المشاركون في الندوة:
أحمــد يوسـف: استاذ السيمائيــات
بجامعة السلطان قابــوس
محمــد زروق: استاذ النقد الحديث
بجامعة السلطان قابــوس
جوخة الحارثي: قاصـة وروائيــة
سليمان المعمري: قاص وروائي
بدريــة الشحـــي: كاتبة وروائية
محمـد اليحيائــي: قاص وروائي
حسيــن العبــري: قاص وروائي
زهـران القاسمي: شاعر وروائي
ترى ما هي الأسباب التي جعلت الرواية العُمانية متأخرة (إن صح القول) في سياق التقدير والانتباه إليها.. هل مرد ذلك مستوى الأعمال الروائية العُمانية، أو أنّه لجملة من الأسباب التي تُحيط بها. فما الذي يجعلها رغم كل الاجتهادات التي ترومها، لا تزال خارج الحسبة العربية في المسابقات الرائدة؟ ولماذا بقي حظها من التناول النقدي بائسا وقليلا مقارنة بمثيلاتها من الروايات الخليجية والعربية؟ هل للأمر علاقة بالجغرافيا العُمانية المعزولة، رغم كل المحاولات لتجسير الهوّة عبر التقنية الحديثة وعبر النشر في دور عربية؟
أم أنّ الأمر يعود لغياب المراجعات الصحفية الجادة لهذه الأعمال، وأنّ المسألة مرتبطة من جهة أخرى بغياب دور المؤسسة عن دعم هذه الأعمال وتحفيزها؟
ومن جهة أخرى هل المسألة لها علاقة (بموضوع الأعمال الروائية ومضمون مادتها) التي تبدو غالبا متقوقعة في محليتها وسياقها التاريخي السياسي «رغم أنّ هذا السبب لطالما كان امتيازا لأعمال روائية أخرى ظلت تغرف من محليتها ما أوصلها إلى العالمية»؟
وماذا عن مستقبل الرواية العُمانية؟ هل هناك مؤشرات تُبشر بخصوبة إنتاجية؟ فكما هو ملاحظ فإن (الكم الروائي) يتزايد عاما بعد عام، ولكن هل ستفرز هذه الأعداد (نوعا متفردا) ومُلفتا على المستوى الخليجي والعربي لاحقا؟
كل هذه الأسئلة وسواها، أفردناها على طاولة النقاش مع عدد من الروائيين العمانيين، والنقاد العرب من جامعة السلطان قابوس.. وذلك إيمانا من مجلة نزوى بأهمية الطرح العلمي في مختلف الظواهر الأدبية، وضرورة تداول وجهات النظر بين أهل الدراية النظرية والممارسة الإبداعية في الثقافة عموما والآداب خصوصا، بما يجلي أبعاد الموضوع الراهنة ويرسم مآلاته المستقبلية، ومواكبة للنشاط الحاصل في الكتابة الروائية في عُمان مؤخرا، وبروز أسماء جديدة دخلت الميدان الروائي وأنتجت نصوصها الروائية، برزت أهمية الوقوف على المنجز الروائي العماني للمعاينة والمراجعة، وبحث أفق التجديد في راهنه ومستقبله في سياق عربي وعالمي يفرض شروطه الإبداعية والقيمية، مُسائلا في الوقت ذاته عن موقع الرواية العمانية في السياق العربي العام.
فاختارت مجلة أن تبدأ سلسلة ندواتها بندوة خاصة ومُكثفة عن الرواية العُمانية، لمساءلة واقعها الراهن ونبش أسئلة تخص مستقبلها، ويأتي ذلك بعد مدة وجيزة من إعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر هذا العام من سلطنة عُمان، كما يتزامن أيضا مع طرح مجال الرواية عن فرع الآداب في جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتها الحالية المخصصة للتنافس بين العمانيين، مع أسئلة كثيرة تدور حول موقع الرواية العُمانية اليوم قياسا بالرواية الخليجية والعربية عموما.
بين التقني والثيمي
افتتحت هدى حمد المحور الأول بالقول: «ترى ما الذي غذّى الرواية العمانية لزمن طويل؟ من أين كانت ترتوي عبر ما يزيد عن خمسين عاما منذ رواية «ملائكة الجبل الأخضر» لعبدالله الطائي في عام 1963م وحتى الآن في عام 2016م؟ ماهي مادتها؟ وماذا يقول النقاد عن فنيات الرواية العُمانية اليوم؟ إلى أي حد تشرّب الكتّاب مواضيعهم وصيغهم الخاصة بهم، ليكتبوا الفن قبل أن يتحولوا إلى (موثقين) يملؤون الفراغ الذي خلفه (إهمال التوثيق في عُمان)، هل ثمة عناية بما هو أسمى وأبقى لأي مشروع سردي. على اعتبار أنّ (الكاتب هو الأسلوب)؟»
فبدأ محمد اليحيائي مداخلته قائلا: «أولا أنا سعيد للغاية لأن المجلة ستبدأ بسلسلة من الندوات والمقاربات، لأن هذا يُؤسس لعلاقة جديدة بين المجلة والحياة الأدبية والثقافية في عُمان، ويفتح آفاقا جديدة للنقد أيضا. من جهة أخرى أظن أنّ الحديث عن أن عُمر الرواية العُمانية خمسون عاما، كلامٌ مُلتبس وينبغي مُراجعته؛ فأنتم تعيدون الزمن إلى بداية الستينيات إشارة للكاتب عبدالله الطائي، في عمله «ملائكة الجبل الأخضر»، و«الشراع الكبير» على الرغم من أنّهما بالمعايير الفنية ليستا روايات وإنما قصص طويلة، بينما فنيا لا يمكن أبدا أن نبدأ من عبدالله الطائي، ومن وجهة نظري فإن عُمر الرواية في عُمان لا يتجاوز في أحسن الأحوال 16 سنة».
ويبادره سليمان المعمري بالسؤال: «وفق ما تقول، ما هي برأيك الرواية الفنية الأولى في عُمان؟» فيجيب اليحيائي: «أظن أن رواية بدرية الشحي «الطواف حيث الجمر»، هي الرواية الأولى فنيا، التي صدرت عام 1999».
فيقول سليمان المعمري معقبا: «ألا تظن أن روايات سعود المظفر السابق زمنيا على بدرية الشحي، يمكن أن تُحتسب من عمر الأعمال الروائية الفنية؟».
فيرد عليه اليحيائي: «أظن أنّ وضع أعماله ضمن الأعمال الفنية أمرٌ مُربكٌ بعض الشيء باستثناء رواية «رجال من جبال الحجر»، والتي صدرت في منتصف التسعينيات».
ومن جهته يقول الدكتور أحمد يوسف: «أظن أنّ ما طرحه محمد اليحيائي في غاية الأهمية، ولكن من جهة أخرى، التأريخ يتحدد وفق أشكال التصنيف. أعتقد أن المسألة متداخلة؛ أعني كيف يمكننا أن نؤرخ للشكل الأدبي؟ التأريخ يبدأ بالتغير في أشكال التعبير، فالريادة ليست بالنشر والزمن، وإنما الريادة بالتأسيس الفني؛ إما أن يتبع وإما أن يأخذ مسارات أخرى».
ويعقب اليحيائي على كلام يوسف: «أظن أن رواية بدرية الشحي «الطواف حيث الجمر»، هي التي بدأت بتكوين الحساسية الجديدة في عُمان، أعني أخرجت الرواية من مفهوم القصة الطويلة «التي لا ينتظمها شكل فني» إلى الشكل الروائي، وهذا بالتأكيد لا ينفي وجود الكثير من الملاحظات على هذا العمل أيضا، ومن ثم توالت الأعمال الأكثر نضجا تباعا».
الرواية بدون آباء
سليمان المعمري من جهته يقول: «هنا نقطة أرغب في توضيحها وأجدها مُهمة. نحن عندما نتحدث عن الرواية العربية لن يأتي من يقول أنّ نجيب محفوظ هو مُؤسس الرواية العربية، ولكن سيُقال بأنّ رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل هي الرواية الأولى، رغم كل الملاحظات والمشاكل الفنية التي تكتنفها».
هنا تطرح جوخة الحارثي سؤالها: «هل يعني ذلك أنّه يُمكن تجاهل الكاتب سعود المظفر.. فقط لأنّ لديه مشاكل فنية على سبيل المثال؟»
فيرد سليمان المعمري: «أظن أنه لا يمكننا أن نتجاهل حتى عبدالله الطائي الذي تسبق تجربته تجربة سعود المظفر؟»
فقالت منى السليمي: «هذا الموضوع كان – ولا يزال – محل خلاف؛ حتى أن بعض الباحثين يقولون إن الرواية العمانية مرّت بمرحلتين: مرحلة أولى تبدأ من عبدالله الطائي بـ «ملائكة الجبل الأخضر» وتنتهي ببدرية الشحي في «الطواف حيث الجمر»، ومرحلة ثانية تبدأ من «الطواف حيث الجمر» إلى كل ما جاء بعدها حتى الآن. والبعض الآخر لا يعتد بتجربة عبدالله الطائي لأنّها خارج الفنيات. وأظن أنّه من المهم أن تُحسم هذه المسألة بدلا من أن تظل محل إشكال دائم».
فيبادر اليحيائي: «السؤال الآن من هي الأسماء المتحققة في عُمان اليوم، التي خرجت من عباءة عبدالله الطائي، والتي طورت تجربته؟ ربما يكون سعود المظفر من هذه الأسماء. ولكن سعود المظفر أيضا بنية رواياته – باستثناء رواية» رجال من جبال الحجر» – وكما قلنا سابقا، تعاني إشكاليات فنية؛ ففي الحقيقة هي قصة طويلة. هل جوخة الحارثي اليوم على سبيل المثال، طورت تجربة عبدالله الطائي؟ بالطبع لا».
فتتساءل هدى حمد: «هل تجد ذلك ضروريا؟» فيرد اليحيائي : «نعم.. لو كنتم تريدون أن تُؤسسوا وتؤرخوا وتقولوا أنّ عبدالله الطائي هو أبو الرواية في عمان. وردا على سليمان المعمري فيما يتعلق برواية «زينب» لهيكل، في تونس أيضا محمود المسعدي يُؤرخ له في تونس برواية «السد»، فهل «السد» هي رواية بمعايير الرواية؟ وهل هو أبو الرواية التونسية».
ضبط المفاصل الكبرى
فيقول أحمد يوسف: «إشكال التأسيس دائما موجود – عندكم وفي مصر وبلاد المغرب – وقد طرح كما أذكر في ندوة «مكناس». هنالك اختلاف على مؤسس الراوية التاريخية مثلا، أهو جورجي زيدان أم شخص آخر؟ لا بد من وجود معايير يستند عليها المؤرخ لضبط الأنطولوجيا العُمانية. فإما أن نعد كل من كتب رواية ضمن تاريخ الرواية العُمانية، وإما أن تُضبط المسألة بالمعايير الفنية. وأظن أنّه لا ضرر أبدا أن نضبط الأوائل ونضبط التحولات اللاحقة أيضا، أعني المفاصل الكبرى، وهكذا نخرج من هذا المأزق».
فتعقب هدى حمد على كلام يوسف قائلة: «بهذا المعنى يمكن أن يكون عمر الرواية في عمان نصف قرن؟» فيرد أحمد يوسف: «بالتأكيد. ولكن السؤال الحقيقي هو: كيف نُؤرخ للرواية العُمانية؟ فكل مؤرخ له فلسفته الخاصة. فهنالك من يذهب إلى أن كل نص طُبع يدخل في عداد التاريخ، وهنالك من يُؤرخ للنص المؤسس؛ إذ لا تولد كل النصوص كاملة ناضجة، بل على العكس أحيانا، يفتحُ هذا الضعف مجالا لولادات جديدة ومتطورة. ويحصل أيضا أنه عندما يولد النص مُكتملا فإنه يخلقُ إعاقة، لذا لا بأس من إدخال نصوص عبدالله الطائي ضمن السرد العُماني. وفي هذا الإطار، ولكي نحسم هذا الأمر، علينا أن نعي أنّ التاريخ هو حركة تغير الأشكال الأدبية، وأنا أقول إنّ النصوص الجيدة نصوص يتيمة وليس بالضرورة أن تُتبع. اليتم هو حالة إبداعية والنص الجيد هو النص اليتيم، ولكن أن يستمر عبدالله الطائي عند جوخة الحارثي أو عند بدرية الشحي فهذه مسألة ليست ضرورية».
ويوضح محمد اليحيائي ما رمى إليه: «ما كنتُ أريد قوله: إنّ تجربة نجيب محفوظ تجربة طُورت كثيرا في مصر في أجيال لاحقة، بينما تجربة عبدالله الطائي لم تفعل ذلك، ولهذا السبب تبقى في التاريخ كونها من البدايات، ولكن من وجهة نظري لا تستطيع أن تضعها في السياق الفني. والفيصل الفني يكمن ربما في هذه العبارة: ليس المهم ماذا نحكي ولكن كيف نحكي»، فتعقب هدى حمد: «تعني أنّ الكاتب هو الأسلوب»، فيؤكد اليحيائي على ذلك.
من جهتها جوخة الحارثي تقول: «علينا أيضا ألا ننسى وجود فجوة تمتد لثلاثين عاما بين جيل عبدالله الطائي وجيل الأسماء اللاحقة له، وهذه الفجوة ليست صغيرة زمنيا».
بين الموضوع والتجريب
وفي السياق الثيمي تقول بدرية الشحي: «من وحي قراءاتي للمنجز العُماني، أجد أنّ الثيم يختلف بين ما يكتبه الرجال وما تكتبه النساء في عُمان. فما يكتبه الرجال في عُمان أقرب للرواية الذاتية الاعترافية، بينما المرأة (وليس تحيزا لها) تنظرُ أكثر للمجتمع ومشاكله من الرجل. الرجل يميل أكثر للفانتازيا، كما يميل للتجريب. شاهدتُ ذلك عند سليمان المعمري وعند حسين العبري. فنحن للأسف في حالة تجريب لم نخرج منها بعد. الكاتب العُماني يقتحم، ويخرج من ثيمة لأخرى». فتسألها هدى حمد: «وهل تجدين في التجريب مشكلة؟»
وبدرية الشحي ترد: «أجدُ أنّ التجريب منع الكاتب العُماني من أن يكون له لونه وطرازه الخاص. فهل يمكنك أن تفتي وتقول إن الرواية الفلانية كتبها «فلان» مثلا في عُمان، أعني ممن تراكمت خبراتهم وتجاربهم وأعمالهم. الكاتب المحترف لديه دائما سمة خاصة به. يُعرف بها، ولكن عندما لا نتمكن من تمييز عمل الكاتب من الأعمال الأخرى، فهذا يعني أنه لا يمتلك لونه الخاص به و لا صوته أيضا».
فيسألها اليحيائي: «هل تجدين أنّه من الجيد أن تتعرفي على الكاتب قبل أن تنظري لاسمه على غلاف الكتاب؟ هل ذلك مُهم حقا؟» وبدرية الشحي تجيب: «نعم أجد ذلك مهما جدا».
هنا يطرح زهران القاسمي وجهة نظره بالقول: «أنا أختلف مع بدرية الشحي في قولها إن المرأة تعي وتكتب عن همّ المجتمع أكثر مما يفعل الروائي الرجل، فمثلا رواية سليمان المعمري وحسين العبري أجدهما تتقاطعان مع صميم هموم المجتمع»، فيقول سليمان المعمري: «بدرية الشحي تُحيلني أنا أيضا إلى سؤال: ألا يمكن للروائي الرجل أن يكتب تجريبا ويناقش هموم المجتمع في آن؟».
وعن تقنية الرواية العمانية مقارنة بالرواية العربية تقول جوخة الحارثي: «أنا لا أجد فرقا في التقنية بين الرواية العربية والرواية العُمانية؛ لأن معظم جيل الشباب من كُتاب الرواية لديهم رغبة في تجديد البناء. فالكاتب العماني يُحاول أن يجرب وأن يستفيد من التجارب التي سبقته»، أما حسين العبري فيقول: «في العالم العربي – ونتكلم عن مصر على وجه الخصوص – نجد أنّ التأسيس بدأ كلاسيكيا ومن ثم خرج الناس منه نحو التجريب. مما يعني أنّ التجريب هو مرحلة لاحقة للشكل الكلاسيكي للرواية، بينما نحن في عُمان أظن أننا جميعا «نطينا» صوب التجريب، فترد عليه جوخة الحارثي: «أنا أستغرب من هذا الطرح. لماذا نذهب لمنحى ضرورة أن نتأسس على الآباء العمانيين. أنا مثلا لم اقرأ روايات عُمانية إلا في مرحلة متأخرة جدا. تأسستُ على روايات عالمية وعربية، فلماذا لا بد أن أبدأ بالمراحل التي تدرجت عليها مصر مثلا. أظن أنّ التجريب العُماني تأسس، وليس بالضرورة أن يخرج من عباءة روائيين عمانيين».
وفي السياق نفسه يضيف محمد اليحيائي: «لنتفق على أنّ الرواية هي ابنة أوروبا، ابنة بلزاك وانتقلت إلى العالم العربي ضمن ما سُمي بالصدمة الثقافية الأولى بغزو نابليون لمصر. لذا لا يوجد شيء اسمه رواية عمانية أو رواية مصرية. توجد رواية يكتبها عُماني. أو رواية يكتبها مصري. وهكذا».
وبدورها أعادت هدى حمد طرح ما طرحته جوخة الحارثي: «لم نتأسس على تجربة آباء عُمانيين في الرواية العُمانية، وإنما الكاتب العُماني ابن مدرسة رواية العالم، لذا فهو يتأثر ويختزل قراءات مختلفة. ولكن لا يزال العمل العُماني إلى اليوم يشكو من عزلته؛ فهو غير حاضر بالشكل الذي نأمله في المشهد العربي، فهل يرجع الأمر لمستوى العمل الأدبي أو ضعف التناول النقدي أو غياب دور المؤسسة؟»
فيجيب زهران القاسمي: «واحد من الأسباب من وجهة نظري هو الكم. إذ لا يزال الكم الروائي العُماني هزيلا ولم يُشكل تجربة بعد»، في حين قالت جوخة الحارثي: «لا يمكنك التحدث عن غزارة الكم بمعزل عن التعداد السُكاني؛ فتعدادنا قليل، والمسألة نسبة وتناسب». ويرد عليها محمد اليحيائي بقوله: «أظن أن موضوع التعداد السكاني غير دقيق، وإلا بهذا المعنى أنتِ تضعين الصين أولا في الرواية. هنالك دول صغيرة بالكاد تُرى على الخريطة ولكنها حاضرة في الاشتغال الروائي».
وتداخل طالب المعمري مدير تحرير مجلة قائلا: «عندما سُئل ألبيرتو مورافيا عن الرواية في أوروبا قال بأنّ الرواية تشتغل على الأنا والذات، بينما الرواية في أمريكا اللاتينية تشتغل على المجتمع وتخرج الكنوز المُمكنة والقضايا. فماذا عن الرواية العُمانية في ظل المتغيرات التي تحيط بها؟» فكان أن أجاب محمد اليحيائي: «الرواية اليابانية نسفت هذا الكلام لأنّها لا تقوم على القضايا السياسية الكبيرة. وعاد طالب المعمري ليقول: كلنا ربما قرأ «شرق المتوسط» لعبدالرحمن منيف، وتأثر بها كثيرا، وعندما ترجمت للفرنسية قالوا عنها إنّها تقرير سياسي لا أكثر».
الأب ليس محليا
فعاد أحمد يوسف ليقول: لنعد قليلا للحديث عن بداية التأسيس والأبوة. لو انطلقنا من فكرة أنّ كل كتابة تنطلق من نص سابق، فإننا في ظل العولمة الثقافية، نجد أنّ الإبداع الحقيقي هو الإبداع الذي يُمارس قتل الأب. الأب ليس محليا بل مُتعدد الوجهات والجغرافيا والتاريخ. الآن الأديب في عمان وخارج عمان يُشكل نصا مُختلفا. وكما قال رولان بارت: الكاتب ليس كيانا بيولوجيا، وإنما هو تشكيلة نصية. تقرأ نصوصا، وهذه القراءة والانفتاح على هذه النصوص يشكل لدينا النموذج. من هنا نرى ضرورة أن لا تُطرح قضايا أراها هامشية من قبيل عزلة المشهد العماني. الكاتب الآن في قرية مفتوحة والكاتب يصل بطرق سهلة.
وتابع قائلا: اعتقد أنّ تشكل الكاتب يقوم على وجود نسق محلي ونسق كوني ويبقى الفيصل اختيارات الكاتب. الكاتب الحقيقي هو الذي يبحث في خامات ذاته ومجتمعه. لكن النقص الذي أراه في الكتابة العمانية هو الإيمان بأنّ الفن صناعة. صناعة على طريقة الابداع وصناعة على طريقة التسويق. صاحب – برنار بيفو قدم أشهر البرامج الأدبية والثقافية على الشاشات الفرنسية. لديه فريق عمل يشتغلون على تقديم الكتب. بعد أسبوع واحد فقط من عرض البرنامج تباع وتقرأ مئات الآلاف من النسخ. مما يعني أنّ الغرب توصل إلى أن الثقافة ليست حالة ذاتية، وإنما هي صناعة وتسويق. المسألة مُتداخلة. كيف نستطيع أن نوجه القراء لقراءة كتب جيدة. ماذا ننتظر من جيل نعطيه على سبيل المثال «المغلغل» أو «الشراع الكبير»؟ ويعتبرها الجيل الجديد هي السقف الكبير الذي يُحاكي اشتغاله عليها. هنا أقول الأب عائق، وأنتم تقولون ليس لدينا أب محلي، أنتم تقولون آباؤنا متعددين.
ويضيف أحمد يوسف: لا تخلق الحالة الإبداعية إلا بمحاولة قتل الأب وتجاوزه أيضا. أظن أننا نقسو على انفسنا عندما نريد أن نُحاكم هذا المنجز العُماني ضمن معطيات عربية أو عالمية. عمر الرواية العمانية عمر قصير وهذا العمر بحاجة إلى تراكمات أولا..
الرواية مشروع لا ينتظر الإلهام
ويعيد محمد زروق الموضوع إلى الإشكالية الأساس.. هل هي الثيمة أم التقنية؟ فيقول: «على الاقل هنالك تراكم لبعض الأعمال، ولا أعني هنا التراكم التاريخي، ولكن أعني على الأقل الأعمال التي ظهرت في السنوات الأخيرة وممكن أن تؤرخ فنيا، منذ «الطواف حيث الجمر» وما جاء بعدها، دعونا نُشخص الضعف أين يقع، هنالك إشكال. الكاتب العُماني يتعامل مع الرواية على اعتبار أنها شعر، بمعنى أنه ينتظر الإلهام. الرواية مشروع مختلف تماما. مشروع بحث. أغلبكم يعلم أن بلزاك وحتى نجيب محفوظ وغيرهم، يُعدُ بحثا كاملا عن شخصياته. يجلسُ لساعات طويلة مع شخصياته لأنّه لا يملك القدرة على انطاق الشخصية المختلفة عنه إلا بالجلوس معها والاستماع إليها. هذا جانب تقني غائب كثيرا عن الرواية العُمانية أعني اعداد المرجعية التاريخية والاجتماعية للشخصيات. أنا لا أعرف مثلا لغة البنائيين، لديهم خطاب خاص يختلف عن لغة وخطاب تاجر المواشي، وعلى الروائي أن يُجيد تحريك الشخصية بوعي ومعرفة. يذهب البعض إلى فهم أن التقنية هي الراوي والرؤية والزمان والتداخل.. التقنية في حقيقة الأمر تبدأ منذ البداية منذ الإعداد. العديد من الروايات اقرأها فأصاب بالملل، وأتساءل: من أين يأتي الملل؟ الملل يضع بينك وبين المقروء سدا. الكاتب وهو يكتب يقوم بعملية ادماج المحكي».
ويضيف زروق: «سنضرب مثالا بعيدا عن الرواية العُمانية ولكننا نقارب به. رواية الطلياني التي فازت بالبوكر، فنيا هي رواية تقليدية كلاسيكية، الراوي العليم العالم بكل شيء، رواية جامعة بين الاجتماعي والسياسي ولكن تقنيا تقوم على خلل فني، تقوم على المزج بين الرؤية الشخصية ورؤية الراوي العليم، ومع ذلك فازت، الفوز لم يضمن جانب التقنية، ولا أيضا الجانب الموضوعي، لأنّ الموضوع تقليدي أيضا. المواضيع السياسية أكثر من الهم على القلب».
يسأله سليمان المعمري: «إذا لم يكن ثمة جديد من وجهة نظرك كناقد على مستوى المضمون وعلى مستوى الشكل، فلماذا فازت الرواية إذا؟
فيجيبه زروق: «مسألة الجوائز مسألة أخرى. إذا كان الكاتب يتقصد تقنية، فكل واحد منّا لديه تصور لتقنية روايته، ولكن لا تكون التقنية هي هم الكاتب الأوحد. المهم هي الحكاية. وأيضا كثيرة هي الحكايات، ولكن السؤال الأهم: هو كيف تحكى وتكتب؟»
عقب أحمد يوسف على ذلك قائلا: «عبد القاهر الجرجاني كان يقول: قد تجد النص حسُن ترتيبه وتركيبه وتجد نصا دونه ترتيبا وتركيبا، فتنصرف نفسك إلى ما هو دون وتنوء عن الأول، فتفتش فلا تجد لذلك علّة، فأنس النفوس، كما يقال يأتي قبل ماء الشعر، أعني تحقق المتعة» .
ويعقب محمد اليحيائي حول مسألة المتعة قائلا: «هذه المسألة جدا شخصية ولا يمكن أن تكون اطارا عاما. ما تجد أنت فيه متعة أنا لا أجد فيه متعة. هنالك نصوص لا تقدم نفسها ولا مفاتيحها بسهولة وعلى القارئ أن يجتهد ليتمكن منها، كما هو حال أمبرتو ايكو الذي غادرنا مؤخرا، وجونتر غراس نموذجا وجيمس جويس وغيرهم..
ويؤكد أحمد يوسف على ما ذهب إليه قائلا: الرواية النخبوية لها جمهورها الخاص وتظل خالدة. فيعود محمد اليحيائي ليقول: هذا يذكرني بالروايات الأكثر مبيعا. هذه الروايات «البيست سيلز» التي تترجم لملايين الملايين من الطبعات، وتجدها بأيدي الناس في المطارات والقطارات وأماكن الانتظار، تحقق مُتعة ولكنها لا تترك أثرا.. أعني المتعة العابرة وحسب.
تفتقر لرؤية واضحة للعالم
تحدثت منى السليمي عمّا كتبته هدى حمد مؤخرا في منشور لها بالفيس بوك، حول أنّ الرواية العُمانية تشتغل على التاريخ، وهو موضوعها الأثير، فقالت هدى حمد: «ما طرحته هو الآتي: لماذا ينشغل متن الرواية العمانية (غالبا) بالتاريخ كمادة أساسية لحبكته. منذ الروايات الأولى الكلاسيكية (ذات الصبغة التقريرية) إلى الرواية الحديثة الزاخرة بكل تقنيات السرد الجديدة.. (عدا أن ذلك شكل من أشكال الكتابة الصعبة والجادة التي مارسها كتاب كبار من العالم والوطن العربي).. هل ما يبرر ذلك حقا يرجع لأن تاريخنا العماني لم يُشبع بعد بالبحث والاستقراء، وأنّ ما تفعله الرواية العمانية اليوم ..هو محاولة جادة لتعويض دور (المؤرخ)؟ أم أن هذا الكنز المخبأ والخاص يُشكل ثروة (خام) للكتابة البكر في عمان ..أم ثمة أسباب لا تزال خافية علينا.
اتفق أحمد يوسف مع بعض ما ذهبت إليه هدى حمد قائلا: «نعم اتفق معكِ، وهذا هو التمثل، و التمثل يحتاج إلى اجتهاد هائل، لأن هذا من الممكن أن يصنع الخصوصية المحلية التي سبق وأن تحدثنا عنها. أعود لأقول، الرواية تنهض على مرجعيتها الحضارية، وإن كتبت في واقع اجتماعي مُعين. المرجعية الحضارية.. الأساطير لم تُقرأ حتى الآن بشكل جيد في عُمان. لم تُستوعب. ولا أقصد هنا إعادة الكتابة وإنّما الرواية تستمد قوتها من قوة التاريخ. والرواية العُمانية للأسف لم تمتح بعدْ من واقعها. وبهذا الصدد قال محمد اليحيائي: على الكاتب أن يمتلك أولا امكانيات الكتابة الفنية، ليس لإعادة كتابة التاريخ، وإنما لاختزاله ليظهر لا واعيا في العمل الروائي».
وهنا أضاف أحمد يوسف: «النص العُماني حيال موقفه من الأنساق. أنا أجد في كثير من الأحيان، الكثير من النصوص الروائية تكرس الأنساق ولا تُفككها في التعامل مع التراث أو التاريخ. بعض النصوص دخلت في فخ المسكوت عنه لاعتقاد الكتاب أنّ المسكوت عنه يُحدث ضجة، ويخلق جرأة. ولكن الكاتب إذا لم يتمكن من تفكيك هذه الأنساق، لن يخرج من دائرة التسجيل والوصف والتكريس إلى مسألة النقد». وتابع قائلا: «من بعض ما قرأت من الأعمال العمانية رواية «حوض الشهوات» لمحمد اليحيائي التي تُمتعك بالجانب الذاتي، ومن ثم تأتي لبعض المحطات وتأمل أن يستغلها الكاتب، ليُقدم نقدا لما حدث في أحداث الجبل الاخضر مثلا، ولكن في لحظة القبض هذه، نُلاحظ الرواية تنحرف عن المسار المتوقع، بينما القارئ كان ينتظر شيئا آخر، وإن تساءلنا عن سبب هذا سنقول، سببه رؤية العالم. نصوص كثيرة تفتقر للقدرة على أن تمتلك رؤية واضحة للعالم».
وقال أيضا: قد يكون هنالك صاحب مدرسة واقعية ومُخلصا لواقعيته، ولكن ما هي هذه الرؤية التي يُقدمها.. فالرواية هي فلسفة للحياة. فولتير قال: إن فلسفة ديكارت كتبت كأنها رواية. ومعنى ذلك ان النصوص التي تدق باب المسكوت عنه لأسباب من الاسباب، تُحاول تفكيك المسكوت عنه. فعندما تصور شخصية مُتمردة.. من الناحية الفنية تشعر بأن هنالك صوتا يتكلم. صوتا من خارج العمل الفني. بينما يُفضل أن العمل هو الذي يتحدث. الرواية صناعة فنية بأتم معنى للكلمة، أما لو تعاملنا مع الرواية على اعتبار أنّها موهبة غير مسؤولة عن الصناعة لا نصل لمستوى المأمول أبدا.
في سياق المنجز العربي
بدأت هدى حمد هذا المحور بقولها: «لنتحدث الآن عن التهمة المُلصقة بالرواية العُمانية كونها تشبه الجغرافيا التي نبتت فيها؛ نعني (من حيث العزلة)، فهل يعقل أنّ الرواية العمانية الآن في (زمن ضغطة الزر والقرية الكونية) لا تزال تشتكي من عدم معرفة الآخر بها؟ ترى ماهي الأسباب الحقيقية وراء عزلة النتاج العماني عن السياق العربي؟ هل (موضوع الرواية العُمانية المُنغلق على محليته يبدو لكم سؤالا/ سببا جوهريا؟ أهو تخاذل الناقد أم غياب دور المؤسسة؟ أو أنّ المسألة ترجع إلى أن واقعنا العماني اليوم ساكن بلا أحداث مُلتهبة، لذا يغدو (التاريخ – والمخيال الشعبي) مادة مُلهمة؟
بادر الدكتور أحمد يوسف بالقول: «المشهد العُماني الذي وُصف بالعزلة مُعقد وليس واضحا، والتسويق لا يحتاج إلى أدباء ونقاد. ببساطة يحتاج إلى محترفي تسويق مثلما تسوق أي سلعة. هنالك مؤسسات تشتري حتى نقاد الصحافة الكبار وتدفع لهم، ويكتبون لها بتكليف على اعتبار أنه مشروع دولة. أنا تفاجأت مرة في إيطاليا بجيش كامل يشتغلُ مع دار نشر من مترجمين ومثقفين ومن نقاد، وشغلهم الشاغل هو الأعمال التي تصدرها هذه الدار، يتسلمونها، ويكتبون عنها، والدار تدفع لهم ثمن المقالات التي تكتب عن الكتب الصادرة عنها في صحف أخرى»، ويرد محمد اليحيائي مؤكدا ما ذهب إليه أحمد يوسف: «ولولا الجيش الذي تحدثت عنه، ربما لما حصل هذا ولما تحقق حتى لنص جيد». فسألت هدى حمد: «أليس هنالك دور للفرد في عملية التسويق؟»، فيضيف أحمد يوسف: «ساق البامبو طبعت 25 مرّة، بينما أعمال نجيب محفوظ لم تطبع 25 مرّة. بنات الرياض أيضا طبعت كثيرا، ولكن هذا من جهة يعدُّ خروجا عن المركزية المعروفة لصالح صناعة مركزيات أخرى. ولكن يبقى أنّ أكبر خرق للمركزية هي النصوص الجيدة»، ويضيف طالب المعمري: «ربما أيضا الحظ يلعب دورا»، فيرد عليه أحمد يوسف: «لا أظن أن الحظ يفعل ذلك في عالم التسويق. التسويق يحتاج إلى تسخير إمكانيات كبيرة وليس الحظ».
الاعتراف بالكاتب
وبدورها تتحدث بدرية الشحي عن تجربتها مع دور النشر بقولها: «أنا أعاني معاناة بالغة من دور النشر واستغلاليتها لحاجة الكاتب للنشر والظهور. على سبيل المثال لا تزال الدار العربية للعلوم (ناشرون) تأتي لمعرض مسقط سنويا بصحبة الطبعة الأولى 1999 من كتابي «الطواف حيث الجمر». أنا بصفتي الكاتبة ليست لدي أية حقوق معهم، لأنه ببساطة لم يكن بيننا أي عقد، بينما الدار تستفيد من روايتي. حتى الدار الأخرى – وأعني الانتشار التي نشرت روايتي «فيزياء1» – لم أسمع ما الذي حدث لروايتي وأين وصلت، والسبب في ذلك غياب المؤسسة التي تتولى حقوق الكتاب». وتعلق منى السليمي: «لدينا مشكلة تسويق كل شيء في عمان وليس فقط في الكتب».
وفي سياق موازٍ يقول أحمد يوسف: «هنالك شيء أود التحدث عنه، علاقة الأدب بالسينما؛ فعندما تكون هنالك حركة سينمائية قوية فإن الرواية لا تُسوق فقط في دور النشر، بل يلتقطها المُخرج ويصنع منها أفلاما وفرجة. المسألة تصبح مركبة، وليست في الجانب الابداعي والفني وحسب. الرواية ليست لاستهلاك القراءة، وإنّما للفرجة أيضا، ولذا فإن غياب حركة السينما يؤثر إلى حد كبير. هل تظنون أنّ أمبرتو إيكو مقروء؟ لقد حوّلت أعماله إلى سينما، وأصبح من أغنى الروائيين في العالم من خلال روايتين أو ثلاث روايات فقط».
فيرتد محمد اليحيائي إلى الواقع العماني البسيط معقبا على كلام أحمد يوسف: «هذا ترف كبير، نحن نبحث عن شيء بدائي جدا في هذا البلد، نحن نبحث عن اعتراف من المجتمع بوجود كُتاب، نأمل أن يتعاطى معهم المجتمع بشكل جيد وأن تعترف المؤسسة بأن الكتابة والعمل الثقافي عمل مهم. ليس وجاهة وليس تسلية وعمل من ليس له عمل»، فتتدخل جوخة الحارثي لمزيد من توضيح الفكرة موجهة كلامها لمحمد اليحيائي: «الآن أنت تتكلم عن المجتمع، والمجتمع مرتبط بنوعية التعليم، ونوعية التعليم الآن تقلل من قيمة الأدب. وأكثر من ذلك، هنالك ما هو أكثر أهمية من حصول الكاتب على اعتراف المجتمع به. الكاتب اليوم مُهدد بدخول السجن بسبب كتاباته، وهذا أمر مخيف للغاية، وطبعا هذا لا يرتبط بعُمان فقط، فهذا واقع عربي. ما أقصده تماما، الكاتب لا تُكفل له الحماية».
بين التسويق والمنع
أما حسين العبري فقد ذهب بعيدا في إشكالية تقييم الكاتب لما يكتب، إذ قال: «موضوع التسويق موضوع مهم، ويجعلنا في واقع متذبذب بصفتنا كتّابا عمانيين؛ لأننا ببساطة نكتب ونحن لا نعرف إن كنا نكتب كتابة جيدة ولكنها لا تُسوق بشكل جيدا فنظلم من الخارج، أو أننا بالفعل نكتب كتابة رديئة جدا.. فأنا بصفتي كاتبا أكتب شيئا وأكون معجبا به ولكن من حولي قد لا يعجبهم، وقد أكتب شيئا وأنا غير راضٍ عنه، وأجد هنالك من يصفق له. وبالتالي، فالمشكلة التي تواجهني بصفتي روائيا وكاتبا أني لا أعرف أين أضع مستوى كتابتي. فنحن في شك دائم فيما نكتب».
وعودا إلى سؤال هدى حمد عن دور الفرد في تسويق نتاجه، يقول زهران القاسمي: «أنا أتساءل عن التسويق الفردي. هل عليّ كفرد أن أسوق أعمالي في ظل غياب المؤسسة التي تقوم بذلك. أليس دوري أن أكتب؟»، فتقول هدى حمد: «ولمَ لا تقوم بالأمرين معا. فالكتاب ما إن يخرج من دار النشر يتحول إلى سلعة. وأعود لكلام محمد اليحيائي عن تركيبة الشخصية العُمانية الخجولة، التي ترفض أحيانا حتى مجرد أن تضع تعليقا أو إشارة لمادة كتبت عن عمله وكأنما يقول بذلك: (اعترافا مني بأني أؤكد الإطراء على عملي الروائي)، ما الضير مثلا في إرسال الإصدار الروائي إلى نقاد من مختلف الدول العربية، أو إلى كُتاب المراجعات الصحفية في الصحف المعروفة. كتبوا أو لم يكتبوا الأمر راجع إليهم. المهم أننا على الأقل في ظل المتاح الضيق، نحاول توسيع الدائرة قليلا من حولنا».
فيرد زهران القاسمي قائلا: «في زمن التقنية الحديثة، الخيارات باتت كثيرة أمام الكتّاب، وأتذكر قصة قديمة لماركيز وقعت قبل زمن التقنية الحديثة، وقد رُوي عنه أنّه كان يضعُ قصاصات نصوصه في جيوب جاكيتات الموظفين، لكي يقرؤونها متى ما عثروا عليها مخبأة في جيوبهم». وتأكيدا على دور التقنية الحديثة في تسويق الكتاب، قالت منى السليمي: «عندما طرحت اللجنة الوطنية للشباب قبل سنتين سؤالا عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عن الكاتب العماني المُفضل لدى القراء العمانيين الشباب، حصد سليمان المعمري أعلى الأصوات، وكُرم في اللجنة الوطنية للشباب، وبسبب ذلك نفدت نسخ روايته كاملة في تلك الدورة من معرض الكتاب، فهذه صورة من صور تسويق الكتاب العماني عبر التقنية».
وتضيف بدرية الشحي: «الجيل الجديد يقرأ من التكنولوجيا الجديدة. لو أن كل واحد منا استطاع أن يرفع عمله ليقرأ في هذه الوسائل لحقق انتشارا معقولا»، وتؤكد منى السليمي: «كلامك صحيح خصوصا في ظل عدم وجود مكتبات عامة وحقيقية في عُمان».
من جهته يذهب طالب المعمري إلى أسباب أخرى لانتشار الكتاب العماني بقوله: «عندما كتب حسين العبري رواية «الوخز» انتشرت كثيرا، وصار الناس يبحثون عنها، ربما لتعرضها للمنع، أو لموضوعها الشائك. أما روايته «الأحمر والأصفر» التي صدرت بعد الوخز، وكتبت بهدوء ورويّة وتناقش موضوعا مختلفا لم تحظ بالإقبال ذاته»، ويعلق سليمان المعمري: «أنا أظن أن أعمال حسين العبري تطلبُ كاملة إلى الآن بسبب الوخز».
فيرد حسين العبري عليهما: «الأمر كما حصل مع رواية «الرولة» ليوسف الحاج؛ أخذت مقاطع مجتزأة من الرواية، مقاطع تصطدم مع قناعات المجتمع، وبعضها اقتطع من روايات عربية أخرى، فانتهت الرواية عن بكرة أبيها، ولكن نمط التسويق هنا مختلف». وتضيف هدى حمد: «وكما حصل أيضا مع «ملح» بدرية الاسماعيلي. أعني الممنوع المرغوب».
فيقول حسين العبري مستغربا: «تجد أحيانا طلاب جامعة قرأوا العمل الروائي ولديهم رأي حوله، ولا أدري كيف وصلت إليهم الأعمال»، فترد جوخة الحارثي ضاحكة: «نحنُ أوصلناها إليهم» (بصفتها أكاديمية في الجامعة).
الإعلام والترجمة
ويقترح أحمد يوسف متسائلا: «لماذا لا تعقدون برامج تلفزيونية، ودعونا نخرج قليلا من جانب النفاق النقدي «كما يقال». من حق الصحفي أن يُقدم مراجعته الصحفية ومن حق الناس والقراء العاديين أن يقولوا رأيهم أيضا. يمكن أن نؤثث لبرامج تقرب الكتب من الناس. نسبة القراء في معرض الشارقة من العمانيين أكثر بكثير ربما من معرض مسقط، وهذا محل سؤال مهم»، فتتساءل هدى حمد انطلاقا من عبارة يوسف الأخيرة: «هل لأنّ معرض الشارقة للكتاب يأتي قبل معرض مسقط زمنيا، وأيضا لغياب المكتبات العامة والحقيقية في عُمان، فتغدو معارض الكتب هي المتنفس الوحيد؟»، فيجيبها أحمد يوسف: «أظن بوجود أسباب أخرى تتعلق بالخدمات التي يُوفرها معرض الشارقة وتخدم الأسرة، وأيضا دعم الأسعار. معرض الشارقة على سبيل المثال يشتري من دور النشر كل ما يتبقى. المسألة مُركبة ومرتبطة بعوامل كثيرة».
وفي سياق اقتراح نوافذ للتسويق، يواصل أحمد يوسف: «مجلة نزوى نافذة الصوت العُماني. وإذا تكلمت عن تجربتي الشخصية، فإن من المقالات الأولى التي كتبتها وأنا في فرنسا كانت عن السيميائيات، وإذا بي أجد مجلة اسمها نزوى تصدر في مكان لا أعرف عنه الكثير في بداية التسعينيات، فأعطاني هذا انطباعا بأنّ هذا المجتمع منفتح جدا جدا، فلماذا لا تُخصص مجلة نزوى حوارا ثابتا مع روائي عماني ضمن هذه المجلة جيدة الصيت والسمعة عربيا؛ فهذا تسويق أيضا»، وتجيب هدى حمد: «ثلث المجلة من نصيب العمانيين تقريبا».
وتقول جوخة الحارثي ردا عليهما: «لا تكفي القراءات الانطباعية التي تقدمها هدى حمد في المجلة، إذ يصدر في عمان أكثر بكثير مما يكتب ضمن مجلة نزوى». أما سليمان المعمري فقد قال: «لا يمكن تخصيص المجلة للعمانيين؛ لأنّ هذا ليس هدفها الأساسي، فهي للكتاب العرب بمن فيهم العمانيون».
وهنا يدخل محمد زروق في سياق الحديث ليضع مقترحا يحوصل النقاش في هذا المحور: «حتى نخرج من هذا، هنالك مفاصل كبرى ينبغي أن نتفق عليها من الآن. هنالك أشياء لم تأخذ حقها من القراءة، وذلك لأننا ننتظر المناسبات دائما، ولكن لو تمّ تخصيص 30% من مجلة نزوى لمشروع قراءة الكتب العمانية فستكون خطوة جيدة نحو التسويق الجيد. كما ينبغي أن يكون هنالك مشروع موازٍ وهو مشروع الترجمة؛ بأن يُستكتب من يترجم الأعمال العمانية. هنالك مُترجمة إيطالية ترجمت مجموعة قصصية إماراتية، وعرضت أن تترجم مختارات من السرد العماني، ويرفق ذلك بحملة نقدية، أو مثلا أن يكون هنالك يوم يُحتفى به بالكاتب الفلاني في المدينة أو الولاية الفلانية. ينبغي تفعيل أفكار من هذا القبيل».
بين المجاملات والصراحة
قالت هدى حمد في فاتحة هذا المحور: «يبدو جليا لنا أنّ لدى الرواية العُمانية مقومات ونقاط قوة تعطي مؤشرات على أن الرواية العُمانية سوف تزدهر في العقود المُقبلة (كما يشير بعض النقاد)، ويرجع ذلك إلى التنوع الجغرافي والبيئي واختلاف الحيوات وأنماط الحياة وطاقة التلوين الهائلة. فهي كنز سردي ومادة خام لم يُغرف منها جيدا حتى الآن، فما مدى اتفاقكم مع هذا الرأي؟
فبادرت جوخة الحارثي بالقول: «على الروائي نفسه أن يتعامل مع الرواية على أنها صنعة كما قال د. أحمد يوسف، وفي المقابل قال د. حسين العبري كلاما مهما مفاده أننا في عمان إلى الآن لا نعرف إن كنا نكتبُ جيدا أولا. فهل الظروف مُهيأة للروائي؟ أعني الظروف الشخصية من مثل نظرته للعالم، نظرته إلى وقته، فضلا عن الظروف العامة من مثل: النقد ومؤسسات الدولة. هل هي ظروف تساعد الروائي على العمل، وتساعده على تجويد العمل. لنطرح السؤال بصراحة: إلى أي مدى يشتغل الروائي العُماني على نفسه؟ إلى أي مدى تُتاحُ له الفرصة لكي يُطور من أدواته وإمكانياته؟ النقاش حول هذا في غاية الأهمية فلماذا تغيب المقاهي الثقافية؟ أظن أنّه لا تكفي الندوات. الندوات تُعاني أحيانا من الفوقية، فلا بد أن نناقش العمل الروائي بصيغة ودية وعلمية في آن. والمقاهي الثقافية والملتقيات المفتوحة هي التي توفر هذه الفرصة للروائي. هذه آفاق بسيطة جدا بالمقارنة مع التفرغ للكتابة أو المنح على سبيل المثال». فترد هدى حمد: «ولكن هذا واقع عربي عام يا جوخة»، فتقول جوخة الحارثي: «نعم صحيح، ولكن على الأقل هنالك احتكاك بين المثقفين والروائيين العرب مما يجعل التحدي أكبر. بينما الأمر لدينا في عُمان يميل للتبسط، وسط أصدقاء محددين أحبوا كتابتي وانتهى الأمر. القضية هي أن يشتغل الروائي على نفسه، ويخلق جوا صريحا للتحدث عن تجربته بعيدا عن المجاملة»، فيعلق سليمان المعمري مؤكدا عبارة هدى حمد: «أظن أنّ هذا السؤال سؤال عربي وليس سؤالا عمانيا»، فتؤكد جوخة الحارثي بدورها: «ولكن المنافسة في الوسط العربي كسرت هذا الحاجز».
ويذهب محمد اليحيائي منحى أكثر عموميه برده على جوخة الحارثي قائلا: «أظن أنّ هذا السؤال سؤال فردي. السؤال الحقيقي: إلى أي مدى يطور الروائي العُماني من نفسه؟ دعونا نتفق: المناخ العام واقع، ولا قدرة لنا على تغييره، وعلينا أن نتعامل معه. السؤال الذي طرحته جوخة في غاية الأهمية: إلى أي مدى يطور الروائي من نفسه؟ نتفق بالتأكيد على أنّ المناخ العماني مُغلق، ولا توجد مؤسسات حاضنة، ولكن في ظل هذا الوضع الذي نراه مُحبطا، هنالك كتّاب طوروا من أدواتهم ومنهم أنتِ يا جوخة الحارثي، وأيضا زهران القاسمي الذي يعيش في وادي الطائيين بعيدا عن المدينة وقدّم واحدة من أجمل الروايات العمانية «القناص»، قدّم فيها موسوعة للأشجار والنباتات والأودية والأحجار، وتجاوز مستوى روايته الأولى، وهذا هو الاشتغال الذي نتحدث عنه اليوم، وقس على ذلك غيرهم من الكُتّاب».
فقالت بدرية الشحي: «لنقل بصراحة أنّ المسألة كلها على بعضها لا تخلو من مُجاملات. أعني أوساطنا الثقافية في عُمان»، ولكن محمد اليحيائي فضّل الذهاب نحو الحلول عوضا عن مواصلة الحديث في المشكلات عندما قال: «أنا أقول عوضا عن الاستمرار في الحديث عن المشكلة، لنبدأ التفكير بحلها وتفكيكها وفهمها».
ولكن زهران القاسمي فضّل أن يعود إلى سؤال هذا المحور، قائلا: «حول ما قيل إن المستقبل للرواية العمانية وأنّها ستكون في صدارة المشهد المقبل. هذا قول لا يمكن أن يُقاس بعدد الروايات البسيط في عُمان، وإنما يُقاس مستقبلا بالتراكم الكمي. ربما بعد عشرين عاما، يُصبح لدينا كم من الأعمال والأسماء الناجحة. لا أحد يستطيع التكهن بالمستقبل»، فيما رجح الدكتور أحمد يوسف أسباب هذا التنبؤ بقوله: «الحديث ربما ذهب إلى أن لدى عُمان مواصفات تجعلها بيئة مناسبة للرواية من قبيل الثراء البيئي، وهذا أمر ممكن»، فيرد زهران القاسمي: «لكل مكان تاريخه ومفرداته وعوالمه القابلة لأن تصبح عملا روائيا، مهما بلغ صغر هذا التاريخ وهذا الثراء المعرفي».
ويؤكد محمد اليحيائي مذهب من قال بمستقبل الرواية الخليجية في عمان بقوله: «لقد قلتُ شيئا مشابها في جريدة الحياة. قلتُ إن الرهان على دولتين خليجيتين في كتابة الرواية هما عُمان والسعودية. وأنا لديّ معطيات لأقول ذلك؛ السعودية حققت ذلك، لأنه يوجد في كل مدينة سعودية نادٍ أدبي ولديهم موازنات جيدة، وجامعات جيدة. وأنا حاججتُ مرّة هنا في عمان عبده خال المقولة القديمة التي تقول (الرواية بنت المدينة). هذه الجملة لم تعد صالحة اليوم للإنسان الكوني؛ لأن الكاتب اليوم مُرتبط بالعالم، فالرهان اليوم على عُمان والسعودية لأن حركة المجتمعات فيهما قوية، وتحولات المدينة موجودة، والتحديات الاقتصادية والأسئلة التي يثيرها الإنسان موجودة. البحرين لديها تحديات نعم، ولكن مسار البحرين بات مختلفا. الكويت وقطر لا توجد بهما مؤشرات يراهن عليها. والإمارات لا تزال ناعمة جدا حيال الاشتغال الروائي، ولذلك كنتُ أعني ما أٌقول».
ويسأل طالب المعمري في هذا السياق: «وكيف يمكن تجاوز هذه الاكراهات؟»، فيجيبه محمد اليحيائي: «بالعكس نحن في كتابة الرواية لا نريد تجاوزها، بل نُعيد إنتاجها عبر الأدب. هنالك مقولة قديمة أطلقت على الأدب الروسي، تشير إلى أنّ الضغوط هي التي تنتج أعمالا فنية. لا أعرف إن كانت هذه المقولة صحيحة أو على الأقل صحيحة في زمن ما، ولكن أحيانا التحديات والأسئلة العميقة تدفع الناس للتعاطي الإبداعي، وأقول أحيانا إن الاسترخاء لا يساعد في إنتاج حركة إبداعية جيدة».
فيردف طالب المعمري: «من ينظر للواقع المصري. يقول إن كل مصري سيصبح فنانا أو أديبا بسبب الواقع المأساوي المتأزم، ولكن هنالك حد يتجاوز مساحة الأدب والتعبير وينحدر إلى البؤس».
مقدمات المشهد
يقول أحمد يوسف: «لا أريد التحدث عن النجومية، ولكن أتحدث عن خلق تراكم إبداعي؛ فالمستقبل لا يأتي من الرجم بالغيب. لا بد من وجود إرهاصات، وكما يقول المناطقة: (المقدمات السليمة تنتهي إلى نتائج سليمة). والسؤال: هل المُقدمات الموجودة تسمح لأن نُصدر هذه الفكرة (حول استشراف مستقبل الرواية في عُمان)؟ أنا لا أملك إجابات، ولكن هذه الأسئلة أهم من الأجوبة والمسألة مرتبطة بالاجتهادات الشخصية. الإبداع حالة فردية، وهذه الحالات الفردية هي التي تخلق نوعا من التنافس بين الأفراد في المستقبل ومن الممكن أن تتحول إلى حالات موضوعية. على سبيل المثال رواية سليمان المعمري أعجبتني، واستوقفتني فلسفة السخرية. نجح في إطار الاشتغال، بغض النظر ما إذا كان الموضوع قويا أو لا.
ويتابع قائلا: الروائي المبدع «لا يتحدد»، بمعنى لا يمكن أن يكون هنا رومانسيا حالما وغدا يصبح روائيا واقعيا أو عجائبيا. بمعنى أن الكاتب هو جملة من هذه الإمكانيات. أعجبني سؤال إحدى الحاضرات لواسيني الأعرج – في محاضرته التي ألقاها في النادي الثقافي بمسقط مطلع شهر فبراير – عندما قالت نحن نراك تكرر نفسك. لأن الكاتب الذي لا يمتلك القدرة على امتلاك أدواته يبدو لقرائه كمن يكرر نفسه»، فتضيف هدى حمد: «أو يعيد استثمار نجاحاته السابقة».
وعن إرهاصات صعود الرواية العُمانية يقول محمد اليحيائي: «بالعودة إلى كلام أحمد يوسف حول موضوع المقدمات. أنا أعتقد نعم لدينا مقدمات تشير إلى أن هنالك مستقبلا للراوية في عمان. وسؤالك حول هذه المقدمات صحيح. أنا أرى أن المقدمات صحيحة، فهنالك تجارب وأصوات يمكن الرهان عليها. وهي موجودة وتنقصها فقط مسألة تقديم نفسها. السعوديون نجحوا أكثر لماذا؟ على سبيل المثال عبده خال صديق قديم. أعرف بدايته وحجم تجربته الفنية ولكن انظروا إلى أين وصل. لأنّ هناك مؤسسات تتبنى الكُتاب وتدعمهم. اليوم في عُمان توجد أسماء روائية مُهمة ولكن لم يلتفت إليها، بل لا يراد أن يلتفت لها».
منى السليمي ترد على محمد اليحيائي: «أنت قلت كلاما مُهما. إنّ عبده خال تطور عملا بعد عمل إلى أن وصل إلى ما هو عليه. بالمقابل هل هذا متوفر في التجربة العُمانية، هل هنالك تراكم واستمرارية؟ لو أخذنا بدرية الشحي على سبيل المثال؛ روايتها الأولى الرائدة صدرت في عام 1999، واحتاجت لعشر سنوات أخرى لكي تخرج عملها الثاني 2009 إلى النور، والذي عرفنا أنه عبارة عن جزأين. قرأنا جزءا، وها هي السنوات تمر ولم يخرج الجزء الثاني إلى النور بعد!»
فيجيبها اليحيائي: «أنا سأجيبك لماذا وصل عبده خال ولم تصل بدرية الشحي. عبده خال يشتغل معلما وليس مطلوبا منه أن يعمل جديا. هنالك مؤسسة مثل عكاظ جاءت وتبنته. يجلس في مكتب ليكتب مقاله بكل استرخاء إلى جوار الرواية. يوسف المحيميد أيضا. رغم كل المشكلات التي نتصورها ضمن المجتمع السعودي إلا أنّ المؤسسات هناك تدعم الكاتب». فيقول سليمان المعمري معلقا: «هل هذه الأسماء التي ذكرتها هي أهم أسماء كتّاب الرواية في السعودية؟» فيرد محمد اليحيائي: «لا لم أقصد أن أقول ذلك. وإنما هذا مثال على دعم المؤسسة، وقس على ذلك».
من جهته الدكتور محمد زروق يؤكد على مفاصل الرواية العمانية بقوله: «لقد قيل كلاما مُهما، وبالفعل في الرواية العمانية هنالك مفاصل كبرى ينبغي التوقف عندها»، فيرد عليه سليمان المعمري: «هذا دوركم أنتم كنقاد»، فيعارضه محمد اليحيائي: «لا .. هذا دور المؤسسة أولا». فيعود زروق ليوضح فكرته: «بغض النظر الآن هذا دور من.. القادم من الخارج يريد أن يجد المفاصل الكبرى واضحة بالنسبة له في التجربة العُمانية؛ لأنه لا يستطيع أن يتعرف على كل مرحلة بمعزل عن الأخرى، وهذا مشروع بسيط وفي إطار الممكن، إذ يمكن أن يشتغل عليه النادي الثقافي أو مختبر السرديات».
وتضيف بدرية الشحي: أظن هنالك جهود شخصية في هذا المجال كالجهد الذي تقوم به منى حبراس السليمي على سبيل المثال».
ويعلق محمد اليحيائي على مداخلة زروق: «الكلام الذي يقوله زروق مهم للغاية ويُعيدنا إلى شقين: شق تتبناه المؤسسة الرسمية لرصد وتوثيق ومراجعة التجربة العمانية. والشق الثاني يتمثل فيمن يتولى القيام بذلك؟ فإلى أي مدى يمكن عد القائمين على النشاط الثقافي في عمان مؤهلين للقيام بذلك؟ ماهي معايير التمثيل الخارجي؟ لا توجد معايير أكثر من العلاقات الشخصية. نريد حسم هذا الموضوع لأنّ المشكلة حقيقية»، ويعقب سليمان المعمري: «وزارة الثقافة القائمون عليها موظفون لا علاقة لهم بالثقافة!»
الجوائز واعتراف الآخر
بدأت منى السليمي هذا المحور بالقول: «على الرغم من أنّ أسماءً عُمانية قليلة اخترقت خارطة الجوائز العربية إلا أنّ هنالك ما يشبه الحسرة على هذه الجوائز التي تفوتهم، وكأنّهم دوما خارج معاييرها؟ وأن تُخصص جائزة السلطان قابوس مجالا الرواية للدورة الحالية ربما سيحقق فرصة مهمة وكبيرة للروائيين العمانيين. ولكن هل يعني ذلك أننا بجوائزنا سنعوض ونرمم ما حرمتنا منه الجوائز العربية؟
فيسأل حسين العبري: ماهي أسس الترشح للبوكر؟ لأنّي أشعر أنها ليست منصفة» فترد عليه منى السليمي: وهل هذا السؤال ناتج لأن العُماني لم يجد إلى الآن فرصته فيها؟» فيقاطعهما زهران القاسمي: «عبد العزير الفارسي وصل للقائمة الطويلة للبوكر»، فيقول حسين العبري: «أنا أرى أنه من المهم والرائع في آن أن يفوز كاتب عماني بالبوكر. هذه الجائزة ستحدث تغييرا كبيرا في الواقع الروائي العماني، ولكن ما يحصل الآن عندما تجلس مع المحكمين تجد صعوبة في تقبلهم للخروج من المركزية إلى الهامش، هل هنالك تحيز ضد الأطراف؟ سواء أكان واعيا أو غير واعٍ؟»، فيعلق سليمان المعمري: «لا يوجد تحيز. أصلا هم لا ينظرون إليك».
وبدورها تؤكد جوخة الحارثي ما ذهب إليه حسين العبري: «هذا بالفعل له علاقة بالمركزية الثقافية. في الصيف كنت في مهرجان في لندن، وكان هنالك كتّاب من كل الوطن العربي رغم عددهم القليل، وأحضرت دور النشر كتب جميع الكتاب المشاركين باستثنائي أنا، بما فيهم دار الآداب – التي طبعت روايتي – أحضرت كتب الجميع إلاي، وأنا قطعت كل هذه المسافة ولم تعرض روايتي».
ويقول سليمان المعمري: «هنالك كلمة قلتها في جريدة الحياة (وحتى البعض زعل منها) وقد سبقني إليها عبدالله حبيب وهي «الاستخلاج»، وتعني نظرة الآخر لنا نحن الخليجيين بأننا مترفون وأننا عبارة عن بئر نفط»، فيرد محمد اليحيائي: «ولكن هذا يا سليمان لم يمنع فوز ثلاثة روائيين من الخليج»، فيرد عليه سليمان: «من أين تخرج الجائزة؟ الجائزة تخرج من الخليج. وفي السنة التي فاز فيها عبده خال كان المحكمون من الخليج: سيف الرحبي وطالب الرفاعي».
في حين قال حسين العبري: «نحن بحاجة إلى عماني يفوز بهذه الجائزة بالفعل»، فتسأله هدى حمد: «ماذا سيشكل لك كعُماني هذا الفوز؟» وحسين يرد: «لا أقصد نفسي بالتأكيد .. أنا حتى روايتي لا أوزعها على الأصدقاء. التسويق لنفسي ليس جزءا من شخصيتي وهواجسي، ولكن بالمقابل أجد أنّ فوز العُماني أيا كان سيشكل اعترافا خارجيا يبدو مهما بين الناس. الرواية ليست أصيلة في الداخل العربي، بل جاءت من الخارج واستزرعت عندنا، ولذا ينبغي أن يُبذل المزيد من الجهد». وقالت منى حبراس ردا على سؤال هدى حمد: «فلنأخذ مثالا – قد يبدو شاذا – لتتضح الصورة من وراء سؤال هدى، ولنضرب مثالا بالمنتخب العماني. الذي كان يبذل قصارى جهده لكي يفوز بكأس الخليج، وكان بعض المهتمين يتساءلون: لماذا لا ننافس على كأس العالم مثلا بذات الإلحاح على كسب كأس الخليج؟ ولكن الجميع كان يصر على أن كأس الخليج أهم بسبب زخمه الإعلامي وضغطه الشعبي، وعندما حصل المنتخب العماني على الكأس في 2009 تنفس الجميع الصعداء، لأنه قد أصبحت للمنتخب أخيرا شخصية البطل، وحصل بذلك على الاعتراف بقيمته كلاعب مهم في البطولات. لذلك ربما لا يفكر العماني بجائزة السلطان قابوس بقدر ما يفكر بجائزة البوكر؛ بسبب هذا الاعتراف من الآخر».
ويختلف أحمد يوسف مع هذا الرأي قائلا: «أنا لا أتفق مع هذا الرأي؛ لأن الكتابة حاجة وضرورة. لذلك أعتقد أن العمل الجيد هو الذي يفرض نفسه عاجلا أو آجلا. قد نتكبد خسارة الاعتراف بالفعل، ولكن لا بأس أن يتأسس الاشتغال جيدا، كما حصل عندما خرج لنا الطيب صالح بـ «موسم الهجرة للشمال». الكتابة في العالم الغربي حالة ضرورية، وليست (على غرار الأشياء التي تقوم على وزن أفعل.. أسبق أكبر أضخم). وكما قد يقوم أحدهم بعمل الرياضة على اعتبار أنّها حاجة وليست برستيج، فكذلك العمل الإبداعي اشتغال حقيقي، ويبدأ هذا الاشتغال فرديا ويتحول لاحقا إلى حالة موضوعية – وهذا يحتاج إلى تراكم – إذ نحن لا نريد أن نقفز على الواقع الطبيعي».
فتقول منى السليمي: «وهذا يقودنا للسؤال الأخير، وهو تخصيص جائزة السلطان قابوس هذا العام لمجال الرواية محليا. هل جاء ذلك في سياق هذا التراكم أو أنه قفزة قوية وغير متوقعة؟ هل نريد أن نصنع روائيينا بجوائزنا عندما لم تصنعه جوائز الآخرين؟»
فيرد أحمد يوسف: «محمود الرحبي فاز بجائزة السلطان قابوس، ولكن لم يحصل شيء من التغيير»، ويعلق محمد اليحيائي: «نحن الآن نخلط بين أمرين: بين الجوائز على العموم، وجائزة مثل البوكر التي أصبح لها حضور كبير بغض النظر عما إذا اتفقنا معها أو اختلفنا، ولكنها أصبحت مؤثرة. في لقائي بهم هذا العام في سلطنة عمان (عندما أعلنت القائمة القصيرة في مسقط) أجابوا عن الكثير من الأسئلة المهمة. من المهم أن تدخل رواية عُمانية إلى هذه الجائزة. كما قال صديقي حسين العبري، ليس بالضرورة أن تكون الرواية تستحق الفوز أو لا ولكن سيتم عبرها تسليط الضوء على التجربة الروائية العُمانية. الموضوع الآخر الذي يتعلق بجائزة السلطان قابوس فهي تمتلك أهميتين: أهمية تتعلق بالجانب المعنوي لأنّها تحمل اسم السلطان قابوس، والأهمية المادية. ولكن هذه الجائزة رغم كل هذا تفتقد إلى التسويق الجيد ولذلك عندما أخذها محمود الرحبي على سبيل المثال لم تقدم له شيئا. حتى أنّها لم تقدمه خارج الجغرافيا العُمانية. ولذلك أتوقع أيضا أنّ من يفوز بالرواية لن يتغير واقعه أيضا».
وتقول منى حبراس معقبة: «الرهان على الزمن، ونحن نأمل أن يُنظر مستقبلا في ماضي هذه الأسماء الفائزة»، ويرد اليحيائي: «أنا أتمنى مثلك ذلك ولكن متى، إن لم نبدأ من الآن؟!»
خلق تقاليد التلقي
في ختام الندوة، طلبت هدى حمد من المتحدثين جميعا أن يختموا بكلمة موجزة، فجاءت كلماتهم كالآتي: بدرية الشحي: «أنا أرى أنّه برغم ظروف عدم تسويق الكتاب العُماني إلا أن العماني بذل جهدا جيدا ليصل إلى ما وصل إليه. لديه الرغبة في أن يكتب ويحمل همّ الكتابة. وعلى المستوى الشخصي لديّ رغبة في الكتابة وفي تحسين مستوى ما أكتب رغم ضغوط الأسرة والعمل، وأظن أن هذا الهاجس يُطارد أغلب كُتاب الرواية في عُمان. ولكن أرجو أن نخرج من التجريب إلى الحرفية. وأعني «الصناعة» التي تكلم عنها النقاد، فهذا ما ينقصنا. المهم ألا نتوقف عن الكتابة».
الدكتور أحمد يوسف: «لن أتكلم في الجانب الفني الذي سبق أن تحدثنا حوله، وإنما في جانب التلقي، وأقول إن الإبداع وحده لا يكفي وإنما يحتاج إلى عملية تلقى تبدأ من منظومة تربوية؛ وذلك عبر خلق تقاليد التلقي مع تلاميذ الثانوية مثلا، لأن القراءة تُذكي خيالهم. الجامعة أيضا ينبغي أن تقوم بهذا الاشتغال، فالعمل الأكاديمي ليس مجرد مقررات، كما ليس عليها أن تدرس محفوظات وإنما نصوص يمكن أن تربط الجامعة بالمجتمع. ونحن قمنا أكثر من مرّة مع الدكتورة جوخة الحارثي بالتعاون مع محمد عيد العريمي وسماء عيسى مؤخرا بأن نتفق على نص للاشتغال عليه ضمن المقرر، وأجعلُ طلبتي هم الذين يتكلمون عنه، وهذه تعد تهيئة للجانب النقدي. هنالك تقصير كبير جدا جدا في الملاحق الثقافية الي تبدو كأنها «فضلة» بينما في الحقيقة دورها مهم جدا ويمارس التوجيه، وينبغي على القائمين عليها أن يكون لديهم شغل وهم ثقافي. كما يقع على التلفزيون الذي يدخل البيوت جزء من هذه الأدوار. أنا راضٍ إلى حد كبير عن شغل الإذاعة الثقافي في عُمان (لا كلام عليه، لكن التلفزيون هو الأهم والأكثر متابعة. ثم أخيرا ينبغي قبل كلّ شيء توسيع فضاء الحرية لأنّه لا إبداع بدون حرية».
حكايات لم ترو بعد:
الدكتور محمد زروق قال: «هنالك حكايات لم ترو في عُمان جيدا، والتجارب الموجودة في عمان الآن «على المستوى الفني» فيها نضج – ليس على وجه التعميم وإنما على وجه التخصيص – والذين تعجبني كتابتهم لديهم شغل جيد على الجانب الفني والرؤية وهنالك اجتهاد. ومن المهم توفير الأرضية اللاحقة لبناء مُستقبل روائي من الممكن أن يكون مُبشرا. مفزع جدا ما قاله حسين العبري أنّ الكاتب لا يعرف مستوى أعماله، ولذا أٌقول إنّ الواقع مُبشر والثراء التاريخي والحضاري متوفر. هنا تاريخ لم يستهلك بعد ولم يُشتغل عليه. هنالك أساطير وثقافات شعبية لم تُستهلك، وهي تشكل مادة خام جيدة ولكن ليس لنقلها كما هي وإنما لتمثلها».
بينما قال سليمان المعمري بتفاؤل: «إذا كانت الرواية لا تنبت من السكون، وإذا كانت من جهة أخرى هي ابنة الحراك المدني والمجتمعي، فإننا في السنوات المقبلة موعودون بروايات جميلة في عمان بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتشابك الحياة، والتي ستنتج عنها أعمال أدبية جيدة، خصوصا لو ترافق معها تطوير الكاتب العماني لأدواته، لأنه لم يعد معزولا ولم يعد يبحث عن «أب» كما كان حاله في الثمانينات». فيما دعا حسين العبري نفسه وبقية الزملاء من الكتاب للمزيد من الاجتهاد.
وكان لدى زهران القاسمي أمل بإيجاد تكتل للعمانيين، « علينا ألا نكتفي بالعمل في الكتابة، وإنما أيضا في التسويق، لنعرف موقعنا من الإعراب؟ لا يكفي أن يكتب أحدنا وحسب، لننظر لتجربة الكويت مثلا، فواحدة من النقاط الجميلة لديهم وجود المحترف الذي تعمل عليه الكاتبة بثينة العيسى، المتخصص في كتابة الرواية».
محمد اليحيائي أكد على كلام سليمان المعمري: «أنا أعتقد أنّ الذي قاله سليمان المعمري كلام مهم. القادم سيكشف عن أصوات نتفاءل بها. وأدعو نفسي وكل زملائي ليشعروا بالثقة. يجب أن نشعر بالثقة بتجاربنا وأصواتنا وحساسيتنا الكتابية. أنا أدّعي أني قارئ جيد للرواية العالمية والعربية والعُمانية أيضا، وأشعر بصراحة بثقة شديدة أنّ الرهان في هذه المنطقة على الأصوات العمانية والسعودية «كما قلتُ سابقا». ولا أريد أن أقول لأنها تستند على العمق التاريخي والحضاري بالمعنى الاستهلاكي الإعلامي، ولكن توجد ذاكرة اجتماعية تظل كامنة وموجودة، فقد مرّت هذه الذاكرة بصراعات وحروب وظروف خصبة للاشتغال الروائي».ونحتتم هذه الندوة بقول جوخة الحارثي: «أنا أيضا أقول لدي أمل في الرواية العمانية».