خلته يقف خلفي ينتظر دوره إلى الحمام، يحمل منشفه على كتفه ويفرك عينيه التي تستميت على النوم . انتهيت من دوري وحملت منشفتي. ووجدته قد نام وهو يسند رأسه للحائط ولا يزال واضعا المنشفة على كتفيه ينتظر دوره. صرخت في وجهه، فقفز مذعورا وهو يفرك عينيه وتثاءب ثم ولى هاربا إلى الحمام.. .لا أدري لماذا يستبطئ هذا الصغير في كل شيء هل لأنه أصغر اخوته ؟! أم أنه يختلف في تكوينه عنهم؟ انه يتعبني كثيرا رغم ذلك أستلطف سذاجته الطفولية في كثير من الأحيان. قررت اصطحابه معي في الرحلة التي سأذهبها مع الأصحاب في نهاية كل أسبوع. فرح كثيرا وجهز حقيبة كبيرة مليئة بالملابس والألعاب. أفرغت ما في الحقيبة كلها في غضب وأخبرته أننا سنمضي يوما واحدا فقط وليس أسبوعا.. انتظرني حتى غبت عن ناظريه وأعاد كل شيء إلى مكانه في الحقيبة وأغلقها وأبقى الأمر سرا .
طلب اخوته مني اصطحابهم معي لكني رفضت رغم حاجتهم للترفيه فقد وعدت أن آخذ وليد هذا الشقي معي.. . طوال الرحلة كان هادئا ولم يصدر أي ضجة تذكر، وعندما وصلنا هرع يجري عند البحر وغاصت قدماه على الرمل انطلق يعدو كجرو صغير متعطش للعب واللهو أخذ أصحابي يضحكون عليه وبدأوا يحبونه من أول ما رأوه ويمرحون معه كالأطفال الصغار، أعجبتهم ثرثرته وقضاء الوقت كله معه وتركوني أنا وكأني لا أمت لهذا الصبي الصغير بصله، وكأنهم اكتشفوه قبلي .
يبدو أن مقالبه ومغامراته الكثيرة قد حازت على إعجابهم. فقد مر الوقت بسرعة وأوشكت الشمس على المغيب فقررنا الرحيل بعد وقت ممتع مع وليد.
وعندما أردنا المغادرة لم أجده، وأخذنا بالبحث عنه وصرخنا بأعلى أصواتنا لكن لا جدوى.. لمت نفسي كثيرا لأنني أحضرته إلى هنا، ساورني القلق.. أين يمكن أن يذهب؟ لم نغفل عنه كثيرا ولم ننتبه له لانشغالنا بلعبة الشطرنج وقد استغفلنا وذهب إلى البحر وغرق هناك . نفضت الفكرة من رأسي وبدأت أناديه وقلبي ينفطر عليه.. ابتسامته الساذجة العفوية وأبوتي تدعوني إلى البحث عنه من جديد. لا يوجد مكان سوى البحر والمخيم وظليل الأشجار فكر أصحابي أن يكون قد اتجه إلى البحر. هرعت كالمجنون إلى البحر وأخذت أخوض فيه وأنادي عله يسمع صوتي ولكن دون جدوى. كدت أن أيأس وبدت تخور قواي وبكيت كالأطفال.
فجأة تذكرت.. السيارة.. وهرعت أسابق الزمن نحوها وأمل أخير يتقافز في قلبي فتحتها فإذا هو نائم بداخلها صرخت وأنا أحتضنه في سعادة وصرخ هو فزعا واخذ يبكي وأنا أبكي وأصحابي سعداء لأنه بخير وعلى قيد الحياة بقيت متمسكا به أحتضنُه بقوه وهو ينظر اليّ باستغراب لا يدري ماذا جرى. أستسلم للنوم مرة أخرى وكأن الليل حينها قد نشر ظلاله علينا.
كاتبة من عُمان