يا أيّها المسافر على حين غرّة
المسافةُ بيننا تكبرُ وتكبر
أراك تبتعد
وأقترب.
انسحبت خلسة بعد مجيء الفجر
وشهقة الديك المفتون بذكورته
من قصّة حاكت مشاعرها خيوطُ الشمس
من روايةٍ لم تكتمل فيها المدينة
ولم يغزُ حاناتها سكارى العشق
وأشباههم سمّارُ القلق
واليساريون المُحبطون مثلي.
غادرت بيتنا الرمزي
وبيننا وليل الحكاية ظهيرة ومساء صيف
بيتنا الإسمنتي الذي ملأناه
حبّة قمح
كبشرتي قمحيّة.
قلبي يحفظُ قصص
كلّ قطعة خشب وبلّور:
تاريخُ اقتنائها
الحديث الذي دار بيننا والباعة
عدد المرّات التي مدحنا فيها الطراز الإيطالي والإنجليزي
وكيف أنّك كنت قليل المقاومة أمام خشب الورد.
فضاؤنا الكوني
وسرّنا…. بيتنا
ذاكرتُنا الموشّحة باللؤلؤ الأبيض
المكسّوة بشجر الفستق
فاكهة الصوفيين الأكثر زهدا في الماء.
يا أيُّها المفتون بأخبار غوث الزمان
علّمتني عشق العطور
علم العطور
شعريّة العطور
فكرة العطر الأولى
عرفان العطور
ومتى تُصبح البيوت سماء للورد.
وكيف يغدو العشّاق ملائكة
وهم يرشّون الكون بروح الورد.
كنا نتقاسم القلق
تلتهمُ أنت أكثره
وتترك لي قطعة صغيرة جدا أقل قليل من حبات العقد الثلجي الذي أهديتني ذات آيار.
نتقاسم بعض الشّغف
ومعه فستق مرقط بالملح
وشيئ من حلويات البندق وشراب اللّوز
نتقاسم شجنا يُورق غصنُه في قلبينا تفاحا حامضا
كأولى أشهر الحمل.
وها أني أتدبّرُ أمري وحدي
بين كثيرٍ من القلق وقليله
لقد كبُر فيَّ القلق
رسم دنيا
وبرزخا
وآخرة من حطبٍ وجنّة.
صار رجلا مفتول العضلات
صدرُه مكسو بالعشب الأسود
صار حزنا
كأفئدة العرب وحكايات العشق.
جالستُ القلق في المساءات
جنبا إلى جنب
وفخذا إلى فخذ
وأنت تعلم كم يطول المساءُ في ليلي.
لم أقاطعُه في الكلام.
أقلعتُ عن عادة مقاطعة الكلام
تقطيعه…
كان القلقُ يتكلّم وحده
يسألُ ولا يجيب
ويُدخّنُ حتى الصباح.
فسكتت الحريةُ في ليلي عن الكلام.
صار القلقُ رجلا عظيما
كأبي هريرة
مثلك أنت
كالمستحيل.
استمعتُ إليه كامرأة تليق بحضارة الصدر والعجز.
أتعرف ما رأيت؟
نسب الحزن رأيت
وأباه
وأمّه
وجدّه
وكافة أعمامه
………………..
الحزنُ جاهلي المذاق والمعنى
يسكنُ فينا كالحبيب
كالأهل يدخل الدار.
جاهليٌّ كالحب العذري
مثل قلب يُعاود الحب لأوّل مرّة.
آمال موسى