مارك بوبرو- أكاديمي أمريكي
ترجمة: هناء خليف غني- أكاديمية ومترجمة عراقية
يقول الفيلسوف سقراط: «تعلم أنَّ البداية هي الجُزء الأهم في أيّ عملٍ ولاسيَّما عندما يكون مُكرسًا للتعامل مع الصِّغار في المرحلة العمريَّة الَّتي يسهُل فيها تشكيلهم»(أفلاطون، 1873، ص377أب). وهذا القول صحيحٌ في ظاهره! ويواصل الفيلسوف حديثه متسائلًا: «هل الأفضل لنا التَّغافل إلى حد السَّماح للأطفال بالاستماع إلى القصص بصرف النَّظر عن مؤلفها، وتلقي الأفكار الَّتي هي النَّقيض لِما يجب عليهم تلقيه واستيعابه عندما يكبرون؟» لكن، ما القصص الَّتي يجب ألَّا يستمع لها الأطفال؟ هل هي القصص الكاذبة؟ وهنا يعترف سقراط: «تبدأ مسيرتنا مع الأطفال بسرد قصصٍ كاذبة غالبًا ممزوجةً بقدرٍ ضئيلٍ من الحقيقة.»(المصدر نفسه، ص 377 ب).
ربما هي قصصٌ «سيئةٌ». وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا إمَّا كتابة القصص بأنفسنا وإمَّا، حسبما يوصي سُقراط وينصح، «يتعين علينا مراقبة الرّواة، وقبول الجيد في قصصهم ورفض السَّيئ» (ص 377ب). والافتراض الَّذي مؤداه هنا أنَّ الأطفال عاجزون بطبعهم عن التَّفلسف، وبالنَّتيجة، عن تمييز «جيد» القصص عن «سيئها» قد تعرضَ إلى التَّحدي في الآونة الأخيرة. والواقع أنَّ حركة «الفلسفة للأطفال» تكشفُ عن تفاؤلٍ جوهريّ بقدرة الأطفال على التَّفكير. ومع ذلك، ثّمَّة ما يجب التَّوقف عنده في حديث سُقراط. صحيح أنَّ الأطفال الصِّغار للغاية لا يتوقع منهم المقدرة على تمييز القصص «الجيدة» عن «السَّيئة»، لكن قليلًا من الإرشاد والتَّوجيه بوسعه مساعدة الأطفال الأكبر سِنًا على التَّفلسف.
المؤكد أنَّ سُقراط غير راغب بكتابة القصص بنفسه: «إنَّي أُقر وأعترف أنَّ هذه القصص المجازيَّة لطيفةٌ للغاية، لكن ليس لدى مؤلفها ما يُحسد عليه، إذ يتطلب منه تأليفها قدرًا كبيرًا من العمل والبراعة، ومتى ما شرع في عمله، عليه عندها المضي قدمًا، وتأهيل مخلوقَي القنطور والخيمر وتقديمهما بُحلةٍ جديدةٍ» (أفلاطون، 1952، ص229ب).
ووجهة نظر سقراط جديرة بالعناية لأنَّ تأليف قصص فلسفيَّة «للصِغار الرقيقين» هي مسألةٌ مُحبطةٌ على الأغلب. لأنَّه كيف يتأتى لنا كتابة قصة شائقة ونابضة بالحياة وفلسفيَّة في محتواها في الوقت نفسه؟ ما السَّبيل إلى تأليف قصَّةٍ تُقدم سؤالًا أو وجهة نظر لافتة ومؤثرة من دون أنَّ تكون مُصطنعةً في شكلها2 وزد على ذلك أنَّ «الإشراف» على الرُّواة ليس بالحل الأنجع لقلة عدد الرُّواة المستعدين للخضوع للإشراف، على حد علمنا. يُمكن القول إنَّ وسائل الإعلام الجماهيريَّة، ومنها والت ديزني، هي المسؤولة عن إنتاج الجزء الأكبر من القصص المرويَّة الأروج، في الولايات المتحدة على الأقل. ومع ذلك، ثَمَّ حلٌّ قديمٍ للباحثين منا عن قصصٍ فلسفيَّة مُمتعة ومُلهمة ملائمة للأطفال. وقد أحرزت بعض النَّجاح، قدر تعلق الأمر بي، في تقديم الفلسفة إلى الأطفال عبر مناقشة الحكايات الشَّعبيَّة، والقصص الَّتي تناقلتها الأجيال. وسأُقدم في هذه الورقة البحثيَّة وصفًا وأُدافع عن آليَّة توظيف هذه الحكايات في أحد صفوف الفلسفة المُكرسة للأطفال.
الحكايات الشَّعبيَّة في
الممارسة العمليَّة:
سُرِدت الحكاية التَّركيَّة الآتية عن رجلٍ وحماره في صفٍ للفلسفة تراوح أعمار طلابه بين العاشرة والرابعة عشرة في منطقة نيو إنغلاند: في أحد الأيام، توجه نصر الدين خوجة مع عددٍ من جيرانه إلى أحد الأمكنة، وكانوا يمتطون ظهور الحَمير. وعند بلوغهم أحد التِّلال، لاحظ خوجة أنَّ حماره يتصبب عرقًا، فنزلَ عن ظهره وهمسَ بأذنه: «أعتذر لأنَّي أُحملك فوق طاقتك إلى حد التَّصبب بالعرق.» تملك الفضول الجيران بعد ملاحظتهم ما فعله خوجة مع حماره. فسأله أحدهم: «ماذا همست بأذن الحمار؟» فردَ عليه خوجه: «قلت لحماري: ’أعتذر لأنَّي أُحملك فوق طاقتك إلى حد التَّصبب بالعرق‘.» ضج الجميع بالضَّحكِ حال سماعهم ذلك، وبادره أحدهم بالسُّؤال: «ما الَّذي حملك على فعل ذلك؟ الحمير لا يفهمون حديث البشر. إنَّهم ليسوا بشرًا على الإطلاق.» فأجابه خوجة: «ما يتعين عليّ فعله هو شأني. فعلت المتوقع من الإنسان، ولا أبالي سواء أفهم الحمار ما قلته أم لا!» 3
تفهّم الأطفال وجهات نظر الفريقين، وتدبروا رأي الجيران، إذ ليس من المعتاد الاعتذار من أحد الدَّواب أو الماشية، وهذا لشيوع تصوُّرٍ عن دونيَّة الحيوانات، وحصر الغاية من وجودها في خدمتنا؛ وتفهموا رأي خوجة أيضًا لأنَّه فعل ما يحسبُ أنَّه صحيح مع مخالفته للتصوُّرات والأفكار الشَّائعة. أحس الأطفال أيضًا أنَّ الحمار له مشاعر على الأغلب مع أنَّه ليس بشرًا ولا يفهم حديثهم. ومن منطلق تجاربهم مع الحيوانات الأليفة الصَّغيرة والماشية، فكر بعضهم أنَّ الحمار قد يُدرك ويُقدِّر نبرة الصَّوت العطوفة المواسية. إنَّهم غالبًا ما يُبينون أنَّ نبرة الصَّوت وحدَّته، ولغة الجسد هي ما تُشعرنا بالرَّاحة لا الكلمات في ذاتها. وفكر أحد الطُّلاب في الأطفال الرُّضع، ووازن بين فعل الهمس في أذن الحمار وحديثنا مع الصِّغار مع أنَّهم لا يفقهون شيئًا. بوسعنا أن نهمس بصوتٍ مُحبٍ حنونٍ: «أوه، ألست محض طفل صغيرٍ قبيح وغبيّ،» ومع ذلك، تبقى هذه العبارة مُحببة ومريحة لا عدائيَّة.
وسواء أفهم الحمار أم كان له شعور في الأصل، رأى الأطفال أنَّ خوجة كان سيفعل الشَّيء نفسه لأنَّه قال: «لا أبالي سواء أفهم الحمار ما قلته أم لا!» وعليه، ما الَّذي حمل خوجة على فعل ما فعله؟ هل اعتذر للحمار لأنَّه يستحق الاعتذار؟ أو، ربما، مثلما قال أحد الأطفال: إنَّ ما فعله خوجة ربما لم يكن اعتذارًا للحمار في الواقع، بل اعتذارًا لنفسه. معروفٌ أنَّ الصَّيادين يعتذرون لفرائسهم، (تذكر أنَّنا نتحدث عن نيو إنغلاند).
وما قيل للتو هو نموذجٌ لما يحدث في الصُّفوف الَّتي تعتمد الحكايات الشَّعبيَّة في التَّعريف بالفلسفة. إنَّ القصَّة أو الأحجيَّة تمنح النِّقاش الفلسفيّ مضمونًا ومسارًا محددًا مع ملاحظة ندرة الإحالة إلى الفلاسفة من نحو أفلاطون، وديكارت، ونيتشه. كان الشَّاعر والرَّسام التَّعبيري النَّمساويّ، أوسكار كوكوشكا مختلفًا عن تلاميذ الفن التَّقليدي، فهو {لم يستعن، طلبًا للأفكار والإلهام، «بالعظماء» (الكلمة بالألمانيَّة تعني كبار السِّن أيضًا)، الَّذين تُزين أعمالهم جدران متحف تاريخ الفن، بل اختار التَّوجه إلى متحف التَّاريخ الطَّبيعيّ لدراسة الفن البدائيّ في مجموعة المقتنيات الإثنوغرافيَّة الغنيَّة.} (Schorske, p. 328). وعلى شاكلة تلاميذ الفن، يُطلب من تلاميذ الفلسفة التَّقليديَّة قراءة أعمال «العظماء». ينبثق الإلهام من الأعمال الكلاسيكيَّة، ومن الأعمال الكاملة والكتابات التَّكريميَّة والاحتفاليَّة في مراحل التَّعلم المتقدمة. وأعتزم هنا أنْ أقتبس شيئًا من هذا الشَّاعر والرَّسام، واعتمد مقاربةً للفلسفة مع الأطفال يغلب عليها المنهج الإثنوغرافيّ. والصَّفحات اللَّاحقة هي دفاعٌ عن هذه المقاربة.
لكن، ما سبب اختيار الحكايات الشَّعبيَّة؟ أضحى إشراك الأطفال في النِّقاشات الفلسفيَّة عن طريق سرد قصصٍ فلسفيَّة أصليَّة بوصفها نقطة بداية ممارسةً شائعةً أساسًا بفضل جهود بعض الباحثين ودراساتهم، من مثل ماثيو لبمان، من معهد تعليم الفلسفة للأطفال، وغارث ماثيوس من جامعة كورنيل. يستهل الطُّلاب الدُّروس بالقراءة بصوتٍ عالٍ أو تمثيل مشهدٍ من قصَّةٍ. وفي محاولة منه لإثراء البيئة التَّعليميَّة وتشجيع الطُّلاب على النِّقاش وتبادل الأفكار بدلًا من الاكتفاء بالاستجابة السَّالبة والمُنفعلة لِما يُقال، يسأل المُدرس طلابه اقتراح أفكار مستقاة من القصَّة يُمكن لهم مناقشتها جماعيًا. وخلق «مجتمع السُّؤال والاستعلام» هو الهدف الصَّريح لِصف «الفلسفة والأطفال». المنهج مبنيٌّ على قصصٍ فلسفيَّة وأدلة إرشاديَّة للمُدرسين بواقع ثمانين صفحة. وتحتوي الأدلة على مئات من التَّمارين والأنشطة الَّتي تُحفز التَّفكير الفلسفيّ، وتُساعد في تنمية مهارة الاستعلام (برتشارد).
أحببت، من جانبي، الفكرة الأساسيَّة في مقاربة الفلسفة والأطفال، أو دعونا نُسميها «مقاربة القصَّة». ومع إقراري بعدم واقعية وجدوى سؤال الطُّلاب الصِّغار أنْ يقرأوا النُّصوص الفلسفيَّة «العظيمة» لأفلاطون أو ديكارت، على سبيل المثال، لسببين هما: إنَّها لم تُكتب للأطفال في الأصل فضلًا عن افتقار الأطفال للمهارة اللَّازمة لفهمها، فإني واثقة تمامًا من قدرة الأطفال على الانخراط في التَّفكير الفلسفيّ. ومع أنَّ ريتشارد فوكس محقٌ، على الأرجح، في حديثه عن تعذر «توقع الكثير من التَّقدم في النِّقاش الفلسفي الحقيقيّ في صُفوف الفلسفة والأطفال» (ص36)، فإنَّ ذلك لا ينفي قدرة الأطفال على التَّفلسف أو التَّعلم من الاشتراك فيها. لقد برهن غارث ماثيوس على ذلك، وتجربتي في هذا المجال تؤيد ما ذهب إليه.
دعوني استشهد بأحد الأمثلة الَّتي تُساعد في فهم الدَّافع وراء إنشاء هذه الصُّفوف، ومقاربة سرد القصّص الَّتي تعتمدها. قد يكون تعليم أساسيَّات المبارزة أمرًا صعبًا في الولايات المتحدة، فهذه اللَّعبة مجهولة تمامًا للطلاب الأمريكيَّين الَّذين لا يلعبون بالسُّيوف في فترات الاستراحة، بل ينهمكون في الغالب في لعبة كرة القاعدة أو كرة المناورة، أو يقودون الدَّراجات ثلاثيَّة العجلات أو السَّيارات الصَّغيرة إذا ما كانوا أصغر سِنًا. ولذا، لا عجب في الجهل المُطبق الَّذي يُبديه المبارزون المحتملون بقواعد هذه الَّلعبة، إذ لا يتوقع منهم، مثلًا، معرفة حركة الدِّفاع الثَّالثة. وبالطبع، كان الحال مختلفًا تمامًا في أوروبا في القرن الثَّامن عشر، إذ كان الطُّلاب مُعتادين على استخدام السُّيوف. وتبعًا لذلك، وكما أنَّ شرح مبادئ المبارزة باستثمار مصطلحات ومفاهيم يعرفها الطُّلاب سلفًا، من مثل موازنة حركات الدِّفاع الجانبيَّة بحركة ماسحات الزُّجاج الأمامي للسيارات، من المناسب والمعقول تقديم الفلسفة بأسلوبٍ أقل غرابةً وتسببًا بالهلع عن طريق سرد القصص. وعلى شاكلة مقاربة سرد القصص في صفوف «الفلسفة والأطفال»، فإنَّ سرد الحكايات الشَّعبيَّة هي وسيلةٌ مناسبةٌ لتفعيل النِّقاش الصَّفي، وبالنَّتيجة، إنشاء «مجتمع الاستعلام» من دون [الاضطرار] إلى الاستعانة بقراءة النُّصوص الفلسفيَّة الكلاسيكيَّة.
الوظيفة التَّربويَّة: لكن، لِمَ الحكايات الشَّعبية دون غيرها؟ ثَمَّ أسبابٌ تربويَّةٌ. إذ يؤدي سرد هذه الحكايات، والأنواع الأُخرى من النِّتاجات الشِّفاهيَّة، عددًا من الوظائف. فحياة الجندي تغدو أقل بؤسًا ومرارةً مع ارتفاع صوت أغاني المسير. وتوفر الحكايات الخياليَّة، والنّكات، وقصص المخاطرة وسيلةً ممتعةً للهرب من الواقع. بل إنَّ الحكايات الشَّعبيَّة تزودنا بآليَّةٍ مشروعةٍ لممارسة الضبط والرَّقابة الاجتماعيَّة، وكسب التَّعاطف والامتيازات في المجتمع المحليّ. الاستشهاد بالأمثال والحِكم، في سبيل المثال، شائعٌ في المحاكم الأفريقيَّة، إذ تستعين بها الأطراف المتنازعة. وتؤدي الحكاية الشَّعبيَّة دورًا في تعزيز الشُّعور بالتَّضامن والغرض، الشَّيء الَّذي يجعلها وسيلةً طبيعيَّةً للاحتجاج الاجتماعيّ، كما يتضح في حكايات النَّاس الشَّعبيَّة في بلدان الاتحاد السُّوفيتي السَّابق. وتؤدي هذه الحكايات وظيفةً أُخرى مهمة للغرض من مقالتنا هذه، إذ تُساعد في تثقيف الصِّغار والكِبار على حدٍ سواء بفضل شحذها للقدرات العقليَّة، ونشرها لحِكم الأجيال السَّابقة (باسكوم، 1980، ص.293).
تدبر ما يجري في هذه الحكاية الشَّعبيَّة (أو حكاية المأزق) من قبيلة آني الأفريقيَّة: دعا رجلٌ الرَّب أن يُحقق أمنيته بِأن يُصبح ملكًا، فأخبره الرَّب أنَّ عليه أنْ يتعلم معنى إحقاق الحق وإقامة العدل. وزعمَ الرجلُ أنَّه سيُنفذ المطلوب منه. نظر الرَّب إلى الرَّجُل الرَّاغب في المُلك، وابتسم، وأخبرهُ أنَّ عليه أن يطوف العالم، ويُفكر في إقامة العدل. في رِحلاته، شاهد الرَّجل الحيوانات والنَّاس، وهي تُقيم العدل، وعَلِم أنَّ في مقابل كُلّ أسد، هناك قرد مُخطئ على الدَّوام؛ ومقابل كل فيلٍ، ثّمَّة حشرة مخطئة، والقرد دائمًا على خطأ موازنةً بالإنسان. تعلم الرَّجل الكثير عن الحياة والعدالة، لكنَّ رغبته في أن يُصبح ملكًا سكنت وخمد لهبها. وختامًا، شَهِد الرَّجل بعض المشكلات الَّتي نشبت بين قرود المدينة الصَّغيرة (أيّ البشر) وقرود المناطق الرِّيفيَّة (الشَّمبانزي)، فهرع إلى إبلاغ الرَّب الَّذي سأله عن القرار الَّذي توصل إليه الطَّرفان المتنازعان. فلم يحر الرَّجل جوابًا لأنَّه غادر مبكرًا. ولذا، أمره الرَّب: «عُد بالجواب لي وستكون مَلِكًا.» إلَّا أنَّ الرَّجل لم يعد قط لإخفاق الطَّرفين المُتنازعين في التَّوصل إلى قرارٍ يُنهي الخلاف. لكن، ماذا كان سيكون قرارك؟ منْ يعرف الجواب سيكون ملكًا (باسكوم، 1975، ص 123-124)4.
في هذه الحكاية الشَّعبيَّة لغزٌ مُشوُّقٌ يتصل بطبيعة العدالة، والقارئ مدعو للتفكير بالطَّريقة الأمثل «لإقامة العدل» في المواقف الَّتي يكون فيها الطَّرفان المتصارعان متساويين في القوَّة. والآن أدعوك إلى تَدبر حكاية تجري على الألسن عن حكمة الأسلاف في تناولهم للطريقة الَّتي تبلورت بها الفضيلة والرَّذيلة: كان أحد شيوخ جماعة الشِّيروكي يُقدم لأحفاده دروسًا عن الحياة. إذ قال لهم: «ثّمَّ صراعٌ ينشب أظفاره في داخلي… إنَّه صراعٌ مريرٌ بين ذئبين، أحدهما يرمز للخوف، والغضب، والحسد، والحزن، والنَّدم، والجشع، والغطرسة، والشُّعور بالذُّنب، والامتعاض، والدُّونيَّة، والأكاذيب، والغرور الأجوف، والاستعلاء؛ والثَّاني هو رمز السَّعادة، والسَّلام، والحب والأمل، والمشاركة، والسَّكينة، والتَّراحم، وحب الخير، والصَّداقة، والكرم، والصّدق، والإيمان والتَّعاطف. وهذه الحرب نفسها مستعرةٌ نيرانها في داخلك، وفي داخل كُل إنسان على وجه البسيطة.»
فكر الأحفاد برهة من الوقت بِما قاله الجد، ثُمَّ سأله أحدهم: «أيّ ذئبٍ سيفوز؟» كان جواب الشيخ مباشرًا وسهلًا: «الذِّئب الَّذي ستُطعمه.» جدير بالملاحظة هنا التَّشابه بين مضمون ما قاله الشّيخ وما أورده أرسطو مع غلبة الخيال على الحكاية في المثال الأول: إنَّ أفعالنا هي الَّتي تُحدد الصِّفات والخصائص الَّتي نكتسبها.
التَّنوع: السَّبب الثَّاني الموجب لاستثمار الفولكلور هو هذا التَّنوع العجيب الَّذي نجده فيه من حيث المضامين الفكريَّة والثَّقافيَّة. هناك قصصٌ واقعيَّة عن التَّفاعل بين البشر والحيوانات، وحكماء يتدبرون ويتأملون أنواع التَّباين والاختلاف في الطَّبيعة، وأُسر تقاوم المُغريات؛ وقصصٌ خياليَّة عن الأبطال وأعدائهم الفظيعين، والمساعي والمهام المُستحيلة، وتحول البشر إلى حيوانٍ أو طيرٍ، والخلود بأشكاله كافة، والنِّهايات السَّعيدة دائمًا. ونجد أحيانًا تجارب فكر فيها ظواهر مستحيلة جسديًا. ولكن، ما دامت هذه القصص مترابطة، من حيث إنَّها توصيفات مُحتملة منطقيًا للمسارات الَّتي قد تتخذها الأمور، فإنَّ بوسعها أنَّ تستقطب ردود الأفعال، وتوقظ البديهة والحدس، وربما تنقل عِظة أخلاقيَّة. إنَّ الأطفال يستجيبون استجابةً متلهفةً وخلاقةً لتجارب الفكر، وسؤال «ماذا لو؟»، وأيضًا توظيف الخيال في التَّبصر في الأفكار والسِّيناريوهات المتنوعة هما أحد الجوانب المهمة في سنوات الطُّفولة. إنَّ حكمة الفولكلور، في النِّهاية، لا تتصل بحقائق مُحددة بقدر ما تتصل بُمسلمات وفرضيات ثقافيَّة. إلَّا أنَّني أرى أنَّ لبعض الحكايات القدرة على تجاوز الحدود الثَّقافيَّة لأنَّها، في جوهرها، محاولة للتعبير عن حقائق عالميَّة. تأمل التَّعبيرين الآتيين لثقافتين متميزتين لهما الرِّسالة نفسها.
أوّل التَّعبيرين من جمهوريَّة جورجيا: سمعَ رجلٌ متعلمٌ رُبان سفينةٍ يتلو أوامره في أثناء عاصفة بحريَّة هوجاء من دون أن يفهم كلمةً. وبعدما زال الخطر، سأل الرُّبان عن اللُّغة الَّتي كان يتحدث بها، فجاء جوابه: «تحدثت بلغتي الأم، بالطَّبع!» شعر المُتعلم الأريب بالأسف لأنَّ الرُّبان قد أهدر نصف سنوات حياته من دون تعلم الحديث بأسلوب نحويّ صحيحٍ ومفهومٍ. ثُمَّ اِشتدت الرَّياح ثانيةً بعد بضع ساعات، وثُقبت السَّفينة هذه المرة وبدأت بالتّمايل والغرق. عندها توجه الرُّبان إلى العَلامة وسأله إذا ما كان بوسعه السِّباحة. فرد عليه بالنَّفي. فما كان من الرُّبان إلا أنَّ يقول له: «أنا آسف، سيدي، لأنَّك ستفقد حياتك. ستغرق السَّفينة وتصل إلى القاع في غضون دقيقةٍ، وسنسبح أنا وطاقمي إلى الشَّاطئ. كان من الأفضل لك أن تقضي بعض الوقت في تعلم السِّباحة.» (واردروب، 167-168).
والمقطع الآتي هو مقتطفٌ من رسالةٍ كتبها أحد الشَّيوخ من السُّكان الأصليَّين في القرن السَّابع عشر يشرح فيها «للسلطات المحلية» السَّبب في تجاهل شباب القبيلة للمنح الدِّراسيَّة الَّتي توفرها الجامعات الأمريكيَّة: «لكنَّ عليك، أنت أيها الحكيم، أنَّ تُدرك أنَّ للشعوب المختلفة تصوُّرات مختلفة عن الأشياء، ولذا، لا أظن أنَّك ستنزعج إذا ما كانت أفكارنا عن هذا النَّوع من التَّعليم مختلفةً عن أفكارك. لدينا تجربتنا في هذا المجال. تلقى عددٌ من شبابنا تعليمهم في جامعات الولايات الشَّماليَّة، ودرسوا أكثريَّة العلوم فيها؛ لكنَّهم بعد عودتهم، كانوا راكضين سيئين، وجاهلين بوسائل العيش في الغابات، وعاجزين عن تحمل البرد أو الجوع، ولا يعرفون بناء حُجرة ولا قتل عدو ولا صيد غزال، ولا يتحدثون لغتنا بطلاقةٍ. ولهذا كله، لم يكونوا صيادين ماهرين ولا محاربين أشاوس ولا مستشارين حكماء؛ كانوا تافهين عديمي الفائدة… سنعتني بتثقيفهم وتلقينهم علومنا ونصنع منهم رجالًا.»(دريك، 77)
في هذين المقطعين -المُتخيل والواقعي- تعبيرٌ عن فكرتين أساسيَّتين هما: إنَّ الحكمةَ أو التَّعليمَ الحقيقيّ مفيدٌ للأفراد، وإنَّ ما هو مُفيد وملائم في ثقافةٍ أو بيئةٍ ما قد لا يكون كذلك في بيئةٍ أُخرى. ما الفائدة من «التَّعليم العاليّ» إذا عجز الفرد عن أداء الأشياء الأسهل الضَّروريَّة للبقاء؟ من المهم أيضًا في هذا السِّياق مراعاة السُّؤال الآتي: المقطع الأوَّل فيه من الخيال الكثير موازنةً بالمقطع الثَّاني، هذا صحيحٌ وواضحٌ؛ لكن هل هو أكثر فلسفيَّة أيضًا؟
الأصل او المصدر هو ثالث أسباب توظيف الحكايات الفولكلوريَّة في صف الفلسفة للأطفال؛ فهذه القصص لم تكن من اختراع فيلسوف ولا فرد مُحدد، بل هي تعبيرٌ عن مجموعةٍ من الأفراد أو ثقافةٍ. إنَّها بلا مؤلف بالمعنى المتعارف عليه؛ وهي محليَّة النَّشأة، بلا بداية تاريخيَّة، وقطعًا بلا عنوانٍ محددٍ. وفرصة تمكننا من ربط أيّ من هذه القصص بمصدر معينٍ هي مثل فرصة تمكننا من ربط قصَّة أو لغز بفرد مُحددٍ: كلتاهما ضئيلتان. تتواشج هذه القصص مع التُّراث تواشجًا قويًّا غائبًا في القصص المُتخيَّلة. خصَّ ستانيسلو لِم الحكايات الخُرافيَّة بالرآي الآتي: «تنحرف عوالم الأسطورة والحكاية الخرافيَّة عن العالم الواقعي مع أنَّ المؤلفين، كُلا على حِدةٍ، لا يخترعون الأساليب الَّتي يفعلون بها ذلك: في كتابتك لقصَّةٍ خرافيَّةٍ عليك أن تتقبل مُسلمات وبديهيات ليست من اِختراعك، وإلَّا لن تكتب أيَّة حكاية خرافيَّة.»(لِم، 34) الخيال مُقيدٌ هنا مع أنَّ هذا قد يكون أمرًا جيدًا لأنَّ الحكايات الفولكلوريَّة حينها قد تتمتع بأصل متجذرٍ فيها. تقول ماريا-غابرييل وورسيَّر (149) عن ذلك: «الرُّموز هي الوسيلة الَّتي ترتبط بوساطتها العوالم الماديَّة والميتافيزيقيَّة في الحكاية الفولكلوريَّة، وردود أفعال الإنسان إزاء البيئة وأفكاره ومشاعره حيالها تكتسب شكلًا خارجيًّا…إذ هي خُلاصة للمواقف والتَّجارب والأفعال والأحاسيس والتَّبصرات الأصليَّة الَّتي حافظت على أهميتها على مر الزَّمان.»
كُل ما أسلفنا قوله لا يعني أنَّ على الفولكلور أن يكون نوعًا أدبيًا مُهيمنًا أو حميدًا فكريًا أو مؤيدًا للثقافة تأييدًا يفتقر الحصافة. إنَّ الحديثَ عن الثَّقافة يتعارض معها. (أدورنو وهوركيمير). والظَّاهر أنَّ جُزءًا من كثير من تقاليد الحكايات الشَّعبيَّة يختص بنقد المؤسسة القائمة أو ما يُعرف بـ «الحِكم» أو حتَّى الثَّقافة المحليَّة. تدبر حكاية «الفيلسوف النَّاسك» من جمهورية جورجيا الَّتي تتحدث عن حكيمٍ مُغرم بالعُزلة، ويعيش بعيدًا عن النَّاس للتأمل في حماقات العالم وغروره. وفي أحد الأيام، وبينما كان يتجول في حديقتهِ الغناء، وقف الحكيم أمام شجرة جوز كبيرة تتدلى منها الثِّمار النّاضجة، وقال: «ما عِلة مثل هذا التَّنافر في الطَّبيعة؟ هنا، في سبيل المثال، شجرة جوز عُمرها مئات السِّنين، ومع ذلك، كم ضئيلة الحجم ثِمارها! الواقع أنَّها تنمو على مدار العام، لكن حجم ثمارها يبقى كما هو لا يتغير! في المقابل، تنمو ثِمار القرع والبطيخ في أشجار زاحفة صغيرة. سيكون الأمر أكثر معقوليَّة وملاءمةً لو أنَّ القرع نما على أشجار الجوز وثِمار الجوز نمت في شجرة القرع. لِمَ غياب النِّظام والتَّرتيب هذا؟» أجال الحكيم بصره بالأمر، وسار طويلًا في الحديقة حتَّى غلبه النُّعاس أخيرًا. فاستلقى تحت شجرة الجوز الظَّليلة، ونام سريعًا نومًا هانئًا. لكنَّه شعر، بعد برهةٍ، بضربةٍ خفيفةٍ على وجهه، تلتها ثانية وثالثة ورابعة سقطت على أنفه حال فتحه لعينيهِ. انتفض الحكيم واقفًا، وقال: «أُدركت الآن سِر الطَّبيعة. لو أثمرت هذه الشَّجرة القرع والبطيخ، لكن رأسي قد تحطم. فليكف الجميع، من الآن فصاعدًا، عن تلمس الأخطاء في مُخططات العناية الإلهيَّة!» (واردروب، 172-173). سيُدرك كثيرون، ولاسيَّما الفلاسفة، بسهولةٍ ويسرٍ، مغزى هذه الحكاية: ما يُعرف بالحُجة الغائيَّة أو حجة التَّصميم أو الصُّنع، ربما هي الحُجة الأقدم والأكثر شهرة على وجود الرَّب. إنَّها تتخذ المسار الآتي: (1) تكشف الطَّبيعة، إجمالًا، عن بُنى وعمليَّات منتظمة، (2) وهذه البُنى والعمليَّات المُنتظمة هي من صُنع كائن ذكيّ، ولذلك، (3) فالطَّبيعة هي من صنع كائن ذكي هو الرَّب.
تبدو هذه القصَّة، للوهلة الأولى، مُخترعة ولها رسالة أخلاقيَّة واضحة: فالغاية منها هو دعم حُجة التَّصميم أو الصُّنع. لكن، هل هذا صحيح؟ دعونا نُلقي نظرةً أعمق. أليس استنتاج أنَّ سِر الطَّبيعة مفهوم بناءً على حقيقة أنَّ الغاية من صغر حجم حبة الجوز هي تجنب إيذاء البشر هو استنتاجٌ قمة في السَّخافةِ والعبث؟ أو ربما هو قمَّة في الجهل لأنَّ «الحكيم» يفترض أنَّ الطَّبيعة خُلِقت من أجل البشر؟ أرى أنَّ هذه الحكاية هي محاكاةٌ ساخرةٌ لحجة التَّصميم والحكيم هو موضع سُخريَّة هنا. وعلى وفق ذلك، لا شيء مختلق أو واضح في هذه الحكاية الشَّعبيَّة5.
الغموضٌ في المعنى هو رابع الأسباب، وهذا الغموض هو الدَّافع إلى إنتاج «مجتمع اِستعلام» من حكايات شعبيَّة فلسفيَّة. إذ لدينا وفرة من الحكايات الَّتي يُمكن، بنحوٍ معقول، أن نُفسرها من زاويتين على الأقل. دعونا نعود إلى حكاية الحمار الَّتي انطلقنا منها. إذ بوسعنا أن نُفسر اعتذار خوجة لحماره المتعرق على أنَّه تعبيرٌ صادقٌ عن الواجب الأخلاقيّ تفوق به على جيرانه الَّذين انعدم لديهم الإحساس بالشَّفقة نحو حيوانات الحِمل. ويُمكننا، في المقابل، مساءلة دوافع خوجة والتَّشكيك بها. إذ إنَّها، ربما، محاولة منه للتملص من مسؤوليته الأخلاقيَّة الحقيقيَّة. فبدلًا من مساعدة الحمار مساعدة صادقة بتقديم الماء له أو تنشيف جسمه من العرق، اكتفى بالاعتذار منه، على شاكلة «ربما نرفض مساعدة المتسول بالمال مع أنَّنا نعبر عن تعاطفنا معه ونرجو له أفضل الآمال. هذا يجعل بُخلنا أقل عدائيَّةً ويُلطف شعورنا بالحرج. فطالما يُمكننا التَّصالح مع أنفسنا، لِمَ لا» (أحد الطُّلاب).
هل للمنفعة الذَّاتيَّة دورٌ هنا؟ الواقع أنَّ المنفعة الذَّاتيَّة هي السَّبب الخامس الَّذي يدعونا لاستثمار الحكايات الشَّعبيَّة الَّتي أرى -من منطلق عملي في تدريس الفلسفة- أنَّها أكثر تشويقًا وإمتاعًا من القصص الَّتي أكتبها بنفسي أو تلك الَّتي كتبها آخرون للدرس الفلسفيّ على وجه الخصوص. وهذا معقول تمامًا لأنَّ الظَّاهر أنَّ القصص اللَّافتة فحسب الَّتي تُثير عناية الرَّاوي والسَّامع لها حظ في الانتقال عبر الأجيال. حتَّى الحكايات الشَّعبيَّة القصيرة تلفت انتباهي. تدبر مرةً أُخرى ما قاله خوجة لجيرانه عندما سألوه عن سبب اعتذاره للحمار. إذ رد عليهم: «فعلت ما هو متوقع من الإنسان.» لم يزعم التَّميز فيما فعله أو أنَّه مُستحقٌ للمدح والثَّناء. وهذا الجواب جدير بالعناية حقًا، ويُذكرني، في هذا المقام، بكتابات فيلب هالي عن سُكان قرية لي شامبو الفرنسيَّة الَّذين أنقذوا ستة آلاف يهوديّ من براثن النَّازيَّين مع خطورة ذلك على حياتهم. يقول هالي: «لم يُفكر سُكان القرية أنَّهم «ناجحون» ولا «صالحون». إنَّهم، من وجهة نظرهم، لم يفعلوا شيئًا يستحق الشَّرح والتَّوضيح. وعندما سألتهم عما دعاهم إلى مساعدة ضيوفهم الخطرين، كان جوابهم واحدًا ثابتًا: «ماذا تعني بسؤالك: هل ثَمَّ مكان آخر يُمكنهم الذَّهاب إليه؟ أنى لك أن تطردهم؟ ما الشَّيء المُميز في استعدادك لمساعدتهم؟ لم يكن أمامنا أيّ شيء آخر نفعله.» (هالي، 13).
ثَمَّ توازٍ بين حكاية خوجة وحماره وما ذكره هالي عن سُكان القرية الفرنسيَّة: فسواء أكان الشَّخص الآخر أو الحيوان -أو أيّ شيء آخر في نظامنا البيئي- قادرًا على استيعاب ما نفعله له -أيّ معاملته معاملة فظيعةً- هو إهانة لفكرة الإنسانيَّة. ليس الفهم من متطلبات الشُّعور بالرَّحمة والحنان مثلما أنَّ الجمال ليس شرطًا ضروريًّا للوقوع في الحب كما يتبين في الحكاية الخرافيَّة الشَّهيرة، «الحسناء والوحش». يُذكرني هذا بأحد الفلاسفة «العِظام». إذ وصف مونتين في مقالته، «آكلو لحوم البشر»، الهوة السَّحيقة الَّتي يبلغها سوء الفهم بين القوى المُستعمِرة والسُّكان المُستَعمَرين. فانعدام الفهم أضحى وسيلةً استثمرها الغُزاة لإضفاء الطَّابع العقليّ على مُمارساتهم الوحشيَّة. لكنَّ مونتين أظهر أنَّ ذرائعهم، في جوهرها، غير منطقيَّة، وأفعالهم، في أصلها، وحشيَّة. ولذا، وعلى الرَّغم من اعتقادي أنَّ الفولكلور يجب ألَّا يُحلل بالطَّريقة نفسها الَّتي يُحلل بها فيلسوف ما موضوع الأخلاق عند أرسطو، على سبيل المثال، فإنَّ الفلاسفة أنفسهم يُمكنهم الخروج بشيء من دراسته. وهذا موضوع من الأفضل إرجاء الحديث فيه لوقتٍ آخر.
وختامًا: تدريس الفلسفة للأطفال مهمةٌ جليلةٌ، لكنها لا تتطلب منا أن نكون رواة قصصٍ ولا «أن نُشرف على رواة القصص». يُمكن إنجاز هذه المهمة بقليل من البراعة والابتكار بمساعدة الفولكلور الَّذي اجتاز اختبار الزَّمن، وتقديم قصص للأطفال مُمتعة ومُلهمة وخصبة المعاني دائمًا. كثيرٌ من الحكايات الشَّعبيَّة هي محاولةٌ لاستخلاص الحكمة، ومُلخص للأفكار والتَّبصرات الَّتي أثبتت فائدتها على مر الزَّمان. وبوسعنا أيضًا تعريف الأطفال بكثير من التَّقاليد عبر استجلاء الأفكار في الثَّقافات المختلفة. ونحن نتعلم من هذه القصص أيضًا. قال ليسيماخوس لِسقراط: «وعلى كبر سني، فإني مُتلهف لتلقي المعرفة مع الصِّغار.» (أفلاطون، 1996، 201ب)6.
الهوامش
المصدر Analytic Teaching and Philosophical Praxis. (2006). 25 (2):80-88
وجِهت مثل هذه التُّهم إلى روايات ماثيو لبمان المُخصصَّة للأطفال. انظر، في سبيل المثال، (Jespersen, 1993). لن أعرض لتفاصيل هذا السِّجال، ولن أُصرح برأيي فيه أو موقفي منه.
Walker & Uysal, p. 235
للاستزادة عن هذه الحكاية، راجع، دادي، 1987، ص.132-138. والواقع أنَّي قد أجريت بعض التَّعديلات لتقديم نسخة أوضح للحكاية الَّتي اوردها باسكوم.
يوضح أحد المُحَكمين أنَّ الأحمق، فيما عدا الرُّضوض في رأسه بالطبع، لا ينال جزاءه، وهذا خلاف ما يحدث في كثير من الحكايات الشَّعبيَّة الأُخرى.
أود التَّعبير عن شكري وامتناني لفرجينيا بوربو وموريس هامنغتن فضلًا عن مُحكمين اثنين في هذه المجلة لتفضلهما بتزويدي بعددٍ من التَّعليقات المُمتازة. وأود أيضًا شكر المشاركين في ’مؤتمر الفلسفة للأطفال: منظورات بينيَّة،‘ في أكسفورد، إنجلترا، 2024 حيث قدمت خُلاصة لهذه الورقة البحثيَّة. كما أُدين بالفضل إلى موغن غريغوري، وجونز إيرون، وميغن لافرتي، وثوماس وارتنبيرغ لتفضلهم بتزويدي بمجموعة من الملاحظات النَّافعة.
المراجع
Adorno, Theodor & Horkheimer, Max. (1972). (John Cummins, Trans.). Dialectic of Enlightenment. New York: Herder and Herder.
Bascom, William. (1975). African Dilemma Tales. Chicago: Mouton Press.
Bascom, William. (1980). Four Functions of Folklore. In Dundes, Alan. Interpreting Folklore. Bloomington, IN: Indiana University Press. 279-98.
Cassirer, Ernst. (1944). An Essay on Man. New Haven: Yale University Press.
Dadié, Bernard Binlin. (1987). (Karen C. Hatch, Trans.). The Black Cloth: A Collection of African Folktales. Amherst, MA: University of Massachusetts Press.
Drake, Samuel G. (Ed.). (1834) Biography and History of the Indians of North America. Boston.
Dundes, Alan (Ed.). (1965). The Study of Folklore. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall.
Fox, Richard. (2003). Thinkers or doers? The Philosopher’s Magazine. 35-7.
Hallie, Philip. (2004). From Cruelty to Goodness. Reprinted in C. Sommers & F. Sommers, Vice and Virtue in Everyday Life. Wadsworth. 4-15.
Jespersen, Per. (1993). Problems with Philosophy for Children. Analytic Teaching. Lem, Stanislaw. (1986). Microworlds. Harvest Books.
Matthews, Gareth. “Philosophy of Childhood,” Stanford Encyclopedia of Philosophy. Retrieved July 20, 2004 from http://plato.stanford.edu/archives/win2003/entries/childhood/
Müller, Max. (1871-2). On the Philosophy of Mythology. Contemporary Review 19. 97-119.
Plato. (1873). (Benjamin Jowett, Trans.). Republic. Boston: Scribner, Armstrong, and Company. Plato. (1952). (R. Hackforth, Trans.).
Plato’s Phaedrus. Indianapolis, IN: Hackett. Plato. (1996). Dialogues of Plato 3. (R. E. Allen, Trans.). New Haven, CT: Yale University Press. 87 ANALYTIC TEACHING Vol. 25 , No 2.
Pritchard, Michael. Philosophy for Children. Stanford Encyclopedia of Philosophy Retrieved July 20, 2004 from http://plato.stanford.edu/archives/win2003/entries/children/ Schorske, Carl. (1980).
Fin-De-Siecle Vienna: Politics and Culture. Vintage. Walker, Warren S. & Uysal,