ان مراجعة بسيطة للمرحلة الأولى من تاريخ الفن الاردني المعا هو وبالتحديد فى بداية الخمسينات تؤكد لنا وجود المرأة ونشاطها المكثف ، فكانت منذ البداية الى جانب الرجل حيث انجزت اعمالا فنية متفقة فى جمالياتها وقيمتها التعبيرية حتى انها ساهمت فى تأسيس الروابط والجمعيات الفنية ، وهكذا نجد ان التجارب الفنية للمرأة الاردنية قد بدأت مع بداية الحركة الفنية الاردنية ومثلت كافة المراحل المختلفة التي مرت بها هذه الحركة .
ولعل الحديث بشىء من التسلسل للفترات الزمنية يكشف لنا الدور الهام الذي مارسته الفنانة الاردنية فى تأسيس وتطوير الحركة التشكيلية الاردنية رغم كل ما رافقها من مصاعب واذا حاولنا تتبع تطور مشاركة "المرأة " الفنانة فى المعارض الفنية منذ الخمسينات نستطيع القول بأنها اسهمت فى النشاطات الفنية منذ البداية وحتى الآن .
مرحلة التأسيس
مع بداية عام 1948 وصل الى عمان الفنان الروسي "جورج اليف " الذي قام بتدريس الفن لعدد من الفنانين والفنانات مثل "نائلة ذيب " وفى 1951 اقيم معرض جماعي فى المنتدى العربي ضم اعمال مجموعة من الفنانين والفنانات وهن "فاليرا شعبان ، كوثر شفيق ، ونهاية هاشم ".
واقيم فى 1952م المعرض الزراعي الصناعي الاردني الاول فى عمان ، وضم جناحا تشكيليا شارك فيه من الفنانات "روبيكابهو، نعمية عصفور وليلى مغنم ".
وفى 1953 عرضت الفنانة "فاطمة المحب " الى جانب اثنين من الفنانين فى الكلية العلمية الاسلامية .
وتأسست فى عام 1953 ندوة الفن الاردنية وعرضت اعمالها فى معهد النهضة العلمي وقد شارك اعضاء الندوة من فنانين وفنانات مثل "نجاح الخياط ، فا ليرا شعبان ، روبيكابهو، نعيمة عصفور، بلقيس روسيان ، أعد التل ، وكوثر شفيق "، حيث توزعت مشاركتهن بين التصوير والنحت واقيم فى نفس العام بمدينة رام الله معرض مشترك "لاسماعيل شموط " و" سامية الزرو".
وفى عام 1958م بدأت المعارض الشخصية تقام فى المملكة الاردنية اذ تخرجت الفنانة عفاف عرفات وحصلت على دبلوم الفن من بريطانيا عام 1957 واقامت معرضها الاول عام 1958م بفندق الامبازور فى مدينة القدس ومعرضها الثاني فى المركز الثقافي البريطاني فى عمان عام 59.
وافتتح الفنان الايطالي "اراماندو" فى عام 1959 معهدا لتعليم الفنون فى عمان ، وبدأ يدرس فيه عدد من الفنانين والفنانات نذكر منهم "ديان يوا كيم ".
وقد قدمت الفنانات فى هذه المرحلة لوحات فنية تتشابه فى مواضيعها المأخوذة من البيئة والتي كانت تقتصر على المناظر الطبيعية الصامتة ونتاج هذه المرحلة لم يكن بالمستوى المطلوب .
تأسيس الروابط وتعليم الفنون
اقامت رئاسة التوجيه والانباء والاعلام معرض التصوير الاول فى عام 1960 وكان من بين المشاركات فيه الى جانب بعض الفنانين كل من "امل قادري" ارادا كاهاهيان ، اديبة معاذ، جوليت حداد، دعد التل، ديانا يواكيم، روز خوري، سميحة الوعري، عليا عقيل،عفاف عرفات، غزوة ملحس، نهلة شويحات ، نائلة حمارنة ، الشريفة وجدان ناصر وفاطمة المحب ".
فى 1961 تأسست رابطة رعاية الفنون والادب فى عمان كما تأسست ندوة الرسم والنحت الاردنية وكان لها فرع فى عمان وآخر فى القدس واقامت العديد من المعارض اهمها معرض الخريف الذي اقيم بأمانة العاصمة وضم اعمال خمسين فنانا وهاويا شاركت فيه الفنانات "الاميرة وجدان علي ، سعاد ملحس ، منى السعودي، مريم خطار، هالة خوري، نائلة حمارنة وهناء السعودي".
وقد ضم معرض الخريف خمسمائة لوحة توزعت على مختلف التقنيات من زيتية ومائية ورصاص وفحم وفى نفس العام اقامت الفنانة ددديانا وا كيم << معرضها الشخصي الاول فى المركز الثقافى الامريكي وتوالت بعد ذلك المعارض لكل من عفاف عرفات بالقدس عام 1963م ، ووجدان علي فى عمان على التوالي اعو ام 1964،1965،1967.
وفى الفترة الواقعة ما بين 1965- 1969م ، بدأ عدد من الفنانات يمارسن التدريس بمراسمهن امثال الفنانة سامية الزرو وديانا شمعونكى.
اتسمت لوحات هذه المرحلة بمعالجة الحياة الفلكلورية والشعبية حيث رسمت الوجوه البدوية والصحراء وما الى ذلك من مواضيع .
ولم يكن فى هذه المرحلة اي اهمية للفن من المنظور الاجتماعي.
اما فى عام 1970 فقد تم تأسيس المؤسسة الملكية الاردنية للفنون الجميلة ، وكانت ترعاها سمو الاميرة " منى" وتكلل نشاطها باقامة معرض للرواد ومعرض لاحد عشر فنانا وفنانة عام 1972 بفندق الاردن شارك فيه كل من الفنانات (عفاف عرفات ، وسمو الاميرة وجدان ) وبعد عام 1975م بدأت البعثات الدراسية تعود من الخارج وتفرض نفسها على الساحة التشكيلية منهن د. انصاف الربضي وحنان الاغا.
وفى اواخر السبعينات ازداد عدد الخريجات من معاهد المعلمين والكليات منهن "مارجريت تادرس ".
وفى 1978 تم انشاء رابطة التشكيليين الاردنيين حيث اقامت معرضا لاعضائها عام 1979م.
كما تأسست الجمعية الملكية للفنون الجميلة برئاسة سمو الاميرة "وجدان علي ".
اتسمت هذه المرحلة بنشاط فنى متزايد سواء على صعيد المعارض الشخصية او على صعيد التجمعات الفنية ولهذا نستطيع اعتبار هذه المرحلة بداية نشاط فنى للمرأة فى الاردن وهذا يرجع الى توسع تعليم الفن للمرأة فى المدارس والمعاهد بالاضافة الى بروز اسماء فنانات درسن الفن فى الخارج وفتحن مراسمهن لاستقبال الهواة وهذا يعتبر علما متمما لتدريس الفنون فى المدارس الثانوية والمعاهد التي تهتم بالفن وتأثرت الحركة الفنية النسائية بالتيارات الحديثة الوافدة الى الاردن
تنافس الاجيال
بحلول عام 1980 بدأت الحركة التشكيلية تعي دورها وتأكد ذلك من خلال افتتاح المتحف الوطني الاردني للفنون الجميلة ومن خلال المشاركة فى المعارض العربية والدولية واصبح هناك تنافس بين مختلف الاجيال.
كما تشكلت جماعة الفنانين الشباب التي كان لها دور مميز على مسار الحركة التشكيلية الاردنية ، فقد اقامت مجموعة من المعارض فى المناسبات الوطنية والقومية واقامت معرضا سنويا لاعضائها بالاضافة للمعارض العربية التي اقامتها فى كل من القاهرة ودمشق والكويت باسم معرض الفن الاردني المعاصر، وقد ضمت جماعة الفنانين الشباب فى صفوفها "هيام اباظة ، هند ابو الشعر وهدى قاسم ".
اما مدرسة فخر النساء فقد خرجت العديد من الفنانات مثل "هند ناصر" و "اوفيميا رزق " و"جانيت جمبلاط " .
وقد توالي عدد الخريجات فى النصف الثاني من الثمانينات ليرفدن الحركة التشكيلية الاردنيه المعاصرة بعطاءات متميزة نذكر منهن :
"ابتهاج الامريكاني، سلوى عطية ، نهلة الطحان ، لاديسيا النجار، ليلى حداد، رجاء ابو غزالة، رالي الشقيري، سحر قمحاوي، علياء عمورة، غادة دحدله، نجوى عناب، نجاح عبيدات، نعمت الناصر، غادة الشلمى".
فى هذه المرحلة بدأت المرأة الفنانة تأخذ دورها الحقيقي ودخلت كافة المدارس والتيارات الفنية حيث تأسست فى هذه المرحلة كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرمرك .
كما اتسمت هذه المرحلة ، بتعاديتها وانماطها وقد ادى ذلك الى تكوين جماعات فنية ، اصبحت تشكل مع الزمن مواقع تأثير فى الحركة الفنية كجماعة الفنانين الشباب ومدرسة الاميرة فخر النساء التي كانت تمثل ثقلا تشكيليا فى الحركة التشكيلية كان موقع قراره من المتحف الوطني.
وفى هذه المرحلة نشاهد نضوجا فى المستوى الفنى من حيث الشكل والمضمون وفى مرحلة التسعينات ورغم تزايد عدد الخريجات من الداخل والخارج وتزايد عدد الصالات ، نشاهد تراجعا على صعيد المشاركة فى المعارض وهذا التراجع افسح المجال للفنا نات الجادات بأن يأخذن طريقهن فى العرض فأصبحت الموضوعات اكثر بساطة وانسانية ، عبر عنها بصياغة عفوية .
وقد تطور فن المرأة فى هذه المرحلة وأخذ مجالا اوسع فتعددت الاساليب وتنوعت الاتجاهات وشاركت على الصعيد الخارجي فى معرض "فنانات من العالم العربي" الذي افتتح فى واشنطن فى السابع من فبراير 1994م حيث شارك فيه كل من "الاميرة وجدان علي ومنى السعودي".
ومن الاسماء التي كان لها حضور فى السبعينات دانيلي بجالي ، خولة قاسم ، صباحات الرشدات ، نوال العبدالله ، ليلى جعنينى، لانا فمروقة ، رحاب النمري، أروى التل ، سميرة بدران ".
وهناك بعض الاسماء لم تصلنا تجربتها لاسباب تتعلق بهن ولم نستطع تصنيفهن بأي مرحلة من المراحل نظرا لعدم توافر اي مادة ارشيفية تشير الى نشاطهن ، منهن "ابتسام كيلة ، اسمهان الجمل ، انا ليزا،. جميلة عبدالله ، سلوى عطية ، سلامة نعمات ، سهام خميس ، فيرا حجازي منيرة الجبالي ، منير طوقان ، نبيلة الريحاني، نوال الجمل ، انتصار قدورة ، لما خريس ، دانا خريس ".
هذه محاولة متواضعة عن المرأة الفنانة فى الاردن التي ساهمت فى بناء الحركة التشكيلية المعاصرة ونلاحظ من خلال الاسماء التي ذكرناها ان هناك عددا غير قليل منهن قد غادر الساحة التشكيلية لاسباب تتعلق سواء بالزواج او التعليم او الانشغال فى الحياة اليومية وكم كان بودنا ان نتعرف على الجهد الاكبر للفنانة وعن انتاجها فعذرا للاسماء التي لم نذكرها.
هكذا قدمت المرأة الفنانة منذ الخمسينات تجارب على مستوى متقدم ، وتجارب ما تزال بحاجة للمزيد من العمل والرعاية ..
تلك هي صورة الفنان التشكيلية المنتجة والمشرقة فى بلدنا اليوم … وهى تواكب مسيرة الحضارة بالخط واللون مترجمة آلامها وامالها وطموحات امتها فى غد مشرق تسوده المساواة والحرية واحترام الانسان .