد بمجلة المورد العراقية مخصَّص لــ»العلوم عند العرب»، المجلد السادس، العدد الرابع، دار الحريَّة للطباعة، بغداد، 1977، ص 480 .
7 صبح الأعشى في كتابة الإنشا، أبو العباس أحمد القلقشندي، دار الكتب المصرية، القاهرة ، 1922 ، ج1، ص 475.
8 كشف الظنون، ج1، ص 936-937
9 تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ص 312.
10 لسان الميزان، أبو الفضل شهاب الدين علي بن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الفتاح أبي غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، ط1، 2002، ج6، ص 33، وهو الذي مشى عليه حاجي خليفة في كشف الظنون، 2/1029.
11 كغاية النهاية لابن الجزري 1/513، والأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002، ج5، ص26.
12 تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، القسم الخامس، ص312.
13 الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، أبو عبدالله محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي، تحقيق إحسان عباس ومحمد بن شريفة و بشار عواد معروف، دار الغرب الاسلامي، تونس، 2012، ج3، 347-348. وانظر جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، أحمد ابن القاضي المكناسي، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1973، ص 481.
14 التكملة لكتاب الصلة، محمد بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي ابن الأبار، تحقيق عبد السلام الهراس، دار الفكر، بيروت، 1995، ج 3، ص219.
15 شذرات الذهب في أخبار مَن ذَهب، ابن العماد الحنبلي الدمشقي، أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه عبد القادر أرناؤوط، حققه وعلَّق عليه محمد أرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، ط1، 1986،ج 6، ص519.
16 هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنِّفين، اسماعيل باشا البغدادي، وكالة المعارف الجليلة، استانبول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان،1951، ج 1، ص 694.
17 الأعلام للزركلي، 5/26.
18 معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1993، 2/536.
19 خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي، المطبعة الوهيبة، 1867، ج1، ص 213.
20 فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية: العلوم والفنون المختلفة عند العرب، مصطفى سعيد الصباغ، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1980، ص: 471-473.
21 تاريخ التراث العربي، فؤاد سيزكين، ترجمة عبد الله بن عبد الله حجازي، ومراجعة مازن يوسف عماوي، نشر مكتبة آية الله العظمى، قم، إيران، ط2، 1991، ج4، ص525.
22 كشف الظنون، حاجي خليفة، ص 936-937.
23 هدية العارفين ، إسماعيل باشا البغدادي،ج1، ص93.
24 انظر المقدِّمة، ابن خلدون، تحقيق علي عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر للنَّشر، ط6، 2014، ج3، ص1190.
25 المغرب في حلى المغرب، ابن سعيد المغربي، تحقيق د. شوقي ضيف، سلسلة الذخائر، رقم 10، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1995، ج2، ص 18.
26 جيش التوشيح، لسان الدِّين ابن الخطيب، تحقيق هلال ناجي، مطبعة المنار، تونس، ص 49-58. انظر أيضا:
S. M. Stern, Les chansons mozarabes, Palerme 1953, 43, 44; E. Garc?a G?mez, Métrica de la moaxaja y métrica espanola, dans al-And., XXXIX (1974), 25
27 الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2000،ج 22، ص 162.
28 “Abu ’l-?asan al-An??r?”, in: Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Edited by: P. Bearman, Th. Bianquis, C.E. Bosworth, E. van Donzel, W.P. Heinrichs. Consulted online on 14 July 2017 <http://dx.doi.org/10.1163/1573-3912_islam_SIM_8247>.
29 التكملة لكتاب الصلة 3/219، الذيل والتكملة 3/347، المستملح من كتاب التكملة، شمس الدين أبو عبد الله بن عثمان الذهبي الدمشقي، تحقيق بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2008، ص 319. لسان الميزان 6/33، غاية النهاية 1/513، جذوة الاقتباس ص 481.
30 أنظر إلى المعلومة الأولى من ترتيب حواشي المحقق في هامش لسان الميزان 6/33.
31 “ص“ هو رمز للنسخة التي اتخذها الشيخ أبو غدَّة أصلا للتحقيق، وهي نسخةُ مكتبةِ راغب باشا.
32 انظر «مشيخة ابن القطَّان»، محمد سرَّار، مجلة ميثاق الرَّابطة الرَّقمية، المغرب، 2013.
http://www.mithaqarrabita.ma
33 انظر لتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، بتحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1997، ج 42، ص 139. (وهذا هو المرجع المعتمد في هذا التقديم). وبتحقيق آخر لــبشار عواد معروف، دار الغرب الاسلامي، تونس، ط1، 2003، ج 12، ص 1003. انظر أيضا إلى الوافي بالوفيات 22/162، وانظر أيضا إلى «مشيخة ابن القطَّان» لمحمد سرَّار.
34 التكملة لكتاب الصلة، ابن الأبار، 3/219.
35 حركة الموحدين في المغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، روجر لي تورنو، ترجمة أمين الطيبي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 1998، ص46.
36 تاريخ الادب العربي، القسم الخامس، ص 312.
37 الأعلام، 5/26.
38 معجم المؤلفين، 2/536.
39 الذيل والتكملة، 3/348.
40 طه حسين، المعرِّي أشاعرٌ أم فيلسوف، ضمن عدد خاص بأبي العلاء المعرِّي، مجلة الهلال، القاهرة، الجزء 8، المجلد 46، 1938، ص 849.
41 التكملة لكتاب الصلة، 3/219، وعنه ابن القاضي المكناسي في جذوة الاقتباس ص 481.
42 غاية النهاية، 1/513.
43 مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور للجلدكي: (61أ) نسخة المكتبة البريطانية رقم: add23,418. الرابع في المجموع.
44 د. رزوق فرج رزوق، ابن أرفع رأس شاعر الحكمة وحكيم الشعراء وديوانه الشعري في الصنعة، مجلة المجمع العلمي العراقي، ع 2/3، أبريل، 1982، ص214.
45 الأعلام 5/26.
46 نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968، ج3، ص 606. وكذلك في شذرات الذهب لابن العماد 6/519.
47 نفح الطيب 3/606، شذرات الذهب 6/519. وفوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1973، ج3، ص107.
48 شذرات الذهب، 6/519.
49 التكملة لكتاب الصلة 3/219، تاريخ الإسلام 42/139، الذيل والتكملة، 3/348.
50 لسان الميزان 6/33، الذيل والتكملة 3/348.
51 بنيت عقيدة الموحِّدين الأشعرية على فكرة التوحيد، وأطلق ابن تومرت على نفسه اسم المهدي، ثمَّ سمَّاه مريدوه وتلامذته بالمعصوم. ولقد وصلت إلينا أفكار بن تومرت التي تعبِّر بوضوح عن عقيدته عن طريق مخطوط يرجع تاريخه إلى أواخر القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ولقد نشر هذا المخطوط سنة 1903 باحث فرنسي من الجزائر المستعمرة آنذاك جان دومينيك لوسياني بعنوان: «كتاب ابن تومرت».
52 الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، علي بن أبي زرع الفاسي، دار المنصور، الرباط، 1972، ص 172. وتذكر المصادر التاريخية أنَّ ابن تومرت وافقته المنية شهر رمضان 524 الموافق لشهر أغسطس 1130 متأثرا بجروحه خلال معركته ضد المرابطين في وقعة البحيرة. انظر دائما روض القرطاس، ص 180-181.
53 بويع يوم الخميس الرابع عشر لشهر رمضان من سنة أربع وعشرين وخمسمائة (21 أوت 1120) وهي البيعة الخاصة، بايعه العشرة من أصحاب المهدي، وبويع بيعته يوم الجمعة الموافق لعشرين من ربيع الأول من سنة ست وعشرين وخمسمائة (9 فبراير 1122) بعد وفاة المهدي بسنتين بجامع تينمل بعد صلاة الجمعة من اليوم المذكور. روض القرطاس، ص 186.
54 انظر حول حصار فاس كتاب أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، لأبي بكر بن علي الصنهاجي المكنى بالبيذق، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور، الرباط، 1971، ص 60، وحول استفتاح مراكش ص 63.
55 كما جاء في الشذرات مثلا من أنَّه “نزيل مدينة فاس، وخطيبها“ وفي نفح الطِّيب من أنَّه “نزيل فاس ووليُّ خطابتها”، انظر شذرات الذَّهب 6/519؛ و نفح الطيب 3/606، وغاية النهاية 1/ 513، وطبقات القراء، شمس الدين أبو عبدالله بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق أحمد خان، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط1، 1997، ص 926.
56 التكملة لكتاب الصلة، 3/219.
57 الذيل والتكملة 3/347-348.
58 طبقات القرَّاء، ص 927.
59 مشيخة ابن القطَّان، محمد سرَّار.
60 نجد ابن النَّقرات في سلسلة من الأسانيد ذكرها ابن خلدون وهو يتحدَّث عن الموطَّأ في فصل «خطبة له أنشأها عند تدريسه لكتاب الموطَّأ»، فهو يرويه عن أبي البركات (…) عن ناصر الدين (…)، عن الإمام شرف الدين (…)، عن أبي الحسن علي بن موسى بن النقرات، عن أبي الحسن علي بن أحمد الكناني. انظر التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، عبد الرحمن بن خلدون، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1979، ص 335-336.
61 ولقد ترك بن تومرت تآليف أخرى من أهمها أعزُّ ما يطلب وهو عبارة عن مجموع من كتب ورسائل في الأصول، والفقه والتوحيد والحديث والسياسة والجهاد، وعرف باسم أوَّل كتاب فيه وبأوَّل عبارة وردت فيه وهي « أعزُّ ما يطلب» كما قام بتأليف مختصر مسلم.
62 أعزُّ ما يطلب، محمد بن تومرت، تحقيق عمار طالبي، نشر في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية، 2007، ص12.
63 أعزُّ ما يطلب، ص12.
64 الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، مؤلف أندلسي مجهول، تحقيق البشير الفورتي، مطبعة التقدم الاسلامية، تونس، 1909، ص 114.
65 روض القرطاس، ص 180.
66 Richard Todd, Alchemical Poetry in Almohad Morocco: The Shudh?r al-dhahab of Ibn Arfa? Ra?s’, Oriens: Journal of Philosophy, Theology and Science in Islamic Societies, Vol 44, pp. 116-144.
67 هدية العارفين، 1/694.
68 تاريخ الأدب العربي، ص313-314.
69 د. رزوق فرج رزوق، ص216.
70 تاريخ الأدب العربي، القسم الخامس، ص313-314.
71 هدية العارفين، ج1، ص93.
72 فوات الوفيات، 3/107.
73 أبو جعفر بابن الزيات البلنسي المالقي خطيب جامع بلش ولد سنة 659 وتوفي سنة 730 ه. انظر هدية العارفين، ص107.
74 المقدمة، 3/1069.
75 التكملة لكتاب الصلة 3/219.
76 «كان مقرئاً، مجوداً، محدثاً، راوية، حافظاً للآداب، عارفاً بالأنساب، صالحاً، ورعاً، فاضلاً، زاهداً، ذا حظ من قرض الشعر»، وأضاف ابن الأبَّار حظ صالح من قرض الشعر: الذيل والتكملة، 3/348. وانظر أيضا التكملة لكتاب الصلة 3/219، وانظر أيضا: جذوة الاقتباس ص: 481، ونفح الطيب 3/606، وشذرات الذهب 6/519.
77 مشيخة ابن القطَّان، محمد سرار.
78 التكملة لكتاب الصلة 3/219، وتاريخ الإسلام 42/139.
79 فوات الوفيات 3/107، ونفح الطيب 3/606، وشذرات الذهب 6/519، والأعلام 5/26.
80 تاريخ آداب العرب، مصطفى صادق الرَّافعي، راجعه عبد الله المنشاوي ومهدي البحقيري، ط1، مكتبة الايمان، ج2، ص 268.
81 العلوم العقلية في المنظومات العربية؛ دراسة وثائقية ونصوص. د. جلال شوقي، الكويت: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إدارة التأليف والترجمة والنشر، سلسلة التراث العلمي العربي، 1990م ، ص 529-530.
82 استلهمنا هذا المصطلح من كتاب الحيوان للجاحظ الذي استخدم فيه مصطلح الشعر المزاوج. انظر الحيوان، الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1965، ج4، ص239. يقول صادق الرافعي: «ثم جاء بشر بن المعتمر الذي مرّ ذكره في الشعر الحكمي، وكان من أروى المعتزلة للشعر، فبنى على هذا الأصل أرجوزة طويلة ذكر فيها الملل والنحل وضرب الأمثال واخذ في قواعد مذهبه، ويظهر من كلام الجاحظ أن هذه الأرجوزة قد رفعت إلى الناس وذهب لها صيت، وقد ذكرها مرتين في كتاب الحيوان ونقل قطعة من أمثالها وقطعة أخرى في ذكر فضل علي على الخوارج وهو في كل مرة يقول: قال بشر بن المعتز في شعره المزاوج، وهذه التسمية أليق ما يسمى به هذا النوع من الأراجيز، ولا بد أن تكون هذه الأرجوزة الأولى من نوعها». انظر أيضا تاريخ آداب العرب، ج2، ص138.
83 مقتطفات من شرح لقصيدة كيميائية شذور الذهب والمكتبة البريطانية : (26/3) [99و] ومخطوطات شرقية Or 13006, ff 98r-110v و مكتبة قطر الرقمية. رقم الاستدعاء: Or 13006, ff 98r- 110v.
<http://www.qdl.qa/archive/81055/vdc_100023515411.0x000005
يعود تاريخها إلى حوالي سنة 930. والنسخة الأصلية محفوظة في المكتبة البريطانية: مخطوطات شرقية. ونجد في شرح منسوب لمجهول للقصيدة الكيميائية شذور الذهب لأبي الحسن علي بن موسى بن علي بن محمد بن خلف الأنصاري الجهني الأندلسي، المعروف باسم بن عرفة.
84 تاريخ آداب العرب، ج2، ص139-140.
85 الوافي بالوفيات، 22/165.
86 حيث قال في غاية النهاية، 1/513: «إمام كبير، وأديب بليغ».
87 ينظر في نفح الطيب، 3/606 كلامه عن المستوى الرفيع لنظم ابن النقرات في منظومته الكيميائية شذور الذهب، وابنُ العماد في شذرات الذهب، 6/519.
88 الأعلام، 5/26.
89 Richard Todd, Alchemical Poetry in Almohad Morocco. انظر أيضا الفصل الثلاثين في علم الكيمياء، المقدمة، 3/1069.
90 نيكولا هاريس والهواري غزالي، مراسلات شخصيَّة. مقال منشور للجلدكي
91 نيكولا هاريس والهواري غزالي، مراسلات.
92 ديوان ابن الرُّومي، شرح الأستاذ حسن بسج، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، لنان، ط3، 2002، ج1، ص 204.
الهواري غزالي