بمناسبة زيارة وفد جمعية الصداقة النمساوية. العمانية للسلطنة، اقامت وزارة التراث القومي والثقافة معرضا فنيا لأربعة من أبرز رموز الحركة النمساوية التشكيلية وهم الفنانون أوتو شتايننجر، وليندا فايبر، وفالنتين أومان وأونا بي..
حول حركة الفن المعاصر في النمسا وتجارب هؤلاء الفنانين، وتواصلهم مع الفن في عمان كانت هذه الاضاءات:
* الفن المعاصر في النمسا، آراء ووجوه:
أوتو شتايننجر: حال الفن المعاصر مثله في النمسا كما في أي مكان بالعالم، قليلة هي الاستثناءات التي يعتد بها، سترى في معارضنا هذا الاستثناء، نحاول أن يكون ما نقدمه أصيلا.
ليندا فيبر: في النمسا داران كبيرتان للفن هما:
KUNSTLERHAUS و SECESSION
وأعتقد أن طي عاتق هاتين المؤسستين تقع مسؤولية رعاية الفن الحديث، ولكن لا تنسى وجود عدد هائل من المعارض الفنية يساهم فيرخا الحركة الفنية النمساوية المعاصرة بقوة دفع للتطوير والانجاز. وهناك رعاية خاصة بالفن النسوي.
فالنتين أومان: تمثل الحركة المعاصرة للفن في النمسا تيارات قديمة وأخرى معاصرة، أو ما يمكن تسميته بالكلاسيكي مقابل الحديث. ولاشك أن الصراع سيستمر وأتمنى له أن يستمر ليقدم لنا الجديد..
الجديد في التقنيات واستخدام الخامات والأدوات.. كما تعرف أنا مثلا أجد أحيانا نفسي أستعين بالكمبيوتر ليس كحل نهائي ولكن كأداة ضمن أدوات كثيرة.
* مصادر الإلهام للفنان النمساوي المعاصر:
أوتو: مع فنان في عمري (66سنة) صعب أن تحدد، لكنها كثيرة ومختلفة، يمكن أن تقول كل شيء، زياراتي إلى عمان نفسها هي أحد مصادري وتجدها في لوحاتي.
ليندا: الطبيعة، أحيانا اقضي شهورا في أعالي الجبال أرسم كل يوم، ستجد ذلك منطبعا في أعمالي، ثم تجدني كذلك أسجل يومياتي على لوحات فنية، تعكس روح المكان وروح الناس الذين ألتقيهم.
في لوحاتي التي شاركت بها بالمعرض الكثير من الأعمال التي تعكس البيئة العمانية، التي أجدها فريدة وأسطورية ورائعة وخلابة، طبعا أرسم عمان بعيون نمساوية، وهذه هي زيارتي الثالثة للسلطنة.
فالنتين: الحياة اليومية هي مصدر الهامي.. دائما ما أحمل دفتر الرسوم الأولية معي، أنقل الوجوه والأجواء فأنا أحب السفر وأحب الألوان المختلفة.. وعندما أجد ما أسجله أنقله سريعا ثم أعود لاشتغل عليه. في معرضي السابق بالسلطنة كانت النساء بملابسهن المميزة مصدر إلهام لي.
* المطبوعات الفنية ودورها في حركة الفن:
أوتو: قدمت في هذا المعرض مطبوعا.. كتيبا صغيرا عن عمان بعنوان : عمان.. انعكاسات ورؤى من أرض العجائب، وفيه ملامح من أعمالي، بالاضافة الى كتاباتي فقد أصدرت أحد عشر كتابا وأنا أعتبر نفسي كاتبا في المقام الأول.
ومن خلال 18 لوحة ضمها هذا الكتاب الصغير يتعرف القارئ إلى رموز عمانية، عشقتها على مدار عقد كامل تعددت فيه زياراتي إلى عمان.
ليندا: أعتقد بأهمية الكتاب الفني المطبوع القصوى، لأنه يقدم موجزا لأعمال الفنان، ويبقى كذلك للأبد، كتبي مختلفة لأنني أنجزها بالاشتراك مع كتاب وأدباء وشعراء اما أن أكتب عن أعمالهم باللون أو هم يكتبون عن لوحاتي بالحرف، أحيانا نعيش سويا لشهور كي ننجز عملا مشتركا، من أحدث هذه المطبوعات ما أنجزه معرض Osterreichichische Galerie Belvedere وهو مجموعة من لوحاتي بين عامي 87 و1997 تستوحي الطبيعة، بتوقيع أدباء كبار مثل الشاعرة Friederika Magrocher فريدريكه مايروكر، وسجلت في الكتاب يومياتي اللونية، لوحات تعكس الحياة اليومية حيث أعيش، على لوحات مربعة. وانتهز هذه الفرصة لأشكر المعرض الذي أنجز الكتاب بشكل أنيق ليظل في مكتبات عشاق الفن.
فالنتين: أنجزت كتابين، عدا كتالوجات المعارض. منها ما أعرضه هنا وهو مطبوع بلفات ثلاث الألمانية والسلوفينية والإيطالية، وبالطبع أنا أعتقد بأهمية الكتاب الفني المطبوع ودوره في تقديم الفنان.
* التواصل مع المصادر العربية والإسلامية للفن والتأثر بها:
أوتو: عشت هذا التواصل على مدار اشتراكا تم. الفنية الكثيرة.. ذهبت الى دمشق والقاهرة مثلما قدمت أعمالي في مسقط والرياض.. هذه المرة لم يتح لي التواصل بسبب برنامجي المزدحم لكن المرات السابقة أتيح لي التفاعل مع تجارب مهمة في السلطنة.. أنا أحب أعمال محمد الصايغ ورشيد عبدالرحمن وموسى عمر.. وأرى أنهم نموذج للفنان الذي يقدم جذوره في أعماله.
وأود أن أقول أنه من المهم السفر.. ليس فقط لعرض الأعمال ولكن للتواصل مع الفنانين في كل انحاء العالم.. هذا الأمر مهم جدا للشباب. مثلما هي مهمة اقامة ورشات عمل تبادلية كما حدث بين عمان والنمسا.
ليندا: أحب أن أشير إلى عشقي للخط العربي وتنويعاته السحرية.. لذا أحب أعمال محمد الصايغ، وأجد أن على الفنان أن يستلهم عادته التقليدية من بيئته.
فالنتين: أحب المنمنمات الإسلامية، وأجد أن الحضارة الإسلامية قدمت نموذجا فريدا للفن.. وقد تعرفت على الرموز العربية من خلال زياراتي المتكررة للعالم العربي.
* اختيار اللوحات الخاصة بمعرض مسقط:
أوتو: بعد دعوتنا كان على كل فنان أن يختار لوحاته بنفسه، لم أجد صعوبة في انتقاء أعمال لي تستلهم الروح العمانية والشرقية.. وسعدت لأن بعضا منها بيع.
ليندا: جئت مرتين إلى عمان، ولذا رسمت بينتها وأردت أن أعرض في مسقط هذه اللوحات.. الجبال والزهور.. أراها تستحق أكثر من عمل.
فالنتين: كان اختياري للوحات في إطار ما يسهل نقله، فاخترت لوحات كرتونية، وتمنينا جميعا كما قالت ليندا وأوتو أن تكون هناك فرصة لعرضها بإطارات.
ليندا: ولكن ربما كانت هذه الطريقة للعرض تماثل ما يقدمه أحد المعارض الأوروبية الحديقة كصرعة جديدة للعرض.
ممدوح انور
وجوه مصرية على نهر السين!
على مدى 30 عاما وهب ممدوح أنور نفسه لما يعشق: الصحافة والفن، ومن خلالهما تحقق له الكثير، ففي الصحافة ساهم في التحرير الفني لمجلات آخر ساعة وأكتوبر واليمامة مثلما أكد قلمه النقدي حضوره في جريدتي الاهرام والرياض ولم يساهم بقلمه فحسب بل بصوره في جريدتي الأهرام والرياض، ولم يساهم بقلمه فحسب بل بصوره الاحترافية كذلك.
لكن الفن التشكيلي بقي عشقه الكبير، ولم يستطع خلال عشرين عاما عاشها في باريس أن ينسى تلك الملامح المصرية في الوجوه التي ظل يرسمها ويعرضها ما بين موسكو وفينيسيا ومالطة ومدريد والقاهرة وبيروت ودمشق وغيرها. وجاء معرضه في مسقط في الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ليؤكد حضور تلك الملامح وتغلغلها في الذاكرة البصرية للفنان، كما رآها حضور المعرض. ولي أن أتناول هذا المعرض من زاويتين : سعي الجمعية الى استضافة ريشات ابداعية متعددة المشارب والاتجاهات لتقدم لجمهورها وأعضائها- وهم كثر- ما يفيد الواقع التشكيلي المتنامي بالسلطنة، وخاصة حرص الفنانين على اقامة ورشات عمل بحضور شباب الجمعية لشرح تقنياتهم الخاصة.
الأمر الثاني هو لوحات المعرض نفسه، حيث نجح الفنان ممدوح انور في توظيف معارضه التصويرية لم تركيب الكادر، توزيع الاضاءة، البعد الثالث) في تكوين لوحاته، لذا رغم دكنة الألوان تضيء الوجوه بكثير من البهجة، ففي لوحة العتبة – على سبيل المثال – يحتل الاسود بأكثر من نصف مساحة اللوحة، لكن إضاءة الوجه وعتبة السلم الداخلي هي التي تبقى في الذهن لمشاهد اللوحة، الامر نفسه على ثيمات لوحاته الأخرى ينطبق مقهى الفيشاوي، مساحات مهيأة، نغم… وغيرها.. أما لوحة الفرعون فحكايتها أكثر إثارة بألوانها البنية، فالمتأمل لوجه الفلاح المصري يستطيع بقليل من التركيز أن يرى روح رمسيس الثاني وقد تناسخت عبر القرون في وجه ذلك الفلاح، كأنها تختزل حضارة آلاف السنين مرشحة بألوان معاصرة.
تشارلز بورويل
في المتاهات الإنسانية
في متاهات تشارلز بورويل تحاصرنا خامات مختلفة : ألوان مائية، فحم، جواش، باستيل، كولاج، وكلما تأملنا تلك المتاهات التي تحمل عناوين مختلفة ومؤتلفة، كسلسلة لا تنتهي، تجاوزنا سطح اللوحة الى طبقاتها الأبعد، لوحاته التي تبلغ المتر المربع، ويمكن رؤيتها من أية زاوية تشكل نموذجا للفن المعاصر الذي يحكي ويحاكي اضطرام الحضارة الحديثة بتعقداتها. في حواره المطول معي بمجلة «نزوى» سرد تشارلز بورويل استلهاماته الأولى يؤكد أن ورشات العمل التي قدمها بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية وجامعة السلطان قابوس عرض شرائح مصورة لسلسلة من أعماله، وفنانين امريكيين معاصرين، وهو يقصد بذلك الى عرض مختلف عما اعتادته العين هنا.
والمشاهد للوحات بورويل يرى عمق تلك الطبقات التي تشف عما تحتها عبر خدوش تقنية، مسكهما ما أسماه بالوحدة البيولوجية الفنية وهو عمل زخرفي يستمد أيقونته من أعضاء بشرية او ربما ميكروسكوبية.
استخدامات بورويل التكنولوجيا تأتي كمرحلة متطورة من تدريباته الفنية، تلك التدريبات التي بدأها بعشق كل ما هو شرقي الرسوم مثل الحروفية الهندية والصينية، ويحكي كيف أثارت رسوم فارسية قبل ربع قرن حاسته الفنية فلبى فنيا ذلك النداء الغامض، ومضى يطور من تقنياته حتى امتلك أسلوبا متميزا، يؤكد صراع الفنان المعاصر- الداخلي والخارجي في آن – لامتلاك أدواته.
يستخدم بورويل أحيانا الطباعة الحريرية خلال العمل، مثلما يستخدم الصور المعالجة بالحاسب الآلي، ويجمع بينها وبين خامات عديدة، الهدوء الذي يرتسم على ملامحه لا يشي أبدا بذلك الذي يمور في المتاهات الانسانية التي يرسمها، انه نموذج للمبدع الذي يضمر بصراعات الكون في علاقته مع عمله، لكنه لا يملك أن يكتمها عن المشاهد لها.