ليس ثمَّة مَنْ يتخيَّلُ الغبارَ
شجرة ًأكثرَ منـِّي
شجرة ًصاعدة ًدائما
شجرة..
تستطيعُ الذاكرة ُأنْ
تبنيَ عُشـًّا فيها
وقتما تشاء
الغبارُ..
حنينٌ دائمٌ لطفولةِ الترابِ
أوَّلُ أسماءِ المدائن
والظلُّ الأعلى لهذه الحياة
…
على جبلِ الأوليمب
تجدُ غبارَ الآلهةِ
أي الشجرة التي
علـَّقت عليها السماواتُ
خيمة َقدرتها الهائلة
…
على الصحراءِ
يرسمُ الغبارُ لوحته
حيث ينبحُ الرملُ قافلة
الصمتِ العابرة
…
فوق البحرِ
يداك تلمسُ غبارَ التعبِ
إذ تعدُّ الأمواجُ
ما مرَّ بها من أعمار
…
وفوق قصيدتي..
تبصرُ غبارَ الروحِ
…
الغبارُ..
الراوية ُالأكثرُ صدقا
منـِّي ومنكَ ومن كتبِ التاريخ
…
يوميًّا يشاهدُ الغبارُ نفسَه
فوق بيتٍ ينهارُ
أو خلف سيَّارةٍ لاهثا
متعبَ الرئتين
إلاّ أنـَّه يحبُّ وظيفته اليوميّة
خاصَّة في زمنِ الحربِ
إذ يتعلـَّقُ بشرفاتٍ عاشقةٍ
وحقائب مسافرين
وجثثٍ ناضجةٍ
…
إنـَّه يجيدُ التخفـِّي
إلاّ أنـَّه قد يتراءى أمامك
لا تخفْ..صافحْه واسألـْه
سوفَ يطمئنـُك ولا شكَّ
سيقولُ: انتظرني
سوفَ أتبعُ جنازتك
..
الغبارُ..
الذي هو سحابة ٌعابرة
تصنعُها أقدامُ الهواءِ
الكائنُ الهشُّ
الذي يعتبرُه الكثيرون ليسَ بشيء
هو ما سوفَ يبقى
من هذه الأرضِ
حين ترتطمُ بها
قنبلة ٌأو كوكبٌ
أو حذاءُ
طفلٍ يكرهُها.
l فرصة أخيرة
أبحثُ عَنْ عَمَلٍ..
بمقدوري نقل غابةٍ إلى البحرِ
أقصدُ..
صنع سفينةٍ على هيئةِ شجرة
…
أستطيعُ..
أنْ أُعلِّقَ على حِبالِ الريحِ
ورقةً على هيئةِ طائرة للأطفال
…
يمكنني..
أنْ أعدَّ طبقا مِنْ حِساءِ الغيم
…
أنا مُتفرغٌ تماما
وأنا أكثرُ مَنْ يمكنُه أنْ يقومَ بدورِ طائرٍ
أمام كاميرا السماءِ
…
تريدون مُعلِّما للحقولِ..
حسنا..
سألقِّنُها دروسَ الاخضرار يوميًّا
…
بالنسبةِ لدكانِكَ أيُّها النهارُ
فأنا أفضلُ مَنْ يَزِنُ مثاقيلَ الضوءِ للراغبين
…
منذُ مُدَّةٍ أبحثُ عَنْ عَمَلٍ
لدى الصحفِ التي تهتمُّ بالذكرياتِ
…
على شاحنةٍ تنقلُ الشهداءَ إلى منازلِهم
في ليالي الأعيادِ
…
في مصلحة ِالبريدِ لأتلقى رسائلَ طفلٍ
لم يعدْ يُشبهني
…
أبحثُ عَنْ عَمَلٍ
فقط امنحوني الفرصةَ
قبل أنْ أضطرَّ
للبدءِ في كتابةِ الشِّعْر.
حسن شهاب الدين