«الثرثرة الشعرية هي فجيعة شعرنا العربي».. بهذه الجملة النثرية اختصر نزار قباني مقدمة ديوانه (كتاب الحب) مبشرا من خلال هذه الجملة بنمطٍ شعريٍ كتابيٍ جديد ، يصلح لهذه المرحلة ومتجاوزا لمراحل كتابية مضت معللا ذلك إن «أعظم الشعراء أولئك الذين كتبوا بيت شعر واحداً وماتوا بعد كتابته مباشرة»(1). إن اللعبة الشعرية كما يسميها نزار هي لعبة إشارات ضوئية والشاعر الناجح هو الشاعر الذي يعرف متى يصمت ومتى يلقي ورقة الدهشة. إن الذائقة العربية الشعرية تمر بتحولات كثيرة والقصيدة العربية تغير لونها وجلدها بما يتناسب وعصرها فهي دائمة التغير والتحول وتطرح نفسها بأشكال كتابية مختلفة والعصر الذي نعيشه هو عصر سرعة وعصر لقطة وعصر إشارة ضوئية خاطفة ، هو عصر لا يمكّن الشاعر لأن يقول كثيرا ، لأن الزمن زمن سرعة ولأنه وببساطة أيضا قد مل كثير الثرثرة طول تاريخه الشعري الطويل ، وها هو الآن يبتكر نمطا كتابياً جديداً، نمطاً يختصر كل ما يمكن أن يقال في دفقة شعرية واحدة ، دفقة تشبه التماعة برق لثوان ، التماعة قادرة على إيجاز كل الحالة الشعورية لحظتها .
إن الكلام العربي أصبح يقترب كثيراً من الاختصار، وهذا أمر لا يقتصر على الشعر فقط ، فهنالك القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً وهنالك الشذرات ، إذ أصبحت الكتابة تشبه الإضاءة السريعة في كاميرا التصوير ، فعين الكاتب عين لاقطة واصبحت كتابته ترجمة حقيقية لعينه اللاقطة اللحظوية وأصبح الكلام الكثير لا يشبهه ولا يشبه زمنه ، إذ هو ليس في حاجة اليه ، فالثياب الطويلة اصبحت عبئا عليه ، فكل ما يحتاجه لحظتها هو إقتناص فكرة وتمريرها بلغة شعرية مفصلة على مقاس تلك الإلتماعة الفكرية لحظتها .
«ليس من وظيفة الشعر أن يشرح كل شيء»(2) والشاعر «لا يعرض آراء ولكنه يعرض رؤية» وهو «لا يعبر عن الحياة ولكنه يخلق حياة أخرى معادلة للحياة» (3) ، إن الحياة الجديدة التي ينشدها الشاعر الحديث ، حياة تشبهه ، تشبه قلقه وتوتره ، تشبه إيقاع زمنه الذي يقول كثيراً ولا يقول ، وما هذه الحياة التي ينشدها إلا تمثيل مشابه لقصيدته ، بل القصيدة انعكاس حقيقي لزمنه الذي يعيشه ، إذ أصبح الشاعر الحديث يجترح سياقات كلامية جديدة وأصبحت اللغة لديه مكثفة مضغوطة تشبه إيقاع حياته وتوترها ، فهي ومضة تقول ولا تقول، كما أن الشاعر لم يعد بحاجة إلى حشد الكثير من الكلام في قصيدته فهو يود أن يلفظ فكرة إلتمعت في ذهنه دون أي تكلف لغوي، فكرة يلتقطها من خلال تفاصيل حياته اليومي والتأمل في الحياة والموجودات ، ويود أن يوصل هذه الحالة الشعورية بأقل الكلام ، ولم يعد الشاعر يحفل أيضا بالزخرفات اللفظية والكلامية التي ربما قد تشغله عن إيصال فكرته ،فاللغة لديه أصبحت أبعد ما تكون عن «الصياغات البلاغية التقليدية والجزالة اللفظية التي تجر الشاعر الى صياغات مكررة ضمن قوالب جاهزة ومعان مستهلكة»(4) فهي لغة فيها « الكثير من الألفة والحميمية والبساطة .. فهو يتناولها من الطريق»(5) مشكلا من خلالها رؤاه حول الكون والحياة .
وفي الكتابة العامية الجديدة (6) ثمة اجتراحات شعرية لممارسة هذا النوع من التكثيف الكتابي الجديد ، إذ اصبحت القصيدة العامية تقدم نفسها كشكل كتابي يطرأعليها ما يطرأ من تحول في أشكال الكتابة الشعرية الحديثة ، فهي تتساوق مع هذه التحولات تساوقا لا شعوريا ضمن سياق كتابي عام وتقدم نفسها كمنجز شعري وفن من فنون القول المكتوب، وبعيدا عن المسميات والاصطلاحات التي يمكن ان تطلق على هذا النوع من الكتابة الشعرية: كقصيدة الومضة ، قصائد قصيرة أو قصائد قصيرة جدا , اللقطة ،التوقيعات، الهوامش، اللافتة .. وتشبيهها بجهاز الإضاءة في كاميرا التصوير، فإن وجودها كشكل كتابي لا يمكن تجاهله وبالذات عند الكثير من كتاب قصيدة النثر وما تمر به من تطورات في العالم العربي كما اننا قد نجد مشابها لها في شعر «الهايكو» الياباني (7) والذي يحتل مرتبة عالية في الثرات الشعري الإنساني، وما يتميز به شعر الهايكو من «الاختصار في اللغة وصياغة اللحظة الإنسانية الشاعرة، التي تتخذ من قوة العاطفة .. من شعرية الكلمة جملة ايقاعية .. تختزن في عدد ألفاظها المحدود مساحات لغوية شاسعة التأويل وفضاء للمتخيل الشعري»(8) . ولو أخذنا على سبيل المثال تجربة كتجربة عدنان الصائغ وتتبعنا الاشتغالات والاختزالات الشعرية التي يشتغل عليها في تجربته لوجدنا أمثلة كثييرة على ذلك ، فمن «تأبط منفى»، «قصائد قصيرة» ، «تكوينات» إلى «تنويعات» نجد الكثير من الاشتغال على هذا النوع من الكتابة الشعرية الجميلة والعالية الشعرية . فمن ديوان تأبط منفى نقرأ نص « أبواب»(9) :
أطرق بابا
أفتحه
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحه
أدخل
لا شيء سوى بابٍ آخر
يا ربي
كم بابا يفصلني عني
فنحن نرى هذه الحالة الشعورية التي استطاع الصائغ أن يلخصها في هذا المقطع القصير ، فهو يلخص إغترابه وقلقه وألمه بأقل الكلام .
وبالعودة إلى عاميتنا الجديدة التي نتحدث عنها وبتتبع خط سيرها الكتابي فإننا نلحظ ذات التحولات وذات الاشتغالات الكتابية على النص الشعري ، ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي ظهرت اشتغالات جديدة على القصيدة العامية في الخليج فطرحت اشكالا كتابية جديدة ، أشكالا تذهب بالقصيدة نحو فتوحات كتابية لم تعهدها القصيدة الشعبية ، إشتغالات قائمة على الإختزال والتكثيف الشعري العالي كاسرة النمط التقليدي للقصيدة العامية لتصبح قصيدة «تلتقط بكلمات معدودة المعنى وتبني بأقل عدد من المفردات نصاً متكاملاً،ذي فكرة مركزية واحدة» (10) ، فنقرأ لـ محمد النفيعي (11) :
تدر وش أكبر مصيبة
ممكن في لحظة تهدك
لما يغدرك أصدقاك
وتنكر دروبك خطاك
وكل شيء يصير ضدك
حتى يدك !
وقد تتطور فكرة الإختزالات الشعرية هذه لتصبح المقاطع أقصر وأكثر كثافة وتركيزا وابتكارا وهذا ليس بالغريب اذ «إن تاريخ الوجدان الشعري عند العرب مؤسس أصلا على الإهتزاز للإضاءات السريعة الخاطفة سواء أكانت فكرية أم وجدانية»(12):
لا ْتخاف
هذا البرق
حلم السما الزرقا
واحساسها بالفرق (13)
إن هذا النوع من الكتابة الشعرية قد تفنن الشاعر العامي في إتقانها أو لنقل أصبحت تستهويه لما فيها من الإختزال والتكثيف الكتابي العالي سواء على صعيد الفكرة أو على صعيد الجمل الشعرية القصيرة والمكثفة فنجد أن الجملة الشعرية أحيانا تحتوي على ثلاث كلمات فقط وأن المقطع الشعري لا يتعدى سطرين ، وبالتأكيد فإن هذا يحتاج إلى حرفنة كتابية كبيرة وإلى تركيز ذهني عال فليس هناك أسهل من الثرثرة الكتابية . ثم تطورت القصيدة عند الشاعر العامي لتصبح عبارة عن مجموعة من المقاطع المرقمة ، مقاطع تختزل الكثير من التكثيف الكتابي تترابط هذه المقاطع مع بعضها البعض وكانها مسبحة يشد كل مقطع الآخر اليها مشكلا فكرة واحدة مكتملة ومقدمة « أنموذج شعري جديد له تشكيله، وصوره، ولغته، وإيقاعاته (الداخلية والخارجية) وتنبع خصوصية هذا الأنموذج الشعري بما يكتنزه من ملفوظات قليلة، ذات دلالات كثيرة، وإيحاءات خصبة، تتخلَّق من ذاتها، وعلى ذاتها، في حركة بؤريّة مكثفة، ومتوترة»(14)
وما نلحظه في تجربة الشعر العامي أو في بدايات التجربة لكتابة هذا النوع من النصوص ، ما نلحظه إعتماد هذه النصوص على الإيقاع الموسيقي العالي فالتركيز على وجود القافية وقصر المقاطع الشعرية في الجملة الواحدة يعتبر مطلبا مهما في هذه المقاطع ، لأن الأذن العربية بطبيعتها موسيقية ومحاولات التجريب في تلك المرحلة لم تستطع التخلص من غنائية المقاطع هذه وموسيقاها العالية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالشعر المكتوب :
يا نعمة (ما) النافيه :
شفت انا الشاعر وهو يشنق بتهمة قافيه
شفت رجليه تتدلى في الهوى
لحظتها ..
شفت الأرض تمشي حافيه !! (15)
بينما نجد على الجانب الآخر شعراء لا يحفلون كثيرا بالاشتغال الشكلي والموسيقي في مقاطعهم الشعرية فتأتي هذه الومضات بكامل عفويتها وانسيابيتها وغنائيتها ، تأتي كومضة هادئة محملة بالكثير من الشعر وبلغة وصفية رومانسية :
حبيبة قلبي لو تدرين
بوجودك
صحارى الشوق تتحول
نهر يجري
وسط قلبي
مزارع تين (16)
لكن القصيدة العامية تواصل تحولاتها الكتابية ، فتطرح اشكالا أكثر تطورا في قصيدة الومضة الشعرية فتحاول التخلص من أسار الايقاع السريع والقوافي المكررة والجمل الشعرية القصيرة إلى فضاءات كتابية أوسع، وفي نص الشاعر أحمد الشيدي (قريةٍ في خدرها الدافي تنام) ذلك الأنموذج للنص المتجاوز في اشتغاله، فهو نص يطرح نفسه بفكرة شعرية مختلفة حيث عمد الشاعر الى تقسيم النص الى مقاطع تلتقي مع بعضها البعض في هدف مركزي واحد ، وإذ تتعدد مناخات هذا النص ومشاهداته القروية إلا إنه يلتقي في جميع المقاطع في فكرة واحدة ألا وهي فكرة القرية ، هذه المقاطع المكثفة الذي وضع لها عناوين جانبية يحاول من خلال كل عنوان أن يكثف الفكرة المتعلقة به من خلال أشطر قليلة يدفعها دفعة واحدة ممسكا بالفكرة واللغة في تكثيف جمالي رائع :
* السدرة العودة :
أي ينبوعٍ يغذّي في عروشك كل هذا التيه؟!
أي ســـرٍ أخضرٍ موّار في صدرك ولا قلتيه؟!
ياللي لونـــتي الزمــن..
كل هالأخــــضر لمن؟؟
ياوريـــــفة…
كم قُـمْـريٍ تهــجّى في صباحـــاتك رفـــيــفهْ؟
وكم أنا قــطّـفت من هذا البــــها المخْضل لحــظاتٍ شفــــيفه؟!
* الفلج (1):
لـسان بنـتٍ طايشهْ..
يمتد في وجه اليباس!!
* الفلج (2):
عاشــق متــيّم قضى عمرهْ
مــترحْــــلٍ بـيـن أحـــبابـهْ
يضــــمــهم شجــرةٍ شجرهْ
ويقـــبّل الحـقـل وأعــشابهْ
مجنون..مسكون بالخضرهْ
وبـ فـكـرة القرية / الغابهْ !! (17)
ولعلنا نلحظ من خلال النص السابق أن التجريب الكتابي هذا لا يقتصر على قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر إنما ينسحب أيضا على القصيدة العمودية وهو نوع من التجريب داخل مملكة القصيدة العمودية ، ولعلنا لا نذهب بعيدا إذا قلنا أن لهذا الشكل الكتابي جذور في شعرنا العربي فهناك ما عرف بالمقطعات «وقد زعم الرواة أن الشعر كله رجز وقطع» (18) «وقيل لإبن الزبعري : إنك تقصر أشعارك ، فقال : لأن القصار أولج في المسامع وأجول في المحافل، وقال مرة أخرى: يكفيك من الشعر غرة لائحة، وسبة فاضحة» (19) ومما يروى للجماز قوله :
أقول بيتاً واحدا أكتفي
بذكره من دون أبيات ِ (20)
إذن وكما قدمنا أعلاه فإن هذا الشعر هو « ذات ملفوظات قليلة ودلالات كثيرة ، وايحاءات خصبة تأتي كوميض البرق بدفقة وجدانية مكثفة تترك انطباعا في الشعور لا ينمحي»(21) فهو إلى جانب ذلك فإنه يقدم لغة كتابية مختلفة ، لغة تتناسب وهذا الشكل الكتابي الجديد ، فاللغة أصبحت أكثر سهولة وعفوية ودارجة وواقعية ، فلا وجود للكلمات الوعرة الوحشية أو الفخمة الرنانة فالتلقائية والعفوية والاشتغال على الفكرة اللقطة هو ما يكاد يغلب على هذا النوع من الكتابة ، كما إننا لا نجد كثير اشتغال على اللغة وخيالاتها والاستعارات اللفظية والخيال المبالغ في توظيفه ، فهذا النوع من الكتابة لا يحتاج إلى كل هذا الحشد بقدر ما يحتاج إلى ذهنية لاقطة قادر على اصطياد فكرة وتوظيفها بأقل قدر من الكلمات .
في كتابات حمود بن وهقة اليحيائي الكثير من الاشتغالات الجميلة على قصيدة الومضة داخل جسد القصيدة العمودية ،فهو يأخذ من اللهجة ومن تفاصيل الحياة اليومية الكثير من مفرداته ، فتأتي الدفقة الشعرية لديه مكثفة ومترابطة لدرجة إنك لا تستطيع أن تفصل بيتاً عن الآخر وذلك لتتابع الفكرة ولتحقق شرط الومضة الشعرية فيه :
بتروح عنّي يا غناتي ؟ !
ملقاك :حلمٍ ما اتهنّاه
خايف مع الأيام تاتي
وتمرّ بيتي واتعدّاه !
روّح فديتك ،لا تحاتي
أنا بخير ، الحمد لله !
إن تلقائية حمود بن وهقة وعفويته واقترابه من لغة الشارع هو ما يميز الكثير من ومضاته الشعرية القائمة أصلا على الدهشة في الكتابة ، هذه الدهشة الخارجة من معاناة الانسان العادي ومن تفاصيل حياته وأفكاره اليومية والعادية ، هذا إلى جانب امتلاكه لأدوات تعبيرية خاطفة ، قادرة على اختطاف الفكرة وتقديمها بأقل الكلمات :
لا تسألي : شو تحس ؟
صعبة عليّ ، أقول
والله «أحبك» … بس
خايف ، من المجهول
قد تكون قصيدة ـ الومضة وسيلة من وسائل التجدد الشعري أو شكلاً من أشكال الحداثة التي تحاول جاهدة مجاراة العصر الحديث … ولكنها مع هذا تبقى استجابة صادقة لصوت الشاعر الداخلي الذي يحاول أن يرسل من خلالها رسالة شعرية يضمن أن تصل إلى قارئه بأسرع وقت ممكن، حاملة له عالم الشاعر وذاته معبرة في الوقت نفسه عن همومه وآلامه … أو حتى عن أحلامه ، مؤكدة له أنها تتناسب في شكلها على الأقل مع مبدأ الاقتصاد والتقتير الذي حكم حياتنا العصرية المتحضرة»(22) ، من أجل هذا كان لزاما على الشاعر أن يبتكر شكله الشعري الجديد، والذي نلحظه في قصيدة الومضة أن شعراءها يعتمدو نسقا كتابيا وشكليا معينا حتى في طريقة توزيع الكلمات وفواصل النقاط ما بينها وذلك لأيصال الحالة والدفقة الشعورية للقارئ ، « فحين يسعى الشاعر إلى إذابة الجمل واستبعاد الحدود الفاصلة بينها يمتنع عن وضع اشارات الترقيم اللازمة للتحديد البنائي والمنطقي وبالنتيجة لوضوح المعنى» (23) :
كان لي قلب ودفنْتَه تحت إعصار الرماد
كان لي صوت وخنقْتَه لجل توسعني البلاد
واليوم أنا من دون قلب
واليوم أنا من دون صوت
في وسط درب الموت شيّعني المداد!!
في المقطع السابق للشاعر حمد الخروصي ، هذا الشاعر الذي يحاول ان يختصر حزنه في مقطع قصير كهذا، والذي نستطيع ان نلحظه من خلال ومضاته المنشورة على صفحته في الفيس بوك ، نلحظ هذا الحزن الذي يتعملق والذي يصر أن يتمادى أكثر وأكثر مع كل مقطع ينشره ، ونلحظ ذلك التكنيك المبهر في ومضاته الشعرية التي تصر على التناوب بين قصيدة التفعيلة وما يمارسه من تكثيف في مقاطعه العمودية ، نلحظ نافذة الكلام هذه التي يصر على أن تكون مفتوحة دائما مقدما من خلالها شكلا شعريا كتابيا جديدا يطفح بذاتية جمعية لا تخطئها عين قارئ :
ظنّيت أرضك ذهب
وغافك شجر تين
وأفلاج جوفك عنب
وبحرك دمع عين
ضيّعت عمري أحب
رمل وحصى وطين
أنام حلمي السُحب
وأصحى بسكّين!!
ما عاد فيني عتب
أعتب على مين ؟!
إن هذه الومضات التي لا تدوم طويلا ولكن يبقى أثرها حاضرا في القلب ، هي الطريق الأمثل للتعبير عن تناقضات هذا العصر وتقلباته ، وهي الأقدر على اختصار أحزاننا وآلامنا في زمن سريع الايقاع ، وهي الطريقة الأجدر على مجاراة هذا الزمن بكل تحولاته .
وفي نص (حالة) للشاعر خالد نصيب العريمي نجد أنه « يستعين بأشكال عدة للتنقيط والفصل من أجل تمزيق وحدة الجملة وتقطيعها في أجزاء مبعثرة .. وإلى جانب تقنيات التنقيط والترقيم يلعب شكل الكتابة وتوزيع النص معاً أو كل على حدة دوراً مماثلاً في تفكيك الجملة وإعادة تقييم مكوناتها كومضة» (24) ونحن نرى في هذا النص أن الشاعر عمد الى تقسيم النص إلى مجموعة مقاطع ، كل مقطع يحمل عنوانا معينا وفكرته الخاطفة أيضا ، يحاول من خلال هذا التكثيف اختزال المقطع الشعري بفكرة دالة واحدة ، والجديد في هذا التقسيم إنه استعان بشكل كتابي معين قائم على تقنيات التنقيط وتوزيع المفردات وتفكيك الكلمة مستفيدا من الإيقاع الصوتي الذي يحدثه هذا التفكيك وما يوحيه من معنى دلالي متعدد إلى جانب محاولته نثر بعض الكلمات حرفيا مستفيدا من التقنية البصرية وما توحيه من دلالات شعورية على نفسية القارئ ، سأختار ثلاثة مقاطع من النص تختصر الوصف أعلاه (ولنلاحظ التجريب التقني في مقطع « تتمة لولع قادم « الذي يمثل نوع من التجريب في داخل قصيدة الومضة القصيرة) :
* تتمة لولع قادم :
اذا ما خانت المرسى ..
تجي من حرقة انفاس البلاد اللي انطفت فرحة
تشد عودي على صاري الحنين وتبحر بمنفاي
تجي وجه تلته الريح لأهداب اللقا طرحة
شمالك تاركٍ كل الوجيه وساكن بفوضاي
توضت من نهر عينك سنين العاشق وجرحه
وصلّت في السما مزنٍ تناثر وردها بـ أقصاي
ودام إنك تجي ..
بنسى ..
* صـ .. هيل :
ترجل ..
خيلك تمادت في ضلوعي
وجفلت نبضي
ونوق الحرف
انين أحبارها هالت عليه تراب
غريب وخيمته حزنه
يقهوي من صـ .. هيلك
حيرته ويرتاب
ولا فـ .. وجهه سوى هالباب !!
* باب باتجاه البحر
أ
ح
ب
ك
…………
…………
يعني ما جابت لك عيوني
أبد سيرة !!!
ان الاشتغال في نص «حالة» لا يكتفي بالتكثيف والاقتصاد اللفظي إنما يتجاوز إلى استخدام تقنيات إيقاعية وموسيقية أخرى يوظفها الشاعر ، تقنيات تحاول أن تخرج بقصيدة الومضة إلى أبعاد بصرية تضاف الى جمالية قصيدة الومضة بوصفها نصا مختصرا مختزلا أو كما يصفها عز الدين المناصرة بأنها « قصيدة قصيرة مكثفة؛ تتضمن حالة مفارقة شعرية ادهاشية، ولها ختام مدهش مفتوح، أو قاطع حاسم، وقد تكون قصيدة طويلة إلي حدّ معين، وتكون قصيدة توقيعة، إذ التزمت الكثافة والمفارقة والومضة، والقفلة المتقنة المدهشة»(25) .
فنيات أخرى في قصيدة الومضة
تاخذ قصيدة الومضة في تحولاتها وأشكالها بن مختلفة ومتعددة ويتفنن شعراؤها في تقديمها وتظهر هذه البنى كسمات تسم بها هذه المحاولة الكتابية وما هذه السمات إلا تنويعات مختلفة لهذا الشكل الكتابي الذي لا يمكن ان يلتزم شكلا معماريا كتابيا واحداً وهي صفة تخرج قصيدة الومضة من رتابتها وتكرارها . وهي وان كانت تتناوب ما بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر فإن هذا التناوب خلق مساحة أرحب وفسحة أكبر للتجريب ولتعدد سبل تقديمها . فمن هذه البنى اعتماد قصيدة الومضة على القافية كمركزية إيقاعية إلى جانب
قصر الأشطر التي تظهر كدفقات قصيرة معتمدة على التكرار المتناوب للقافية ومعتمدة أيضا على الشكل الحلزوني لهذه الومضة التي تتناوب أشطرها على شكل دفقات وتموجات متتالية تنطلق من نقطة واحدة ليكتمل بها مشهد القصيدة الدائري ومثالنا على ذلك قول الحميدي الثقفي :
يا سيدي الجمهور
لولا عذوبة ما نقول
كان الحقول
صارت أراضي بور
عزيزي الجمهور
ان ما فهمت اللي نقول
تقدر تطفي النور
وقد تأتي هذه الومضات على شكل تعريفات قصيرة ، يريد من خلالها الشاعر تمرير فكرة معينة او تعريفا معينا فيختزله شعريا على شكل تعريف ينحاز فيه الى الفكرة اكثر من انحيازه الى شعرية المقطع وذلك كقول فهد عافت :
الكتابة :
إبرة مثقوبة من لا مكان
في لا زمان
إبرة يدخل بها خيط الدخان
وينسج الشاعر ثيابه
وقد تأخذ هذه التعريفات بعدا نقديا إجتماعيا كمعالجة قضية إجتماعية أو سياسية أو ثقافية فيسخَر الشاعر هذه الومضة الشعرية كومضة ناقدة وساخرة وذلك كقول عبدالمجيد الزهراني :
نادي :
حط مجموعة كتب
حط قاعة
حط كلمة (ربما)
أو
(حيثما)
أو
(ريثما)
حط نظارة لكم واحد غبي
تلقى : نادي ادبي .. !!
وقد تأتي قصيدة الومضة كدفقة شعورية واحدة متتالية على شكل قصيدة عمودية يلحق كل شطر فيها الآخر لاكتمال فكرته وتقرأ هذه الومضة بنفس شعري واحد لاحتوائها على تقنية التدوير التي يجذب كل شطر الآخر حتى تكتمل الفكرة مع الشطر الأخير ومثاله قول حمود الحجري (26) :
تكتب تفاصيل وحدتها قصيدة ..
الجدة ،وتفترش صمت الحصير..
المهتري، مثل باقي اشياء عديدة ..
ألوانـــها كالحة ، ما تستثير ..
غير الشعور البئيس ومزيده ..
من هم ، من غم ، من طعم مرير
والتجديد في القصيدة العامية لا يقتصر على كسر العمود الشعري وإنما قد يطال التجديد داخل مبنى القصيدة العمودية نفسها فنجد الشاعر يستثمر الكثير من التقنيات الشكلية في قصيدة الومضة العمودية كمثل الجمع بين المتقابلات والمتضادات فنجد صورة مقابل صورة ضدية وحالة مقابل حالة أخرى مما يولد الموسيقى الداخلية الذي تحدثه هذه المتقابلات ، كقول الحميدي الثقفي في مقطوعة بعنوان (رفيف) (27) :
أكتب رفيف وتطيح اربع نجوم وسنا
من فوقها نجمتين وتحتها نجمتين
كتبتها فـ (أول الصفحه) تساقط جنا
كتبتها فـ (آخر الصفحه) نبت ياسمين
كتبت (فوق السطر) مال السطر وانثنى
يمــيل يم اليسار وينحني لليمين
كتبت (تحت السطر) وارخيت عيني وانا
أكتب وتسأل رفيف: الشعر هذا لمين ؟!!
وفي قصيدة (روزنامة طالب جامعي) للشاعر أحمد الشيدي ذلك الاستثمار الجميل لقصيدة الومضة العمودية ، حيث قسم النص إلى أيام أسبوع بما يشبه روزنامة حقيقية وأمام كل يوم يسرد جدوله شعرا مستفيدا من التكثيف الكتابي والايقاع الذي تمنحه القصيدة العمودية القصيرة وما هذا الاستثمار إلا جانب فني آخر تمنحه القصيدة العمودية التي لا تقتصر كتابتها على الشكل الكلاسيكي وانما هناك جماليات أخرى يقدمها هذا الشكل الشعري الكتابي:
السبت :
اول محطة بعد .. وأطول محطة
السبت بحرٍ ما يحدنه شطوط
مدري شياطين التعاسة تمطه
ولا أنا بحبال ذكراي مربوط
أحسنــي في لجة السبت نقطة
تخرج عن حدود الدواير ولْخطوط
الأحد :
يبدا انغماسي اليوم في بحر الأحلام
وانام عل النوم يهدي لي حلوم
والنوم أقصر سكة بين الأيام
أمرها واحساسي يصيح : مهزوم
مهزوم .. ادري لكن النصر قدام
أقولها لنفسي عزا .. وأكمل النوم
وهكذا تستمر القصيدة بهذا الدفق والشكل الشعري الجميل والتي يحسن فيها الشاعر استثمار القصيدة العمودية وتقديم شكل شعري جديد قائم على الدفقات القصيرة مقدما شكلا جديدا من اشكال الومضة الشعرية الحديثة .
ومن الفنيات الجميلة في القصيدة العمودية انها تأتي على شكل ومضة داخل جسد قصيدة تفعيلة فتأتي هكذا فارقة كصوت يقفز صارخا كاسرا الأذن الموسيقية وموجها اياها نحو كلام ينبغي لحظتها ان يقال ، ولنأخذ مثالا على ذلك نص (وجه) للشاعر عبدالعزيز العميري :
علـَّـقَـتـْـني الارْض في سقـْـف السما وْقالـت لِيَ ارْحل
وْما بقى لي من جناح
لجْلَ أعوَّد
أو أطير
من يفكَّ قـْيودَهَا من معْصمِي ؟!
آنا جسَد عاري وَكلـِّي أرْتجَفْ
مخذول حتى من دمِي
دشداشتي ملـَّـت عظامي
للأسف
واخْتارَتَ الرَّيح !
وْرغـْـم هذا
كل َّ شيَّ بْخير لكن :
عابس ٍ مثل الشواطي اللي تفارقها النوارس
مالهـا إلا تــمــنـَّـي رْمالــها بْسـرب ٍ جديد
الحياة اشْـبه بزنزانه عليها الموت حارس
والـزمن شمْــس وْسنين العمْــر قطـْـعـه من جليد
فنرى كيف دخلت الابيات العمودية على شكل ومضة او على شكل صوت تستوجبه الحالة الشعورية ومبررا له فنيا ممهدا لهذا الدخول بـ (لكن) التي تفتح شهوة السؤال وشهوة الحديث .
وهذه التقنية لا تقتصر على الشكل العمودي بل ربما تاتي على شكل قصيدة تفعيلة كما فعل فهد عافت في قصيدته (كيمياء الغي) التي جاءت هذه الومضة على شكل بطاقة في منتصف قصيدة تفعيلة مدورة حيث استثمر البعد السينمائي ليمرر هذه الاضاءة :
بطاقة :
أكثر الأشياء قرف
قارئ يقلب في كسل حزنك تماما
مثل ما سيل المجلات القديمة
في صوالين الحلاقة !
مقاطع قصيرة جدا
ان المتتبع لبناء قصيدة الومضة يجدها تأخذ أشكالا معمارية مختلفة إلى جانب المزج أو التنويع الحاصل بين الكتابة الموزونة والتي تأخذ شكل قصيدة التفعيلة والشكل الآخر الذي يأخذ مساق قصيدة النثر . وكما سردنا سابقا الأشكال الفنية المختلفة لها نتوقف هنا عند أحد اشكالها المهمة ألا وهي المقاطع القصيرة جدا ، إن بنية هذه المقاطع تكاد تختلف فنيا عن المقاطع التي سردناها سابقا، فهذه تقوم على الاختزال الشديد المكون من السطر أو السطرين أو الثلاثة بالكثير ، فهي تهتم بالتفاصيل الصغيرة والمهمشة وتطرح أيضا الكثير من الأسئلة وبأسلوب ساخر أحيانا وقد تأتي مباشرة حكائية ، فهي تخدم غرضها الذي كتبت من أجله وهي لاتهتم كثيرا بالوزن بقدر تركيزها على الفكرة ، من أجل ذلك فقد تتحرر قليلا من الوزن سالكة منحى نثريا مقتربة من قصيدة النثر لكنها تبقى محتفظة بنكهة قصيدة التفعيلة من خلال الترابط والتساؤل الذي تحدثه الكلمات وما تنتجه من معنى من خلال ترابطها مع بعضها البعض . ولنأخذ مثالا على ذلك هذه المقاطع لـ محمد الرطيان :
(بنت)
المرآه
لما شافتها .. قالت : آه !
(نكته)
في المدينه ..
اجمل نكته سمعها رفاقي
كانت : أخلاقي !!
ونقراء لعبدالمجيد الزهراني (28) ايضا ما يعضد هذه الفكرة هذا المقطع الساخر والذي هو بعنوان (مقطع صوتي) :
سأل الشاعر :
هذا صوت الشعب يثور
رد الشعب :
هذا صوتك بس « يـ … ثور « !!
ونقراء في مقطع آخر له بعنوان « بيان» :
التاريخ :
– أرقام
– أسماء
– بطيخ !
وبالنظر الى المقاطع أعلاه عند (الرطيان/ الزهراني) نجد أن الشاعر يعتمد اللقطة السريعة والنقد الساخر فهو يطرح فكرة من خلال كلمات قليلة مكثفة ، وقد يحمل هذا المقطع فكرة إجتماعية أو سياسية أو فكرة ذات نقد ثقافي معين ونلحظ أن الشاعر يهتم بالفكرة والإختزال الشديد فيها أكثر من اهتمامه بالصورة أو بالفنيات الأخرى للقصيدة التقليدية .
ونقراء للحميدي الثقفي مقطع بعنوان «بوح» :
ياموطني
دام الحياه أخذ وعطا
خذ وأعطني
إن هذا النوع من التكثيف الكتابي القصير جدا القائم على الدرامية والتضاد والفاعلية سريعة التأثير على القارئ هو ما يترك كبير الأثر على نفسية المتلقي من خلال وخزة سريعة الأثر وخزة مكثفة ذات إنطلاقة عفوية مكتنزة بالكثير من الدلالات والايحاءات الشعورية التي ترصد دقائق الأشياء المحيطة بنا ، والتي لا تغفل أيضا العمل الذي يحدث داخل جسد اللغة من خلال العلاقات بين المفردات ،ففي مقطع الحميدي الثقفي السابق تصل إلينا الفكرة من خلال وخزة سريعة الأثر ، هذه الوخزة المحملة بالتضادات اللغوية والايقاعية التي تحدثها ترابط المفردات مع بعضها البعض موصلة تلك الحالة الشعورية التي تحقق الوظيفة الحقيقية والجوهرية لهذه الومضة الشعرية القصيرة .
وفي تتبعنا لتجربة الشاعر السعودي حابس المشعل(29) نجد أنه هو الآخر يمارس حرفنة كتابية عجيبة ، وقدرة مذهلة على رسم هذا النوع من التواقيع الشعرية القصيرة ، فكتابته تأتي خارجة من رحم المعاناة اليومية ، هذا إلى جانب دفقتها الشعرية العالية :
حزني دفتر
والتواقيع الـ حزينة
كلما غنيت تكثر
ونقرأ له توقيعة عمودية مختزلة أيضا:
الأنثى : حفلة مطر
والدعوة مفتوحهْ
ولكل شاعر حضر
كشكول لـ جروحهْ
إن تواقيع حابس المشعل تختار طريقا كتابيا آخرا، طريقا شديد الاختصار والاختزال فتأتي ومضاته إو مقاطعه القصيرة جدا شديدة الوخز أو شديدة الألم ربما ، حتى مقاطعه العمودية تأتي شديدة القصر ، ونحن لو تتبعنا هذا الشكل الكتابي ودوافعه الفنية لوجدنا ان الدافع الأساسي هو دافع نفسي وشعوري قبل ان يكون دافعا فنيا ، وما الشكل الكتابي إلا ترجمة لهذ الحالة الشعورية التي يحتاجها الشاعر ليترجم شحنة المشاعر والأفكار داخله فتختار كل قصيدة شكلها الكتابي ، ان الكتابة لا تأتي خارج سياق المعاناة اليومية ، ففي الوقت الذي لا يملك الانسان ازاء معاناته إلا الصمت تأتي مقاطعه الشعرية قصيرة أو أقرب ألى صمته فهي تختار من الكلام أقصره ، لنقرأ المقاطع التالية المتفرقة له وسأعمد هنا إلى ترقيمها على التوالي :
(1)
وانتي أجمل
شفتني بعيونك : أطول
(2)
الصداقة
في الزمن هذا : اعاقة
(3)
حزني أكبر
من غباء الناس وأكثر
قصيدة النثـر / قصيدة التفعيلة :
ثمة تجربتين ملفتتين للنظر في تجربة الشعر العامي الحديث في الخليج هما تجربة الشاعر حمود الحجري وتجربة الشاعر محمد الرطيان ، والملفت في تجربتيهما هو محاولاتهما المستمرة في التجديد وخروج القصيدة عندهما نحو محاولات كتابية أوسع وأرحب من إطارها التقليدي ، فنجد أن هذين الشاعرين قد تجاوزا الأشكال التقليدية للقصيدة العامية ، بل إنهما أخذا القصيدة العامية إلى ما هو أبعد من كتابة قصيدة التفعيلة بشكلها الكلاسيكي أو الغنائي ، فنرى عند الرطيان أنه يتحرر من الوزن الشعري مقدما نمطاً شعرياً جديدا مع احتفاظه بالقافية في نهاية الأشطر، وهو شكل مطروح في قصيدة النثر العربية عند بعض شعرائها، وللرطيان ومضات شعرية على هذه الشاكلة ، فهو يكتب ومضات شعرية متحررة من قيد الوزن منطلقة نحو أفق كتابي أرحب مع احتفاظه بالقافية في نهاية الشطر وهذا شكل فريد من نوعه في تجربة القصيدة العامية ، ورغم محاولات الرطيان للتحرر من الوزن إلا أن وجود القافية يشده أكثر الى قصيدة التفعيلة ، فنشتم رائحة قصائد التفعيلة في قصائده المتحررة من الوزن ، لنقرأ الومضة القادمة والتي جاءت بعنوان (شاعر) (30) :
أنا : دهشه !
أنا في جسد هذا الكون: رعشه
أنا : الحي الوحيد اللي كسر نعشه
واطلق صرختين :
فراشه
وعصفورٍ ملون حزين !
أنا : الملك الوحيد اللي – في لحظة غضب – في أقرب سلة مهملات، رمى عرشه !
والملفت في تجربة الرطيان أن قصائده لا تقراء فقط إنما تقراء وتشاهد ، فمن قراءتنا لنصوصه نجد أنه يشتغل على تنسيق معين في كتابة القصيدة ، فالقصيدة عنده تعاش وتتأمل ، وتنسيق الكلمات لها مدلولاتها الفنية في قصائده أو في ومضاته فهو لا يعتمد على تنسيق عبثي ، فنثر الكلمات على الصفحة البيضاء عنده لها مدلولاتها النفسية ، فالقصيدة لا تكتب فقط بل ان طريقة رسمها له دلالاته الايحائية أيضا وهذا ما يحاول الرطيان توصيله للمتلقي من خلال تنسيقه الفريد في رسم القصيدة وطريقة كتابتها ففي نص (حوار) نرى هذه الحرفنة العجيبة في رسم القصيدة ورسم الكلمات :
– ليه كلمة الـ «موجوع»
يجي آخرها : «جوع»؟
– …………….. !
– ليه كلمة «تقدم» ..
يجي آخرها : الـ «.. دم»؟
– …………. !
– وش علمك صرت (أطرم) ..
أنا قلت شي ممنوع ؟!
ان قصيدة الومضة عند الرطيان تأخذ أشكالا مختلفة ومغايرة تماما عن ما يكتب فهي فريدة في نوعها وكتابتها ، فهو إلى جانب تخلصه من الوزن واستبقاء القافية فإن التشكيل البصري والرسم الحروفي للكلمات يعد من أهم مقومات القصيدة لديه فمن أجل ذلك فإن قصيدته تقراء وتشاهد والقراءة قائمة على نثر الحروف وتفكيكها وبما تحدثه من تغير في المعنى والدلالة الى الإيقاع الصوتي الناتج من هذا التفكيك إلى استخدام التنقيط وإشارات الترقيم والحوارات الداخلية في النص والشرط الجانبية (-) ، كل هذا هو جزء من قراءة النص لديه ، والذي يميز هذه الومضات لديه أيضا هو احتفاءها بهموم المواطن العادي والنقد الساخر الذي يحاول أن يقدمه من خلال وخزاته / ومضاته واشتغاله بالهم العربي . إن الرطيان من خلال هذه الومضات يقدم نقدا ساخرا لاذعا ممسرحا هذه الومضات الشعرية على شكل حوارات داخلية أو خارجية في جسد النص الواحد :
(خزنه) ، (هيا) ، (نشميه)
وكل النسا ..
اللي رسمتهن اقمار ، في دفتر المسا
تختصرهن بنيَه
زغيرونه
بدويه
اسمها : الحريه !
ويذهب الرطيان في ومضاته الى أبعد من ذلك فهو يمارس هذه التقنيات الكتابية المجنونة حتى في ومضاته الشعرية العمودية مستفيدا من كل التقنيات الحوارية والدلالية والإيقاعية للكلمة مبطنا هذه الومضات بنقد موجه، مستغلا دلالات المعاني والكلمات وما تنتجه من معنى في خدمة فكرة النص ، لنقرأ (قصـ .. يده) :
الله يجازي دفترٍ يخاف من ضحكة مـ .. قص
يداري حزنه بسطر ويكشف ضحكه بسـ .. طر
به الشعر : طفلٍ جميل .. لعيونها غنى .. ر .. قص
مجنون الى منه غضب .. واذا عشق : خطر .. خـ ..طر
هذا الشعر يا صاحبي ان زاد به شي نـ .. قص
مثل الغيوم ما تنتهي .. الا اذا اعطت مـ .. طر
(البقية بموقع المجلة على الانترنت)
استفاد الرطيان في الومضة السابقة من تفكيك المفردات وما ينتجه هذا التفكيك من معنى دال ، وإلى جانب المعنى فالتفكيك أنتج إيقاعا داخليا رفد الموسيقى الداخلية للنص ،وهذه التقنية التي بدأت بالعنوان واستمرت في القوافي الداخلية (قافية الصدر) والخارجية (قافية العجز) إنما تصب في فكرة واحدة وهذه الفكرة الواحدة بالامكان التوصل اليها من خلال تتبع المفردات والمعاني التي أنتجها التفكيك أي (المعنى الثاني) ، لنقرأ (قص ، طر) التي تكررت في نهاية الأشطر ولنربطها بعنوان القصيدة الذي نجده فيه أيضا كلمة (قصـ / يده) والذي تم إنتاجه بعد تفكيك كلمة (قصيده) .
أما التجربة الثانية التي نود التحدث عنها في هذا الباب هي تجربة الشاعر حمود الحجري الذي قدم هو الآخر تجربة مختلفة ومتجاوزة في ما يكتب من شعر عامي في المنطقة ، فقد ذهب في تجربته ومن خلال 5 إصدارات شعرية إلى مناطق لم تكن مطروحة في الكتابة العامية ككل ، فقد أخذ القصيدة العامية من أصابعها مدخلا إياها إلى أوسع أبواب الحداثة والكتابة الشعرية المعاصرة ، ولأن الحديث هنا حول تجربة الومضة الشعرية سنكتفي بالحديث حول هذا الجانب متلمسين تجربته التي يمكن أن نكتشفها من ديوانه الأول (الغرفة بلد) . إن تجربة الحجري في الومضة الشعرية أخذت بعدا ومساقا شعريا آخر فالحجري زاوج بين نصوص التفعيلة والنثر وحرر كل منهما من القافية ، وتاتي هذه الومضات عند الحجري على شكل مقاطع قصيرة متصلة ببعضها البعض مكونة نصا مكتملا معتمدا على قوة المقطع الواحد ذي الكثافة الشعرية العالية ، فكل نص هو وحدة مستقلة تجتمع داخل سياق عام مكوناَ مسبحة يشد بعضها بعضا . ويحدث لديه أحيانا أن يصل النص إلى (38) مقطعا في نص واحد ونجد أن كل مقطع يتحدث عن فكرة مختلفة وذلك كما في ديوانه « شق فجرك ظلامي وانجلت عتمتي « الذي احتوى على نصين ، حمل النص الأول عنوان المجموعة بينما احتوى النص الثاني على (24) مقطعا مكثفا :
ما خلص حكي السكيك
وما فضى مندوسها
كلما مريتها
تشعل أحاديث الشمال .
عن حكايات المحبة
شهرزاد ما تصوم
والحكي وارف شجرْهْ
وشهرزادي بارعه (31)
والملفت في نصوص الحجري عدم اكتراثه بالوزن فحتى قصيدة التفعيلة لديه تشعر أنها تقترب الى النثر أكثر، فهو يذَوب الموسيقى داخل جسد النص حتى إنك لا تشعر بحضورها الكبيرفهو يركز على اللغة والفكرة اكثر من اكتراثه بالوزن أو موسيقى الشطر الشعري الواحد :
بعض هذا الحزن
تقتات القصايد
باقي هذا الحزن
يقتاتني
ويتفاوت طول المقاطع لديه طبقا للحالة الشعورية فبعض القصائد تاتي قصيرة شديدة الكثافة بينما تطول في مقاطع أخرى ، فبعض المقاطع لديه هي عبارة عن شطر واحد فقط وشطرين في أحايين أخرى ، فالحالة الشعرية لدية لا يمكن التكهن بها وهذا أجمل ما في الشعر :
وينهم
روحو
….
…….
….
ما بقى الا طينهم
ان العين الشعرية عند الحجري هي عين لاقطة وقانصة تستثمر اللحظة لتكثفها شعريا على شكل مقاطع قصيرة أو ومضات سريعا ما تومض لتقول ثم تعود لتهداء لتعاود الإضاءة مرة أخرى بمقطع آخر يستثمر فكرة أو منظرا جماليا آخر :
أذكرني ، قلت : أنساك
كيف ؟!
مدري !!
أصابعي انسلت ونادت لك
ويتجلى عمق هذه التجربة عند الحجري في ديوانه الأخير (سنين الغيل) الصادر عن دار الفرقد في سوريا ، فقد اشتغل الحجري على هذا الشكل الكتابي بعمق شعري جميل ، إذ أصبح هذا الشكل الكتابي سمة واشتغال عند الشاعر حمود الحجري فهو يأخذ القصيدة العامية نحو أراض بكر ونحو اشتغالات شعرية جديدة تقتحمها القصيدة العامية مقدما أنموذجا شعريا جميلا تتفجر فيه طاقات القصيدة العامية في الكتابة ، إذ أنه من خلال هذه التجربة تدخل القصيدة العامية إلى مرحلة جديدة من الكتابة الشعرية ، فقلما نجد أن الديوان الشعري في القصيدة العامية يشتغل بأكمله على نص شعري واحد ، نص شعري مكون من 100 مقطع شعري مكثف يشتغل على تقنية الومضة الشعرية ممارسا فيه ومتأثرا بتقنيات قصيدة النثر الحديثة كما أنه لم يغفل إستثمار تقنيات قصيدة التفعيلة كالتدوير إلى جانب استثمار مساحات البياض في الصفحة ناثرا فيها نقاطه وكلماته مستفيدا من تقنيات الحداثة الشعرية الجديدة :
فاتنة يالزهرة اللي تضوعت واغتالت الوحشة،
وميضك ما يزال يحرك الراكد ويرمي في الجبَة
معنى ويحكي دفتري حالة أمل، شوق، احتدام،
آلام، عكْر، وفرحةٍ، ومضة .
إن ديوان « سنين الغيل « والذي وضع له عنوانا جانبيا (سيرة شعرية) هو نص يحتفي بالقرية وبالمكان ، إحتفاء بالغيل ، هي قصيدة مائية تحتفي بالماء والقرى النابتة على جوانبه ، إنها سيرة المكان :
القرى
مدت يديها للغريب
تنفض غباره
ترشه بالبشر
كان مثخن بالرماد
كانت شمسه مطفأة
شعر الفنون التقليدية
هل بإمكاننا أن ندخل قصائد الفنون التقليدية وقصائد المحاورة ضمن قصائد الومضة الشعرية القصيرة ، حيث أن هذا النوع من الإرتجال الشعري يعتمد على تكثيف الفكرة واختزالها في بيتين أو اكثر ولنا أمثلة على ذلك في قصائد الفنون المغناة كالرزحة والميدان والمسبع (الزهيريات) والهبوت في محافظة ظفار ونجد في دول الخليج كالسعودية والكويت ايضا أمثلة على ذلك في قصائد القلطة والعرضة . وهذه الفنون الشعرية المغناة تعتمد في أساسها على المحاورة الشعرية طيلة أداء الفن وعلى الإرتجال الشعري الذي يتطلب صفاء الذهن وتوقد الذاكرة واستحضار الفكرة ، إذ إن على الشاعر أو المحاور لحظتها أن يكون حاضر الذهن قادرا على اقتناص الفكرة من المحاور الآخر ومستعدا للرد شعرا بأقل الكلمات ، وهناك بعض الفنون لا تتطلب المحاورة ولكن الارتجال اللحظي مطلب مهم فيها ، فنجد قصائد مكونة من بيتين أو ثلاثة أو أربعة حسب ما يتطلب الفن ، هذه الأبيات ذات فكرة مركزة وشعرية عالية ولو تتبعنا هذه المقطعات الشعرية القصيرة لوجدنا فيها من الشعر الكثير . هذا الشعر القائم على الغزل أو التأمل الذي يستحضر الكثير من الفلسفة ذات الهم الإنساني ، والكثير من الشعر الشفاهي الموروث – والذي يحتاج هو الآخر الى جمع – الذي تحتفظ به الذاكرة الشفهية لا يتجاوز البيت او البيتين ، فهو ينتمي إلى هذه المقطعات الشعرية القصيرة التي تتناول الكثير من الأغراض الشعرية كالغزل والفخر والمدح والهجاء في أحيان أخرى . كما إنها لا تغفل الجانب الانساني وعلاقة الانسان بالكون والوجود فهناك الكثير من الأبيات التي تظهر فيها الفلسفة الإنسانية متمثلة في معاناة الانسان وعلاقته بالحياة إلى جانب هذه الفلسفة الجمالية القائمة على التأمل ، فنقراء من الموروث في فن الرزحة (همبل) (33) :
ما عاتبك يو زماني
قصيت كفي اليمين
يا عاضد الزعفراني
من عنبر وياسمين
إن هذه الأبيات لا يمكن أن نخرجها عن سياق فن الومضة الشعرية فنحن نجد فيها جميع شروط الومضة من تكثيف للفكرة واختزال للمعنى إلى جانب إستحضارها الهم الإنساني والبعد التأملي الحياتي وهذا يدل على شي ، على إن هذا النوع من الكتابة الشعرية له جذوره في الكتابة العامية الشعبية فهو ليس بجديد على القصيدة العامية ، فله جذوره في شعر الموروث المتمثل في الفنون الشعبية المغناة التي تنتهج الفكرة ذاتها . وتتعدد الفنون الشعبية وتتعدد هذه المقطعات الشعرية القصيرة التي التصقت بالغناء التصاقا والتي اصبحت تتردد على السنة الحفاظ والتي يجدو فيها جمالية في استحضارها لدى المواقف الحياتية العابرة التي تستلزم حضور هذه الأبيات كشاهد على موقف مر يتطلب حضور بيتين من الذاكرة يلخص هذا الموقف العابر . وهنا تكمن جمالية هذه الأبيات كونها ومضات سريعة عابرة تلخص موقفا سريعا عابرا فهي كإضاءة فلاش الكامرة السريع، وقد تأتي هذه الأبيات عالية الموسيقى والأيقاع ولكنها في نفس الوقت تلخص موقفا او فكرة ما :
باوادع الغالي لي حاله من حالي
قفّى الهوى ْشبابه يو ناس مو الحيله
رعدٍ وزلزالي فـ جو السما العالي
برقن فـ سحّابه .. وتْسوقه المخيله
وإذا أتينا الى التكثيف الشعري في شعر المحاورة الذي يطرح فكرة معينة للتحاور حولها والذي يذهب أحيانا نحو الفخر أو المدح أو الهجاء وربما يأخذ بعدا إنسانيا في أحايين أخر، نجد في شعر المحاورة الأعتماد على وحدة البيت الواحد أو البيتين والذي تختزل فيه فكرة بأكملها لأنه شعر قائم على المباغتة اللفظية اللحظية ، فالمحاور ينتظر من خصمه أن ينتقل من فكرة إلى أخرى أثناء المحاورة فهو يلخص كل ما لديه في بيتين يلخص فيهما كل ما يود قوله ردا على خصمه في بيتيه السابقين ، ولنا في هذا الفن الشعري الكثير من الأمثلة والكثير من الأبيات التي ذهبت مذهب الأمثال والتي أصبحت الألسنة تتناقلها وقد يطال التناقل أبياتا بعينها دون باقي المحاورة وهذا ما يميز هذا الفن ألا وهو استقلالية الأبيات بنفسها وهذا ما يجعلها أقرب الى الومضة الشعرية ذات الإختصار والإختزال :
ما يوصفك بالوهانة غير اللي وهن
قرب تبا تعرف شجاعة عنتره
من هيبتي يتفرقو أنسٍ وجن
يوم أصرخ ْعليهم صرخة حيدره (34)
ونقراء لآخر :
راشد يـ راشد ما عندك خبر وجواب
دارو يلوحوني ْبتفاقهْ وْبنصل
ناسٍ دعوني حالي من حال التراب
عقب الزوالي وعقب مشروب النحل(35)
وإذا ما تجاوزنا فن الرزحة نحو فنون قولية أخرى كفن المسبع والمشهور ايضا بـ (الزهيريات) ،نجد أن قصائد فن المسبع هي نموذج حي لقصيدة الومضة ذات الدفقة الشعرية القصيرة والواحدة ،فقصائد هذا الفن والذي يتكون من سبعة اشطر (من أجل هذا سمي مسبعا) تعتمد على سرعة اللقطة وحضور البديهة فهو ذو دفقة شعرية قصيرة ومختزلة لكونه فنا إرتجاليا (36) ، ففيه يحشد الشاعر قدرته على اقتناص الفكرة وتمريرها من خلال أبيات قصيرة مكونة من سبع أشطر يظهر فيها قدرته الفنية في توظيف الجناس اللفظي للقافية في نهاية كل شطر :
منجور قلبي عليكم كم حن ودار
وانتو براحه وانا كني بلاهب نار
سهران ليلي عسى يْجي طيفكم زوار
ما هكذا الحب يفعل في محابيبه
لكن يعينه وْ يوفر له مطاليبه
وكمّين مره حبيبي أطلب الثيبه
وانته ولا كنك هنا ساكنٍ في الدار (37)
هذه الدفقة الشعرية المختزلة التي تمسك بالفكرة وتترجمها شعرا في أبيات قصيرة تجعلنا ندرك أن هذا النوع من الكتابة الشعرية ليس جديدا في ثقافتنا العربية فنحن نجد له أمثلة كثيرة في فنوننا الشعرية المغناة ، اي الفنون العامية الشعبية مما يؤكد أن المقطعات الشعرية القصيرة هي موجودة في الثقافة الشعبية بعامة وهو ليس جنسا شعريا جديدا :
ريمٍ خطر يسحر العشاق من دله
نادر مثيله وغيره مول مندله
وقلبه على الصد والهجران من دله
ليته خذاني بطيب الود مع روفه
ما اقوى صدوده ونار الصد معروفه
ويا اهل الجمايل رجينا طيب معروفه
وصله يرد الفكر كالبن من دله
وفي شعر الأبوذيات ذلك الجانب الجمالي أيضا كما معظم الفنون الشعبية والقولية والذي قد يتشابه قليلا مع فن المسبع أو الزهيري بإعتماده على الجناس والذي هو نوع من المحسنات البديعية في القصيدة العربية ، ويعرّف الشاعر البحريني خليفة العيسى الأبوذية في ديوانه (أبوذيات خليفة العيسى) بأنها : « فن من فنون الشعر الشعبي .. وهي منظومة عامية تتألف من اربعة أشطر الثلاثة الأشطر الأولى تنتهي بكلمة واحدة متحدة اللفظ مختلفة المعنى (جناس) وأما الشطر الرابع فينتهي بياء مشددة تليها هاء مهملة « . ولا تذهب الأبوذية بعيداعن نماذجنا من شعر الفنون التقليدية الذي مهدنا لها في بداية هذا الباب ، فهذا الفن يلتقي مع المقطعات والإضاءات الشعرية لإحتواءه على الإختزال الشعري العميق ممررا من خلال هذا الإختزال فكرة سواء أكانت عاطفية أم اجتماعية أم انسانية :
عزيزٍ ذل وين اللي يعينه
لاْ حولٍ له ولا قوه تعينه
غزر بحرٍ وغطى الماي عينه
وين أهل الجاه ورجال الحميهْ
وهذا الإختزال الشعري التقليدي الجميل ينبئ بحاجة الأقدمين الى هذا النوع من الكتابة الشعرية فإيقاع الزمن وأثره ينسحب حتى على الكتابة الشعرية وهو ليس بدعا حديثا من القول ، إنما استمرار لنمط وكتابه شعرية عرفها حتى الشعراء الأقدمين :
أحب الزين كل الزين فيكم
واحب كلمة عشق ينطقها فيكم
وانا فيي تبع أحبابي فيكم
ورا يا زين ما تاخذ بديه
القصيدة العامية (المصرية / اللبنانية)
في هذه الفقرة والأخيرة من هذه الدراسة أود أن أفتح نافذة نحو الكتابات الشعرية العامية الأخرى في محيطنا العربي ، فأشكال وتحولات العامية العربية كثيرة ومتعددة واللهجات العربية الحديثة التي خرجت من اللهجات العربية الفصحى كثيرة وكل لهجة تمارس فنها القولي والكتابي سواء شعرا أم نثرا ، فمن المهم فتح مداركنا نحو الشعر العامي العربي بكامل تكويناته ، فثمة شعر من الممتع ومن المهم قراءته والإطلاع عليه في أقاليم عربية أخرى ، ولست هنا بمعرض الحديث عن المركز والأطراف في الكتابة الشعرية فالشعر لا يعترف بهذه الحدود الوهمية التي تحاول أن ترسمها السياسات ، قد أعترف بوجود عائق التواصل الكتابي أحيانا ، أعني عدم سهولة وصول القصيدة العامية المنشورة سواء من خلال الصفحات الشعرية المحلية أو من خلال الإصدارات الشعرية التي تنكفئ في أحايين كثيرة على أقليميتها التي يجب أن تتجاوزها خاصة في ظل هذا التواصل الإعلامي العربي الذي كسر الكثير من الحدود الوهمية وفي ظل حضور تلك اللغة العربية البيضاء بسبب تداخل اللهجات مع بعضها البعض وفي ظل التواصل والتداخل العربي الذي تفرضه الظروف الحياتية والإقتصادية . أعتقد اننا قادرون على تجاوز اللهجات الأقليمية من خلال الإطلاع على الثقافات العربية المختلفة ، وهذا ما قدمته الأغنية المكتوبة باللهجات العربية المختلفة حيث أن الموسيقى كسرت هذا الحاجز وهذه الخصوصية التي نتوهمها . لا أخفي سرا أن مصادر القصيدة العامية العربية تكاد تكون قليلة وهي تحتاج الى بحث أكثر جدية حيث أن حضور دواوين القصيدة العامية يكاد يكون شحيحا حتى في معارض الكتب العربية ربما لإعتقاد الكثير من الناشرين أن الإقبال على هذا النوع من الكتابة الشعرية غير مجد ربحيا فلهذا نكتشف قلة إن لم يكن ندرة حضور دواوين الشعر العامي في المعارض أو المكتبات العربية ككل . كنت أتمنى إمتلاك أكبر قدر من دواوين القصيدة العامية العربية لتتبع قصيدة الومضة الشعرية في هذه الكتابات الشعرية . ولكون هذه الدراسة اشتملت على نماذج شعرية لقصائد عامية من عمان ، قطر ، السعودية والكويت سنعرج هنا وفق ما يتوفر من مصادر الى نماذج شعرية من مصر ولبنان لإستكمال خطة تتبع كتابة الومضة الشعرية العامية ولإعطاء صورة كلية لهذا النموذج من الكتابة الشعرية ، اضف الى ذلك فتح مدارك القارئ نحو الكتابات الشعرية العامية المختلفة .
ربما تكون القصيدة العامية المصرية واللبنانية من أوائل المحاولات الكتابية الحديثة التي نزعت نحو التجديد وكسر عمود الشعر، حيث قدمت هاتان القصيدتان محاولات أولى مبكرة نحو قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر ، ناهيك عن قصائد الومضة الشعرية والمقطعات والنزوع نحو الكتابات الشعرية القصيرة ، إذ أن سبق الحداثة الشعرية المبكر نحو مصر ولبنان ترك كثير الأثر على الكتابة الشعرية العامية هناك ، والنماذج الشعرية المبكرة تشهد بذلك . وبما أن الحديث حول قصيدة الومضة العامية سأتطرق هنا الى نماذج – حسب ما تسعفني به المصادر – من القصيدة العامية المكتوبة في مصر ولبنان .
تكاد تكون القصيدة العامية اللبنانية الأسبق تجاه النزوع نحو التجديد سواء على صعيد اللغة او على صعيد كسر عمود الشعر أو على صعيد المواضيع الشعرية المطروحة ، الى جانب الدراسات النقدية التي تتبعت التجربة العامية هناك، حيث قدمت نماذج شعرية حديثة مبكرة متجاوزة الكتابة الشعرية التقليدية المتمثلة في الزجل ونماذج الشعر الشعبي التقليدي . ولم يقتصر الأمر على الكتابة فقط بل تجاوز ذلك الى الدواوين الشعرية المكتوبة التي غزا بها الشاعر العامي الأسواق على عكس ما تفتقر به الكثير من الساحات الشعرية العامية العربية من شح وفقر في اصدار المجاميع الشعرية .
إن الإشتغال الشعري الجميل الذي تتميز به قصيدة الومضة العامية اللبنانية يجعلنا نقف أمام نماذج شعرية مذهلة ومتجاوزة سواء على صعيد مبنى اللغة أو الجملة الشعرية أو على صعيد الشكل المعماري للقصيدة ، فهي تقدم لنا تجربة شعرية تجاوزت حتى الشكل الكتابي التقليدي لقصيدة التفعيلة فالنزوع نحو الفلسفة والتأمل كما في تجربة جوزيف حرب هو أهم ما يميز هذه التجربة إلى جانب الميل الشديد نحو الخيال والجماليات الشعرية المكثفة في القصيدة الواحدة والمتمثلة في اللغة والخيال العالي الشعرية :
يا ألله هالحياة ،
شو سودا وحزيني!
شو بتشبه سفيني
بهالبحر الأزرق
وبالآخر
رح تغرق !
ولا تقتصر التجربة عند جوزيف حرب على الجانب التأملي فقط لكنها تذهب نحو فضاءات جمالية أوسع ، فالمتتبع لتجربة جوزيف حرب يلحظ اشتغاله الشديد على التجربة الحداثية الجديدة في القصيدة العامية فهو يستفيد من التطور الذي وصلت اليه القصيدة العربية ،كما إننا نلحظ نزوعه الشديد نحو الطبيعة واستحضار مفرداتها بشكل كبير ، فهو أشبه ما يكون برسام يختار من الطبيعة الوانه ومفرداته ، ولغة جوزيف حرب هي لغة حداثية جديدة ، لغة حية قادرة على تجاوز اللحظة الآنية كما ان رؤيته الفلسفية العميقة تضفي جانبا جماليا لمجمل ما يكتب ، وقد نلحظ في مجمل دواوينه العامية إهتمامه الشديد بقصيدة الومضة فهي تحتل معظم ما يكتب من شعر فتأتي الومضة لديه شديدة التكثيف غارقة في تأملها الفلسفي والحياتي آخذة من الطبيعة مفرداتها ، كما إننا لا يمكن أن نغفل الجمالية العجيبة في اختياره لعناوين ومضاته، هذه العناوين التي تأتي من اللغة العامية الدارجة لكنه لا ينسى ان يضفي عليها من لغته المائية المشبعة بالخضرة والجمال والشعر فنقراء العناوين التالية : (واعي ومش واعي ، معك حق ، طالع ع بالي ، كلهن راح يكبرو ،تحت الشتي) :
من يوم ما فلت
لحد اليوم ،
مرضان
ناقصني غفاوي وحلم
يا مين
يعطيني شي حبة عتم
يا مين
يقطر لي بعيني النوم (38)
وتتنوع اشكال قصيدة الومضة العامية اللبنانية لكنها تصر على شعريتها العالية محتفظة بجرسها الموسيقي العالي إلى جانب التداخل الجميل الذي تحدثه القوافي مستفيدة من عذوبة اللهجة ومائيتها ، وتظهر البراعة في قصيدة الومضة هنا في القدرة العجيبة على تطويع اللهجة العامية شعرا ولا يكتفي الشاعر بأخذ اللهجة كما هي بل يمزجها مع لغته الشعرية الداخلية فتظهر خليطا من الشعر والكلام :
يا عمر من إيدي
انسرق
ومتل شيْ غيمه
مرق
ضيعت نصك ع المرا
ونصك التاني
عالورق . (39)
ونلاحظ مستويات اللغة بين بساطتها كما في الومضة السابقة ل أسعد جوان وبين كثافتها وتأملها كما عند جوزيف حرب ، كما يمكن ايضا ان نلحظ الموسيقى العالية في كل ومضة ومدى الاستفاد من تداخل القوافي وما تحدثه من ايقاع داخلي يرفد الموسيقى الداخلية للنص ، كما ان الومضة الشعرية قد تأتي بأقل عدد من الكلمات ناثرة كلماتها على الأسطر محدثا ايقاعا متتاليا ينتجه توالي المفردات في كل سطر مبشرا بمعنى أخير في نهاية الومضة:
يا ريت
بتكون الدني ممرق
ضيق ..
طويل ..
معتم ..
مغلق ..
ونمرق سوا
انتي .. وأنا
و..
نعلق .
انه هذا النوع من المفاجآت الشعرية لا تتقنه إلا قصيدة الومضة بما يوفره قصرها من قدره على خلق المفاجآت المفتوحة في نهاياتها وبما توفره من قدره على التحكم بالمفردات واللغة ، إذ أن قصيدة الومضة تمنح مساحة أكبر في أن يمارس الشاعر مهاراته الكتابية وصياغاته الأسلوبية وقدرته الأكبر على التحكم بالمفردات . وهذا النوع من المفاجآت والحرفنة الشعرية لا تقتصر على قصيدة التفعيلة بل أن قصيدة الومضة العامية اللبنانية قد تأخذ شكلا عموديا ممسكة بتقنية المفاجأة ذاتها وآخذة سردا قصصيا سينمائيا يعمق الفكرة ويصنع جمالية المفاجأة :
طلت وغمزتني تا إطلع ضمها
وأعصر حبيبات العنب عا تمها
من فرحتي بلشت أركض ع الدرج
ووصلت دق الباب .. فتحت إمها ! (40)
إنها الدهشة التي تصنعها المفاجأة الشعرية والتي تصنعها أيضا براعة الشاعر ومهارته نحو اقتناص هذا النوع من الأفكار المفاجئة ، ولعلنا إذا ما ذهبنا أبعد من هذا نحو الفنون المغناة كالموشحات وغيره سنجد من القدرات الشعرية والإختزلات التي يمزج فيها الشاعر القصيدة بين لغتها الجديدة والتشكيل العمودي التعبيري القديم، فنجد أن الشاعر يبحث عن الشكل المناسب لإنفعالات الذات الراهنة ، حتى ولو جاءت من إستحضار الماضي كالموشحات وغيرها فيسخرها ليخرجها كومضة شعرية قادرة على احتواء الدفقة الشعرية والشعورية لحظتها :
تأملت عيونك سرقه الحبوني سنين
لقيتن تعبو من الفرقه وبعدن حلوين
ساعة ماخلقتي .. ربي زرعك أشواق
وعطْيك عينين محبه تحن وتشتاق
العين الأولى بتحبي فيها عشاق
وعين التاني بتخبي فيها شياطين
التجربة العامية الأخرى التي لا بد من تتبعها لنكمل بها هذا الباب وهذه الدراسة هي التجربة العامية المصرية التي هي الأخرى غنية بالكثير من الشعر والتي ربما لها قصب السبق في التحول الكتابي للقصيدة العامية ككل وبالذات نحو القصيدة العامية المغناة ، وما سنحاول تتبعه هنا هو قصيدة الومضة العامية المكتوبة باللهجة المصرية وذلك لإستكمال الدراسة واستكمال المشهد العام ليكون التتبع الكتابي عام لهذه التجربة الكتابية الجديدة . ما يحدث أحيانا أنه لا يكون هناك اشتغال مقصود لكتابة قصيدة الومضة ولكن بالبحث نقع على بعض النماذج المتناثرة هنا وهناك وهذا ما حدث لي أثناء تتبعي للقصيدة العامية المصرية ، فلم أقع – وفق ما توفر لي من مصادر – على نماذج كثيرة تستقصد هذه الكتابة الشعرية وإنما جاءت نماذج متناثرة في دواين شعرية مختلفة سأستعين بها لدعم هذه الدراسة إستشهادا واستئناسا ولأن هذه النماذج قد تمثل أرضية لكتابات شعرية مستقبلية ولكونها أيضا تنطبق عليها شروط الومضة الشعرية رغم عدم قصديتها – أحدس هكذا – ولكنها في النهاية تمثل نماذجا بإمكاننا الإستشهاد بها وتتبعها فنيا وشعريا .
تقترب قصيدة الومضة العامية المصرية أكثر ما تقترب من الهم الإنساني ومن هموم المواطن والإنسان العادي فهي تتناول قضاياه وترصد همومه وتتتبع انفعالاته التي قد تاتي مستكينة وحزينة في أغلب الأحيان ، فهاهو أحمد فؤاد نجم يبعث ومضته الشعرية وهو من داخل سجنه موجها إياها إلى مدير السجن يطلب فيها مصباحا لغرفة سجنه التي يقيم فيها ، إن هذه الحالة الإنسانية لا تطلب أن تقول كثيرا فالطلب يستوجب اضاءة شعرية قصيرة تكون بقدره ، إضاءة شعرية قصيرة يشرح فيها معاناة صغيرة ، فإضاءته لا تكون الا بمقاس حزنه :
بدأت أكتب ملحمه
عن ثورة الشعب العظيم
وليّ عندك مظلمه
يا حضرة الأب الرحيم
أوضتي تمللى مظلمه
إبعت لي لمبه يا كريم
دي تبقى هي المكرمه
وهودا الفظل العظيم (41)
قد تكون هي سمة لدى القصيدة العامية المصرية إشتغالها الشديد على الهم الإنساني وبالذات هموم المواطن العادي وعلاقته بالسلطة ، هذا المواطن الذي لا يعنيه من يومه إلا لقمة عيشه ، وتأتي عين الشاعر عين لاقطه مترجمة لهذا الهم اليومي الذي يشغل الإنسان العادي إنه الهم اليومي هم لقمة العيش ، وقد يكون صلاح جاهين من أكثر شعراء العامية المصرية الذين ترجمو وتماسو مع هموم المواطن وترجموها شعرا ، ففي قصيدة (الثعلب والعنب) والذي تظهر رمزيتها من خلال العنوان نقراء :
« العنب ده ، طعمه مر ! «
قال كدا التعلب في مره
« والدليل على انه مر
إنه جوه وأنا بره ! (42)
إنها رمزية مبطنة ساخرة يحاول أن يمررها صلاح جاهين من خلال هذا المقطع الشعري القصير الذي تتوفر فيه جميع شروط الومضة الشعرية والتي هي في غرضها ومضة خاطفة تحاول إيصال هذه الدفقة الشعورية والشعرية .
إن ما يميز القصيدة العامية المصرية هو اشتغالها الشديد على الفكرة ، فتأتي اللغة عفوية عامية أقرب الى لغة الحديث اليومية لكنها تأتي شاعة مشبعة بالشعر بينما لا تحفل كثيرا بالإشتغال على اللغة أي الاشتغال بخيالاتها وتصاويرها بقدر احتفائها بالفكرة :
بالحق بالعقل محتارين وياهم
لما حنينا الرؤوس كنا مطاياهم
ولما رفعنا الرؤوس صرنا ضحاياهم
في كل منزل لهم واقف صلاح الدين
يفتح مقابر لأعلاهم وادناهم (43)
في الكثير من قصائد العامية المصرية كما في المقطع السابق يظهر الهم القومي والعربي أكثر ما يظهر وتكاد تحتل قضية فلسطين مساحة كبيرة في ما يكتب من شعر عامي، إن أكثر ما تعنى به القصيدة العامية المصرية هي قضايا الشارع اليومي من السياسة إلى لقمة العيش وهذا ما يجعلها تهتم اكثر ما تهتم بالفكرة تاركة اللغة تنساب بكامل عفويتها وعاميتها الدارجة .
خاتمة
كانت هذه الورقة تطوافا سريعا وتتبعا للومضة الشعرية في القصيدة العامية علها أن تؤسس لنمطا شعريا جديدا وأن تكون عتبة أولى لنموذج كتابي شعري قادم تحمله رياح المرحلة الشعرية القادمة والذي ياتي متساوقا مع الحركة الشعرية العربية ككل وبما تحمله رياح التغيير والتطوير في الكتابة الشعرية الحديثة وهي إلى جانب ذلك قد تكون إضافة جديدة تكسر النمط الشعري المتداول حاليا في الكتابة الشعرية العامية فاتحة الباب نحو عوالم شعرية جديدة مخرجة القصيدة العامية من كلاسيكيتها الحالية ، فما كان يعد تجديدا قبل 30 سنة قد تجاوزته الحركة الشعرية الحالية ولنا في قصيدة النثر أنماطا ونماذج شعرية جديدة قد نجد أثرها في القصيدة العامية في مستقبل القادم من الأيام .
ومضة أخيرة :
لماذا .. لماذا .. منذ صرت حبيبتي
يضيئ مدادي والدفاتر تعشب ُ
تغيرت الأشياء منذ عشقتني
وأصبحت كالأطفال بالشمس ألعبُ
ولست نبيا مرسلا غير انني
أصير نبيا .. عندما عنك أكتب ُ
(نزار قباني)
الهوامش :
1. كتاب الحب : نزار قباني
2. المصدر السابق
3. ديوان صلاح عبدالصبور – دار العودة
4. تحولات الخطاب النصي : عبدالرزاق الربيعي
5. المصدر السابق
6. حمود الحجري : العامية الجديدة ،ملحق المجلس ، العدد الثامن
7. هايكو أو هائيكو هو نوع من الشعر الياباني يحاول شاعر الهايكو من خلال الفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة او احاسيس عميقة ، تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط ، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية) وتكتب عادة في ثلاثة اسطر (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) .
8. محمد المرزوقي : الرياض نت – بتصرف
9. عدنان الصائغ – الأعمال الكاملة
10. أديب محمد حسن، ماهي قصيدة الومضة . مجلة الحوار المتمدن
11. محمد النفيعي ، شاعر سعودي – نصوص متفرقة منشورة في الشبكة الالكترونية
12. نعيم اليافي، المغامرة النقدية
13. ديوان صورة للذكرى، خلف الحربي – أشعار بالعامية
14. محمود جابر عباس – مقال – جريدة الفينيق، عمَان
15. ديوان جدران على كتابة – فهد عافت – نسخة الكترونية
16. ديوان وطن على خط الأفق – عبدالرحيم الصديقي
17. مقاطع من نص : قرية في خدرها الدافي تنام – أحمد الشيدي
18. العمدة في محاسن الشعر ونقده – جـ 1
19. المصدر السابق
20. المصدر السابق
21. تطور الشعر العماني المعاصر – د . محمد المهري
22. نسرين بدور – الأسبوع الأدبي
23. المصدر السابق
24. أمينة رشيد – محطات أدبية
25. الومضةُ الشعريّة وسماتها :الدكتور حسين كياني والدكتور سيد فضل الله مير قادري
26. ديوان : شق فجرك ظلامي وانجلت عتمتي – حمود الحجري
27. ديوان الحميدي الثقفي – نسخة الكتروني
28. نصوص من الشبكة العنكبوتية
29. نصوص من الشبكة العنكبوتية
30. موقع محمد الرطيان على الشبكة العنكبوتية (ضو .. ضاء)
31. ديوان : شق فجرك ظلامي وانجلت عتمتي – دار الفرقد
32. ديوان : الغرفة بلد – حمود الحجري
33. ايضاح الطريقة للفنون العريقة – خميس بن جمعة المويتي
34. ديوان: حداء الساري – تحقيق محمد المسروري
35. المصدر السابق
36. فن الطرائق (المسبع) – خميس بن جمعة المويتي
37. ديوان فن المتربع – حمود بن علي الرواحي
38. ديوان: سنونو تحت شمسية بنفسج – جوزيف حرب
39. ديوان الشعر اللبناني المعاصر، مختارات من الشعر العامي – حمزة عبود
40. ديوان قلم ودف – موسى زغيب
41. احمد فؤاد نجم : صور من السجن والحياة
42. صلاح جاهين : اشعار بالعامية
43. بيرم التونسي : الأعمال الكاملة
—————-
طاهر العميري