ماذا أكتب لك ؟ لا شيء سوى أني أهيم وجداً!!
فقد كنت حريصاً على البعد عنك قدر ما أستطيع.. لكن عندما دسيت يدي المتجعدة والمعروقة والباردة أيضاً بين أصابع يدك النحيلة كنت أنظر إليك من وراء حجاب الدموع.. وسرعان ما اجتاحتني موجة عميقة من نشوة الظفر.. وعندما أيقنت أن قصتنا على قصرها قد وصلت إلى قاع قلبينا.. حتى أصبح قلبانا يدقان في صدر واحد.. فشعرت – منذ ذلك اللقاء التاريخي- وكأن أبخرة تتصاعد في القلب وتتكاثف ولا أجد لها متنفساً غير الكتابة, إنني لا أفتعل الكتابة افتعالا ولو أحسست دقيقة واحدة أن كتابتي افتعال لهجرت هذه العادة الوقحة وإلى الأبد..إنني أرى تلك الجوانب في الحياة وأعرف أن ثمّة سماء صافية جميلة مليئة بالنجوم استطيع من نافذة غرفتي غير المرتبة أن أرقبها وأنفعل بجمالها الأخاذ وأكتب من وحي تأثيرها أجمل الإنشاء.. أرى الأطفال وأبتهج وهم يرسلون في براءة ضحكات أشبه بأجراس في يوم العيد.. أستطيع أن أنفعل بذلك العالم الجميل المليء بالبراءة والذي يشبه عالم الأساطير من حولهم وأكتب من وحي ذلك مقالاً رائعاً.. إنني أرى البحر مهيباً جليلاً عميقاً ينام في هدوء تحت أقدام الجبل، وأرى مشاهد الشروق ومشاهد الغروب وأعيش سواد الليل لحظة بلحظة وقطعة قطعة وأستطيع أن أدرك مكامن الجمال الحقيقي وعظمة وجلال الطبيعة وأستلهم منها إبداعات حالمة.. إنني أستمع إلى الموسيقا وأفرح لها وأستمتع بالشعر وأشاهد الشاشة الصغيرة.. وأضحك وأبكي لما يعرض عليها ويمكن أن أكتب عن قطة دهستها سيارة لرقة مشاعري الصغيرة.. الصغيرة جداً.. لكني رأيت أن أكتب لك أنت.. وعنك أنت.. ومنك أنت.. وإليك أنت.. أنت فقط رغم الخوف الذي يعتريني من الألسن التي تبحث في النور الساطع عن غيمة تصنع منها غمامة.. وتعكر صفو قلبين تحابا والتقيا من أجل كلمة لوجه الأدب والثقافة..
يا الله.. تيار الدهشة يتسع من حولي ويتعلق بصمتي.. وبحيرتي.. فمن السهل إنهاء علاقة كهذه بكلمة غاضبة ( كرهتك) وقد تكون بشعة.. ولكن من الصعب جداً إلى درجة الاستحالة إنهاء المشاعر تجاهك أو حتى مجرد التفكير في غيرك..
المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها كل من وضع رجله في ماء بارد.. ويبدو أن الأقدار – وهذا ما اتضح لي – تريد لنا لقاء يأتي مع الزمان الخطأ والمكان الخطأ.. لكني – على الأقل من جانبي – سأترك نفسي لأيامنا القادمة التي تتراءى لنا من دون هدف أو بصيص أمل لاعتبارات أنت أدرى بها ولا داعي لسردها أو شرحها..
كم شعرت بحرارة جسدك تسري في بدني – يومذاك- فالذي يفسد الحب هو أن تذهب إليه تحت تأثير الموروث القديم المتمثل في كلام ونظرات الناس الحاقدة.. إن لكل تجربة حب جلالها وتفردها.. وليس في الحب أستاذ وتلميذ.. وأثبت الحب أنه لا يعترف بفوارق اجتماعية أو عمرية أو زمنية.. لأنه رُب تجربة واحدة قائمة بذاتها لها من العمق الرائع ما تفيد في أكثر من تاريخ كامل في الحب ظل يعيش أبطاله على هامش الحياة والأحداث.. وأعظم حب – فيما اعتقد- هو الذي تعيشه بكيانه كله ولا خير في حب – كما أظن أيضاً – لا يعرف الخطر أو المغامرة أو الخوف والترقب والانتظار والسعادة واللذة والألم..
لا أعدك – أيتها العزيزة- بأن يكون عقلي كبيراً.. فالعقل الكبير لم يكن في يوم من الأيام من أسس الحب أو من مكونات العشق..
لا أعدك أن أمشي على الصراط المستقيم .. فالصراط المستقيم قد يوصل إلى الجنة لكنه لا يوصل إلى أعلى قمم الحب و الهيام..
لا أعدك أن أتقيد بالإشارات الضوئية الخضراء والحمراء.. لأنني تخرجت من مدرسة الجانحين ولم أتخرج من مدرسة شرطة المرور..
لا أعدك أن أكون طيباً ودرويشاً.. فأنا في الحب والكتابة ضد الدروشة والدراويش وفقهاء الكتب الصفراء..
لا أعدك أن أكون في حبي هذا ولداً حسن السيرة والسلوك مطيعاً “كمن يطيع والديه”.. فأنا في الحب والكتابة قتلت آبائي.. وانتهى الأمر.. وأحرقت شجرة العائلة التي شدتني إلى موروث أسود وقاتم كما رميت جواز سفري في البحر الذي خطف مني شقيقي ذات صيف قائض.. ومزقت عباءة الرمل التي صارت أصغر من جسدي.. ومن أجلك قررت خوض غمار مغامرة تبدأ من عينيك وقد لا تنتهي حتى ولو أوصدتٍ بوابات حدودك وأصدرتِ أوامرك بمنع دخولي.. وأبلغي “الأنتربول الدولي” وكل الجهات الأمنية.. فسأكون أول وآخر متسلل إلى عالمك المجهول..!!
الناجي الحربي *