السمّاح عبد الله
شاعر مصري
دائما ما أخاف ركوبَ الأسانسيرِ
أصعدُ في الدرجاتِ التي تتتالى
وأنهجُ
أسند قلبي بكفي
وأرتاح بعضا من الوقتِ في بسطة الطابق الخامس المستديرةِ
أمسح عن جبهتي عرقي المتهطلَ باليدِ
أسند كوعي على شرفة المنورِ الداخليِّ
أراقب حبل الغسيلِ
وجريَ القطاط إلى سلةٍ للقمامةِ
زفرةَ امرأةٍ تتعرى وراء الستارةِ
تأخذ حصتها من ملاحقة الذكرياتِ
أُنَفِّضُ كُمَّ القميصِ
أواصل خطوي على الدرجاتِ
أشد الدرابزين في مهلٍ
وأصعِّد رجلي
ولكنهم دفعوني لباب الأسانسير
كانوا كثيرين
يزدحمون لكي يصعدوا
وأنا أتلفَّتُ
أبحث عن مخرجٍ
وإذا بي وجها لوجه أمام الأسانسيرِ
حتى دُفِعتُ إلى جوفه
انغلق البابُ
دارت بي الأرضُ
كنت أشد القميصَ
وأنظر في أعين الراكبينَ
ولكنهم لم يرونيَ
في الطابق الثالثِ انسل منا عشيقان مشتبكين
وفي الطابق السابع الشيخُ والطفلُ وامرأتان
وفي الطابق العاشر اندفعوا كلهم
أنا حاولت أتبعهم غير أنهمُ أغلقوا الباب
كانت مرايا الأسانسير تعكس وجها غريبا
تُبَيِّنُنِي لي عجوزا
وكنت أدق:
افتحوا الباب
كان الأسانسير يصعد
يصعد
أخبط رجلي على الأرض كي يتوقف
لكنه ظل يصعد
حتى تكورت في الركن
حتى ضممت ذراعيَّ في ركبتيَّ
وحين نظرت من الفرجة المستطيلةِ
لم أجد الدرجات التي تتتالى
ولم أجد البهو
لم أجد الناسَ
كان الأسانسير يترك سطح البنايةِ
يترك سطح البنايات أجمعها
صاعدا بي
رأيت المجرات تعبرني
والنجوم العرايا
رأيت الغيوم مفتتةً تتقاطرُ
والنارَ محروقةً يتقرب منها الأسانسيرُ
ها هو يدخل فيه
ووحدي.