في قَواريرِها
كانت الأَبجديةُ مُنهكةً،
يَعتَريها مِن الوَجدِ مَا يَعتَري وَطَناً خَانَهُ عَاشقوه،
أَنيناً تُطلُّ عليكَ الحروفُ المهيضةُ
منْ كُوّةِ الغرباء ،
وحشرجةُ الصوتِ في الحلقِ
باتتْ تَمَخّصُ عن عُجمةٍ لا تَليقُ بِمثلكَ،
أىُ الحروفِ القَصيّةِ يَحنو إذا مَا بكيتَ،
ويأسُو إِذا ما اشْتكيتَ،
ويَحبو إليكَ كطفلٍ تَرقّبُ في صوتِهِ لثغةً طَارئةْ؟
وأيُ الحروفِ
يمزقُ أستارَ صمتكِ؟
علّك تصرخُ آهٍ……………… بطولِ البُكاءْ.
كلُّ حرفٍ يُعزّي أَخاه ويَمضِي
إلى قَبره في ضُلوعِ الرخامْ.
كلُّ صوتٍ يُقيمُ لإخوانِهِ مَأتماً في جَنازِ اللغةْ.
أَيا سيّدى
أوقدِ النارَ
ثمَّ غريبٌ على بعد حَرفين منّا،
فقلْ
« فالحديثُ قِرى»*
والكلام كقنّينة الخمرِ للضيفِ،
والصّمتِ مفتتح للتوجّس
أوْ للخصامْ
………………….
حبيبي بعيدٌ،
ولكنَّ حرفي ألوفٌ يطيرُ له كالحمامْ.
حبيبي غَريبٌ،
أنقّبُ عنه بصوتِي،
ويعرفُني صوتُه في الزّحامْ.
حبيبي يَنامُ بلا باقةٍ منْ ورودِ ،
سأرسلُ في التّوِّ قلبي
كريحانةٍ من كلامْ.
حبيبي
حبييي
وكيف نموتُ بأَشواقِنا هكَذا دونَ صوتٍ،
وكيف يمزّقُ أصواتَنا كلُ هذَا العَناءْ
………….
يَليقُ بنَا
أنْ نُمحّصَ أََصواتَنا من طنينٍ تَزاحَمَ من حَولِها كالأنينِ،
ومما ينوءُ بهِ ثَوبُها من رُكامْ،
يليقُ بنا أنْ نبللَ أَفواهَنا
بالحروفِ المَهيضةِ في قَاع أَسمائِنا
مثلَ منْ يستحمُ بقارورةٍ من عسلْ
يليقُ بنا أنْ نرى للحروفِ الرطيبةِ
فوق الشفاهِ مذاقَ القبلْ
يليقُ بنا أن نقولَ لكلِّ الأحبةِ ما لم نَقلْه بِها،
………….
كلُّ هذا انتهى،
حين صرْنَا إلى عُجمةٍ كالبلاءْ.
للطيورِ أغاريدُها
للحفيفِ مقامٌ مع الريحِِ،
ومأدبةٌ في أقاصي الغناء،
ولي وحديَ الصمتُ طفلٌ
يلمّ بقايا القصائدِ من عتباتِ الحنين.
كلَّ غرناطةٍ نحنُ في أرضِها رُحّلٌ
خلفَ راعٍ بأسمائنا قدْ يغني،
ويرسلُ قبرةً من عويلْ
يأسنُ القلبُ لو أجبرته يدُ الأبجديةِ ألا يقولَ
سوى ما تقولْ
عَينُ غرناطتي لاتشيرَ إليّ
وتنزعني من يديّ الفصولْ
كلَّ حرفٍ أغادر قسرا تمطى كليلٍ
فضلّتْ خطايَ وعاندني في الرجوعِ إليها السبيلْ.
أيّها الحرفُ… خذِ الثأرَ منّي
فيا كمْ تلعثمَ قلبي فلم يُسمعِ الأرضَ صوتاً
تنكر لي ذات صمتٍ
فقايضتْ دناً بدنِ
إلهي
إلهي
بيتمِ الكلامِ لمَ تَمتحنّْى؟
ــــــــــــــــ
* (إنما الحديث من القِرى) الجاحظ.
———————————————-
محمود فرغلي