يبدو "فن انجاب الأولاد" منسيا جدا اليوم ، لقد ورد ذكره في المعجم الشامل للقرن التاسع عشر، إنما ليس في فهرست "تاريخ العلوم العام " (المطابع الجامعية في فرنسا). ولما كان أقل نجاحا من علم التنجيم أو فن علم الكيمياء (الكيمياء القديمة ، علم تحويل المعادن ) لم يصمد ، حتى بقدر ما يسمى عادة ، "العلوم المزيفة " مثلا. وصحيح أن علم فن انجاب الأولاد لم يكن له سوى عالم نظري واحد أوحد،إنه مؤسسه الفرنسي "برنار مولانBernard Moulin.
مع ذلك لهذا العلم غاية لا يمكننا التشكيك في أهميتها. فهو يقدم ،دللمنجمين المهتمين بسلالاتهم وسيلة سهلة لتزويد أولادهم
ببنية دماغية موفقة ، هي الشرط الذي لا غنى ة نه من أجل الموهبة المتفوقة ". فبفضل دراسة متقدمة جدا للظروف وأساليب الانسان ، كان "برنار مولان" B.Moulin". يعتقد أنه وجد الاجابة على السؤال التالي.: شيف ننجب بإرادتنا موسيقيا أو خطيبا أو وزيرا أو عالما عبقريا؟ إن اسم هذا العلم "الفرينيوجيني"، الذي يتشكل بطريقة غريبة من ثلاث كلمات يونانية ، يعني: "فن إنجاب أولاد" تكون لهم (أعضاء فكرية ) جيدة. هذا هو التفسير الذي أعطاه "مولان " نفسه في كتابه المهمل جدا: "فرينيوجيني" الذي ظهر عام 1868م عند الكتبي "دانت Dantu "فبرزت فورا تزكية مزدوجة الأولى لفراسة الدما في والثانية لعرف كامل يتعلق بالانجاب المنهجي لاناس متفوقين.
علم الحدبات
أما "الفرينولوجيا" (فراسة الدماغ ) فقد تركت ذكريات أكثر عددا، كما تشهد بذلك العبارة "ان له حدبة الرياضيين ". إذ أن فراسة الدماغ هي بعبارات بسيطة علم حد بات الجمجمة. في "غال"Gall" الذي ولد ألمانيا عام 1158 وتوفي فرنسيا عام 1828) لم يكن مجرد مبدع هذه النظرية التي سرعان ما أصبحت مشكوكا فيها) بل كان فضلا عن ذلك ، عالما ناجحا بتشريح الدماغ كما قال "فلوران “Flourens؟. عالم الفيزيولوجيا الفرنسي "يجب أن نميز في غال Clall بشكل خاص مخترع فراسة الدماغ والمراقب الأشد تعمقا الذي كشف لنا بعبقرية دراسة تشريح وفيزيولوجيا الدماغ دد.لكن "مولان Moulin "كان مهتما بالتأكيد بـ "غال Gall " العالم بفراسة الدماغ اي صاحب المسلمة القائلة بوجود صلة فطرية بين شكل الجمجمة (وكذلك شكل الدماغ ) ووجود بعض المزايد "الفكرية " و" الاخلاقية " أو "الحيوانية ". كان "غال Gall في الفترة الأولى ،يتحدث عن "كشف الجمجمة الشعاعي" أو عن علم الجمجمة "، وكان يطمح الى رسم شكل هو عبارة عن مخطط جمجمة تبين فيه مختلف الحدبات أو العجرات المعبرة. لكن بدءا من عام 1800، أصبح تلميذه "سبورزيم Spurzheim معاونه لعدة أعوام ، وهو الذي أسمى العلم الجديد باسم "فراسة الدماغ " أو "الفرينولوجيا". وأضاف أثناء ذلك عدة حد بات جديدة الى اللائحة الأصلية. فكانت المنطقة الجبهية إجمالا، تحتجزها السمات الفكرية ، بينما كانت الأقسام الخلفية والجانبية تخص "الغرائز". وقيما بعد سمح بتمييز السلالات الجبهية "الأكثر ذكاء" و" السلالة القذالية " أو "القفائية " (نسبة للقذال أي مؤخرة الرأس ) التي نما عندها بشكل خاص حقل الملذات. كذلك أمكن ملاحظة أن الرجل أكثر جبهية ، وأن المرأة ، بالطبع ، أكثر قذالية. فبالفعل يوجد عند الرجل "تفوق العقل والمنطق " بينما عند المرأة "تسود الحساسية وتوجه ".
يبقى أن المصطلحات المستخدمة في تسمية "الأعضاء" لم تكن تخلو من سحر فكان مقر "الميل للتناسل " (ميل يدفع المخلوقات للتناسل ) ،ومقر "الميل للكنكنة " (الرغبة في البقاء في البيت ، والخوف من الأسفار). ومقر "الاقتنائية " (ملكة تسمح بإدارة الممتلكات بشكل جيد لكنها تجلب أحيانا، مع الأسف ، البخل أو السرقة )، ومقر السببية (تقابل الذوق العلمي الواضح في البحث عن الأسباب أو العلل )، ومقر "الامتداد" (موهبة تقدير الأبعاد)، الخ. وكان"غال Gall "يلجأ الى وسائل متنوعة لانشاء مخطط الجمجمة :
فكان يتفحص تماثيل الرجال العظام في الماضي _أو كان أيضا يسكر بعض الحمالين ليجعلهم يظهرون طوعا ميزات طباعهم وسيولهم المتنوعة ثم كان يراقب عجرات المخ عندهم. إن العلم التقليدي أقصى بسرعة علم الجمجمة هذا بكامله. غير أن "فلوران " كان محقا في ملاحظته خصب أراء "غال Gall فهو ليس سلف "بروكا Broca وحسب ، بل سلف انصار فريتش Fritsch
و"هيتزيغ Hitzig و "فيرييه Ferrier الذين قاموا حوالي 1870 بأبحاث هامة حول تمركزات الدماغ الوظيفية. وهيأت فراسة الدماغ مولد "قياس الجمجمة " الصحيح باعتمادها التحريض على اختراع أدوات متنوعة للقياس والتشجيع على تجميع جماجم ومقارنتها. وفضلا عن ذلك فقد قبلت مجموعة الجماجم التي كانت تخص "غال Gall "في (متحف التاريخ الطبيعي).
ينبغي أن نتذكر أنه في زمن "غال " كان اعتقاد لا يزال مسلما به ، هو أن "النفس " ذات بسيطة لا أجزاء لها ، وأن مقرها العضوي الوحيد والكلي هو الدماغ. وجعل مجموعة من الوظائف في هذا الأخير،كان يعني امكانية إجراء "تحاليل " له تشريحية وفيزيولوجية جديدة. فضلا عن ذلك ، ينبغي الا نفرط في تبسيط النظريات الفراسية الدماغية. كان "غال " يسلم من جهة بأن المواهب المتنوعة والغرائز المختلفة يؤثر بعضها في البعض الآخر، وأنه من جهة أخرق يمكن أن يكون للجو وللثقافة والوسط بشكل عام تأثير على نمو الفرد.
إن مذهبا كهذا، كان فيه بالتأكيد ، أثر من المادية (مذهب فلسفي يعتبر المادة الواقع الوحيد وينكر وجود الروح والعالم الأخر، مما تسبب لعلماء فراسة الدماغ ببعض الازعاجات. فحظرت دروس "غال "، في فيينا عام 1802 لأن السلطات الكهنوتية كانت تعتبرها خطرة وألفت الحكومة الفرنسية أيضا الدرس الذي كان يعطيه "سبورزيمSpurzeim "في باريس 1822 لأنه كان هداما للمباديء الدينية والنظام الاجتماعي.
ولم يمنع هذا من أن يكون لفراسة الدماغ نجاح جميل في فرنسا حوالي 1830 وليس فقط لدى البسطاء وغير المثقفين فعندما أسست جمعية فراسة الدماغ عام 1832 في باريس ، كان بروسيه Broussais (1) أمين سرها العام. لكن الفيزيولوجي الشهير "مليرMuller "كان يرى في نظرية "غال " (سلسلة من الادعاءات الاعتباطية يجب إقصاؤها عن حرم العلم ). وأصبحت الاعتراضات تتضاعف بسهولة متزايدة _ مثلا الاعتراض التالي : إن فحص الجمجمة لا يمكننا من استخلاص نتائج عن شكل ونشاط الدماغ لأن السحاءة والسائل الرامي _ السيسائي يمنعان الثاني من أن يتقولب تماما على الأول. أما نابليون ، فقد استفاد من أوقات فراغه في جزيرة "القديسة هيلانة " في صياغة هذه الملاحظة الثاقبة : ينسب "غال " بعض النتوءات سيولا وجرائم ليست موجودة في الطبيعة ولا توجد في المجتمع الا بتأثير العرف. فماذا كان سيصبح عضو السرقة لو لم يكن هناك ملكية ، وعضو السكر لو لم يكن هناك مشروبات روحية ، وعضو الطموح لو لم يكن هناك مجتمع ؟ "
كما كانت هناك انتقادات أخرى أكثر ميتافيزيكية وتفوق الانتقاد السابق بكثير. كانت تأتي من روحانيين يميزون في فراسة الدماغ نوعا من الحتمية المضادة للحرية البشرية. لكن هذا الحملات كانت تتجاوز حالة "غال " و"سبورزيم " الوحيدة فكانت تستهدف أيضا ، الأعمال "العلمية " الحقيقية التي كانت تؤكد على وظائف الدماغ وتميل تقريبا الى وتعريف "النفس " بمثابة فرضية عديمة الفائدة ". فكتب ددبول جانيا" Paul Janet" المدافع المتحمس عن الروحانية ، مقالين كبيرين نشرتهما مجلة العالمين عام 1895، بين فيهما أن الفيزيولوجيا غير قادرة على تهديم الايمان بوجود "النفس ". والحق يقال ، كانت الحالة مبهمة غالبا. فقد نشرت "فراسة دماغ روحانية " وكان عالم "فن إنجاب الأولاد أو الفرينيوجيني" "برنار هولان " يستند هو نفسه ، الى الروحانية.
الفن المنهجي نائجاب أناس كبار وأناس عظماء كان الموضوع حتى الآن يتعلق بعلم ننري محض. أما "غال "فكان يرى أيضا فائدة عملية كبيرة من وجهة النظر الاجتماعية ، كانت ستسمح بمعاقبة المجرمين _ وفق أسلوب أكثر تبصرية _ الدين يخضعون لتأثيرات مؤسفة ناشئة عن عجرات مخهم ، هنا نفكر باهبن ، في الآراء التي مهرت فيما بعد _ "سيزار لو مبروزو Cesar Lombrozoحول "المجرم ببيعته " و(جدير بالاحفة وجود حب الا ستلاع الشديد ذلك ، في القرن التاسع عشرلـ" جماجم القتلة " و"أدمغة المجانين والبلهاء"، كما كان يقال آنذاك. ولم يقل عنه ، في الاصل ، الاهتمام بجماجم "البدائيين ". لقد كان هذا التلاقي يخضع لنوع من المنطق إذ أن الفكرة التي انبعثت من أعمال "فوغ " و"لوبروزو"، هي :ن "البدائيين " و"البلهاء" و"المجرمين بطبيعتهم " تجمع بينهم ميزة مشتركة : إنهم المتوسطون بين الحيوان والانسان… هكذا كانت تؤول بعض التصورات الدروينية المنشأ. وفوق ذلك ، كان على فراسة الدماغ أن تسمح بالكشف عن (قدر) و(قذر) الأولاد من رؤوسهم بشكل يسمح بتخصيص المكان ونوع الحياة اللذ ين يلائمان كلا منهم ، فيزول بذلك أحد أكبر أسباب القلق القائمة في النظام الاجتماعي". وتوجد هذه الاهتمامات عند "مولان " إنما بشكل أكثر فعالية فهو لا يبغي فقط ، ملاحظة (الأقدأر) المكتوبة في طبوغرافيا الكشف الجمجمي بل إنه ينبغي مباشرة ، إنجاب مخلوقات كثيرة المواهب. ولنستخدم العبارات التي قالها "ماركس " قبل ذلك بقليل ، فنقول : لم يكن الأمر يتعلق بتأويل البشر بل بتحويلهم. لكن لفة مربي الحيوانات كانت أكثر مطابقة إذ قالوا: ينبغي أن يعمل للبشر ما يعمل للحيوانات. هذا هو المشروع الكبير المبين بوضوح جلي (ومن وجهة نظر قومية تقريبا) منذ السطور الأولى من مقدمة "الفرينيوجيني"، فلنقرأ : (بينما كانت انجلترا تصل بفرط من الصبر والمراقبة الى تحسين سلالات حيواناتها الأهلية ، وقيما كان جيراننا الانجليز يجرون خيرة تجاربهم ، كانت تقوم سرا في فرنسا، دراسة أكثر أهمية. فلم يعد الأمر يتعلق ، هذه المرة ،بجدي /ساوسدا ون / ولا ببقرة / درهم لم حتى ولا بالخيول الرائعة التي كانت يمتلكها الأمير الروسي /أور لوف تشيمانسكي/ كان العرق البشري نفسه قد اتخذ، بدوره موضوعا لتلك الدراسة ).
وفي القرن التاسع عشر، حملت مراجع فن التربية تلك على محمل الجد. وكانت النجاحات التي أحرزت على سلالات الأبقار والأغنام والخيول قد أذهلت العقول. فقد أراد بعضهم ، معتمدا على الأمثلة التي قدمها التدجين _ الفن الجديد الذي تأكدت نتائجه السريعة _أن تطبق على البشر، الطرق المستعملة في تحسين الحيوانات الأهلية.
هكذا ولد علم يبدو، هو الآخر منسيا، إنه "الميفالانتروبوجينيزي Mégalantbopogénésieأي الفن المنهجي لانجاب أناس كبار الجسم وأناس عظماء وكان "بيرنار هولان " يعرف كتاب "روبيرل جن " الذي ظهر تحت هذا العنوان حوالي 0 180 ، لكنه لم يكن يسلم بجميع استنتاجاته ، لأنه ، حسب النظرية الميغالانتروبوجنيزية كان ينبغي تزويج ذوي العقول الكبيرة من الجنسين.
وكان "روبيرل جن" ينادي خاصة وبوضوح ، بمنهج اختبار. وكان هذا المنهج ، كما لاحظ بعض النقاد، يثير العديد من (الصعوبات الفيزيولوجية والاجتماعية ) ثم إن فاعليته كانت مشكوكا فيها، إذا ما صدقنا الحكم القاسي التالي في هذا الموضوع :
(كتب أحد أصدقائنا بقناعة ، كتابا عن الميفالانتروبوجينيزي فقال إنه اختار امرأة ، لا تلائم ذوقه بل مبادئه وقد تصرف في كل شي ء تبعا للقاعدة التي كان قد رسمها بنفسه ، فأنجب ابنا وحيدا لم ير أشر غباء منه ).
ولم يفعل "غالتون "، عام 1870 أقل منه ، فقد أنشأ طبقا للقاعدة عينها، علم تحسين النسل (وقد استعمل هذه الكلمة للمرة الأولى في كتابه "أبحاث في الكلية الانسانية الذي نشر عام 1813). وكانت السطور الرئيسية شبيهة جدا، من وجهة النظر الاجتماعية ، بخطوط الميفانتروبوجينيزي ويبرر هذا الشبا في عنوان الكتاب الذي أصدره غالقون عام 1869 وهو "العبقرية الوراثية " الذي يشدد على ما يسمى اليوم إنجاب النخبة : ولم يظهر هذا المجلد إلا بعد سنة من التحدي الذي، أطلقه "مولان " إذ كانت انجلترا تبرهن على أنها قادرة على تخطي التحسين الحيواني الى التحسين الانامي.
في فن كهربة الأعضاء
إن الطريقة التي اختارها عالم الفرينيوجيني أو فن إنجاب الأولاد كانت تختلف ، فنيا، كل الاختلاف عن تلك التي أوصى بها "روبيرل جن " والتي أوصى بها أيضا، من بعدد "فرانسي غالقون "،. فمبدأ "فولان " )ارئيسي ، هو أن الانجاب "سحب تصويري حقيقي". وبحص المعنى يصور الولد والديه "كما كانا حين الجماع ،" (ما يسميه "مولان " أحيانا "الدقيقة
الحاسمة ").
ويمكن اختصار البرهنة بما يلي : إن الأعضاء الدماغية ،"المتكهربة " بشكل خاص عند الحبل ، ستكون بصورة خاصة قوية وفعالة عند الولد _ فينجم عن ذلك ، من أجل الحصول على الذرية المبتفاة ، أنه ضروري وكاف أن يضع الوالدان نفسيهما في حالة عقلية وفيزيولوجية ملائمة في "اللحظة الحاسمة ".
إن "هيبوكرات " و"تيسو"، مؤلفي تاريخ الفعل الجنسي ، موافقان على هذا الرأي، فنقرأ:(إن المني لها خاصة إنتاج أجسام متشابهة لتلك التي صدرت عنها أو التي انتجتها ). وبمقتضى نظريات "غال " ،دان للموا هب تمركزات محددة بإحكام. فمن أجل انتاج عضو دماغي ما، بشكل مميز، بحيث يحصل عن هذه الموهبة أو تلك ، يكفي أن نكهرب العضو المقصود بتركيز خاص جدا عند الدقيقة الحاسمة ".
ربما لاحظ القاريء عند هذا المقطع ، أن نظرية الفرينيوجيني أو فن إنجاب الأولاد، مدينة كثيرا لـ "لعلم الكهرباء" الذي يقر "مولان " بفضله عليه. فا لكهرباء تلعب دورا هاما في الجسم البشري، وموازنة لهذا ، يجب أن نذكر "مفعول السائل المغناطيسي ". اذا تختلط سلسلة بأكملها من المفاهيم الفرينولوجية والتصويرية والكهربائية مع رجوع متعدد الأشكال الى "النسج الدماغية " ، الى "نفحات هائجة " والى "الانتاج الجزيئي،". فيتكشف لنا أن "مولان "، وان لم يتحدث عن ذلك ، لم ينس العرف الذي يقود الى "غالفان" ونظريته عن "الكهرباء الحيوانية ".
إلا أنه يجب عدم الاعتقاد بأن المخ آلة كهربائية عادية. هناك بالتأكيد "بعض صفات التشابه بين النابهات الكهربائية والتراكمات من المادة الرمادية ". لكن السائل الذي "يقوم بكثير من المعجزات في الشخصية الانسانية "، ليس السائل الكهربائي العادي الذي تعرفه الفيزياء، إن له بعض صفاتها (الحرارة ، السرعة ) إلا أنه أكثر "دقة " فيفضل إذن أن تطلق كلمتا "السائل العصبي" أو "النفحة الحياتية " على الكهربة الخاصة "التي تعمل بمثابة وسيط بين النفس والجسد". لكن "برنار هولان " ، في الواقع ، وبعد أن أخذ هذه الاحتياطات ، يحب كثيرا التحدث عن الكهرباء والتكهرب. وذلك ، بالتأكيد، لأن هذه المفاهيم ذات صبغة أكثر"علمية " من الأرواح القديمة الحيوانية ، وأيضا ، لأنها تدخل بشي ء من المعقولية فكرة التصوير. اليكم بالفعل ما أتيحت تراءته عام 1867 في "المرشد الشامل " : أثناء العاصفة ، رسمت الصاعقة على جسد الطفل ، صورة الشجرة التي كان قد اتخذ منها ملجأ له. أليس هذا برهانا على أن الكهرباء تملك قدرة ناسخة مدهشة ؟ من الجائز أن يكون مثل الصاعقة ذاك قد أثر في "داغر" مهما يكن من أمر يفسر هذا "أن الخاصة الرئيسية للمني هي الخاصة التصويرية ".
كوبيدون (إله الحب) واضطراب الطباع
لنذكر للعلماء الاختصاصيين ، دون ابطاء الأهمية الخاصة التي يكتسبها في رأيهم المبدأ الفرينيوجيني. هي مفيدة للجميع طبعا. وبفضلها ستتمكن (الأسرة الفقيرة ) الأوروبية التي تعيش في أماكن ضيقة من أن تنقل الى أولادها الكثيري العدد جدا "الميل الى العيش في المستعمرات " ومتحل آلاف القضايا الانسانية الأخرى، بطريقة مماثلة. لكن حالة "العلماء" تبدو ملحة جدا بشكل خاص. فبالفعل وحسب "مولان " يجد أصحاب العقول الكبيرة ، صعوبة في التوالد.
ويقول "مولان " : (إن أعضاء الدماغ عند هؤلاء، هي في نشاط تام إنما فقط حتى يصلوا الى النوم والى هيكل الحب. في هذا البلد المجهول الذي لم يبلغه أبدا "باسكال "، ولا "بوالو" ولا "نيوتن " ، بقدر ما يكون العلم السامي و"كوبيدون ،" متنافرين نجد اضطراب الطباع الكبيرة أكيدا وقدرات هذه الطباع الكهربية -المولدة مبهمة ).
قد لا نكون مبالغين مهما كررنا أن الوالد الأكثر كهربائية يفرض طابعه أما من هذه الناحية فليس الرجل المتفوق هو الأكثر كهربة ، إن "زوجته الأقل ميتافيزيكية عادة هي على وجه العموم أفضل كهربائية ". فينتج ومن "يولد كثيرا من أصحاب العقول الجافة ذوي المهارات الكثيرة ". قد يمكننا الاعتقاد بأن (برنار هولان ) الانسان ، هو الذي يبدي هنا خوفه أمام المرأة ، _المرأة " التي تحمل قدرة ذات قوة متفوقة ، لكونها قد تهيأت لمعركة الحب بشكل أفضل بكثير من الرجل " ، لكن يبدو أن فكرة المهارة الدنيا في الحب كانت منتشرة بشكل كاف في القرن التاسع عشر. اليكم مثلا ، ما أعلنه ناقد (سبق أن ذكرناه ) للعلوم الميفالانتربوجينيزية :
(إنه لأمر مدهش بقدر ما هو محقق ، عقم الرجال العظام والعلماء الكبار). إن اهتمامات من هذا النوع ، لم تكن بالتأكيد، غريبة عن "غالتون " عندما كتب (ترده دفاعا عن النفس ؟) مؤلفة حول "العبقرية الوراثية " (راجع مجلة البحث عدد 56ص 488 شهر مايو 1975 ).
مهما يكن من أمر، فالعلاج فيما يلي : يكفي اتباع نصيحة يقدمها "روبيرل جن " الذي كان محقا حول هذه النقطة بالذات فيقول على الأب (الا يضاجع زوجته إلا بعد أن يكون قد ألهب مخيلته بمشعل عبقريته ).
وفي التعبير الفرينيوجيني، يقال ما يلي :(عند القذف المنوي، يجب أن تتكهرب بشكل قوي، حدبة مقابلة لموهبة فكرية ما، فتبعث بصورة طبيعية ، سائلا كهربائيا مولدا غزيرا جدا). هكذا يجب عل وزير أن يفكر أثناء معانقته زوجته "بالخطاب الذي يجب أن يلقيه أمام النواب. أتريدون موسيقيا أعظم من روسيني؟ ما عليكم سوى حل "مسألة موسيقية " في "اللحظة الحاسمة " أتريدون انجاب عالم هندسة يفوق "أرشيميدس ؟ ما عليكم سوى أن تكرسوا أنفسكم ، دائما في الظروف ذاتها، _ "مسألة من علم الديناميكا" واليكم أيضا ما هو أفضل من ذلك : قد يستحسن أن يطبق النشاط الذي يرغب للطفل أن يبدع فيه. فمن أجل إنجاب موسيقي، يقول "مولان " تجب العناية بـ"دندنة لحن غنائي يهيج النسل ". يلاحظ مع ذلك ، أن هذا الطريقة يمكن أن تثير صعوبات ، مثلا في حال وجدت الرغبة في انجاب عازف كمان أو قائد جوقة وعلى هذا يكون الحصول عل عالم ´في الرياضيات أكثر سهولة بالتأكيد ، من الحصول على مجرب في فيزياء الطاقات العالية. لكن لنختصر، فلا نناقش التفاصيل ، المهم إدراك صلب المبدأ. والأمر هام ، فضلا عن ذلك من حيث كونه على اتفاق تام مع التوراة. يكرس "مولان " فصلا بأكمله لهذا النقطة ، مشيرا الى "طوبيا" و" سارة " من بين الأخوين ، كيف نجحا في خلق "حدبة الورع " بتطبيقهما الطريقة الفرينيوجينية قبل الحالة النهائية.
وقبل كل شيء، ينبغي أن تكون الحالة تامة نفسيا وفيزيائيا.
في حالة التوراة كان الهدف إنجاب عقول وهبت القداسة ، غير أن الوسيلة ذاتها، يؤكد العالم الفرينيوجيني، تصلح عندما يتعلق الأمر _(آراء صناغية وتجارية ).
لا تنسين ، أخيرا الإنذار الذي وجهه سينيبلدسSinibaldus" في مؤلفه "الجينيانتروببيا Geneanthropeia "فقال :(إذا حملت امرأة من رجل في حالة سكر، ستضع جهيضا أو مخلوقا من الجنس المؤنث…).
اختيار جريء
تبقى مسألة الاثباتات الاختبارية. فالفرينيوجيني، بالمعنى الصريح ، فن ثبت بالتجربة ، أي بسلسلة من الحالات التاريخية : نابليون ، وبلينفتون محمد الثاني، سزوستري، موسى، بطرس الأكبر، ميرابو، الملكة اليزابيث لويس الحادي عشر، تيبير ، ديموستين ، بورد الو، ل.تاس ، رافائيل جان دارك ، بطرس الطاغي ، دمولار (الملقب بقاتل النساء) ، الخ. شي ء مدهش حتى الآن. غير أن العلم الاختباري لا يكتفي بملاحظات تجريبية مؤاتية ينبغي اجراء تجارب تسات بدقة. لقد حققت فرنسا المجد باجتياز هذه العتبة العلو مية فكانت "تجربة الفرينيوجيني الأولى التي تمت بمعرفة وبجرأة " في فرنسا بفضل تعاون "كاتب بالعدل في إحدى القرى" (لم يشأ، للأسف ، أن يحفظ التاريخ اسمه ).
كان هذا الكاتب بالعدل مقتنعا بأهمية نظريات "مولان " فقرر أن يكون من ذريته صحفي، فركز فكره كما يجب. وفي الواقع لم يكن له ابن بل ابنة (هكذا الحال دوما، لقد كان جسم زوجته أكثر تكهربا من جسمه ). وكان هناك أمر مزعج هو أن كان لابنة الكاتب بالعدل حدبة ظاهرة لكنها لم تكن موجودة في دليل ادغال " و"سبورزيم " الدماغي _الشعاعي. مع ذلك ذلل هذا الازعاج بمناسبة سعيدة إذ كانت جمعية "إدمبورغ الفرينولوجية " قد اكتشفت لتوها حدبة الصحافة ، حدبة "الحرب الكلامية اليومية ".
وكانت هذه الحدبة التي تمتلكها ابنة الكاتب بالعدل ، إذن فقد تحقق النجاح التجريبي. وقام الكاتب بالعدل مندفعا، بتجربة ثانية. واختار هذه المرة أن يكون له ولد شاعر. لقد عرف ،دبرنار هولان " قلق العالم النظري الذي ينتظر قرار تجربة حاسمة : (هل ستكفي بضعة أبيات من "راسين " تتلى في الوقت المحدد، لتلقيح التربة وتحديد الوريد والتيار الشاعريين ؟) نعم ، لقد سجل نجاحا جديدا _ لكنه أقل وضوحا مما كان عند الابنة الصحفية إلا أن الوريد الشاعري ذا اللون الأحمر الفاقع والمتشكل على الجبين على نحو واضح في المكان الذي عينه "فاتر Lavater "كان موجودا بالتأكيد.
ربما ابتسم أصحاب العقول المشككة ، بل إن "مولان " توقع "تهكمهم الساخر" فصبرا ، لقد لزم بضع سنوات لاعداد بقرة "درهم "، فلماذا يكون النجاح فوريا في حالة الانسان ؟ إن "مولان " يطلب عشرين سنة كيما يبلغ علمه تمام النضج.
لقد نزع علم الوراثة الحديث كل اعتقاد بالفرينيوجيني. ومن الجائز أن نظن أن "مولان " كان ، في الوقت الذي كتب فيه مجلده ، متخلفا بوضوح عما كان يمكن تسميته الحركة الرئيسية للطم في زمنه. ونحو عام 1868، لم يعد للفرينيولوجي أي اعتبار في الأوساط "التقليدية ". فقد بوشر بالقيام بتجارب على الدماغ ، إما بالتكهرب أو بالاستئصال وكان العلماء يلجأ ون الى الطريقة السريرية بقصد تحقيق دقة ثابتة. ومبدئيا، لم تكن الطريقة التجريبية تطبق إلا على الحيوانات ، لكن في الواقع ، كان بعض الباحثين يغتنمون بعض حالات مرضية لاجراء تجاربهم عليها كما يفعلون على الكلاب والجرذان وخنازير الهند.
وسابقا، ما يقرب من مئة سنة ، كانت ترتفع احتجاجات بمناسبة التجارب الجزئية التي كانت تجري، فلنقرأ: يجب الاحتراس من التشبه بالسلوك الاجرامي الذي قام به هذا الطبيب الأمريكي المدعو "برتولوو" ، الذي قام منذ سنة تقريبا ، بغرز إبر كهربائية في دماغ امرأة كان دمل مجتاح قد أتلف جمجمتها. وذلك بقصد إجراء دراسة على مسألة فيها. يجب الاعتراف بأن تطبيق "مولان " الفلسفي _ العلمي لنن كان أقل دقة ، فقد كان أقل عنفا أيضا.
من جهة ما ، كان أقرب الى أرسطو منه الى "كلود برنار" فالعصري هو بالضرورة ، متأثر بمظاهر فكرته الغامضة والنوعية جدا. لكن ، قد يكون مغلوطا الاعتقاد بأن مخيلة "مولان" كانت تعمل بشكل يختلف عن مخيلة "مشاهير العلماء" لقد اتفق ان كانت التشابيه والاستعارات التي استعملها عالم الفرينيوجينزي (كهربة ، تصوير) غير وافية بالفرض.
ولا تنسى بالمقابل ، أنه من "كليبر" و "نيوتن " الى "ماكسويل " والى البيولوجيا الجزيئية أوجدت تشابها واستعارات سابقة للتجربة ، لم تكن تفوق إقناعا بكثير ، تجارب "مولان " وقد أعطت نتائج جيدة. وما كان "غير علمي" عند "مولان " ليس استعمال التشابيه بما هي عليه ، بل عدم الدقة في تنفيذها وفي تحقيقها.
لنختم كلامنا بسؤال بسيط : الا يوجد، حتى في هذه الأيام أعمال تدعي (العلمية ) بدرجات متفاوتة ، سوف تظهر غريبة في غضون مئة سنة تقريبا بقدر ما كان عمل صاحبنا عالم الفرينيوجينيزي؟ لكل امري، جوابه.
الهوامش :
1- بروسيه : طبيب فرنسي ولد في سان _ مالو (1772_ 1838) بنى تصوره (الطب الفيزيولوجي ) على أساس إثارة النسج.
العلم المهمل"الفرينيوجيني"أو فن انجاب الأولاد
تاليف: بيير تويولييه
ترجمة: لطيفة ديب(كاتبة من سوريا)