بعد إقامة ندوتين واحدة في الشعر وأخرى في الرواية، ترصد مجلة نزوى في هذا العدد الحراك المسرحي في عمان، أسئلته وعثراته. فتجربة المسرح كانت مُتقدمة ومُتراكمة قياسا بفنون أخرى، إذ أنّها لم تبدأ بشكل هزيل في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم بل كانت تقاربُ التجربة الخليجية إن لم تكن تتقدم عليها قياسا بالإمكانيات المتاحة آنذاك.
ولذا نتساءل، لماذا اختفى مسرح الشباب، الذي كان أشبه ما يكون بالمعهد الذي يُربي القدرات، ويُخرج طاقات التأليف والإخراج والأداء؟ وفي وقت متقارب، تمّ إيقاف قسم المسرح (لربط التعليم بسوق العمل)، هذا القسم الذي كان يخلقُ التوازن الأكاديمي الموازي لاشتغالات مسرح الشباب العملية؟
ترى هل تمكن “مهرجان المسرح” من تعويض غياب مسرح الشباب وإيقاف قسم المسرح بالجامعة؟
كثيرا ما تُكال الاتهامات على المؤسسة الرسمية، والتي غالبا ما تكون هي الأمُّ الحاضنة والحقيقية للمسرح إلى أن يقف على قدميه. فهل تمكنت “الفِرَق المسرحية” أو الأدوار الفردية من تعويض غياب الدور المؤسساتي؟ هل تقوم بعمل مُمنهج وقادر على الوقوف على قدمين راسختين؟
هل “الفنان المسرحي” كاتبا ومخرجا ومُمثلا ومهتما بالديكور والسينوجرافيا، يعتبر مُتمكنا، ولديه رصيد جيد من الثقافة والمعرفة ببعديها الكلاسيكي والحديث ليُجابه بقوة غياب الدعم، ويُربي ذائقته الخاصة على مهل قبل أن يشرع بالتذمر من دور المؤسسات؟ بطريقة أخرى دعونا نقول: “هل هنالك اليوم من جيل الشباب من يتبنى المسرح كمشروع حياة، يستحق المغامرة إلى أن يثبت حضوره ؟
هنالك مشاريع صغيرة لم تكمل طريقها بالدرجة المتوقعة من قبيل “شباك التذاكر”.. فما الأسباب وراء ذلك؟ رغم أنّ الجمهور أثبت تعطشه للمسرح وخصوصا “الكوميدي”، فوجدنا الناس تدفع لتحجز كرسيا ؟ فما هي العراقيل التي تمنع وجود هذه الفرجة المتوهجة.
هل يمكننا أن نعد “الرقابة” التي تُمارس على المسرح هي أحد المعوقات الرئيسية التي تجعله يتراجع ؟ أم أنّ “الشللية” القاتلة تُعطل العمل الجماعي؟
وأخيرا، كيف نرى تجربة المسرح اليوم في سياق التجربة الخليجية والعربية، من خلال المؤشرات التي تفرزها الملتقيات والمهرجانات؟
بحضور مدير تحرير مجلة نزوى الشاعر طالب المعمري، ومجموعة من المشتغلين بالمسرح، الفنان المسرحي والمخرج عبدالغفور أحمد، الكاتبة والناقدة المسرحية الدكتورة آمنة الربيع، الفنان والمخرج ورئيس الجمعية العمانية للمسرح حسين العلوي، الكاتب المسرحي هلال البادي، الكاتب والمخرج المسرحي محمد الهنائي من فرقة الدن، والفنان والمخرج طاهر الحراصي من فرقة تواصل.
v v v
– هدى حمد: لنبدأ من هذا السؤال العريض والمستفز ربما، هل يستحق الفن والمسرح تحديدا، وفي هذا الزمن أيضا، أن يُلتفت إليه بالرعاية وباقتطاع الدولة لجزء من موازناتها العامّة لكي يكون المسرح على ما يرام؟
– عبدالغفور أحمد: تبدو لنا مفردة التواصل الاجتماعي مفردة جديدة، إلا أن المسرح هو وسيلة تواصل اجتماعي منذ بدايات التاريخ، منذ الزمن الإغريقي. عندما كان الناس يتواصلون، ويحضرون المسرح لكي يشاهدوا ويستوعبوا وجودهم عبر ما يُقدم، وكان غالبا ما يحدث هذا في إطار ديني، واستمر على اختلاف العصور. المسرح هو وقاية من الأمراض. ولذا ينبغي على الدولة أن تصرف المال على الوعي الثقافي. الإنسان ثروة، وعلى المسؤول أن يعي أن الصرف على الثقافة ليس مجانيا وليس ترفا، فعندما نصرفُ على الفنون التشكيلية والشعبية والكتابة والآداب عموما، فهذا علاج. الفن وسيلة من وسائل التوعية الجادة والحقيقية، وعلى الدولة أن تستقطع هذه الاموال حقا. فكل الشعوب التي تحضرت وتطورت كان واحد من الأسباب التي تقف وراء ذلك، هو وعيها بأهمية الفنون والثقافة .
– آمنة الربيع: اتفق مع أحمد عبدالغفور، المسرح طوق نجاة حتى لا يُلقى بنا إلى سفينة الحمقى . عندما ننظر للمسرح على أنّه يشكل الثقافة الناعمة، وبغض النظر عن كل السلبيات الموجودة، عندما ننظر هذه النظرة التفاؤلية، نظرة تقول بأن القوة الناعمة مع وجود الوعي، فهذا ما نحتاجه فعلا من إيمان بدور المسرح.
لا أعتقد أننا نختلف حول دور المسرح في تنوير المجتمعات ومواجهة الأمراض والمشكلات السياسية. قبل سنوات كانت نظرتي تختلف عن هذه النظرة . ولكن للأسف المسرح لا يُمثل لنا في عمان حاجة أساسية، لأن مؤسسات الدولة ترعى الكثير من البُنى الأساسية ولكن المسرح على الهامش. واعتقد أنّ هذه النظرة لن تتغير إلا بحاجة مجتمعية.
أذكر أننا كنا نقول المسرح لا يتطور بقرار سياسي. القرار السياسي داعم مثله مثل الشركة الاقتصادية في مستوى التوعية الاجتماعية. لكن المجتمع هو الذي يطالب بالتغيير .. هل المجتمع بحاجة إلى المسرح حقا !
نعم بحاجة لأنه يذهب إلى المسرح ويُشاهد، لكن ما المسرح الذي يريد أن يشاهده.. أنا شخصيا أتمنى أن يُشاهد كل شيء، من المسرح الكلاسيكي الى التعبيري، إلى ما وصلنا إليه اليوم من تجريب وتجريد.
– هدى حمد: الدكتورة آمنة الربيع قالت يبدأ الأمر من حاجة مجتمعية أكثر من قرار سياسي.. ماذا تقولون حول هذا ؟
– حسين العلوي: توصيف أنّ المجتمع بحاجة لمسرح نعم هو بحاجة لمسرح. فالمسرح ظهر كظاهرة اجتماعية من سلوك اجتماعي، وبقى صامدا كل هذه السنوات، وهذا دليل على أنه سلوك اجتماعي طبيعي. هنالك فنون ظهرت واختفت لأنّها عارضة، بينما المسرح بقي رغم علاته وأزماته. مشكلة المسرح دائما يُطلق عليه أبو الفنون. فما معنى ذلك؟
يعني أنّ المجتمعات التي يكون فيها الشعر والموسيقى والفنون الشعبية برّاقا يبرق معها المسرح، وعندما تخفتُ الفنون الأخرى يخفتُ المسرح تلقائيا، لأن المسرح لا يمكن له أن يتطور بمعزل عن باقي الفنون أبدا. سيبقى ممارسة شكلية لا تُغذي الوعي لدى المجتمع. وكما قال عبدالغفور ،المسرح وقاية من المشكلة وليس علاجا لها. المسرح عندما يعطيني فردا واعيا وصالحا سوف ينجزُ هو باقي الأشياء على أتم وجه. المسرح موجود ولكن ما زاد من خفوت المسرح وأدواره هو المؤسسة الرسمية.
– هدى حمد: هذا يعني ضرورة وجود القرار السياسي قبل الرغبة المجتمعية؟
– حسين العلوي: المحاولات الفردية ستبقى فردية وغير مؤثرة في البركة الكبيرة . لا وجود لخشبة مسرح، لقد أغلق مسرح الشباب . المهرجان المسرحي المدرسي أوقف أيضا بكل أسف. وكأن المؤسسة الرسمية تحصر الخطاب ضمن هذه الفرق لتبقى فردية. صوت واحد خافت وغير مؤثر، ولكن عندما أوجد مُسببات النجاح سوف تتحرك الفرق وتسعى للتميز والنجاح. فرقة الدن على سبيل المثال متألقة ولكنها ستبقى بجهود فردية. لكن ماذا لو تسنى لنا أن يكون لدينا عشر فرق متألقة أو خمس عشرة فرقة متألقة ؟؟
– هدى حمد: بما أنّ فرقة الدن أهلية.. فلماذا تألقت باجتهاد شخصي ولم تتألق باقي الفرق؟
– حسين العلوي: هذا سؤال آخر ومهم.. ما نوع هذا التألق يا ترى. تنظيم المهرجان، هل هو نجاح يضاف إلى رصيد المسرح ؟ أو ما يطلبه الجمهور؟
تمرُ دورات عديدة ضمن مهرجانات الفرق العُمانية، الفائز في هذا المهرجان هو أفضل السيء. المهرجانات ليست دليلا على تطور المسرح وتبدو لي كالفحص الدوري الذي يجعلنا نطمئن على أنّ أعضاءنا تقوم بالدور المطلوب منها على أكمل وجه. المهرجان مقياس إلى أين وصلنا وحسب، ويعطي مؤشرات لا أكثر.
وما أراه من تسابق الفرق على تقديم المهرجانات، يدل على أنّ الفرق أخذت شكلية الممارسة المسرحية وليس عمقها.
فلماذا نجتمع لمدة 3 أشهر ونعمل كل ليلة، ونشتغل على التدريبات؟ لماذا ؟ ليقال أننا قدمنا عرضا مسرحيا وحسب وأننا فرقة تعمل؟ أم لنوجد الأثر الذي ننشده. وكل هذا يرجع لغياب الثقافة المسرحية وغياب دور المؤسسة الرسمية التي ينبغي أن تفتح الجامعات والكليات والمعاهد، وتجند الباحثين لتعميق فهم المشتغلين بالمسرح.
– هدى حمد: لنكرر السؤال.. تطور المسرح العُماني هل هو رهن استعداد مجتمعي أم قرار بيد المؤسسة الرسمية .
– هلال البادي: الأمران مهمان جدا معا، إذا لم يكن هنالك استعداد مجتمعي لن يكون دعم مؤسسي بالضرورة. المشكلة الحقيقة غياب الثقافة. المهرجات التي نراها الآن تأخذ شكل الممارسة الحقيقية. ولكن لو عدنا قليلا إلى الوراء إلى زمن ما قبل المهرجانات بما فيها الرسمية، سنجد أنّ هنالك عروضا نسعى لحضورها دائما، فعلى سبيل المثال: آمنة الربيع كان لديها تعاون مع فرقة مسقط الحر في بداية تأسيسها، وكانت تُقام عروض نسعى جميعا لحضورها وهي ليست بمقاييس ما يطلبه الجمهور ، بل عروض فنية ترقى بالإنسان. كانت هنالك فرقة الصحوة أيضا. وقدمت فرقة الدن في بداياتها أيضا عروضا مهمة في التأسيس، ولم يكن الهاجس الذي يقف وراءها آنذاك أن يُقال انظروا نحن نقدم عروضا مسرحية وإنما لنتأكد جميعا بأن المسرح جزء أصيل منا ومن تكويننا ولذا فنحن نشتغل عليه. فرقة مسقط الحر قدمت أعمالا في بداياتها استطيع أن أقول بأنّها مفصلية، وذلك قبل أن يكون هنالك مهرجان للمسرح العُماني. وكذلك هو حال فرقة الصحوة .
المؤسسة الرسمية تخلت عن دورها ليس في المسرح وحسب، وإنّما في تنمية الثقافة عموما. وهذا ليس دور وزارة التراث والثقافة وحسب. لقد كانت لدينا حاضنة أساسية للشباب، اليوم هي غير موجودة، ثم جاءت الجامعة وبدأ دورها الأكاديمي. الأزمة ليست أزمة مسرح وإنما أزمة كيف ننظر للأشياء في حيزها الحقيقي . نحن نريد مسرحا نريد فنونا نريد سينما وهذه الاشياء لا تنبع من البناء الفردي تنبع من محاولات البعض وحسب. مثل فرقة الدن، فرقة الرستاق، مسقط الحر . كل هذه الفرق لا تستطيع أن يكون لها دور حقيقي ما لم يكن هنالك إيمان حقيقي بضرورة القيام بالعمل الجماعي.
لو كان لدينا اهتمام بالثقافة وتطوير الوعي، لما وصلنا لهذه المرحلة من تهميش الفن والآداب في ظل الأزمة الاقتصادية وكأنهما زائدان عن الحاجة. لو كان الاشتغال على الثقافة حقيقيا، لما كنا الآن ننتظر سعر البترول متى يرتفع لننهي أزمتنا!
لن نفكر بإلغاء مهرجان المسرح ومسرحيات أخرى. أو إلغاء مهرجان المدرسة. وهذه واحدة من القضايا التي قلت للمشتغلين عليها يوما ما: احذروا فأنتم تقلدون مهرجان المسرح فقط لأنه مهرجان شكلي. هذا المهرجان – وأعني المهرجان المسرحي- هدفه طلبة المدرسة. الهدف أن تزرعوا ثقافة في أذهان الطلبة وليس أن تقيموا مهرجان. المهم هم الطلبة.
لو وجدت الثقافة بجذور عميقة وحقيقية، قضايا كثيرة كنا سنصل اليوم إلى حلها. ولما اضطررنا لحلول مؤقتة وعاجلة في عام 2011م.
الإشكالية ليست مشكلة المسرحي وحسب. الإبداعات الأخرى، من مثل القصة والشعر الفصيح والنبطي والرواية والفن التشكيلي والتصوير الضوئي كلّها ابداعات يقوم نجاحها غالبا على الفرد الواحد. بينما عمل المسرح جماعي، فهنالك الكاتب الممثل، الفنان، مصمم الاضاءة، السينوجرافيا، بل يتعدى الأمر إلى الباحث التاريخي الباحث الجيولوجي..الخ. و لكي يكتب الناقد النقد، لا يستطيع أن يكتبه منعزلا عن حراك المكان والزمان والأشخاص. عليه أن يدرس خلفية الفنان التي جاء منها .
– هدى حمد : حسين العلوي وهلال البادي.. أوحيا لنا أنّ المسرح كان بخير والآن تراجع، هل هذا صحيح ؟
– عبدالغفور أحمد: لو درسنا الوضع الراهن للمسرح، سنجد الضعف بسبب ضعف قرار المؤسسة. بداية من اختفاء نشاط الشباب وغلق مسرح الشباب وقسم الفنون المسرحية وهو المنبع الثقافي اليتيم. مجموعة من الإشارات والعوامل أدت إلى نتيجة طبيعة. دول كثيرة بدأت المسرح من بعدنا وبصورة أقل من الصورة الجميلة التي كنا عليها، وانظروا لهم الآن كيف أصبحوا .
الفِرق التي تعمل كان يتوفر لها مكان للتدريبات والعروض. هذه الأندية باتت تستغل الآن المكان استغلالا ماديا ولا تسمح للفرق بإقامة التدريبات. هذه الفرق كان يرأسها شباب طموحون يحبون المسرح أكثر من المادة ويقبلون بالقليل ويقدمون إبداعات فنية رغم الإمكانيات المتواضعة. لا توجد انشغالات، لا فيس بوك ولا تويتر ولا سينما، كان هنالك وقت فراغ هائل. لذلك يذهبون لمشاهدة المسرح. ولم تكن هنالك القنوات الفضائية . وهذا لا يعني من جهة أخرى، أنّ كثافة الحضور يعني أن العرض على مستوى عالٍ فنيا. كانت الصحافة أيضا ذات طابع محلي تبحث عن الخبر المحلي الصحفي كما المسرحي يجري وراء النص الجيد، ويبحث عن الجديد. وتصبح الأخبار الصحفية آنذاك بمثابة إعلان غير مدفوع الأجر.
ثم أصبح لدينا تطور حتى في المسميات، صار لدينا فرق أهلية والفرق الأهلية ينبغي أن تُقدم أعمال فنية. لكن المشكلة الاساسية، أن ما يصرف في عام 1980 هو نفسه ما يصرف إلى الآن في عام 2016 ، وهذا لا يتناسب مع متطلبات المشاهدة اليوم ولا مع القيمة الشرائية .
المسرحي اليوم هو غير المسرحي الذي كان في الستينات والسبعينات . هم نفس الاشخاص لكن تغيروا. أصبح لدينا شركات انتاج وأصبحت المادة تلعب دورا كبيرا في حياتنا . لذا لا بد من حضور الدعم . في الماضي ولنكن صادقين كان المسرحي مستعد لأن يصرف من جيبه الخاص من أجل أن يقدم مسرحا. ويرضى حتى لو كان المبلغ الذي يحصل عليه ضئيلا للغاية.
– حسين العلوي: كم شخص يستطيع أن يفعل هذا.. (أعني الدفع من الجيب الخاص) شخص أو شخصان ؟ أنت قلت الموازنة بقيت كما كانت، وأنا أقول لك لقد قلصوا الموازنة عما كانت عليه. ثانيا : في الثمانينات لكي اجتهد في الإبهار المسرحي، “أجيب تيوب ليت”، الآن سأفكر بشركات كبيرة من أجل الديكور ومن أجل الصوت والسينوجرافيا . الفهم تغير، وهذا لا يعني أيضا أن العروض كانت سيئة كانت مناسبة لذلك الوقت، لكن الإحساس بالجمال معاييره أيضا تغيرت .
– عبدالغفور أحمد: المسألة فعلا لها علاقة بتطور العصر. العمل الفني بحاجة إلى قيادة وإلى توجيه. الإبداع يعتمد على الدعم من المؤسسة الرسمية.
مؤخرا حصلتُ على دعوة لمهرجان سينمائي في السويد . كل المشاركين يتحملون مصاريف الإقامة والتذاكر . والقائمون على المهرجان يتحملون بعض الأمور. المجلس البلدي يدعم المهرجان بخمس وعشرين مليون كرونة سويدي، أي ما يعادل 250 ألف ريال عماني. ورئيس المجلس يقوم بعمل عشاء خاص للضيوف . ويقف مع الحضور بكل الامكانيات المتاحة.
– هدى حمد: ما رأي محمد الهنائي فيما قيل، خصوصا وأنك تعمل ضمن فرقة؟
– محمد الهنائي: حدثت الكثير من التغيرات في المسرح العُماني ولكن للأسف لم يحدث ردة فعل موازية لهذه التغيرات . أنا ما زلتُ أدفع من جيبي الخاص للفرقة . ولو تعلمون المبلغ المدفوع من الجهة الرسمية، ستستغربون أنّ مبلغ الدعم من المؤسسة بهذا القدر من الضعف في عام 2016. ولأنه ليس هنالك من حل آخر فأنا أدفع من جيبي الخاص . وقد يرى البعض هذا جنونيا وغير ذي جدوى. الدعم المؤسساتي غائب، المسؤولية الاجتماعية من القطاع الخاص غائبة. كنت أتحدث إلى أحد مديري المسارح في إحدى الدول الشقيقة عن مهرجان الدن . فقال لي صراحة: “سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه نشاطكم، لأنّه لا يوجد دعم يقف وراءكم، هذا المهرجان لا ينبغي أن تقيمه فرقة وإنّما تقيمه مؤسسة”، وكلامه حقيقي. وهنالك مسؤول آخر من دولة أخرى حضر في فعالية من الفعاليات قال لي: نحن ندفع ما يوازي عشرة آلاف ريال عُماني لعرض مسرحي واحد. حتى لو تصرف في الشاي والقهوة أو في أي شيء آخر.. الفرق لدينا في عُمان ليس لدينا مصدر دعم ثابت، وإنّما فقط دعم لعروض المهرجان الرسمي الذي يُقام كل سنتين بشيء يسير جدا.
– حسين العلوي: في أفضل الأحوال يُعطى العرض 4000 ريال عماني. في دول أخرى يدفع للاستعداد للمهرجان ما يقارب من 7000 ريال عماني للفرقة.
– محمد الهنائي: هنالك أيضا ما يُسمى باللجنة الصديقة تزور الفرق قبل المهرجان لإعطاء الإرشادات، لكي تتعدى لجنة التقييم .
– هدى حمد: الآن تكلمنا بشكل موسع عن الدعم المادي، ماذا عن الدعم الآخر الذي يقوم على التدريب والتهيئة .. في ظل غياب الجانب التعليمي؟
– محمد الهنائي: أنا كشاب لم أجد قبلي من أكمل مسيرته. تتبعي كل واحد منا والخط الذي سار عليه، سيكون كل واحد منا تقريبا مقطوعا من شجرة.
– حسين العلوي: وهذا هو السبب وراء إنتاج مسرح مشوه، أي غير قادر على التأثير.
– طاهر الحراصي: المسألة التنظيمية داخل الكيانات المسرحية غائبة. أغلب الفرق هي فرقة الرجل الواحد. لا يوجد عمل فريق. وإنّما بصمة الرجل الواحد. ولذا لا توجد خطة عمل واضحة، وإنّما وفق ضربات الحظ. بمعنى أنه لا توجد إمكانية لتحويل هذا الكيان إلى كيان صلب قادر على دعم نفسه. يعتمدون فقط على الدعم . كنت أقول لنفسي: إذا لم تكن لدينا قدرة أو سلطة لتغيير واقع الدعم المستحق من الجهات المسؤولة.. لنترك ذلك جانبا لنُفكر مليا في البدائل المُمكنة.
– محمد الهنائي: علينا أن نتأكد أنّ هذه المؤسسة التي ترفض دعم المسرح، ليس لديها مانع أن تدعم مناشط أخرى وثقافية أيضا.
– حسين العلوي: تقصد القطاع الحكومي أو الخاص؟
– محمد الهنائي: الخاص
– حسين العلوي: كلامك صحيح ولنا في ذلك تجربة في هذا. لقد خاطبنا ما يزيد عن 40 شركة عُمانية من أكبر الشركات العُمانية العاملة في كل القطاعات. ولم ترد علينا أي شركة بالإيجاب. وربما يكون سوء تسويق منا. ولكن هذه الشركات نفسها، عندما يُقيم أحدهم “من إحدى الجاليات ” مثلا عيد ميلاد لابنته، قد تدفع ما يكفي لدعم خمس مسرحيات. وهنا تظهر الأمانة في الدعم .
– هدى حمد : لماذا؟
– حسين العلوي : لأن مُمثلي القطاع الخاص أغلبهم من جنسية غير عُمانية، ولذا فهو يمارس عملا انتقائيا ويحدد بدقة أين يذهب الدعم.
– طاهر الحراصي: أظن أن تجربة واحدة لا تكفي. ينبغي أن تكون هنالك تجربة ثانية وثالثة ورابعة.. علينا أن لا نيأس. وإنما نستفيد من التجارب الأولى. أحيانا ألوم نفسي وأقول: لم هذه الجهة الخاصة تُقدم لي الدعم في مهرجان لا يحضره غالبا إلا المسرحيون. ما هو المردود للجهة الذي ستحصل عليه ؟
– حسين العلوي: المسألة حلقة مُتشابكة، يجتمع فيها غياب الدعم المؤسساتي الذي أنتج عروضا ضعيفة، وبالتالي هي لم تستطع أن تقنع المؤسسة الخاصة. ولذلك لا تجد ما يغري في دعم هذه العروض . وردا على طاهر أقول في كل العالم يوجد مثلا الفنان المستقل . ولكن كم عددهم ؟ في النهاية العمل المؤثر لا يمكن أن ينهض بدون دعم مؤسساتي. يجب أن تقتنع المؤسسة الرسمية بضرورة هذا العمل لكي تفتح له المغاليق . يكفي أن تدعم برسالة. يكفي أن توجد خشبات مسارح. لا نريد نقودا. نريد أماكن للتدريب على الأقل.
– هدى حمد: هل من المعقول أنكم إلى الآن لا تجدون أماكن للتدريب؟
– حسين العلوي : المسرحيون يتدربون في الشارع ماذا أكثر من ذلك.
– محمد الهنائي: وإن كانوا أفضل حظا فهم يتدربون في المدارس. ولذا يظل حارس المدرسة يسألنا باستمرار: “أنتوا لين متى جالسين هنا؟” أقول له: “إلى العاشرة”. يقول: “العاشرة يعني العاشرة ؟ أو عشرة ونص”. تصوري إلى هذه الدرجة.
– حسين العلوي: وأحيانا نضطر إلى رشوة الحارس بالعشاء والخفايف لكي لا يزعجنا طوال الوقت.
– محمد الهنائي ضاحكا: يقول الحارس أحيانا: “ترى ما رأي المدير الذي يمشي، رأيي أنا اللي يمشي”.
– عبدالغفور أحمد: بالعودة لموضوع القطاع الخاص، بالفعل القطاع الخاص لا يقوم بواجبه في الدعم على سبيل المثال. عندما منظمة من منظمات المجتمع المدني عينت مندوبة وافدة لجمع تبرعات، استطاعت أن تجمع ما يربو على 400 ألف ريال عُماني، بينما لدينا فرقة خاطبت العديد من الجهات ، وتفاجأت برد واحد فقط للدعم، ففرحت به ولم يكن سوى عشرة ريالات لا غير!
– محمد الهنائي: التسويق لا يعتمد على الفكرة وإنّما من يقف وراء الفكرة. المشكلة كبيرة وأظن أنّها خارج موضوع “الشطارة التسويقية”، وتعتمد على أنّ سين هو الذي جاء وليس صاد.
– طالب المعمري: في أوروبا هنالك قطاعات خاصة لدعم النشاط الثقافي وخاصة المسرح. فما يبقى هو الجانب المعرفي، لأن الفن بالفعل يمكن أن يكون وسيلة حماية للمجتمع، ولذا لا بد أن تكون هنالك إرادة قوية لشق الطريق وتخطي القفار .
– حسين العلوي: في روسيا على سبيل المثال، الفرق الضخمة التي تُمارس المسرح ولها شباك تذاكر، تخصص لها الدولة مبلغ لكل فرقة سنويا. في هذه الدول المتقدمة لم ترفع الدولة يدها عن المسرح لا تزال حاضنة له. حضرتُ ذات مرة ندوة وكان هنالك حديث عن ضعف المسرح في الخليج. أعجبتني ورقة من الأوراق، كانت تشير إلى أن تكوين الفرق المسرحية في الخليج العربي يأتي من باب الشللية . بينما يُفترض بهذا الكيان أن يكون كيانا فكريا. على سبيل المثال قد اتفق مع فكر آمنة الربيع وهي في ظفار وأنا في مسقط، بالمقابل هنالك من يتواجد في مسقط وفي نفس البقعة المكانية، ولكننا لا يمكن أن نتقاطع في الأفكار. وهنا ينبغي أن تتضح الأسباب لماذا هذه الفرقة تتكون من فلان وفلان ، ما القواسم التي تربط بينهم ؟
لكي تكون الفرق عاملة وحقيقية لا بد أن يكون لديها جدول. أنا كصاحب فرقة من غير الممكن أن يكون لي في السنة الواحدة عرض واحد وفلان لديه عرض واحد ونسميها حركة مسرحية. ينبغي على سبيل المثال في شهر يناير ، أن تقدم فرقة الدن عرضا في شهر في فبراير تقدم فرقة الصحوة عرضا.. وهكذا. الحركة المسرحية تحتم أيضا وجود أشكال المسرح المختلفة مثل، مسرح الطفل، مسرح الشباب مسرح الجامعة .. الخ، هؤلاء مع بعضهم يشكلون وحدة واحدة تتحرك خلال الثقافة الاجتماعية .
لا بد من التنظيم الذي يبدأ من المؤسسة، وعلى الأفراد العاملين في هذه الفرق أن يضعوا خططا. ينبغي أن تكون لهذه الفرق خطة سنوية مُعلنة، تُعلنُ في رأس كل سنة.
– هدى حمد: لقد قال حسين العلوي نقطة مهمة حول تربية الذائقة، وأمام سد كل الانفراجات التعليمية المُمكنة للمسرح في عُمان بسبب ربط التخصص بسوق العمل، كيف يمكن للذائقة أن تتطور؟ المسرحي أيضا كممثل ومُخرج ومُشتغل هل هو مثقف أم أن الأمر ضربة حظ وفهلوة؟ من يعوض تربية الذائقة على مستويين، ثقافة المشتغل بالمسرح وثقافة الجمهور؟
– آمنة الربيع: عندما تحدثنا عن أهمية المسرح اتفقنا على أهميته جميعا في بداية الجلسة. قبل الانتقال لموضوع رفع سقف الثقافة والذائقة، أريد أن أتحدث عن الأفكار المكونة لكيانات المسرحي. اذا كنتُ أنا ضمن كيان مسرحي وله غاية ينبغي أن تتحق في السياق المجتمعي الذي نعيشه سواء أكنتُ كاتبا أو كنتُ ممثلا أو مخرجا.
في دولة شقيقة نجد أنّ أهم الشخصيات التي أسست للحراك المسرحي بدأوا بالانضمام ضمن فرقة وبدأت الافكار والعروض وبدأ المسرح يضع علامات وتأثيرا في المجتمع. ثم حدث الانشقاق وأصبح لكل واحد منهم فرقته الخاصة . له شركته التي تنتجُ الأفلام والمسلسلات وتنتج من ضمن ما تنتج المسرح. هذا الكيان هل كان مرتبطا بغاية مجتمعية أم الأنانية التي تولدت؟ وهو حال المسرح العُماني الآن لدى بعض الفرق .
– هلال البادي: فعليا لم تعد هنالك ثقافة، بل أهداف ذاتية وغالبا ما يكون المال.
– آمنة الربيع: لا ننس النظرة التقليدية والتاريخية التي وصمت هذه المجتمعات بأنها مجتمعات ريعية. مجتمعات تعتمد على الصدقة والانفاق من المسؤول الأكبر. هذه النظرة الريعية ترسخت لدى المثقفين والفنانين أيضا . وجميع شرائح المجتمع . الفن فن جماهيري ولكن عندما بدأ المسرح كانت الأهداف واضحة عند الدولة. أهداف توعوية وتنموية. ثم حصل وأن استقرت الدولة بالمفهوم العام . لكن ما حدث بعد ذلك من ظهور كيانات جديدة من الجامعة وفرق أهلية تغذيها أفكار جديدة ليس بالضرورة أن تصف مع الدولة وخططها. وهنا بدأ الانشقاق يزداد، وأصبح الأمل الوحيد هو أن نفكر بالمسرح ونكتب من أجل المسرح ونعشق المسرح، وتظل هذه الجهود ذاتية للأسف .
وحول الثقافة أنا ثقفتُ نفسي بنفسي، والآن الفرص متاحة أكثر وبالمجان. ومستعدة لأن أعطي هذه الثقافة للآخرين ولكن تحت مظلة مؤسسة. لا أستطيع أن أقول للشباب تعالوا لنلتقي في مقهى مثلا !
ولكن السؤال الأهم اين هي المؤسسة، ما نراه جمعية يتصارع الناس فيها على الكراسي وحسب!
– طاهر الحراصي: قالت الدكتورة آمنة، “الجهود كان مُتكاتفة. ثم حدثت انشقاقات”. أنا أرى أن هذا هو الامر الطبيعي، كل المدارس الفنية مبنية على الانشقاقات . توجه معين يخرج منه وينشق عنه فهم جديد يُغذي الساحة وهكذا. هذا هو الامر طبيعي، وهذا ينطبق على كل الفنون.. الموسيقى والتشكيل ..الخ. ولكني أؤكد على نقطة مُهمة قالتها الدكتورة آمنة وهي الغاية من المسرح الهدف. السبب أن التنظيم غير موجود ولذا يحصل الاشتغال بشكل عشوائي وتخبطي.
– طالب المعمري: المهم أن نعرف الآن هل يؤدي الانشقاق إلى تراكم معرفي، يوصل إلى نتيجة ما. أم أنها نابعة من الرغبة في الالغاء؟
– محمد الهنائي: أظن يجب أن ننظر للأمر من زاوية نظر أخرى، ما قالته الدكتورة آمنة حقيقي، وهو ما يُحطم المسرح. أما ما يقصده طاهر فهو تدافع حركات المسرح وتوالدها. وهذا امر صحي.
– حسين العلوي: مايرهولد كان في مسرح قسطنطين ستانيسلافسكي، ثم خرج عنه بمذهب مختلف وجديد جدا وخرج عنه.
– آمنة الربيع: مايرهولد وستانيسلافسكي ولم يلغ أحدهما الآخر.
– هلال البادي: آمنة الربيع على سبيل المثال كانت مع مسرح مسقط الحر، وكانت تمشي إلى الأمام بغض النظر الآن عن أحكام التقييم. الجمهور كان متعطش لرؤية فنية جمالية. قدمت عدة عروض باسم آمنة الربيع كان بها وضوح في الفكرة والأهداف، ثم حدث الانشقاق نظرا لأن مؤسسي الفرقة أصبح لديهم اهتمام “بالبزنز” أكثر من الفن. رغم أنّ جاسم البطاشي لديه وعي بالفكرة والمسرح، ولكنه ذهب إلى طريق آخر، وهو أمر مشروع.
والسؤال: إلى أي حد حقق البعد الجمالي؟ يريد أن يقف على خشبة المسرح فقط في المناسبات لتسجيل حضور لا أكثر. أظن أن هذه الفرقة “مسقط الحر” ، المكونة من جاسم البطاشي مع محمد هلال مع آمنة الربيع، لو استمروا لكانت أبرز مكون فكري يُقدم لنا اشياء كثيرة على مستوى القيمة الفنية والجمالية . ليس من المطلوب من الفنان التضحية، وإنما الصدق مع المتلقي. لقد تحول الاهتمام بالمسرح بغية المقابل المادي وليس الارتقاء بالفكرة . معظم الفرق اليوم لا يعنيها الإرتقاء بالأفكار والوعي ولكن المهم هو المردود المادي.
– هدى حمد: أليس من حق المسرحي أن يربح أيضا؟ هل معادلة صعبة أن يقدم الفن الجيد ويحصل على الربح أيضا ؟
– طاهر الحراصي: هنالك على سبيل المثال العروض الأوبرالية. كيف تمكنت من تقديم فرجة جمالية بالاضافة إلى الكسب المادي
– حسين العلوي: على ذكر الأوبرا.. سأقول شيئا: افتتحت الأوبرا في الكويت مؤخرا، من الذي افتتحها؟ المسرح هو الذي افتتحها. حسين عبدالرضا وسعد الفرج، “فريج صويلح”، وكأن الرسالة تقول: إنّ الأوبرا هي تطور طبيعي للمسرح. بينما في عُمان لا يرون أهمية ذلك. حولوا اسم مسرح الدسمة إلى اسم حسين عبدالرضا . وفي هذا تكمن تغذية الوعي بهذه الرموز التي صنعت المسرح. هل يوجد في عمان مسرح باسم صالح زعل مثلا!
– آمنة الربيع: في مسرح الدسمة يتم تكريم رواد المثقفين على مستوى مجلس التعاون الخليجي لاحظوا هذا الربط، وفي مصر كل القاعات التدريسية بأسماء فنانين بدءا من زكي طليمات وليس انتهاء لنور الشريف. هذا الربط يغيب عنا للأسف.
– حسين العلوي: المؤسسة الرسمية قادرة على صناعة البنية الاساسية لو أرادت.
– هدى حمد: لنعد لموضوع من يثقف المسرحي اليوم؟
– طاهر الحراصي: جئتُ في مرحلة ما بعد مسرح الشباب، وأسمع كثيرا عن تلك المرحلة أنّها كانت الأجمل، نعترف نحن الجيل الجديد نبني ثقافتنا بشكل متخبط بعض الشيء. ربما يكون مبدأ ثقف نفسك بنفسك جيدا ولكن تبقى هنالك مساحات واسعة للتخبط والتعثر . اعتقد أن مسرح الشباب كان يقوم بهذا الدور، فهنالك أسس مُتشابهة في تجربة الجيل الذي سبقنا لأن مصدر المعلومة واحد.
– هدى حمد: ألا تُدعى لحضور ورش تدريبية؟
– طاهر الحراصي: آخر ورشة دخلتها كانت في البريمي 2013م.
– عبدالغفور أحمد: في الماضي أيضا لم يكن الأمر بالسهولة المتوقعة. من الصعب أن تبحث عن كتاب . لا توجد زاوية أو ركن لفنون المسرح في جميع مكتباتنا . يبدو الأمر كمن يبحثُ عن إبرة في كومة قش. الصحافة المقروءة أو المجلات الثقافية المتخصصة، لا توفر أيضا حيزا جيدا ضمن صفحاتها لتثقيف المسرحيين الشباب، كلها اخبار صحفية.
السؤال: كيف تتطور وأنت لا تشاهد الآخرين ولا تعرف الكثير عن تجربتهم. إما أن تذهب إليهم وتسافر وتحضر مهرجانات وتضيفها لتجربتك، وإما أن تجذبهم إليك فتقيم المهرجانات وتجلب هذه الخبرات إلى بلدك. حتى تثري الثقافة الداخلية. وللأسف لا نطول هذا أو ذاك. حتى في مكتبات المدرسة لا توجد رفوف خاصة للفنون!
– هلال البادي: أظن أن هذا المحور كبير ويطال كل شيء، أعني عدم وجود مكتبات حقيقية في واقع الأمر يطال الآداب والفنون جميعا.
– طاهر الحراصي: المشكلة الكبيرة أن الشباب الجديد تائه ولا يعرف من أين يبدأ !
– هدى حمد: أظن أن واحدة من أهم المعضلات التي تُواجه الفن أنه عمل فريق، وليس عمل فرد، وبالتالي الأمر لا يتوقف على كاتب جيد أو مخرج جيد أو ممثل جيد، وإنّما كل هؤلاء وأكثر لضمان نجاح العمل.
– هلال البادي: منذُ أن كنتُ صغيرا لم أكن أريد أن أكون مُمثلا، “كما يظن بالمسرح نحن صغارا”، وليس لديّ القدرة لأن أكون مُخرجا أيضا. كنتُ أريد أن أكون كاتبا. هذه غايتي . ولكن كيف سأكون كاتبا وليس لديّ دراية بأساسيات الكتابة المسرحية. كل ما كتبته إلى اليوم أعتبره محاولات لكتابة عمل مسرحي جيد. على أيامنا لم يكن من السهل الحصول على اصدارات سعد الله ونوس إلا من مكتبة مثل مكتبة الجامعة. من الصعب أن أجد توفيق الحكيم أيضا. وماذا أيضا عندما اكتشف أنّ شكسبير كان يكتب نصه وهو يعرف الشخصيات التي سوف تؤدي هذه الأدوار سلفا!
– هدى حمد : هذا يعني أن الجيل اليوم أكثر حظا على الأقل في ظل وجود الكتاب الالكتروني.
– محمد الهنائي: في أي مهرجان عربي أكبر حضور هو الجمهور العُماني، وهو حضور غير رسمي. بمعنى أنه من الطبيعي جدا أن تجد 20 شابا يسافرون على حسابهم الشخصي لحضور مهرجان خليجي أو عربي. هنالك من كان يسألني: “أنتوا يا العمانيين مالكم حل ؟”، يقول لي: “نحن ندعو مسرحيين على حساب المهرجان ولا نجدهم ولا يحضرون العروض”. لدينا شباب مُتعطش، ليس فقط المسرحي وإنّما الجمهور العريض الذي يحضر الأعمال.
– هدى حمد: بالنسبة لي وجدتُ حتى فكرة شباك التذاكر نجحت وكان الحضور غفيرا جدا، وهذا يعطي مُؤشر أنّ المسرح يمكن له أن يربح في عُمان؟
– حسين العلوي: ولكن هذا الجمهور يمكن أن نخسره، كما حدث في فترة التسعينات .
– آمنة الربيع: في بدايات التجريب تحديدا.
– هدى حمد: الجمهور أيضا، كما نلاحظ في مهرجان صلالة يذهب من أجل الفنان النجم، هل لدينا الفنان النجم ؟ اذهب لأن فخرية خميس في البطولة مثلا، أو لأن عبدالحكيم الصالحي بطل العمل.. الخ !
– حسين العلوي: هنالك من يذهب إلى مسرح محمد صبحي، أو مسرح نور الشريف.. هذا سلوك اجتماعي يحتم وجود نجم، ولكن هذا يصلح في الدراما أكثر بكثير مما يصلح في المسرح. بعض الدول تصنع هذا الشكل من النجوم من أجل التسويق.
– محمد الهنائي: أريد أن أؤكد على ما قلته سابقا حول أنّه لدينا تعطش للمسرح في عمان، وأريد أن أعود إلى الجملة التي قالها طاهر حول أنه تائه أو متخبط، في عام 2014 بدأتُ اشتغل على المسرح، رغم أني لم اشتغل في المدرسة ولا في الجامعة. وإنما في فرقة أهلية. أتفاجأ أن يطلب مني أن أكون واعيا، ولم يكن لديّ “آباء” أسير على خطاهم، هذا الوعي يكتسب ربما عن طريق المشاهدة والحضور والندوات،
على سبيل المثال أجد أن حسين العلوي يقرأ الآن لـ مايرهولد، لكني لم اقرأ بعد لتوفيق الحكيم، فيطرأ السؤال: من أين أبدأ ؟، هل أنا محتاج في عمر الثلاثين الآن عام 2016 أن أقرأ توفيق الحكيم حقا!
– هلال البادي: عرفتُ سعدالله ونوس في السنة الأولى من الجامعة. من مكتبة الجامعة. وأيضا طوال سنوات الدراسة لم نُعلم قصيدة واحدة لمحمود درويش واكتشفناه في مكتبة الجامعة. بينما درسنا ما هو أكثر رداءة فنيا في المدرسة لأغراض تربوية.. لماذا ؟ على الأقل كان يمكن للكتب المدرسية أن تُعطي المفاتيح الأولى لأسماء المسرحيين.
– حسين العلوي: دخلت الجامعة تخصص المسرح، ولم اكتشف المسرح الحقيقي إلا بعد أن خرجتُ من الجامعة وليس أثناء الدراسة. المفروض أن لا نبدأ من الصفر ، وإنما نكمل المسيرة لان ذلك سيأخذ منا وقتا طويلا، وسنقع في فخاخ كثيرة. هنالك عباقرة في المسرح أنتجوا فكرا ونصوصا ونظريات ينبغي أن يكون زادنا لتكملة التجربة.
الوضع الثقافي للمشتغلين بالمسرح ليس وفق الطموح، الفرق فيها العديد من الاعضاء ، ولكن ماذا لو سألنا عن معرفتهم بالمدارس المسرحية، معرفتهم ببناء الشخصية نفسيا واجتماعيا. كل همسة أو حركة على خشبة المسرح يُفترض أن يكون لها معنى. لا ينبغي أن تكون هنالك ثرثرة ولا حتى بالإيحاءات الجسدية. الشخصية لا تترك أثرا غير مرغوب أو غير مطلوب منها. وهذا لا يأتي إلا بالثقافة والتدريب والفهم . الموهوبة في عُمان متوفرة وجيدة ولديها امكانيات ولكنها لا تكفي. الموهوب يتلقى هذه العلوم والمفاهيم بصورة أسرع من الآخرين. وسيهضمها وسينتج علوما زائدة عليها . جريمة كبيرة أن نأخذ شخصا موهوبا ونلقى به على الخشبة بدون تدريب أو تعليم. 90 ٪ من المشتغلين هم خارج هذا الفهم الأساسي. وللأسف صاحب الفرقة لا يجلس مع الأعضاء إلا لأجل الحوار بشأن العروض. كان يمكن أن يكون هنالك حوار حول كتاب في المسرح أو “ثيم” معين.
– هدى حمد: دائما توجه أصابع الاتهام للمؤسسة أظن فيما يتعلق بالثقافة يمكن للفرد أن يشتغل عليها بنفسه لو كان لديه الشغف.. خصوصا في ظل توفر الكتب الالكترونية.
– محمد الهنائي: في دول أخرى المسألة تبدأ منذ المدرسة هنالك حصص تعليمية تُعلم المسرح.
– حسين العلوي: ينبغي أن يكون هنالك تثقيف للفريق، يبغي أن يكون هنالك “الدراماتور” مثلا، وهو الذي يحدد الخطوط العامة لعمل الفرقة .
– آمنة الربيع: في ظل عدم وجود معهد، والذي من المفترض أن تنضوي تحته كل هذه الادوار التثقيف والتوعية . سأفترض أن هذا الدور تقوم به الجمعية. تقوم بما تقوم به وزارة أو معهد .
فرقة في صلالة وأخرى في البريمي وثالثة في صحار .. الخ، لماذا لا يطلب منهم مرئياتهم لتطوير عمل المسرح، هذا التقسيم يُساعد على تخفيف العبء عن اكتافنا كمن يحمل صخرة سيزيف. أنا بصراحة لم أعد أؤمن بالمؤسسة الرسمية أنها يمكن أن تدعمني في أي شيء . لنكن واقعيين في المشرق العربي في مصر وفي الاردن دعم الدولة غير موجود لنكن واقعيين، الدعم يأتي من جمعيات وبنوك .
– طالب المعمري: هنالك مسارح تتبع الدولة، مثل مسرح محمد الخامس (المغرب)، وغيره وهذا يُسهل العمل المسرحي.
– طاهر الحراصي : وجود خشبة مسرح حقيقية يحل 75 % من مشاكل المسرح .
– آمنه الربيع : البحث عن مقر للجمعية لا يزال في الادعاء العام.
وبالعودة لموضوع الثقافة، فوجئت بممثل عُماني حصل على أكثر من جائزة، تفاجأتُ أنه صار حديثا بيننا، فاستشهدتُ بمسرحي يوناني. فقال لي عفوا من هذا فقلت له ضاحكة : “المكوجي تبعنا” .
– هلال البادي : لا توجد منهجية لزرع ثقافة بشكل عام وفي أي شيء وفي المسرح الموضوع معقد أكثر وأصعب، الكل يفكر بالظهور على الخشبة. لكن هنالك مخرج ومؤلف ومن يرسم الاضاءة ، هذه الأدوار ليست أقل كفاءة.
– حسين العلوي: لا يمكن أن نُعطي نصا إلى مصمم ديكور ويستطيع تقديم رؤية من اجواء النص للديكور. المخرج هو الذي يرسم الديكور والإضاءة. المخرج في عُمان سوبر مان وهذا ليس امتيازا بل خطأ. أيضا المسرحيون كم مرة شاهدتموهم يحضرون ندوة عن الشعر مثلا أو الرواية !المسرح أبو الفنون، ولن يكون المسرحي مسرحيا إلا إذا كان هاضما لكل الفنون. حتى الاكتشافات الأثرية التي نعرف من خلالها كيف كان يعيش الانسان كيف كان سلوكه وكيف كانت مشيته. اتذكر قاسم محمد رحمه الله. كان مغرم بفن في صحم فن “الباكي” قال: فيه بوادر الأداء التمثيلي المسرحي.
– محمد الهنائي: يوسف البحري المسرحي والصديق التونسي كان قد زارنا في عمان، وكنا أنا وهو نتمشى، ذهبنا الى السوق ، وشاهدنا خلافا بين شاب وبائع، فسألني : محمد أين أنت عن كل هذا ؟ هذا مسرح حقيقي.
– حسين العلوي: نحن منغمسون في داخلنا ولا نرى هذا الخارج. الوطن العربي استورد المسرح بشكله ومدارسه وابتعد عن الهوية . قضية التأصيل لا تعني أن أبحث عن وجود جذر للمسرح عربيا، التأصيل أن يكون العرض يُشبهني . هنالك عروض مسرحية لا تمت لعُمان بصلة. لا ملابس ولا لهجة !
مرة قدمنا عرضا كان من اشتراطه “تعمية” الزمان والمكان. يعني لا تلبس أزياء عُمانية ولا يتم الكلام باللهجة العُمانية. قدّمنا العرض وأوقف في نفس اليوم، عمل بعنوان: “دمدم” . المفارقة أنّ نصا آخر رفض لأنّه تمت تعمية الزمان والمكان فيه، لم نعد نعرف ماذا يريدون بالضبط!
– آمنة الربيع: سأبدأ من مهرجان المسرح العماني في البريمي 2013، شاهدتُ العروض وكانت هنالك نصوص لبدر الحمداني فيها جرأة من حيث الفكرة والطرح والتناول، السؤال الذي استوقفني والذي وجهته لوكيل وزارة التراث والثقافة للثقافة حمد بن هلال المعمري: “العروض التي قُدمت بها نسبة معقولة من الجرأة، فأين أنتم من الرقابة. قال لي: “لا ندري كيف نتعامل معكم، نريد أن نستقطبكم”.
– هلال البادي: بينما تمّ الغاء نصوص أخرى لذات الأسباب.
– آمنة الربيع قائلة: قلت له: كنتُ اكتب في هذا السياق وكانت نصوصي ترفض وتأتيني ملاحظات تستوجب الغاء كل العرض. نتمنى أن تستمر هذه المساحة والجرعة من الحرية. وكنتُ أقفُ إلى جوار صاحب السمو السيد هيثم فسألني : “هل أنتِ راضية الآن عن المسرح والحراك”. قلتُ له: “إلى حد ما”. فهل ما يحدث يُعطي مؤشرا على المساحة المتاحة. هل فعلا المؤسسة تريد أن تسمح وتسحب يدها من الموضوع أم أنّ القادم أسوأ والمؤسسة الرسمية تريد أن تستشرف قراءة ما ؟ ثم جاء مهرجان المسرح في نزوى فكانت مساحة الجرأة أشد وأقوى من ذي قبل.
– حسين العلوي: حتى الزائرون من المغرب تفاجأوا وقالوا ربما نحن لا نستطيع تقديم عروض بهذا المستوى من الجرأة.
– هدى حمد: هل تعني الجرأة غير الفنية، الجرأة التي لأجل الجرأة ؟
– حسين العلوي: لا .. كانت الجرأة الموظفة غالبا، والتي تحمل دلالات عميقة.
– هدى حمد: إذن أين المشكلة؟
– هلال البادي: المشكلة أن الأشياء أفرغت من معانيها. المسألة هي عملية فرجة ومغازلة للخارج والزائر القادم من الخارج. ليست رسالة المؤسسة داخلية . فعندما يكتب التقرير الإعلامي خارجيا سيقال: اوووه انظروا إلى عُمان التي قدمت أعمالا مسرحية خارج الإطار العربي حتى. في مهرجان نزوى مثلا مسرحية “العيد” رغم ان النص جميل، كانت هنالك أشياء يمكن أن تُعالج مسرحيا عوضا على أن تقدم بتلك الطريقة.
– آمنة الربيع: أنا في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة قدمتُ ورقة بحثية عن التجليات السياسية في مهرجان نزوى. دكتورة نوال بن ابراهيم كانت حاضرة في مهرجان نزوى، كانت شهادتها عن أن المسرح في عُمان وصل إلى درجة راقية جدا.. مما يعني أن الرسالة التي يريدها المسؤول وصلت حقا .
– محمد الهنائي: السؤال: أليست هذه المساحة المعطاة لصالح المسرح؟
– هلال البادي: مطلقا ليس من صالح المسرح أن تُجمل الحرية في أعين الآخرين.
– محمد الهنائي: لا أقصد ذلك، لكن ألم يستفد المسرح بغض النظر عمّا يدور في النوايا ؟
– هلال البادي: المشكلة أنّه يكال بمكيالين، أنت عندما تقدم النص لمهرجان المسرح العُماني يتم الموافقة دون رقابة زائدة، وعندما تُقدم لعرض خارج المهرجان يرفض! هذا ما نعترض عليه. مسؤول ومسرحي قال لي: “نحن أعطيناكم مساحة جيدة. نحن فتحنا المجال ولم نُصادر الفكر”. كنتُ قد قدمتُ مسرحية “ما حدث بعد ذلك” في مهرجان المسرح الرابع كما أذكر. مسرحيتي بالفعل تتضح فيها الأبعاد والاشارات السياسية. لكن خارج المهرجانات عندما تريد أن تُقدم عرضا جيدا للناس على المستوى المحلي أنت لا تستطيع ذلك .
– هدى حمد: واضح جدا، هنالك ازدواجية بين المرات التي يُطلب فيها “التعمية”، والمرات التي يقال لكم تمتعوا بمساحة مطلقة من الحرية.
– آمنة الربيع: في عام 96، كان مهرجان المسرح الخليجي في عُمان قدمنا مسرحية “الرهينة”. أنا وجاسم البطاشي. كانت على هامش المهرجان. كانت الدكتورة نهاد صليحة موجودة ضمن الضيوف، قلنا لها تكرما تعالي احضري هذا العرض لنا. فلما شاهدت العرض وشاهدت الجرأة في مشهد الاغتصاب قالت لي : هذا العرض لماذا لم يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان؟ ما شاهدناه في المهرجان لا يرقى إلى مستوى المشاهدة. كانت الوزارة قد أرسلت لنا ردا بحذف العديد من مشاهد المسرحية. فرفضنا الرضوخ لتلك الملاحظات، واصرينا بالمقابل على العرض وإن كان خارج العرض الرسمي. عندما دخلت نهاد صليحة لم يكن هنالك مقعدا للجلوس. كان الجميع وقوفا، فخلعت حذاءها وجلست على الارض فأسميتها بعد ذلك ممازحة “الناقدة الفلاحة”. ما بالكم بمسرحية “الرحى”، المسرحية التاريخية. كان هنالك حذف لبعض العبارات التي أشاروا إلى ذهابها “للعمق السياسي” .. ولا أدري أي عمق سياسي يقصدون !
– هلال البادي: لو قدمت مسرحية “الرحى” في مهرجان المسرح العُماني، كانت ستقبل رغم كل الملاحظات حولها. لان التوجه الرسمي يذهب إليها الآن.
– حسين العلوي: مؤسسة الرقابة تعمل بطريقة لا يمكن لأحد فهمها . النص الأول “دمدم” كان فيه اشتراطات كثيرة، وحضر مسؤول كبير، حضر وقرأ قراءة خاصة به غير موجودة أصلا في النص . بعدها رسلنا نص “العراف” ورفض تماما . بعدها تجربة “ما حدث بعد ذلك” لهلال البادي، والتي فيها ما يوازي العرضين السابقين من جرأة، ولكن لم تأت أي ملاحظة عليه. تعرفون لماذا؟ لأنه كان ضمن مهرجان، بينما العرضان السابقان كانا خارج المهرجان. سقف المهرجان أعلى، في مهرجان نزوى أظن أنه لم يُرفض أي عرض من العروض المتقدمة. أنا دخلت في لجان أيضا، ولاحظتُ أنهم يختاروا الضيوف بحسب أهداف واضحة، هذا الاسم على رأس مؤسسة في بلده، سيكتب، وسيسوق..الخ
– محمد الهنائي: أنا من وجهة نظري هذه الحسبة مشروعة، وتفيد المسرح ولا تضره.
– حسين العلوي: نعم مشروعة ولكنها مجحفة في آن.
– محمد الهنائي: أنا قريب من تجربة المسرح السياسي، وكما نعرف هو فن صعب، أصعب عمل بالنسبة لي كان مسرحية الميلودراما “الحيالة” ومرت المسرحية بدون أي توجيه.
– هلال البادي: لدي رد عليك، حصل هذا لأنّها عرضت في جامعة السلطان قابوس. الجامعة لديها وضعية مختلفة وينبغي أن تقرأ الموافقة ضمن السياق العام .
– محمد الهنائي: ولماذا منع عرض مصطفى العلوي، العرض سياسي الآخر؟.
– هلال البادي: عرضت في الجامعة مسرحية مصطفى العلوي “صراخ القضبان!! ”
– محمد الهنائي: في مسرحية “قرن الجارية” على سبيل المثال تواصل معنا الدكتور عبدالكريم جواد لأجل تغيير كلمة “تنظيم”، فتواصلتُ معه قلت له: هل هذا أمر أو اقتراح، فقال لي: اقتراح. فأقنعته واقتنع بوجهة نظري. فهذا ما يجعلني أرى الأمور من زاوية أخرى. في مسرحية “السيل” كان هنالك ما يستوقفهم، وتمكنا بعد الحوار من حل الخلاف.
– هدى حمد: لماذا لا نقول إنّه تغير للأفضل ؟
– هلال البادي: هذا ما يسمى بازدواجية في المعايير . الجامعة منذ 96، لديها وضعية خاصة بمعنى أنه لم تتدخل وزارة التراث والثقافة في تقييم النصوص. علينا أن نعود إلى السياقات التاريخية في النظر للأشياء . لماذا زادت جرعة الحرية من بعد 2011 ، وارتباط ذلك بتصدير الصورة للخارج، بينما أنت في الداخل محتكر بين قوسين.
– حسين العلوي : هنالك لعبة ذكية، أنت في الداخل، ليس فقط بالرقيب يسيطر على اشتغالك، أنت مسيطر عليك بانخفاض الدعم، فبدلا من أن يتمكن 50 عرضا من التقدم سنويا يتقدم 3 فقط .
– طاهر الحراصي: هل الرقابة ضرورة أولا، كما يبدو معاييرها فضفاضة وتفسيراتها تعتمد على الأشخاص أكثر من اعتمادها على المعايير الواضحة؟
– هدى حمد : والسؤال الأهم من هو الموظف القادر على لعب دور الرقيب ؟
– طاهر الحراصي: كيف يمكن أن تتحول عملية الرقابة من أمزجة أشخاص إلى أدوات وإمكانيات واضحة. في نص جريء لمالك المسلماني بعنوان “حارة البخت”، أجيز هذا النص رغم موضوعه الحساس ضمن في عرض جماهيري . أنا لا اتفق معكم مسألة الرقابة لم تقل بسبب المهرجان وتصدير الصورة للخارج، أنا أظن بوجود أسباب أخرى.
– هدى حمد : أنتم تجدون الأمر إيجابيا، حتى وإن كانت المؤسسة تغازل تلميع صورتها خارجيا؟
– آمنة الربيع: شاءت الدولة أم أبت هي لن تصمد أمام الحراك القادم.
– طالب المعمري: هنالك شركات تعمل وراء مسرح الشارع ، أين هو مسرح الشارع في عُمان؟
– حسين العلوي : التركيبة الاجتماعية والطقس لا يساعدان على ظهور مسرح الشباب. الطقس في أوروبا مختلف، فأمام أي ناصية ممكن عمل مسرح. المسرح اختار شكله والناس تحب مسرح العُلبة. لا يمكن أن تشاهد عرضا وأنت متململ وتشاهد تلفونك أو تحت طقس حار!
– آمنة الربيع: هذا التقطيع اقطاعي للمسرح. المسرح في اليونان حدث في الكنائس والأسواق والشوارع.
– حسين العلوي: هذا الخروج تغذيه الحياة ووحي الطبيعة، هذا الخروج ضمن سياق البيئة و تقبل المجتمع .
– محمد الهنائي: لو نقلت مسرح الشارع إلى المول مثلا .. ألن يكون مسرحا ؟
– حسين العلوي: لماذا سمي مسرح الشارع لأنّه رفض مسرح العلبة وأراد أن ينطلق للحياة. ولكن أوروبا لا تستطيع التخلص من مسرح العُلبة، رغم أن مسرح العلبة قديم منذ أيام المسرح الإيطالي. الستارة والخشبة. هنالك فنون كثيرة ظهرت، لماذا وصلت هذه ولم تصل تلك، مسرح الشارع لن يكون هو عندما يُقدم في المول.
– محمد الهنائي: عندما تستضيف قطر كأس العالم في مكان مُكيف، هل يعني ذلك أنه ليس هو كأس العالم. المسرح هو أيضا المسرح .
– حسين العلوي: هذا مثال خاطئ. لا تخلط القوالب والأشكال مع الممارسات. مسرح الشارع ينبغي أن يحقق مفهوم مسرح الشارع .
– هدى حمد: هذه قضية هامشية بعض الشيء، لننتقل إلى هذا السؤال: هل عوضت جماعة المسرح غياب قسم المسرح الأكاديمي؟
– هلال البادي: المسرح الاكاديمي ليس هدفه تقديم العروض المسرحية. وإنما تخريج أشخاص لديهم ثقافة مسرحية وعلم بالمسرح. الإلمام بتاريخ المسرح. يقدمون عروضا في اطار التخرج، لا تُفيد الطلبة وحسب وإنما جماعة المسرح أيضا، حتى الذين لم يكن لديهم وافر من الحظ لدراسة المسرح، كانت لديهم فرص لمشاهدة العروض وتجارب الديكور والأداء.
– حسين العلوي: كنا نتدرب على تغيير الديكور في 30 ثانية فقط، نحول ديكور قصر إلى سوق مثلا ، وكان الطلبة يسألون بتعجب كيف تفعلون هذا. بروفات لعدة أشهر، لنتعلم تغيير الديكور، ويقف وراء هذا دكتور مُتخصص.
– هلال البادي: في مهرجان المسرح الخليجي عندما قدمت الكويت مسرحية وضح البعد الأكاديمي في طريقة الأداء بخلاف كل العروض الأخرى. لأنّ لديهم مسرح حقيقي. نأتي لجماعة المسرح التي تشكلت عام 90، كان لها أهداف مختلفة عن قسم المسرح، وقد استفادت بطبيعة الحال من وجود المسرح، جماعة طلابية ولكن الدور الذي قامت به بوجود قسم المسرح آنذاك كان دورا حيويا .
– حسين العلوي: كان هنالك تعاون كبير بين جماعة المسرح وقسم المسرح، قد يطلبون ممثلين أو مخرج. أحيانا القسم يُقدم عرضا باسم جماعة المسرح. الأكثرية كانوا من أقسام وتخصصات مختلفة.
– هدى حمد: وأين هؤلاء الآن .. لماذا لا توجد خبرات متراكمة في مجال المسرح ؟
– طاهر الحراصي: المتفحص لمهرجان المسرح العماني في الدورات الاخيرة منذ 2009 ، نجد أنّ الأكثر حضورا وتنظيما كانوا من جماعة المسرح.
– حسين العلوي: الرقابة أحيانا تكون غير موجودة ولكنها تمرر مجساتها إلينا، فنجلس على سبيل المثال أنا وصديق مثلا، نجلس ونتكهن ماذا سيمر من مشرط الرقيب وماذا لن يمر!
قسم المسرح استمر على مدى عشر سنوات، أرجو أن تقوموا بإحصاء عدد من استمروا في تقديم عمل مسرحي من القسم الأكاديمي للفنون المسرحية، ستجدون أنهم لا يتعدون الخمسة.
أضف إلى ذلك.. هنالك متطلب مهم في كل المسارح في العالم والعالم العربي اسمه الأداء الحركي، وهو ملغي لدينا نظرا لأنه لدينا بنات وأولادا. واختلاط !.
هاني مطاوع عندما أسس القسم صاغه على مقاساته وبمجرد أنه ذهب، استمر لفترة بسيطة ثم أغلق .
كانت كل دفعة تضم ما يربو على الخمسين طالب، ثم ظهرت مشكلة ربط التعليم بسوق العمل. فإذا لم يكن هنالك سوق للمسرح فينبغي إيقاف المسرح. هذا الكلام لا يدخل العقل. سوق العمل أمر آخر. أنا كمؤسسة تعليمية دوري أن أعلمك وأجهزك. بعض الخريجين اشتغلوا كمشرفي نشاط مسرحي في المحافظات، ولكنهم غالبا لم يتركوا أثرا يذكر!
– هلال البادي: كان يعول عليهم على الأقل أن يزرعوا البذرة المسرحية في تلك المحافظات. وهذا مالم يحدث للأسف. النتاج المسرحي الذي خرج على يدي جماعة المسرح أفضل بكثير مما أنتجه القسم الأكاديمي. في الاستمرارية والانتاجية أفضل بكثير.
– هدى حمد : هل هنالك تأثير سلبي للخطاب الديني على نشاط المسرح؟
– حسين العلوي : الخطاب الديني موجود ومعتدل . وممثلات عمان يغذين مسارح الخليج بأكمله في البحرين والكويت والامارات في المسرح والدراما. الخطاب الديني لا يؤثر كما يفعل الخطاب المجتمعي والقبلي .
– هدى حمد: أنت تقول المرأة تُغذي مسارح الخليج، ولكن لا ينعكس ذلك داخليا كما يبدو؟
– حسين العلوي: طبعا.. كم ستأخذ عن دورها في مسرح خليجي، ما يقارب من 5000 ريال، ما هي امكانياتي كمخرج محلي لأعطيها!!.
– محمد الهنائي: قد تكون هذه المرأة لا تزال طالبة في المسرح وما أجملها وأجمل أدائها، ولكن ما أن تتخرج وتتزوج وتنتقل لوكالة الزوج حتى تتغير . أحيانا الدور في العرض يتطلب النوم، أو التلامس ، فندخل في قصص من قبيل “عيب وفضيحة”، فنضطر أحيانا لأن نلوي عنق النص للتحايل على هذه التفاصيل.
-آمنه ربيع: بغض النظر .. أنا سعيدة لأن المرأة موجودة ولأنّها تقاوم وفاعلة وإلا سنعود إلى الجاهلية، فنحن نبدو كقطاع طرق كل واحد منا يريد أن يختطف طوق نجاته. في المسرح الذي قدمناه أنا وجاسم البطاشي والذي شاهدته في نزوى مؤخرا، كانت المرأة موجودة وتؤدي دورها وتتحدى سلطة العائلة الأب والزوج والأخ الموجود على مقاعد الجمهور. وجود المرأة لا خلاف عليه. تواصل معي مؤخرا مخرج مسرحي وطلب نصا بدون نساء. قلت له: أنا مصرة أن يكون في العرض نساء.
– طاهر الحراصي: المرأة وجودها صعب جدا في أي عرض، لأنّها مُتطلبة للغاية وحساسيتها عالية وقد تحتاج خدمات كثيرة، وينبغي أن نراعي أن وقتها ليس لها.
حسين العلوي: عندما أقرأ نص لهلال البادي وأجد ثلاث نساء لا أكمل القراءة وأبحث عن غيره.
– آمنة الربيع : المرأة المتدللة، لا مكان لها على الخشبة. عندما ذهبت إحدى الطالبات إلى ستانيسلافسكي تريد أن تمثل في المسرح، قال لها: اذهبي وكوني غانية فذهبت وعادت . فقال لها: اذهبي وكوني راقصة. بمعنى أنّه ينبغي أن تخوضي التجربة وأن تذهبي إلى الشارع وتعيشي حيوات مُتعددة. المرأة جسد على المسرح.
– هلال البادي : هذه الأزمة من وجهة نظري لا ترتبط بالمرأة وحسب حتى الرجل الذي يُمثل احيانا لا يكون مستعدا لامتلاك اللياقة الكافية على الخشبة.
– طاهر الحراصي: أحيانا الرجل هو الذي يرفض لمس المرأة والتحرك الجسدي ويشعر بصعوبة هائلة حتى وإن كانت المرأة تقبل.
– حسين العلوي: المسرح فيه خدع كثيرة وفيه أساليب للتحايل .
– هدى حمد: لننتقل الآن للحديث عن حركة النقد
– امنة ربيع : عندما نُفاخر بالمشاركات والعروض والجهور في المهرجانات، نجد أنّ النقد غائب واشتغالاتنا غير مُتكافئة. الهاجس بوجود مشروع نقدي غير موجود.
– هلال البادي: الدراسة النقدية في عُمان وللمصداقية لا يظهر فيها سوى جهود الدكتورة آمنة الربيع. أما الأكاديميون والذين ينبغي أن يكون المسرح ضمن اهتماماتهم فهم مصابون بالكسل.
– حسين العلوي : المسألة ثقافية أيضا. الناقد حاله حال المشتغلين بالمسرح لا يملك الثقافة الكافية ولا الأدوات الكافية. النقد ليس هو الخبر الذي يكتب في الصحف. وإنما تحليل النص واسقاطاته ثم العرض. استقصاء عميق لدلالات العرض. النقد جدا مهم لأنه يجعلني أنا المشتغل في الصورة ويثقف الهاوي الجديد. عندما أقرأ ما يكتب في الغرب من نقد استفيد بدرجة أقل لأني أريد من يستقرئ عملي المحلي.
مثلا: أريد أن أجد إجابة على هذا السؤال: ما هي الشرارة الأولى التي جعلت المسرح العُماني يبدأ؟ فوجدت أن آمنة الربيع المسرح بدأ في ظفار ثم انتقل إلى مسقط وهنا تكمن أهمية البحث. ينبغي أن تستمر هذه القراءات المهمة.
– هدى حمد: يبدو أنّ محاورنا انتهت عند هذا الحد، لنقل شيئا أخيرا لإغلاق الجلسة ؟
– عبدالغفور أحمد: في العراق، عندما كنت أدرس، كان كل طلبة المعهد هدفهم أن يتدربوا ويشاركوا حتى يتم اختيارهم كأعضاء في الفرقة القومية، كما يتنافس عليها خريجو الفنون الجميلة، ويسمى في بطاقته الشخصية الوظيفة مُمثل، ويحترم لأنه كذلك. المسرح العُماني بحاجة إلى رعاية متكاملة، ما الضير أن يكون لدينا فرقة رسمية وطنية، وليس مُهما المسمى، لا داعي لأن نقول “قومية”. فرقة محترفة ترعاها الدولة وتجلب لها الخبرة العالمية. يوظفون الشباب، ويدربونهم ويعلمونهم وتكون لهم وظيفة ثابتة في هذا المسرح.. و تكون هنالك مواسم مسرحية على مدار العام، إلى جوار عمل الفرق الموازي. حيث يغدو الانضمام للفرقة الرسمية هذه حلم كل شاب مُحب للمسرح.
– حسين العلوي: المسرح من وجهة نظري سيستمر وسيبقى ما دامت الجهود تبذل بإخلاص. ربما ترسمُ خارطة جديدة للمسرح. تحدث الآن عدوى بين المسرحيين، ولكن المسرح سيرتب نفسه مع الوقت وسينظم نفسه. والمؤسسة الرسمية ستتغير هي الأخرى من الداخل. وقد يكون هنالك تدخل خارجي لإلغاء الرقابة الصارمة.
– آمنة الربيع : أو ربما ستنقرض .
– محمد الهنائي: أنا جدا مؤمن بالشباب وبإمكانياتهم. المسرح ليس ما أشاهده في تلك الساعتين . أنا على سبيل المثال لكي أفهم نص آمنة الربيع الذي بين يدي الآن ، عليّ أن أقرأ تحليلا لنص «لماذا تركت الحصان وحيدا، اقرأ سورة يوسف لكي أفهم الاشارات في نصها. الاشارات ليست سهلة في النص ولا يمكن في كل مرة أن أسأل الكاتب ماذا تريد أن تقول، وقفنا أمام كلمة “أمثولة الراعي” مثلا. المسألة حلقة متلاحمة من النص إلى الأداء والاخراج إلى الجمهور إلى النقد.
– حسين العلوي: أحيانا المخرج يلغي جملة تهد بناء النص، وليس لديه علم بذلك. وهنا ثقافة المخرج مُهمة للغاية. ممكن كمخرج أن اختصر ولكن لا أهدم.
– طاهر الحراصي: العقبات والحواجز باقية وستتطور وتتعقد مع تطور المسرح. في مرحلة ما علينا أن نكف عن التذمر من العقبات ونتعلم كيفية التعامل معها.
– هدى حمد: جيلك الجديد يا طاهر الحراصي هل يختزن مثل هذه الإيجابية حقا؟
– طاهر الحراصي: هو جيل متخبط بعض الشيء إلا أنه مُتفائل.
– آمنة الربيع: أنا متفائلة بالشباب، والمسرح سيستمر والنظريات ستتراجع والمسرح سيشكل موقفه الخاص، سنكتشف نظريات جديدة .نحن في المسرح نقدم كل ما قدمه بريخت والنظريتين الأساسيتين اللتين كانتا من عند أرسطو، والمسرح الملحمي من عند بريخت، الآن الاشتغالات كلها ما بعد درامية، ما يُسمى بمسرح الشارع، مسرح ما تحت الدرج. المسرح البصري، كل هذه الفنون. الواقع ينتج مفرداته ومسرحه وينتج المتلقي الخاص به، دمج الفنون مع بعضها البعض. إن لم استطع التعاطي مع المسرح الكلاسيكي فالعيب ليس فيه وإنما فيّ أنا كمتلقي.
– هدى حمد: آمنة الربيع، في سياق حضورك للفعاليات هل المسرح العُماني أقل من غيره ووضعه أسوأ من الواقع العربي أو الخليجي؟
– آمنه ربيع: لالا … على العكس تماما، هنالك سؤال دائم من الآخرين: لماذا هذا المسرح لا يُشارك ولا يُقدم نفسه. التجربة العُمانية فيها كفاءات حضور ومشاركة وقوة على الخشبة. كل هذا بدون دعم حقيقي من المؤسسة. هم يخجلون لأن المسرح العُماني رغم كل هذا لم يحقق المكانة الملائمة. يبقى هنا العنصر السياسي الذي لا تؤديه الدولة. الحراك السياسي العُماني ينسحب على كل شيء ويتم الاسقاط على أساسه.
– حسين العلوي: الآخرون يبحثون عن المقدمة والتلميع والحضور ويعملون عليه بجدية .
– آمنة الربيع: في مهرجان المسرح التجريبي تمّ قبول دولة خليجية واحدة فقط وهي الإمارات .. لماذا؟
– هلال البادي: لحسبة سياسية.
– آمنة الربيع: بالفعل، وقد قدموا عرضين أحدهما بسيط، والآخر بالنسبة لي كان مميزا لمحمد العامري . اشتغالات مهمة جدا، حمل عنوان: “تحولات حالات الأحياء والأشياء”.
– محمد الهنائي: المسرح الخليجي أغلب اشتغاله شعبي، المسرح العُماني أغلبه تجريبي.
– آمنة الربيع: المسرح العُماني بدأ خطوة بخطوة، قدم التقليدي والكلاسيكي قدر ما استطاع، قدّم صورة المرأة العمانية، قدّم أحيانا صورا نمطية أثرت سلبا في بعض الأحيان على الدراما. هذه البدايات تراكمت حتى وصلنا إلى التجريد. الفجوة التي حصلت كانت في منتصف التسعينيات. ونحن ندفع ثمن تلك الانتقالة، ونحن الآن في مرحلة انتقالية أصعب من فترة التسعينيات. هذا ما تفرزه النصوص، وليس كلام صحف عابر.
– حسين العلوي: معظم النصوص في مهرجان نزوى كان لها “ثيم” متقارب.. مثل الحرية والمرأة. مثلا قضية “داعش” كانت حاضرة في عروض مهرجان نزوى، رغم أن هذه ليست قضية عُمانية ملحة.
– آمنة الربيع: لا تزال ثقافتنا في المجتمع ثقافة سياسية وريعية وتقاوم الغريب ولا تستقبله بسهولة.
– هلال البادي: أتمنى أن تكون هنالك حركة من الطرفين، الطرف المجتمعي والطرف المؤسساتي. أن تُرعى الثقافة وتصنع عبر الأجيال وعبر التربية وعبر الاشتغال. و عبر المؤسسات التعليمية، وايجاد أرضيات حقيقية. هنالك حدثان اقتصاديان مهمان، مطار مسقط يستقبل الطيران السريلانكي وفي نفس التوقيت الطيران البريطاني يصل لأول مرة وبشكل مباشر بين مسقط و هيثرو. هذه الاحداث الاقتصادية لها دلالات. عُمان ليست الجغرافيا المعزولة، وهذا يحيلنا إلى ضرورة وجود بنية جيدة في المواصلات وفي المؤسسات الثقافية والسياحية. المسألة كتلة مترابطة مع بعضها البعض. لو اهتممنا بالثقافة على اعتبار أنها غير منعزلة عن الاقتصاد غير منعزلة عن السياسة والتربية وحركة التاريخ يمكن نصنع لحظة تاريخية خاصة لنا كجيل وللأجيال المقبلة وحضارة حقيقية وليست مُعلبة كما نشاهدها الآن مُفرغة من كل معانيها، ومن حقيقتها، فنحن للأسف نعتني بالشكل على حساب المضمون، ابتداء من الاقتصاد وليس انتهاء إلى الثقافة.
أعدت الندوة وقدمتها : هدى حمد