(1)
l ظلال
في ليلة صيف،
أصابع باردةٌ تلقي علَيَّ غطاءً،
وتضعُ قرب وسادتي شربةَ ماء باردةً،
في ليلة صيفٍ،
لا أظمأ فيها ولا أعْرى،
أنامُ حالما بأعشاش حمام تحت ضوء القمر،
ذريعتي أنّ نسائمَ باردةً ستهبُّ كلّ دقيقة.
في ليلة صيف،
أزهار جسدي تتمايل تحت ضوء القمر،
ذات اليمين وذات الشّمال
أشبه بمنديل وداع في يد امرأة،
في ليلة صيف،
أشمّ رائحة أغنام في زرائبها
وأسمع صوت ديكة فوق أشجار اللوز،
أشربُ سجائري مرتجفا من غضبة والدي.
في ليلة صيف،
أكتبُ قصائد فوق حصير قديم..
محُوطًا بأحجار وأعمدة خشْيةَ عقارب الصّيف،
والحروف تغمغم تحت الوسادة في الفجر.
في ليلة صيفِ،
مصباح نفطي معلّق فوق مدخل الباب،
كتبٌ تبتل بالنّدى قرب الوسادة،
وسعالُ أبي: ألمْ تنمْ بعدُ!؟
في ليلة صيف يا أصدقائي،
أولدُ مثل قمر في الحقول والبراري.
في ليلة ليلاءَ ننام فيها دونَ أغطية فوق السُّطوح وفي الشّرفات…
في ليلة صيف..
(2)
l شيء ما أشبه بنباح كلاب
لم يكن صوتُكِ إلاّ رنينَ كمنجة في غرفة صغيرة،
هنا، قرب مقبرة تسيّجها أشجار اللّوز،
لم يكن صوتُكِ إلاّ أغنية يغنيها الأطفال
آخر السنة الدراسية احتفالا بأشجار السرو.
لم يكن صوتك وأنا أتفقّد أسنانَك البيضاءَ
إلا ضربة فأس في الليل.
حيث يداك إلى كرسي وساقاك إلى مقعد خشبي قديم
(…) ها أنا ، أيّتها القهقهة الحادة لعاهرة البحر مساء،
أتألّم مثل شجرة تحوّلت إلى منحوتات بيض.
يداي ترتعشان كلما قفزت من لسانك المخلبي الدّاعر كلمات لا لون لها…
وعيناي تحمرّان عندما تريان وميضا في أعالي الجبال التي عليها أكواخ صغيرة
ينام فيها قطيع ماعز بري بعد قليل.
هكذا.. أيها الأصدقاء المنذورون لشيء غامض في حلقي،
أرقص مثل شجرة برتقال جذلى
لا يعنيها أن تتعرّض لضربات الشمس…
لن تضيع أصابعي وسط الضباب.
ولن تضيع قدماي في نهر صغير اسمه اللاشيء !
لا بد للكلاب التي تنام قرب المقابر، على الشواطئ ليلا،
أن لا تفتح فمها للقمر كي لا يهرب بأسنانها !
ترتعد فرائصي وأنا أتذكّر الرعاة وقطعان الماعز البرّيّ
هابطة مساء من جبل في «قرطاج» قرب منزلك الصغير…
أسناني تصطك وأنا أضرب بأصابعي على الطاولة
التي أبني عليها مقامات حيث تطلع من «النهاوند»
شجرة صنوبر لها رائحة خمر تشربينها مع أصدقائك ليلا !
حيث تطلع من «الصّبا» أعقاب سجائر فاخرة تشعلينها بلذّة، خائفة من رقيب وراء النهر…
حيث يطلع مقام صغير من بين يديك المصقولتيْن
بعناية بورجوازيّ صغير فقد قطعة كوكايين في جيب معطفه شتاء
(…) هاي!
يا حبيبة نسور يأخذها الطمع في الجيفة التي تتركها الصقور في الأعالي…
لا تستخفّي بنباح الكلاب بين أصابعك التي تعضّ منخريّ النازفيْن..
عندما تستيقظين آخر النهار،
وأنت تستعدّين لوضع أقراطك الذهبية في أذنيك من جديد،
فكري في نباح قمر آخر تحت أقدامك اللاهثة من كثرة الغبار…
عندما تعثرين على شيء لامع في الليل،
تذكّري الرصاصة التي نبتت فجأة فوق عشب سنواتك الدامعة !
(3)
l تحذيـــــــــر
إذا قلت عنها مرة أخرى: إنها «غزال»
سوف أطلق النار عليك !
إذا أرعبتها مرة أخرى بكلمات مثل «قمر»
سأقطع لسانك الأحمر بالتأكيد !
حذارِ من الغدوّ والرواح أمام أنفها المحدّب كمنقار طائر جارح.
حاذر فالماء المجنون حكَّ أنفها منذ قليل
وها هي تسير مضرّجة…
أنا يائس ومبْتلّ وحزين
قابعًا في مقهى «فلورانس»(1)
بكل هذه القوة كنت مبتلاّ وحزينا لأجل شجرتها
التي نبتت فجأة في «قرطاج».
حاذر أيّها الوغد، لا تُغَنِّ معها أغنيتها الإنقليزية
[ إلى الوراء قليلا وخذْ شيئا من الحظِّ(2)]
أحذّرك مِن أن تقولَ لها في المرة القادمة: أنت «نجمة»!
لأن السماء ستكون غاضبةً ومحمّرة.
لا أريد أحدا يوقظ تلك الطفلة المنسوجة من خيوط عنكبوت،
من حمرة برق في سماء عالية !
الهوامش
(1 ) مقهى وسط العاصمة تونس.
(2) سطر من قصيدة بالإنجليزية للشاعرة «نسرين قوجة» بعنوان «عشّاق» / «Lovers».
——————-
عبد الفتاح بن حمودة