نينو جوديس
بوقفة راهب
ونظرة طفل
يقتفي جوديس أثر الكلمات
السّخية
وهي تفصح له عن الألوان
والعناصر
والأمل…
وقطّ المنزل القديم
والشجر والبحر.
شاعر يرى البرتقال
بين أبيض وأصفر
يتلقى نور الشمس
بذاكرة نباتيّة..
وجوه…
وجوه يلفّها الخسران
في ضفّتيه..
حيث السّرور والسّواد البارد..
رأيت النّور يجلس في باحة
الألوان
هي الذّكرى
أو كأنّها هي..
وجوه تلطم خدود التّواريخ
تختفي
كموسيقى خلف الألوان…
هي غربة في المرايا
تزرع الأسئلة في الأيقونات
هي أعمدة النشيد
في هذا البرد الكوني المريع..
إلى طارق الطيب..هناك..في فيينا..
أراك الآن تسكب في
شوارع فيينا شيئا
من غفوات القلب
ومن خطاك…
محروسا بأغاني البدو
في أرياف السودان ومصر..
هي تخليصاتك
بعد فسحة بنيويورك سنة 1995
تبحث عن علوّ آخر
كطفل شرقيّ
يلقي بالحصى
في البئر
يلهو بأصوات المياه..
أعرف جيّدا أنّك تكتب
لتسخر
وتقتفي أثر السّراب
تلك كلماتك
على لسان الشّجرة
والأشياء البسيطة..
بعد ساعة…
في مقهى القشّاشين
الذي كتبت فيه نصّ معدن الحال إلى نجا المهداوي…
قبل عشرين عاما…
جلست أنتظر فنجان القهوة بماء الزهر مستمتعا بالإيقاع الذي أحبّه…
حيث يحرص عم قدور على جودة أخرى تلائم
المكان…
قفزت إلى رأسي ألوان الذكرى…
وسافرت…
بعد ساعة أو نحوها…
وأنا أغادر الأقواس والأعمدة
أدركت أن كل شيء قد تغيّر
تبخّرت رائحة البن
صوت أم كلثوم
الرجال الذين كانوا يتناقشون
في هدوء ويطرحون جراح الأسئلة
في الفكر والثقافة والتراث
الشعراء…
الشيوخ المارون من حين لآخر وهم
يرتدون الجبّة في أناقة فارقة…
محفوفين بالعطور النادرة…
تغيّر كل شيء
نعم..
لقد تغيّر كلّ شيء
وعاد الصّمت الموحش
والفوضى «الخلاّقة»…
فيما كان…
فيما كان يقرأ قصائده
بعينين من مسرّات وكشف…
لمحت خرائط وأكوانا ترقد في راحة يده
اليمنى وهو يشير إلى الآفاق…
في تلك الليلة بدار الأصرم أين رقصت
كلمات
كما يرقص الدراويش من الأخذ
والذّوبان…
كانت اللّغة مطرا آخر يبلّلنا
بالصداقة
حيث أفضى الشعر إلى زنجبار
وأمكنة أخرى عنّ للشاعر أن
يقيم لها أعراس اللّغة…
فيما كان فلتار يقرأ النصوص
انبثقت من بين النقوش والسيراميك
ألوان
هي موسيقى الشرق الآخر:
«لأية شمس تشرقين يا ستيفان…»
شمس الدين العوني
شاعر وناقد من تونس