أوس أبو عطا
رأيتكِ ..
لعقتُ الكلام المُحلى
تتبعت جدولك الأعرج
جففتُ بقع الدمع
وغفوت فوق صدرك الخصيب،
أرنو رغيف الرّاحة/
ألهجُ وجه طفلٍ/
أسقطُ في عبق بيسان
و نهدُ بيسان مذبوح ..
أيّ سيفٍ يرمم الكبرياء من مأزق النكسات/
من خرابيش الأسرى على حيطان الرّغبة.
رقد الخراب ولم ترقد الحِراب.
يسوسني الكلام
أغفو وتبزغُ نخلةٌ تحت ظلي
أترك النخلة وظلّي والدهر
كما تركتكِ بلبوسِ الكلالة
وأمضي نازفاً :
«أنا النهرُ الذي يغوي السواقي
أنا الحانوتي الذي يقطّب جروح الأرض
بأجساد الموتى
أنا المطر في ريق السماء..
لفظتني ذاكرتي،
أشعل خشخاش السبات
أتوه في سراديب الوسن و الحُجّة الضّيقة.
ألهثُ من ثقل قدميّ
من صندلي المصنوع من الوحل والشوك.
وظهري أمسى كعرجونٍ
من حدباتِ الأسمالِ ووثائقِ الملكية
التي ركبتهُ بعد تزاحم النكبات والنكسات،
إلى متى سأحمل جسدي المثقب
بالتعاسةِ و القروح وأكياس ثيابِ البالة
وإلى متى هو سيحملني ؟
سأضعهُ جانباً على قارعةِ الطريق والأيام
عسى أن يتلقفهُ رجلٌ ثري
أو يكون زاداً لنسرِ النزوحِ
بعدما ارتمى على جسدِ التّشردِ الفسيحِ».
وارتمى الدّمعُ على نهد بيسان المذبوح
على حلمةِ إحليلةِ الأسيرِ القابضِ على قنبلة الوقت
فيتجرع رضيعها الماء والملح.
بيسانُ
أنا لكِ
حاضناً لورقةِ التاريخ
وأباعد بين الهاجسِ و الخيام.
كلما حلّ الدمار الأخير ولم يحلّو الفتح الأخير.
أنت تثاؤب اللاجئين على حافةِ الهاوية
و تقلّب المستوطنين على وسائد القلق،
حلم الأسير المتدثر بزفراته،
وشهوته العالقة في جسده
يرسم ابنه على الورق
يخبئ الأكسجين الهزيل
في سوق الغبار،
يزمّل جذوة الدفء والعودةِ في أعاصير الهجرة.
وتشخبُ عيناهُ شعراً و صبرا.
بيسان
سأتركك وأترك الكلام
سأخرج منك وعليك وفيك
وأترك نفسي ملقاةً عليكِ
خذيها هي لكِ
علّقيها تميمةً في وجه الشيخوخةِ.
نهدك العاري يسحقني
وأنا أجترّ الدّعة القديمة
حين تشوّه القذائف أحداق الفتنة،
أأنتِ الفاتنةٌ فوق الحورياتِ؟
أنى لي أن أخمّر عطر الزهرة
حين تفترسنا ذئاب النابالم والفوسفور؟
أم أقطف الزهرة وأساند الحرب
بوجهٍ خائنٍ هادئ؟
و وجهك يا بيسان جميلُ جميل
يرتسم في قطن السّحاب وقمر السّحر
والتوليب الكسير
يسعى لكِ لتجبّريهِ بعبيرك العذري.
وتهتفُ لكِ التربةُ العقيمة كي تطئيها
عسى أن تحبل بشوكةٍ أو زهرةٍ أو سنبلةٍ ما.
عرجاءٌ أيامي عرجاء
تُسحلُ بطيئةً في زقاق الوجل..
وتسد الطريق أمامي وخلفي وبين يدي
فكيف سأجد خصلة الأصيل التائهة في الظلام؟!
سكونٌ هنا سكونٌ هناك والآن سكون
تقرفصت الأماني تحت حجر الدعاء الأزرق
لم أبلغ السماء وما بعدها..
لكن ألفيتها في صدرك الحار
أمسك ذاك الحجر، كطفل يمسك ألف دينارٍ
بخوفه/ بعيون اللصوص /بتحذيرات أمه، يمسكها.
وأرمي الحجر على منزل الجنرال.
غفت السطور على السطور
تكلم ما شئت
وقف على طلل اليرموك ما شئت،
فقد استبد الهامش بعدما كان مستعدّا
حين غفت السّطور على السّطور
رقد الخراب ولم ترقد الحِراب..
«الحظوظ تبنى لبنةً لبنة كالبيوت
لا تولدُ دفعةً واحدة كالخيمة».
قالت لي هذا جدتي
وعلمتني أنك الفرضُ والدّعاء هو النّافلة،
لكنها لم تقل لي لم حلّ هذا بنا وبكِ
ولم النّسائم اختطفتها الرّياح
وصارت الأخيرة زائرتك الوحيدة،
كعصفورتك الأرملة
كعصفورك العقيم
فكل ما حولكِ لئيمٌ لئيم
يتلوّن في شبحٍ وسيم.
و لكن وجهك يا بيسان جميل.
سأترككِ ها هنا تصطادين الرجاء
وأتركك و الكلام
لأنام فوق صدرك الخصيب الحبيب.
وأرقد بين الخراب
بين الحراب.