(مقدمة)
«الشقة» دراما كوميدية أمريكية أنتجها وأخرجها بيلي وايلدر وقام ببطولتها جاك ليمون وشيرلي ماكلين وفريد ماكموري عام 1960. أنتج هذا الفيلم بعد نجاح فيلم وايلدر السابق «البعض يحبونها ساخنة». ولقد رشح الفيلم لعشر جوائز أكاديمية وفاز بخمس منها بما في ذلك أفضل فيلم. كما فاز بأفضل مخرج وأفضل سيناريو كتب خصيصاً للسينما. وأفضل إدارة فنية في وضع الديكورات (الأسود والأبيض) وأفضل مونتاج.. وبالرغم من أن جاك ليمون لم يفز عندئذ بجائزة أحسن ممثل، إلاّ انه خلال توزيع جوائز العام 2000 أهدى كيفن سبايسي جائزة الأوسكار الخاصة به كأحسن ممثل عن دوره في فيلم، «الجمال الأمريكي» إلى أداء جاك ليمون في فيلم الشقّة. وكذلك فإن سام ميندس ومن خلف المشاهد التي قام برؤيتها عندما كان يعمل في فيلم الجمال الأمريكي فقد قام برؤية فيلم «الشقة» كواحد من كلاسيكيات السينما الأمريكية، ليستلهم منه أثناء التحضير لتصوير فيلمه.
وقد نال فيلم «الشقة» جائزة البافتا لأحسن فيلم من أي مصدر كان وفاز جاك ليمون وشيرلي ماكلين بجائزة بافتا والجولدن جلوب لكل منهما لأدائهما المتميّز.
وفيما بعد تحوّل سيناريو الفيلم إلى مسرحية موسيقية عرضت في برودواي ودعيت «وعود، وعود» مرفقه بكتاب لنيل سيمون وموسيقى بورت بيكاراك وأشعار هال ديفيد.
وقد كان فيلم الشقة آخر فيلم بالأبيض والأسود يفوز بجائزة أحسن فيلم من الأكاديمية.
وقد اختارت مجلة «Premier» الفيلم كواحد من أحسن 50 فيلما كوميديا في كل العصور عام 2000. وفي عام 2007 اعتبرت مؤسسة الأفلام الأمريكية هذا الفيلم واحدا من أحسن 80 فيلما أنتجت في كل الأوقات.
الشقّة
حاسوب مكتبي
يد رجل تضغط لوحة المفاتيح فتظهر على الشاشة سلسلة من الأشكال.
بود (صوت خارجي)
في الأول من شهر نوفمبر عام 1959، كان عدد سكان مدينة نيويورك 042،783 فإذا ما وضعت هؤلاء في صف واحد مفترضاً ارتفاع متوسط يبلغ خمسة أقدام وستة ونصف بوصة فقد يبلغ طولهم مسافة البعد بين ميدان التايمز وضواحي مدينة كراتشي في باكستان. أنا أعرف حقائق كهذه لأنني أعمل لدى شركة تأمين…
مبنى شركة التأمين – يوم خريفي ممطر
إنه المبنى الأم، يُغطّي مربعاً كبيراً في مانهاتن السفلى وكله من الزجاج والألمنيوم، يقف شامخاً نحو السماء الرصاصية.
بود (صوت خارجي)
– تعزّز وتقوي حياة مدينة نيويورك. نحن واحدة من أهم خمس شركات في البلاد .. وقد سجّلنا في العام الفائت 9,3 بليون دولار بواليص تأمين.
ويوجد في مكتبنا الداخلي 31259 موظفا… وهو ما يعادل كل سكان ناتشيز، ميسيسبي، التابعة لجالوب، نيومكسيكو.
داخلي الطابق التاسع عشر:
هكتارات من المكاتب الرصاصية اللون وخزن رصاصية لوضع الملفات، ووجوه رمادية تحت الإضاءة غير المباشرة. حائط واحد من الزجاج يقتطع غرفة للموظف المسؤول. كل شيء نظيف معقّم، غير شخصي. اللمسة الإنسانية الوحيدة توفّرها أجهزة الـ IBM التي تطقطق مرحة في الخلفية.
بود (صوت خارجي): أعمل في الطابق التاسع عشر …. دائرة العقود العادية.. قسم حساب المكافئات.
شعبة W .. مكتب رقم 861
مكتب رقم 861 مثل باقي المكاتب، عليه طبق صغير ملصوق بجانبه ومكتوب عليه عبارة C.C. باكستر.
بود (صوت خارجي): أدعى باكستر C.C. – C بدلاً من C. Calium بدلاً من كليفورد .. على أي حال، فمعظم الناس يدعونني بود. أعيش حياتاً ثابتة لمدة ثلاث سنوات، وعشرة شهور. بدأت عملي في فرع الشركة في سينسناتي، ثم نقلت إلى نيويورك. أجري 94.70$ أسبوعياً، وبعض الإضافات المعتادة.
باكستر في الثلاثين من العمر، وهو إنسان جاد، يعمل بلا كلل وغير متطفّل. يلبس طقم عمل كالذي يباع في محلات الإخوان بروكس، كان قد اشتراه من احد محلاّت الشارع السابع، في الأعلى.
أمامه كومة من بطاقات المكافآت وهو ينزلها على جهاز الحاسوب.
ينظر بعيداً.
ساعة حائط كهربائية
انها تشير إلى 5:19 . بعد طقطقة خفيفة قفزت يد الدقائق إلى 5:20 فيقرع جرس يخرق الآذان.
بود (صوت خارجي): الساعات في قسمنا هي من 8:50 – 5:20.
إقفال تام في المكتب
فوراً يتوقف العمل. توضع الأوراق بعيداً، تغطى الآلات الكاتبة وأجهزة الحاسوب ويبدأ الجميع في إخلاء المكان. بعد عشر ثوانٍ، المكان خالٍ تماماً… ما عدا بود باكستر الذي ما زال منكبّاً على عمله وقد ترك معزولاً مقهوراً في بحر من المكاتب الخالية.
بود (صوت خارجي)
.. إنهم ينظمون كل طابق على حدة، حتى يستطيع ستة عشر مصعداً نقل 31259 موظفاً دون أزمات مرورية. أما بالنسبة لي فأنا كثيراً ما أبقى في المكتب واعمل لساعة أو اثنتين .. خاصة عندما يكون الطقس سيئاً. الموضوع ليس شدة طموح من قبلي .. إنها فقط وسيلة لقتل الوقت، حتى يصبح الوقت مناسباً لعودتي إلى المنزل.
كما ترى، هنالك مشكلة صغيرة تتعلق بشقتي..
إحلال إلى:
الشارع في الستينات الغربية – مساءً
يلبس بود معطفاً واقياً من المطر. وقبعة بنية اللون، ويمشي متباطئاً في الشارع يمسك بالنتوءات على حافة الممر. يقف أمام حجر بني مقلوب، وينظر إلى أعلى.
بود (صوت خارجي) أعيش في الستينات الغربية – بعيداً نصف شارع عن السنترال بارك. إيجار شقتي 84$ شهرياً. كان 80 فيما مضى إلى أن أدخلت صاحبة المنزل السيدة ليبرمان جهاز تكييف مستعمل فزادت الإيجار إلى 84$.
نوافذ الطابق الثاني مضاءة، ولكن الستائر مسدلة. ومن الداخل تسمع موسيقى تشاتشا.
بود (صوت خارجي) إنها شقة لطيفة حقاً – ليست فخمة ولكنها دافئة – مناسبة تماماً لعازب. المشكلة الوحيدة هي – لا أستطيع دائماً دخولها عندما أريد ذلك.
داخلي – الشقة – مساءً
ما كان في 1900 ردهة منزل كبير لعائلة واحده تقطّع الآن وأصبح غرفة معيشة، غرفة نوم، حمام ومطبخ. ورق الحائط بهت لونه، والبسط أصبحت رثّة والمفروشات المنجّدة بحاجه إلى غسيل. هنالك العديد من الكتب، جهاز تسجيل، كميات من التسجيلات، جهاز تليفزيون (21 بوصة و 24 دفعة)، طبعات لوحات غير مؤطرة من متحف الفن الحديث (بيكاسو، براك، كلي) معلقة على الحيطان. لمبه واحدة مضاءه، من أجل الحالة واسطوانة تشاتشا تدور على الفونوغراف. وعلى طرابيزة القهوة أمام المقعد المستطيل كأسان من الكوكتيل وابريق من المارتيني، زجاجة خالية تقريباً من الفودكا، طبق شوربة به بضعة مربعات من الثلج المذاب، بعض رقائق البطاطس، منفضة سجائر مليئة ببقايا السيجار وبقايا سجائر مصبوغة بأحمر الشفاه وشنطة نسائية.
السيد كركبي، رجل أنيق، في منتصف العمر، يقف أمام المرآة التي تعلو الموقد المزيّف، يزرر صدريته وهو لا يلاحظ أن أزرارها ليست على خط واحد.
كيركبي (ينادي من بعيد) تعالي، يا سيلفيا، لقد تأخر الوقت.
سيلفيا، سيده من المستوى المنحط، شعرها أحمر وأملس، تدخل وهي ترقص تشاتشا إلى داخل الغرفة، محاولة قفل عقدها وهي تتناغم بالموسيقى. ترقص بوله باتجاه كيركبي.
كيركبي: توقفي يا سيلفي، علينا الخروج من هنا.
يساعدها في لبس العقد، ثم يطفئ الفونوغراف.
سيلفيا: ما بالك متلهفاً؟ سآخذ كأساً آخر من المارتيني.
تذهب نحو مائدة القهوة، وتسكب بقايا الفودكا نحو الإبريق.
كيركبي: من فضلك، يا سيلفيا! الساعة التاسعة إلا ربع.
سيلفيا (تسقط الثلج المتبقي في الإبريق) في البداية تسرع في إحضاري إلى هنا، والآن … أسرعي، أسرعي، أسرعي! هذا يجعل الإنسان يشعر بأنه رخيص.
كيركبي: سيلفيا – عزيزتي – الأمر ليس كذلك .. ولكنني وعدت الرجل أنني سأخرج من هنا عند الثامنة، تماماً.
سيلفيا (تسكب المارتيني) أي رجل؟ شقة من هذه، على أي حال؟
كيركبي (متضايقاً جداً) ما الفرق؟ أحد التافهين الذين يعملون في المكتب.
خارجي – المنزل ذو الأحجار البنية – مساءً
بود يخطو ذهاباً وإياباً وهو يرسل بين الفترة والأخرى نظرة على الشبابيك المضيئة في شقته. سيدة في منتصف العمر معها كلب تجره تقترب منه عند الرصيف.
إنها السيدة ليبرمان، الكلب هو سكوتي، وهما الاثنان يلبسان معطف مطر. عندما يراهما بود ينحني عند الحاجز.
السيدة ليبرمان: مساء الخير، سيد باكستر.
بود: مساء الخير، سيده ليبرمان.
السيده ليبرمان: طقس سيء يأتي إلينا. لابد أنه آتٍ إلينا من كايب كنافرال. (تصل إلى منتصف السلم) هل أقفلت الشقة وأنت في الخارج.
بود: كلا، كلا. أنا انتظر صديقاً. ليلة سعيدة يا سيده ليبرمان.
السيده ليبرمان: ليلة سعيدة. سيد باكستر.
تدخل هي وكلبها إلى المنزل، يعاود بود الخطى وعينه على نافذة الشقة. فجأة يتوقف.. أطفئت الأضواء.
داخلي – مدخل الشقة فى الطابق الثاني – مساءً
كيركبي يلبس معطفاً وقبعة، يقف أمام باب الشقة المظلمة المفتوح.
كيركبي: اسرعي.. اسرعي، يا سيلفيا!
تأتي سيلفيا إلى الخارج على خطوات تشاتشا وهي تلبس معطفاً من فرو الجمل الفارسي المقلّد، قبعتها على رأسها وفي يدها شنطة يد وقفاز، ومظلّه.
سيلفيا: لديك ترتيب ممتاز هنا. إنها حقاً عش غرام ممتاز.
كيركبي: شش.
يغلق الباب، ويضع المفتاح تحت بساط الباب.
سيلفيا (ما زالت ترقص خطوات تشاتشا) إن أزرارك ليست مقفلة جميعاً.
تشير إلى صدريته المفتوحة. ينظر كيركبي إلى أسفل، يرى أن الأزرار ليست على صف واحد. يبدأ في إعادة تزريرها وهما يتحركان إلى أسفل السلم الضيق، الشحيح الضوء.
سيلفيا: عليك أن تراقب هذه الأشياء.
الزوجات يزددن ذكاء كل الوقت، انظر إلى السيد بيرنهايم في قسم الشكاوي .. عاد إلى المنزل في إحدى الليالي وعلى ياقته احمر شفاه .. قال لزوجته انه تناول كوكتيل جمبري للغذاء .. وهكذا أخذته إلى المختبر وحللته .. والآن أمسكت المنزل بيديها وكذلك الأولاد وحصلت على سيارة جاكوار جديدة.
كيركبي: ألا تتوقفي عن الكلام؟
خارجي – المنزل ذو الأحجار البنية – مساءً
يرى بود، الواقف عند الممر الجانبي، الباب يفتح تدريجياً.
يتحرك بسرعة نحو فسحة المنطقة ويكاد يضرب في صفائح الزبالة ويقف في ظل المنحنى وقد أدار ظهره بأدب نحو كيركبي وسيلفيا وهما ينزلان السلم.
كيركبي: أين تسكنين؟
سيلفيا: قلت لك .. مع والدتي.
كيركبي: وأين تسكن هي؟
سيلفيا: شارع مائة وتسع وسبعون .. البرونكس.
كيركبي: حسناً .. سآخذك نحو المترو.
سيلفيا: لن تفعل ذلك حتماً. سوف تحضر لي تاكسي.
كيركبي: لماذا تسكنون أيها السيدات جميعاً في منطقة البرونكس؟
سيلفيا: هل تعني انك تحضر نساء أخريات إلى هنا؟
كيركبي: حتمأً لا. أنا رجل متزوج سعيد.
يسيران باتجاه الشارع – يظهر بود من الفسحة يحملق بهما من الخلف، ثم يصعد الشارع، ويدخل عبر الباب الأمامي.
داخلي – مدخل العمارة – مساءً
هنالك ثمانية صناديق بريد. يفتح بود صندوقه، يخرج مجلة ملفوفة وبضع رسائل ويتابع سيره نحو السلم.
داخلي – باحة الطابق الثاني – مساءً
ينظر بود فيما جاءه من رسائل ويصل إلى باب شقته.
وبينما هو ينحني ليرفع بساط الباب، يفتح باب الشقة الخلفية وتظهر السيدة درايفوس وهي سيده مرحه ممتلئة في متوسط العمر تخرج حاوية بها أوراق قديمة وعلب فارغة. ينظر بود حوله وهو منحنٍ.
بود: أوه، مرحباً يا سيده درايفوس.
السيده درايفوس: هل هنالك ما يزعجك؟
بود: يبدو انني أسقطت مفتاحي. (يمثل انه يبحث عنه) أوه…
ها هو ذا
يخرجه من تحت البساط ويقف.
السيده درايفوس: سمعت جلبة رهيبة في منزلك.. ربما كان لديك لصوص.
بود: أوه، لا تهتمي بهذا الأمر.. ليس هنالك ما يسرق…
(يفتح الباب بسرعة) مساءً سعيداً يا سيده درايفوس .
يدخل بسرعة نحو الشقة.
داخلي – الشقة – مساءً
يضيء بود النور، يضع بريده والمفتاح على طاولة صغيرة وينظر حوله متقززاً لما تركه زواره من قذارة. يشم رائحة المواء، فينطلق نحو النافذة، يرفع الستارة، ويفتحها على مصراعيها. والآن يخلع قبعته ومعطف المطر، ويجمع بقايا حفلة الكوكتيل من على مائدة القهوة. ينطلق نحو المطبخ محملاً بالكؤوس، والأبريق وزجاجة الفودكا الفارغة، ووعاء الثلج ورقائق البطاطس.
يقرع جرس الباب. يتوقف بود، حائراً ماذا يفعل بالأشياء التي يحملها في يديه، ثم يقطع الصالة باتجاه الباب وبالكاد يتمكن من فتحه. ينطلق السيد كيركبي متجاوزاً إياه.
كيركبي: السيدة الصغيرة نسيت حذاءها الكاوتش.
بود: سيد كيركبي، لا أحب الشكوى.. ولكن كان من المفروض أن تخرج من هنا عند الثامنة.
كيركبي: اعرف، أيها الشاب بودي. ولكن هذه الأشياء لا ترجى تبعاً لجدول .. مثل أتوبيسات الجريهوند.
بود: لا أمانع لو حصل هذا في الصيف .. ولكن في ليلة ممطرة وأنا لم أتناول عشائي بعد..
كيركبي: حتماً، حتماً. انظر يا فتى.. لقد وضعت كلمه طيبة من اجلك عند شلدريك في شؤون الموظفين.
بود: (متنشطاً) السيد شلدريك؟
كيركبي: هذا صحيح. كنا نتناقش بشؤون قطاعنا – من حيث القدرة البشرية والترقيات – (يجد الحذاء المطاطي وراء الكرسي) .. وقد قلت له كم أنت شاب ذكي. انهم دائماً يبحثون عن شباب تنفيذيين.
بود: شكراً لك أيها السيد كيركبي.
كيركبي (متجهاً نحو الباب) أنت في طريقك إلى الأعلى، أيها الشاب بودي.
وأنت تقريباً لا تملك نقطه كحول.
بود: اعرف ذلك. فالسيد ايكلبورجر – في قسم قروض الرهائن أقام ليلة البارحة حفلة صغيره بمناسبة الهيلوين.
كيركبي: حسناً ضع بعض الفودكا وبعض الفرموت – وضع اسمي عليها.
بود: نعم، يا سيد كيركبي. ما زلت مديناً لي بثمن الزجاجتين الأخيرتين.
كيركبي: سأدفع لك يوم الجمعة. (وهو في ممر الباب المفتوح) وما الذي حصل لمقرمشات الجبنة التي كنت تضعها؟
يخرج، ويغلق الباب.
بود (يقوم بتسجيل عقلاني) مقرمشات جبنة.
يحمل ما في يديه إلى داخل المطبخ.
المطبخ صغير جداً ومليئ بالأغراض. على لوح التجفيف هنالك زجاجة فيرموت فارغة، بعض صواني الثلج، برطمان به حبة زيتون وكيس رقائق بطاطس مطوي.
يدخل بود يضع حمله على لوح التجفيف، يفتح ثلاجته القديمة يخرج عشاء من الدجاج المجمّد، يدير الفرن ينيره بعود ثقاب، يمزق الورق الذي يغطّي صينية الألمنيوم ويدفع بها إلى الداخل.
يبدأ الآن في تنظيف ما على لوح التجفيف من قاذورات. يجّفف كؤوس الكوكتيل وبينما كان على وشك تفريغ ما تبقى من المارتيني في الإبريق خطرت له فكره فتوّقف ووضعه في كأس ووضع حبة الزيتون المتبقية في الوعاء الزجاجي وما تبقى من شرائح البطاطس وأخذ يرفع نخباً وكأنه أمام رفيق متخيّل ويشرب. ثم يشد سلة الزبالة من تحت الحوض.
إنها مليئه بزجاج المشاريب الفارغة فيضيف بود إليها زجاجتي الفودكا والفيرموت ووعاء الزيتون. يلتقط الوعاء الثقيل ويحمله عبر غرفة المعيشة باتجاه باب الصالة.
داخلي – مدخل الطابق الثاني – مساءً
يفتح باب شقة بود ويخرج بود حاملاً سلة المهملات المليئة بالزجاجات الفارغة. بنفس اللحظة يأتي الدكتور دريفوس الذي قابلنا زوجته منذ قليل وهو يدبّ على الدرج. إنه رجل طويل القامة، عريض المنكبين في الخمسين من العمر، ذو شارب كثيف، يلبس معطفاً ثقيلاً ويحمل حقيبة أدوات طبّية قديمة.
دكتور دريفوس: مساء الخير يا باكستر.
بود: مرحباً يا دكتور هل جاءك طلب متأخر؟
دكتور دريفوس: نعم. أحد المهرجين في منطقة شرافت في الشارع الـ 57 أكل إحدى السندويتشات الضخمة، ونسي أن يخرج منها نكّاشة الاسنان.
بود: آه. (يضع سلة الزبالة أيضاً) وداعاً، يا دكتور.
دكتور دريفوس: (يشير إلى الزجاجات) قل لي، يا باكستر.. أن الطريقة التي تتناول بها هذه المواد لا بد أن يكون لك كلى مصنوعة من حديد.
بود: آه، أنا لا أشربها، الأمر وما فيه أنني استضيف بين الفينة والأخرى بعض الناس لتناول كأس من المشروب.
دكتور دريفوس: بالواقع، فلا ريب انك رجل حديدي طوال الوقت مما أسمعه عبر الحائط فأنت تقيم كل ليلة ما يناسب مزاجك.
بود: أنا آسف لما تحدثه من صخب ..
دكتور دريفوس: أحيانا، يكون هنالك ليالي صاخبة (يهزّ رأسه) وقحة مثلك.
بود: (متضايقاً) نعم .. حسناً .. كما ترى، يا دكتور.
(يبدأ في التراجع عبر الباب)
دكتور درايفوس: تعلم يا باكستر .. أنا أقوم ببعض الأبحاث في مركز كولومبيا الطبي .. وأتساءل إن كان بإمكانك أن تساعدنا؟
بود: أنا؟
دكتور دريفوس: عندما تكتب وصيتك .. وبالطريقة التي تتبعها، فعليك أن … إذا لم يكن لديك مانع أن تترك جسدك للجامعة.
بود: جسدي؟ أنا متأكد أنكم أيها الإخوان ستصابون بخيبة أمل. مساءً سعيداً، يا دكتور.
دكتور دريفوس: على مهلك، يا فتى.
يتجه نحو الشقة التي في المؤخرة بينما يغلق بود الباب.
داخلي – الشقة – مساءً
يحلُّ بود ربطة عنقه ويدخل إلى المطبخ، يفتح الفرن، ويقفل صنبور الغاز. يخرج زجاجة كوكاكولا من الثلاجة يفتحها، يخرج شوكة وسكينة من الدرج ويستخدم منديله في إمساك الطبق ويخرج الصينية الألمونيوم من الفرن. ويحمل كل شيء إلى غرفة المعيشة.
يضع بود عشاءه على طاولة القهوة في غرفة المعيشة. ويستقر على الأريكة. يقفز إذ يشعر بوخزة فيمد يده ويفتش تحت مؤخرته فيرفع بيده دبوساً للشعر فيرميه في منفضة السجاير، ويتابع عشاءه. وبدون أن ينظر يمد يده إلى نهاية المائدة ويضغط على موجِّه التلفزيون. يرشف من الكوكاكولا وعيناه موجهتان عبر الغرفة.
تظهر الصورة على جهاز التلفزيون. وأمام خلفية من الأنوار يقف مذيع ويعلن.
المذيع: …. من أكبر مكتبة في العالم للأفلام الكلاسيكية نقدّم لكم بكل فخر (صوت البوق)
جريتا جاربو – جون باريمور
جون كروفرد … ولاس بيري … وليونيل باريمور
في (صوت البوق) الفندق الكبير!
صوت بوق طويل المدى، ينحني بود إلى الأمام وهو يعلك بمتعة وحماس فخذ دجاجة.
المذيع: ولكن قبل ذلك كلمة من الراعي. إذا ما كنت تدخّن بالطريقة الحديثة، لا تخدعك ادعاءات أوراق الترشيح..
ما زال بود يأكل، وبطريقة اتوماتيكية يضع يده على زرار اختيار المحطات فيضغط عليه.
تظهر قناة جديدة. يظهر أحد أفلام الغرب الهندية وهم يهاجمون عربة.
هذا ليس مزاج بود. يدير المفتاح نحو محطة أخرى. في إحدى الصالات عند الجهة الأمامية، يقوم بعض رعاة البقر بتعرية العفش وبعضهما البعض.
يغيّر بود القناة وهو تعب ولكنه لا يتمكن من التخلص من أفلام رعاة البقر .. في هذه المحطة يقوم فرسان الولايات المتحدة بالتوجه على أحصنتهم للإغاثة. هل سيصلون إلى هناك في الوقت المناسب.
لا ينتظر بود حتى يرى. يعيد تحريك القنوات مرة أخرى ويعود إلى حيث بدأ.
على الشاشة نعود مرة ثانية حيث يقف المذيع أمام الإضاءة.
المذيع: والآن، «الفندق الكبير» بطوله جريتا جاربو، جون باريمور، جوان كروفورد…
(بود مرة ثانية يفتح عينيه وأذنيه)
.. ولاس بيري، وليونيل باريمور. ولكن أولاً .. كلمه مع الراعي الآخر. (يتكلم بلزوجه)
أيها الأصدقاء هل لديكم أطقم أسنان غير ثابتة…
هذا ينهي الموضوع. يغلق بود التلفزيون بقرف.
تتحول شاشة التلفزيون إلى اللون الأسود ما عدا نقطة ضوء في المركز تختفي تدريجياً.
يقف بود في الحمام لابساً البيجاما الآن ويقوم بتنظيف أسنانه بالفرشاة. وعلى عامود الصنوبر نرى ثلاثة أزواج من الكلسات معلقة على حامل. يتناول بود علبة من على رف الأدوية ويخرج منها حبة منوّمة ويتناولها مع كأس من الماء، يطفئ النور، ويدخل نحو غرفة النوم.
في غرفة النوم السرير الفردي مرتّب والضوء الجانبي على المنضدة الجانبية. يصل بود الحرام الكهربائي ويدير زراره ثم يتسلق نحو السرير، يرفع المخدّة وراءه. ويأخذ من على المنضدة المجلة التي وصلت بالبريد، يخرجها من غلافها، ويفتحها إنها العدد الجديد من «بلاي بوي». يتصفحها بود حتى يصل إلى «القطعة المقاومة» للمجلة. يفتح الغطاء، ينظر إليها بسرعة، يعيد وضعها في مكانها ثم يعود إلى الصفحة الخلفية من المجلة ويبدأ في القراءة.
الشيء الذي يثير اهتمامه بها هو القسم الخاص بأزياء الرجال.
هنالك تصميم موجود تحت عنوان ماذا يلبس الموظف الشاب وتحت هذا العنوان الرئيسي عنوان فرعي يقول عودة إلى القبعة المستديرة السوداء وتوضيحاً لهذه المقالة هنالك صور متعددة لعارضي أزياء يلبسون أشكالاً مختلفة من تلك القبعة.
من المؤكد أن بود سيذهب إلى السوق لشراء هذا النوع من القبعات ولكنه يبدأ بطريقة ما بتدوير الأمور في رأسه. يعود ثانية إلى الصفحة ويفتحها ويدرسها ثم يحمل المجلة إلى أعلى ليأخذ جانباً آخر من الموضوع. عندئذ تبدأ الحبّة المنومة بالتأثير فيتثاءب. تسقط المجلة من يده إلى الأرض، يطفئ النور، يستقر لينام. الغرفة مظلمة ما عدا بريق شريط الحرام الكهربائي. تمر ثلاث ثوانٍ. ويرن الهاتف بصوت مرتفع في غرفة المعيشة. يتحرك بود مترنحاً خارج السرير، ويلبس خفه ويتجه نحو غرفة المعيشة. يفتح الضوء، ويمسك بالهاتف.
بود: مرحباً؟ … مرحباً؟ .. نعم انه باكستر.
داخلي – غرفة هاتف في إحدى حانات مانهاتن – ليلاً
في الليل يبدو رجل متلهف في الخامسة والأربعين مدّعياً قوة الشخصية غير الموجودة. اسمه دوبيش. خارج غرفة الهاتف فتاة شقراء، سكرانة قليلاً، وبعيداً عن ذلك نرى سيجارة مخدرات جاهزة.
دوبيش: تحية ايها الشاب بودي. أنا موجود في هذا البار عند الشارع الخامس والستون وأخذت أفكّر بك وفكرت بأن اتصل بك.
بود- على الهاتف
بود: حسناً، هذا لطيف منك .. ولكن من أنت؟
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش: دوبيش.. جو دوبيش، في الإدارة.
بود أمام الهاتف
بود (انتبه للأمر) آه، نعم، يا سيد دوبيش. لم أعرف صوتك…
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش: لا بأس أيها الشاب بودي. والآن كما قلت سابقاً انا موجود على ناصية الواحد والستين.. واعتقد انني محظوظ (ينظر إلى رفيقته الشقراء).. أنها احد المتزلجين في استعراض التزلّج. (يقهقه).. وظننت أنني ربما أستطيع الصعود معها لتناول مشروب هادئ.
بود- على الهاتف
بود: أنا آسف يا سيد دوبيش. كما تعلم يسعدني أن أساعدكم .. ولكن الوقت متأخر .. لذلك لمَ لا تفعل هذا مرة أخرى.
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش: أيها العزيز بودي .. لن تبقى طويلاً .. ولا حتى على الجليد. اسمع، ياعزيزي، لا أستطيع أن أفوّت هذه الفرصة .. انها تبدو مثل مارلين مونرو.
بود – على الهاتف
بود: لا يهمني حتى لو كانت مارلين مونرو – أنا قد دخلت الفراش – وأخذت حبة منوّمة .. ولذلك الجواب هو لا.
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش: (يرفع من وتيرة الكلام) أنظر، يا باكستر .. اننا نقوم بتقييم الكفاءات الشهري .. ولقد وضعت اسمك بين العشرة الأوائل. والآن لا أعتقد أنك تريد تشويه سمعتك.
هل تريد ذلك؟
بود – على الهاتف
حتماً لا. ولكن .. كيف يمكن أن أكون كفؤاً في العمل إذا لم أحصل على نصيبي من النوم؟
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش: إنها الساعة الحادية عشرة فقط وأنا أريد المكان لخمس وأربعين دقيقة فقط لا غير.
تفتح الشقراء باب غرفة الهاتف وتنحني إلى الداخل.
الشقراء: لقد بدأت اشعر بالوحدة. مع من تتكلم، على أي حال؟
دوبيش: والدتي.
الشقراء: هذا لطيف. هذا حقاً شيء لطيف.
يغلق دوبيش الباب في وجهها.
دوبيش (يعود إلى الهاتف) لنجعلها ثلاثين دقيقة. ماذا تقول في ذلك، يا بود.
بود – على الهاتف
بود (في دفاع أخير) لا يوجد لدي شراب .. والكؤوس ليست نظيفة .. وليس لدي أية مقرمشات بالجبنة .. ولا شيء.
داخلي – غرفة الهاتف
دوبيش، دع ذلك لي. أترك المفتاح تحت سجادة الباب فقط وأخلي الشقة.
داخلي – الشقة
بود : (يتكلم في الهاتف، مستسلماً) نعم، يا سيد دوبيش، يقفل الهاتف، ويركض بسرعة نحو غرفة النوم.
بود: (يتمتم لنفسه) انت مطاع، يا سيد دوبيش .. لا مشكلة في ذلك، يا سيد دوبيش.. لتكن ضيفي .. يظهر خارج غرفة النوم يرفع سرواله فوق سروال البيجاما.
بود: .. نحن لا نغلق في محل بودي بوي .. تبدو مثل مارلين مونرو .. (يقهقه على طريقة دوبيش) يرتدي معطف المطر والقبّعة، يفتح بود باب الصالة، يأخذ المفتاح من على الطاولة، يرميه تحت سجادة الباب. يقع نظره على شقه دريفوس، فيظهر على وجهه نوع من الاهتمام.
يلتقط دفتراً وقلماً من على المائدة، يكتب شيئاً بأحرف طباعة، يقطع الورقة الأولى ويلصقها إلى جانب الفونوغراف، ثم يتجه إلى الخارج، ويغلق الباب خلفه. الورقة تقول «لا ترفعوا الصوت عاليا، الجيران يتذمرون».
خارجي – المنزل ذو الأحجار البنية – ليلاً
يخرج بود من الباب، مرتدياً حذاء المنزل، سروالاً ومعطف مطر فوق بيجامته، وبينما يسير نائماً فوق السلالم، تقف سيارة تاكسي أمام المنزل. يسير بود بخطوات هادئة نحو الممر. يخرج السيد دوبيش بحذر من التاكسي. يحمل بين اصابع يديه أربعة كؤوس طويلة الساق، ومليئة بالكحول حتى الشفة..
تخطو الشقراء خارج التاكسي تحمل قبعته بين يديها.
الشقراء: هذا هو المكان؟
دوبيش: نعم. (مخاطباً سائق التاكسي) كم تريد؟
سائق التاكسي: سبعون سنتًا.
دوبيش الذي يحمل في يديه المشاريب، يستدير نحو الشقراء ويشير إلى جيوب سرواله.
دوبيش: اخرجي الدراهم من فضلك؟
تضع الشقراء القبعة على رأسه، وتفكّ أزرار معطفه، تحاول الوصول إلى جيب سرواله. وبينما تحاول فعل ذلك تصطدم بكوعه.
دوبيش: حاسبي على هذه المشاريب.
أخذت الشقراء محفظة دوبيش وبها حوالي مائة دولار.
دوبيش: اعطيه دولاراً.
تخرج الشقراء الدولار وتناوله لسائق التاكسي، وتتوقّف عند بقية الرزمة على نية زيادة عن المتوقّع.
دوبيش: والآن ضعيها مكانها يا عزيزتي (تفعل ذلك)
هناك، يا فتاة.
ينطلق التاكسي ويبدأ دوبيش والشقراء بصعود درجات السلم نحو المنزل.
الشقراء: هل انت متأكد من أن هذه فكرة حسنة.
دوبيش: لا استطيع أن أفكر بطريقة أفضل.
الشقراء: (تمسك الباب وتبقيه مفتوحاً له) أعني – التسلل إلى منزل والدتك – في منتصف الليل؟
دوبيش (يقترب متجاوزاً إياها بالمشاريب) لا تبالي بالسيدة العجوز، فأية حركة من قبلها، ترميها خارج وظيفتها.
يسمع بود من على الفسحة ما يقولانه مما يزيد من كآبته.
يخطو نحو الممر ويسير متباطئاً نحو الشارع.
داخلي – أرضية الطابق الثاني – ليلاً
يأتي دوبيش والشقراء نحو باب بود ويداه مليئة بالمشاريب.
دوبيش: هل لك أن تأتي بالمفتاح.
تمد يدها نحو جيبه بصورة أوتوماتيكية.
دوبيش: ليس هناك، تحت السجادة.
الشقراء (محتارة) تحت السجادة؟ (تلتقط المفتاح)
دوبيش (فاقداً صبره) افتحي الباب، افتحي الباب .. ليس لدينا الليل بطوله.
تفتح الشقراء قفل الباب المؤدي إلى الشقة، ثم تفتح الباب.
الشقراء (بريبه) إذا، هذه شقة والدتك؟
دوبيش: هذا صحيح يا ماريا اوسينسكايا.
الشقراء (رفعت برأسها إلى الداخل) هيا، اوسينسكايا
يدفعها دوبيش إلى الداخل بركبته، ويغلق الباب خلفه برجله.
أرضية الشقة فارغة لثانية من الزمن. ثم يفتح باب الشقة الخلفية ويخرج دكتور دوريفوس مرتديا رداء الحمام، ويضع زجاجتي حليب فارغتين وعليهما ملاحظة. وفجأة يخرج من شقة بود صريخ وقهقهة نسائية تثير ردّة فعل لدى دكتور درايفوس. ثم تبدأ موسيقى التشاتشا بأعلى صوتها.
دكتور درايفوس: (مخاطباً زوجته بعيداً عن الشاشة) ميلدريد.. لقد عاد إلى تلك الحالة مرة ثانية.
يهز رأسه ويغلق الباب.
خارجي – سنترال بارك – ليلاً.
يتجه بود الذي يلبس معطف المطر والخف المنزلي بعيداً عن الشارع ويتجه نحو ممر في الحديقة المهجورة، يتوقف عند مقعد خشبي بلّله الماء ويعلوه عامود لمبة كهربائية فيجلس. في الخلفية.
الأضواء تشع من البنايات التي تحيط بسنترال بارك جنوباً.
يرتجف بود داخل معطف المطر. ويتملكه الآن نعاس لا يقاوم. عيناه تغلقان ورأسه يسقط على كتفه. أوراق مبللة تتساقط على المقعد الخشبي بفعل هبوب الريح.
إظلام تدريجي:
إضاءة تدريجية:
داخلي – باحة مبنى التأمينات – نهاراً
الساعة التاسعة والربع. صباح رمادي من شهر نوفمبر، والموظفون العاملون يتكدسون عند مداخل الأبواب. ومن بينهم بود، ملفوف بمعطف مطر وقبّعة وملفوف بشال ثقيل وقفازات صوفية ويحمل في يده علبة مناديل ورقية، يسعل، يخرج منديلا ورقيا ويمسح أنفه الذي يسيل. إنه مصاب ببرد سيء.
إن باحة المبنى ملفتة للنظر بحجر الرخام الذي يزينها والذي يتناسب مع وضع شركة استطاعت أن تحقق تأمينات في العام الفائت بلغت قيمتها 9.3 بليون دولار. هنالك ستة عشر مصعداً، ثمانية منها مكتوب عليها محل ي- الطابق 1-18، ويقابلها ثمانية سريعة – للطوابق 18-37، منظّم العمل يلبس بدلة خاصة، وببراغة شديدة يوجّه تدفّق السير نحو مختلف المصاعد.
ينضم بود إلى الجموع الواقفة امام واحد من المصاعد السريعة وأيضا يقف هناك السيد كيركبي يقرأ جريدة الهيرالد تريبيون.
بود (بصوت مبحوح) صباح الخير. سيد كيركبي.
كيركبي (وكأنه قد تعرّف عليه توّاً بشكل طفيف) أوه، كيف حالك يا باكستر. انهم يشغلونك هذه الأيام؟
بود: نعم، يا سيدي. انهم فعلاً يفعلون ذلك. (يعطس)
تفتح أبواب المصاعد فتظهر السيده المسؤولى. إنها في منتصف العشرينيات واسمها فران كيوبيلك. ربما كانت تركيبتها كلها أو ربما كان وجهها أو ربما كانت بذلتها .. على أي حال فهناك شيء ما جذاب في طلّتها. وهي أيضاً لها فرادتها الخاصة .. فهي تلبس قرنفلة في قبة سترتها وهذا تماماً عكس القوانين. وبينما يدخل الناس إلى المصعد فهي تحيي الجميع بمرح.
فران: صباح الخير، سيد كيسل.. صباح الخير، أنسه روبنسون.. صباح الخير سيد كيركبي .. صباح الخير، سيد ويليميز.. صباح الخير، آنسه ليفينغستون..صباح الخير، سيد مكلولي.. صباح الخير، سيد بيرللي.. صباح الخير، سيده شوبرت..
وفي وسط ذلك نسمع بين الحين والآخر «صباح الخير، آنسه كيوبيليك» من الراكبين.
فران: صباح الخير، سيد باكستر.
بود: صباح الخير، آنسه كيوبيليك.
يرفع قبعته محيياً .. انه الوحيد الذي يفعل ذلك، المصعد الآن ملآن.
مسؤول الإقلاع (يشغّل الأزرار) هذا كل شيء. خذه بعيداً.
فران ( تغلق الباب) انتبهو إلى الباب من فضلكم. إنه ينطلق.
داخلي – مصعد
يقف تماماً بالقرب من فران بينما ينطلق المصعد الصاروخي المليئ بالركاب.
بود (يدرسها) ماذا فعلت بشعرك؟
فران: كان يقلقني لذلك قصصته. خطأ كبير أليس كذلك، هوه؟
بود: يعجبني بشكل ما.
يعطس، يخرج منديلاً ورقياً، يمسح أنفه.
فران: قل لي هل أنت مصاب بالبرد.
بود: نعم. من الأفضل أن لا أقترب كثيراً.
فران: اوه، انا لا ألتقط البرد أبداً.
بود: حقاً؟ كنت أراجع بعض الإحصاءات من قسم قضايا المرض والحوادث.. هل تعلمين أن معدل المواطن النيويوركي بين سن العشرين والخمسين هو مرتان ونصف من الإصابة بالبرد في السنة؟
فران: هذا يجعلني أشعر بانزعاج شديد.
بود: لماذا؟
فران: حسناً، حتى نجعل الإحصاءات بدون كسر. بما انني لا أصاب بالبرد خلال السنه .. فعلى أحد المساكين الإصابة خمس مرات في السنة.
بود: هذا انا. (يمسح أنفه)
فران: كان عليك أن تبقى في السرير هذا الصباح.
بود: كان عليّ أن أبقى في السرير الليلة الفائتة.
يبطئ المصعد، ويتوقف الآن. تفتح فران الباب.
فران: التاسع عشر. حاسب على خطواتك.
يخرج ثلث الراكبين بما فيهم بود وكيركبي. وبينما يمر كيركبي من أمام فران يصفعها في الخلف بجريدته الملفوفة. تقفز فران قليلاً.
فران (كل هذا أثناء العمل اليومي) وراقب يدك يا سيد كيركبي!
كيركبي (ببراءة) سامحيني؟
فران: يوما ما سوف أغلق هذه الأبواب عليك و…
تدخل يدها في كمّها وتلوّح بذراعها «المقطوعة» إليه
فران: العشرون فيما بعد.
تغلق الأبواب.
داخلي – الطابق التاسع عشر – نهاراً
يبتعد كيركبي عن المصعد، ويشد على أسنانه، ويجد نفسه بجانب بود.
كيركبي: هذه الكوبيليك .. أيها الشاب! أتمنى أن أضعها في مصعد بطيء نحو الصين.
بود: أوه، نعم. إنها أفضل محرّكة مصعد في المبنى.
كيركبي: أنا محرك جيّد شخصياً .. ولكنها لا تبلّل ريقي .. أعني لا تعطيني موعداً.
بود: ربما انت تستخدم اقتراباً خاطئاً.
كيركبي: حاول العديد من الرجال ذلك.. مختلف أنواع الاقتراب. ولكن بلا جدوى. ما الذي تحاول إثباته؟
بود: ربما هي مجرد فتاة لطيفه، محترمه.. هنالك الملايين من هؤلاء.
كيركبي: اسمعوه.. اللورد الصغير فونتيلروي.
يترك كيركبي بود عند شماعة معاطف الموظفين ويتجه نحو مكتبه، واحد من المكعبات الزجاجية المقفلة. يعلق بود معطفه وقبّعته ويخلع قفازه وشاله الصوفي. يخرج من جيب معطفه رشاش مضاد للحساسية وعلبة حبوب سعال وما زال يحمل علبة المناديل الورقية ويشق طريقه نحو مكتبه. معظم المكاتب ممتلئة الآن والأخرى تمتلئ بسرعة.
وبمجرد أن يجلس إلى طاولته، يرتب بود أدويته أمامه. يخرج منديلاً ورقياً من العلبة وينظف أنفه ثم ينحني إلى الخلف ويضع في فتحتي منخاره الدواء واحداً بعد الآخر. فجأة يسمع الجرس الذي يخرق الآذان معلناً بداية يوم العمل. وبما أنه من النوع الحي ضميره يبدأ بود مباشرة فيجلّس نفسه على الكرسي ويرفع الغطاء عن آلة الحاسوب ويلتقط مجموعة من بطاقات العلاوات ويبدأ في إدخال الأرقام على حاسوبه.
وبعد بضع دقائق. ينظر حوله ليتأكد من أن جميع المحيطين به يعملون. ثم يخرج رقماً من دليل هاتف الشركة ويطلبه.
بود (واضعاً يده على سماعة الهاتف) مرحباً يا سيد دوبيش؛
هذا باكستر يكلمك في الطابق التاسع عشر.
داخلي – مكتب دوبيش – نهاراً
إنها غرفة زجاجية في الطابق الواحد والعشرين.
عبر الزجاج نرى مجموعة ضخمة من المكاتب، الجميع يعملون، دوبيش يحمل الهاتف في يده يحلق ذقنه بآلة حلاقة كهربائية باليد الأخرى.
دوبيش: أوه، ايها الشاب بودي. كنت على وشك أن أطلبك.
(يغلق آلة الحلاقة الكهربائية) انا آسف حول الفوضى التي تركتها على حائط غرفة المعيشة. كما ترى، صديقتي الصغيرة، كانت تصرّ أن بيكاسو كان متشرداً.. لذلك فقد بدأت ترسم تلك الجدارية ولكنني متأكد أنه من الممكن إزالتها.. فهي ليست سوى قلم حاجب.
بود – على الهاتف
بود: انا لا أكلمك بشأن بيكاسو. ولكن المفتاح.. مفتاح شقتي.. كان من المفترض أن تتركه تحت السجادة.
دوبيش – على الهاتف
دوبيش: لقد فعلت ذلك. ألم افعل ذلك؟ أنا أذكر موضوع أنني انحنيت ووضعته هناك.
بود-على الهاتف
بود: أوه، وجدت مفتاحاً هناك، حقا .. إلا أنه المفتاح الخطأ.
دوبيش- على الهاتف
هل هو كذلك؟ (يأخذ مفتاح بود من جيبه) حسناً، ماذا نفعل؟
لذلك عجبت لأنني لم أتمكن من دخول حمام كبار الموظفين.
بود- على الهاتف
دوبيش: وأنا لم أتمكن من دخول شقتي .. ولذلك فقد اضطررت إلى إيقاظ صاحبة المنزل في الرابعة صباحاً وأخبرتها محتالاً عليها بالغناء والرقص أنني ذهبت لوضع رسالة بالبريد ووجدت الباب مغلقاً.
دوبيش- على الهاتف
دوبيش: هذا شيء معيب. سوف أرسل المفتاح مباشرة إلى تحت. وأما بالنسبة لترفيعك.. (أوراق التقارير على المكتب) .. سوف أرسل تقرير الكفاءة الخاص بك للسيد شيلدويك في شؤون الموظفين ولن افاجئ إذا ما سمعت منه قبل أن ينتهي النهار.
بود-على الهاتف
بود: شكراً لك يا سيد دوبيش.
يقفل الهاتف ويضع يده على جبينه. إنه ساخن. بالقرب من منديله هنالك قلم حبر أسود وبقربه ميزان حرارة مغلّف ببيت أسود. يفتح بود كيس ميزان الحرارة ويفتح غطاء الميزان ويهزّه ويضعه تحت لسانه ويعود إلى العمل.
يأتي رسول إلى مكتبه يحمل ظرفاً داخلياً.
الرسول: من مستر دوبيش.
بود (الميزان بفمه) انتظر.
يستدير بعيداً عن الرسول، يفك خيط الظرف ويخرج مفتاحه ويضعه في جيب معطفه. ويخرج من جيب سرواله مفتاح دوبيش الخاص بحمام الموظفين. ويدخله بلياقة إلى الظرف، يعيد ربطه ويسلمه إلى الرسول.
بود (ميزان الحرارة في فمه) إلى السيد دوبيش.
يغادر الرسول مذهولاً من كل العملية. يخرج بود الآن الميزان من فمه، يقرأه. إنه اسوأ مما تصور. يعيد الميزان إلى كيسه ويشبكه في جيبه، يأخذ روزنامته من الدرج ويفتح الورقة. تحت يوم الإربعاء الرابع من نوفمبر مكتوب هناك بخط يده السيد فاندرهوف.
يعود بود إلى دليل الهاتف مرة ثانيه، يلتقط الهاتف ويطلب.
داخلي- مكتب فاندرهوف- نهاراً.
هذا مكتب زجاجي آخر في طابق آخر. يقف السيد فاندرهوف، الذي يبدو كمسؤول رفيع في غرفة التجارة، يملي على سكرتيرته التي تجلس في الطرف الآخر من المكتب.
فاندرهوف: عزيزي السيد ماكنتوش (يدق جرس الهاتف فيلتقطه). فاندرهوف العلاقات العامه. آه، نعم يا باكستر. دقيقة واحده (مخاطباً السكرتيرة) حسناً، الآنسة فينش .. اطبعي ما وصلنا إليه حتى الآن. (ينتظر لحين خروجها من المكتب، ثم يعود للهاتف) والآن ماذا هنالك يا باكستر؟
بود-على الهاتف
بود: أنظر يا سيد فندرهوف.. اسمك مسجّل عندي لهذه الليلة.. ولكنني سوف أستعمل المكان أنا .. ولذلك يجب أن ألغي.
فاندرهوف-على الهاتف
فاندرهوف: ألغي؟ ولكنه عيد ميلادها.. ولقد طلبت قالب الحلوى ..
بود-على الهاتف
بود: يزعجني ان اخيّب أملك.. أعني، عوداً حميداً.. ولكن ليس الليلة..
فاندرهوف-على الهاتف
فاندرهوف: هذه ليست طباعك، يا باكستر. فمنذ أيام في اجتماع الإدارة، اخبرت السيد شيلدريك كم انت إنسان يعتمد عليه.
بود-على الهاتف
بود: شكراً لك يا سيد فاندرهوف. ولكنني مريض.. ومصاب ببرد شديد.. وحرارة ويجب أن اذهب إلى سريري بعد العمل.
فاندرهوف-على الهاتف
فاندرهوف: أيها الشاب بودي، هذا اسوأ ما يمكن أن تفعله، إذا ما اصبت بالبرد، فعليك أن تذهب إلى حمام تركي .. وتقضي الليل هناك.. وتخرجه عرقاً من جلدك.
بود-على الهاتف
بود: أوه، كلا سوف اصاب بالنيمونيا .. وإذا ما اصبت بالنومونيا فسوف أبقى في السرير شهراً.. وإذا بقيت في السرير شهراً..
فاندرهوف-على الهاتف
فاندرهوف: حسناً، لقد طرحت نقطتك. علينا إذا أن نحدّد الأربعاء القادم.. هذه هي الليله الوحيدة في الأسبوع الذى بإمكاني الخروج خلالها.
بود.. على الهاتف
بود: الأربعاء.. الأربعاء.. (يتصفّح اجندته) هنالك من وضعت اسمه هناك.. دعني أرى ماذا سأفعل.. سأعاود الاتصال بك.
يعلّق المكالمة يفتح أوراق الأجندة: يجد الرقم وبنظرة حذره حوله يطلب الرقم.
بود (في الهاتف) السيد إيكلبرجر؟ هل هذا قسم الرهانات والقروض؟
أود مخاطبة السيد ايكلبرجر. نعم، هذا ضروري.
داخلي – مكتب ايكلبرجر- نهاراً
هو أيضاً مكتب زجاجي مغلق، ولكنه أكبر بقليل من المكاتب الأخرى
السيد ايكلبرجر مواطن قوي البنية في حوالي الخمسين من العمر يقوم بوضع رسوم بيانية لعمليات الرهان لثلاثة من مرافقيه.
أحد المرافقين (يحمل الهاتف للسيد ايكلبرجر) إنه لك يا ميل.
يضع إيكلبرجر الخرائط جانباً، ويتناول الهاتف.
إيكلبرجر: هنا إيكلبرجر.. أوه، نعم، يا باكستر .. (ينظر نحو مرافقيه، ثم يتابع، وكأنما هي مكالمة عمل) ما المشكلة؟
الاربعاء ملغى؟ .. أوه .. هذا يلخبط مخطط عملي .. الخميس كلا، انا مرتبط كلياً يوم الخميس.. دعنا نبرمج هذا الاجتماع يوم الجمعة.
بود-على الهاتف
بود: الجمعة؟ (ينظر إلى روزنامته) دعني أرى ما الذي أستطيع فعله سأعاود الاتصال بك.
يعلّق المكالما، ويعود إلى قائمته، ويبدأ في طلب رقم ما.
داخلي- مكتب كيركبي- نهاراً
انه أحد المكاتب الزجاجية الأخرى في الطابق التاسع عشر، كيركبي يتكلم في الدكتافون.
كيركبي: ما يتعلق بالعلاوات وما يتعلق بالفواتير نحن قد تقدمنا بمعدّل 18% عن العام الفائت، بالنسبة لشهر أوكتوبر.. يرى الهاتف. يوقف كيركبي الآلة، ويلتقط الهاتف.
كيركبي: مرحباً؟ نعم، باكستر. ماذا وراءك؟
بود-على الهاتف
بود: بدلا من يوم الجمعة.. هل بإمكانك استبداله بيوم الخميس؟ إن استطعت تكون قد أسديت لي خدمة.
كيركبي – على الهاتف
كيركبي: حسناً.. هذا يوافقني، يا بود. دعني اتأكد من ذلك. سوف أعاود الاتصال بك.
يكبس الزرار على مكتبيه ويطلب موزع الهاتف.
داخلي-غرفة توزيع الهاتف
هنالك موزع هاتف مضاعف في المركز تشغل كل جانب منه تسع فتيات والجميع يعملون كخلية نحل. في المقدمة نلاحظ وجود سيلفيا، الفتاة التي تواعدت مع كيركبي الليلة الفائتة.
سيلفيا: حياة معزّزه… سوف أوصلك . حياة معزّزه
تستدير الفتاة التي إلى جانبها وتمسك بأحد الخطوط.
فتاة الهاتف: سيلفيا.. إنها لك.
تضع سيلفيا المكالمه في الموزّع الخاص بها.
سيلفيا: نعم؟ اوه مرحباً.. طبعاً وصلت إلى المنزل بأمان.. انا مدينة لك بخمسة وأربعين سنتًا.
كيركبي- على الهاتف
كيركبي: حسناً، حسناً. انظري يا سيلفيا.. بدلا من الجمعة.. هل نستطيع اللقاء الخميس؟
سيلفيا-عند الموزّع
سيلفيا: الخميس؟ موعد مسلسل «المنيعون» بطولة بوب ستاك
كيركبي – على الهاتف
كيركبي: بوب من؟ .. لا بأس، إذا سنشاهده في الشقة.
أمر كبير. (يوقف الاتصال، ويتصل بآخر) باكستر؟ موافق على يوم الخميس.
داخلي-الطابق التاسع عشر- نهاراً
بود على مكتبه يتكلم بالهاتف.
بود: شكراً، يا سيد كيركبي. (يقفل الهاتف، ينظر إلى الدليل، مكالمة أخرى) سيد ايكلبرجر؟ لا بأس بيوم الجمعة.
(يقفل الهاتف، ينظر إلى الدليل، يطلب) السيد فاندرهوف؟
موافق على يوم الأربعاء.
في أثناء ذلك يسمع جرس الهافت على المكتب المجاور، فيلتقطه السيد موفيت شاغل المكتب. وبينما يقفل بود الهاتف ..
موفيت (على الهاتف) حسناً .. سوف اخبره.
يقفل الهاتف ويستدير نحو بود: اسمع يا باكستر.. شؤون الموظفين على الهاتف. إنها سكرتيرة السيد شيلدريك.
بود: شيلدريك؟
موفيت: كانت تحاول الاتصال بك لمدة عشرين دقيقة. إنهم يطلبونك في الطابق العلوي.
بود: أوه!
يقفز من مكانه ويضع رشاش الأنف في جيبه وحفنه من المناديل الورقية في جيبه الآخر.
موفيت: ما الذي سيقدمه لك، يا باكستر؟ إنك إما أن تنال ترقية أو أن تفصل من العمل؟
بود (متلويًّا) يهمني أن أضع رهاناً بسيطاً
موفيت: لقد علمت هنا ضعف المدة التي عملتها أنت..
بود: هل نقول .. دولاراً؟
موفيت: هذا رهان بيننا.
يتلوى بود كالحية بين المكاتب ويركض بسرعة.
عند المصعد، يضغط بود زرار الصعود، ويحرك قدميه بعصبية.
يفتح باب احد المصاعد، وبينما يهم بود في الدخول يفتح باب المصعد المجاور فتخرج فران كيوبيليك رأسها.
فران: تريد الصعود؟
يسمع صوتها. ويرمي اعتذاراً سريعاً لعامل المصعد، يخرج بسرعة ويخطو نحو مصعد فران.
بود: 27 من فضلك وقودي بحذر فأنت تحملين حملاً ثمينا.. أعني من حيث القدرة الانسانية
تقفل فران الباب.
داخلي – المصعد – نهاراً.
تضغط فران زراراً فيبداً المصعد بالصعود.
فران: سبع وعشرون.
بود: قد تدركين ذلك يا آنسة كيوبيليك، ولكنني من العشرة الأوائل بالنسبة للكفاءة وقد يكون هذا هو يوم ترفيعي.
فران: لقد بدأت تتكلم كما يفعل السيد كيركبي.
بود: ولمَ لا؟ الآن بما انهم سيقذفون بي إلى أعلى..
فران: لن يحصل هذا لشخص ألطف منك (يسعد بود لذلك)
هل تعلم، أنك الوحيد هنا الذي يرفع قبّعته في المصعد.
بود: حقاً؟
فران: الشخصيات التي تقابلها. شيء ما يصيب الرجال في المصعد. ربما يسبب تغيّر الارتفاعات – فإن الدماء ترتفع إلى رؤوسهم، أو أن شيء ما .. يا بني، أستطيع أن أخبرك قصصاً عديدة..
بود: أود أن أسمعها. ربما نستطيع ان نتناول الغذاء في المقهى .. أو ربما أحد الأماسي، بعد العمل..
توقف فران المصعد وتفتح الباب.
فران: سبع وعشرون.
داخلي – أرضية الطابق السابع والعشرين – نهاراً
المكان انيق .. سجاد ناعم.. وأبواب أبنوسية طويلة تؤدي إلى مكاتب كبار الموظفين.. باب المصعد مفتوح، ويخطو بود إلى الخارج.
فران: أتمنى أن يسير كل شيء على ما يرام.
بود: أتمنى ذلك (يستدير إلى الخلف).
لم أكن أعلم انهم سيستدعونني في يوم كهذا.. وانا مصاب بالبرد وكل هذه الأمور.. (يحرك ربطة عنقه) كيف أبدو؟
فران: حسن. (تخرج من المصعد) انتظر.
تأخذ القرنفلة من على سترتها، وتبدأ في إدخالها في فتحة زرار بود.
بود: شكراً لك. هذا أول شيء لاحظته حولك.. عندما كنت في المصعد المحلي.. كنت دائما تضعين زهرة..
جرس المصعد يقرع الآن بإصرار . تدخل فران إلى الداخل.
فران: حظأً موفقاً. وامسح أنفك.
تغلق الأبواب. ينظر بود إلى مغادرتها، ثم يتناول منديلاً ورقياً. من جيبه، ويمسح انفه، ويقطع الممر نحو باب زجاجي مكتوب عليه جـ.د.شيلدريك، مدير شؤون الموظفين. يضع المنديل المستعمل في جيبه أخرى، ويدخل.
داخلي-غرفة انتظار شيلدريك-نهاراً
إنه مكتب رصين، به سكرتيرة وطباعتان. اسم السكرتيره الآنسة اولسن، إنها في الثلاثينيات شعرها تبني شاحب، جذابة تلبس نظارة عليها نقوش وتملك أسلوباً حاداً قاطعاً. يأتي بود إلى مكتبها.
بود: س.س.باكستر – محاسب في العلاوات العادية .. استدعاني السيد شيلدريك.
الآنسة أولسن: إني اتصلت بك – أو بالأحرى حاولت الاتصال بك.. لمدة عشرين دقيقة.
بود: آسف، أنا..
الآنسه اولسون: ادخل.
تشير إلى الباب الذي يقود إلى المكتب الداخلي. يشد بود أكتافه ويبدأ في الدخول.
داخلي – مكتب شيلدريك – نهاراً
السيد شيلدريك هو رجل 14000$ في السنة وله مكتب ذو أربعة شبابيك.
إنه ليس جناح مسؤولين، ولكنه أعلى ببضع درجات عن المكعبات الزجاجية للتدرجات الوسطى. هنالك جلد كثير، ومكتب كبير يجلس خلفه السيد شيلدريك. إنه رجل حاد المظهر ذو شخصية قوية في منتصف الأربعينات من العمر، أحد أعمدة مجتمعه في الضواحي، يتبرع بالدم ورجل عائلة، وهذا ما تؤكده صورة مؤطرة تظهر ولديه واحد في الثامنة والآخر في العاشرة من العمر بلباس مدرسي عسكري.
وبينما يدخل باكستر في الباب يتصفح شيلدريك تقرير الكفاءة المرسل له من السيد دوبيش. ينظر نحو بود من خلال نظارة قراءة ذات إطار سميك.
شيلدريك: باكستر؟
بود: نعم، يا سيدي.
شيلدريك ( يدرس شخصيته) كنت أتساءل كيف تبدو. أجلس.
بود: نعم، يا سيد شيلدريك.
يجلس على حافة الكنبة الجلدية المواجهة للسيد شيلدريك.
شيلدريك: سمعت أشياء رائعة عنك.. هذا تقرير السيد دوبيش.. مخلص، متعاون، منتج..
بود: هل قال السيد دوبيش هذا؟
شيلدريك: والسيد كيركبي يقول انك تعمل متأخراً ليالي متعددة في المكتب.. دون أن تحصل على مبالغ إضافية.
بود (بتواضع) حسناً تعرف كيف هذا.. الأمور تتراكم.
شيلدريك: السيد فندرهوف، في العلاقات العامة، والسيد ايكلبرجر في الرهانات والقروض.. كلاهما يود نقلك إلى قسميهما.
بود : هذا شيء يدعو للزهو.
يضع شيلدريك التقرير جانباً، يخلع نظارته ينحني على المكتب باتجاه بود.
شيلدريك: اخبرني يا باكستر.. ما الذي يجعلك محبوباً ومشهوراً بهذا الشكل؟
بود: لا أَدْرِي..
شيلدريك: فكّر.
يأخذ بود في التفكير.. وللحظة يبدو وكأنه صورة للتركيز. ثم ..
بود: أرجوك أن تعيد السؤال؟
شيلدريك: انظر، يا باكستر، أنا لست غبياً. انا أعرف كل ما يدور في هذا المبنى .. وفي كل قسم.. في كل طابق.. كل يوم من أيام السنة.
بود (بصوت منخفض جداً) هل تفعل؟
شيلدريك (ينهض ويبدأ بالخطو) في العام 1957، كان لدينا موظف هنا يدعى فولر. كان مشهوراً ومحبوباً مثلك. وتبين بعد ذلك أنه كان يدير وكالة مراهنات حقوق مشتركة في قسم شؤون التأمين.
واصلاً الهواتف، وراسماً ترجيحات الفوز على جهاز الحاسوب (IBM) وهكذا ففي اليوم السابق لسباق الكانتاكي دوربي استدعيت فرقة مكافحة الفساد وأغرنا على الطابق الثالث عشر.
بود (قلقاً) فرقة مكافحة الفساد.
شيلدريك: بالضبط، يا باكستر.
بود: ماذا .. ما دخل هذا بي؟ أنا لا أدير أية وكالة مراهنات.
شيلدريك: أي نوع من الوكالات أنت تدير؟
بود: سيدي؟
شيلدريك: هنالك مفتاح ما يدور حول المكاتب.. من كيركبي إلى فندرهوف إلى ايكلبورجر إلى دوبيش.. إنه مفتاح شقة ما.. وانت تعرف لمن هذه الشقة؟
بود: من.
شيلدريك: مخلص، متعاون، منتج س.س. باكستر.
بود: أوه.
شيلدريك: هل ستنكر ذلك؟
بود: كلا يا سيدي. لن انكر ذلك. ولكن إذا سمحت فأريد ان اشرح لك الأمر..
شيلدريك: من الأفضل.
بود ( يأخذ نفساً عميقاً) حسناً، منذ ستة أشهر.. كنت أذهب إلى مدرسة ليلية لأحضر برنامج في المحاسبة المتقدمة .. وأحد الأشخاص في قسمنا – يقيم في جيرسي – كان يريد الذهاب إلى وليمة في بالتيمور.. زوجته كانت ستقابله في البلدة، وكان بحاجه إلى مكان ليلبس بذلته وهكذا أعطيته المفتاح وهكذا دارت الكلمة من واحد إلى آخر .. لأن الشيء الذي عرفته فيما بعد فكل الاشخاص كانوا ذاهبين إلى ولائم.. وعندما تعطي المفتاح لواحد فإنك لا تستطيع أن تقول لا لآخر وكل الأمر خرج من يدي .. سامحني.
يمسح انفه المتدفق ويضع نقطا في فتحتي انفه.
شيلدريك: باكستر، شركة التأمين أساسها الثقه العامة. وأي موظف يتصرف بطريقة غير مناسبة .. (ويتجه نحو محور آخر) كم عدد الأعضاء المشاركين في هذا النادي الصغير الخاص بك؟
بود: هؤلاء الأربعه فقط .. من 31.259 .. وهكذا فيمكننا ان نفتخر بموظفينا – من ناحية النسبه المئوية.
شيلدريك: هذه ليست النقطة الهامة .. اربع تفاحات مهترئة في برميل تفاح .. مهما كان كبر البرميل .. فأنت تدرك ان هذا إذا ما سال..
بود: اوه، لن يحصل ذلك. صدقني. ولن يحصل هذا ثانية.
من الآن فصاعداً لن يستخدم أحد شقتي..
في هذا الخضّم يضغط على الزجاجة البخاخة فيصيب المكتب برمته.
شيلدريك: أين تقع شقتك؟
بود: غربي الشارع 67. لا تتخيل ما الذي تحملّته.. مع الجيران وصاحبة المنزل والمشروب والمفتاح..
شيلدريك: كيف تتعامل مع المفتاح؟
بود: عادة، أعطيه إياه خفية في المكتب وهم يتركونه تحت سجادة الباب .. ولكن لن أفعل ذلك ثانية .. أنا أعدك بذلك.
يسمع جرس الهاتف، فيلتقط شيلدريك الهاتف.
شيلدريك: نعم، يا آنسه أولسن.
داخلي، غرفة شيلدريك الملحقة – نهاراً
الآنسه أولسن على الهاتف.
الانسة أولسن: السيده شيلدريك تجيبك .. على اثنين .. تضغط زراراً إلى أسفل، وتبدأ في رفع الهاتف إلى أعلى، تنظر حولها لترى إذا ما كانت الطابعات ينظرن إليها، ثم ترفع المتلّقي إلى أذنها فتسمع المكالمة.
داخلي.. مكتب شيلدريك.. نهاراً
شيلدريك يتكلم في الهاتف.
شيلدريك: نعم، يا عزيزتي.. اتصلت بك قبل الآن .. أين كنت؟
اوه، اخذت تومي إلى طبيب الأسنان..
خلال هذا، نهض بود من على كرسيه، وبدأ بالتحرك ببطء نحو الباب.
شيلدريك (مستديراً نحوه) إلى اين انت ذاهب، يا باكستر؟
بود: حسناً، لا أريد ان أقحم نفسي .. وقد فكرت .. بما أن الأمور سوِّيت كلها على اي حال..
شيلدريك: لم أنتهِ منك بعد.
بود: نعم، يا سيدي.
شيلدريك (في الهاتف) إن سبب اتصالي بك.. لن أكون معكم في المنزل على العشاء. إن مدير الفرع من كانساس سيتي موجود في المدينة .. وسوف آخذه إلى مسرح ميوسيك مان، ماذا ايضاً؟
كلا، لا تنتظريني .. مع السلامة يا عزيزتي.
(يضع الهاتف ويستدير نحو بود) قل لي شيئاً، يا باكستر.. هل رأيت ميوسيك مان؟
بود: ليس بعد. ولكن اسمع انه استعراض واحد ضخم.
شيلدريك: ما رأيك أن تذهب إلى هناك هذه الليلة؟
بود: تعني.. انت وانا؟ اعتقدك انك ستأخذ مدير الفرع في كانساس سيتي..
شيلدريك: لدي خطط أخرى. يمكنك الحصول على التذكرتين.
بود: حسناً، هذا لطف شديد منك.. ولكن أنا اشعر بالراحة .. فأنا مصاب بهذا البرد.. وفكرت أن اذهب مباشرة إلى المنزل.
شيلدريك: باكستر، انت لا تفهمني. قلت لك أن لدي خططاً.
بود: وكذلك أنا.. سوف اتناول اربع حبات من الأسبرين وادخل إلى سريري.. فمن الأفضل ان تعطي التذاكر لواحد آخر..
شيلدريك: انا لن اعطيك هذه التذاكر فقط يا باكستر.. أريد ان ابادلهم.
بود: تبادلهم؟. بماذا؟
يلتقط شيلدريك تقرير دوبيش ويضع نظارته ويقلب الصفحة.
شيلدريك: وهو يقول أيضاً هنا.. انك لمّاح، ماكر، وذو خيال واسع..
بود: أوه؟ (الفجر ينبثق) أوه!
يضع يده في جيبه يخرج كمشة من مناديل الورق ثم أخيراً مفتاح شقته. يرفعه عالياً.
بود: هذا؟
شيلدريك: هذا تفكير سديد، يا باكستر. في الشهر القادم سيكون هنالك تبديل في شؤون الموظفين حولنا.. وبما يتعلق بي فأنت ستصبح من ذوي الحيثية.
بود: هل انا كذلك؟
شيلدريك: والآن ضع المفتاح جانباً. (يدفع بورقة فارغة إليه) .. اكتب العنوان.
يضع بود المفتاح على المكتب يخرج ما يعتقد انه قلمه الحبر يفتحه، ويبدأ في الكتابة على الورقة.
بود: إنه في الطابق الثاني .. اسمي ليس على الباب .. مكتوب عليه P2 فقط..
فجأة يدرك أنه كان يحاول كتابة العنوان بميزان الحرارة
بود: أوه .. آسف جداً. انه ذلك البرد..
شيلدريك: استرخِ، يا باكستر.
بود: شكراً، يا سيدي.
بدّل ميزان الحرارة بالقلم الحبر وبدأ في كتابة العنوان.
بود: كن حذراً عند استعمال جهاز الأسطوانات أليس كذلك؟
وبالنسبة للمشروب.. فلقد طلبت بعضه هذا الصباح.. ولكن لست متأكداً متى سيصل..
انتهى من كتابة العنوان، وسلّم الورقة إلى شيلدريك.
شيلدريك: والآن تذكّر يا باكستر.. هذا سيكون سرّنا الصغير.
بود: نعم، حتماً.
شيلدريك: تعلم كيف يتكلم الناس.
بود: أوه، لا تخشى شيئاً..
شيلدريك: ليس لأنه لدي ما أخفيه.
بود: أوه، كلا يا سيدي، حتماً لا. على أي حال فهذا ليس من شأني .. أربع تفاحات، خمس تفاحات.. ما الفرق.. بالنسبة المئوية؟
شيلدريك (يحمل التذاكر) هاك، يا باكستر، أتمنى لك وقتاً سعيداً.
بود: ولك أيضاً، يا سيدي.
يأخذ البطاقتين ويتراجع خارج المكتب.
إحلال تدريجي نحو:
داخلي – ردهة مبنى التأمين – مساءً
الساعة 6 :30 والمبنى قد أخلي ممن به. يلبس بود معطف مطر وقبّعة ويميل على احد الأعمدة الرخامية وراء المصاعد.
معطفه غير مزرر وما زالت قرنفلة فران في قبّته. إنه ينظر إلى باب الموظفات متوقعاً أحداً.
غرفة استراحة النساء
تظهر بعض الموظفات يلبسن ملابس الخروج. ومن بينهن سيلفيا وزميلاتها من عاملات الهاتف.
سيلفيا: وهكذا، تخيلت رجلاً في منصبه، سوف يأخذني إلى 21 والموروكو .. وبدلا من ذلك، يأخذني إلى هامبورج هافن وشقة أحد الأغنياء.
يمرون من امام بود دون أن ينتبهوا له. سمع بود كل الثرثرة فينظر إلى سيلفيا وقد جرحت شعوره قليلاً. ثم يعود ويحملق في باب غرفة تبديل النساء وقد فتح وخرجت منه فران كيوبيليك.
إنها تلبس معطفاً صوفياً فوق ثوب خروج، بدون قبعة.
فران: (تمر متجاوزة بود) مساء الخير.
بود (بعفويه) مساء الخير.
تبتعد ثلاث خطوات عنه عندما يدرك فجأة من هي.
بود: أوه .. الآنسة كيوبيليك
(يركض خلفها ويخلع قبعته) كنت انتظرك.
فران: هل حقاً تفعل؟
بود: كدت أن لا أعرفك..هذه هي المرة الأولى التي أراك فيها تلبسين ملابس مدنية.
فرانك كيف سارت الأمور معك في الطابق السابع والعشرين؟
بود: عظيم. انظر .. هل رأيت الميوزيك مان؟
فران: كلا.
بود: هل ترغبين؟
فران: حتماً.
بود: فكرت انه بإمكاننا تناول قليلاً من الطعام قبل ذلك.. ثم بعد ذلك..
فران: تعني الليلة؟
بود: نعم.
فران: أنا آسفة، لا استطيع الليلة. فأنا على موعد مع شخص ما.
بود : أوه (ضربة) تعنين .. صديقة مثلاً؟
فران: كلا، اعني رجل مثلاً.
تقطع الردهة وتتجه نحو مدخل الشارع، يتبعها بود.
بود: لم اكن أرغب التدخل بأمورك الشخصية.. إن الموضوع هو أن الإخوان في المكتب كانوا .. يتساءلون حول وضعك ..
فران: قل لهم .. بين الفترة والأخرى.
بود: هذا الموعد .. هل هو موعد فقط .. أم انه شيء جدي؟
فران: كان جدّيا فيما مضى.. على الأقل انا كنت كذلك .. ولكن هو لم يكن كذلك.. ولهذا فإن الأمر برمّته فاشل.
بود: حسناً، في هذه الحالة، أليس بإمكانك..؟
فران: اعتقد انني لا استطيع. وعدته أن أتناول كأساً معه.. كان يطلبني طوال الأسبوع.
بود: أوه، أنا أفهم ذلك.
يتبعها إلى الخارج عبر الباب الدائر.
خارجي. مبنى التأمين – مساءً
تخرج فران وبود.
بود (يضع قبعته على رأسه) حسناً، كانت مجرد فكرة.. اكره أن أرى بطاقة ترمى في الزبالة..
فران (تتوقف) متى يبدأ العرض؟
بود: في الثامنة والنصف.
فران (تنظر إلى ساعتها) حسناً .. استطيع مقابلتك في المسرح .. إذا كان هذا يناسبك.
بود: حسناً؟ هذا شيء رائع! انه مسرح الماجستيك.. شارع 44.
فران: سأقابلك في الردهة. موافق؟
يهز بود رأسه سعيداً، ويسير إلى جانبها وقد بدأت السير في الشارع.
بود: هل تعلمين، كانت مشاعري هذا الصباح سيئة جداً.. فحرارتي 101 .. ثم جاء ترفيعي .. والآن أنا وأنت.. مركز الصف الحادي عشر.. وكنت قد قلت أنه من الأفضل لي أن أبقى في السرير.
فران: كيف حال بردك؟
بود: مرتفع كالقبرّة، أي برد هذا؟ وبعد العرض يمكننا ان نخرج ونتسكع في المدينة .. (يقوم ببعض خطوات تشاتشا) كنت أتعلمها من ارثور موراي.
فران: أرى ذلك.
بود: هنالك فرقة صغيرة رائعة عند الشيكو في القرية.. انها عمليا حول الزاوية قرب منزلك.
فران: يبدو جيداً. (فكرة فجائية) كيف تعرف أين أسكن؟
بود: اوه، اعرف ايضاً مع من تسكنين.. اختك وصهرك.. اعرف متى ولدت وأين .. اعرف كل أنواع الأشياء عنك.
فران: وكيف كان ذلك؟
بود: منذ شهرين اطلعت على بطاقتك في ملف تأمين الجماعة.
فران: أوه.
بود: أعرف طولك ووزنك ورقم تأمينك الاجتماعي .. أصبت الحمى النكفية والحصبة وقد أجريت لك عملية الزائدة.
لقد وصلا الآن إلى الزاوية، وتوقفت فران.
فران: حسناً، ولكن لا تخبر الموظفين في المكتب حول موضوع الزائدة.
فقد يصلوا إلى أفكار خاطئة حول مصدر معلوماتك.
(تستدير عند الزاويه) رافقتك السلامة.
بود (يصرخ من ورائها) الثامنة والنصف!
يراقبها وهي تسير بعيداً، وعلى وجهه جمود أبله. وبالرغم مما قاله لفران، فأنفه ملآن وهو يأخذ الدواء المضاد للحساسية ويرش منه في أنفه. ثم، وقد أخذته الافكار بعيداً يرش بعضاً منه على القرنفلة الموضوعة في فتحة زراره، ويتحرك بالاتجاه المعاكس.
خارجي.. شارع في وسط المدينه .. مساءً
تأتي فران مسرعه إلى الشارع. إنها متأخرة. هدفها مطعم صيني صغير وعليه لمبة نيون مكتوب عليها الريكشو- كوكتيلات- طعام من كانتون. تخطو نحو سلالم تقود إلى المدخل.
داخلي – مطعم صيني – مساءً
البار عبارة عن غرفه طويله، ضيقة، إضاءتها خافتة وعلى أحد جانبيها مقاعد مزدوجة. وراء ستارة من القصب غرفة الطعام الرئيسية والتي لا تعنينا. المكان مصمّم على طريقة متسكعي البحر صانعي القصب، شباك صيد، اصوات،….الخ
الخدمة صينية. وفي مثل هذه الساعة المبكرة هنالك فقط نصف دزينة من الرواد في المكان.. الجميع عند البار ما عدا رجل واحد يجلس في المقعد الأخير وظهره موجه نحو الكاميرا. وعند البيانو يقوم احد الصينيين اعضاء 808 المحلي بالعزف على البيانو.
تدخل فران عبر الباب، ودون ان تنظر حول المكان تتجه نحو المقعد الأخير. يومئ عامل البار إليها.. إنهم يعرفونها هناك. وعندما تمر يبتسم لها عازف البيانو ابتسامه واسعة ويبدأ بعزف «العاشق الغيور».
تأتي فران نحو الرجل الجالس في المقعد الأخير.
فران (ابتسامه كئيبة) مساء الخير يا سيد شيلدريك. حين أن شيلدريك هو من تناديه، ينظر حوله بعصبية ليتأكد من أن لا أحد يسمعها.
شيلدريك: من فضلك، فران .. لا ترفعي صوتك هكذا. (ينهض)
فران: ما زلت خائفاً من أن يرانا احد معاً؟
شيلدريك (يمسك معطفها) دعيني آخذ هذا.
فران: كلا، يا جيف. لا استطيع البقاء طويلاً، (تجلس مقابله لابسة معطفها) هل يمكنني طلب ديكوبري مجمّدة.
شيلدريك: إنها في الطريق إليك. (تجلس)
أرى انك ذهبت وقصصت شعرك.
فران: هذا صحيح.
شيلدريك: تعرفي، لقد أحببته أكثر طويلاً.
فران: نعم، اعرف ذلك، أنت تريد جديلة لتحملها في محفظتك؟
يدخل النادل يحمل صينية عليها: اثنان ديكويريس، فريدس مقلي، لفائف البيض، وقصعة من المرق.
النادل (يظهر كل أسنانه) مساء الخير، سيدتي. سعيد لرؤيتك ثانية.
فران: شكراً
يضع النادل كل شيء على المائدة، ويغادر المكان.
شيلدريك: كم مضى من الوقت.. شهر؟
فران: ستة أسابيع. ولكن من الذي يعد؟
شيلدريك: افتقدتك يا فران.
فران: مثل ايام زمان. نفس المقعد، نفس الأغنية ..
شيلدريك: لقد كانت جهنم.
فران (تغطّس القريدس) .. نفس المرق .. حلو وحامض.
شيلدريك: لا تدركين ما تشبه الحالة.. اقف بقربك في ذلك المصعد، يوماً بعد يوم.. صباح الخير، آنسة كيوبيليك. مساء الخير سيد شيلدريك.. ما زلت مجنوناً بك، يا فران.
فران (متلافية عيونه) دعنا لا نبدأ هذا ثانية، جيف.. من فضلك لقد بدأت أتجاوز الأمر.
شيلدريك: انا لا أصدقك.
فران: انظر، يا جيف.. لقد قضينا شهرين رائعين هذا الصيف.. وهذا يكفي. يحدث هذا دائماً .. تذهب الزوجة والاولاد إلى الريف، ويقيم الزوج علاقة مع السكرتيرة أو عاملة المنيكور.. او فتاة المصعد. ويأتي شهر سبتمبر، وتنتهي الفسحة.. مع السلامة، يعود الأولاد إلى المدرسة ورب العمل يعود إلى زوجته.
والفتاة (بالكاد تستطيع أن تضبط نفسها) لم يعودوا يصنعون هذ القريدس كما كانوا يفعلون.
شيلدريك: لم اقل لك مع السلامه، يا فران.
فران (لا تسمع) لفترة من الزمن، تحاول إقناع نفسك بأنك تذهب مع رجل غير متزوّج، ثم يأتي يوم ويبدأ ينظر في ساعته، ويسألك إذا ما كنت ترين احمر شفاه، ثم يسرع ليلتقط قطار السابعة والرابعة عشرة دقيقة إلى وايت بلاينز. وهكذا تجهزين لنفسك فنجان من القهوة..وتجلسين هناك لوحدك.. وتفكرين.. وعندئذ كل شيء يبدو قبيحاً..
هنالك دموع في عينيها. تنهار، وتشرب ما تبقى من ديكيري.
شيلدريك: كيف تظنين كان شعوري.. وأنا اركب قطار السابعة والرابعة عشرة نحو البيت؟
فران: لماذا تستمر في مكالمتي، يا جيف؟ ماذا تريد مني؟
شيلدريك (ممسكاً يدها) أريدك أن تعودي يا فران.
فران (تسحب يدها) آسفة، يا سيد شيلدريك.. انا ممتلئة، عليك أن تأخذ المصعد الثاني.
شيلدريك: انت لا تتركين لي فرصة، يا فران. طلبت منك مقابلتي لأنني .. لدي ما أقوله.
فران: تابع.. قل لي.
شيلدريك (ينظر حوله) ليس هنا، يا فران. الا نستطيع الذهاب إلى مكان آخر؟
فران: كلا. لدي موعد الساعة الثامنة والنصف.
شيلدريك: مهم؟
فران: ليس كثيراً.. ولكنني سأكون هناك على أي حال.
تخرج حاوية مربعة صغيرة رخيصة مرسوم عليها زهرة وتفتحها وتبدأ في تنظيم زينتها.. يأتي النادل حاملاً قائمتي طعام.
النادل: هل انتما جاهزان لطلب عشاء الآن.
فران: كلا. لا عشاء.
شيلدريك: احضر لنا كأسين من الشراب.
قطع إلى:
خارجي.مسرح ماجستيك- مساءً
الساعة 8:25 مساءً وهناك الزحمة المتعبة.. التاكسيات تنطلق، والناس تدور حول الممر وتزدحم في الردهة، وفي وسط هذه المعمعة وسط الجموع، يقف بود، يلبس معطفه وقبعته ينظر، قلقاً متوقعاً مجئ فران.
قطع إلى:
داخلي – مطعم صيني – مساءً
فران وشيلدريك في داخل المقعد يشربان دورتهما الثانية من الشراب.
شيلدريك: فران.. تذكري نهاية الأسبوع تلك التي قضيناها سويه؟
فران (بخبث) هل افعل ذلك. ذلك القارب الصغير المخروم الذي استأجرته.. وانا ألبس ثوباً عادياً أسود وحافظا للحياة..
شيلدريك: تذكري ما تكلمنا عنه؟
فران: تكلمنا عن اشياء متعددة.
شيلدريك: اعني.. عن حصولي على الطلاق.
فران: لم نتكلم نحن عنه .. انت فعلت.
شيلدريك: انت لم تصدقينني، هل فعلت؟
فران (ترفع اكتافها): لقد وضعوها على اسطوانة طويلة الآن .. ومعها موسيقى تصاحبها. زوجتي لا تفهمني .. لم ننسجم معاً لسنوات .. انت أحسن شيء حصل في حياتي..
شيلدريك: يكفي هذا، يا فران.
فران (متابعة) ثقي بي يا طفلتي.. سوف نجد لها مخرجاً ما..
شيلدريك: لا تظني انك خفيفة الظل.
فران: لم أكن أحاول ذلك.
شيلدريك: يا ليتك تسمعينني لدقيقة واحدة..
فران: حسناً، أنا آسفة.
شيلدريك: رأيت محامي هذا الصباح.. طلبت نصيحته.. عن أفضل طريق لتناول الموضوع..
فران: يتناول ماذا؟
شيلدريك: ماذا تظنين؟
فران (تنظر إليه برهة طويلة .. ثم) دعنا نقول بصراحة يا جيف.. لم أطلب منك بتاتاً أن تترك زوجتك.
شيلدريك: طبعاً لا. لا علاقة لك بهذا.
فران (عيناها تدمعان مرة ثانية) هل انت متأكد أن هذا ما تريد؟
شيلدريك: أنا متأكد. لو قلت لي فقط انك ما زلت تحبينني..
فران (بلطف) انت تعرف أنني أحبك.
شيلدريك: فران..
يأخذ يدها ويقبلها. لقد امتلأ البار والآن هنالك زوجان يجلسان في مقعد مجاور. إحدى النساء هي الآنسة أولسن.
فران (تنزع يدها بعيداً بلطف) جيف .. عزيزي..
تشير إلى الزبائن الأخر. يحملق شيلدريك من وراء كتفه.
شيلدريك: بدأ المكان يزدحم. دعينا نخرج من هنا.
ينهضان. يترك شيلدريك بعض المال على المائدة، ويقود فران نحو المدخل. وبينما يمران بمقعد الآنسة أولسن، تستدير إلى الخلف ببطء وتضع نظارتها، وتنظر نحوهم.
يمرّر شيلدريك ورقة مالية لعازف البيانو، الذي يبادلهم بابتسامه كبيرة، ويعيد عزف «المحب الغيور» مرة ثانية. وبعد ان تستعيد فران قبعتها ومعطفها من فتاة الأمانات، يقودها شيلدريك عبر الباب.
تراقبهم الآنسة أولسن بابتسامة باردة.
خارجي .. المطعم الصيني .. مساءً
تصعد فران وشيلدريك السلالم.
شيلدريك (مخاطباً تاكسي مار) تاكسي!
يمر دون أن يتوقّف.
فران: عندى ذلك الموعد.. تذكّر؟
شيلدريك: أنا أحبك.. تذكري؟
يقترب تاكسي آخر. يصفّر شيلدريك تصفيراً حاداً. فيتوقّف
يفتح الباب.
فران: إلى أين نحن ذاهبان، يا جيف؟ ليس إلى ذلك القارب المثقوب..
شيلدريك: أعدك.
يساعدها في الصعود إلى التاكسي، ويخرج من جيب معطفه الورقة التي كتب عليها بود عنوان الشقة.
شيلدريك (مخاطباً سائق التاكسي) 51 غربي السابع والستون.
يدخل بالقرب من فران، يغلق الباب. وبينما ينطلق التاكسي بعيداً وعبر الزجاج الخلفي يمكن رؤية الاثنين يتبادلان القبل.
قطع إلى:
خارجي .. مسرح الماجستيك .. مساءً
إنها الساعة التاسعة، الردهة أصبحت مهجورة، ويقف بود على احد الممرات الجانبية وحيداً. يخرج منديلاً ورقياً من جيبه، وينفخ منخاره، يضع المنديل المستعمل في جيب آخر.
ينظر إلى الشارع أعلاه وأوطاه، ويعيد النظر إلى ساعته ويقرّر الانتظار أكثر قليلاً.
إظلام تدريجي:
إضاءة تدريجية:
روزنامة باكستر المكتبية
الأوراق تسقط فوق بعضها. يبدو أن شيلدريك يستخدم الشقة بشكل دائم.. لأن اسم شيلدريك، بخط بود، يظهر على الصفحات: الأثنين 9 نوفمبر، الخميس 12 نوفمبر، الخميس، 19 نوفمبر، الاثنين، 23 نوفمبر والاثنين، 31 نوفمبر. ويبدو ان السيد شيلدريك هو زبون بود الوحيد الآن، بما ان اوراق الروزنامة الأخرى فارغة.
إحلال تدريجي إلى:
داخلي .. الطابق التاسع عشر.. مبنى التأمينات .. نهاراً
إنه صباح كئيب في شهر ديسمبر. ومئات من الموظفين الموجودين على المكاتب ينحنون فوق اعمالهم الورقية.
يلبس بود باكستر معطف المطر والقبعة وهو يقوم بجمع كافة أغراضه من على المكتب. لقد جمع كل شيء على ورقه التنشيف.. مراجع، اوراق، طقم أقلام حبر، اقلام رصاص، مشابك أوراق وروزنامته.
ويراقبه من المكتب المجاور موفيت المشدوه، يرفع بود ورقة التنشيف وعليها أغراضه، واثناء تحركه يمر على مكتب موفيت، فيأخذ موفيت دولاراً ويضعه فوق الأغراض. يكشّر له بود تكشيرة صغيرة ويتابع سيره بين المكاتب باتجاه صف المكاتب الزجاجيه المغلقة والتي يقيم بها المديرون المسؤولون.
يصل إلى مربع غير مسكون. رسام الاسماء يكتب بفرشاته بعض الأحرف على الباب الزجاجي.. إنها تقول س.س باكستر مساعد إداري ثانِ. يدرس بود الإشارة وقد انتابه شعور بالرضا والبهجة.
بود (نحو الرسام) هل تسمح من فضلك..؟
(يستدير الرسام نحوه) س.س.باكستر.. هذا أنا.
يفتح الرسام الباب له وهو يقول «أوه».
داخلي.. مكتب باكستر.. نهاراً
يدخل بود إلى مكتبه الجديد، ويضع أغراضه على المكتب الخالي، وينظر حوله فينتابه شعور بالتملك. المربّع الصغير يتميّز بشباك واحد، وبسط تغطي الأرض، وخزانة للملفات، وزوج من الكراسي المغطاة بالجلد الصناعي، وشماعة للملابس.. بالنسبة لبود إنها تاج محل. يقطع الغرفه متجهاً نحو الشماعة، يخلع قبعته ومعطفه ويعلقهما. ومن بعيد يسمع..
صوت كيركبي: مرحباً أيها الشاب بودي.
صوت دوبيش: تهاني، وكل هذا الجاز.
يستدير بود. كيركبي، دوبيش، ايكلبرجر وفاندرهوف قد جاءوا إلى المكتب.
بود: مرحباً، أيها الأخوان.
ايكلبرجر: حسناً، لقد وصلت ايها الفتى.. تماماً كما وعدناك.
فاندرهوف: يا له من مكتب – الاسم على الباب – بساط على الأرض .. وكل الأبهة المطلوبة.
بود: نعم.
دوبيش: العمل الجماعي .. هذا هو المهم في مثل هذه المنظمة.
الجميع من أجل الفرد والفرد من أجل الجميع.. تعرف ما أعني؟
بود: لدي فكرة بسيطة.
يشير كيركبي إلى فاندرهوفن الذي يغلق الباب. الأعضاء الاربعة في فريق النادي يبدأون في التضييق على بود.
كيركبي: باكستر، لقد خاب املنا بك.. من حيث الامتنان.
بود: أوه، انا شاكر جداً لكم.
ايجلبرجر: لماذا اذا أنت تغلق علينا فجأة؟
بود: لقد كانت الأمور قاسيه في الاسابيع القليلة الماضية.. بسبب إصابتي بالبرد واشياء كهذه..
التقط روزنامة المكتب ورماها بازدراء في أحد الأدراج.
دوبيش: ذهبنا معك لنعلب في المضرب.. والآن ترفض ان تلاعبنا بالكرة.
بود: حسناً، على أي حال فانها شقتي.. وهي ملكية خاصة.. وليست ملعباً عمومياً.
فاندرهوف: لا بأس، إذا أنت حصلت على فتاة لك.. وهذا لا يضايقنا.. ولكن ليس كل ليلة في الأسبوع.
كيركبي: بإمكانك أن تكون أنانياً؟ (مخاطباً الآخرين) الأسبوع الفائت كان علي ان استلف سيارة ابن اخي لآخذ سيلفيا في نزهة حول جيرسي، لقد كبرت على مثل هذه الأمور.. أعني في سيارة فولكسفاكن.
بود: انا متعاطف مع مشكلتك.. وصدقني، انا آسف جداً..
دوبيش: سوف تتأسف أكثر واكثر قبل ان ننتهي من أمرك.
بود: هل تهددني؟
دوبيش: اسمع، يا باكستر، نحن صنعناك وبإمكاننا ان نحطمك.
ويحاول عمداً أن ينثر رماد السيجار على مكتب بود. وفي نفس الوقت، يفتح الباب ويدخل شيلدريك متخطراً.
بود: صباح الخير، سيد شيلدريك.
الباقون تبعثروا في دائرة.
شيلدريك: صباح الخير، يا سادة (مخاطباً بود) هل كل شيء حسب رغبتك؟ هل أعجبك مكتبك؟
بود: اوه، نعم يا سيدي. كثيراً جداً. وأريد ان اشكرك..
شيلدريك: لا تشكرني.. اشكر اصدقاءك هنا.. إنهم هم الذين مدحوك..
يستطيع الاصدقاء الأربعة أن يفتعلون ابتسامات عريضة.
دوبيش: دخلنا لتونا لنتمنى له افضل التمنيات (وبسرعة يمسح رماد السيجار عن المكتب).
كيركبي (وهم يتحركون نحو الباب) إلى اللقاء يا باكستر. نعرف انك لن تتخلى عنا.
بود: مع السلامة، يا اخوان. تعالوا في أي وقت. الباب مفتوح لكم دائماً.. إلى مكتبي.
يغادرو. شيلدريك وبود لوحدهم.
شيلدريك: اعجبتني طريقتك في معالجة ذلك. حسناً، كيف تشعر وقد أصبحت مديراً؟
بود: حسناً. واريدك ان تعلم انني سأعمل جاهداً لكي اعطي مبرراً كافياً لثقتك بي..
شيلدريك: انا متأكد من ذلك ( ضربة)
قل لي يا باكستر، بالنسبة للشقة.. والآن وبعد أن حصلت على ترقية ألا تعتقد انه بإمكاننا الحصول على مفتاح ثانٍ؟
بود: حسناً.. اعتقد ذلك.
شيلدريك: انت تعرف سكرتيرتي الآنسة أولسن..
بود: اوه، نعم. انها جذابة جداً. هل هي .. سعيدة الحظ؟
شيلدريك: كلا، انت لا تفهم. انها انسانة مشغولة.. ودائماً تدخّل انفها في الاشياء.. وبهذا المفتاح الذي يتنقل ذهاباً وإياباً .. لماذا نغامر؟
بود: نعم، يا سيدي. لا يمكنك أن تكون حريصاً جداً.
يحدّق في المقاطع الزجاجية ليتأكد أن لا أحداً يراقبه.
بود: لدي شيء هنا .. اعتقد انه لك.
يخرج من جيبته العلبة المنقوشة بزهرة الزنبق والتي كانت فران تستعملها في الريكشو. يناولها إلى شيلدريك.
شيلدريك: لي؟
بود: أعني .. الشابة .. من تكن .. كانت على الكنبة عندما دخلت البيت الليلة الفائتة.
شيلدريك: أوه، نعم. شكراً
بود: المرآه مكسورة (يفتح العلبة، فتظهر المرآة المكسورة) لقد وجدتها مكسورة.
شيلدريك: مؤكد هي كذلك، (يأخذ العلبة) لقد قذفتني بها.
بود: سيد؟
شيلدريك: تعرف كيف تسير الأمور.. عاجلاً أم آجلاً فالجميع يعطونك وقتاً رديئاً.
بود (شديد الخبرة) اعرف كيف هي الأمور.
شيلدريك: ترى فتاة مرتين في الأسبوع .. لمجرد المرح.. ومباشرة تعتقد انك ستطلق زوجتك. اسألك هل هذا عدلاً؟
بود: كلا، يا سيدي. هذا غير عادل على الإطلاق.. خاصة لزوجتك.
شيلدريك: نعم. (مبدلاً الاتجاه) هل تعلم يا باكستر، انا أحسدك.. عازب .. كل من تريده من النساء.. لا وجع رأس، لا تعقيدات..
بود: نعم يا سيدي. هذه هي الحياة، حسناً.
شيلدريك: ضعني في جدولك يوم الخميس مرة ثانية.
بود: حسناً، ولسوف أحضر المفتاح الآخر.
يخرج شيلدريك. يخرج بود روزنامته من درج المكتب ويبدأ في التدوين.
روزنامة المكتب الخاصة ببود
مرة ثانيه تتحرك اوراق الروزنامة. ومرة ثانيه نرى اسم شيلدريك مكتوب بخط يد بود.محجوز للأيام التالية: الاثنين، 14ديسمبر، الخميس،17ديسمبر، الاثنين، 21ديسمبر، الخميس،24 ديسمبر.
إحلال تدريجي:
داخلي – غرفة توزيع الهاتف – نهاراً
على ظهر موزع الهاتف هنالك شجرة عيد الميلاد المزيّنة.
والعاملات يوزعن تمنيات العيد على كافة المتصلين.
العاملات: حياة رغيدة .. عيد ميلاد سعيد .. سوف اصلك .. حياة رغيدة.. عيد ميلاد سعيد أنا اقرع الجرس.
في المقدمة، سيلفيا منهمكة بمكالمة خاصة بها.
سيلفيا (في الجزء الخاص بالفم) نعم؟ ..نعم؟.. أين؟.. أنت تشارط..
تخلع عن رأسها جهاز الاستماع، وتستدير نحو الفتيات الأخريات..
سيلفيا: ليراقب احدكن خطي .. هنالك حفلة رقص في الطابق التاسع عشر..
تغلق الباب. يترك باقي الفتيات أماكنهن ويلحقن بها.
داخلي – الطابق التاسع عشر – نهاراً
انها حفلة راقصة، للجميع. لا أحد يعمل، لقد أزيحت بضعة مكاتب ووضعت جنباً إلى جنب. وعلى هذا المسرح المركّب اربع نساء من الموظفات والسيد دوبيش وقد رفع أرجل سرواله إلى أعلى، يرقص رقصة «روكيت كيك روتين» على انغام «لتقرع الاجراس». الموظفون يتحلقون حول الراقصين، والبعض يشرب من الكؤوس الورقية والآخرون يغنون ويصفقون بانسجام مع النغم.
إحدى الغرف الزجاجية تحول إلى بار، وهو مزدحم بالناس.
السيد كيركبي والسيد فاندرهوف يسكبان .. كل واحد يحمل زجاجتين من الخمر في يديه وهو يفرغها في ثلاجة ماء.
ولكن المادة تتدفق إلى الخارج بنفس السرعة التي تدخل بها.. الجميع يقفون في صف واحد كل يحمل كأساً من الورق وينتظر ملأه.
يخرج بود وهو يفتح الطريق بكتفه خارج المربع الزجاجي المزدحم، يحمل إلى أعلى كأسين ورقيين ممتلئتين بالخمر، فمنذ ان رفّع اشترى لنفسه بذلة جديدة من الفانيلة الغامقة ويلبس معها قميصاً أبيض له ياقه دائرية مشبوكة وقبة على شكل وشاح. كذلك فقد اكتسب نوعاً من البريق. إنه يتحرك متجاوزا أزواج المتعانقين، ويتجه نحو المصاعد. ابواب مصعد فران أخذت تفتح ويخرج منها فريق الهاتف بقيادة سيلفيا وهم يصرخون.
سيلفيا (مخاطبة احدى زميلاتها) .. وهكذا قلت له: لن افعل هذا مرة ثانية!.. فإما أن تأتي بسيارة اكبر أو بفتاة اصغر..
وبينما يتجهن إلى الحفلة، يمررن ببود الذي يقترب من المصعد حاملاً كأسي المشروب. فران تغلق أبواب المصعد.
بود: أنسه كيوبيليك.
تفتح الأبواب ثانية وتنظر فران إلى الخارج. وبدلاً من قرنفلتها المعتادة في فتحة قبة طقمها تضع غصناً صغيراً من زهرة الختمية.
بود (يحمل كأساً بيده) عيد ميلاد سعيد.
فران: شكراً (تأخذ كأساً) ظننت أنك تتجنبني.
بود: ما الذي اوحى إليك بهذه الفكرة؟
فران: خلال الستة الاسابيع الماضية كنت في مصعدي مرة واحدة..وعندئذٍ لم تخلع قبعتك.
بود: حسناً، في الواقع، لقد جرحت عندما تركتني واقفاً هناك في تلك الليلة..
فران: أنا لا ألومك. كان أمراً لا يغتفر.
بود: لقد سامحتك.
فران: يجب أن لا تسامحني.
بود: لم يكن باستطاعتك. أعني، عندما كنت تتناولين كأساً مع رجل ما، لا يمكنك أن تتركيه فجأة لأنك على موعد مع رجل آخر، لقد فعلت كل ما هو محترم.
فران: لا تكن متأكداً. فقط لأنني ألبس بذلة عمل.. لا يجعلني هذا عضواً بالكشافة.
بود: آنسة كيوبيليك، لا يمكن لإنسان ان يصبح مساعداً ادارياً ثانياً هنا إلا إذا كان قادراً على معرفة الناس.. وبالنسبة لي فأنت مستوى رفيع. اعني من حيث احترام النفس (يرفع الكأس) تحياتي.
فران: تحياتي.
يخفضان مشاريبهما. يأخذ بود الكأس الفارغ منها.
بود: واحد آخر؟
فران (تشير إلى المصعد) لا يجوز أن أشرب وأنا أقود المصعد.
بود: انتِ على حق.
يقترب من المصعد، يأخذ إشارة من على المشجب ويعلقها على باب المصعد. ومكتوب عليها «استعمل المصعد الآخر».
بود: وبالقوة التي أملكها، أعلن هنا أن هذا المصعد معطّل. (يقودها نحو الحفلة) هل لنا بمشاركة مواطنينا؟
فران: ولم لا؟
(وبينما يمران بزوج يتبادل القبل) يبدو عليهما شعور كافٍ بالصداقة.
بود: ألا تؤمنين بذلك. بعد قليل سوف تكون الضحايا البشرية .. فالعاملون ذوو القبة البيضاء سوف يدخلون إلى آلات الحاسوب ويمزقون تلك الفتحات الصغيرة المربعة.
فران: كم واحد من هذه الكؤوس شربت.
بود (يرفع اربعة اصابع) ثلاث.
فران: ظننت ذلك.
لقد وصلا الآن إلى مدخل البار، والذي يفيض بالمواطنين المتلهفين إلى الشراب.
بود: انتظري هنا. اعتقد اني اسمع صوت مياه جارية.
يتركها خارج المكعّب ويشق طريقه وسط الجماعة بمرفقه نحو الثلاجة المليئة بالمشروب. ومن خارج مكعب آخر تأتي الآنسة أولسن، والكأس في يدها. وهي ايضاً قد شربت بضعة كؤوس. عندما رأت فران، سارت نحوها، وعلى وجهها ابتسامة صفراء.
الآنسة اولسن: مرحباً. كيف حال مدير فرع كنساس سيتي؟
فران: استميحك عذراً؟
الآنسة أولسن: انا الآنسه أولسن .. سكرتيرة السيد شيلدريك.
فران: نعم، اعرف ذلك.
الآنسه أولسن: إذا لا داعي لأن تتظاهري بالبراءة أمامي، كان يقول لزوجته أنني مدير فرع سياتل.. منذ أربع سنوات عندما كنا نمارس قليلاً من الألاعيب معاً.
فران: لا أعرف عن ماذا تتكلمين.
الآنسة أولسن: وقبلي كانت الآنسة روسي في التدقيق.. وبعدي كانت الآنسة كوش في الإعاقة.. وقبلك مباشرة كانت الآنسة ما اسمها، في الطابق الخامس والعشرين..
فران (تبغي المغادرة) هل تعذريني؟
الآنسه أولسن (ممسكة إياها بالذراع) لماذا؟ لم تفعلي شيء.. انه هو .. يا له من بائع متجول .. دائماً المقاعد الأخيرة في المطعم الصيني .. ودائماً نفس النغمة عن طلاق زوجته.. وفي النهايه تنتهي الأمور وقد تلوّن وجهك بالألوان الصينية.
يخرج بود متسارعاً من المكعّب المزدحم، وهو يوازن الكؤوس الكرتونية المملوءة، يحاول تحديد مكان فران.
بود: آنسة كيوبيليك.
تستدير فران بعيداً عن الآنسة أولسن.
فران: حسناً .. شكراً.
الآنسه أولسن: يسعدني دائماً أن افعل شيئاً لفتياتنا الذين يلبسون البدلة.
تتحرك بعيداً بينما يقترب بود من فران، والتي تبدو مخطوفة اللون.
بود: هل انت بخير؟ ما الأمر؟
فران: لا شيء. (تأخذ شرابها) هنالك كثير من الناس هنا.
بود: لما لا ندخل إلى أي مكتب؟ هنالك شيئاً أريد ان أستشيرك حوله، على أي حال. (يأخذها باتجاه مكعبه).
بالطبع، لديّ الآن مكتب خاص بي. أنا ثاني اصغر اداري في الشركة.. الوحيد الأصغر مني هو حفيد رئيس مجلس الإدارة.
داخلي – مكتب باكستر – نهاراً
يستقبل بود فران إلى الداخل ويواجه بزوج غريب يتبادل العناق في الزاوية. يشير لهم بالخروج، ويتجه غاضباً إلى مكتبه.
بود: الآنسه كيوبيليك، أريد رأيك الصادق. لقد وضعت هذه في مكتبي لمدة أسبوع .. وقد كلفتني خمسة عشر دولاراً.. ولكنني لم أجرؤ على لبسها..
اخرج من تحت المكتب صندوق قبعات، ومن قلب الصندوق اخرج قبعة سوداء، واخذ الآن في وضعها على رأسه.
بود: إنها كما يقولون الزي الذى يرتديه صغار الإداريين. ما رأيك؟
تنظر فران إليه بعيون زائغة، وقد اخذتها افكارها بعيداً.
بود: أعتقد أنني تجاوزت الحدود، هه؟
فران (استعادت انتباهها) كلا .. لقد احببتها.
بود: حقاً؟ هل تعنين انك لن تخجلي إذا ما رآك أحدهم مع واحد يلبس مثل هذه القبعة؟
فران: حتما لا.
بود: ربما لو لبستها قليلاً إلى الجانب .. (معدلاً في القبعة) هل هذا أفضل؟
فران: أفضل بكثير.
بود: حسناً، طالما انك لا تخجلين من الظهور معي.. ما رأيك في أن نخرج ثلاثتنا هذا المساء.. انت وانا والقبعة نتمشى في الحي الخامس .. كنوع من كسر الحواجز.
فران: هذا يوم سيء بالنسبة لي.
بود: افهم ذلك. الميلاد.. العائلة وكل هذا..
فران: من الأفضل أن أعود للمصعد. لا أريد أن أفصل من عملي.
بود: أوه، لا تهتمي بذلك، لدينا نوع من السطوة في شؤون الموظفين.. هل تعرفين السيد شيلدريك؟
فران (بحذر) لماذا؟
بود: هو وأنا نحن كذلك. (يصلب أصابعه) لقد أرسل لي بطاقة ميلاد. هل ترين؟
لقد التقط بطاقه ميلاد من مكتبه، وعرضها على فران. إنها صورة لعائلة شيلدريك متجمعين حول شجرة ميلاد مزيّنة.. السيد والسيدة شيلدريك، الصبيّان بثوب المدرسة العسكري، وكلب فرنسي كبير. واسفل هذا يقول: تمنيات فصلية من عائلة شيلدريك: اميلي، جيف، تومي، جيف الصغير، وفيغارو.
فران (تدرس البطاقة بغضب) انها بطاقة لطيفة.
بود: لقد فكرت أن اقول كلمة بشأنك للسيد شيلدريك بحيث احصل لك على ترقيه – وما رأيك في أن تصبحي محركة مصعد؟
فران: اعتقد انه هنالك العديد من الفتيات الأخريات لهم الأفضلية عني.
بود: ليست مشكلة. لماذا لا نبحث هذا يوماً ما اثناء العطلة.. باستطاعتي أن أطلبك وأمر لأخذك من المنزل ولسوف نكشف الأمور كلها.. (يمسك بطرف قبعته).. هل انت متأكدة ان هذه هي الطريقة الصحيحة للبسها؟
فران: اعتقد كذلك.
بود: ألا تعتقدي انها منحرفة قليلاً زيادة..
تأخذ فران علبتها من جيبة بدلتها، تفتحها، وتعطيها لبود.
فران: هاك.
بود: (يتفحص شكله في المرآة) على أي حال فهذه شركة محافظة.. لا أريد أن يحسبني الناس مهرّجاً..
ينخفض صوته حتى يتوقف. هنالك شيء مألوف حول المرآة المكسورة في العلبة .. وشكل زهرة الزنبق على الغطاء يؤكد ظنونه.
تلاحظ فران التعبير الغريب على وجهه.
فران: ماذا هنالك؟
بود: (بصعوبة) المرآة .. إنها مكسورة.
فران: اعرف . احبها هكذا .. تجعلني أبدو كما اشعر.
يبدأ الهاتف بالرنين. لا يسمعه بود. يغلق العلبة، يعطيها إلى فران.
فران: هاتفك.
بود: اوه (يلتقط الهاتف من على المكتب) نعم؟
يلقي نظرة عاجلة على فران: دقيقة واحدة.
يغطي مكان الكلام؟ مخاطباً فران، اذا سمحت.. هذا شيء شخصي..
فرانا: حسناً. اتمنى لك عيد ميلاد لطيف.
تخرج، وهي تغلق الباب. يرفع بود يده عن مكان الكلام.
بود (كل كلمة تجرح) نعم، سيد شيلدريك.. كلا، لم أنسَ الشجرة فوق وخليط توم وجيري موضوع في الثلاجة.. نعم، سيدي .. أتمنى لك مثله.
ينهي المكالمة، يقف برهة من الزمن، القبعة ما زالت على رأسه، صوت الحفلة يطوف فوقه. يسير ببطء نحو الشماعة يلتقط معطفه.. معطف جديد ماركة شيسترفيلد. يبدأ في الخروج من المكتب والمعطف على يده.
داخلي .. الطابق التاسع عشر .. نهاراً
بدأت الحفلة تنشط وتأخذ إيقاعاً صاخباً. فوق المكاتب تقف سيلفيا وتقوم بعملية خلع ملابس فكاهية دون ان تخلع ملابسها. هنالك صياح صخب وتصفيق من حولها.
يتحرك بود متجاوزاً الاستعراض الأرضي، بدون أدنى اهتمام. يحدّد كيركبي مكانه، يترك موقعه في تجمع الهتافين حول سيلفيا.
كيركبي: إلى أين انت ذاهب ايها الشاب بودي؟ الحفلة ابتدأت تواً. (يلحقه) اسمع ايها الولد.. أعطني فرصة، هل لك أن تفعل.. ما رأيك في غد بعد الظهر؟ لا استطيع ان آخذها إلى ذلك المكان للسيارات.. السيارة ليس بها تدفئة، الساعة الرابعة.. موافق؟
يتجاهله بود ويتابع سيره بين صفوف المكاتب الخالية.
إحلال تدريجي:
داخلي. بار رخيص- جادة كولومبيا في الستينات – مساءً
الساعة السادسة والبار مزدحم بالزبائن الذين جاءوا ليشربوا كأساً من أجل الطريق قبل أن ينضموا إلى أسرهم في ليلة الميلاد. هنالك رجال يحملون رزم هدايا مربوطة بشرائط زاهية وأشجار عيد ميلاد صغيرة وقطع من الديوك الرومية ملفوفة بأكياس بلاستيكية، وعلى المرآة خلف الباب كتبت عبارة اعياد سعيدة بأحرف بيضاء مشعّة. الجميع في غاية المرح، يضحكون ويتبادلون الأنخاب.
الجميع ما عدا بود باكستر. انه يقف عند البار يلبس معطفه الشسترفيلد وقبعته، منعزل قليلاً ومنحنٍ على كأس مارتيني فارغ تقريباً. يأتي عامل البار ويجهّز له كأساً جديداً من المارتيني وحبة زيتون على نكاشة أسنان، يأخذ اجرته من كدسة النقود الورقية والمعدنية الموضوعة أمام بود، يأخذ بود حبة الزيتون ويضيفها إلى نصف دزينة أخرى مرتبة على شكل مروحة على النضد. من الواضح أنه يحاول تكملة الدائرة.
يدخل رجل قصير، سمين، يلبس ثياب سانتاكلوز مهرولاً من الشارع ويأتي إلى البار بالقرب من بود.
سانتاكلوز (مخاطباً عامل البار) مرحباً يا شارلي .. أعطني رشفة من البوربون .. وسجلها .. فزحافتي واقفة صف ثانٍ.
يضحك مقهقهاً على نكتته، ويكزّ بود بمرفقه. يحملق بود به ببرود، ويستدير عائداً إلى شرب المارتيني. تموت الضحكة في حنجرة سانتاكلوز. يأخذ حاجته من البوربون، يتحرك بعيداً عن البار محاولاً إيجاد صحبة أكثر مرحاً.
تقف فتاة في منتصف العشرينيات بالقرب من نهاية البار المستدير تلبس معطفاً رمادي فيراني. اسمها مارجي ماكدوجال، انها تشرب روم كولينز بالشاروقة وهي ايضاً لوحدها. وعن بعد تقوم بدراسة بود باهتمام وعلى البار أمامها علبة شاروقات مغلفة بالورق. تأخذ واحدة منها، تمزّق نهاية الورقة، تنفخ عبرها فيطير الغلاف الورقي ويمر تماماً من أمام انف بود. وهو لا يلاحظها. لا تيأس مارجي دعنا نحاول بغارة أخرى.
في هذه المرة يقف الغلاف على حافة قبعة بود. لا يبدي أي ردة فعل. غلاف آخر يأتي سابحاً فيضرب خد بود. لا يبعد عينه عن المارتيني.
تترك مارجي مكانها، حاملة شنطتها وكأس فارغ، وتأتي إلى جانب بود. وبدون اية كلمة تمد يدها وتزيح الغلاف الورقي عن قبعة بود.
مارجي: اشتري لي كأساً أشتري لك موسيقى.
(تضع الكأس من يدها) روم كولنز.
بدون ان تنتظر إجابه تتوجه نحو علبة الموسيقى. ينظر بود إليها بدون إهتمام، ثم يستدير نحو عامل البار.
بود: روم كولينز. (مشيراً إلى كأس المارتيني) وواحد آخر من هذه الامهات الصغيرات.
وعند علبة الموسيقى وضعت مارجي نقوداً معدنية وضغطت اختيارها.
بدأت الموسيقى.. «اديستى فيديليس». عادت وانضمّت إلى بود عند البار.
في نفس الوقت الذي وضع عامل البار مشاريبهم أمامهم. ينزع بود حبة الزيتون الجديده ويضيفها إلى التصميم الذي أقامه على النضد امامه.
يبدأ الإثنان بالشرب، مباشرة، ولفترة من الزمن يسود الصمت بينهما.
مارجي (بدون سابق إنذار) هل تحب كاسترو؟ (نظرة بلا معنى من بود)
اعني .. كيف تشعر تجاه كاسترو؟
بود: ما هذا كاسترو؟
مارجي: كما تعلم، ذلك الرجل المشهور في كوبا ذو الذقن المجنونة.
بود: وماذا عنه؟
مارجي: لأنه بالنسبة لي ليس انساناً جيداً. فمنذ أسبوعين كتبت له رسالة.. وحتى لم يجاوبني عليها.
بود: هكذا إذاً.
مارجي: كل ما طلبت منه ان يخرج ميكي في الميلاد.
بود: من هو ميكي؟
مارجي: زوجي. إنه في هافانا .. في السجن.
بود: أوه، متورط في تلك الثورة؟
مارجي: ميكي؟ انه لا يفعل شيئاً كهذا. إنه فارس. لقد التقطوه وهو يضع منشطات لحصان.
بود: حسناً، لا يستطيع ان يفوز بها كلها.
إنهما يجلسان صامتين لبرهة من الزمن، يتأملان ظلم العالم.
مارجي (مخاطبة نفسها) لقد كانت الليلة التي تسبق الميلاد ولم يكن هنالك من يتحرك في كافة أجزاء المنزل .. لا شيء.. لا حركة.. بلادة تامة! (تشرب، وتخاطب بود) هل أنت متزوج.
بود: كلا.
مارجي: عائلة؟
بود: كلا.
مارجي: في ليلة كهذه يزعجك أن تسير في شقة فارغة.
بود: قلت لا عائلة لي .. لم اقل انني املك شقة فارغة.
يشرب الاثنان.
قطع إلى:
داخلي – شقة بود – مساءً
غرفة المعيشة مظلمة، ماعدا بصيص نور من المطبخ، وتلألأ اللمبات الملونة على شجرة ميلاد صغيرة أمام الموقد المزيف.
في إحد الزوايا فران محنية الظهر وما زالت تلبس معطفها وقفازاتها، وتبكي بلطف. شيلدريك يخطو ذهاباً وإياباً. معطفه وقبعته على كرسي وكذلك هنالك هدايا عيد ميلاد ما زالت ملفوفة. وعلى طاولة القهوة هنالك زجاجة من الويسكي، وكأسين لم يلمسا، وقصعة من الثلج الذائب.
شيلدريك (يقف ويواجه فران) تعالي يا فران .. لا تكوني هكذا.
هل ستبقين جالسة هناك وتتابعين الزعيق؟
(لا جواب)
ترفضي ان تكلمينني، وترفضي البوح لي بما بك..
(مقاربه جديده)
انظري، اعرف انك تعتقدين انني اخدعك.. ولكن عندما تكوني متزوجة من امرأة لمدة اثنتي عشرة سنة، فأنت لا تجلسين إلى مائدة الإفطار وتقولين «مرري السكر واريد الطلاق» إنها ليست بهذه السهولة.
(يتوقف عن المشي، تتابع فران البكاء) على أي حال هذا وقت غير مناسب. الأولاد في المنزل جاءوا من المدرسة.. وأهل زوجتي يزوروننا من أجل الإجازة.. لا استطيع إثارة الموضوع الآن.
(يقف أمامها)
هذا لا يناسبك، يا فران .. لقد كنت دائماً تتمتعين بروح رياضية .. والبقاء معك متعة..
فران (خلال الدموع) نعم.. هذا أنا. الغبية السعيدة.. ذات المليون ضحكة.
شيلدريك: حسناً، هذا يناسبك أكثر. على الأقل انت تخاطبينني.
فران: شيء مضحك حدث لي في حفلة المكتب اليوم.. لقد فوجئت بسكرتيرتك.. الآنسه أولسن. هل تعلم.. جرس قرع؟ ضحكت كثيراً وتمنيت الموت.
شيلدريك: هل هذا ما أزعجك.. الآنسة أولسن؟ ذلك تاريخ قديم.
فران: لم أكن في حياتي ناجحة جداً في مادة التاريخ.
دعنى أرى.. كانت هنالك الآنسة أولسن، وبعدئذ كانت الآنسة روسي.. كلا جاءت قبل ذلك.. كانت الآنسة كوتشي التي جاءت بعد الآنسة أولسن.
شيلدريك: والآن يا فران..
(يتبع بقية الفيلم العدد القادم)