حسن المودن
1 – نحوَ محكي جديد
صدرت للشاعر الرّوائي المغربي محمد الأشعري رواية جديدة بعنوان: العين القديمة (منشورات المتوسط، 2019)، بعد أن أصدر أربع روايات: جنوب الروح ( 1996)؛ القوس والفراشة ( 2010؛ جائزة البوكر 2011)؛ علبة الأسماء ( 2015)؛ ثلاث ليال ( 2017).
ومن روايته الأولى إلى روايته الأخيرة، يمكن أن نفترض أنّ محمّد الأشعري من الروائيين العرب المعاصرين الذين يؤسّسون محكيّا نسميه بـ: محكي الانتساب العائلي؛ ففي رواياته، نكون أمام ذات ساردة/ كاتبة تثير مسائل جديدة: مسألة العودة إلى الأصول، والحفر عميقًا في الماضي العائليّ، ومساءلة الذات لإرثها العائلي الإشكاليّ، وإعادة بناء معناها للهوية، والبحث عن الذوات والجماعات العائلية الحميميّة، والسؤال عمّا إذا كان ممكنًا أن تحيا الذّات من دون أصول، ومن دون جذور، ومن دون محكيات عائليّة.
وإذا استحضرنا، بإيجاز، روايته الأولى: جنوب الروح، قبل أن ننتقل إلى روايته الأخيرة، موضوع هذه الدراسة، فإننا نفترض أن تلك الرواية الأولى هي التي دشنت هذا البحث في الأصول والجذور، وتلك العودة إلى الأرض الأصل: فقد هاجر الفرسيويون من بلدتهم الأصل، وشاءت الأقدار أن يحطوا الرحال في مكان بنوه وسموه “بومندرة”، لكنهم بقوا مسكونين بحنين صاخب إلى المكان الأصليّ، فنسجوا حوله حكاياتٍ كأنّها وصايا سريّة، يتوارثها الأبناء والأحفاد؛ وكان الفرسيوي الجدّ حكواتيًّا، وابنه محمّد حكواتيًّا ترك وراءه دفترًا سريًّا ما إن قرأه الحفيد محمد حتى أخذته رغبة مُبهمة في خوض تجربة وجوديّة جديدة: العودة إلى الأرض الأصل.
ونفترض أن روايته الجديدة: العين القديمة، كما الروايات السابقة، تكرّس، بشكل من الأشكال، هذا المحكيّ الجديد الذي يمارس نوعًا من البحث في أصول الذّات وجذورها العائليّة؛ مع تسجيل ملاحظات بخصوص هذه الرواية الجديدة: الأولى أن سؤال الأب ومحكيّ البحث عن الأب يكاد يكون السؤال/ المحكيّ المُهيمن على الرواية، وإن كان سؤال الأم مطروحًا هو الآخر وربّما بالقوة نفسها (فمسعود فقد أمّه صغيرًا، ولم يعرف للأمومة معنى، وتكفلت به أخته الكبرى لكنها ماتت وهو في سنٍّ مبكرة، فزوجة أبيه ثم عمته؛ أما منى وأسامة فهناك نوع من الشك في الأم الحقيقية لكل واحد منهما..)، حتى نكاد نقول إن السؤال المركزي هو: ماذا عن ذات من دون أبوين ( مسعود: أم ميتة وأب هرب منه وتخلّى عنه) أو عن ذات لا تعرف بالضبط من هما أبواها الحقيقيّان ( منى/ أسامة)، أو عن ذات هي من دون عائلة أو تراث عائلي( مسعود) أو غيّرت عائلته اسمها العائلي، فكأنّما هو من دون عائلة (الآخر صديق مسعود بعد أن فرض أخوه المحامي الثري على كل إخوته تغيير الاسم العائلي، فقبلوا باستثناء الآخر). والملاحظة الثانية، أن محكيّ البحث عن الأب ومساءلة الأبوة تمارسه أكثر من شخصية، ولأسباب وأهداف مختلفة (مسعود يسائل أباه الذي سكت عن اغتصاب ابنه، وهرب به إلى المدينة كأنما تخلى عنه؛ ومنى التي تتساءل ربما عن غير وعي إن كان مسعود هو أباها الحقيقيّ؛ وأسامة الذي ينتظر أباه المختفي ويتساءل: ألا يكون مسعود هو أباه الحقيقيّ؟). لكن الملاحظة الثالثة هي الأكثر أهميّة: ذلك أن الشخصية المحورية، مسعود، لا تحب العودة إلى بلدتها الأصلية بالجنوب، على عكس تلك الشخصية في الرواية الأولى للأشعري، لأنّ ما وقع لمسعود في صغره من اغتصاب في تلك العين القديمة ما يزال شيئا مقموعا ومكبوتًا بداخله يقف حاجزًا بينه وبين بلدته الأصلية: يقول مسعود بعد أن طلبت منه ابنته في مكالمة هاتفية زيارة بلدته الأصلية:” وهذه التي يسمونها مسقط الرأس، أو المكان الأصليّ، أو في لغة الناس البسطاء” لبلادْ”، هي أعقد الأمكنة وأكثرها استعصاء على الفهم.. ماذا نريد بتلك العودة الواهمة، والحال أننا لن نجد المكان الذي نعود إليه (…). تساءل مسعود، هل كان سيقول الشيء نفسه عن مكان طفولته لو لم يفقد طفولته هناك، لو لم تفترسه تلك الأحراش التي تظلّل نبعًا يخرج منه الماء عصافير نزقة؟ (…). لكنّ هذا المقطع المُثير من حياته لم يكن يبرح الأرشيف البارد (…) وها هي منى تدنو بحدس غامض لتنبش في التراب.” (ص 144- 145).
ومع كل ذلك، فإن أغلب شخصيات الرواية تسائل إرثها العائلي الإشكالي، ومحكي البحث في الجذور العائلية الذي مارسته الابنة منى يحتلّ حيّزًا مهمًّا في هذه الرواية الجديدة. وهذا كله هو ما جعلنا نفترض أنّ هذه الرواية، كالأخريات السابقات، تنتمي إلى هذا المحكيّ الجديد: محكي الانتساب العائلي.
2 – الكتابة واليُتم في الرواية المغربية
نفترض أن الرّواية المغربيّة، من بداياتها الأولى إلى اليوم، تتميز بهذا المحكيّ الذي نسميه ب-: محكي اليتيم: من الأعمال الأولى التي صدرت في الأربعينيات والخمسينيات ( الزاوية، للتهامي الوزاني؛ في الطفولة، لعبد المجيد بن جلون)، وصولا إلى بعض الأعمال التي صدرت في السنوات القليلة الأخيرة (الحجر والبركة، لعبد الرحيم جيران، 2018؛ العين القديمة، لمحمد الأشعري، 2019)، مرورا ببعض الأعمال التي صدرت في السبعينيات والثمانينيات (اليتيم وأوراق، لعبد الله العروي؛ لعبة النسيان، لمحمد برادة)، يمكن أن نقول إن محكيّ اليتيم يكاد يكون المحكي الأكثر بروزا في تاريخ الرواية المغربيّة؛ وحتى ذلك الإشكال الذي يتعلق بالتمييز بين الرواية والسيرة الذاتية لا يمكن أن نفهمه وأن نستوعبه إذا لم نأخذ بعين الاعتبار خصائص محكيّ اليتيم: فاليتيم الذي يبحث له عن انتماء، عن انتساب، عن هوية، لا يمكن لمحكيّه أن يكون بهوية جنسية (نسبة إلى الجنس الأدبي) واضحة وخالصة، ومن هنا هذا الالتباس الجنسي (الجنس الأدبي) في عدد مهم من الأعمال الروائية المغربية.
ورواية: العين القديمة تزخر باليتامى، فكل الشخصيات الرئيسة هي يتامى (مسعود، ” الآخر”، منى، أسامة، أبناء المحامي أخ الآخر، أبناء مسعود..)، لكن هناك خصائص تميّز محكيّ اليتيم في هذه الرّواية، إن على مستوى الحكاية أو على مستوى الكتابة:
أولا، مسعود، الشخصيّة المحوريّة، فقد أمّه صغيرًا، لم يعرف ما معنى الأمومة؛ ربّته أختُه الكبرى قبل أن يفقدها في سن مبكّرة لتتولاه زوجة أبيه ببلدته الأصلية ثم عمته بالدار البيضاء؛ لكنّ الجديد هنا أننا أمام طفل صغيرٍ يتيمٍ مُغتصَب، ومغتصِبُه فقيه من أخوال أمّه، والأكثر خطورة أن أباه، الذي كان من المنتظر أن يحمي طفله وأن يواجه مغتصِبه، خيّب الظن: تسميه الرواية بـ الأب الهارب؛ لأنه هرب بابنه إلى مدينة الدار البيضاء وتركه عند عمّته وعاد هاربا من ابنه إلى بلدته، ليبقى ما تسمّيه الرواية بـ الطفل الجريح بجرح مضاعف: جرح سبّبه مغتصِب من جهة أمه، وجرح سببه أبٌ تخلّى عن ابنه المغتصَب. وهذا الجرح القديم “لا يستطيع (مسعود) أن يرى شيئا خارج تأثيره” (ص151). واليوم عندما يصادف مسعود تلك الصورة التي تضمّه وأباه، فهو يرى “نظرته الغائبة، وهو يتركه في المدينة ويمضي، تخرج له من ذبول الصورة وتفزعه، وتوقظ في أعماقه يُتمًا لا شفاء منه. (ص 129).
ثانيًا: ما يتعلّق بشخصيّتين مهمتين في الحكاية: منى/ أسامة: ولدا بالمصحّة نفسها، وفي الوقت ذاته، وربما وقعت حادثة تبادل الرضيعين، هذا ما تشير إليه تلك الرسالة التي تركتها هيلين، زوجة مسعود، لابنتها منى التي ستشرع في البحث عن الطفل الآخر الذي لم يكن إلا أسامة الذي” لا يعرف أباه من أمه في هذه الحكاية” (ص 222): فإذا كانت منى هي ابنة هيلين ومسعود، فإنه هو ابن أمه التي يعيش معها، وأبوه هو ذلك الذي ضاع واختفى في تلك المظاهرات التي صادفت ولادته، لكن ماذا لو كان ابنَ مسعود وهيلين؟ ألم يكن من الممكن أن يكون في أمريكا وتكون منى في هذه الأحياء الشعبية الفقيرة؟ وعلى الرغم من أنه قد كبر، إلا أمه ما يزال طفلًا كبيرًا يبحث عن أمه وأبيه، ولا بدّ له من أن يبقى طفلا وحشا لصيقًا بظهر مسعود، هذا الأب الذي لا يريد أن يعترف به، ولا يريد حتّى أن يفترض إمكانية حدوث تبادل الرضيعين في تلك المصحة.
ثالثا: ذلك “الآخر” صديق مسعود، أليس هو الآخر يتيما فقد أبويه، وهو في صراع مع إخوته، وخاصة مع أخيه المحامي الذي سيقتل لأسباب غامضة، ليترك هو الآخر أبناءه يتامى، بعد أن اتّهمت أمهم هي الأخرى بقتل زوجها، فكان مصيرها السجن.
ويبدو أن لكل عهد يتاماه: مسعود من يتامى أواسط القرن المنصرم وبداية الاستقلال، وأسامة من يتامى مظاهرات الثمانينيّات، وأبناء المحامي من يتامى ” العهد الجديد”.
رابعا: ما يميّز محكيّ اليتيم في هذه الرواية أنه يستند إلى محكيّ البحث والتحقيق، لكنّه البحث والتحقيق الذي لا ينتهي إلى حقيقة مُطلقة: فكل الحقائق نسبيّة، وكل الحكايات فيها من الواقع والحقيقة قدر ما فيها من الخيال والوهم، وكل “الروايات تقاتل بعضها بعضا بشراسة”(ص 169).
خامسا: على الرغم من أنّ الرواية مكتوبة بضمير الغائب، ويتولّى السردَ ساردٌ مجهول، إلا أنّه السارد الذي لا يعلم كل شيء، ويقول الحكاية ونقيضها، ولا يخشى الدخول إلى مناطق الغموض والالتباس، ويقلب الحكاية على ألف وجهٍ، وينظر إليها من مختلف الزّوايا، ويسمح للشخصيات بالكلام وإسماع صوتها، ويتلاعب بكل الضمائر (الغائب والمتكلم والمخاطب)، ويدرج صوت الشخصيّة داخل صوته بواسطة الأسلوب غير المباشر الحر أو بواسطة المونولوج المسرود.
3 – الرّواية والتحليل النفسيّ:
في أكثر من مكان، نجد هذه الرواية تتحدث عن التحليل النفسي والمحللين النفسيين، لكنها تلمح إلى أن التحليل النفسي، كما الماركسية، قد صارا وصفات جاهزة (ص49)؛ والأكثر من ذلك، فالمحلّل النفسي الذي يستند إلى ما يحكيه المريض، لا يريد أن يدرك أن الحكاية حكايات، وأن الحكي لا يستطيع أن يذهب بعيدًا في سبر الذات، وأن الذات نفسها قد تتلاعب بالحكاية، وأنّ الحكاية نفسها قد تتلاعب بالذات المتكلمة/ المتلقية: فـ “أجهزة التضليل ستشتغل بكامل طاقتها في محرّكات مسعود كلما اقترب المحلل النفسي من الأسلاك العارية”( ص50)، و” أنا لست أنا في الحكاية”( ص218)، وهناك دومًا هذا “البحث الدائم عن حقيقة مفترضة داست عليها الحكاية..”( ص170)..هذا ما لا يدركه المحلل النفسي الذي” يزعم بعجرفة أنه يحفر في الكلام للعثور على مفتاح الحكاية.. لا شيء يوجد في الكلام سوى الكلام..”(ص28).
ومن جهة ثانية، أفترض أن رواية محمد الأشعري لا تراهن على النفسيّ وحده: صحيح أنّ في الرواية صفحات غير قليلة يمارس فيها السارد التحليل النفسي للشخصيات، أو تمارس الشخصية نفسها تحليل ذاتها نفسيًّا، إلا أنّ الرّواية تسعى إلى أن تفهم النفسيّ في علاقته الجدلية والمركبة بالسياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ، بالتحولات التي يعرفها المغرب، وخاصة من الاستقلال إلى “العهد الجديد” مرورًا بالثمانينيّات: فالاغتصاب الذي تعرض له الطفل الفرد لا يمكن فصله عن الاغتصاب الذي تتعرض له أمته: “بصفة عامة، وبغض النظر عمّا إذا كان الأمر يتعلق به وحده كشخص أم يتعلق بالأمة جمعاء، يعدّ مسعود أن المرور إلى شيء آخر يقتضي إخماد أنفاس الوحوش كلها التي سرقت من الناس طفولتهم” (ص 151).
ومع كل ذلك؛ فنحن نفترض أن الرّواية لا تمارس التحليل النفسي فحسب، بل إنها تسائل التحليل النفسي في فرضياته ومسلماته:
3– 1 – الطفولة والتحليل النفسي
لا شكّ في أنّ التّحليل النفسي هو الذي علمنا أن فهم أيّ شخصية يفرض أن نعود إلى طفولتها، وأنّ نبحث عن تلك الذكريات المقموعة والمكبوتة، عن ذلك الجرح السريّ الذي لا يُقال. ويمكن أن نقول إن رواية محمد الأشعري لم تأتِ بجديد في هذا الموضوع: فالطفولة هي تلك العين القديمة التي منها يصدر كل ما يأتي لاحقا: فالمياه التي تنبع من تلك العين القديمة، تلك العين الأولى، أي الطفولة على وجه الاستعارة، إما أن تكون مياه الخير والحب والحياة؛ وإما أن تكون مياه الشر والعنف والموت، ونوعيّة تلك المياه هي التي تحدد المصير في المراحل اللاحقة؛ لكن الجديد في افتراضي، هو أن ذلك الطفل، الذي تعرض للاغتصاب في صغره، ليس مجرّد ذكرى، وليس مجرّد جرح، بل إنه طفل حيٌّ يكبر في الدواخل والأعماق، وكم مرّة حاول الخروج للعلن للكلام والصراخ (مثلا؛ كاد مسعود أكثر من مرة ربّما أن يطلق العنان لهذا الطفل الجريح لكي يتكلم أمام زوجته هيلين..) وبعد تقاعد مسعود من عمله، وموت زوجته، واستقرار أبنائه بأمريكا، وبعد أن صار وحيدًا، استيقظت في دواخله هذه الرغبة في القتل: مَنْ هذا الذي يريد قتله؟ من هذا الوحش الذي يلتصق بظهره ليلا ويتقاتلان إلى وقت متأخّر؟ أذلك الطفل المغتصب المقموع هو الذي كبر، وأراد أن يخرج للعلن، وأن يقتل هذا الذي يقمعه ويكبته، أو يريد على الأقل أن يدفعه إلى تحريره من هذا السجن الداخليّ الذي يكاد يقضي فيه عمره كلّه؟ أم أن ذلك الوحش الذي يلتقي به اليوم في كوابيسه ليس إلا ذلك الشخص الناعم، مساعد الفقيه، من أخوال أمّه، الذي اغتصبه صغيرًا، وهو الآن” يتحوّل في الكوابيس إلى غوريلا ضخمة، أو إلى يدٍ بضّة تطبق على فمه، وهو كان يصرخ صراخًا حادًّا قبل أن تطبق اليد على فمه، لكنّه الآن يختنق بصراخه” (ص108)، أم أنّ ذلك الوحش هو أبوه نفسه: “مرات كثيرة يختلط عليّ الأمر في كوابيسي…هل أنازلك؟ ( كاف الخطاب تُحيل إلى الأب في سياق الكلام)، أم أنازل الوحش؟ وأيّكما الوحش؟ ثم أفيق وأعرف أن وحشًا ما كان نائما في أعماقي…” (ص131)؟
وهكذا، فالطفولة ليست مجرّد محطة مضت وانتهت، وما وقع فيها يمكن أن نفسّر به ما يحدث في الحاضر؛ بل بالعكس، الطفولة المغتصبة هي محطّة تكبر فينا وتبقى حيّة، وإذا لم نحرّرها، وإذا لم ندعها تتكلم وتصرخ؛ فإنها قد تتحول اختناقا صامتا، وحشا قاتلا.
ومن جهة أخرى، هناك علاقات معقّدة بين النفسيّ والاجتماعيّ والسياسيّ: لماذا استطاع مسعود، وهو في ديار الغرب إبان ثورة 68، أن يتحرّر وأن يتزوج وأن تكون له عائلة؟ هل ساعدته تلك الثورة الشبابية الطلابية على أن يحرّر مؤقتا طفله الجريح؟ ولماذا استيقظ هذا الجرح السرّي بعد تقاعده وفقدانه زوجته؟ هل للتحوّلات السياسية والسوسيو ثقافية التي تعرفها بلده علاقة باستيقاظ هذا الوحش الداخلي؟
ما يمكن أن نسجله أن الرواية لا تراهن على النفسي إلا في علاقته بالسياسي والسوسيوثقافي: “… ثم أفيق وأعرف أن وحشًا ما كان نائمًا في أعماقي، واستفاق فجأة، لا أعرف لماذا، هل لأنّ هيلين لم تعد هنا؟ أم لأنّ الأطفال كبروا وصاروا آباء بدورهم؟ … أم لأن شيئا ما حدث..” (ص 131).
وما يمكن أن نسجله هنا أيضا أن سؤال الطفل مطروح بقوّة في هذه الرواية: مسعود يستحضر ذلك الطفل الجريح المكبوت في أعماقه، وزوجته هيلين تتساءل عن ذلك الطفل الآخر في المصحّة، ومنى تبعًا لرسالة أمّها تواصل البحث عن ذلك الطفل الآخر في المصحة، والآخر صديق مسعود يلوم نفسه لأنّه قد يكون هو السبب في موت طفله الوحيد.
3– 2 – التحليل النفسي للأنا: الأنا هي آخر
لا شكّ في أنّ المبدأ الأساس الذي ينطلق منه التحليل النفسي هو أنّ الأنا “ليست سيدة بيتها الخاص”، وأنّ هناك أشياء في أقوالنا وأفعالنا تحدث دون وعيٍّ منّا وخارج إرادتنا، وأن الأنا ليست بالتطابق والتماسك والانسجام الذي نتصوّره، والذي نجده في السير الذاتية العربية التقليدية، فالتعدد والانقسام من خصائص الشخصيّة الإنسانية، وفي كل شخصية شخصيات متعدّدة ومتعارضة؛ وهذا المبدأ هو الذي تتأسّس عليه الأنا في رواية محمد الأشعري: “دأب مسعود على عدّ نفسه شخصًا آخر، أو على الأصح شخصين، شخصًا ماديًّا يعرفه الناس بالاسم والملامح والسيرة الذابلة، وشخصًا افتراضيًّا لا يعرفه أحد سواه” (ص7). والأكثر من ذلك أن الاسم الشخصي قد يعني النقيض: إلى أيّ حدٍّ يُمكن أن نقول إن مسعودا سعيد؟ قد يراه الناس كذلك، ومن هنا صيغة اسم المفعول (مسعود)، لكن لم تسمه الرواية بـ” السعيد”، على صيغة الصفة المشبهة باسم الفاعل؟ ألأنّ السعادة لا يمارسها ولا يعيشها، بل الآخرون هم من يظنون أنه في سعادة؟ في الأحوال كلها، هناك انقسام أو تعارض بين الدالّ والمدلول في هذا الاسم الشخصي: مسعود.
ومن هنا المبدأ الثاني: الأنا هي آخر (وهذا عنوان كتاب مهم لفيليب لوجون، أحد أكبر المنظّرين للسيرة الذاتية في العصر الراهن). ومن بداية الرواية، نجد أنفسنا أمام شخصيّة مسعود التي تتميّز بشيئين أساسين: علاقتها بالليل بهذا الآخر الوحش الذي يلتصق بظهرها ويتقاتلان طيلة الليل؛ وعلاقتها بذلك الصديق ” الآخر” الذي عاشره طويلا داخل المغرب وخارجه، ولا نعرف له اسما، إنه” لاخور”، بالعامية المغربيّة، الذي يكاد لا يفارق مسعود: هناك مسعود وهناك ” الآخر” صديقه.
وبهذا يمكن أن نفترض أن هناك ذلك الآخر “الداخلي”، وهناك الآخر الخارجي: لكن حتّى هذا الافتراض يحتمل افتراضات أخرى: من هو ذلك الآخر الداخلي: أهو ذلك الطّفل المغتصب المقموع في الداخل يتقاتل من أجل الخروج والتحرّر من سجنه؟ أهو ذلك الفقيه المغتصب تريد الذات أن تخرجه من داخلها لتقاتله وتتحرر منه؟ أهو ذلك الأب الذي كان على علم باغتصاب ابنه ولم يفعل أيّ شيء سوى أنه هرب به إلى المدينة وتخلّى عنه هناك؟ أم أنّ هذا الآخر الوحش الذي يلتصق بظهر مسعود ليس شيئا داخليًّا بل إنه خارجي: هو الطفل أسامة الذي يطلب الاعتراف به ابنا لمسعود حد القتل والموت؟ … وبالمثل، من هو هذا ” الآخر” الخارجي، صديق مسعود: أهو مثيله وشبيهه؟ أهو نقيضه وغريمه؟
يعترف مسعود بأن وحشًا ما كان نائمًا في أعماقه، واستفاق فجأة، ولا يعرف لماذا، وكل ما يعرفه أنّ عليه أن يَقتل أو يُقتل، وهذه الرغبة في القتل شيء جديد عليه، هو الأب الذي ماتت زوجته واستقر أبناؤه بأمريكا، هو الموظف المتقاعد الذي كان شاهدًا على الفساد الذي صار رُكنا بنيويًّا في نظام الدولة؛ لكنّه لا يعرف بالضبط من هو هذا الآخر الذي استيقظ في دواخله وعليه أن ينازله: أهو ذلك الطفل الجريح؟ أهو ذلك الفقيه المغتصِب؟ أهو ذلك الأب الذي لم يكن أبًا حقيقيًّا؟ … كلّ ما يعرفه أن هناك آخر في دواخله وأعماقه قد استيقظ فجأة، وعليه أن يواجهه.
أما الآخر الخارجي، فهناك صديقه “الآخر” الذي عاشره طويلا خارج المغرب وداخله، حتى صار “لاخور، الآخر الأبدي، المستحيل، الممكن، الضروري، الزائد، الناقص”( ص48). والعلاقة معهما معقّدة جدا: “كلاهما كان يتمنّى في قرارة نفسه أن يكون الآخر” (ص50).
لكن هذا “لاخور” لم يكن بالآخر الخارجيّ الوحيد، وإلا ماذا عن ذلك الطفل الكبير أسامة، ذلك العملاق، الذي يمكن أن نفترض أنه هو من يهاجم مسعود بالليل، لأسباب وجيهة نعرفها: مسعود قد يكون هو أب أسامة، والأول لا يريد أن يعترف بذلك!
لكن ما يمكن أن نستخلصه هو ما تمكن صياغته في شكل سؤال: هل تريد هذه الرواية أن تضيف شيئا جديدا إلى التحليل النفسي: إذا كان الازدواج والانقسام والتعدّد من خصائص الأنا في التحليل النفسي، فإنّ الآخر، آخر الأنا، ليس بالشخصية الواحدة والمتطابقة؛ بل إنه مثل الأنا منقسم ومتعدد: فالآخر، أكان داخليا أم خارجيًّا، يتقدّم في صور متعددة وملتبسة وغامضة؟
وإجمالًا، تُثير الرواية أسئلة بما يمكن أن يسمح بمساءلة مسلّمات التحليل النفسي: ما معنى الأنا؟ ما معنى الآخر؟ هل الأنا في الواقع هي الأنا في الحكاية؟ هل الآخر في العالم الخارجي هو الآخر في العالم الداخلي؟ ماذا عن العلاقة بين الأنا والآخر؟ هل الآخر هو الصورة الأخرى للأنا أم أن الأنا هي الصورة الأخرى للآخر؟ هل هناك آخر خارجي وآخر داخلي؟ ماذا عن آخر الأنا؟ ماذا عن ذلك الآخر المقموع في الداخل منذ الطفولة؟ ماذا عن ذلك الطفل المغتصب المقموع في دواخل الذات من زمن الطفولة إلى زمن الشيخوخة؟ هل هناك من علاقة بين الطفل المقموع في دواخل مسعود منذ الطفولة وهذا الطفل العملاق الذي يأتيه الآن في شيخوخته بقصد الالتصاق به وإزعاجه ومصارعته؟ ماذا عن العلاقة بين الصور المتعددة للأنا والصور المتعددة للآخر؟
3–3 عقدة أوديب أم عقدة إبراهيم أم عقدة قابيل؟
أفترض أن سؤال الأب هو السؤال المركزي، سواء في علاقة مسعود بأبيه (مسعود كان طفلا مغتصبا هرب به أبوه من البادية إلى المدينة وهرب منه، تركه هناك وتخلّى عنه بوصفه أبا) أو في علاقة الطفل الكبير أسامة بمسعود (أسامة مولود بالمصحّة التي ولدت فيها منى ابنة مسعود، ومن المحتمل أن يكون قد وقع استبدال أحدهما بالآخر حسب رسالة أم منى: وفي الأحوال كلها، فأسامة نشأ ينتظر أباه الذي اختفى في مظاهرات الثمانينيّات، فحرصت أمه أن يبقى طفلا يكبر منتظرا أباه الذي اختفى، لكنّ أسامة هو الآخر مثل منى مارس البحث، وبلا شك اكتشف أن أباه قد يكون هو مسعود، لكن هذا الأخير لا يعرف ذلك أو لا يريد أن يعرف ذلك؛ وفي الأحوال كلها، فمشكلة أسامة هي مشكلة: الأب). وهكذا، فمن الآباء (مسعود) إلى الأبناء (منى، أسامة)، فالسؤال هو: من هو الأب الحقيقي؟ من هو الأب الأصل؟ لماذا يتخلى الآباء عن أبنائهم (مسعود الطفل المغتصب تخلى عنه أبوه، وأسامة تخلى عنه أبوه سواء كان ذاك المختفي أو كان مسعودا…)؟
لكنّ الرّواية تدفعنا إلى السؤال: ألا يمكن إعادة النظر في العلاقة بين الأب وابنه: هل الابن هو الذي يريد التخلص من الأب أم الأب هو الذي يريد التخلص من هذا الابن الوحش الذي يبقى لصيقا بظهره؟ أم الأمر يتعلق بهما معا؟
هل الأمر يتعلق بعقدة أوديب: ابن يسعى إلى قتل أبيه (مسعود الابن يريد أن يقتل هذا الأب الوحش القابع في أعماقه؛ أسامة يريد أن يقتل هذا الأب مسعود الذي لا يريد الاعتراف به؛ منى تتجاوز أباها مسعود وتبحث عن أب آخر من خلال البحث عن ذلك الطفل الآخر..)؟
هل يتعلق الأمر بما يسميه عبد الكبير الخطيبي بالعقدة الإبراهيمية: أب مفروض عليه أن يتخلص من ابنه (الأب يتخلى عن ابنه مسعود؛ ومسعود الأب الشيخ المتقاعد يُريد أن يتخلّص من ذلك الطفل الجريح القابع في أعماقه؛ ومسعود يريد أن يتخلّص من أسامة هذا الطفل الآخر الذي يدّعي أنه هو أبوه؛ وأسامة هو طفل المصحّة الذي تخلى عنه أبوه واختفى أو ضاع مع مظاهرات الثمانينيات؛ والآخر صديق مسعود يشعر بالذنب لأنه قد يكون السبب في موت طفله الوحيد..)؟
هل يتعلّق الأمر بعقدة مضاعفة مركبة: أوديبية- إبراهيمية: رغبة متبادلة في القتل بين الأب والابن؟ اللافت أن مسعود، الشخصية المحورية، يتحدث كثيرا عن هذه الرغبة في القتل، وهي رغبة مضاعفة مزدوجة: أن يَقتُل أو يُقتَل، واللافت كذلك أن الرواية تفتتح وتختتم بهذه الرغبة المضاعفة في القتل: مسعود يريد أن يُقتل أو يَقتل هذا الآخر الوحش المزعج الذي يبقى لصيقا بظهره ويصعب عليه التخلص منه.. وتنتهي الرواية بصراع جديد بين مسعود وتلك الغوريلا؟ من دون أن نعرف نتيجة هذا الاقتتال، كأنه صراع أبدي بين الأب/ الابن( مسعود) وذلك الطفل/ الأب( أسامة، الطفل الجريح/ أب مسعود، الفقيه من أخوال الأم).
ولكن هناك في الرواية أسئلة أخرى
السؤال الأول الأساس: ماذا عن سؤال الأم في هذه الرواية (ربما أن مشكلة مسعود، الشخصية المحورية، أنّه لم يعرف للأمومة طعمًا، فقبل سنّ السادسة ماتت أمه وماتت أخته الكبرى أمه الثانية، ولم تستطع عمته أن تكون له أمّا؛ لكن مسعود ليس بالوحيد، فصديقُه الآخر يبدو كأنّه يبحث عن أمّه من خلال علاقاته العاطفية والزوجيّة؛ ومنى بدأت بعد موت أمها هيلين تبحث لها عن أم أخرى من خلال البحث عن ذلك الطفل الآخر الذي ازداد معها في المصحة نفسها؛ وأسامة يبحث ربما عن أمّ تعامله بوصفه رجلا لا كما تعامله أمه الآن بوصفه الطفل الذي ينبغي له أن يبقى طفلا إلى أن يظهر أبوه؛ وأبناء المحامي دخلت أمهم السجن بعد اتهامها بقتل زوجها..)؛ فهل يتعلق الأمر بعقدة أخرى، تثير سؤال الأب كما تثير سؤال الأم: عقدة هؤلاء الذين هم “من دون أبوين”، ” من دون عائلة”…؟
لكن كل تلك العقد قد تفيد في فهم الشخصية الإنسانية بوصفها فردًا، لكن ماذا عن علاقة الإنسان بالآخرين: ماذا عن الإخوة الأعداء في هذه الرواية: ما أسميه بعقدة قابيل؟ ماذا عن علاقة الآخر بأخيه المحامي القتيل؟ لماذا كرّست الرّواية صفحات غير قليلة للصراع بين الآخر وأخيه المحامي حول إرث الأب، حول الاسم العائلي، حول تورطه في الفساد السياسي والمالي؟ لماذا تترك الرواية العديد من الأسئلة من دون جواب نهائيّ، وتترك الروايات الرسمية وغير الرسمية تتقاتل: مَن قتل المحامي؟ ألا يكون أخاه” الآخر” هو من قتله؟ ما طبيعة تلك العلاقة التي نشأت بين الآخر وزوجة أخيه عندما كان هذا الأخير في السجن، وكان هو من يتولّى أمور الزوجة والأبناء؟ لماذا زار الآخر زوجة أخيه القتيل في السجن؟
لكن السؤال الأساس هو: لماذا استخلص التحليل النفسي عقدة أوديب من تراجيديات سوفوكل وشكسبير وروايات دوستويفسكي، وأهمل عقدة الأخوة، عقدة قابيل، الحاضرة بقوة في التراجيديات الإغريقية (سوفوكل نفسه، وأسخيلوس قبله)، والحاضرة في القصص الديني (قصة قابيل وهابيل، وقصة النبي يوسف)، والحاضرة في الروايات (الإخوة الأعداء لكازانتزاكي، أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، على سبيل التمثيل)؟
وإذا كانت عقدة أوديب تساعدنا على فهم نفسية الإنسان الفرد، ألا تساعدنا عقدة قابيل على فهم أفضل لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، ولعلاقة الذات بالآخر؟
4 – أهو عجز عن بناء رواية عائلية بديلة؟
في كتابي: الرواية العربية، من الرواية العائلية إلى محكيّ الانتساب العائلي (2017)؛ افترضتُ أن الرّواية العربيّة قد شهدت محطتين رئيستين: محطة محكيّ الرّواية العائليّة، وهي محطة تضمّ نصوص توفيق الحكيم ويحيى حقي وسهيل إدريس والطيب صالح… وتتميز بهذه الذات التي غادرت عالمها الأصلي (القاهرة، بيروت، الخرطوم..) نحو عالم جديد، عجيب ومدهش( باريس، لندن..)؛ ولكنها الذات التي بقيت ممزقة بين العالمين: فلا هي عرفت كيف تنتمي إلى العالم الجديد وتنفصل عن عالمها الأول، ولا هي عرفت كيف تعود نهائيا إلى عالمها الأصلي، وتنسى ذلك العالم المدهش..أما المحطة الثانية، فهي محطة محكي الانتساب العائلي التي افترضت في بداية هذه الدراسة أن رواية: جنوب الروح لمحمد الأشعري كانت من النصوص العربية الأولى التي دشنت هذه المحطة؛ وتتميز هذه المحطة بهذه الذات التي تعيد طرح سؤال الهوية في علاقته بالمحددات العائلية، وتعود إلى مساءلة الإرث العائلي، والحفر عميقا في الأصول والجذور..
لكني أفترض أن هذه الرواية الجديدة: العين القديمة تختزل المحطتين معا، مع وجود فارق أو أكثر:
إذا ركزنا على مسعود، الشخصية المحورية، فإنه من الممكن أن نقسم حياته إلى محطتين: محطة غادر فيها المغرب نحو الديار الغربية، وعاش ثورة 68، وأصبح خبيرا في منظمة دولية كبيرة، واستطاع أن يقيم علاقة عاطفية وزوجية مع امرأة غربية، وأن ينجب منها أبناء سينجحون في حياتهم المهنية والاجتماعية؛ وبذلك كله، استطاع أن ينجح في بناء رواية عائلية بدلا عن تلك التي لم تكن له من قبل في بلده الأصلي. فما الذي حدث بعد ذلك فيما نعتبره محطة ثانية؟
تتميز المحطة الثانية بعودة مسعود إلى بلده المغرب، ولكنّه عجز عن بناء حياة عائليّة جديدة، وخاصة بعد غياب زوجته ثم بعد موتها وتقاعده، لماذا؟ لماذا عجز مسعود في بلده عن بناء رواية عائليّة بديلة؟ ألأنّه اشتغل بوزارات بلده واكتشف الفساد الكبير في نظام الدولة؟ ألأنّه فشل في مقاومة الفساد وإحداث تغيير في وسطه المهني والسوسيوثقافي؟ ألأنّه اكتشف زيف الشعارات هو الخبير بما يحدث في واقع الدولة والمجتمع؟ ألأنه لم يجد بديلا عن زوجته هيلين، فهو في علاقة مع زميلته في العمل، لكن لها وجهين: وجه الحجاب والمحافظة في الخارج ووجه نقيض داخل الشقة؟ ألانه لا يتحمل هذه الازدواجية في الشخصية المغربية، في المجتمع المغربي؟ أيعود ذلك إلى التقاعد عن العمل والدخول في مرحلة الشيخوخة؟ أيعود ذلك إلى استيقاظ جراحات الطفولة؟
لكن لماذا لا يغادر مسعود البلد ليستقر مرّة أخرى في الخارج عند أبنائه، لماذا بقي لصيقا ببلده، أو لماذا بقيت بلده لصيقة به كما ذلك الوحش الذي يلتصق بظهره حد القتل والموت؟
هل يمكن أن نقول إن العجز والفشل والتردّد هي من خصائص ذات لا هي استطاعت أن تبني في بلدها رواية عائلية بديلة، ولا هي استطاعت أن تغادر مرّة أخرى إلى ذلك العالم الآخر من أجل تجربة جديدة، ولا هي استطاعت أن تعود إلى ماضيها العائلي، وأن تعود منه برواية عائلية تكون سندها في زمن الشيخوخة والعجز؟