بعد تكريم مؤسسة شومان في الأردن للعلامة الكبير الدكتور احسان عباس، كرمته بيروت أيضا ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي الذي يقام مع آخر كل عام، حيث القيت كلمات وقصائد، وتحدث هو عن حنينه الى بيروت كما منحه النادي الثقافي العربي وشاحه الأكبر، وألقى الشاعر حسين حيدر بالمناسبة قصيدة تنم عن الحب والتقدير للعلامة الكبير الذي تجاوز الخامسة والثمانين – أطال الله عمره – وهو في قمة صفاء ذهنه ووعيه الجميل.
التقينا احسان عباس بيروت في عدة جلسات، استمرت أياما حتى نتعبه، وكان حصيلة هذه اللقاءات هذا الحوار الشامل في كل ما تعنيه الثقافة من معنى.
* ما أراه في حياتنا الأدبية عموما: هذه الفوضى .. فوضى النقد، فوضى الشعر، فوضى الرواية، فوضى الرسم, ونحن ندخل القرن الواحد والعشرين. هل ترى معي هذه الرؤية، وما رأيك في ذلك؟
الاحساس بالفوضى شعور طبيعي لدى كل من يحاول أن يطرح سؤالا يحتوي ضمنا على معيار تقييمي؛ والحاجة الى التنظيم تتملكنا على نحو طبيعي أيضا حين نحس بأن هناك جهودا تهدر دون مردود إطلاقا، أو حين تسيطر علينا الحيرة القاسية إزاء التكاثر المتزايد في ظواهر لا نستطيع لها تعليلا ولا تسويغا. فإن كنت تعني بالفوضى حرية مطلقة لدى كل فرد في أن ينتج ما يظنه في نظر نفسه فنا، فلا ريب في أن هذه فوضى مشروعة، ولا يجوز بل لا يمكن لأحد أن يضبطها، الحقيقة الفنية أو الظاهرة الأدبية من طبيعتها أن تتمرد على كل تنظيم، عند المبدع، إلا التنظيم العام الذي أقرته التجربة الانسانية على مر الزمن، ومن الصعب اللقاء الاجتماعي من حولها، فانك لو جمعت عشرة حول حقيقة فنية أو ظاهرة أدبية لتلقيت بعددهم آراء وأحكاما. كأن الفن في هذا أشد فردية من التصوف، هنالك كلما ظهر شيخ ظهرت طريقة جديدة، وفي الفن كلما ظهر "مريد" صغير ظن نفسه شيخا كبيرا من الواصلين.
إذن أين الفوضى؟ أعتقد أنها في أمرين أو تسيطر في ناحيتين:
حين يكون هناك خطأ فطري في تبين معالم الطريق، وعدم الوقوف عند القاعدة الذهبية "رحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده"، وحين يكون الناقد قدرة زائفة أي فاسد الاحساس النقدي، يحب التلذذ بإقامة الأصنام، يرفع ويضع ويجعل من نفسه حكما، وضميره غارق في رشوة الشهرة أو غيرها من أنواع الرشوة، لا مفر من الاحساس بالفوضى في الانتاج الفني والأدبي والنقدي ومما يزيد هذا الاحساس قوة لدينا – في العالم العربي- اختلاف المنابع الثقافية، وتفاوت المستويات الثقافية، وحدة الانقسامات الجزئية حول ايديولوجيات كثيرا ما تكون متقاربة، وحاجة المؤسسات الاعلامية إلى تغذية مستمرة مهما يكن نوع الغذاء، كما أن انتشار القلق العصري يتطلب الارضاء عن طريق التغيير المستمر والتنويع، فإذا أضنت إلى ذلك الابتهاج الطفولي الذي يتملك من لم يتعود الانطلاق، حين يتاح له أن ينطلق، متخطيا كل الحواجز والأطواق، ساخرا بكل سلطة معتمدة تفرض النظام – ابتداء من سلطة الأب حتى قمة السلطات – وجدت أن الفوضى ستغدو هي القاعدة.
تسألني هل يمكن الحد هن هذه الفوضى؟ ربما أمكن التخفيف منها بحيث يصبح للجهد الإنساني في هذه الوجهة مردود أعمق وأصلح، وهنا لابد من تربية فنية أصيلة، ولابد مثلا من إحاطة وسائل الاعلام بقوى نقدية: في كل صحيفة ناقد أو نقاد لمختلف الفنون، وفي كل دار نشر هيئة من القراء والنقاد، ثم لابد بين الحين والحين – وهذا شيء لا يخضع لقانون – من ظهور عبقرية في هذا الميدان الفني أو في ذاك تصبح كالمجال المغناطيسي الذي ينظم من حوله برادة الحديد المتناثرة. ولابد لي ولك يا صديقي من أن ننجو من وطأة الخوف من شبح الفوضى، وأن يتبلد لدينا الإحساس بجبروتها الصاعق، كيف؟ بأن نعمل ونعمل، عن قناعة بأننا فيما نعمله لا نريد إلا خير الإنسان، وعن إيمان عميق بأن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
* اهتمامك فاقت أي ناقد في تناول تراثنا من جهة، وانتاجنا المعاصر من جهة ثانية، مثلا: تاريخ المغرب العربي، تاريخ الاندلس، تاريخ الأدب الأندلسي خصوصا فهل لك أن توجز لنا:
1- رأيك في حياة العرب في الأندلس والأدب الأندلسي وجوانب التجديد في ذلك الأدب؟
2- التفاعل بين الأدب الأندلسي وأدب لبنان في مطلع القرن، (جبران ونعيمة).
3- تأثير التراث الأندلسي في الأدب الأسباني القديم والحديث؟
– في النظرة الشاملة يمكن أن تقول إن حياة العرب في الأندلس كانت حياة خصبة من النواحي الثقافية والفنية والجمالية، حياة فيها غبطة بنعم الطبيعة، أو كما يقول الشاعر- وأظنه أيضا أندلسيا-:
يا أهل أندلس لله دركم
ماء وظل وأنهار وأشجار
ما جنة الخلد إلا في دياركم
ولو تخيرت هذي كنت أختار
إذا نظرت الى هذه الحياة وجدت تطويرا مستمرا في النواحي العمرانية، في الزراعة، في الكشف المستمر، الفتية المغرورون الذين حاولوا معرفة ما وراء المحيط الأطلسي خرجوا من الأندلس؟ الدهشة الفنية والاعجاب العميق بالتماثيل لا تجدهما على نحو واضح إلا في الأدب الأندلسي: محافظة الحياة على بساطتها رغم التطور الحضاري المستمر ظلت ظاهرة مميزة للأندلس: إنه ليس من السهل أن أتحدث عن تلك الحياة في صورها المختلفة بايجاز، ولكني أقول: رغم كل الايجابيات في تلك الحياة كان الأندلسيون يحسون أن نصيبهم منها فلس، في بعض المراحل، بسبب ترقب الضياع والتخوف من حلوله، وهذا هو الذي خلق في النفسية الاندلسية الميلين المتصارعين: التدين الشديد والايمان باللذة؟ الأندلس بستان متصل، هكذا قال أحد الأندلسيين، ولكن حين يحس المرء أن هذا البستان يضيع من يده يحاول أن يأخذ منه في الزمن القصير كل ما يستطيع.
والأدب الأندلسي يعكس تلك الحياة، إنه يفرق في نشوة الوجود الآني، إنه لحون جميلة في بستان جميل، ولكنه من ناحية أخرى نضج في عصر الفرقة السياسية فكان من وظيفته أن "يكرس" التجزئة وذلك لطبيعة العلاقة حينئذ بين الأدب والتعيش: كان يعاني شعورا بالتنص إزاء الأدب المشرقي، ولهذا أهدر جهدا كبيرا في التقليد؟ حتى الروح البدوية في الشعر المشرقي حاول تقمصها، على البون الشاسع بين الحياة التي يمارسها وبين البداوة؟ كان كأدب المشرق يحتاج الى شمول في الرواية ولم يستطع أن يبلغ المستوى الفكري الذي بلفه المتنبي والمعري وإن تأثر بهما كثيرا، منحته النكبات المتلاحقة وترا حزينا ولكنها لم تستطع أن تمنحه الاحساس بمأساة كبيرة، موجهاته النقدية كانت في الأغلب أخلاقية المفزع، وحسبك أن تعم ان ابن رشد متأثرا بافلاطون قد أدان ذلك الشعر- الأندلسي منه والمشرقي- وربط بينه وبين تقويض المبنى الأخلاقي.
وعندما نتلمس مظاهر التجديد فيه فلابد أن أكرر ما يعرفه الناس جميعا وهو ابتكار الموشح؟ والذي أريد أن أقوله هنا هو أن الموشح لا يمثل عند الأندلسيين مراوحة في النغمات أو محض هرب من شكل القصيدة، إنما هو في نظري يمثل خصائص كثيرة في الطبيعة الأندلسية نفسها: يمثل التطور الموسيقي والروح الشعبية والقدرة على التقفز، وفي هذه الناحية الأخيرة أقارنه بالأعمدة الدقيقة في قصر الحمراء التي تحمل جسدا عمرانيا ضخما، حتى يخيل لمن يردها لأول وهلة أنها لا كلبث أن تنهار؟ ولهذا فانك ان قارنت بين الموشح الأندلسي والمشرقي وجدت هذا الثاني عملا سطحيا آليا فاقدا للحرارة الفنية التي تجدها في الموشح الأندلسي.
ومن مظاهر التجديد الأزجال الأندلسية، وهي تجديد محلي اقليمي، وإذا قارنتها بالأزجال العراقية والمصرية واليمنية، وجدت مظاهر مشتركة وخاصة من حيث روح السخرية الشعبية فيها جميعا. ولكن ليس هذان المظهران – أعني الموشح والزجل – هما كل مظاهر التجديد في الأدب الأندلسي. هنا لا بد من الوقوف عند الاثار الفردية البارزة، فأنت لا تجد في الحب والسيرة الذاتية أدبا يفوق "طوق الحمامة" لابن حزم، ولا تجد خيالا كثيرا مثل خيال ابن شهيد في "التوابع والزوابع"، وهكذا. وإذا سمحت لي قلت: "ان الأدب مظهر من مظاهر الفكر، والفكر لا يضاهى، فانك لن تجد في المؤرخين أناسا كثيرين بدرجة ابن حيان وابن خلدون ولسان الدين بن الخطيب ولن تجد في علم الأديان المقارن مثل ابن حزم، وربما حكمت بتفوق ابن الرومية وابن البيطار في علم النبات على كل أهل هز ا العلم في المشرق، ولن تنسى في ميدان الفكر الفلسفي ابن طفيل وابن رشد وفي الفلك الزرقالة والبطروجي، وهل أمضي فأعدد عطاء الأندلس في اللغة والجغرافيا وهو أمر يكاد لا يحصر؟
أما التفاعل بين الأدب الأندلسي وأدب لبنان في مطلع القرن، فما أظنه كان قويا، نعم ربما كان شكل الموشح الأندلسي مثار اهتمام من يدعون للتجديد، ولعله أثر تأثيرا جزئيا في تجزئة القصيدة والتنويع في القوافي، ولكن المجددين اللبنانيين وخاصة في المهجر الشمالي كانوا يبحثون في الأكثر عن غذاء صوفي، فوجدوه في الفكر السينائي، وفي قصائد السهروردي وابن الفارض؟ ومن مميزات الأدب الأندلسي انه ابتعد عن التصوف إلا قليلا (كما هي الحال عند ابن عربي والششتري).
لقد أثر التراث الأندلسي في الأدب الاسباني، والأوروبي بشكل عام، وفي هذه الناحية كتبت دراسات مستفيضة حول أثر الأدب الأندلسي في شعر التروبادور، والحقيقة هي أن من أعسر الأمور في الدراسة الأدبية إثبات قضية التأثير والتأثر على نحو قاطع، ولكن المزيد من الشواهد المكتشفة يؤكد أن تأثير الثقافة العربية في الأدب الأسباني والأوروبي كان أمرا واقعا وكان في الوقت نفسه أمرا طبيعيا؟ منذ فترة أرسل الي أحد الدارسين مقطعا شعريا للشاعر جيوم التاسع، وهو من شعراء التروبادور، لأحل كلماته، ولشد ما كانت دهشتي عندما وجدت أن الكلمات التي في ذلك المقطع كانت عربية. وقبل سنوات كان الأستاذ شارل لاميه يطلعني على سطرين في قصيدة دانتي، وكيف رد الألفاظ الى أصول عربية. ان هذا التأثر هو أبسط الأنواع ولكنه رغم ذلك ذو دلالة عميقة على أن الثقافة العربية – باللغة العربية نفسها- إلى جانب الترجمة كانت تترك طابعها في كل مكان: فكيف إذا عرفنا أنه كانت هناك دوائر للترجمة المنظمة من العربية وف صة في أيام ألفونسو العالم؟ ومما ترجم. إلى جانب كتب العلم والفلسفة. كليلة ودمنة وقصة السندباد، وقبل القرن التاسع عشر ترجمت الى الأسبانية قصص من ألف ليلة وليلة، ويبدو في الأدب الاسباني أثر المقامات وخاصة فيما يسمى حكايات الصعاليك، كما يبدو أثر قصة حي بن يقظان لابن الطفيل، كما استطاع المستشرق الاسباني ريبيرا أن يضع يده على الأثر القصصي العربي في أشعار الملاحم الاسبانية الأولى. ويجب أن نتذكر ونحن نتحدث عن اثر التراث الأندلسي في الأدب الاسباني أن هناك حلقة وصل هامة بينهما وهي الشعر الموريسكي والأدب الموريسكي الذي كتبه بلغة قشتالية شعراء مسلمون (بعد القرن الرابع عشر) مثل قصيدة سيدنا يوسف التي تعد مبكرة في تاريخها، وهي رباعية باللغة القشتالية تروي قصة يوسف كما وردت في القرآن، وكان الموريسكيون يسوغون اشعارهم في قوالب شعر الأغاني الاسبانية المعروفة بالرومانتس، وكانت لديهم قصص وأساطير تدور حول موضوعات دينية أو بطولية؟ وبهذا الأدب يمثل الموريسكيون حلقة بين الشعر الاسباني الحديث وشعر القرون الوسطى، حلقة يظل تأثيرها وتأثير الروح العربية ملموسا في الأدب الاسباني حتى لوركا، بل حتى ما بعده.
* اهتممت اهتماما بالغا بتحقيق التراث العوبي ونشره وتدريسه وإعادة تقييمه بروح جديدة، هل توجز لنا هذا التقييم الجديد؟
– يقوم اهتمامي بتحقيق التراث على مبدأ راسخ في نفسي وهو "المعرفة قبل الحكم". ثمة شيئان ينمان عن انعدام الثقة الذاتية أو من تجاوز الحد الطبيعي في تلك الثقة وهما التعميمات الكاسحة وقبول الاشياء قبول مسلمات: وأنا أنفر من الاثنتين، وسأضرب لك مثلين عليهما. درست الأدب الأندلسي في عصر الدولة الأموية فكانت أحكامي محدودة بما وصلنا دون تعميم أو عاطفية، ثم اكتشفت كتابا عنوانه "التشبيهات من أشعار أهل الاندلس" فإذا به يحوي قدرا كبيرا من شعر تلك الفترة، وإذا الصورة الأولى التي كونتها تتسع جوانبها وتتضح منها جوانب لم تكن من قبل واضحة، وإذا بي- على ضوء كتاب جديد من كتب التراث أصبح أكثر ثقة في دراسة تلك الفترة، دون لجوء الى تعميمات جارفة. ألست ترى أن بعث مثل هذا الكتاب شهادة جديدة أو وثيقة خطيرة في يد الدارسين؟. المثل الثاني: علمونا أن القصيدة الجاهلية ليست ذات وحدة، وأن حذف أبيات منها أو تغيير الترتيب فيها لا يؤثر كثيرا في سياقها لأنها مختلة البناء أصلا. كثيرون ما يزالون يأخذون هذه الفكرة أخذ تسليم. لقد درست نماذج من الشعر الجاهلي لطلابي، استطاعوا هم – عن طريق اللمح والالماح البسيط – أن يكتشفوا أن ذلك الحكم على الشعر الجاهلي جائر، بل يدل على أن الذين أطلقوه لم يعرفوا من الشعر الجاهلي- إن كانوا عرفوا شيئا- إلا المعلقة.
التقييم الذي اعتمده يقوم على شيئين: معرفة الدور الصحيح للأمة العربية في التاريخ الحضاري والموادعة لروح العصر، مثلا: درست ما أسداه العرب في النقد الأدبي من خلال الرؤية العصرية، فوجدت أنهم قاموا بدور كبير جدا لا يقل عن دور اية أمة أخرى، ولولا هذه الرؤية للتراث ظل النظر إلى دورهم في الفكر النقدي إما اتهامات جائرة أو تفريطات مرتجلة، كل دراسة – في رأيي- لا بد أن تكون كشفا جديدا، وما دام الأمر كذلك، فلا كشف يتحقق على أصول علمية دون إحياء التراث، عند من يؤمنون بجدوى تلك الدراسات، أما رفض التراث – انقيادا لنزوة قلقة أو نزعة منحرفة – فانه لا يخطر ببالي، ولا أستطيع تصوره لأنه ينم عن تنكر للانسان وجهوده على هذه الأرض.
* كتبت مقدمات للأعمال الكاملة للشهداء الفلسطينيين: غسان كنفاني، كمال ناصر، وعبدالرحيم محمود، فما هي برأيك ملامح الأدب الفلسطيني في المنفى، وما هي أهم الخطوط القابلة للتطور في الأدب الفلسطيني في هذه المرحلة؟
– كتبت دراسة وضعت في مقدمة الجزء الأول من آثار الشهيد غسان كنفاني، وقمت بترتيب وتنسيق شعر الشهيد كمال ناصر وكتبت مقدمة لذلك، أما عبدالرحيم محمود فلم يتح لي شرف القيام بجمع شعره وتقديمه، ولعلك تشير الى تحقيقي لشعر ابراهيم طوقان – وهو شهيد رابع وان لم يمت في ساحة القتال – وكتابة دراسة تأصيلية عن الأبعاد الكبرى في شعره، أعددتها لتكون منطلقا تنبني عليه الدراسة التفصيلية التحليلية لذلك الشعر.
هؤلاء الأدباء رغم الرابطة الكبرى التي توحد بينهم متمايزون فغسان كنفاني أكبر عبقرية قصصية أنجبتها القضية الفلسطينية حتى اليوم، وسر هذا ليس في التحام أدبه بالقضية بل "لاستشهاده" المستمر في سبيل إبراز قصة فلسطينية تعتمد على واقع الواقع – إن صح التعبير- وتتخذه بديلا لكل بناء معقدا كان أو بسيطا. وأما كمال ناصر فانه نشأ شاعرا جماهيريا، يجد القصيدة وسيلة الى الإثارة عن طريق خطابية، وفي السنوات الأخيرة اخذ الأسى العميق يسيطر على شعره ويتحول به الى المناجاة الذاتية، وكان عبدالرحيم محمود عفويا، ولعل ربطه بين الفن ورسالة الفن – على نحو عملي، هو الذي منح كلماته صدقا غير عادي، تماما مثل غسان، إلا أن غسان تميز بقدرة إبداعية أعمق وأكثف. وأما ابراهيم طوقان فقد وجد متنفسا لروح السخرية لديه من خلال القصيدة الوطنية والسياسية، ورسم في بعض قصائده مثل "الثلاثاء الحمراء" و "الفدائي" ايقاعا تنبئيا للثورة الفلسطينية.
لقد بذلت محاولات كثيرة حتى اليوم لدراسة الأدب الفلسطيني في المنفى، اطلعت على عدد غير قليل منها، وأراها تعالج هذا الأدب معالجة تعميمية قائمة على ملاحظات عامة مثل: الاستشهاد، أو العلاقة بالأرض أو غير ذلك، ولكن يجب علينا أن ندرك أن الأدب الفلسطيني نما مع القضية الفلسطينية القيلا تزال تتفاعل وتمد تأثيرا تما فوق أصعدة متباينة، ولذلك فمن الخطأ أن يدرس الأدب الفلسطيني من حيث أنه نتاج ذو ملامح عامة، إذ الملامح التي طبعت هذه القضية بها قصص غسان، بعيدة تماما عن الملامح التي تركتها في شعر محمود درويش، وشعر عزالدين المناصرة وإن كان فلسطينيا ليست سماته الغارقة مشبهة لسمات شعر أحمد دحبور مهما لمحنا على السطح من علامات التشابه؛ إني أعتقد أن الشعر الفلسطيني والأدب الفلسطيني بعامة لم يدرس على نحو تحليلي، ولم تنضد له أصول فكرية عميقة، وانما اكتفى دارسوه بلمح المشتركات الموضوعية فيه.
ما أمم الخطوط المقابلة للتطور في ذلك الأدب؟ يقيني أن كل الخطوط الموجودة فيه الآن قابلة للتطور، في شعر محمود درويش طاقة قد تؤثر في تطوير الشعر العربي الحديث كله، إذا أخذت أخذا صحيحا، ويستطيع معين بسيسو أن يغير الخط انسرحي إذا وجد التفرغ الكامل لابراز المسرحية الفلسطينية بما لديه من كفاءة فذة، ولكن أهم ميدان لتطور الأدب الفلسطيني هو القصة القصيرة: أما القصة الطويلة أو الرواية فانهما – وإن كانت أسهل من القصة القصيرة حبكة – لا تستطيع في هذه المرحلة أن تتطور بقوة، لعدة أسباب، أهمها انعدام "الوسط" الفلسطيني المستقر المتبلور، وإذا أريد التمرس بها فلابد من أن تكون عربية التشخيص والحركة من خلال القضية الفلسطينية، وعندئذ تتشابك خيوطها بدقة، وهذا يتطلب موهبة خاصة في طبيعتها.
* في ترجماتك العديدة والمختارة بدقة.. هل حاولت في الترجمات النقدية مثلا أن تدعم مذهبا معينا.. وفي الترجمات الأدبية هل حاولت أن تطعم الأدب العربي بما تعتقد انه ينقصه: الروح الملحمية مثلا في (موبي ديك)؟!
– في الترجمات النقدية كان يوجه اختياري عاملان: أولهما تعريف القارئ العربي بطرائق النقد ومدارسه المختلفة، وثانيهما ميل ذاتي الى بعض تلك الطرق والمدارس وتقدير لدورها. فمثلا ترجمت كتاب الشعر لارسطو، وأنا لا أزال طالبا بالكلية العربية بمدينة القدس، ولكن لم يتح لي أن أطبعه وأنشره إلا حين كنت في السنة النهائية بالجامعة، وكان ذلك من تقدير مبكر لأثر أرسطو في النقد العالمي؟ غير أنني لم أحاول لدى الترجمة أن أدعم مذهبا معينا، وإنما حاولت في الممارسة النقدية أن أشق طريقي مؤثرا الجمع بين مذهبين: النقد النفسي وما يتصل به من نقد قائم على الأسطورة والرمز، والنقد الماركسي.
أما في الترجمات الأدبية فان محاولاتي محدودة، لقد قرأت أثارا أدبية كثيرة، كنت أتمنى أن يتسع وقتي لنقلها إلى اللغة العربية، في أسلوب عربي، سليم بقدر الامكان من لمسات الترجمة، ولكن الترجمة عمل يتطلب تفرغا: وكانت ترجمتي لقصة "موبي ديك" تجربة في الجانب الصعب، فالقصة تحكي عن البحر بكل ما يتصل بالبحر من مصطلحات، وهي في آت نفس ملحمي قوي، وتعد من حيث الأسلوب فذة بين الأثار الأدبية الأمريكية، ترى هل يمكن نقلها إلى العربية مع الامتفاظ بخصائصها الأصيلة؟ لقد نقلتها في أسلوب موشح بالقوة، وحاولت أن أكون أمينا للأصل، أتراني نجحت؟ لغيري أن يحكم على ذلك، ولكنني اليوم حين أعود إلى بعض فصولها -وقلما أفعل – أجدني أستطيع أن أعدل في أشياء صغيرة تجعل الأسلوب فيها أنضر؛ كتاب واحد، حتى وهو كتاب مترجم، يستطيع أن يتقبل التغيير والتحسين مدى العمر، ولكن هل يمكن للانسان أن يفعل ذلك؟
* شجاعتك الأدبية تسمح لنا أن نطالبك برأيك حول حركة الشعر المعاصر خصوصا حركة الشبان.. وهل نعتبرهم امتدادا لجيل الرواد ومتابعة لهم، أم انهم يكررون تجارب الغير؟!
– صياغة السؤال على هذا النحو تفترض ضمنا أن موقفي من هذه الحركة سلبي، وأن التعبير عن هذه السلبية يتطلب شجاعة. هنالك دائما نوعان متفاوتان من النظر أو التقييم، أحدهما اجمالي والثاني تحليلي، في التقييم الاجمالي كم الانطباعات ثم تسكبها في حكم موجز، فتقول مثلا: حركة الشعر الحديث ضرورة حضارية فكرية، فرضت نفسها وأدت وما تزال تؤدي دورا فنيا هاما في مرحلة التحرير العربي؛ وفي التقييم التحليلي تدرس ظواهر هذه الحركة، تحلل شعر كل شاعر فيها، تجمع السلبيات والايجابيات، ولدى التحليل ربما وجدت أن ما يندرج تحت اسم
الفن لا يمثل إلا جانبا قليلا منها. إن هذه الدراسة الدقيقة الشاملة لم تتحقق بعد، لأسباب مختلفة. خذ مثلا اعتماد هذه الحركة الشعرية على الرمز، وذلك هو من سماتها الأصيلة، تجد أن الرمز في حقيقته عامل عمق في القصيدة، لأنه لا يحدها بمستوى واحد، بل يسمح برؤيتها من زوايا ومستويات مختلفة، ويجعل دلالاتها الإيمائية بحسب مركبات متعددة، ولكن عند التحليل تجد كثيرا من الرموز التي تستعملها حركة الشعر الحديث كتقي عند فكرة واحدة، تختلف في الوصول اليها الأساليب والطرائق، فاذا أنت بعد قراءة خمس قصائد مشبع النفس بالدوران التصويري حول مفهوم واحد، وهذا يستدعي شيئا من الراحة قبل استئناف الجهد لقراءة قصائد أخرى، ألست ترى في هذا رتابة جديدة تشبا رتابة، النغمة الموسيقية في القصيدة القديمة، بل رتابة من نوع أبلغ تأثيرا؟
أما الشعراء الشبان فقد قرأت كثيرا مما ينتجونه، وربما فاتني منه أيضا شيء كثير، ومن الصورة الاجمالية لكل ما قرأت أستطيع أن أقول إن في نتاجهم "مفردات" لافتة، ولكن حركتهم لا تمثل منعطفا جديدا في حداثة الشعر بل هي في مجموعها استمرار لما قبلها. ولا يزال تميز السمات الغارقة عند كل منهم أمرا مرهونا بالزمن. ومن الحق أن يمنحوا الفرصة الكافية لكي تتبلور لكل منهم شخصيته الفنية المتكاملة. إنهم يصورون تجربتهم ولكنهم لم يبتعدوا بعد عن التخلص من لمسات الجيل الذي سبقهم.
* الرواد الذين تربعوا على القمة الأحياء منهم والأصوات ما رأيك فيهم مثل: نزار قباني، ادونيس، خليل حاوي، محمود درويش، صلاح عبدالصبور، بلند الحيدري؟
– لا يمكن لدى الاجابة على سؤالك هز ا إلا الاجتزاء بالانطباع العام عن كل شاعر، وذلك يمثل رؤية محدودة، أو على الأقل رؤية سريعة ربما لم تثبت لدى التدقيق العام، هل يغني عنا أن نلخص كل تصورنا للمكانة الفنية لانسان ما في كلمات؟ كان صديقي أبو حيان التوحيدي مغرما بهذه الطريقة في الحكم على شعراء عصره ومفكريه، كقوله في الحاتمي: "يجب أن يكون بدويا قحا وهو لم يتم حضريا" أو كقوله في شاعر أخر: "هو مجنون الشعر"، هي طريقة طريفة إلا أن محصولها في النهاية قليل.
نزار قباني: مدرسة وحده، أكثر الشعراء قراء في العالم العربي الواسع، لماذا؟ هل هذه سمة مرحلية؟ يثيرك اصراره على موضوع، ثم لا تملك إلا الاعجاب بقدرته وبراعته في التصرف بموضوعه، اكتسبت أناقته مع الأيام عمقا نفسيا مأساويا، رغم الظاهر الباسم، وطأ للشعراء المحدثين اكناف العبارة العربية، فتعلقوا بسهولتها، وتركوا عنصر الجمال الابداعي فيها.
أدونيس: مشكلة الشعر الحديث؟ القطب الرباني الذي ينجذب اليه المريدون مسحورين بأسراره وغموضه. مذعورين من طاقته الشعرية المسكونة بقوى غيبية، فردية الشاعر عنده من خلال الجماعة وبها ستنتهى به الى ابتكار لغته الخاصة؟ متوتر في أكثر الأحيان لأنه يريد أن يطوع الأضداد للتلاحم؟ يفكر من خلال الصور، فيبدو أدونيس الناقد أو المفكر شاعرا محبطا، جريئا على الحكم جرأته في التصوير. هل يستطيع إنسان أن يحول كل لحظة زمنية إلى شعر؟
خليل حاوي: بين الشعراء المحدثين خير من استطاع المزاوجة بين الفكر والتخيل بتناسب وتوازن؛ أبرعهم في إبراز وظيفة الرموز وأحرصهم على البناء المتكامل؛ الشعر عنده مواقف استشهاد يفضي أحدها إلى الأخر، لأنه يعيش مشكلة الأمة العربية بدمه وفكره وأعصابه. طفلي البراءة حدسي الرؤيا صخري الواقع، ومن هذه الثلاثة تتكون قصيدته، ثم تسكب في عمق ثقافي متفرد.
محمود درويش: بين بداياته وما انتهى اليه في الشعر بون شاسع، سيحير الدارسين في المستقبل، دائما في ارتفاع إلى قمة جديدة، لعله الوحيد الذي ينبئ شعره بين شعراء المدرسة الحديثة بانعطاف حاد جديد ينقذها من الركود النسبي الذي وقعت فيه، فلسفته بسيطة، وعمقه شعوري، هو الشاعر الذي تتحد في شعره عناصر الوضعية الانسانية: العقل والعاقل والمعقول، ويصبح الشاعر والأرض والأم والحبيبة والمفهومات المجردة و… قصيدة، بناء، هيكلا ذا مفاتيح متعددة، لا يزال يعتمد الخصب النفسي ينبوعا لشعره، أتراه في مرحلة مقبلة يتحول للاستمداد أيضا من الخصب الفكري؟
صلاح عبدالصبور: أحسست فيما قرأت له من شعر أن القصيدة لديه متعبة مبهورة، وأن اللحظات الشعرية لديه شديدة التفاوت؛ أحسن حين تحول إلى المسرح الشعري، لأنه يهيئ له لحظات متفاوتة تحتم التفاوت الشعري في المواقف والشخوص، وتقضي على سمات التعب والانبهار. هل أنا مخطئ حين يخيل الي أنه يعاني في الداخل شكا فلسفيا حول مهمة الفن والشعر بنوع خاص؟
بلند الحيدري: يحدس المشكلة ثم يعي البناء، فيصبح الشعر نفسه مشكلة، يؤثر المبنى المركب، لأنه أكثر تحقيقا للروح الدرامية لديه، وهو من أشد الشعراء إبرازا لهذه الروح، لولا المأساوية الذاتية ائتي لا تنفك تواكب إحساس الفنان بغربته.
أنا أعلم أن لديك أسماء أخرى كثيرة، ولكن… أليس من الممكن أن نؤجل الحديث عنها إلى لقاء آخر؟
* في القصة القصيرة، في الرواية.. ما هي حدود اهتماماتك، وكيف ترى مستقبل هذا الفن عربيا؟!
– أنا في ميدان القصة القصيرة والرواية قارئ لا يشبع، أحيانا أنهي في الاسبوع قراءة خمسة كتب من روايات ومجموعات قصص قصيرة، وأجد راحتي النفسية في هذا اللون من الأدب، كما أجد اللذة النفسية في الشعر. تتكون لدي آراء كثيرة حول ما أقرأ، ولكني لا أسجلها، وقلما أكتب نقدا يتناول هذين اللونين. لا أدري لماذا، لعلني لا أريد أن أفسد لحظات الراحة بنوع من الأحكام الفكرية، أو لعل وسائلي قاصرة، وأرى غيري أقدر مني على خوض هذا المضمار.
من مجمل قراءاتي أرى في القصة القصيرة ابداعا عجيبا، إن كتابنا في هذا اللون يجيدون على نحو يضمن للقمة القصيرة في أدبنا وجودا عالميا. القصة الطويلة أو الرواية لم تستطع أن تتجاوز السد العالي الذي يسمى نجيب محفوظ، ولذلك منية بانكفاءات تكفل التفرد، حيدر حيدر والربيعي و… قد يخرجون بالرواية الى مستويات جديدة، لكن طرح المشكلة الآنية كما عند ذي النون أيوب في "وعلى الدنيا السلام"، ليس هو الحل الصحيح لمشكلة الرواية، كما انه ليس الحل الذي اختاره نجيب محفوظ وهو الوقوف على أبواب العلاقات المتافيزيقية، حنا مينه قاص متميز، يتطلب مزيدا من الحدة في تمييز العلاقات والسمات، وهكذا يمكن أن نتحدث عن أفراد، دون أن نحدد للرواية مستقبلا متميزا.
* اهتمامك أيضا بأدب الاطفال كان مميزا.. برأيك.. ما هي خصائصه، ما هي مدلولاك لتطوره؟!
– اهتمامي بأدب الأطفال إنما هو جزء من احساسي بمهمة الفن والنقد معا، وهو أيضا جزء مكمل لما قمت به من نشاط في ميدان النقد والدرس. منطلقي هو هذا: ما يقدم للطفل من أدب يجب أن يكون حائزا على السمات الفنية التي نتطلبها في الأدب عامة. لا فرق من الناحية الفنية بين أدب الكبار وأدب الصغار، إنما الفرق في المستوى الفكري، فأنا- مع زملاء لي في دار الفتى العربي، نعمل على هذا الأساس. نقيم القصة، نطلب إلى الكاتب أحيانا بعض التعديلات فيها، نجري النظر فيها عدة مرات.. وعندما تدق على الآلة الكاتبة لأخر مرة نعرضها على خبير سيكولوجي مختص في تربية الأطفال ومعرفة المستوى الذي تلائمه تلك القصة من حيث السن؛
بعد كل هذا الجهد المبذول قد نقع في أخطاء لم نحسب لها حسابا. اننا نقوم بتجربة فريدة، يعاوننا فيها أيضا تصور الفنان، الذي قد يقول لك: القصة جيدة ولكن إخراجها فنيا أمر عسير أو متعذر. وهي أيضا تجربة جريئة: بعض القصص التي قدمت كان فيها اعتماد على الرمز، وقد قيل لنا إن الرمز هنا أعلى من مستوى الطفل.
قد يكون ذلك صحيحا، ولكن من الذي يقول إن الطفل يجب أن يفهم من أول مرة الرمز في قصص الحيوانات في كليلة ودمنة؟ إن الرمز يعيش في قرارة النفس، ثم يكتشفا الطفل فجأة في سن ما. وبعض القصص يتحدى بعض المفهومات المتأسفة، في بنية مجتمعنا، فتبدو غريبة مزعجة، لا بأس، اننا نؤمن بالقيمة الثورية، مثلما نؤمن بالضرورة الفنية، ومن دونهما يظل الوعي لدى طفلنا متأخرا عن موعده. وقبل كل هذا يعرف عدد من الزملاء كيف عكفنا طوال شهور نعقد الاجتماع تلو الاجتماع حتى خرجنا بما يسمى "فلسفة التربية" الفلسطينية، معتقدين أن هذه الفلسفة لا تصلح للفلسطينيين وحسب، بل تصلح مع شيء من التعديل لكل البلاد العربية، وعلى ضوء هذه الفلسفة نهتدي فيما نقدمه للأطفال من أدب – ومن هنا أكون قد أجبت على سؤالك ما هي خصائص أدب الأطفال، وما هي وسائل تطويره. إننا حتى اليوم لم نستطع أن نقدم كل ما خططنا لتقديمه، كما أننا لا نزال نتأهب لوثبة جديدة في دار الفتى العربي، بعد الوثبة الأولى، التي تلقى العالم العربي نتاجها تلقيا ترحيبيا حارا، رغم الهنات التي وقعنا فيها في بعض الشكليات، ولهذا نرجو الا يقف تعاونك أنت والنخبة البارزة من الأدباء عند حد الدعاء بالتوفيق، بل اننا نتوقع اسهامكم الفعلي، في خدمة الطفل العربي: إن جهدنا في هذه الناحية هو ثمرة التعاون المتناسق المتناغم بين شتى المواهب والكفاءات.
إحسان عباس
من أبناء فلسطين، أتم الدراسة الثانوية بالكلية العربية في القدس، ثم التحق بجامعة القاهرة، ونال شهادة الدكتوراة في الأدب العربي سنة 1954؛ درس بجامعة الخرطوم حتى سنة 1961، وفي ذلك العام نفسه انتقل الى الجامعة الأمريكية ببيروت، كتب دراسات في الأدب العربي القديم والحديث منها دراسته عن الأدب العربي في صقلية والأدب الأندلسي، ودراسة عن البياتي وثانية عن بدر شاكر السياب، وقد كتب دراسات عن بعض اعلام الفكر والأدب مثل الحسن البصري والتوحيدي والشريف الرضي، واهتم بإحياء التراث العربي (وبخاصة الأندلسي) فحقق عددا من الكتب والدواوين الشعرية منها: نفح الطيب في تاريخ الأندلس وأدبها، وديوان لبيد بن ربيعة وديوان الصنوبري، ورسائل ابن حزم الأندلسي؛ وترجم كتبا مختارة في الفكر والنقد منها مقال في الانسان لكاسيرر، ومدارس النقد الأدبي لهايمان، وبحث عن اليوت، ودراسة عن همنجواي، كما قام بترجمة قصة "موبي ديك" التي تعد أروع أثر كلاسيكي في الأدب الأمريكي، وله عشرات المقالات والدراسات في ميدان الأدب والنقد، والحضارة العربية عامة.
حوار: ياسين رفاعية (كاتب من الأردن)