1
لَيْسَت جَامِدةً كَمَا تَبْدو
لكنَّ القادمين من الجَنَّةِ
لفُّوا الحَرَيرَ حَوْلَ صَوتِها
وجَذَبُوه نحوَ السَّمَاء
فلا تَنْظرُ إلى شَيْءٍ سِواه
بعينٍ شاخصة
وعُنُقٍ مَشدودٍ إلى فَوْق
لِذا..
كُلَّما أَدَرْنَا التِلفَازَ نَحْوَها
نُغْمِضُ أَعْيُنَنَا،
وتَنْبُتُ أَجْنحةُ فَرَاشةٍ
فوقَ ظُهُورِنا
2
يَخيطُ الحياةَ عَلَى طرْفِ أَكْمَامِه
ويَسِيرُ بِفضُولِ طِفلٍ
ولَعْنةِ عاشقٍ
كُلّمَا رَقَصَ فَوْقَ شَغَفٍ جديدٍ
يتَّسِعُ رِدَاؤهُ الـمُحَمَّلُ
بالوَردِ والحَصَى
3
لا بَرَّ غيرُ السقوطِ مِن قَارّةٍ بَاردةٍ
هَكَذَا كَتَبَتْ في الهوَاء قِصَّتَها
عَن الأُغْنِيَاتِ الَّتِي نَبَتَتْ مُبَكِّرًا
والغُولِ الَّذِي انتَظَرَهَا
فِي أوَّلِ الطَّرِيقِ
يَضَعُ النَيَاشِينَ حَولَ ظِلِّهِ
ويُرْبِكُ الأَرْضَ تَحْتَها
4
اتركُوه.. لعلّهُ مَجْنُونٌ
قَالَهَا البنَّاؤونَ
حِينَ شَاهَدُوهُ يَجْمَعُ الزَّلَطَ الصَغِيرَ
كَصَائِغٍ يُمْعِنُ النَّظَرَ
فَيَخْتَارُ وَاحِدَةً ويُعِيدُ أُخْرَى
وكَطِفلٍ يُؤكِّدُ الفِكْرَةَ
أَرْجَحَ شَنْطَتَهُ فِي الهَوَاءِ
فَابْتَسَمُوا عَائِدِينَ مِنْ دَهْشَةٍ
عَلِقَتْ فَوْقَ قَمِيصِهِ الفَاخِر
وَخُصْلَاتٍ بَيْضَاءَ تَمْرَحُ
في شَغَفٍ غَيْرِ مَأْلُوف
5
بينَ البابِ الـمُغلقِ على هواءٍ راكدٍ
ومرآةٍ تُقشِّرُ وجهَها كُلَّمَا مسَّتهُ التَّجاعِيد
يَقبَعُ الكوْنُ الَّذي ادّخرَتْه في دولابِها
الحياةُ التي غلَّفتْها ليومٍ لم يَجئ
ليستْ علَى مقاسِها الآن
وكطفلٍ يُدحرج حصَّالتَه
في الـمَوْج
تتبرعُ بالأحلامِ
في حقيبةٍ كَبِيرة
وكعودِ قصبٍ يَخرجُ من آلةِ العصرِ
بلا نقطةٍ منه
كتحديقِ مَيِّتٍ
في سقفِ الغُرفةِ
تتمددُ خاويةً
ورياحٌ تُطَقْطِقُ الشبَابيكَ حَوْلَها
6
لا صَوْتَ بيْنَ هَذِهِ الجُدْرَانِ
غَيرَ أنَّ عَجُوزًا يَفْتَحُ شُرْفَتَه كُلَّ صَبَاحٍ
يَضَعُ الأُرْزَ عَلَى سُورِهَا القَدِيم
وَيَخْتَبِئُ خَلْفَ السَّتَائِرِ
يُرَاقِبُ العَصَافَيرَ الَّتِي اعْتَادَتْ
طَبَقَهَا اليَوْمِيَّ
حتَّى بَنَتْ عُشَّهَا فَوْقَ مُكَيِّفِ الهَـــوَاء
ثُمَّ يُغْلِقُ نَهَارًا لَا يَشِي بالكَثِير
لَا جَرْوَ يَلَعَبُ حَوْلَه، لَا قِطَّةَ بَيْضَاءَ
ولَا أسْمَاكَ فِي الحَوْضِ
أمَّا الطُّيُورُ السَّاكِنَةُ أَسْفَلَ شبَّاكِه
فَلَا تُشْعِرُه بَوَخْزِ الضَّمِير
حِينَ يَحْمِلُ وِحْدَتَه
وَيَرْحَلُ فَجْأَةً
7
الرَّاكِضةُ خَلفَ مُرَبَّعٍ ذَهَبِيٍّ
تَرَكَتْ حَقِيبَتَها الـمُحَمَّلةَ بالبَلَاغةِ
تَحتَ حِذائِهَا
وانهمَكَت في عدِّ الفرَاغَات
فوقَ سُبُّورةٍ هُنَاك
حَرَّكَها البَرِيقُ إلى
جوفِ المتَاهةِ
تَتَّسِعُ كُلَّمَا انطفَأت الكَلِمَاتُ
وتصمتُ كُلَّمَا امتَدَت أَصَابِعُهَا الـمُنْهَكَةُ
إِلَى فَوْق.
8
كُلّمَا أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ
حدَّقَ بِهِ الأَثَاثُ القَدِيمُ
واقْتَرَبَتِ الجُدْرَانُ بأَذْرُعَ
تَخْرُجُ مِنْ شُقُوقِهَا
تُفَتِّشُ عَنْ حَوَادِيتِ الغِيَابِ
وَتَنْقِشُ فَوَقَ رأْسِهِ
الدَّوائِرَ والحروف
هَكَذَا تَتَهَجَّى الْكَوَابِيسُ شَفْرَتَهُ
وتُوقِظُ الوُجَوهَ المـُعَلَّقَةَ
فِي بَرَاوِيزَ كَبِيرَةٍ
9
حينَ شرخَ الهمُّ رأسَهَا
ترَكَت الموتَ يُزحلِقُها
مِن فوقِ أُرْجُوحَةٍ كَبِيرَة
وفي الأسفلِ
خَاطَت جُرْحَها بجِذْعِ شجرةٍ ولِبلَاب
بدَت كَمَلِكةٍ تحتَ الأرض
بتاجٍ ورقيّ
يحرسُها ظلٌ يَحمِلُ في فمِه النَهرَ
ويسقِي الأشجارَ البَعِيدَة.
10
الرّاقدونَ قَبْلَكِ هَادِئون
كَوَسَائدَ بَيْضاءَ
لماذَا انتَفَضْتِ فَجْأةً
تصنعِينَ حُفْرتيْن في يَدِي؟!
هلْ مَهّدْتِ
طُرقًا للـ «كانيولا»
دونَ ألمِ البحثِ
عن أَوردَةٍ
لا يَهرُبُ مِنهَا الدَّم؟!
هبة عصام