مثلما هو في بقية أجزاء الوطن العربي فإن الابداع النسائي كظاهرة شاملة ومتعددة الجوانب والا تجافات يعتبر شيئا جديدا. فالمرأة المبدعة كانت عبر التاريخ العالمي والعربي استثناءات، أما اليوم فإن تجليات الابداع لدى المرأة أصبحت ظاهرة واضحة لأننا نجد في كل بلد عربي ومن بينها دول الخليج مساهمة مؤثرة من المرأة في مجالات الشعر والقصة والرواية ومعها في الفن التشكيلي والمسرح والسينما ( تأليفا وتمثيلا واخراجا)، ورغم اعتبار منطقة الخليج منطقة غير ذات تأثير مركزي في الثقافة العربية مثل بعض العواصم الكبرى الا أن الأدب النسائي الخليجي ( في كل تجلياته ) لم يتخلف كثيرا عن ابداع النساء العربيات في المناطق الأخرى، فاذا كانت ظاهرة الابدا ع النسائية ( عربيا) بدأت مع الأربعينات والخمسينات ( بغض النظر عن الاستثناءات ) فإن المرأة الخليجية بدأ ابداعها في الستينات تقريبا بشكل متواتر وهناك أسماء خليجية كثيرة شقت طريقها منذ ذلك الوقت.
وأعتقد أن الحياة الاجتماعية في الخليج التي اتسعت آفاقها مع بداية ظهور النفط أتاح للمرأة عموما (في مناطق بشكل أكبر. وفي مناطق أخرى بشكل أقل ) مشاركة حياتية أعمق في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما كيف توفق المرأة الكاتبة بين عالم الكتابة وواقعها الحياتي فذلك ظرف خاص ينطبق عموما على خاصية الكتابة والابداع عند المرأة العربية، أو ليس الخليجية بشكل خاص.. هذه المرأة (عربيا) التي لا تزال ترزح تحت أعباء التوفيق بين نجاحها كامرأة عادية ونجاحها كمبدعة خصوصا في ظل الشرط الموضوعي (عربيا) والذي لا يزال يعتبر المرأة هي المسؤول الأول عن كيان الأسرة ولا يزال يوظف فيها قيمة المواهب المطبخية والفندقية وتربية الأطفال كأهم المواهب.. وهذا المجتمع العربي إن لم يقل مباشرة بأبعاد المرأة عن الابداع إلا أنه بأعرافه وقيمه وتقاليده وقوانينه لا يعطي المرأة ما يعطي الرجل من امكانيات التفرغ الضروري لعملية الثقافة والابداع وبالتالي فإن نجاح المرأة الخليجية في التوفيق بين تشعبات حياتها لا يختلف عن آفاق نجاح أو فشل المرأة العربية في القضية ذاتها وأيضا المرأة في أجزاء كثيرة أخرى من الجغرافيا العالمية.
لا أعتقد أن للطفرة النفطية في الخليج أثرا (جذريا) على مرحلة النضج الابداعي عند المرأة الكاتبة الا بقدر اتاحته لفرصة خروجها ومشاركتها المهنية والاقتصادية والاجتماعية. والعقد الذكورية التي تحيط بالمرأة العربية كمبدعة وكأنثى لم يتم تجاوزها سريعا في العواصم الكبرى رغم تمتعها – أي تلك العواصم _ بحالة المجتمع المدني الناضج منذ وقت طويل وقبل منطقة الخليج عموما.
إن ظاهره خروج المرأة فى الخليج ومساهمتها فى الابداع جاء مرافقا
لاختمارات عديدة أصابت الحياة العربية بشكل عام.. فالعمر الجديد الذي فيشه وانفتاحه على بعضه عبر التكنولوجيا ووسائل الاتصال والاعلام في العالم أسهم كثيرا في انتشار الحركة الابداعية العربية وبالتالي الخليجية كجزء منها، ولو كان النفط قد جاء الى الخليج في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر وسط الظروف العالمية أنذاك لما كانت نتائج ظهوره واكتشافه مماثللة لنتائج ظهوره في القرن العشرين. أعتقد أن القرن العشرين يعتبر طفرة انسانية وحضارية عامة _ كثفت قرونا من التطور السابق والبطيء، وذلك ما أثر على الحياة الاجتماعية والفكرية في العالم طه ومن بينه بالضرورة الوطن العربي بكل أجزائه.
إن الابداع الخليجي رغم أنه بدأ متأخرا كإبداع يشمل خصوصيات الجدة والحداثة الا أنه لم يمر بمراحل التطور البطيئة التي مر بها الابداع في العالم وفي البلاد العربية الأخرى. والمرأة الخليجية المبدعة لم تتخلف زمنيا بشكل كبير عن المبدع الخليجي.. وفي دول خليجية عديدة بدأ الكثيرون – كتابا وكاتبات – يمارسون الابداع من خلال آخر تطورات النظريات الفنية والاسلوبية الابداعية العربية والعالمية منذ الستينات، ولهذا فإن النفط كان مؤثرا بالطبع ولكن تأثيره كان أكثر وضوحا وعمقا بسبب ترادفه مع التطور التكنولوجي والمعرفي العالمي وسهولة الاتصال بثقافات العالم كلها خصوصا مع بداية انتشار التعليم والتي , جاءت في مناطق مكر البحرين والكويت مع بدايات هذا القرن. إن الكاتبة الخليجية تجاوزت الكثير في كتابتها رغم احتياجها الحقيقي في أن يرافق تجاوزها هذا مد فكري واعلامي علمي يراجع فيه صورة المرأة المشوهة في التراث والأساطير والحكايات الشعبية العربية والعالمية وحتى فيما يطرح في السينما العربية.
هناك حاليا عدد كبير من الأقلام النسائية الخليجية التي لا تقل إبداعا عن نتاج المرأة العربية ابداعيا، ولعل تميزها أحيانا في بعض مناطق الكتابة القصصية والشعرية عن كاتبات عربيات أخريات من نفس الجيل يرجع ال أن الكتابة بالنسبة للمرأة الخليجية أكثر من غيرها هو معادل حقيقي لتحقيق الذات التي تأخر تحققها عن تحقق الذات النسائية في مناطق عربية أخرى… إن الكتابة تعطي إمكانية البديل والتعويض للتحقق الذاتي المتأخر في مجتمعات تعاني كثيرا من عوامل التخلف والجهل ووسائل الردع المختلفة وهي في عمومها كتابات كانت تدور في بداياتها حول احباطات الاستلاب الذاتي وتدرجت حتى بدأ الانفتاح الأوسع على أفق رحبة أخرى خارج تلك الذات الملجومة بفعل التراكم النفسي والاجتماعي، إن هناك محاولة أخرى لتجاوز التجاهل المفروض حولها ولو أنه تجاهل غير واضح المعالم لأن المجتمع الخليجي في أكثر أجزائه يحتفي بشكل طبيعي بكتابات المرأة الخليجية رغم أن ظروفا خاصة تستدعي البعض منهن للكتابة بأسماء مستعارة لكأن جورج صانا تكرر وجودها في الخليج ولكن ليس بتذكير الاسم هنا وانما بأسماء رمزية في أغلبها أسماء نسائية.
إن ابداع المرأة الخليجية يجعل منها رافدا هاما للابداع النسائي العربي والابداع العربي بشكل عام وعدم بروزها الى الآن الى السطح الثقافي العربي كما يليق بها وبإبداعها خاضع الى النظرة الثقافية العربية في بعض المراكز الثقافية الهامة على أن الخليج ليس به ابداع وكأن عدم
معرفتهم بالخارطة الثقافية الخليجية يعني عدم وجودها وبالتالي فإن الاعلام يلعب هنا دورا هاما وأنا أقول ذلك لأني من خلال ما شهدته من مؤتمرات ثقافية حول ابداع المرأة كان يتضح حجم الجهل بالأسماء النسائية الخليجية وعدم معرفتهم بها وكان الحديث دائما يجر الى ردود فعل مصابة بالكثير من الدهشة حين يعرفون أن المرأة الخليجية لا تعيش في خيمة وتربط أمام باب خيمتها جملا: فكيف أن يتضح الأمر بأن هناك أقلاما نسائية ناضجة في مجالات الابداع والصحافة والمشاركة الاجتماعية وأعتقد أن هذه الدهشة ستظل ملازمة لكل الابداع الخليجي المعاصرر (مبدعين ومبدعات ) إذا رأى هذا الابداع الانتشار الذي يستحقه ولو أن ذلك بدأ يحدث في الآونة الأخيرة فهناك أسماء ابداعية خليجية (نسائية ورجالية ) فرضت وجودها على الساحة الثقافية العربية..
ولعل ما ينقص أيضا إبداع المرأة في الخليج هو عدم المتابعة النقدية الرصينة لظواهر وتجليات ابداعها في القصة والشعر والرواية رغم أنه ومن خلال متابعتي للنتاج النسوي العربي فإني أعتقد أن شاعرات وقاصات من الخليج لا يقل مستوى نتاجهن بشيء عن الكتابة النسائية العربية إن لم تتميز أحيانا بنكهة خاصة وبهموم ابداعية أوضح.
هناك أسماء خليجية عديدة في الكتابة الابداعية أصبحت تشكل تراكما كما وكيفية في مجال العطاء الابداعي العربي نسويا رغم عدم انتشارهن عربيا مثل الكاتبات الأخريات في المناطق الأخرى.
إن أسماء تسقط عن نفسها رداء البدايات عديدة، فهناك في البحرين
الشاعرة حمدة خميس وفوزية السندي والقاصة منيرة الفاضل وكاتبة هذه الصفحات في القصة والرواية وايمان أسيري في الشعر وفي الكويت ليلى العثمان وفوزية الشويش وغيرهما وفي السعودية فوزية أبو خالد وخديجة العمري وغيرهما وفي الامارات سلمى مطر ومريم جمعة وميسون صقر وظبية خميس وفي قطر كلثم جبر الى جانب تفتح أسماء أخرى من الجيل الذي يلي هذا الجيل في كل المجالات.
إن نظرة منصفة لما تكتبه المرأة في الخليج يسقط الضوء على خصوصيات كتابتها ويفتح المجال أمام دراسات جادة تتناول ابداعها لتربطها ربطا حقيقيا بالواقع الذي انتج مثل تلك الكتابات ويجعل معرفتنا بالمرأة الخليجية معرفة أعمق كذات وككينونة لايزال أيضا الالتباس يلف وجودها وابداعها وتحققها الفكري.
رغم أن عمر الحركة الأدبية الحديثة في البحرين قصير بوجه عام وبكل أشكالها الأدبية حيث بدأت في الستينات الا أن طرح الرواية جاء سريعا وهذا نتاج حركة التطور الاجتماعي والاقتصادي التي حصلت وبشكل سريع في العقود الأخيرة. وذلك أن الوضع الاقتصادي عكس نتائجه على الوضع الاجتماعي والثقافي وارتبط بحركة التطور في شموليتها. هذه المتغيرات أدت ال البحث عن نوع فني أكثر اتساعا يشير ويؤرخ لهذه المتغيرات والرواية في محصلتها هي فن رصد حركة الواقع واعادة صياغته.
بالنسبة لي : مرت فترة طويلة دون أن أتمكن من كتابة أي شيء في هذه الفترة كنت أشعر بضغط كبير، وأفكاري تنمو باتجاه البحث عن شكل أكثر استيعابا ورحابة عما يرهصني.مرة شعرت بأنني بحاجة للتعبير عن حدث معين، عن شخصيات معينة، عن سمات نفسية لدى بعض الأشخاص، كنت أريد أن أعبر دفعة واحدة عن جميع هذا القلق. وكانت القصة القصيرة وعاء ضيقا بالنسبة لاتساع الفكرة وعدد الشخوص الذين صاروا يلحون على وجداني، أعتقد أن هذا سبب جيد للتحول الى الرواية.
وأعتقد أن أمام كاتب الرواية طريقين لابد أن يسلكهما في الابداع الروائي: أولا أن تكون لديه رؤية للصراع الدائر في الحياة وأن يكون له موقف من هذا الصراع. ثانيا أن تكون لديه القدرة الفنية على تجسيد هذه الرؤية في الرواية ورحابة أكبر لنمو الفكرة حيث تمنح الكتب حرية إدارة الصراع ورسم الشخوص والحدث والمؤثر الزمني. إن زمن الحدث ~ في الرواية أكثر كثافة وكل شخصية في الرواية لها عالمها الخاص وهي بذلك تكثيف لعوالم مختلفة ومن أجل أن ينقل نبض الحياة يجب أن يعبر عن كل شخصية بطريتقها وأفكارها، وهذا يتطلب منه أن يمسك كل الخيوط بشكل محكم بحيث لا تفلت شخصية وتطفى على شخصية أخرى، أو تطفى فكرة على فكرة أخرى. وعليه يجب أن تكون لدى الكاتب قدرة على تنويع الأسلوب. إن زحمة العوالم المختلفة تخلق صعوبة الرواية. كما أن الرواية تجسيد لفكرة ومعاناة مكثفة يجب أن يوصلها الكاتب. وشخوصها على تعدد ألوانها وأفكارها يجب أن تصب ضمن الرؤية الشاملة لدى الكاتب.
إن العمل الروائي مزج بين الوعي والتلقائية. في روايتي الأول (الحصار) كنت قد رسمت ذهنيا لوجود بعض الشخوص ولكنها ألغيت أثناء العمل. لم تجد لها مكانا في الحدث. وتوالدت شخصيات أخرى لم أكن قد رسمت وجودها. صار الحدث والصراع يخلق شخوصه ويتحدث على لسانهم. حتى الأسلوب كنت قد تصورته بشكل مختلف. لكن الرواية جاءت تلقائية معتمدة على نفسية شخوصها وسلوكهم بحيث أنني فوجئت بعملي حيث لم أتوقع أن أكتب بهذا الاسلوب عينة. أحيانا أبدأ الفصل بشكل مكثف لغويا وفنيا فاكتشف أنه لا يسير وفق خط الشخصيات لقد صارت الشخوص ترسم نفسها وتتحدث بلسانها هي وليست كما قررت تحميلها. أثناء العمل كنت أشعر بصعوبة الخلق، في الوقت نفسه كنت أشعر بمتعة الكشف لقد غيرت تجربتي الروائية الأول مسار نظرتي للكتابة. هوت أرصد وأتأمل الناس وحركة الحياة ونبضها اليومي وتعبيرات اللغة والوجوه والشفاه. والحوار بين الناس وبين الحياة ذاتها. كما لو أنهم شخوص وأحداث في رواية أكتبها في اللحظة والتو. لقد اتسعت وتفتحت مداركي للحركة اليومية والتجدد المستمر في الكون والبشر. صرت أراقب حركة الحياة بشكل مقصود أكثر. أراقب تعابير الناس وانفعالاتهم ومشاعرهم وحركتهم، طريقة تعبيرهم عن الغضب والفرح والأماني. إن هذا كله يخلق حصيلة وثروة ترفد العمل الفني. أشعر أحيانا أنني أريد أن أدخل في الحياة بكل اتساعها وكأن الرواية احتواء للكون كله (الحصار صدرت 1983).
أسئلة لابد منها:
– هل أصبح لدينا في الخليج رواية نسائية بالمعنى الحديث للرواية ؟
– هل رواية المرأة الخليجية قادرة على مضاهاة رواية المرأة العربية أولا ثم رواية المرأة في بقية أجزاء العالم ثانيا؟
– رغم أن الرواية العربية بدأت منذ ما يقارب الـ100 عام فهل الرواية التي تكتبها المرأة العربية والخليجية لا تزال تصاغ على هيئة السيرة الذاتية أوما يشبه السيرة الذاتية ؟
– هل صحيح أن الخطاب النسائي الروائي يعالج عادة تيمة الجسد أو يدور حوله وفي إطاره ؟
– هل صحيح أن المرأة الروائية، ومنها الروائية الخليجية، لا تبني الحدث بقدر ما تتراكم العواطف، ولا تحدد الظاهرة بقدر ما تستوعبها عبر ذاتها بحيث يبدو أن الرواية حين تكتبها عبارة عن انتشار ذات الروائية في ثنايا السرد والظواهر والشخصيات والمفاهيم.
يقول روبرت مارت :
"إن العصور القديمة لم تنشي ء الرواية لأن المرأة كانت مستعبدة. الرواية هي تاريخ المرأة ".
ولكن الآن وقد ظهرت الرواية ونشأت في كل العالم فهل تخلصت المرأة من
عبوديتها أم أصبحت الرواية بالنسبة للمرأة هي تاريخ سجل العبودية المموهة والمتخذة لأشكال جديدة ؟ وقد كتبت المرأة ومنها الخليجية فهل من خصوصية لأدبها وابداعها الروائي هذا؟ وهل هذه الخصوصية تضيف جديدا الى الأدب العربي، والى سجل المرأة الروائي عالميا؟
إن تجربة المرأة الخليجية تختلف عن تجربة الرجل والرواية الخليجية بدأت بمساهمة الجنسين في ذات التوقيت الزمني تقريبا، ورغم ما يحيط بالمرأة من ظروف خاصة وأحيانا بالفة التعقيد تحتكم لكل المتداخل من المعطيات الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية، ورغم أن المقارنة لا تقاس بكم ما تنتجه المرأة الروائية بالنسبة للرجل الروائي إلا أن النسبة تكاد تكون مضمحلة في الخليج بين الكم الروائي الذي تنتجه المرأة وذاك الذي ينتجه الرجل.
إن انفلات المرأة الخليجية روائيا هو أحد مستويات الوعي الجديد لديها حتى لو كانت مستويات الكتابة لدى البعض لا ترتقي الى مستوى الكتابة الجيدة أو العميقة أو الكاشفة عن عمق ما يمور في هذا الواقع.
ولكن يبقى أن المرأة الخليجية تجاوزت فيما تبدعه اليوم روائيا مراحل الحضانة الأولى ومراحل النشأة الأولى للرواية العربية وأصبح يوما بعد يوم يزداد وضوح صوتها ووضوح وعيها ومعر فتها بأزمات واقعها الاقليمي والعربي والعالمي ومعر فتها الوجودية والتاريخية حتى لو لم تتمثل بعد كما يجب لدى غالبية الكاتبات في رواية ناضجة يشار اليها بالبنان.
وقد تختلف الكاتبة الخليجية بعض الشي ء عن الكاتبة العربية في رؤية ما حولها اختلافا جزئيا وليس كليا من خلال موقعها وموقفها المغايرين ومعايشتها لبعض عناوين التراث من خلال زاوية مغايرة أيضا لزوايا العادات والتقاليد في مجتمعات عربية أخرى. ومن ناحية أخرى أيضا فهي تعيش مجتمعا وخواص وصفات مختلفة. مجتمع تحول الى أن يكون استهلاكيا بالدرجة الأولى وعاشت أغلب دوله حالة نقلة حضارية واقتصادية واجتماعية مفاجئة ولدت ترسانة من التخبطات بين القديم والحديث من زوايا حادة بين العادات والتقاليد المحافظة وبين ما يصاحب آخر قيم الاستهلاك الرأسمالية التي أدت الى صبغة مدنية سريعة ولكنها ظاهرية أو سطحية أكثر مما هي عميقة بحيث تؤدي الى ثورة فكرية تبدو ملائمة لتلك التغيرات أكثر من ملاءمة الأزدواج الحاد والتخبط المنظور لها.
ورغم ذلك فالمرأة الخليجية ككاتبة تختلط خصوصية حركتها بخصوصية واقعها المرتبك بشكله الحاد فإنها تجتمع مع المرأة العربية على الوعي بخصوصية معاناة الوضع النسائي المتفاوت هو الآخر بين مظاهر القمع والكبت والحرية المقننة وفعل الدونية المترسبة عبر العصور. وكذلك فإن مفاهيم الحرية ذاتها باعتبارها موقفا فلسفيا في الوجود تتباين وتتراوح بين كاتبة عربية في منطقة معينة عن كاتبة أخرى في منطقة أخرى رغم تشابه الهواجس الفكرية والوجدانية المشتركة.
إن الواقع هو الذي يشكل الفعل ويشكل نمط التفكير وأسلوب العلاقة والمعايشة فهو واقع مثلما تقول الكاتبة العربية لطيفة الزيات "محكوم بآلاف الضرورات الاقتصادية والسياسية والسلوكية والأخلاقية والعادات والتقاليد".
إن أغلب القصص والروايات للكاتبة الخليجية دون تخصيص مغلفة (بعالم البراءة المغلق والنهي عن التجربة والتحذير عن عواقب المعرفة ) مثلما تقول رضوى عاشور في إطار وصفها لعالم المرأة العربية روائيا وقصصيا.
والمعرفة عموما هي شرط الكتابة وهي رهينة بالتجربة والعلاقة المتجددة مع الذات ومع الوجود، والمرأة الخليجية عموما قد فتحت الكثير من الأبواب المغلقة أمامها وربما هي أكثر من غيرها من الكاتبات العربيات تحديا للعديد من التابوهات والطقوس التي تحاصر المرأة في المجتمعات العربية إذا قسنا
ذلك التحدي بمدى صلابة وفولاذية ما كان عليه الوضع الخليجي حتى عقود قليلة مضت. إن أغلب الكتابات الروائية النسائية في الخليج تعود الى استبطان الماضي والتراث دون القدرة أحيانا وينفس الدرجة عل الولوج لأزماتها العصرية والمعاصرة وبذات القوة والوضوح. وهي عموما سمة مرافقة للكتابة العربية لدى الجنسين.. الحديث عن المعاصر من خلال الاسقاط على المامي أو التماهي معه وسبر أغراره العميقة وجذوره الممتدة لكأننا بالفعل في زمن دائري يكرر ذاته حتى يكاد المعاصر يشبه التاريخي في جوهره وان اختلف في مظهره وديكوره الخارجي.
ورغم ذلك فإن هاجس الخروج من إطار الحيز الضيق الى الاطار المفتوح هو هاجس أغلب الروائيات العربيات وأيضا الخليجيات. عموما لا يوجد أي فرق بين الرجل والمرأة في الوعي بالزمن والتاريخ، ولا في الحيرة أمام حقيقة الموت كحقيقة كبرى ولا في التساؤل حول مصير الانسان ولا في العقيدة الدينية بمختلف أبعادها. وهذه الظواهر كلها تمثل الدوافع العميقة للتعبير في إطار السرد الروائي القادر عل اصطياد الزمن والحدث والمكان. ولكن ذلك طه لا ينفي بالطبع القيود التي تحول دون ازدهار القدرات الابداعية للنساء وسيطرة النظرة الطبقية الذكورية أو الأبوية على ابداع المرأة في المجالات الثقافية المختلفة وتحكم قلة من النقاد الرجال في تقييم انتاج المبدعات بمقاييس عاجزة عن فهم الأفكار والظواهر الجديدة التي تناولتها المبدعات المتميزات في ابداعا تهن والتي هي بالضرورة تعبير عن معاناة الواقعية وسعيها الى تغيير الأوضاع.
فوزية رشيد (كاتب من البحرين)