سيرة الفنان وعطاؤه الفني اشبه بصورة مكونة من قصاصات صغيرة ، ولرؤية هذه الصورة يتحتم علينا اعادة ما تناثر من هذه القصاصات. لا شك ان معظم متذوقي الفنون من العامة خصوصاً تم السيطرة عليهم بتلك «الصورة المثالية» التي وجدت لنفسها مخدعاً بين جنبات كتب النقد والتذوق الفني فأصبحت بمثابة الكتب المقدسة التي قُدر لها ان لا تُخدَش سواء من رجل الشارع العادي او المتذوق المختص. لهذا نجد ان «ابتسامة الموناليزا» الغامضة اصبحت «مفتاح الحل» لتعليل سيطرتها على المشهد التشكيلي عند الحديث عن رائعة دافنشي الأشهر ، مع انني أعتقد أن وفاة الفتاة بعد عدة أشهر من اتمام اللوحة بسبب ورم خبيث وزيادة نسب الكلسترول وما شكلته الوفاة من هاله درامية كبيرة في عصرها أجدر بأن يحتسب سبباً في تربعها على أدمغة الجمهور في زمننا الحاضر. في الحقيقة أن «الاحكام المقولبة» هي اكثر من يبعث على الاحباط وهو أمر سئمته شخصياً كمحاضر يصطدم دائماً مع تلامذته بسبب غياب التجديد في قراءة الفنانين وأعمالهم الفنية بالرغم من كثرة البحوث الفنية المتدفقة التي تلغي الأبجديات الموروثة وتأتي بغيرها.
إن الفنان العالمي جان فان آيك (Jan Van Eyck) الذي ظهر قبل عصر النهضة أنتج إعمالاً فنية ذات طابع كلاسيكي مثير، حيث إن دقة الفنان جعلته ذا صيت مسموع ومنهم من اعتبره ممهداً لفن عصر النهضة الاوروبي . إلا إن تلك الدقة التي ظهرت بها أعماله كانت قد تمت باستخدام المرايا والأدوات البصرية كالعدسات المحدبة وغيرها، ولم يكن الفنان يتحلى بالمهارة الكافية التي أعتقد النقاد انه يملكها. لقد أكد لنا هذه الحقيقة كل من الفنان البريطاني ديفد هوكني (David Hockney) ومواطنه الفيزيائي تشارلز فالكو (Charles Falco) اللذان اعتبرا أن الفنان قد حصل على مكانته الرفيعة في الوسط الفني بمجموعة من الحيل البصرية وبالتالي يمكن ان يٌطلق عليه لقب «محتال» خصوصا اذا ما ادركنا أن «الدقة في نقل الطبيعة» كانت هي معيار تقدير الفن و الفنانين في تلك المرحلة.
وإذا كانت نبوءة عالم النفس سيجموند فرويد حول ليناردو دافنشي (Leonardo Da Vinci) في كونه ينتمي إلى مثيلي الجنس صحيحة ، وهو الأمر الذي ورد في الدراسة التي نشرها فرويد في عام 1910، فأن ذلك قد يؤثر على بعض معطيات النقد التي سيواجهها دافنشي وفنه. لا يستطيع احد إن ينكر إن دافنشي كان فناناً كاثوليكياً في مواضيعه ، فكان الإنجيل معينة الذي لا ينضب في تحويل الإحداث الدرامية الدينية إلى اعمال فنية خالدة. لكن ما قد يتبادر إلى ذهن المتذوق هو الحالة التي عاشها دافنشي ذاته من الناحية النفسية ، فالمجتمع الكاثوليكي لن يقبل بشذوذية الفنان وبالتالي وجب علية إخفاء تلك المؤشرات، وإخفاء تلك المؤشرات من جانب آخر قد تكون أثرت في عطاءه الفني كون جانبه الروحي الداخلي سيكون في صراع تام مع من حوله. وباختصار إذا كانت هذه التكهنات صحيحة، فأن الفنان لا محالة قد نقل الينا إعمالاً فنية – على الاقل – لا تعبر عن ذاته تماماً!
ولم يكن معاصره مايكل أنجلو (Michelangelo) بحال أحسن، فقد نقلت ألينا المدونات التاريخية صورة شخصية قاتمة الملامح لهذا النحات المصور، فأن أقل ما وصف به هو الغرور والفوقية وكراهية المنافسين وتحقيرهم. وعندما أدرك مقدرته الفذة في النحت وعلم ان دافنشي لا يصل إلى تلك المهارة أعلن فوقية النحت على التصوير ليعلن من وراء ذلك فوقيته على دافنشي. حتى بلغ به الغرور انه عندما أتم عمله النحتي «موسى» اخذ المطرقة وبدأ يضرب على ركبة التمثال بخفة ويقول : انطق يا موسى ! وما ان اختلف معه الفنان العالمي بيترو توريجاني (Pietro Torrigiano)، الا وهال عليه أنجلو بالشتائم والتحقير و لم يتردد توريجاني لحظة في ضرب أنجلو على وجهه ، حتى احدث كسرا في أنفه ، وظهر ذلك الكسر جلياً في اللوحة الشخصية للفنان التي رسمها أنجلو بيديه.
لقد سجل لنا التاريخ الفني حكاية فنان قاتل لم يتوان لحظة عن قتل غلام صغير يعمل مرتلاً للجوقة في الكنيسة، فمن يكون ذلك الفنان غير الايطالي كارافاجيو (Caravaggio). كان كارافاجيو سخياً جداً على مظهره كما لو كان منحدراً من طبقة أرستقراطية مخملية. ولكن هذا السخي في المظهر كان بخيلاً على فنه، فلا يتوانى عن استخدام مفرش الطاولة ليرسم عليه بدلاً من شراء قماش الرسم الذي لا يتعدى ثمنه قيمة المعطف الذي يلبسه. و عندما قتل فتى الجوقة رانيكو توماسوني (Ranuccio Tommasoni) استطاع الفنان الهرب خارج المدينة لفترة ليست قصيرة وقد ساعده مجموعة من اصدقائه بتعتيم اخباره، حتى إن المدونات التاريخية تذكر لنا ان جوائز مغرية تم عرضها على من يأتي بأخباره. ولكن مما يثير الجدل حول كارافاجيو أنه عندما صور لوحته «داوود يحمل رأس جالوت» (David with the head of Goliath) انه قد رسم صورته في القاتل والمقتول في تلك اللوحة ، فكان وجه داوود هو وجه كارافاجيو شاباً وكان رأس جالوت هو وجه كارافاجيو كبيراً، فهل يكون ذلك بمثابة اعتراف ضمني بالجريمة في الوقت الضائع.
لقد أطلق على الفنان الهولندي رمبرانت (Rembrant) لقب «ملك الظل والنور» وذلك لقدرته على إحداث توازن درامي بين المناطق المضيئة والمناطق المظلمة في العمل الفني. إلا إن أشهر لوحاته (Night watch) والتي كانت مثالاً على توازن الظل والنور قد تأثرت بطبقات من الورنيش عملت بالصدفة على تحسين وضع الظل والنور في العمل، وكان العاملون على اقتناء أعماله يضيفون طبقات الورنيش للحفاظ على اللوحة من التلف. إلا ان لهذه اللوحة في الواقع اسما آخر غير الذي يتم تداوله حاليا حسب مذكرات رامبرانت. ان اسم هذا العمل هو (The Company of Captain Frans Banning Cocq)، وعندما تم إزالة طبقات الورنيش بعد ان تطورت عملية ترميم الاعمال الفنية بعد الحرب العالمية الثانية ،ظهر النور أكثر طغاء من الظل ، فهل يكون لطبقات الورنيش دور في ترسيخ اسم رمبرانت وتتويجه ملكا للظل والنور في تلك المرحلة من تاريخ اوروبا الفني ؟!
إما مواطنه فيرمير (Vermeer) فقد أثبتت كثير من الدراسات أنة كان طائفي التفكير والنزعة ، فقد كانت زوجة أبية دائما ما تشوه المذهب البروتستانتي الناشئ وتصوره له كما لو كان تحريفا للمسيحية الكاثوليكية. كان يعتقد ان زيادة عدد المؤمنين بالمذهب الكاثوليكي هو الحل لمواجهة المذهب البروتستانتي ، الأمر الذي دفع الفنان إلى ان يقوم بواجبه تجاه الكاثوليكية بإنجاب اكبر عدد من الأطفال، فأنجب 11 طفلاً من زوجته وأربعة آخرين من خادمته، وهي نفس الفتاة (ذات حلق اللؤلؤة) التي رسمها في أوج احترافه. يبدو إن ذلك كان واضحا في كثير من لوحات الفنان حيث لم تظهر صورة «المرأة الحامل» في لوحات التصوير الأوروبية كما ظهرت عند فيرمير.
اما فرانشسكو جويا (Francisco Goya ) الاسباني والذي يمكن ان أطلق عليه – بلا مبالغة – لقب «الوطني الخائن» فقد قضى فترة طويلة من حياته مدافعاً عن حرية اسبانيا ومعاداته للمحتل الفرنسي، وكانت لتلك النزعات الوطنية نتائج ذهبية تمخضت في إنتاج أفضل أعماله على الإطلاق كلوحة (the third of May) التي صور فيها تعسف الفرنسيين في التعامل مع ثوار اسبانيا الوطنيين بإطلاق النار على مقاومي الاحتلال. كانت بلا شك صورة رائعة للفنان ، إلا أنه أعقبها بمرحلة أخرى تمثلت في اعتباره فنان البلاط والأسرة الحاكمة الفرنسية التي تحتل بلاده، فكان الرسام الأول في قصر جوزيف الأخ الأصغر لنابليون وممثل حكم نابليون في اسبانيا، فكيف سولت له نفسه ان يفعل ذلك؟ والأدهى من ذلك أنه اعترف بأن المال كان السبب الرئيسي في توجهه الجديد الأمر الذي شكل علامة مظلمة في تاريخه.
نفس الشيء ظهر في حياة مؤسس الكلاسيكية الجديدة جان لويس دفيد (Jacques-Louis David) فهو الفنان الذي فضل الحياة الشعبية والليبرالية ضاربا عرض الحائط بمظاهر الارستقراطيين بالرغم من كونه سليل عائلة ثرية و مخملية المظاهر. في هذه المرحلة أنتج لوحات توجت الثورة الفرنسية كلوحة (The Death of Marat) والتي صور فيها موت صديقه مارات في مسبحه وهو المناضل الذي ساند اعمال الثورة ضد عصر اللويسات والارستقراطيين من حولهم. لكننا نفاجأ بأن الفنان نفسه كان أعظم فناني بلاط نابليون الاستبدادي، حتى ان لوحات نابليون الشخصية كما ذكرت المدونات التاريخية ظهرت أعظم من هيئة نابليون الحقيقة جسمانياً، الأمر الذي قد يضيف صفة المبالغة الكاذبة إلى تهمة الخيانة للثورة التي اشتعلت لتحارب مظاهر العظمة والدكتاتورية.
وللفنان دانيت جبرائيل روسيتي (Dante Gabrial Rossetti) حكاية أخرى، فهو الفنان الشاعر وهو من تعاون مع (Hunt) و(Millais) لتأسيس مدرسة «ما قبل الرفائيلية» الفنية ، وكان له تأثير على الحركة الفنية الانجليزية التي كانت متأثرة بالمدرسة الايطالية دون ان تضيف إليها أي طابع انجليزي. أحب فتاة مريضة تدعى (Lizzy Siddal) وكتب فيها مجموعة كبيرة من اشعاره الغزلية وعندما ماتت قرر ان يدفن تلك الاشعار مع جثمانها، وتم له ذلك فسطر لنفسه هالة من الشهرة وأصبح مضرب مثل للوفاء في أوساط المجتمع الانجليزي. إلا أنه قرر بعد فترة من الزمن ان ينشر كتابا لأشعاره فكان عدد القصائد التي يملكها لا تكفي لإنتاج الكتاب، فما كان منه إلا التسلل ليلاً إلى المقبرة واستخراج الاشعار بعد نبش الجثة لأن القصائد كان موضوعة في شعر محبوبته. تم كشف حقيقة الأمر من خلال القصائد المنشورة لتصبح هذه الحادثة مضرب مثل للخيانة والجشع بعد ان كانت علامة مشرقة في تاريخ الفنان.
لقد كان الفنان التعبيري ادوارد مانيه (Edouard Manet) يفتقد إلى الروح الفنية العالية في تقبل آراء نقاد الفن، الأمر الذي قاده إلى ان يعيش أجواء معكرة دوماً مع شرائح النقد الفني في المجتمع الفرنسي. كان عليه ان يؤمن بأنه يسير إلى بناء المدرسة التعبيرية وهي مدرسة ناشئة، وبالتالي عليه تقبل آراء نقدية صادمة احياناً نظير التغيير الذي سيطرأ على الفن العالمي جراء عملية التحول إلى المدرسة التعبيرية. كما أنه لم يكن رادكالياً في مستوى المدرسة الفنية فقط، وإنما كان رادكالياً في موضوعاته فرسم لوحة «اولمبيا» التي كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير عندما صور امرأة ارستقراطية بهيئة عارية لتتمثل للمتذوقين كساقطة ، ولم تكن تلك اللوحة تحمل أي رسالة سوى ان جلوس المرأة عارية بجانب الرجال في الأماكن العامة يعتبر جزءاً من الحياة اليومية في باريس. إلا ان التاريخ يؤكد لنا شخصيته النرجسية التي لا تتقبل آراء الآخرين عندما قرر مبارزة الناقد الفني (Edmond Duranty) بالسيف حتى ان الاثنين اصيبا في المبارزة وان احدهما صرح بعد المبارزة لو أنه امتلك سيفاً قوياً حاداً لأردى صاحبه قتيلاً!
من يشاهد لوحة (الأم) للفنان الأمريكي جيمس وسلر (James Whisler) والتي تعتبر العلامة البارزة في تاريخه الفني، ربما يتصور مدى قوة الارتباط بين الولد وأمه. ولكن في الواقع تنقل لنا المقالات النقدية والمؤرخين صورة مختلفة لتلك العلاقة. لقد كانت أم وسلر تعمل في المنزل كنادلة تسقي أصدقاء وسلر الخمر بسبب الحالة المادية التي كان يعانيها الفنان وأمه بعد عودتهما من روسيا في المرحلة التي رسم فيها لوحة إلام. لكن ليس ذلك سبباً يقلل من مصداقية الفنان فهو على الأقل قرر ان يرسم امه في الوقت الذي كان بوسعه ان يرسم أي حسناء كما فعل غيره. لكن المشكلة تكمن في إدمان الفنان على الخمر في الوقت الذي كانت امة من أهم المعارضين لشرب الكحوليات، فالى أي مدى سمح الفنان لنفسه ان تعمل والدته ساقية للكحوليات وهي من أهم معارضي الشرب. لقد ذكر الفنان في مذكراته أنه في الوقت الذي كان يرسم فيه لوحة الام كانت امه تحاضر اصدقاءه في أهمية العزوف عن الشرب مما كان يشعره بالإحراج.
اشتهر الفنان كلود مونية (Claude Monet) بلوحاته ذات المواضيع المكررة والمتعلقة دائماً بأوراق الليلك وتأثير تناثرها على سطح الماء حتى بلغ عدد ما رسمه لهذا الموضوع 250 لوحة. لكن يظهر السبب في اختيار ذلك الموضوع من خلال اعترافه للفنان العالمي ادجار ديجاس (Edgar Degas) في عام 1900 بأنه لا يجيد إلا رسم اللون الأزرق أو الألوان الباردة بسبب مشكلة بصرية كان يعاني منها على الدوام. إلا أنه قام بعملية جراحية لبصرة في عام 1920 وتكللت بالنجاح فأعترف أنه يرى اللون الأزرق بعد العملية الجراحية ليس بنفس التأثير الجميل الذي كان يراه قبل العملية، فاما ان تكون العملية غير ناجحة أو ان يكون بصره قبل العملية قد اعطاه قدرة على رؤية اللون الأزرق بصورة أفضل وبالتالي يندرج تحت قائمة المحظوظين. الجدير بالذكر ان الفنان كان له حظوة كبيرة لدى رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك الوقت (Georges Clemenceau) مما كان له بالغ الأثر في تمثيل مونية في المحافل الحكومية دون الآخرين ممن عاصروه.
إن شخصية الفنان هنري روسو (Henri Rousseau) وهو فنان تخصص في اللوحات ذات العلاقة بالفن البدائي (Primitive Art) تكاد تكون الأكثر إثارة من حيث السجل الإجرامي وعدد مرات دخول السجن. كانت بدايته عندما سرق مبلغاً من المال ليرد الجميل لمن قدموا له المساعدة ووظفوه في مكتب المحاماة ليجرب غياهب السجون لأول مرة. كان يمكن ان يكون ذلك درساً كافياً إلا أنه وقبل ان يتوفى بثلاث سنوات في عام 1907 قام بعملية احتيال ضد احد البنوك ليودع في السجن وهو في سن متأخر جداً. لعل الكثيرين منا لا يعرف هنري روسو، فهو فنان عاش مغموراً ولم يكشف سر موهبته إلا الفنان الاسباني بيكاسو عندما زاره في السجن وقال له : «انا وأنت أعظم فنانين هذا العصر، أنت في الفن البدائي ، وانا في الفن الحديث»!
إن أكثر الفنانين إثارة للجدل هو من تنقل بين عدة وظائف ولم يتقن أي واحدة منها، ومن قام بقطع أذنه لمراهنة خاسرة في حانة استرضاء لصديقته، ومن حاول ان يقتل صديقه الفنان جوجان (Gauguin) في ليلة مظلمة وقد كانا في رحلة للرسم، ومن جرب الحياة في مستشفى الامراض النفسية لتردي أوضاعه الصحية، ومن تعود أكل الألوان الزيتية والتي كانت في مرحلة الثورة الصناعية أكثر سمية من الأنواع المتداولة قبل الثورة وقد تسببت في مرضه حسب رأي أخيه (Theo) ، ومن انهي حياته بيده رميا بالرصاص في حقول عباد الشمس التي صورها لنا مراراً وتكراراً بالألوان المشرقة الساخنة، فمن يكون ذلك غير الهولندي فنسنت فان جوخ (Vincent Van Gogh )!
إن العلاقة السيئة التي سادت بين الفنان ادوارد هوبر (Edward Hopper) وزوجته جوسفين نفشن (Josephine Nivison) كانت علامة مظلمة في تاريخ الفنان الذي طالما انتصر للفن القريب من المتذوق والبعيد عن التكعيبية المفرطة التي أسهمت في بعض الأحيان في تغييب الثقة عن الفن التشكيلي عند المتذوق العادي . لقد ذكر بنفسه أنه كان يعتدي عليها بالضرب في الوقت الذي يظهر فيه للجمهور بأنه رمز للروح الشفافة والمحبة للآخرين. لقد ذكرت لنا زوجته إنها كانت أحياناً تضرب عن الطعام لتثني زوجها عن الاعتداء الجسدي عليها والذي لم يتوقف عنة طوال فترة زواجهما.
لم يكن تاريخ الفنان العالمي بابلو بيكاسو (Pablo Picasso) مضيئا في كل مراحله ، فالتاريخ يذكر لنا أنه عندما ترك زوجته الأشهر «دورا- مار» (Dora Maar) لأجل محبوبته الجديدة فرانشيز جوليت (Francoise Gilot) قد أهمل بشكل تام الاهتمام بابنه المراهق باولو (Paulo) والذي انتهى به الحال إلى متعاطي كحول ولا يمارس أي مهنة. لكن كان للقدر ان يرد على خطأ بيكاسو بخطأ اكبر، فقد ترك بيكاسو زوجته الجديدة وتفرغ لحبيبته الثالثة جاكلين (Jacqueline)، حتى ان جوليت تقول في مذكراتها ان حبيبته الثالثة قد منعت أبناء بيكاسو من حضور جنازة أبيهم الفنان. كما ان تأثير الفنان على زوجاته الثلاث استمر حتى وفاته ، فالتاريخ يؤكد إن الزوجة الثالثة قد أطلقت النار على نفسها ، كما كتبت حفيدته مارين (Marina) ابنة باولو كتابا ذكرت فيه بؤس العلاقة بينها وبين جدها الفنان التكعيبي بيكاسو، كما لم يسلم أخوها بابليتو (Pablito) من تلك العلاقة حيث انه قتل نفسه بمادة (peroxide) السامة. ليس فقط على الصعيد الاجتماعي الداخلي، لكن بيكاسو له علاقة بسارق لوحة الموناليزا في عام 1911 ، حيث إن السارق ابولونيير (Apollinaire) كان قبل سرقة هذه اللوحة قد سرق تمثالين صغيرين وأخذهما منه السيد بيكاسو، الأمر الذي قاد الشرطة إلى بيكاسو مرة أخرى عندما اكتشفوا ان السارق هو نفسه الذي سرق التمثالين له علاقة بسرقة لوحة الموناليزا، فتم زج الاثنين في السجن!
يعتبر الفنان المكسيكي ديجو رافيرا (Diego Rivera) من الفنانين الثوريين الذين عملوا من اجل حرية شعوبهم إلا ان المبالغات التي عمل الفنان على ترويجها حول عظمة الاعمال التي قدمها لثورة زباتا (Zapata) الشهيرة تكاد تكون مكشوفة ومن الصعب قبولها. ففي الوقت الذي ادعى فيه إن زباتا قد اختاره ليقوم بعملية اغتيال حاكم المكسيك المستبد ثبت تاريخيا أنه كان يتملق للحصول على بعثة دراسية من نفس الحكومة. كما ادعى أنه الوحيد ممن انضموا إلى ثورة زباتا كان لديه القدرة على تفجير قطار بدون ان يصيب الركاب الأبرياء بأي أذى، فهل امتلك عصا سحرية ليختار الضحايا في لحظة تفجير قطار بأكمله. و من خلال مذكراته وما كتب عنه وعن زوجته الفنانة فريدا كاهلو (Frida Kahlo) نراه لا يملك الإحساس بتقدير الحياة الزوجية فيعترف لعروسه في بداية زواجه بها أنه على علاقة حميمة مع غيرها الأمر الذي يفسر سوء العلاقة الزوجية بين الفنانين. و بالرغم من تصريحاته الرنانة في دعم الاشتراكيين حتى أنه كان يحتفل ببعض أعياد الثورة الروسية في موسكو ، إلا أنه كان من أكثر الفنانين نزعة مادية ولا يتوانى عن التعامل مع الرأسماليين سواء على المستوى الفني أو خارج إطار الفن حتى طرد من الحزب الاشتراكي وتم ارجاعه إلى الحزب بعد فترة من الزمن.
يحكي لنا تاريخ الفن قصة الفنان مارسيل دوشامب (Marcel Duchamp) الذي فضل عدم الاستمرار في الفن لايمانه بسقوط الفن وانه بلغ نهايته واستبدله بلعبة الشطرنج التي سيطرت عليه لبقية حياته وكان لهذا السلوك تأكيد على شخصية انهزامية تعيش في داخله. لقد كان مؤسسا لما يسمى عبثا بمدرسة الدادا (Dada) وكانت أعمالة تمثل احتجاجا عملياً لوضع الفن في العقد الثاني من القرن العشرين. لكن يرى بعض النقاد ان هناك ما يبرر سلوكه واتجاهاته الفنية بسبب الوضع الذي عاشته أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى حيث أصبح الموت لعبة تتبادلها أمم أوروبا دون أي اكتراث. كما إن دوشامب يعد من الفنانين الذين فشلوا في بناء حياة زوجية ناجحة ، ففي الأسبوع الأول من الزواج انشغل عن زوجته (Poor Lydie) بلعب الشطرنج ولم يستمر ذلك الزواج في الواقع لأكثر من ستة أشهر.
أمثلة كثيرة يمكن إن نطرحها لتكشف لنا حقائق خفية يختفي من ورائها عمالقة الفن كما لو كانوا أمثلة للكمال والإنسانية. بالطبع اننا لا نتوقع ان نجد انسانا كامل التكوين من كل النواحي، إلا اننا في نفس الوقت كمتذوقين لنا الحق في سبر خفايا رواد الحركة الفنية في كل العصور ، لأن مخرجات الفن والأدب – دون غيرهما من الحقول – تعتبر انعكاسا تاما لحقيقة الفنان والأديب.