غالباً ما تنظر المجتمعات الأصلية والتقليدية إلى اشكال التعبير عن ثقافتها التقليدية الموروثة/الفولكلور على أنها لاتنفصل عن أنظمة المعارف التقليدية مثل(المعارف الطبية والبيئية والمعارف المتعلقة بالمواد البيولوجية)، بيد أن أشكال التعبيرالثقافي/الفولكلور التقليدي تناقش في سياق الملكية الفكرية بمعزل عن المعارف التقليدية عادة، وليس الغرض من ذلك الإيحاء بأنه ينبغي التمييز بينها على نحو مصطنع في سياق المجتمعات، وإنما يجسد ببساطة تجربة واسعة الانتشار التي أثبتت أن الأدوات القانونية المتباينة ومجموعة مختلفة من المسائل السياسية تنجم عادة عن تطبيق حماية الملكية الفكرية للحفاظ على أشكال التعبير الثقافي التقليدي من جهة والمعارف التقليدية التقنية من جهة أخرى.
وعلى ذلك، فإن حماية الملكية الفكرية تكمل الأنماط التقليدية لأشكال التعبير الثقافي وأنظمة المعارف التقليدية، وهي تسري خارج نطاق المجتمع الأصلي ولكنها لا ترمي إلى الحلول محل عادات وممارسات المجتمع أو تقليدها. وقد أثبتت تجارب عديدة أن حماية أشكال التعبير الثقافي التقليدي بموجب الملكية الفكرية تثير مسائل محددة بشأن السياسة الثقافية، وتنطوي بخلاف المعارف التقليدية التقنية على مبادىء أكثر قربا من تلك التي تقوم عليها أنظمة حق المؤلف والحقوق المجاورة. ولذلك، فمن المحتمل أن تكون المبادىء العامة والحلول المحددة لإشكال التعبير الثقافي التقليدي والمعارف التقليدية مختلفة. ومن المهم أن تكون أشكال حماية الفولكلور مستهلة ومحددة بناء على مبادىء وسياسات قانونية وثقافية ملائمة.
مفهوم المعارف التقليدية
هناك حاجة ملحة إلى وضع تعريف للمعارف التقليدية، على أن ما يمكن استنتاجه الآن هو أن المعارف التقليدية هي مفهوم متعدد الأوجه يضم عناصر متعددة. وما يميز المعارف التقليدية أنها لا تنتج بصفة عامة آلية محددة ولكن وفقاً لتجاوب المبدعين أكانوا جماعات أو أفرادا لمحيطهم الثقافي وتفاعلهم معه. ولهذا السبب قد لا تستجيب آليات الملكية الفكرية القائمة المهيأة للعمل في سياق التجارة بشكل كامل للطبيعة الثقافية التي تتميز بها أساساً المعارف التقليدية. وإذ تمثل المعارف التقليدية قيماً ثقافية فهي غالباً ملك جماعي، وهذا ناتج عن أن ما يعتبر في بعض الأحيان قطعة من الأدب (قصيدة شعر مثلاً) أو اختراعاً تقنياً منفصلاً (كالانتفاع بمورد نباتي لعلاج الجروح) هو في الحقيقة عنصر يندمج في معتقدات ومعارف واسعة معظمها معقد ومتماسك لا يتحكم فيه الأفراد الذين يستعملون أجزاء منفصلة من المعارف ولكن يسيطر عليه المجتمع المحلي أو مجموعة السكان. وزيادة على ذلك، تنتقل معظم المعارف التقليدية شفهياً من جيل إلى آخر، ولذلك فهي تبقى غير موثقة بشكل واسع.
والجانب بالغ الأهمية في المعارف التقليدية أنها (تقليدية) بالنظر فقط إلى أن إبداعها والانتفاع بها هما جزء من التقاليد الثقافية للمجتمعات المحلية، ومن هنا فإن نعت المعارف بأنها تقليدية لايعني بالضرورة أنها قديمة، فالمعارف تُبتكر كل يوم وتتطور استجابة من الأفراد والمجتمعات المحلية التي يطرحها محيطهم الاجتماعي. وعند الانتفاع بها تصبح المعارف التقليدية هي أيضاً معارف معاصرة، وهذا الجانب هو مبرر إضافي للحماية القانونية، والمنشود هو ليس فقط وضع نظام لتوثيق المعارف التقليدية التي تم إبداعها في الماضي وصونها لأنها قد تكون على وشك الاندثار، ومن المهم أيضاً التفكير في نظام يساهم في نشر الابتكارات القائمة على أساس الانتفاع المتواصل بالتقاليد والنهوض بها، ولذلك فإننا لا نتحدث فقط عن صون المعارف الموجودة الآن ولكننا نتحدث أيضاً عن صون ما هو موجود كأداة ضرورية وقوية لتعزيز الابتكار التقليدي المتواصل والطاقة الإبداعية.
المبادىء الرئيسية المميزة للمعارف التقليدية
المعارف التقليدية غير محددة بمجال معين، فهي تشمل كافة المجالات مثل المعارف المتعلقة بالصحة والطب، التنوع الإيحائي، البيئة، الطعام والزراعة، المعارف المتصلة بالفنون كالرقص والموسيقى….، أعمال النسيج وفنون النحت وغيرها الكثير مما تنتجه الشعوب، كذلك فإن تلك المعارف أيضاً تنشأ نتيجة تفاعل عوامل متعددة مع بعضها البعض فتفاعل المعرفة العلمية مع التاريخ الإجتماعي مع الفن والمعتقدات الدينية كل هذا من شأنه أن يكوّن المعارف التقليدية والتي تتميز بأنها تنشأ وتتطور بمجهودات الجماعة صاحبة هذه الملكية.
من جانب آخر، المعارف التقليدية تنقل التاريخ والمعتقدات والقيم الجمالية والأخلاق الخاصة بشعب معين من جيل إلى جيل، فهي تعكس هوية وذاتية الجماعة التي أبدعت هذه المعارف، كذلك فإنها لا تنشأ وفقا لنظام محدد، وإنما نتيجة تفاعل الإبداعات الفردية أو الجماعية مع البيئة الثقافية المحيطة بها، ويصدق هذا المفهوم على المعارف سواء أكانت تقليدية أو حديثة.
علاوة على ذلك، المعارف التقليدية هي حفظ للقيم الثقافية والحضارية، والتي تكون بصفة عامة ملك للجماعة التي أبدعتها وأنتجتها لذلك فإن هذه المعارف لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، فمثلاً لا يمكن فصل قصيدة شعرية عن باقي المعارف الثقافية للجماعة، ولا يمكن فصل المعرفة الطبية لنبات معين يستخدم لعلاج مرض معين عن باقي النباتات والأعشاب التي تستخدمها الجماعة للعلاج من كافة الأمراض، فالعناصر المكونة للمعارف التقليدية متداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها.
عناصر المعارف «التقليدية»
المعارف التقليدية (بمعناها الضيق) وهي إشارة غير شاملة إلى المعارف والعادات المتصلة بالنباتات والحيوانات والأدوية الطبيعية وأساليب العلاج الطبي والمعارف الغذائية والتجميلية ومعارف العطور وغيرها والتي تحتوي على قيمة فكرية اضافية وتدخل في الملك العام . وفي تلك الحالة، ينبغي البحث في تطبيق حقوق الملكية التي تكون إما جماعية وإما فردية بالإستناد إلى الحق في مكافأة جرّاء الانتفاع بها. ولعله من غير السليم البحث عن أي حق في الحالات الاستثنائية كما هو الحال في الملكية الفكرية أن موضوع الحماية يسقط في الملك العام، ومن الأفضل التركيزعلى نظام يسمح بضمان المنافسة المشروعة أو التوزيع العادل للمكاسب المحصلة من أوجه الانتفاع أو التسويق التي يمارسها الغير ونظام يتجه وجهة أصحاب المعارف الشرعيين.
الابتكارات هي المعارف والعادات ذاتها الوارد وصفها أعلاه باستثناء أنها لا تسقط في الملك العام، وينبغي أن تحظى تلك المعلومات على الأقل بالمعاملة ذاتها المتاحة للمعلومات غير المكشوف عنها (كالأسرار الصناعية) المحمية بناء على أحكام المنافسة غير المشروعة، وينبغي أن يقوم الإطلاع على تلك الإبتكارات أو المعارف التكنولوجية القيّمة على أساس الموافقة بسابق علم والمفاوضات التعاقدية الخاصة (الترخيص).
والشارات المميزة وهي الشارات والرموز المستخدمة لتعريف القبائل والعائلات والمنتجات وما إلى ذلك، بالاضافة إلى تلك المستخدمة في الطقوس الدينية أو الروحانية، وما ينبغي ضمانه والمحافظة عليه في هذا الصدد هو احترام الموضوع وحصانته والحقوق الاستئثارية للمجتمعات الأصلية أو المحلية في طلب تسجيلها كعلامات تجارية.
وفي ذلك السياق، ينص مشروع قرار جماعة البلدان النامية بشأن الملكية الصناعية على أن التسجيل كعلامات تجارية ليس متاحا للشارات وغيرها مما يتألف من أسماء المجتمعات الأصلية الإفريقية والأمريكية أوالمحلية أوالأسماء أوالكلمات أو الحروف أوالرموز أوالشارات المستخدمة لتمييز منتجاتها أو خدماتها أو الطرق التي يعالج بها ذلك أو التي تمثل تعبيرا عن ثقافتهم أو عاداتهم، إلا في حال كان التطبيق قد أودعه المجتمع ذاته أو بموافقة صريحة منه.
وعلى أية حال، فإن الفولكلور يتألف من الإبداعات وأشكال التعبير الثقافي المتوارثة جيلا بعد جيل والتي يمكن أن يملكها فرد واحد أو مجتمعات كاملة، وكمثال على ذلك الرقص والحكايات والتقاليد السماعية والأساطير والخرافات والطقوس غير الدينية والمصنفات الحرفية والرسوم وغيرها، ويمكن أيضا الاستناد إلى التعريف الذي جاء به فريق الخبراء المشترك بين الوايبو واليونسكو والمعني بحماية الفولكلور عام 1985 ويرد في ذلك التعريف ما يلي :
الفولكلور (أو الثقافة التقليدية والشعبية بالمعنى الواسع) هو جملة أعمال إبداعية نابعة من مجتمع ثقافي وقائمة على التقاليد تعبر عنه جماعة أو أفراد معترف بأنهم يصورون تطلعات المجتمع وذلك بوصفه تعبيراً عن الذاتية الثقافية والإجتماعية لذلك المجتمع، وتتناقل معاييره وقيمه شفهياً أو عن طريق المحاكاة أو بغير ذلك من الطرق. وتضم أشكاله اللغة والأدب والموسيقى والرقص والألعاب والأساطير والطقوس والعادات والحرف والعمارة وغير ذلك من الفنون» .
ويمكن حماية الفولكلور بواسطة نظام مماثل لنظام حق المؤلف ويأخذ في الحسبان الخصوصيات الأساسية مثل الملكية والحقوق المعنوية للتأليف والحصانة، وانعدام أي شكل مثبت واستبعاد الأنماط من الحماية ويأتي في الوقت ذاته أيضا بجزاءات ضد الأعمال التعسفية والانتفاع غير السليم والاستغلال غير المصرح به. ويمكن أن تخضع تلك الحقوق لتقييدات زمنية في بعض الحالات دون أن يكون ذلك لازما .
ومعرفة منشأ المنتجات الحرفية غالبا ما تستنسخ من الأنماط والتصاميم الحرفية للمجتمعات أو القبائل أو المجموعات العرقية ثم تنسب اليها بصفتها منتجات أصلية، ويمكن تفادي الممارسات التي تثير اللبس لدى المستهلك بالدعوة إلى الانتفاع بالأنظمة المعمول بها حاليا لحماية البيانات الجغرافية ولا سيما تسميات المنشأ مع تكييفها حسب اللازم، أو الانتفاع بعلامات الرقابة عوضا عن ذلك. وينبغي العمل أيضا من أجل تحقيق اعتراف متعدد الأطراف وصريح بالحاجة إلى مراقبة بيانات المصدر الزائفة بناء على نظام مدريد بشأن قمع بيانات مصدر السلع، الزائفة أو المضللة.
أهمية المعارف التقليدية
تفخر المجتمعات الأصلية والمحلية عن حق بالمعارف التقليدية على أساس أنها جزء من هويتها الثقافية، ومن الأهمية بمكان المحافظة على أنظمة المعارف المختلفة التي تفضي إلى ازدهارها لضمان رفاهيتها وتنميتها المستدامة وحيويتها الفكرية والثقافية في المستقبل، وتمثل تلك المعارف بالنسبة للعديد من المجتمعات جزءاً من نظرة عالمية شمولية، وهي لا تنفصل عن طريقة معيشتها وقيمها الثقافية ومعتقداتها الروحية وأنظمتها القانونية العرفية.
وتمثل المعارف التقليدية عنصراً عملياً قويا، حيث انها غالبا ما تتطور جزئياً كرد فعل فكري لضرورات الحياة. ويعني ذلك أنها قد تعود بالنفع المباشر وغير المباشر على المجتمع بصورة أعم، وثمة أمثلة عديدة على تكنولوجيات مهمة تنشأ مباشرة عن المعارف التقليدية، غير أن البعض يسعى إلى الانتفاع بتلك المعارف وعلى الأخص لأغراض صناعية وتجارية.
إن الدور المحتمل لحقوق الملكية الفكرية في حماية المعارف التقليدية مجال جديد يتطلب استطلاعا شاملا وبالرغم من انعدام المعايير الدولية المحددة في ميدان الملكية الفكرية لحماية تلك المعارف حتى الآن يتزايد عدد الحالات التي يلجا فيها الافراد والمنظمات إلى أنظمة البراءات والعلامات التجارية وحق المؤلف القائمة بغية حماية معارفهم وثقافتهم، وقد لاقت تلك الجهود نجاحا متفاوتا ولكن درجات التقدير والاحترام المتزايدة التي تحظى بها المعارف التقليدية أخذت تلفت نظر المجتمع الدولي إلى تلك القضايا.
وبحثا منها لنموذج يجعل نظام الملكية الفكرية ملائماً للمعارف التقليدية بدأت المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الوايبو» تنفيذ برامج وأنشطة بغية تقييم احتياجات أصحاب المعارف التقليدية والدول والاعضاء والتصدي لها وتجلى احد المشروعات المنفذة في السنوات الماضية في تقييم شامل لاحتياجات أصحاب المعارف التقليدية وتطلعاتهم.
إضافة الى ذلك، فقد اضطلعت شعبة القضايا العالمية في «الوايبو» خلال السنتين 1998 و1999 بتوسيع المهام لتقصي الحقائق بهدف جمع المعلومات المتعلقة باحتياجات اصحاب المعارف والتقليدية وتطلعاتهم في مجال الملكية الفكرية وعلمت «الوايبو» من خلال تلك المهمات أن الفولكور والمعارف التقليدية مصادر غنية ومتنوعة للإبداع والابتكار وكشفت مهمات تقصي بعثة الحقائق بشأن المعارف التقليدية التي أوفدت من «الوايبو» إلى 28 بلدا من أجل تحديد الاحتياجات والتطلعات المتعلقة بالملكية الفكرية لأصحاب المعارف التقليدية إلى أن أنظمة المعارف التقليدية هي إطار من الممكن ان يتواصل فيه الإبداع والابتكار في معظم مجالات التكنولوجيا التي تتراوح بين الطب الشعبي والزراعة التقليدية والموسيقى والتصميم وفن الطباعة والخط والفن التشكيلي وأعتبر أصحاب المصالح الذين استشارتهم بعثات تقصي الحقائق أن المعارف التقليدية من مصادر الثروة الاقتصادية والثقافية وينطبق ذلك على البلدان المتقدمة والنامية التي زارتها البعثة.
ونشرت «الوايبو» نتائج مهمات تقصي الحقائق كاملة في شكل تقرير ليعلق عليه الجمهور ويمكن الحصول على التقرير المعنون (إحتياجات اصحاب المعارف التقليدية وتطلعاتهم في مجال الملكية الفردية): المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الوايبو» التقرير المتعلق ببعثات تقصي الحقائق بشأن الملكية الفكرية والمعارف التقليدية (1998 و1999) على موقع المنظمة الإلكتروني، وقامت بعثات تقصي الحقائق المشار اليها بزيارتين لسلطنة عمان في الفترة المذكور وهي واردة في التقرير المشار الي، كما ان العديد من الإتفاقيات العالمية تناولت موضوع الحماية إلى جانب إتفاقية «تريبس».
ولأهمية المعارف التقليدية تواصل الوايبو عملها بخصوص المعارف التقليدية واشكال التعبير الفلوكلوري في السنوات الماضية من خلال لجنة الموروثات والمعارف التقليدية، وجدير بالذكر ان سلطنة عمان من الدول المؤسسة لهذه اللجنة وهي عضو دائم بها، كذلك فإن للوسائل والمواد الإعلامية التي تنتهجها المنظمة لحماية المعارف التقليدية بناء على نظام الملكية الفكرية الحالي توفر معلومات عملية بخصوص الحلول الممكن تطبيقها لحماية المعارف التقليدية بناء على نظام الملكية الفكرية وتتاح تلك المواد بصورة رئيسية لأصحاب المعارف التقليدية ومكاتب الملكية الفكرية الوطنية المسؤولة عن إدارة نظام الملكية الفكرية في كل بلد وتستند المنظمة إلى تلك المواد في أنشطتها التدريبية المرتبطة بالمعارف التقليدية بما في ذلك الندوات الوطنية ويتم أيضا نشر تلك المواد على نطاق واسع.
ويستعان بتلك المواد ايضا في دورات تخصصية في التعليم عن بعد التي تقدمها المنظمة بشأن الملكية الفكرية المرتبطة بالمعارف التقليدية ويستفيد برنامج التعليم عن البعد التابع لأكادمية الوايبو استفادة كاملة من تكنولوجيا المعلومات والإنترنت ويتيح أساليب جديدة للتدريس ومواد دراسية مصممة خصيصا لذلك الموضوع وأدوات تقييم ووسائل مصممة للتدريس ويستهدف أعداداً كبيرة من الطلبة وقد تم وضع دراسة تمهيدية مكونة من ستة أجزاء عن الملكية الفكرية في متناول الجمهور على الصعيد العالمي منذ اكتوبر سنة 1999 بالانكليزية والفرنسية والاسبانية ويجرى التدريس عن طريق موقع الأكاديمية على الانترنت، ويحتوي ذلك على مزيد من المعلومات وتتم الدورة الدراسية للتعليم عن بعد بشأن الملكية الفكرية والمعارف التقليدية وهي متاحة الآن للراغبين.
التحديات التي تواجه المعارف التقليدية
تواجه جماعات المعارف التقليدية العديد من المصاعب وتتجلى إحدى المشكلات العويصة في امتناع جيل الشباب عن تعلم (الطرق والأساليب الموروثة القديمة)، ويؤدي رفضهم للتقاليد وطغيان أنماط العيش العصرية في الغالب إلى تلاشي المعارف والممارسات التقليدية، وتندثر العديد من الممارسات التقليدية بسبب الاختلاط الثقافي أو التشتت، ومن هنا تتجلى الحاجة الأولية إلى توثيق المعارف التي يملكها كبار السن والمجتمعات المحلية في العالم وصون تلك المعارف، وقد أدى غياب ورثة راغبين في تلك المعارف إلى ظهور حالة هشة يؤدي فيها موت أحد أصحاب المعارف التقليدية إلى إختفاء نظام كامل من المعارف والتقاليد.
وتكمن صعوبة أخرى يواجهها أصحاب المعارف التقليدية في غياب الاحترام والتقدير لمثل تلك المعارف، وغالباً ما يختفي الفهم الحقيقي لقيمة المعارف التقليدية وراء المنهج العلمي الحديث ذي الطابع الانتقاصي، فإذا لم توضع المعلومة في سياق علمي بطريقة علمية ينظر إليها نظرة دونية، فعندما يصف مثلاً الطبيب الشعبي خليطاً من الأعشاب لعلاج أحد الأمراض فقد لا يصف آثار العلاج في الجسد بأنها تفاعلات جزيئية بمصطلحات الكيمياء البيولوجية الحديثة، ولكنه يضع وصفته بناء على سلسلة من التجارب التي قام بها من سبقه من الأطباء الشعبيين.
وقد أبدى المجتمع الحديث أحياناً تحاملاً على المعارف التقليدية بدعوى أنها لا تتماشى مع طرق التعليم المقبولة، وتحمل بعض الإشارات العامية إلى المعارف التقليدية مدلولات سلبية مثل تحقير العلاج التقليدي ووصفه بأنه بدائي ونعت ممارسيه بأنهم مشعوذون.
وبعد إجراء تحقيق بسيط في الميدان، تتضح حيوية تلك المعارف وقيمتها الحقيقية، والأمثلة المعاصرة عن ذلك الاعتراف واضحة في مجالات تتنوع ما بين الموسيقى والطب والبيولوجيا والإيكولوجيا، فقد استعمل منتجون موسيقيون عينات من الموسيقى التقليدية في بعض الأغاني الناجحة، وتبين أن زراعة الأراضي بعد حرقها في أمريكا الجنوبية شكل من أشكال الزراعة المستدامة الصالحة إيكولوجياً.
وتتجلى مشكلة أخرى يواجهها أصحاب المعارف التقليدية في الإستغلال التجاري لمعارفهم من قبل الغير، مما يثير مسألة الحماية القانونية للمعارف التقليدية والقضايا المرفوعة بشأن التصاميم الفنية مثل « قطب نجم الصباح» في استراليا والمنتجات الطبيعية «مثل زيت شجرة الزنزلخت الأشبه بالليلك الفارسي والمنتشر في أجزاء واسعة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية» كلها دليل على قيمة المعارف التقليدية في الاقتصاد العالمي المعاصر.
وقد تؤدي العديد من المعاملات التجارية بين المجتمعات المحلية التقليدية والشركات الخاصة إلى صفقات تجارية مواتية لطرف واحد فيثير ذلك مشكلة قانونياً لدى الطرفين، وغياب تجربة العمل بالأنظمة في العديد من الحالات بشأن الانتفاع بالمعارف التقليدية يؤدي لامحالة إلى إضعاف تلك الشعوب، ويتسبب غياب قواعد واضحة لحماية المعارف التقليدية إلى ظهور أخطار تحدق بأصحاب المصالح التجارية الذين يفضلون عقد الصفقات التجارية بناء على قواعد راسخة وموثوقة ونافذة.
كاتب وباحث من عُمان