من منا لا يعرف مفهوم "موت المؤلف" الذي دار بين ميشيل فوكو ورولان بارث ثم بينهما من جهة والمدافعين عن المعبد القديم لدراسات النصوص الكلاسيكية. خصوصا وأنه جاء تتويجا لـ "موت الآله" التي بشر بها نيتشه في بدايات هذا القرن المشرف على الانصراف. صحح أن بعض الأفكار معروفة فيما يخص مفاهيم "الأدب" و "الكتابة" و "المؤلف" ولكن الجدة في هذا الموضوع راجعة لدور "السيرة الذاتية" أي البيوغرافيا في انتاج العمل الأدبي وكذلك في دور مسودات النصوص [علاقة النص بما قبل – النصوص (المسودة والروايات المختلفة المتعاقبة وكذلك مسودات العمل الأدبي القادم)] في تكون العمل الأدبي، ويتوصل الكاتب الى خلاصة متفائلة: "هذا الذي يجعل من الكتابة الاوتوبيوغرافية دورا من أدوار أخرى مثلما الكتابة البيوغرافية. في لعب الأدوار هذا فإن الفضاء البيوغرافي يصبح فضاء حوار مع العمل الأدبي وعلاقة بين ذاتين متقوقعين ومأخوذين من الظل الكبير الفضائحي للحقيقة: إن القراءة تصبر معرفة قادرة على أن تكون مرحة".
يبقى أن نشير الى أن كتاب "الكلمات" ألفه سارتر سنة 1964 بينما كتاب "أبله العائلة" فقد كتبه سنة 1972.
إن مفهوم المؤلف تم استبعاده من النظرية الأدبية من طرف البنيوية المنتصرة، فهل سبب التراجع أو الاضناء النسبي لمغموم البنية إعادة ادماج غير مشروطة، لمفهوم المؤلف في الدراسات التي تشتغل على الأدب؟ إنه السؤال المشروط الذي سأحاول دراسته جزئيا هنا، إذا لم يكن من أجل الاجابة عليه، فعل الأقل، من أجل البرهنة على أن النظرية السارترية تسمح بطرحه بالشكل التي يبدو لي صالحا لفتحه على العلاقة قاريء/ مؤلف عبر وساطة النص.
في أواخر الستينات، يعني في لحظات البنيوية الأكثر عقائدية ودوغمائية، أكد رولان بارث بأن سيادة المؤلف من الناحية التاريخية كانت أيضا سيادة النقد، وأن الإحالة الى المؤلف، بالنسبة لنقد، وسيلة لـ "ايقاف المعنى". باستبدال فكرة الأدب بالكتابة écriture والتي ستأخذ بعدها بسرعة شكل النص texte فإن النقد ملزم بدوره، بإفساح المجال لعلاقة حركة "القاريء/ النص" المأخوذة من "الدين وأقانيمه والعقل والعلم والقانون". وهكذا تم سحب النقد وعلم النقد من الأدب المبني على البحث من "المؤلف (أو اقانيمه: المجتمع والتاريخ والنفس والحرية) داخل العمل الأدبي". ويبقى القاريء في مواجهة الكتابة، وقد لخص رولان بارث بقوله: من أجل أن نعيد للكتابة مستقبلها يجب قلب الأسطورة: ميلاد القاريء يجب أن يدفع من موت المؤلف.
لقد عاود ميشيل فوكو السؤال واقترح في الوقت الذي كان بدا فيه أن "امحاء المؤلف" أسبه أمرا مقبولا من الجميع، أن "نحدد، كمكان فارغ – لامبال وملزم في آن – الأمكنة التي تمارس فيها وظيفته. وفي الواقع إذا كان السؤال الأساسي هو سؤال بيكيت: "لا يهم من يتكلم؟" وحين يكون جوابنا: اللامبالاة، فإنه يبقى، مع ذلك، شكل / مؤلف، على الأقل تاريخي ووظيفة / مؤلف على الأقل من الناحية القضائية والاجتماعية. يبين فوكو بأن النقد الحديث – وهو يعني النقد القبلبنيوي préstructuraliste – يستخدم خرائط مجاورة لخراط التفسير المسيحي. وحسب فوكو فإن القديس جيروم saint Jérômé يعطينا أربعة معايير لاثبات أصالة المؤلف: (1) – مستوى ما ثابت من القيمة، (2) – حقل ما من الانسجام المفاهيمي والنظري، (3) – وحدة أسلوبية ( 4) – لحظة تاريخية محددة ونقطة التقاء بعض الأحداث. وقد استعار النقد الحديث هذه المعايير الأربعة من أجل تحديد النمذجات والتي على اساسها تلعب الوظيفة / المؤلف وهي تحيل الى ذات ما، ويوضح فوكو أن الخطابات، في الواقع، تستخدم تعدد الأنوات (جمع أنا)، ويقترح أن نبني، على المكان المتروك فارغا من طرف إغماء المؤلف الذي بيحيل على ذات وحيدة، مفهوم التشكيل الخطابي الذي يحيل على الوظيفة – المؤلف، ويلخص فوكو خصائص هذه الوظيفة.
الوظيفة – المؤلف ترتبط بالنظام القضائي والمؤسساتي الذي يحيط، بشدة ويحده ويمفصل عالم الخطابات، ولا تمارس بانتظام بنفس الطريقة على كل الخطابات وفي كل الاجيال وفي كل اشكال الحضارة، وليست محددة بواسطة تسليم تلقائي لخطاب الى منتجه ولكن بمجموعة من العمليات المعقدة، انها لا تحيل بالتأكيد، الى كائن واقعي وتخلق تعدد الانوات في نفس الوقت الذي تخلق فيه كذلك كثيرا من الوضعيات – الذوات التي تستطير احتلالها طبقات مختلفة من الافراد (2).
اجمالا وبدلا من الدعوة الى اجتثاث المؤلف لمصلحة الثنائي: الكتاب – القاريء، كما كان يفعل بارث، فإن فوكو يلتجيء الى تعقيد المؤلف في منظور جينيالوجي أكثر مما هو بنيوي. انه يرد دون أن يسميه على بارث حين يوحي أن المفهوم الحديث للكتابة يسد معانيه اختفاء المؤلف "إنه يمسك، بطريقة ما، بالتفكير لى حافة هذا الامحاء، ويبدل في سرية استعلائية، طبائع المؤلف الامبريقية. ان اعارة وضعية اصيلة لكتابة سيكون اعادة للترجمة، وبتعابير استعلائية، للتأكيد التيولوجي (اللاهوتي) لطابعها المقدس والتأكيد النقدي لطابعها الخلاق. فالقبول بأن الكتابة، من الناحية التاريخية خاضعة لاختبار النسيان واختبار القمع، معناه اعادة الاخذ بالمبدأ الديني لمعنى الخفي (مع ضرورة التأويل) والمبدأ النقدي للمضامين الضمنية او المظلمة (مع ضرورة التعليق)، واخيرا فان التفكير في الكتابة وكأنها غياب معناه اعادة الأخذ بالمبدأ الديني لـ "التقليد غير القابل للتشويه وغير المملوء على الاطلاق في نفس الآن" والمبدأ الجمالي لحياة العمل الدبيب، لصموده بعد الموت ولإفراطه الملغز بالنسبة للمؤلف (ص،، 80).
وهكذا فإن بارث، وبمفهومه للكتابة، ما زال يتموقع في التقليد التاريخ بالاستعلائي للقرن التاسع عشر، بينما يبحث فوكو للتخلص منه نهائيا، وبالنسبة له فإن إعادة تحديد مفهوم المؤلف يمر عبر إعادة تحديد مفهوم العمل الأدبي، والذي هو مقترن بمفهوم المؤلف. إن مفهوم العمل الأدبي، والذي هو مقترن بمفهوم المؤلف. إن مفهوم الخطاب الذي يقترحه فوكو ليأخذ مكان [المؤلف- العمل الأدبي] يجب أن يؤدي نمذجة وظائفها. وهذه النمذجة ستكون في آن معا "مدخلا للتحليل التاريخي للخطابات" وانفتاحا على ثقافة التعقيد الخطابي.
نستطيع تخيل ثقافة ما، يخلص فوكو، حيث تنتشر الخطابات ويتم استقبالها دون أن تظهر الوظيفة – المؤلف إن كل الخطابات، بغض النظر عن وضعياتها وأشكالها وقيمتها وبغض النظر عن المعاملات التي نحملها به، تتم في سرية الهمس، ولن نستمع أبدا للأسلة المكرورة منذ زمن طويل: "من الذي تكلم حقيقة؟ وهل هو بالفعل ليس أحد آخر؟ وبأية صحة وبأية أصالة؟ وما الذي عبر عنه من أعماق أعماق نفسه في خطابه؟ ". ولكن أسئلة أخرى من نوع: "ما هي صيغ وجود هذا الخطاب؟ ومن أين تم التعبير عنه؟ وكيف أمكن له أن ينتشر؟؛ ومن الذي يستطيع أن يمتلكه؟ وما هي الأمكنة التي تم تهيئتها للذوات الممكنة؟ من يستطيع أن يجيب على وظائف الذات المتعددة؟ ووراء كل هذه الأسئلة لن نسمع كثيرا إلا لدوي اللامبالاة: "لا يهم الذي يتكلم" (ص 95)
القفزة الابستمولوجية التي لم تحدث ترتكز على القول باللامبالاة ثابتة: "لا يهم الذي يقرأ". إذن فبحوزتنا تحديد لقراءة على انها صيرورة بدون موضوع، يحدث بين نص – خطاب مجهول وجامع قاريء un archi-lecteur غير محدد. ان مجيء القاريء على أنقاض النقد، حسب كلام بارث، يترك في الحقيقة حركة القراءة في ضبابية، الى بحد، أنه في التالي حين سينتهي بارث من تنظير الكتابة تحت اسم النص سينتهي، بوضع مقالة لكتابة على انها "لذة النص" بالطريقة الاكثر ذاتوية. إن فينومينولوجيا القراءة التي يدعو إليها، لا تتلقى عنده شيئا آخر غير هذا الرسم: فمقاطع من خطاب عاشق هو نوع من قراءة فعلية للنظرية البروستية للتملك/ المنع العاشق في البحث عن الزمن الضائع. بهذا العنوان فهذه المقاطع هي أيضا جواب قامت بها ذات غير مركزة ومتعددة لقراءة رواية رولاند كايو Roland Cailleux التي تتناول المغامرة التي تشكلها القراءة المتفردة والمحددة لذات لرواية بروست عن طريق تقمص الموضوع الروائي والأنا الأعلى للمؤلف. يمكننا تخيل ما كان سيفعله فوكو بطريقة أدبية في قراءته الخاصة لبروست انطلاقا من تصوره للذات على اساس انها تعددية الخطاب.
يقول بروست: "في الواقع، إن كل قاريء لرواية ما هو القاريء الحقيقي لنفسه. وفوكو لا يقول شيئا آخر حينما يتحدث عن تلمك الخطاب" وعن مواضيع مهيأة لذوات ممكنة. ولكن نظرية القراءة التي اشتعلت هكذا ستنتهي بسرعة. انه تقرب الذات القارئة.
القضية التي اثيرها هي التالي: خط التقسيم بين ما يسميه فوكو "التقليد التاريخي المتعالي للقرن التاسع عشر" وما يمكننا تسميته "ما بعد حداثة القراءة" الا يمكن تسجيله في التحديد الذي سيعطي للقاريء وفي وضعية هذا الاخير بالنسبة للنص؟ هنا ستبدو مساهمة سارتر، التي كانت غير معروفة تماما اثناء لحفلة الجدال النظري، حاسمة بالنسبة لنا اليوم في منظور تكويني، ان دراسة المخطوطات، وبصفة عامة ما قبل النص ولدت تحديدا جديدا لمفهوم العمل الادبي. ان العمل الادبي يبدو، في الوقت الراهن، وفي ابعاده الثلاثة كبناء زمني وفضائي بحيث ان عالم الوراثة [او المشتغل في دراسة التكوين] إذا ما ساهم في اتمامها وتنظيمها دياكرونيا وساكرونيا فله ضلع في القضية.
إن عمل سارتر حول فلوبير يتجلى، كما نعرف، في الاجابة حول صيغة السردية والهرمونيطيقية في آن، على السؤال: كيف يمكننا أن نصير مؤلفي "مدام بوفاري"؟. يعني ان مشروع هذه الدراسة بيوغرافي حقيقة. وكن الامر لايتعلق ببيوغرافيا فلوبير كفرد مستهدف في تفرده وانما ببيوغرافيا لعمل الادبي، بمعنى أخر يتعلق الامر ببيوغرافيا المؤلف فلوبير كما كونته مدام بوفاري. هذا الذي يتضمن بان العمل الادبي هو الذي يصلح لمساءلة الحياة وليس العكس. ان مدام بوفاري التي يمكن اعتبارها كـ "تفرد كوني تحيل بواسطة نظام من العلاقات المعقدة الى هذا "التفرد الكوني" الذي هو "مؤلف مدام بوفاري" إن هذا الاخير الذي يستقدم اسمه فلوبير كدال significant، سيتم تحديده بمجموع كتاباته وشهاداته التي تتوافر عليها وتخصه، هذا المجموع الذي يتوجه اليه هذا السؤال ما الذي توجب هل الفرد فلوبير لانتاج هذه الكلية المفككة التي هي مدام بوفاري، اي الرواية؟ يتعلق الامر. اذن ببناء نموذج يهتم بشبكة من العلاقات ليست بين الانسان الذي بطبيعته الا يمكن الوصول اليه خارج الحدس التركيبي الذي يتأتى من القاء معه، وإمما بين "المعيش" كما يمكن ان يشكل من جديد بواسطة معرفة الغير وبين العمل الادبي كما يقرأه الهيرمينوطيقي. ان هذا النموذج التكويني الذي بنته كتابة البيوغرافيا كان قد حدده سارتر كـ "رواية حقيقية". نقول: رواية لانه في الواقع فإن الطريقة المتمددة – المتقلصة التي تنتج خياطات المعنى بين العمل الأدبي والمعاش وحركات الأخذ والرد بين اللحظات المنفصلة كرونولوجيا، في لحمة المعيش، تستقيم حسب النموذج السردي لـ "رواية التشكيل". صحيح مع ذلك، لأن عمل المخيلة الذي يغطي نواقص الخبر يتمفصل بصلابة مع وقائع ثابتة، أي خاضعة للنقد العقلاني للمصادر وللشهادات. وهكذا فإن البناء البيوغرافي المعلق بين حافات العمل الأدبي وحافات المعيش بناء مرصوص بين النقاط المحشوة التي هي معطيات فعلية.
لنأخذ مثالا في تحليل انتقده سارتر كثيرا: تحليل العلاقات بين الأم وفلوبير الطفل. هذا التحليل يأخذ بالحسبان بالادماج السيىء الذي قام به فلوبير في اللغة، وأخيرا لاختياره لكتابة لأجل عدم تحقيق الحياة. إن المفهوم المركزي الذي يقود التحليل والذي يرى فيها تأكيدا من فلوبير على وجهة نظر سلبية حول الحياة (شخصية مدام بوفاري) المتأثرة، خصوصا بكثرة الأفعال الضعيفة والسلبية في الجملة الفلوبيرية. من هنا يتقلص، من وجهة نظر تحليلية، الى مرحلة الطفولة، محتفظا من الطفولة بالشهادة التي تقول بأن فلوبير عانى من تأخر (عقلي) في تعلم القراءة. إن المعرفة الحالية حول دور العلاقة: أم – طفل في تحصيل اللغة تشير لتحليل بأن هذه العلاقة هي التي تليق بالمساءلة من أجل الاهتمام بصعوبات محو الأمية. يعلمنا سارتر، إذن بأن مدام فلوبير التي كانت تتمنى بنتا أصيبت بالخيبة من مجيء غوستاف الى هذا العالم وبالتالي فقد قامت بإرضاعه باقتدار بارد كأم تقوم بهذا الدور من منطق الواجب أكثر مما تقوم من منطق الحنو. وهكذا فقد كان فلوبير مؤهلا لكي يكون كائنا سلبيا، وأثناء تعلم الأبجدية (الحروف) تعاظمت سلبيته الى حد الغباء بسبب تدخل أبيه السلطوي الذي كان يعاني من جروح في كبريائه العائلي بسبب بطء عقل ابنه. وهكذا بقي غوستاف حبيس الاستعمال الشفهي والسلبي للغة، هذا الاستعمال الذي لن يكون اختيار الكتابة الروائية الا صيغة محررة ومتناقضة. وفيما يخص العلاقة: كارولين فلوبير/غوستاف أثناء طفولة هذا الأخير فإن سارتر لا يتردد في القول: "أعترف، إنها خرافة". ولكنه يضيف، حالا، بأنها خرافة مقبولة، أي أنها منسجمة مع ما نعرفه مما تبقى من حياة فلوبير، وخصوصا علاقاته مع أمه بعد بلوغه، ولكنه خصوصا وهذا هو الذي يهم – انسجام أمه مع التفخيم والكلام المهيج الجليدي لمدام بوفاري، في غياب كل خبر يتعلق بعلاقة فلوبير الرضيع مع أمه، فيتوجب، يقول سارتر، "أن تعارضوني بنموذج أكثر مقبولية من الذي كونته عن طريق الخيال النظري للاهتمام بهذا الفعل: الاختيار السلبي للخيالي لدى غوستاف فلوبير. إن هذا الاختيار هو الذي أعاد سارتر بناءه بواسطة التركيب المتقدم الذي يعود به الى طفولته المتخيلة أي الى مدام بوفاري التي يتم تأويلها كمحاولة تجميع سلبي لعالم. إن المنهج السارتري ديالكتيكي ويعمل في مشوار إدراكي في ثلاثة أزمنة: 1- علاقة النص بما قبل النصوص (المسودة، روايات مختلفة متعاقبة وكذلك مسودة العمل الأدبي القادم الذي ستمثله كتابات الطفولة. 2- علاقة مجموعة كتابات المؤلف المحددة كتركيب تقدمي في تعددية محدداته النفسية والاجتماعية بواسطة العائلة والمحددات الثقافية والتاريخية، 3- علاقة هذا المجموع نص – مؤلف بالقاريء أي بالهيرمونيطيقي الدياكتيكي. إن مجموع هذه العلاقات المتقاطعة نص – مؤلف – قاريء هي التي تشكل فضاء بيوغرافيا. ولكن، وهذا كان قعدي "أبله العائلة" ليس هو الذي يبني وحده هذا الفضاء وانما الثنائية التي يشكلها مع كتاب "الكلمات".
النقد الذي يوجه في الغالب، الى سارتر من طرف المحللين النفسانيين فيما يخص «ابله العائلة » هو أن هذه الدراسة البيوغرافية تقوم بإسقاط البيوغرافي على موضوع البيوغرافيا.إن أبله العائلة، في نظرهم، يمكن أن يكون مرتكزا (مبنيا) على مهمة عمياء هي وضعية البيوغرافي نفسه. وفي الحقيقة فهذه الوضعية سنجدها واضحة في "الكلمات". بل إن احدى الوظائف النظرية لهذا المقال الذي يشكل زوجيا coupe مع مقال حول فلوبير هي تأمين وضعية ذات سارتر في في مواجهة ذات /موضوع فلوبير وذلك بتوضيح مصدر ملكة الكتابة لدى البيوغرافي – الأتوبيوغرافي. إن كتاب "الكلمات" يجيب على السؤال: لماذا أصبحت كاتب "الغثيان"؟ سؤال "كيف" (بمعنى عبر الحركة الجينية لأي نص؟) تم تحويله الى فلوبير في كتاب "أبله العائلة" والى حياة وعمل أدبي يجمعهما الموت.
في كتاب "الكلمات" انتقد سارتر السراب البيونمرافي: […] في حياة منتهية، النهاية هي التي نأخذها كحقيقة البداية" ويضيف سارتر: "رغم اعترافنا فان خطأ المنظور لا يسبب الحرج فلدينا وسائل تصحيحه […]. ولكن المهمة العمياء في كتاب "الكلمات" توجد تحديدا، ربما بالنسبة لبيوغرافي المولع بالحقيقة، في استحالة الخروج من أناه الحاضرة من أجل بعث أناه الماضية في حقيقته الواهنة: إنه سارتر البالغ من عمره خمسين سنة الذي يغلق، لضرورات قضيته، شخصية "بولو Poulou البالغ السابعة من عمره، إن كتاب "الكلمات" ليس أوتوبيوغرافيا ولكنه "تخييل ذاتي" حسب بتعبير س. دوبروفسكي S.Doubrovsky أو انه خرافة نظرية حسب فيليب لوجون. وهذا ما كان ليثير احراجا لو أنه لا ينكتب في مشروع فلسفي يطمح الى ارساء وضعية التحكم في الذات حول الحقيقة. يوجد جنب لدى سارتر يعتقله في الهيغيلية أي المعرفة المعلقة وأما الجنب الثاني الذي يجعل من سارتر معاصرا لنا، فقد فتحته المعادلة الوافرة للتقديم الذي كتبه لرواية "الخائن" لأندري كورز André Gorz حيث يكتب سارتر:
انا انسان آخر يقول صوت الخائن، أجد الموت (صوت الخائن) متواضعا: فإن لو كنت مكانه لقلت: أنا أناس آخرون، ولتكلمت عن نفسي بصيغة الجمع الغائب.(3).
هذا الذي يفترض للكتابة الأوتوبيوغرافية دورا بين أدوار أخرى مثلما الكتابة البيوغرافية. في لعب الأدوار هذا فإن الفضاء البيوغرافي يصبح فضاء حوار مع العمل الأدبي وعلاقة بين ذاتين متموقعتين ومأخوذين من الظل الكبير الفضائحي للحقيقة: إن القارءة تصبح معرفة قادرة على أن تكون مرحة.
ــــــــــ
1- رولان بارث "موت المؤلف، مانتييا 1967. وقد أعاد نشره في حفيف اللغة (مقالاتنقدية IV)، باريس، سوي، 1984،ص 61-62.
2- ميشيل فوكو، "ما هو المؤلف؟" دفتر الشركة الفرنسية للفلسفة، ج. 3، 1969 (محاضرة 22 فبراير 1969)، ص 73-104.
3- مواقف IV باريس. غاليمار 1964 ص 48.
ميشيل كونتا
ترجمة: محمد المزديوي (كاتب عربي يقيم في باريس)