ا- مع اهتزاز العربة صارت تهمهم، تفرك في يديها ثم تلتفت لي، أطيل النظر من خلال الشباك الصغير المغطى بالسلك والحديد الى الأشجار الجافة على الطريق، أخرج منديلي وأحكه في وجهي، فيزيح العرق والأتربة، أسمع تنهيدتها التي تجر في آخرها لوعة الآه، عند الفرملة العنيفة أرى تصلب ملامحها والتفاف ذراعيها حول بطنها المتكور البارز.
2- ظل الولد يرفسني والألأم في الظهر لا تحتمل، هل لأني الد وأحس الحياة حولي مليئة باللآلي ء التي تلمع بعيدا، قلت أخيرا سأضع حملي وارتاح، عندما بدأ المخاض صرخت فالتموا حولي وأفزع صراخهن الصولة حسنات، ظللت أتألم حتى أتت في النهاية العربة ذات الأقفال والمتاريس، لو كنت بالخارج لاستطعت أن أتصرف ولكن كيف ؟
3- متى سنخرج من علابة السردين هذه، البيادة تمزق قدمي، والحر يخنقني ولا تبدو نهاية لهذه الرجرجة.
في المرة الأولى التي رأتني فيها (هناء) بزي الجيش، ضربت بقدميها الأرض ورفعت يدها.
– تمام يا افندم
ثم راحت في نوبة ضحك صافية، دارت في فستانها البرتقالي زي الكسرات الكثيرة ثم خطفت الكاب من على رأسي، وأطلقت قدميها ولم ألحقها الا في نهاية الجامعة.
– لماذا لا يسير في طرق مسفلتة ؟
فاجأني الصوت المبحوح والمكان والرائحة فقلت:
– لا نستطيع تغيير الطريق.
4- نظرات تحوطني وتتفرسني، لابد أن الصولة والعسكري يظناني أبا الطفل أخرجت علبة السجائر وافزعني أن الصولة سحبت سيجارة وأخرجت الكبريت، وتشاغل العسكري عنا بميدالية صغيرة ظل يقلبها، زاد صراخها فأردت الهرب من هذا السجن المتحرك الرجراج.
5- لابد أن (علية ) الأن في المدرسة وسوف تخرج وتشتري الفاصوليا والملوخية وتذهب الى البيت وتطبخ كما علمتها، لا أعرف لماذا لم أعترض حين اختار وني لكي آتي معها، فكنت أرى بطنها المنفوخ وهو يتحرك أمامي وأحس بالغيظ، هذه البنت الممصوصة ذات العيون الواسعة والشعر الفاحم وبطنها المتكور كأن بها عشرة توائم، هل ذهبت (علية ) الى السوق حقا أنها لا تزال تقف مع محمود ابن عنايات على السلم، لو استطيع أن أخرج من هنا واضبطها.
6- قلت لابدأ الألم اليومي منذ عام ظهرت الحبوب الصغيرة المتناثرة أسفل الذقن وعلى الجبهة والخدين ثم ما لبثت ان تحولت الى بثور، ولم أكن استطيع منع يدي ان تمتد وتهجم على وجهي وتختلط لذة الحك بالألم ولا أنتهي إلا عندما تنافه النار من وجهي وتطفق منه حمرة داعية.
ربيت أظافري وبردتها فصارت حادة، وطليقها بلون وردي في نفس درجة التايير وسحبت الا يشارب الذي فاصلت الرجل من أجله ساعة ثم سرت في الطرقات لا ألوي على شيء، لم أعد أحب النظر في المرأة هذه الأيام، ألبس فقط وأسوي شعري ثم انزلق الى الخارج.
أراهم أشباحا وأريد أن أتعلق بشي ء فقط لو يعطيني يده وأشد عليها رجرجة العربة تزيد المي وأشعر بدوار يسحقني أحس به يندفع لكنه يعود ويقبض عظامي وكلما صرخت حدجتني الصولة حسنات بعينيها وتأفف العسكري.
7- الطريق، الى أين يأخذنا الطريق بامتداده لا شيء يجدي، العربة بارتجاجها واحتكاك الكاوتش بالاسفلت والقلب يهتز كأنه قرية تخضها الأيام.
وقفنا أمام الفاترينة، كانت تتأرجح أمامنا، كرة صغيرة مثبتة بحاملين متحركين ومحصورة داخل دائرة ما أن يرفعها !لحاملان وتنفلت من الدائرة حتى تتراجع وتعود ثانيا وفي انفلاتها ورجوعها تسمع صدى المحاولة، لو أفلتت من الدائرة لنقرت زجاج الفاترينة لكنها أبدا لا تفعل.
8- أمرر السكين على وجه التورتة فيكشط الكريمة الزائدة، وأصنع وردة كبيرة في المنتصف ووردات صغيرات على الحافة بينما يجلس عمر بجواري يلحس الكريمة بأصبعه.
– هذا آخر عيد ميلاد ستقضيه معي
رأيت إطر اقة رأسه، فتنهدت ووضعت رقائق الشيكولاتة فصارت جميعها مصوبة نحو وردة المنتصف.
لم أعد أستطيع المقاومة حتى الدهاء في عروقي جفت لا الدموع فقط، فصرخت بوحشية، شد (عمر) على يدي ورأيت الصولة حسنات تفرد الشال الأبيض قلت
– خذه يا عمر خذه
شد أكثر على يدي ووقف العسكري بميد اليته الفضية التي تحمل وجه محارب مفقوء العينين.
9- غامت عيناها وأردت أن أفعل أي شي ء لأنقذها، بوحشية اندفع صوتها ثم سكنت، تلقت الصولة الطفل عل يديها أزرق لفته في قطعة قماش بيضاء، ضغطت يدها الباردة بينما العربة مازالت تترجرج.
نجلاء علام(قاصة من مصر)