عادل بن ملوك
باحث مغربي
الأدب الملتزم والفن الثوري
كإرث شيوعي خالص
“لا يخرج الفلاسفة من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية، وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم، وهم العصارة الأرفع شأنا، والأثمن، والأبعد أن ترى، والمعبرة عن نفسها بالأفكار الفلسفية. وأن الروح الذي يبني الأنظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بأيادي العمال؛ فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ -وإن لم يكن في المعدة- ليس خارجا عن الإنسان”1. في نفس هذا التمثيل الاستعاري الماركسي الرفيع لعلاقة الفيلسوف بعصره، فإن من بين ما يجعل أي مفكر -عموما- جديرا بهذه الصفة المقدسة هو ارتباطه بكل ما يمكن أن يجعله قريبا من واقعه، لهذا فإن الاهتمام بهذا الموضوع، يضع المفكر في قلب الاهتمام اليومي المتمثل في أن للفن والأدب دورًا فارقًا في تحرير الإنسان من التهجين الذي طاله وطال كينونته، وهذا التحرير لا ولن يتأتى إلا بتجاوز الواقع المعطى، واقع التردي والاستهلاك. إن جمالية الفن النبيل والأدب الملتزم تسمح بالانتصار على التشيؤ وحالة الاغتراب الإنسانيين. وهنا، يحضر الفن والأدب الثوريان، ليس كمتعة جمالية فقط، بل بوصفهما طريقة للاحتجاج، وبوصفهما كذلك مقاومة للرداءة وللتفاهة، والاستغلال والاستعباد.
لكن، ما الأدب؟ و”ما الدعوة إلى الأدب الملتزم؟”2. يجيب جون بول سارتر -الذي خص كتابًا بعينه للجواب عن هذا السؤال- بالقول (ما معناه) إن الأدب هو في كلمة واحدة “الالتزام”، الالتزام بموقف ما تجاه قضية وجودية تلتصق بالوجود الاجتماعي للإنسان، وذلك أن الالتزام في الأدب هو نوع من النضال، نضال من أجل التحرر من الاستلاب بكل أشكاله. إذ إن سارتر -فيلسوف الحرية بامتياز- يقر بأن الشخص حر، وذلك أنه “مشروع في ذاته” يتحدد من خلال التجاوز الدائم لوضعه الأصلي نحو المستقبل، وهذا التجاوز هو ما يجعله يقرر مصيره واختياراته وإمكانات وجوده. ولكن ذلك لا يتم إلا عبر المسؤولية والبركسيس (العمل)، هذا البركسيس يتجلى في الأدب ككلمة، كموقف، كقضية؛ فالكلمات ليست ترفًا، بل إنها “مسدسات عامرة بقذائفها، فإذا تكلم الكاتب فإنما يصوب قذائفه، تصويب رجل يرى أهدافه لا تصويب طفل على سبيل الصدفة”.3
ولما كان الأدب والفن التزامًا نابعًا من الإيمان بقضية ذات منحى إنساني نبيل، نبيل من حيث حفظ كرامة الإنسان، فإن ذلك لن يتأتى إلا بالوعي بالوظيفة المنوطة به. ووظيفته ليست جمالية تثير البهجة والتأمل، بل أصبحت مع الماركسية -لأول مرة- منوطة بالنضال والاحتجاج الثوريين لمواجهة كل أشكال الاستغلال الرمزي، خاصة الذي تعمل الرأسمالية على تسويقه استهلاكيا عبر منطق الهيمنة؛ فحسب ماركس أن الذي يهيمن ماديًا يهيمن روحيًا، وهذا ما تسبب بإفساد الذوق الإنساني الذي أصبح يقتات على التفاهة والرداءة التي تقدم نفسها كنموذج أيديولوجي رمزي إمبريالي.
من هنا، تنبه “ماوتسي تونغ” -وقبله إنجلز وفلاديمير لينين- إلى ضرورة التفكير في جعل الفن والأدب سلاحين بروليتاريين قادرين على المجابهة، مجابهة ثقافة الاستغلال الرمزي للبورجوازية. إذ يقول: “هناك جبهات متعددة لنضالنا من أجل تحرر الشعب الصيني، ويمكن اعتبارها كجبهتين؛ جبهة القلم وجبهة السلاح أي الجبهة الثقافية والجبهة العسكرية”.4
إن شرط وجود الأدب والفن كشكلين ثوريين رهين بوجود هامش وحيز كبيرين للحرية5، وهذا ما يسمح به المجتمع الاشتراكي6. يقول في هذا الصدد ماوتسي تونغ: “إن في المجتمعات الاشتراكية الثورية يتمتع فيها الكتاب والفنانون الثوريون بنصيب وافر من الديمقراطية والحرية، وتحرم منها فقط العناصر المعادية للثورة”.7
وفي ثورة الفن، يعتبر إنجلز أن عصر النهضة -أعظم عصر انقلاب- وأن أبطاله كانوا: “يعيشون في خضم مصالح عصرهم ويسهمون بكل جوارحهم في النضال العملي، منحازين إلى جانب هذا الحزب أو ذاك، مناضلين بالكلمة والقلم أو السيف، أو بكليهما معًا”.8
يمكننا أن نجزم بأن الأدب عامة والفن خاصة كشكلين ثوريين لم يعرفا هذا الشكل -نقصد الشكل الثوري- إلا مع الماركسية اللينينية التي ربطت الالتزام الثوري في الأدب والفن بالمجتمع الاشتراكي. وذلك أن:
“تاريخ كل مجتمع حتى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ نضال بين الطبقات: فالحر والعبد، والنبيل والعامل، والسيد الإقطاعي والقن، ورئيس الحرفة والصانع، أي باختصار، كان المضطهَدون والمضطهِدون في تعارض دائم، وكانت بينهم حروب مستمرة، تارة ظاهرة، وتارة مستترة، حروب كانت تنتهي دائمًا إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره، وإما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معًا”9.
فإن كان هناك عنف ثوري كنقيض للعنف الرجعي -كما تحدث عن ذلك إنجلز- فإن هناك كذلك فن وأدب ثوري ملتزم -نقيض الفن البورجوازي المتواطئ مع السلطة- خاص بالطبقة المناضلة والمتحررة من قيود الأدب الاستعماري الواهي والواهم. ولعل خير مثال على ذلك هو القراءات التي قام بها لينين حول هذا الموضوع حيث ذهب إلى اعتبار أن أدب ليون تولستوي -مثلًا- يجسد رمز الثورة الروسية وتطلعاتها. إذ يقول عنه لينين:
“إن تولستوي لم يبدع مؤلفات فنية فحسب ستقدرها الجماهير وتقرأها دائمًا عندما تخلق ظروفًا جديرة بالإنسان لحياتها بعد أن تطيح بنير الملاكين العقاريين والرأسماليين، بل إنه قد عرف أيضًا كيف يعكس بقوة رائعة الحالة الفكرية للجماهير الواسعة المظلومة من قبل النظام القائم، ويصف وضعها، ويعبر عن مشاعرها العفوية، مشاعر الاحتجاج والغضب”.10
وإن دلت هذه القراءات اللينينية للأدب والفن عمومًا، إنما من بين ما تدل عليه هو مفهوم الطبقة العاملة الواعية والمثقفة التي تناضل بسلاحين: سلاح القلم الملتزم أولًا، ثم السلاح العسكري المادي ثانيًا. إن الغاية من الفن والأدب -حسب ماوتسي تونغ- هي: “توحيد وتثقيف الشعب والهجوم على العدو وتدميره… بقلب واحد وإرادة واحدة”.11
أولا: في الأسس
الماركسية للفن والأدب:
ستكون قراءتنا موجهة لهذه الندوة الموسومة بـ “الأدب والفن لماوتسي تونغ”، والتي يمكن أن نعتبرها “بيانًا شيوعيًا في الفن والأدب الثوريين” -في اعتقادنا على الأقل- لاعتبارين:
الاعتبار الأول: يتجسد في التصور العام الذي ينطلق من أسس التربية الماركسية اللينينية التي يجب على الطبقة العاملة التحلي بها كموقف وكممارسة، وذلك أن هذه التربية مستمدة من قواعد الالتزام بالقضية البروليتارية المدافعة عن الكادحين والمناهضة للظلم والاستعباد الإمبريالي بكل أشكاله.
الاعتبار الثاني: فإنه ينطلق -على وجه الخصوص- من الفن والأدب الملتزمين بوصفهما سلاحًا ضروريًا وليس مجرد ترف؛ بمعنى أن قوة الأدب والفن موازية للقوة المادية.
وستكون قراءتنا لهذا المجال المتعلق بالفن والأدب في المنظومة الماركسية اللينينية -من خلال هذه الندوة للزعيم الصيني “ماوتسي تونغ”- حول الأدب والفن، قراءة موجهة انطلاقًا من عملنا على الإجابة عن ثلاثة أسئلة تعبر -في اعتقادنا- عما يحكم البناء المنطقي والتصوري لهذه الندوة:
إشكالية التعريف: لمن يجب أن يكتب/ يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
إشكالية العلاقة: ماذا يجب أن يكتب/ يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
إشكالية الغاية: لماذا يجب أن يكتب/ يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
لمن يجب أن يكتب/ يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
يجيب ماوتسي تونغ بصريح العبارة: “إننا نكتب للجمهور هو لمن ننتج أعمالنا الأدبية والفنية”12. إن الجمهور الذي يتحدث عنه ماوتسي تونغ يشمل فئة المناضلين، العمال، الفلاحين، الجنود والطلاب… “ولطالما كان جمهور أدبنا وفننا يتشكل من العمال والفلاحين والجنود وكوادرهم”.13
إن الغاية -حسب ماوتسي تونغ- من تحديد نوعية الجمهور الذي وجب أن يكتب له الماركسي اللينيني هو إشاعة ثقافة الفن الملتزم، ثقافة الأدب الهادف، أو قل باختصار؛ إن الغاية هي إشاعة ثقافة الوعي الطبقي من خلال الأجناس الأدبية والإبداعية المختلفة، وذلك من أجل الانخراط كوحدة متجانسة في النضال كل من موقعه وصفته؛ “فقد كان المشتغلون بالأدب والفن لا يعرفون معرفة جيدة من يصفون ومن هم جمهور إنتاجهم، أو كانوا في الحقيقة غرباء تمامًا عنهم”14. لذلك، إن تحديد لمن يجب أن يكتب ويبدع الماركسي -حسب ماوتسي تونغ- ضروري لأنه سيتعرف على اللغة، لغة النضال بين الجماهير الشعبية، بل إنه سيعمل كذلك على محو الفوارق الشاسعة بين الطلاب الحاملين للأفكار الماركسية والفلاحين والعمال والكادحين.
إن أول ما يجب أن يتميز به الأدب والفن المنشودين من طرف المجتمع الاشتراكي هو العمل على الإبداع من خلال لغة الجماهير؛ فالمشتغل بالأدب والفن لا يعرف معرفة جيدة العمال والفلاحين ولا الجنود، لأنه كانت: “تنقصه المعرفة الوافية باللغة الفنية والحية التي تتكلمها جماهير الشعب”.15
لذلك نجد ماوتسي تونغ يوجه نقدًا لاذعًا للمشتغلين بالأدب والفن الذين كانوا يعيشون في برجهم العاجي بعيدًا وبمعزل عن هموم الطبقة العمالية، والذي ساهم في هذا التباعد بينهم وبين فهم الجماهير هو أنهم يبدعون بلغة جافة ويابسة، بل: “إن كثيرًا -من هذه اللغة- ما كان يشوبها ما يصطنعونه من تعابير شاذة وسخيفة”16 تتنافى ولغة الشعب.
إذن؛ إجابة عن السؤال المطروح؛ لمن يجب أن يكتب الماركسي الثوري؟ ولمن يجب أن يوجه فنه وأدبه؟ في اعتقادنا، يجب أن يكون أولًا كاتبًا ثوريًا، هذا الأخير -حسب ماوتسي تونغ- يفترض فيه أن يكون متزودًا بالماركسية اللينينية العلمية17 التي تنطلق من فكرة جوهرية؛ مفادها أن كل فكر أو تمثل هو -حسب كارل ماركس- نتاج الحياة الواقعية -بما فيه الفن والأدب- التي تقوم على علاقات إنسانية تدور حول الإنتاج.
“فيتحدد سير التاريخ بتغيير نمط الإنتاج، وماركس يحدد أسباب هذا التغيير في الظروف الاقتصادية والاجتماعية”18 التي بها يعيش الإنسان ويستمر في الحياة، فحسب ماركس “ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”، وهذا المبدأ هو ما أكد عليه كثيرًا ماوتسي تونغ في معرض حديثه عن الأدب والفن بالقول: “إن الواقع الموضوعي للصراع الطبقي والوطني يحددان أفكارنا ومشاعرنا”19.
“إن الصراع الطبقي هو العامل الأساسي في انتقال المجتمع البشري من مجتمع العبيد، إلى مجتمع الإقطاع، إلى مجتمع الرأسمالية فإن هذا أيضًا مستمر في أداء مهمته التاريخية للانتقال بالبشرية إلى المجتمع الشيوعي”.20
إذ يرى ماركس أن الإنتاج هو الذي يحكم حركة تاريخ المجتمعات التي يرجعها ماركس إلى الصراع الطبقي الذي ساد في المجتمع العبودي مرورًا بالمجتمع الإقطاعي وصولًا إلى المجتمع الرأسمالي، هذا الأخير الذي تجلى فيه الصراع في أقوى مظاهره بين طبقة مالكة لوسائل الإنتاج وهي البرجوازية، وطبقة عاملة وهي البروليتاريا. هذا الصراع هو ما يجعل التاريخ كصيرورة محكومة بالتناقض بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. إذن هنا يكون التناقض، بما هو صراع طبقي، محركًا للتاريخ.
وفي مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج المادية للمجتمع، تدخل هذه الأخيرة في تناقض مع علاقات الإنتاج لتبدأ مرحلة الثورات الاجتماعية.
ما الذي يجب أن يكتب/ يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
يجيب ماوتسي تونغ بالقول: “إن حياة الشعب يكمن فيها في الأساس منجم المواد الخام للأدب والفن”.21 إن هذا الجواب الذي قدمه الزعيم الصيني يكمن في مسألة الموقف، هذا الموقف هو موقف البروليتاريا وجماهير الشعب، إذ يتخذ هذا الشعار منحى واحدًا هو وجوب التمسك بالروح الاشتراكية حول قضايا الكادحين والطبقة العمالية بصفة عامة.
إن الأدب والفن معنيان، بالدرجة الأولى، حسب ماوتسي تونغ، بإفهام الناس وتعريفهم على قضاياهم بطريقة ومعرفة جيدة. لكن كيف؟ وبمعنى آخر، ما هي الوسائل المتاحة للكاتب والفنان الماركسي الثوري لخدمة القضية العمالية؟
إن أول شيء متاح له هو الحرية، حرية الإعلاء من قيمة وكرامة الإنسان عامة. وتتجلى هذه الحرية -حسب ماوتسي تونغ- في: “أننا نشجع الكتاب والفنانين الثوريين أن يتقربوا بنشاط إلى العمال والفلاحين والجنود ونعطيهم الحرية الكاملة في الذهاب إلى الجماهير وفي خلق أدب وفن ثوريين حقيقيين”.22
ولن يتأتى هذا الأمر إلا بدراسة الماركسية والمجتمع، أي الاهتمام بالموضوعات الحية التي تلعب دورًا هامًا في حياة الجماهير؛ فالماركسية ليست قولا بل فعل ونضال وممارسة. وعليه، فهذه دعوة إلى ماركسية فعلية تمجد الحياة، خاصة الحياة العمالية، وبهذا يمكن أن نتجاوز ذلك الانعزال الذي كان يحس به المثقف وهو يخاطب الناس من برجه العاجي. ومن ثم يجب أن يكون الكاتب الماركسي والفنان الماركسي: أولًا ثوريًا؛ بمعنى تتجسد فيه الروح الاشتراكية، وثانيًا مثقفًا فاعلًا في الحياة الواقعية للأفراد، وذلك: “أن الأدب والفن الثوريين هما نتاج لانعكاس حياة الشعب في عقول الكتاب والفنانين الثوريين”.23
إذن؛ إن مصدر إلهام الكتابة والإبداع بالنسبة للماركسي الثوري هي حياة الشعب بوصفها منبعًا حقيقيًا، بينما الأعمال الأدبية والفنية التي أنتجت في الماضي ليست بالمنبع بل هي مجرد مجاز على حد تعبير ماوتسي تونغ.
إن من بين مهام الفن والأدب أيضًا -حسب ماوتسي تونغ- خلق شخصيات وعالم من الحياة الواقعية لمساعدة الجماهير على السير في درب التاريخ نحو الأمان وذلك من خلال توجيه الاهتمام إلى:
صحف الحائط التي تصدرها الجماهير.
آداب التحقيقات الصحفية في الجيش والقرى.
الفرق المسرحية الصغيرة في الجيش والقرى.
الاهتمام بالأغاني الجماهيرية والفنون الجميلة.
أخيرًا، يقول ماوتسي تونغ: “إنه لا يمكن لأي كاتب وفنان ثوري أن يقوم بعمل ذي مغزى إلا إذا كان على صلة وثيقة بالجماهير، ويعبر عنها، ويتخذ نفسه ناطقًا أمينًا بلسانها. إذ لا يمكنه أن يكون معلمًا للجماهير إلا إذا كان تلميذًا لها. أما إذا اعتبر نفسه سيدًا للجماهير، أرستقراطيًا يتعالى على “الفئات الدنيا”، فلن تحتاج إليه الجماهير، ولا يرجى لعمله مستقبل مهما تكن موهبته وقدرته”24.
3. لماذا يجب أن يكتب/يبدع الكاتب والفنان الماركسي الثوري؟
يجيب ماوتسي تونغ: نكتب “لخدمة الجماهير”25. إن هذه المسألة حسب الزعيم الصيني قد حسم فيها لينين منذ زمن بعيد (يقصد سنة 1905) بقوله:
“إن الأدب والفن يخدمان الملايين وعشرات الملايين من الشعب الكادح”.26
وعليه، لما كان الأدب والفن من أسس الثورة الشيوعية، فإنهما يشكلان بذلك نوعًا من أنواع المقاومة سواء في ميادين الأدب والمسرح والموسيقى والفنون الجميلة… لكن يمكن أن نتساءل مع الزعيم الصيني؛ كيف يخدم الفن والأدب الجماهير والطبقات العمالية؟ يجيب ماوتسي تونغ عن هذه الأمور من خلال التمييز بين نوعين من الأدب والفن:
النوع الأول: يرتبط بالإقطاعية والبرجوازية، والذي يخدم -بالدرجة الأولى- الطبقة الحاكمة كما كان في العصر الإقطاعي الصيني، ويعتبر ماوتسي تونغ أن: “الأدب والفن اللذين يخدمان الإمبريالية هما أدب وفن للخيانة”.27
النوع الثاني: يرتبط بالطبقة العمالية، وجماهير الشعب؛ من عمال ومناضلين وجنود…، وغاية كل من الفن والأدب أو: “الثقافة الجديدة الصينية في المرحلة الراهنة هي الثقافة المناهضة للإمبريالية والإقطاعية”28.
حينما تحدث ماوتسي تونغ عن الثقافة الجديدة المرتبطة بكل ما يتعلق بالطبقة العمالية، فإنه لا يلغي الأشكال الأدبية والفنية الماضية، بل يدعو إلى إعادة صياغتها بطريقة جديدة “فتتحول إلى أشياء ثورية تخدم الشعب”.29
وفي نفس السياق، وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه والمتمثل في؛ لماذا يكتب الماركسي الثوري؟ ومن يجب أن يخدم الأدب والفن الثوريين؟ يجيب ماوتسي تونغ عن هذا الأمر بتقسيم جماهير الشعب وعلاقتها بالفن والأدب حسب الأولوية؛ فالفن والأدب الثوريان:
1. يخدمان العمال أو الطبقة القائدة في الثورة.
2. يخدمان الفلاحين وهم أعظم الحلفاء في الثورة.
3. يخدمان العمال والفلاحين المسلحين (الجيش).
4. يخدمان البرجوازية الصغيرة في المدن من الجماهير الكادحة والمثقفين.
إن هذا التقسيم حول من يجب أن يخدم الأدب والفن من جماهير الشعب ليس اعتباطيًا، بل مبني على تصور يعكس علاقة الوعي بالواقع؛ فلما كانت الماركسية تنطلق من الواقع فإن هذا الأمر هو ما لم يحد عنه ماوتسي تونغ في هذا التقسيم؛ إذ بدأ بالعمال الذين يرمزون إلى حقيقة واقع الثورة في الميدان الفعلي، بينما أنهى التقسيم بالبرجوازية الصغيرة كرمز للوعي والفكر. ويعبر ماوتسي تونغ عن هذا الأمر بصريح العبارة بقوله: “يجب أن نبدأ من أساس العمال والفلاحين والجنود” لتأسيس هذا النوع من الأدب والفن الثوريين”30.
إن من غايات الأدب والفن الثوريين كذلك -حسب ماوتسي تونغ-، “المدح والفضح”31، بمعنى آخر يجب على الماركسي الثوري أن يتخذ موقفًا من الأعداء، وذلك بفضح قساوتهم وخداعهم، وفي نفس الوقت بتوضيح حتمية هزيمتهم وتبيان أن: “الرأسمالية تحفر قبرها بيدها”.32
أما الحلفاء فيجب على الأدب والفن الثوريين أن يلعبا دورين هما؛ التحالف والنقد؛ فأما التحالف فإنه يستوجب أن نثني على إنجازات المتحالفين في سبيل الثورة والمقاومة، ولكن في نفس الوقت يجب أن نوجه لهم النقد إذا هم لم يباشروا المقاومة بنشاط. أما جماهير الشعب، فيقول ماوتسي تونغ: “فعلينا بالطبع تمجيد وإصلاح -من خلال الفن والأدب- نقائصهم، أي علينا أن نكرس وقتًا طويلًا ونتحلى بالصبر في تثقيفهم”.33
لكن يتساءل ماوتسي تونغ في آخر الندوة؛ أي سياسة يجب أن يخدمها الفن والأدب؟ يجيب ماوتسي تونغ بالقول:
“إنه حينما نقول إن الأدب والفن يخضعان للسياسة، فإننا نقصد بالسياسة، سياسة الطبقة، سياسة الجماهير، لا سياسة قلة من السياسيين المزعومين. ويعتبر أن الفن والأدب شكلان أيديولوجيان، وهما تابعان للسياسة، ولكنهما يؤثران بدورهما تأثيرًا عظيمًا. لكن رغم هذه التبعية فإن السياسة ليست في منزلة الفن. وهذا الفصل بين الفن والسياسة، وتقديم السياسة على الفن ليس إلا منطقًا إمبرياليًا؛ لأنه محكوم بالمصلحة والمنفعة، إنه منطق الربح. أما المجتمع الاشتراكي فنطالب فيه “بالوحدة بين السياسة والفن، الوحدة بين المحتوى والشكل، الوحدة بين المحتوى السياسي الثوري والشكل الفني على أرقى درجة ممكنة من الكمال”.34
وفي معرض حديثه عن السياسة والفن، نبه ماوتسي تونغ لفكرة أساسية وجب على الجماهير ترسيخها قولًا وفعلًا؛ وهي المتمثلة في فكرة الحب وعلاقتها بالطبيعة البشرية؛ فليس هناك حب وحقد من غير سبب أو علة. أما الحب الحقيقي -حسب ماوتسي تونغ-: “فلن يكون إلا بعد إزالة الطبقات”.35 ومن ثم سوف يكون حبًا للبشرية جمعاء.
على سبيل الختم: الفن بوصفه احتجاجًا ثوريًا
يقول ماو تسي تونغ: إنه لا يمكن لأي كاتب أو فنان ثوري أن يقوم بعمل ذي مغزى، إلا إذا كان على صلة وثيقة بالجماهير، ويعبر عنها، ويتخذ نفسه ناطقا أمينا بلسانها. إذ لا يمكنه أن يعلم الجماهير إلا إذا كان ممثلا لمصالحها، ولا يمكن أن يكون معلما للجماهير إلا إذا كان تلميذا لها. أما إذا اعتبر نفسه سيدا للجماهير، أرستقراطيا يتعالى على “الفئات الدنيا”؛ فلن تحتاج إليه الجماهير، ولا يرجى لعمله مستقبل مهما تكن موهبته وقدرته”36.
من الحري بنا إذن، أن نقول، إن الاحتجاج، هو ذلك الحراك الذي يعبر عن استنكار أو رفض أو استهجان الوضع القائم والسياسة التي توجه هذا الواقع، وقد يتخذ هذا الاحتجاج شكلًا فرديًا أو جماعيًا. وما دام أنه لإنتاج قطعة موسيقية -مثلًا- يحتاج المرء لأدوات وكلمات وإكسسوارات، نادرًا ما تتوفر لدى الفرد الواحد، لهذا جاز لنا أن ندرج الموسيقى، كفن وكإيقاع نغمي، رافض للوضع القائم ضمن دائرة الاحتجاج في شكله الجماعي37.
إن الفن عند ماركيوز -أحد الماركسيين المجددين- أكبر من أن يتم اختزاله في أيديولوجية طبقة معينة، أو انعكاس الشروط المادية الاجتماعية للأفراد. “إن ماركيوز يتفق مع فرويد في أن الخيال يتمتع بقدر عال من الجرأة، مما يجعله قادرًا على السلب والتجاوز والإبداع ورفض القمع، وذلك لأنه يمثل قوة نفي وسلب للواقع، كما أنه يمثل طاقة خلق وإبداع في نفس الوقت”38. ومنه فإن الفن عند ماركيوز يوجه إلى الإنسانية جمعاء مادام هو تعبير عن الحياة، إن الفن هو استرجاع ما نهب من أبعاد الإنسان المسلوبة، الفن احتجاج مثالي على الواقع المنشئ عبر تجاوزه والعودة لإعادة الحياة له.
يشكل الفن الرافض للواقع المعيش، في عصرنا الراهن، ظاهرة احتجاجية جمعية، إذا صار الفن ثوريًا ورافضًا لطريقة تدبير الشأن العام، إذ يلعب دورًا مهمًا في توجيه الرأي العام وتسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كالقهر والفقر والحرمان والاستلاب واللاعدالة الاجتماعية، التي يعيشها الإنسان المعاصر، وهو من جهة أخرى أداة لتهييج الجماهير ضد سلطة الواقع. لنأخذ مثلًا الظاهرة “الغيوانية” كنوع موسيقي راقٍ ونوعي، كان في بدايته -قبل تضييق الخناق على هذه الظاهرة الفنية من طرف سلطة القصر- رافضًا للوضع السياسي ومنخرطًا في هموم الناس. ويتجلى ذلك في الكم الهائل من الأغاني ذات الحس النقدي، المصبوغ بشكل فني، التي تناهض الوضع القائم بخطاب سياسي لكن بلون فني شاعري يجعل المتلقي ينخرط وجدانيًا وسلوكًا، وتخلق لدى الجمهور لحمة تجعله يمضي في طريق تغيير الوضع الاجتماعي الذي يحياه. ويزخر واقعنا المعاصر بالعديد من المجموعات الفنية التي تتغنى بهموم الشعب ومتطلباتهم كالرصاد وناس الغيوان وكناوة…. إضافة لأغاني “ظاهرة الراب” التي باتت تستخدم فيها ألفاظ مشينة في تعبيرها عن الواقع، ولا يمكن أن نلوم مثل هذه الأغاني على تلك الألفاظ، بقدر ما نعتبر طريقة التعبير تلك دليلًا على مدى قهرية وبؤس الواقع الاجتماعي.
يمكن القول إجمالًا إن الفن مادام أنه صار يعبر بشكل جلي عن هم الناس ومتطلباتهم وحاجياتهم، ويسعى إلى تغيير الواقع بلغة وجدانية فنية، فقد صار فعلًا احتجاجيًا إيجابيًا يتطلب من المناضلين الراغبين في التغيير، التفاعل معه بشكل إيجابي والاستجابة له.
الهوامش
من مقالة كتبها ماركس في ملحق «الجريدة الرينية»، العدد 195، 14 تموز (يوليو) 1842. نقلا عن: حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الجزء 2، الطبعة الثالثة، دار الفارابي، بيروت، الصفحة 8.
جون بول سارتر، ما الأدب؟، ترجمة وتعليق محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ص 7.
المرجع نفسه، ص 22، بتصرف.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، المكتبة الشيوعية الماوية، الصفحة 91. (نقلا عن: مختارات من مؤلفات «ماو تسي تونغ»، المجلد الثالث، دار النشر باللغات الأجنبية، طبعة 1970).
وفي نفس السياق يقول لينين قائلا «إن البروليتاريا تحتاج إلى الدولة من أجل القمع، من أجل أن تقمع معارضيها وبعدها يصبح في الإمكان الحديث عن الحرية، فإن الدولة في حد ذاتها ستكف عن الوجود» المرجع: رفعت السعيد، مركسية ماركس، هل نجددها أم ننبذها؟ الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998، الصفحة 74.
المجتمع الاشتراكي جاء «كرد فعل للظلم الاجتماعي، أو كشكل تاريخي متطور للمجتمع، وإذا نظرنا إليها من الزاوية الأولى لاحظنا على الفور أن جذورها تضرب إلى أعماق الماضي البعيد، ويمكننا أن نجد آثارا لها تحت تسميات مختلفة في أقدم العصور. أما إذا اعتبرناها كشكل تاريخي للمجتمع فإننا نجد جذورها تنبت في تربة المجتمع الرأسمالي، فقد ولد المذهب الاشتراكي بمعناه الدقيق خلال القرن التاسع عشر». المرجع : جورج بورجان و بيير ريمبير، الاشتراكية، ترجمة الدكتور جلال حسن صادق، الدار القومية للطباعة والنشر، العدد 142، بدون تاريخ، الصفحة: 3.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 123.
ماركس وانجلز، المؤلفات، الطبعة الروسية، المجلد 20، الصفحة 347. نقلا عن أسس علم الجمال الماركسي اللينيني، تأليف مجموعة من الباحثين السوفييت، ترجمة جلال الماشطة، دار الفارابي بيروت، طبعة 1981 المنقحة، الصفحة 19.
اُنظر البيان الشيوعي، وهو البيان الذي أصدره كل من ماركس وإنجلز عام 1848.
لينين، المختارات، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو: الاتحاد السوفييتي 1976، نقلا عن مجلة حكمة: ليون تولستوي –فلاديمير لينين، 2016/09/23.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 93.
المصدر نفسه، الصفحة 94 بتصرف.
المصدر نفسه، الصفحة 95.
المصدر نفسه، الصفحة 96.
المصدر نفسه، نفس الصفحة.
المصدر نفسه، نفس الصفحة.
يميز ألتوسير في تطور فكر كارل ماركس بين «مقال أيديولوجي هو عبارة عن مقال فلسفي أنثروبولوجي وغير علمي، ومقال علمي هو بمثابة دراسة نظرية بنيوية تقوم على مفاهيم علمية دقيقة صارمة» المرجع: إبراهيم زكريا، مشكلات فلسفية 8، مشكلة البنية، مكتبة مصر، الصفحة 202.
فيصل عباس، موسوعة الفلاسفة، دار الفكر العربي بيروت، الصفحة: 184.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الادب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 97.
الدكتور محمد عابد الجابري والأستاذ أحمد السطاتي والأستاذ مصطفى العمري، دروس الفلسفة لطلاب الباكالورية المغربية، دار النشر المغربية الدار البيضاء، الصفحة: 497.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 107.
المصدر نفسه، الصفحة 106.
المصدر نفسه، الصفحة 107.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق ، الصفحة 112-113.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 100.
المصدر، نفس الصفحة
المصدر نفسه، الصفحة 101.
المصدر نفسه، الصفحة 101 .
المصدر نفسه، الصفحة 102.
المصدر نفسه، الصفحة 107.
المصدر نفسه، الصفحة 92.
رفعت السعيد، مركسية ماركس، هل نجددها أم ننبذها؟ مرجع سابق، الصفحة، 84.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 115.
المصدر نفسه، الصفحة 122.
المصدر نفسه، الصفحة 123.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانآن 1942، مصدر سابق، الصفحة 112-113.
∙للتوسع في هذا الموضوع أكثر يمكن الرجوع إلى دراستنا الموسومة بـ؛ عادل بن ملوك، ماكس فيبر؛ الموسيقى بوصفها اكتمالا للعقلنة الأوروبية، مؤمنون بلا حدود، بتاريخ 28/06/2018.
حنان مصطفى عبد الرحيم، الفن والسياسة في فلسفة هربرت ماركيوز، التنوير للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2010، الصفحة 115
لائحة المراجع والمصادر:
جون بول سارتر، ما الأدب؟، ترجمة وتعليق محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الجزء 2، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثالثة.
حنان مصطفى عبد الرحيم، الفن والسياسة في فلسفة هربرت ماركيوز ، التنوير للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2010.
الدكتور محمد عابد الجابري والأستاذ أحمد السطاتي والأستاذ مصطفى العمري، دروس الفلسفة لطلاب الباكالورية المغربية، دار النشر المغربية الدار البيضاء.
رفعت السعيد، مركسية ماركس، هل نجددها أم ننبذها؟ الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998.
عادل بن ملوك، ماكس فيبر؛ الموسيقى بوصفها اكتمالا للعقلنة الأوروبية، مؤمنون بلا حدود، بتاريخ 28/06/2018.
فيصل عباس، موسوعة الفلاسفة، دار الفكر العربي بيروت184.
إبراهيم زكريا، مشكلات فلسفية 8، مشكلة البنية، مكتبة مصر.
البيان الشيوعي، وهو البيان الذي أصدره كل من ماركس وإنجلز عام 1848.
جورج بورجان و بيير ريمبير، الاشتراكية، ترجمة الدكتور جلال حسن صادق، الدار القومية للطباعة والنشر، العدد 142، بدون تاريخ.
لينين، المختارات، ترجمة ألياس شاهين، دار التقدم، موسكو: الاتحاد السوفييتي 1976.
ماركس وانجلز، المؤلفات، الطبعة الروسية، المجلد 20، ضمن أسس علم الجمال الماركسي اللينيني، تأليف مجموعة من الباحثين السوفيات، ترجمة جلال الماشطة، دار الفارابي بيروت، طبعة 1981 المنقحة.
ماو تسي تونغ، أحاديث في ندوة الادب والفن بيانآن 1942، المكتبة الشيوعية الماوية.
مختارات من مؤلفات «ماو تسي تونغ»، المجلد الثالث، دار النشر باللغات الأجنبية، طبعة 1970.