من نحن، وكيف لنا أن ننتسب بعضنا إلى بعض؟ يدفع لوتشيانو فلوريدي، وهو من الشخصيات البارزة في الفلسفة المعاصرة، بأن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة الإنسانية الأساسية تتغير بفعل التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
يقف العالم اليوم على مشارف ثورة تكنولوجية ستغيّر جذرياً وفي العمق أسلوب العيش والعمل والعلاقات بين البشر. فلئن كان كلاوس شواب قد شغل العالم بكتابه “الثورة الصناعية الرابعة” (Klaus Shwab, The Fourth Industrial Revolution) وأدهشه بمستجدات التكنولوجيا الذكية التي باتت أشبه بتسونامي يجتاح العالم قاطبةً بنمط عيش لم يألفه البشر من قبْل قَطّ، فإن علماء الاجتماع والفلاسفة بادروا إلى تناول آثار “الثورة الرابعة” (التي كما يقول أصحابها تمهّد لثورة تكنولوجية خامسة التي على الرغم من أن ملامحها ما زالت غامضة، فإنها تبعث على الرهبة والقلق العميق في نفوس البشر) من نواحٍ سوسيولوجية وسياسية وثقافية، كما فعل أستاذ الفلسفة والأخلاق الإيطالي لوتشيانو فلوريدي في كتابه “الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني” (صدرت ترجمة الكتاب ضمن سلسلة “عالم المعرفة»).
بديهيٌّ أن التغيير يحدث دورياً مع تطور العلم وتراكم المعارف وتعاقب الحضارات؛ لكن التغيير المرتقب سيكون من حيث اتساعه ومفاعيله وتعقيده مختلفاً عن كل ما حدث في تاريخ البشرية الطويل، وإن لم يكن قد اتّضحت بعدُ كيفية حدوث هذا التغيير. لكن، ثمة أمرٌ واضح شديد الوضوح: وهو أن ما سيحدث سوف يشمل القطاعات العامة والخاصة، والمجتمع المدني والرسمي، وعلى مستوى السياسات الدولية والعالمية قاطبة. ويُطلِق العلماء على هذا التغيير اسم الثورة الصناعية الرابعة، وهي تتميّز بحلول الروبوتات محل البشر في مصانع ذكية تُدار الكترونيّاً عَبْر شبكة الإنترنت، وبنظام يمكنه تمثيل مراحل عملية الإنتاج كلها، وقادر على اتخاذ القرارات بمعزل عن التدخلات الخارجية. ويُطلَق على هذا الجيل الجديد من الروبوتات، أو العمال البشريين المعززين بالتكنولوجيا، سواء في المصانع أم في المكاتب والمنازل، اسم “Operator 4.0».
يقسم العلماء تاريخ الصناعات الحديثة إلى أربعة أطوار يسمّونها “ثورات”: الطور الأول استخدِمت فيه الطاقة المائية والبخارية لتحريك آلات الإنتاج؛ والطور الثاني الذي استخدم الطاقة الكهربائية ورفع حجم الإنتاج إلى مستوى متقدّم؛ في حين أن الطور الثالث الذي بدأ منذ أواسط القرن الماضي، فقد استخدم التكنولوجيا الالكترونية والرقمية لمكننة الإنتاج. أما الطور الرابع الذي استند إلى الثورة الصناعية الثالثة لكنه سرعان ما تميّز وانفصل عنها، فقد نتج من انصهار جميع التكنولوجيات المتوافرة في بوتقة واحدة محَت الحدود التي كانت تفصل بين مجالات عدّة كالفيزياء الطبيعية والبيولوجيا والمعلوماتية، حيث بدأت شركات التصنيع في دمج الروبوتات والتشغيل الآلي وغيرها من التكنولوجيات في نظام عمل واحد.
وهناك ما يدعو إلى عدم اعتبار التغير الجديد الحاصل اليوم مجرّد امتداد للثورة الصناعية الثالثة، بل يجب اعتباره بداية ثورة صناعية رابعة تتميز بسرعة الأنظمة واتّساع مداها وتأثيرها العميق في سلوك البشر والعلاقات فيما بينهم: فسرعة التقدم الجاري ليس له مثيل في تاريخ التقدم الصناعي، حتى أن الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو المعروف باسم “فيلسوف السرعة” اعتبر أن السرعة باتت أساساً تُبنى عليه السياسات والاستراتيجيات الدولية الراهنة والمستقبلية (ومن أشهر مؤلفاته في هذا المجال “السياسة والسرعة” Vitesse et politique) إذ لم يعد التقدم يتبع الوتيرة الخطية التي عرفتها الثورات الصناعية السابقة، بل إن سرعة هذا التقدم التي لم يعد ممكناً ضبطها والتحكّم فيها، زعزعت الأوضاع الصناعية في جميع دول العالم، وأحدثت تغييراً عميقاً وبنيوياً في جميع أنظمة الإنتاج والإدارة والحوكمة.
على الحد الفاصل تقريباً بين الثورتين الثانية والثالثة تقع قصة فرنكشتاين التي كتبتها ماري شلي Mary Shelley، قبل مائتي سنة، وعلى بُعد خطوات من المنزل الذي عاشت فيه ماري شَلي وكتبت فيه روايتها “فرنكشتاين أو بروميثيوس الحديث” (Frankenstein, or The Modern Prometheus) في العام 1818، تقع اليوم مكاتب المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يرعى تكنولوجيا الروبوت والإنسان الآلي والاستنساخ الحيواني والبشري.
وقصة فرنكنشتاين Frankenstein (المعروف بالعربية باسم فرنكشتاين) ليست قصة رعب من أجل التسلية، وإن كانت تشبه قصص الغيلان والوحوش، فهي حافلة بمشاعر الرقة والقلق والعذاب، وتروي ما فعله طبيب يبحث عن إكسير الحياة فصنع مخلوقاً من قطع الجثث البشرية، وما فعله هذا المخلوق بالآخرين وبنفسه، إذ ليس الجانب الوحشي في هذا المخلوق إلا تعبير عن الألم من العجز عن تحقيق جانبه الآخر، الإنساني؛ فهو ليس كمصاصي الدماء أو الوحوش البهيمية، وهو يكره القتل وإيذاء الآخرين، ويمتلك مشاعر بشرية تجعله يكره الوحدة ويتوق إلى التواصل والعيش مع من يفهمه، بل هو، في الرواية، كالبشر تماماً يأكل النباتات ويتعلم القراءة والكتابة ويراقب الناس، ويقرأ الروايات، لكنه يبقى عاجزاً عن تلبية تلك المشاعر وتنمية الجانب الإنساني فيه. ولا تزال رواية “فرنكشتاين أو بروميثيوس الحديث”، التي تتميز بكثير من خصائص بدء الخيال العلمي، وتتضمن في الوقت نفسه دلالات رمزية عميقة الجذور، من أكثر الروايات رواجاً، ونقلت إلى شاشة السينما عشرات المرات ولعلّ من أبرز الأفلام السينمائية المقتبَسة عن الرواية الفيلم الذي اضطلع ببطولته روبير دي نيرو، ثم الفيلم الأخير (2014) الذي اضطلع ببطولته ارون ايكرت.
تقول ماري شيلي أنها كتبت روايتها إثرَ منامٍ رأت فيه إنساناً مسخاً يصنعه إنسان طبيب. وقد روت هذا المنام لزوجها الشاعر بيرسي بيش شيلي Percy Bysshe Shelley المعروف بقصائده الرومنطيقية الرقيقة وثرائه الطائل وتخلّيه عن أرستقراطيته وتطرّفه في هذا الاتجاه، متأثراً بأعمال الاقتصادي ويليم جودوين وبآرائه في العدالة السياسية والاقتصادية. غير أن المؤرخ المحلّي فالتر شيلي Walter Scheele يقول إن ماري شيلي استوحت شخصية الطبيب فيكتور فرنكشتاين من الدكتور يوهان كونراد ديبي Johann Conrad DIPPEL، وإن الدكتور جوهان كونراد ديبيل دُفِن في قرية نييدر بيرباخ، وإنه حاول في قصره بعدما حوّل أقبيته إلى مختبر، أن يصنع إنساناً من أجزاء يجمعها من جثث الموتى ويحقنها بدم فتيات شابات.. وبالفعل، وبصرف النظر عن المنام الذي شاهدته كاتبة الرواية ماري شيلي، فإن جذور الرواية تعود إلى قلعة فرنكشتاين، ذلك القصر النائي على قمة جبل في مقاطعة دارمشتات Darmstadt الألمانية الذي زارته ماري برفقة زوجها الشاعر. ففي ذلك القصر/ القلعة وُلِد وعاش جوهان كونراد ديبيل Johann Conrad Dippel (1673 ـ 1734) الذي درس اللاهوت والفلسفة والطبّ، في جامعة جيسن Giessen وحاز شهادة الدكتوراه على بحث بعنوان “في العدم” (De Nihilo )، ثم وضع مؤلفاً ضخماً في اللاهوت بعنوان Papismus Protestantium سبّب له الكثير من المتاعب وسُجِن جرّاء ذلك. وبعد خروجه من السجن عاش حياةً مضطربة انصرف خلالها إلى الخيمياء والطبابة، فوضع سبعين مؤلفاً جُمِعت فيما بعد (1747) في مجلد ضخم تحت عنوان Christianus Democritus.
ويستند المؤرّخ فالتر شيلي في ذلك، إلى رسالة تلقّتها ماري جين كليرمونت Mary Jane CLAIRMONT، والدة الشاعر شيلي، في العام 1813، من الروائي يعقوب جريم Jacob GRIMM الذي كانت تترجِم رواياته من الإنجليزية إلى الألمانية. وفي العام 1814 كانت الزيارة التي قامت بها ماري شيلي وزوجها الشاعر لقصر فرنكشتاين، واطّلعت على سيرة حياة ديبيل التي استوحتها لخلق شخصية فيكتور فرنكنشتاين Victor Frankenstein بطل روايتها. وبالفعل، فإن فرنكنشتاين هو، في الرواية، اسم الطبيب الذي صنع المخلوق العجيب لا المخلوق نفسه، الذي انسحب عليه اسم صانعه، الطبيب المسكون بهاجس “إكسير الحياة” وهو الهاجس الذي شغل ديبيل طوال حياته. ويرى مؤرّخون آخرون أن ماري شَلي استمدت أفكار روايتها من مؤلفات همفري ديفي Humphrey Davy الكيميائي الإنجليزي المعروف بأبحاثه حول تأثير التيار الكهربائي على الأجسام الكيميائية، وحائز الميدالية الذهبية من نابليون بونابرت لأنه اكتشف الصوديوم والبوتاسيوم. كما استمدّتها من أندرو كروس andrew cross ، الفيزيائي البريطاني (1784 ـ 1855) ورائد التجارب الكهربائية على الحيوانات والحشرات.
فيكتور فرانكنشتاين هو الشخصية الرئيسة في الرواية، لكن ثمة شخصية أخرى مُغفَلة، وتفوقها أهمية، وهي شخصية بروميثيوس Prometheus التي جعلتها المؤلفة صنواً أو بديلاً لفرنكنشتاين في عنوان الرواية “فرنكنشتاين أو بروميثيوس الحديث”. بروميثيوس الحديث هذا انتقل من حيّز الخيال العلمي إلى حيّز التكنولوجيا والمختبرات الحديثة، وتحوّل من بروميثيوس أسطوري إلى إنسان تكنولوجي (Homo tecnologicus) ولعلّ أسطورة بروميثيوس هي من أهم ما في الميثولوجيا الإغريقية، لِما تحمله من دلالات فكرية هائلة؛ فلكي يكافئ زيوس مناصريه في حربه على الآلهة المعادين له، عهَد إلى اثنين منهم، وهُما بروميثيوس وأخوه ابيمثيوس Epimetheus ، بمهمّتين: فكلّف الأول بصنع البشر والثاني بصنع الحيوانات. استغرق بروميثيوس وقتاً طويلاً في صنع البشر توخياً للإتقان، بينما أنجز ابيمثيوس صنع الحيوانات بسرعة وبوقت قصير. إلا أن بطء بروميثيوس جعل أخيه يستهلك كل الموارد الطبيعية المتاحة له في صنع الحيوانات فجعل لهم الفراء للتدفئة، والقرون والأنياب للحماية، كما منحهم سرعة العدو والسمع من مسافات بعيدة.. أشفق بروميثيوس على البشر وقرر أن يمنحهم المعرفة والمهارة والموهبة بوصفها سلاحاً أقوى من سلاح الحيوانات، لكنه أراد أن يعرض الأمر على زيوس. فوجئ زيوس بحب بروميثيوس للبشر، فهو لم يتوقّع أن يكون حبّه لهم كبيراً إلى هذا الحدّ، ولم يقرّه في طلبه، لعلمه بِأن المعرفة لن تجلب إلى البشر إلا الشقاء وحده. لكن بروميثيوس انحاز إلى البشر وفضّلهم على زيوس الخائف من منافسة البشر على ملكه وعظمته، فأغدق عليهم المواهب والعطايا والهبات بعدما سرقها من آلهة الأولمب، ومنحهم فنون العمارة والبناء واستخراج المعادن والنجارة وعلم الفلك وحساب الأرقام وقراءة الحروف وركوب البحر وتدجين الحيوان والتداوي من الأمراض…
فكيف استخدم البشر سلاح بروميثيوس؟ فرانكشتاين الرواية أو المتخيَّل بات فاتحة نوع جديد حقيقي وواقعي من المخلوقات، وذلك بالجمع بين دقة العلم وصرامته، وحرية الخيال واتّساعه، لإنتاج تكنولوجيا جديدة تحقق الآمال وتُثير المخاوف في آن معاً.
الإنسان والإنسان الآلي : أيهما السيّد؟
“ستار تريك” و”ستار وورز”
ظهرت الحلقة الأولى من مسلسل ستار تريك Star Trek في العام 1966 أي بعد عقدين على الحرب العالمية الثانية، وبالتزامن مع النمو الاقتصادي الهائل في أميركا وأوروبا، والمعجزة الاقتصادية الألمانية (Wirtschaftswunder)، ودخول اليابان نادي الدول الصناعية المتقدمة.
كانت ثمار الثورة الصناعية الثانية (الكهرباء والمحرك الذي يعمل بالاحتراق الداخلي) عدداً كبيراً من المنتجات التكنولوجية الرائعة. ولعلّ طائرة الكونكورد التي أُطلِقت في العام 1969 كانت العنوان الأبرز لتلك المنتجات.
لم يكن عالَم ستار تريك تكنولوجيا مدهشة فحسب، بل كان أيضاً عالَماً مثالياً، خلزاً من الطبقات الاجتماعية والانقسامات العرقية والجنسية. لاقى هذا المسلسل حماسة شعبية واسعة بعثت في النفوس إيماناً بالتكنولوجيا بوصفها محرّكاً لتقدّم المجتمعات. وبطبيعة الحال مع مخاوف من أضرار جانبية لهذا التقدم؛ لكن الأهم كان هو التقدّم نفسه؛ وقد عبّر عن ذلك خير تعبير الحلقة الثانية من ستار تريك وعنوانها “مخاطرة” وشعارها “ركوب الخطر مهنتنا”!
ألهب التقدم التكنولوجي المخيلة و الأحلام، ونبتت كالفطر المجلات التي أخذت تزيّن للقرّاء أن المستقبل سيحمل لهم أماكن الاستجمام على ظهر المريخ، وأنه سيقدّم إلينا أجهزة قادرة على تحويل المادة. لكن هذا التصفيق سرعان ما خفتَ ثم انقطع وحلّ محله وجومٌ مفاجئ. في العام 1971 أوقف الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون Nixon تغطية الدولار بالذهب، فانهار نظام بريتون وودز Bretton Woods الذي أُنشئ بُعَيد الحرب العالمية الثانية. ثم ما لبثت الأزمة النفطية أن هزّت الاقتصاد العالمي هزّاً شديداً، فزعزع التضخمُ الهائلُ وتزايدُ البطالةِ الثقةَ بالأسواق وبقدرة الحكومات على إصلاح الأوضاع.
بعد عقدين آخرين من النمو المستطير أخذت تظهر مساوئ السباق على استنزاف الثروات الطبيعية، فخرج نادي روما بتقريره الشهير “حدود النمو” (Limits to Growth) الذي يحذّر من وقوع كارثة بيئية إذا استمرّ التمادي في استهلاك وإهلاك مصادر الثروات الطبيعية. وبدأت تتكوّن حركات الخضر وحماية البيئة. وتكشّفت مخاطر التكنولوجيا مع كتاب “صدمة المستقبل” (Future Shock) لمؤلّفه ألفِن توفّلر Alvin Toffler الذي بيعت منه ملايين النسخ وتُرجِم إلى معظم اللغات، وأبلغ إلى قرّائه أن عقلنا ليس مؤهَّلاً بعدُ لاستيعاب هذه الوتيرة السريعة في التقدّم.
“حرب النجوم” لوحة زيتية مرسومةٌ بالكوابيس
شكّلت تلك المنجزات التكنولوجية خلفيةً فيلم “حرب النجوم” (Star Wars) الذي أبصر النور في العام 1977 وشاهده مئات الملايين من الناس، وجنى مئات الملايين من الدولارات، مسجّلاً أعلى دخل من شباك التذاكر. تحوّلت الألوان الزاهية لأسطول ستار تريك، إلى ألوان قاتمة السواد في شخصية بطل حرب النجوم “ديرث فيدِر” Darth Vader، وانقلب التعايش حرباً أهلية، واستحالت الأحلام كوابيس. وفي حين ظلّ “ستار وورز” يجتذب جمهوراً واسعاً، نشأ جيلٌ جديد من كتّاب الخيال العلمي حوّل الفضاء من مصدر للأحلام إلى لوحة كوابيس. تبيّن صورة المستقبل المتباينة في “ستار تريك” و”ستار وورز” كيف تنعكس عليها الآمال والأماني المعاصرة.
ما أشبه سبعينيات القرن الماضي بيومنا هذا، فالمخاطر التي نبّه منها “منتدى روما” (Club de Rome) من التغير البيئي والمناخي إلى الانفجار السكاني، تشبه المخاطر الراهنة: فقدان الثقة بالأسواق والمصارف منذ الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 2008، وفقدان الثقة بالحكومات بسبب انعدام الأمن وتفاوت النمو وسوء توزيع الثروات، والخلخلة التي تُحْدِثها التكنولوجيات المختلفة في سوق العمل، سواء في البلدان المتقدمة أو السائرة في طريق النمو.
خلال العقدين الماضيين عاد الخط البياني للنمو إلى الصعود ليبلغ ما كان عليه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبدأت الثورة الرقمية تؤتي أكلها وانتشرت ثمارها الطيبة وفضائل الرأسمالية وقيم الغرب في عموم أنحاء العالم، وبدت التكنولوجيا قوةً تحمل الخير إلى العالم كلّه. لكن… انفجرت فجأة أزمة 2008 التي ما زالت تجرجر ذيولها وعقابيلها إلى يومنا هذا، جارّةً وراءها القليل القليل من الإعجاب بالازدهار الاقتصادي، والقليل الأقلّ من الحبّ للقيم الغربية. تعقّدت الصورة ووجدنا أنفسنا قبالة الوجه القاتم للتكنولوجيا، تحملنا خيالاتنا إلى عالم قلِق لم يعُد ثمّة فيه من تعريفٍ واضح للحضارة ولامن تعريف واضح للإنسان.
نتمسّك بالابتكار، لكن فقدنا التقدّم!
هذا، بطبيعة الحال، تبسيط بل تسطيحٌ لتاريخ الاقتصاد الحديث، لكنه يوشك أن يكون كافياً لمعرفة كيف يستقبل الناس التكنولوجيا، وكيف يفهمونها. لقد دخلت أحلامنا منعطفاً قاتماً: أُخِذنا بالابتكار ونسينا التقدم، وأفلت من يدنا المستوى الأخلاقي والاجتماعي. فالسمة المميزة لواقعنا اليوم هي أننا نعتقد أننا نعيش في زمن الإبداعات الرائعة، بفضل الإنجازات التي يحققها التطور العلمي والتكنولوجي، لكننا نعتقد أيضاً، وفي الوقت نفسه، بأن ثمة حدوداً لا يمكن تخطّيها وتتمثّل في ما يخلقه هذا التطور من مخاطر اقتصادية وسياسية وبيئية.
علينا بالتنبّه إلى هذا الشعور العام، لا بوصفنا عشّاقاً للخيال العلمي، بل بوصفنا مواطنين وقادة مسؤولين. يمكن لأحلام الناس أن تُطلِق مبادراتهم وأن يضعوا أموالهم في خدمة مشاريع اقتصادية وبناء مصانع، لكن بوسعها أيضاً أن تجعل الرعب يجتاحهم فينكمشون راء أبواب موصدة ويجعلوا أيديهم مغلولةً إلى أعناقهم ويضنّون بأي فلس من فلوسهم. يمكن لأحلامهم أن تصرفهم عن الواقع الحقيقي وأن تحجب عنهم الهلع السياسي، وأن تصور لهم في الوقت نفسه المستقبلَ زاهراً مشرقاً.
أما إكسير الحياة فلم يُكتشَف بعد. لا ينقلب العِلم على العالِم، على نحو “انقلاب السحر على الساحر”، كما يُقال. لكننا لا نعلم ما إذا كان أكسير الحياة هذا سيبقى وهماً وسراباً، أم أن علينا أن نعهد به إلى العلم ليظفر به!!
الإنسان والإنسان الروبوت أيهما السيّد؟
ملصقات مختلفة لفيلم فرانكنشتاين المستوحى من رواية “فرنكشتاين أو بروميثيوس الحديث” للكاتبة ماري شيلي
روبير دي نيرو في فيلم فرنكنشتاين
أندرو كروس (andrew cross) رائد تجارب التيار الكهربائي على الحيوانات
دارث فيدر (Darth Vader)
قلعة فرنكنشتاين
بروميثيوس (لوحة بريشة الرسام هنرييش فوجر)
ماري شيلي استلهمت روايتها من قلعة فرنكنشتاين
الشاعر بيرسي بيش شيلي (زوج الكاتبة ماري شيلي)
بول فيريليو فيلسوف السرعة والسياسة
يوهان كونراد ديبيل
ألفن توفلر وكتاب صدمة المستقبل
حسين جواد قبيسي*