قبل ان أحبها
كانت العتمة
قبل أن أسند رأسي الى روحها
كنتُ بلا قلب
قبل أن أخلق الصورة
قذفتْ بي إلى المرآة
قبل أن أحصد الطين
وأطبخ الفراغ
قبل أن أعد الفقراء
بيد خالية
قبل، وقبل، وقبل…
قالتْ: هنيئا لنا
نحن الذين جاؤوا من شجرة الغريب
هبطنا سوياً،
على موائد ليل وحرب
نحن الذين قسْنا أكتافنا بجلود الثعابين
نغرق بدون آبائنا الخشبيين
لدينا زوارق قضمتها الديدان
وأمنياتٌ زرقاء في الأعياد المستعملة
أيتها البنت:
الأيام القادمة رخيصة مثل سجائر «المونتانا»
لن يكون لديك وقتٌ للتسوق،
وتبديل الأهل في دكاكين الخردة
ترتدين تنورة «الميني جيب»
لشتاء لا يعرف الأقمشة الملونة
ولا القصائد الاسمنتية،
بيتنا باردٌ للغاية
فهل لك أن تشتري عزلتي
أو أؤجرك قلبي قبل أن ينام؟!
حاولي إسكات طفلكِ
فالحرب ازعجت أمنا الأرض
وأكلت اخوتنا القطط
ألسنتنا – أيضاً – أكلتها الضفادع
والكلام تحرك في الماء
القميص لا يكذب
قددته أنتِ
رتقي ما هتكت يداك
من البلاغة في شقوق العبارات
تعلمي الحياة من القواميس إن أمكن
البكاء لا يعني أنك قابلة للمحو،
أو أنك طاهية جيدة
علاقتك تبدو فاترة
مثل نهار فارغ
تلعكين اللبان مع «زرياب»
وتقرئين النجوم مع «لوركا، بيضون، قاسم حداد، بورخيس، أدونيس»
كل هؤلاء الأصدقاء عاطلون تماماً
تركنا لهم حرية التسكع داخل رؤوسنا
لمجرد الوعود، فقط الوعود
بنبيذ ما زال يختمر
في جرارهم اللعينة!
أمي: هل أنت جاهزة يا أمي
حبيبتي لا تزال ضيقةً على جسدي
وألبستي أتلفتها الحروب!!
تعرفين يا أمي:
الخريف سائس حرب،
وشجرة السيسبان اعتقلها
بوليس الآداب
أما أنتِ:
لن تتفهمي عمراً
صار شرخا في زجاجة أيام
فلماذا تحتملين البكاء بغيري
مع أني لم أقل أنك حبيبتي
لن أبيع أقمشتك للشمس
لقد نسيت ليلك وخيانة النوافذ
نسيت نجمةً صادرها البدو
نسيت عطرك يعبث بقلبي
نسيت التعب، ولسانك تمدد في فمي
نسيت أيضاً أننا نسَّاؤون.
لا شيء يمكنني فعله الآن
فقط افردي ماءك
علني أسلك القميص
أو فجري غضبك البائت في رأسي
أمضي، ووقتي هو الآخر يمضي
كأنما نحن قطعان
تذروها رياح في عتمة الجهات
أنا محض جسدٍ غالباً ما يرحل عني
وهذه ليست لغتي
حياتي ليست سوى بدل عن فاقد
الحرب ليست سيئة يا أمي
نحن فقط منْ يرى ذلك
فهي لا تنجب أطفالاً مزعجين
انظري:
هذه دياركِ لا شيء فيها عاد كما كان
لقد خذلتني حبيبتي
فلا صوت يمكنه النواح عليَّ
عدا صهيل خيلٍ تعلق بالضياح
تركت الحرب صداعه في رأسي
وأغلقتْ عليَّ جراحها
من يعينني على البكاء
إنْ لم تكوني أنتِ؟
كما كنت تفعلين
اغسلي روحي بصوتك العذب
لتكن آخر مرة أحن إليك بهذه الغزارة
حتى لا تلعنني حبيبتي،
وهي تنجز طفلنا من رجل آخر
ليس هذا ما أعني تماماً
حيث يكون الحب سهلاً
غالبا ما يكون هناك رجل وامرأة
ينهمران من الألم
على ليلٍ
مجنون
أبعدُ من هذا الفصل
ينغرز صوتك في ظهري
كرري الطعنة مرة أخرى
لن تكون هناك مشكلة
أكبر من حالة قلب تعلق بالظهيرة
لن يكون هناك أصدقاء
نلعنهم بدواع مبررة،
أو أبَ له رائحة الصَّلْب
أبعد من هذه السكين
يسلخني وهم أنك حبيبتي
أنت أبعد من قرانا البعيدة
اخوتنا من الذئبة أرضعوك الفرائس
لن تكون هناك مشكلة
لك أن ترحلي، وتتركي شتائمك
على سريري
ليس لدي ما أفقده الآن
فقط تذكري:
أن طعنة واحدة لا تكفي للنسْي
تذكري!
أن قبلة واحدة لا تكفي لإعلان حرب
الحرب دخلت غرفتي
لم أعد أحب التاريخ
يمضي بي إلى كهوفٍ سحيقات
التاريخ يكذب دائماً
علمك تخونين الحزن
وتذبحين الماء
لم أعد أثق بالمدرس
يهرش رأسي بالطباشير الملونة
أعيدي لي قميصي، وخذي حذاءك
قدمي أتعبها الركض
خلف غزالاتك الجبليات
الحرب دخلت غرفتي،
والأطفال يحلمون بصباحاتهم
ماذا لو ان السقف خانني مثلك، وقبّلهم
ربما اكتملت السعادة حينها
أخر ما لدي قصيدتك أيتها الحرب
وأزيز حبيبتي
داخل الجمجمة!!!
عبدالوكيل السروري شاعر من اليمن