المقدّمة
تملّكنا هاجس البحث في الأشكال الوجيزة ذات الصّلة بالشّعر منذ انكبابنا على دراسة الشّعر العربي القديم بدءا من الجاهليّة إلى القرون اللاّحقة، وما انفكّ هذا الهاجس يراودنا إلحاحا حتّى استقرّ في ذهننا، وبات إلزاما علينا تخيّر المدوّنة الشّعريّة الأنسب لذلك. ونشير في هذا الإطار إلى الصّعوبات التي تلفّ هذا العمل ونجملها في نقطتين اثنتين تتفرّع الأولى إلى داعيين هما :
* قلّة الدّراسات النّظرية العربيّة المهتمّة بقضيّة الأشكال الوجيزة إن لم نقل تكاد تغيب باستثناء عمل أنجز في الجامعة التونسيّة وأطروحة دكتوراه دولة لصاحبها جميل بن علي حامل لعنوان الأجناس الوجيزة في النّثر العربي القديم(1)وعنوان الأطروحة يحدّد مجال تخصّصها منذ البداية وهو النّثر العربي القديم(2).
* اهتمام الدّراسات الغربيّة المنّظرة للأشكال الوجيزة بمسارات متشابهة في عمومها ذات صلة بالحكمة أو المثل أو غيرهما من الأشكال الأخرى دون أن نجد إشارة إلى ما هو شعر.
بينما تتعلّق النّقطة الثّانية بالمدوّنة التي نشتغل عليها، ولقد رأينا بعد تدبّر عميق أنّ شعر الخوارج في القرن الأوّل الهجري يصلح أن يكون مدار بحث عن تجليات الوجيز فيه. ولا يخفى ههنا الإشارة إلى صعوبة استنطاق هذا اللّون من الشّعر السّياسي لداع أساسي مردّه إلى غياب الدّراسات المتخصّصة فيه وخاصّة فيما له صلة بالجانب الشّكلي. ولعلّ في اجتماع تلك الصّعوبات ما يجعلنا في كثير من الأحيان كمن يعتسف الفلاة بلا دليل.
غير أنّ عزاءنا يظلّ في محاولة فتح سبل البحث في مجال نزعم أنّه أرض بكر تنتظر من يرتادها.
ولقد رأينا من باب الإحاطة بالبحث وإحكام ضبطه المجيء على قسم أوّل هو إلى التّمهيد أقرب، نجعله منطلقا للتّعريف بلفظ الوجيز استئناسا بما استتبّ في كتب النّقد العربي منها والغربي علّنا نرفع ما بدا مبهما في هذه المسألة. ونأتي في قسم لاحق على استقراء المدوّنة الشّعريّة لإظهار ما بدا لنا وجيزا في ذلك الشّعر. ونختم بقسم ثالث هو استجابة لما قيّدنا به البحث في جزئه الثّاني المتعلّق برصد المعنى المتعدّد في شعر الخوارج.
حدّ الوجيز في كتب النّقد
العربي والغربي
إنّ قراءة كتب النّقدين العربي والغربي يفضي إلى حقيقة مفادها حضور مفهوم الجنس الوجيز لدى النّقاد والخوض فيه من طرفهم لجريانه في أشكال أدبية ذات طبيعة وجيزة(3). غير أنّ هذه الحقيقة لا تحجب عنّا تعدّد المسارات المنتهجة من قبل النقّاد أثناء تناولهم لهذا المفهوم. فكان الوجيز تارة مشغلا أسلوبيا عند حديث النّقاد عن اللّفظ والمعنى سواء في مستوى العلاقة، وفي الأفضليّة بينهما، وتارة أخرى مشغلا بلاغيّا عند حدّهم البلاغة، وطورا كان المشغل دلاليّا. بل إنّ فريقا آخر في إشارته إلى علاقة الوجيز بالمقام جعل هذا المفهوم من خاصيّة الطّرح التّداولي.
إنّ الغاية من مجمل هذه الإشارات التّأكيد على خصوصيّة المبحث، وإنّ استقصاء مظاهر الوجيز في شعر الخوارج تلزمنا الإفادة ممّا سنعرض من أراء دون ميل إلى هذا أو ذاك، وإنّما نجعل النّصوص الشّعريّة الحكم في توجيه العمل.
يحيل بسط مفهوم الإيجاز في مصنّفات النّقد على قضيّة « التّصنيف» ذات الصّلة بما هو كمّي، وربط الإيجاز بالكمّ أو الحجم مثير لإشكاليّة معيار التّمييز بين شكل وجيز وآخر. فهل يقتصر التّحديد على معطى الكمّ أم يتعدّى ذلك إلى خصائص أخرى؟. فلئن ركّزت بعض الإشارات النّقدية على هذه المسألة، فقد أغفلت إشكالية الخصائص النّوعية لكلّ جنس، ولا يخفى ما لهذه العوامل الأساسيّة من دور محدّد للإيجاز.
يذهب الرّمّاني ضمن الاتّجاه الأوّل من التّحديد إلى القول إنّ « الإيجاز على ضربين: مطابقة لفظه لمعناه… وهو المساواة.. «4، ودرج صاحب هذا الاتّجاه ومن والاه على تفصيل القول في إظهار العلاقة بين الزوجين – أي اللّفظ والمعنى- بل اشترطوا حسن التّأليف بينهما. من ذلك ابن المدبر في قوله «إن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقا ولتلك الحال وفقا وآخر كلامك لأوّله مشابهة… فافعل»(5). غير أنّ أصحاب الاتّجاه الأوّل لم يكونوا متّفقين في الرّأي، فلئن استحسن بعضهم مطابقة اللّفظ للمعنى، فإنّ البعض الآخر أدار العلاقة على «تناسب عكسي» كما يسميّها جميل بن علي(6) بتفضيل اللّفظ، إذ يقلّ عن المعنى أو يتكاثر ويكون الحديث ههنا عن الإيجاز. وفي هذا الإطار ينقل ابن رشيق رأي الخليل بن أحمد القائل « يطول الكلام ويكثر ليفهم ويوجز ويختصر للحفظ»(7).
ولقد طرح حدّ الإيجاز قضيّة المفاضلة بين اللّفظ والمعنى والانتصار للّفظ الموجز السّهل، من ذلك قول الجاحظ «أفصح النّاس أسهلهم لفظا»(8). بل إنّ عمليّة المفاضلة تجاوزت حدود اللّفظ والمعنى فكان الميل إلى الإيجاز عن الإطناب. وذهب المهتمّون بذلك من النّقاد شأوا في تمجيد الإيجاز وتعداد مزاياه. فذكر الجاحظ أنّ «الإيجاز أسهل مراما وأيسر مطلبا من الإطناب»(9). وحثّ الوزير جعفر ابن يحي كتّابه على العناية بالإيجاز بالقول «إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا»(10).
إنّ مجمل هذه الآراء المتّصلة بالإيجاز في المصنّفات النّقدية القديمة بدت تصوّرات داخلة ضمن باب ما يسمّى بالاقتصاد اللّغوي بالمفهوم الحديث، إذ يعمد المتكلّم أثاء الإيجاز إلى التّحكم في الوحدات اللّغوية المنجزة تأدية لمقصده وذلك «ببذل المجهود الأدنى في الكلام»(11) الموصل إلى الإبلاغ بعيدا عن إطالة العبارة.
ويحدّ أصحاب الاتّجاه الثّاني الإيجاز بربطه بالبلاغة. والحقيقة أنّه لا يمكن الفصل بين ما هو أسلوبي وما هو بلاغي انطلاقا من التّعريفات التي سنورد، ذلك أنّ القول بأنّ البلاغة الإيجاز… والإيجاز حذف الفضول وتقريب البعيد» (12). أو القول «الإيجاز القصر والحذف، والقصر تقليل الألفاظ» (13) يجعل آراء العسكري داخلة ضمن ما أشرنا إليه سابقا بالاقتصاد في اللّغة، وذلك أن يعمد المتكلّم إلى انتقاء وحداته اللّغوية المؤدّية إلى مقصده الأساسي وهو الإبلاغ، حتى أنّ الجاحظ عدّ البلاغة إصابة المعنى والقصد إلى الحجّة مع الإيجاز ومعرفة الفصل من الوصل»(14).
إنّ الإيجاز ههنا وبحسب الجاحظ وما أورده بعده العسكري هو ما يوصل إلى المعرفة بالشّيء في أدنى جهد لغوي بعبارة دقيقة قليلة وبليغة تشكّل جميعا ما يصطلح عليه ببلاغة الخطاب.
ولا تخرج القضيّة في علاقة الإيجاز بالمعنى أو الدّلالة كذلك عن السّياق اللّغوي، إذ كيف للإيجاز أن ينتج معاني متكثّرة انطلاقا من عدد وجيز من الألفاظ ؟ هكذا تساءل ألان مونتندان (Alain Montandon) (15).
لقد كان النّقد العربي القديم على وعي بتلك الإشكاليّة، فأبو هلال العسكري ربط الإيجاز بالقصر والحذف. ورأى أنّ القصر» تقليل الألفاظ وتكثير المعاني»(16). واشترط لمزيد ضبط المسألة في الإيجاز أن يكون محمودا والإكثار مذموما (17) حتّى يجري إلى المعنى المراد بيانه. ولا شكّ في أنّ اللّفظ ومن خلال هذا التحديد يصبح حمالا لطاقة تعبيريّة ولغويّة قويّة حتّى يتمكّن من الاضطلاع بالوظيفة المعهودة إليه. ويرى مونتندان في هذا السّياق « أنّ الكلمات عناوين تختزل جملا»(18)، لذلك ينبغي على الجمل المنتجة أن تكون من الفصاحة والوضوح في المعاني ما يؤهّلها لتحقيق مقصد الإبلاغ كما أوضحنا، إلى درجة أنّها – المعاني- في كثافتها تفوق الألفاظ في النّص. ويعقد الإيجاز على هذا الأساس مرّة أخرى علاقة متينة باللّغة ووظيفتها المتمثّلة في تكثير المعاني وتحقيق المقاصد (19).
ولقد أشار النّقد العربي القديم إلى (صلة) الإيجاز بالمقام. وتباين النّقاد في شأن ربط القول بالمقام، فلئن أقام بعضهم الصّلة على أساس ما يقتضيه القول من تطويل في مناسبات، وعلّلوا ذلك بتكثير المعنى استجابة لمقتضيات عمليّة التّخاطب، فإنّ شقّا آخر آثر الإيجاز في مقامات أخرى. فالجاحظ ومن خلال قوله « ووجدنا النّاس إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا، وإذا أنشدوا الشّعر بين السّماطين في مدح الملوك أطالوا»(20) يحيل في اعتقادنا على مقامات كبرى (الصّلح والمدح) تستوجب من المتكلّم بلاغة في القول تتأسّس على الإطالة شدّا لانتباه المتقبّل وحمله على التّأثر والانتصار لقضيته.
ولا يختلف رأي ابن رشيق القيرواني عن الجاحظ في تعليله الإطالة في سياقات مخصوصة في قوله» وتستحبّ الإطالة عند الإعذار… والإنذار والتّرهيب والتّرغيب والإصلاح بين القبائل»(21).
وليس من شكّ في أنّ تصفّح المدوّنة من شعر قديم أو ما قيل من خطب يثبت رأيي الجاحظ وابن رشيق، إذ ارتبطت أغلب القصائد الطّوال أو الخطب بمناسبات كبرى جُسّدت عادة في سياقات المدح أو الهجاء أو الصّلح زمن الحروب.
وإذا كان ما ذكر صادرا عن آراء بعض النّقاد في شأن التّطويل في القول، فإنّ نبش التراث النقدي القديم أفضى بنا إلى رأي فريد في بابه في حَمْد الإيجاز والانتصار له صادر عن شاعر يستحقّ صفة الناقد. فقد «قيل للفرزدق ما صيّرك إلى (القصائد) القصار بعد الطّوال فقال: لأنّها رأيتها في الصّدور أوقع وفي المحافل أجول»(22). وقيل «لبعض المحدثين ما لك لا تزيد على أربعة واثنين قال هنّ بالقلوب أوقع، وإلى الحفظ أسرع، وبالألسن أعلق، وللمعاني أجمع، وصاحبها أبلغ وأوجز» (23).
إنّ للشّاهد المذكور أهميّة من جهة مصدره، فإقرار الشّعراء بفضل الإيجاز وتفصيلهم القول في عِلَل ذلك مهمّ من جهتين لكونه شاعر منتج للشّعر أوّلا، ومتقمّص دور النّاقد ثانيا، وهو ما يجعل رأيه سابقة زمنيّا لآراء النّقّاد أنفسهم.
يبدو ممّا تقدّم أنّ المقام مكيّف لمقاله تكييفا لا مراء فيه، إذ يكشف عن ميل أغلبهم إلى العبارة الوجيزة لوقوعها في الوجدان وقعا حسنا سواء في معانيها أو أهدافها. ونعتقد أنّها تدور على ثنائيّة التّأثير والإقناع وخاصّة في نوع الشّعر الذي نقبل على دراسته.
شعر الخوارج شكلا وجيزا
قبل الخوض في قضيّة الحال نشير إلى أنّ تعاملنا مع الوجيز لا يقتصر على كونه «مجرّد اختصار للكلام»(24) كما ذهب إلى ذلك روكوموفسكي (Roukhomovsky) في مصنّفة قراءة الأشكال الموجزة، وإنّما الوجيز لدينا يتصّل كذلك بالشّكل في حدّ ذاته، فالرّأي الصّادر سابقا عن الفرزدق لم يكن في اعتقادنا ينبع من فراغ، وإنّما منزلة الشاعر الأدبية تجعل رأيه في المسألة على غاية من الأهمية. فقد أظهر الرأي الشّاعر مراعيا لسياقات القول، عارفا بما تستحسنه الذائقة المتقبّلة للشّعر، لذلك فإنّ إنتاج الشّعراء لشعر يتّسم بالقصر شكلا (25) له دواعيه ووظائفه، وعلى هذا الأساس سنحرص أثناء تدبّر هذا الشّعر على المزج بين الوجيز من شعر الخوارج من حيث الشّكل أوّلا(26)، والإيجاز في اللّفظ المنتج لضروب شتّى من الدّلالات ثانيا، وذلك في إطار الوعي بالسّياق العام المسهم في ظهور ما يسمّى بشعر الخوارج.
تعددّت مظاهر الوجيز في شعر الخوارج وخضعت في عمومها لثنائيّتي الظّاهر والباطن. أمّا الظّاهر منه فقد أثبتت القراءة البصريّة لديوان شعر الخوارج أنّ هذا الشّعر يتراوح بين البيت أو البيتين أو المقّطعات بشكل لافت. ومسألة كثرة الأبيات الواردة تفاريق في الدّيوان مقارنة بعدد قصائده تقتضي النبش في عللها، وخاصّة إذا ما قورن بغيره من دواوين الشّعر الأخرى المنتمية إلى الحقبة نفسها، ومن هذه الناحية يكاد شعر الخوارج أن يتفرّد عن غيره من حيث الحجم.
واستأنسنا لضبط الحدود تفريقا بين المقطّعة والقصيدة بما أُقرّ في كتب النّقد القديمة في حدّ القصيدة. فقد ورد في العمدة في الباب الخامس والعشرين : في القطع والطّوال قوله « إذا بلغت الأبيات سبعة فهي القصيدة. ومن النّاس من لا يعدّ القصيدة إلاّ ما بلغ العشرة وجاوزها ولو ببيت واحد»(27). وعرض رأي ابن رشيق حول المسألة رغم ما شابها من مواقف خلافيّة (28) مدخل مهمّ من جهة مساعدته على القيام بإحصاء ما قيل من شعر على امتداد أربع مراحل كما ضبطها محقّق الدّيوان. وتمثّل تلك المراحل الفترات التي تعاقب عليها خلفاء بني أميّة في علاقتهم بالخوارج. وإنّ المقصد من إجراء ذلك الإحصاء رصد التّطور الكمّي والكيفي لشتّى المعاني المنبثقة عن ذلك الشّعر السّياسي في مختلف مراحله.
شعر الخوارج بين البيت والقصيدة
يوقف إحصاء الشّعر المنجز طيلة فتراته الأربع على النتائج التّالية حسب كلّ فترة:
أ- الخوارج أيّام علي
– مجموع الشّعراء: 12 شاعرا.
و لقد توزّعت الأبيات على النحو التالي من حيث العدد:
– 3 أبيات يتيمة.
– 4 أبيات في القطع ذات البيتين.
– 3 أبيات في القطع ذات ثلاثة أبيات.
– بيتان في القطع ذات أربعة أبيات.
– بيت في القطع ذات خمسة أبيات.
– القصائد: قصيدتان.
– الأراجيز 29 : 7 أراجيز.
– العدد الجملي للقطع والقصائد:22.
ب- الخوارج أيّام معاوية ويزيد
– مجموع الشّعراء: 37 شاعرا.
وتتوزّع الأبيات ما دون القصيدة على النحو التالي:
– 11 بيتا يتيما.
– 4 أبيات في القطع ذات البيتين.
– 10 أبيات في القطع ذات ثلاثة أبيات.
– 5 أبيات في القطع ذات أربعة أبيات.
– 4 أبيات في القطع ذات خمسة أبيات.
– بيتان في القطع ذات ستة أبيات.
– القصائد: 8 قصائد.
– الأراجيز : أرجوزتان.
– العدد الجملي للقطع والقصائد : 58.
ج- الخوارج أيّام عبد الملك بن مروان
– مجموعة الشعراء: 46 شاعرا.
– 30 بيتا يتيما.
– 21 بيتا في القطع ذات البيتين.
– 22 بيتا في القطع ذات الثلاثة أبيات.
– 20 بيتا في القطع ذات أربعة أبيات.
– 7 أبيات في القطع ذات خمسة أبيات.
– 5 أبيات في القطع ذات ستّة أبيات.
– القصائد: 33 قصيدة.
– الأراجيز : 21 أرجوزة.
– العدد الجملي للقطع والقصائد : 159.
د- الخوارج بعد عبد الملك بن مروان
– مجموعة الشّعراء :52 شاعرا.
– 12 بيتا يتيما.
– 13 بيتا يتيما.
– 16 بيتا في القطع ذات ثلاثة أبيات.
– 4 أبيات في القطع ذات أربعة أبيات.
– 12 بيتافي القطع ذات خمسة أبيات.
– 6 أبيات في القطع ذات ستة أبيات.
– القصائد: 12 قصيدة.
– الأراجيز : 14 أرجوزة.
– العدد الجملي للقطع والقصائد : 87.
إن توزيع الأبيات والمقطعات والقصائد والأراجيز تثبت دون شكّ هيمنة الأبيات التّفاريق على القصائد، إذ بلغت نسبة القطع في الفترة الأولى ما يربو على 53 % من المجموع العام للشّعر. وبلغت النّسبة في الفترة الثّانية ما يزيد عن 70%، في حين ارتفعت في الفترة الثّانية إلى ما يزيد عن 76%، لتستقرّ في الفترة الأخيرة على الـ 70%.
ويثبت الإحصاء أن ميل الشّعراء إلى الوجيز من الشّعر شكلا حقيقة لا لبس فيها، فلقد تطوّر الاحتفاء بالشّعر في أشكاله المتنوّعة سواء بالبيت أو البيتين أو الأدنى من القصيدة بصورة عامة. ونلمس هذا التّطور عند إحصائنا لعدد القطع في كلّ مرحلة عن حدة مقارنة بالعدد الجملي من الشّعر، إذ بلغت القطع في الفترة الأولى 13 قطعة من جملة 22، وبلغت 48 قطعة من مجموع 58 قطعة في الفترة الثّانية، ليتضاعف العدد في الفترة الثّالثة ويبلغ 105 قطعة من مجموع 59. وكذا كان شأن الفترة الأخيرة إذ بلغ 63 قطعة من مجموع 87.
و قد يعلّل ما وقفنا عنده من تطّور بأحد سببين:
* تزايد عدد شعراء الخوارج بين الفترة الأولى والأخيرة، إذ يلاحظ تضاعف العدد، وهو ما يؤدّي إلى ارتفاع عدد القطع أو القصائد بالضّرورة.
* أنّ اهتمام الشّعراء بالقطع مرتهن بحدث القول، فأغلب الأبيات يبدو أنّها قيلت في لحظات متشابهة بين جلّ الشّعراء، فتارة هي تعبير عن خوف من ملاحقة السّلطة القائمة، وتارة أخرى هي إلى البوح أقرب بما يعتمل في الذّات من مشاعر سواء عند الهرب أو لحظة تنفيذ حكم الموت في أحد الخوارج.
ولعلّ التّعليل الذي نميل إليه أنّ الخارجي المسكون بخوف دائم من المطاردة والموت لم يكن مؤهّلا كغيره من الشّعراء وخاصّة الشّعراء المستقرّين في المكان- سواء في القبيلة بصورة مصغّرة أو الدّولة بصورة موسّعة – للاعتناء بتجويد شعره وصياغته في قصائد محكمة السّبك لفظا ومعنى. فالعوامل لم تكن مواتية للنّظم، لذلك نجده يؤثر الوجيز من الشّكل في شعره ليقينه أنّ ما يصدر عنه سواء في البيت(30) أو البيتين كفيل بإبانة مقصده، وأنّ مقصده لا يُحوج إلى تفصيله في قصائد طوال. فالوجيز ههنا أقدر على التّبليغ، لأنّ المقطّعة اكتفت بذاتها شكلا ومضمون قول. فكان الوجيز على صلة وثيقة بظروف القول متلوّن بحسب مقتضى حال صاحبه، مؤثّر في المعنى، لأنّ العبارة الشّعرية كما سنرى اختزلت هموم الشّاعر وهواجسه النّفسية والفكريّة والماديّة، وباتت الكلمات عناوين تختزل حاجة صاحبها بعيدا عن إشباع العبارة وإطالة الكلام وما ذكر يجعل الإيجاز مندرجا ضمن باب الاقتصاد في اللّغة من ناحية، متأثّرا بالمقام من ناحية ثانية. فخطاب الخارجي رغم طغيان المقطّعات عليه لا نعتقد أنّه صادر عن ذات غير واعية بمسالك القول، لأنّ «لكلّ خطاب مفترضات يصدر عنها ومقدمات يشدّ إليها» (31)، وهو ما عبّرنا عنه بالقول إنّ القول مظروف بواقع مخصوص سمته التّوتّر بسبب سوء العلاقة بين الخوارج وبني أميّة، ويتنزّل في سياق نفسي وجداني موسوم بخوف دائم، وفي سياق مادي يختزل في ثنائية الكرّ والفرّ نتيجة الحروب بين الطرفين.
شعر الخوارج شعر أراجيز
احتفى شعر الخوارج بالرّجز احتفاء ظاهرا، وبيّن الإحصاء أنّ الأراجيز(32) في الدّيوان بلغت 44 أرجوزة ممّا يجعل نسبة حضورها تربو عن 18% من مجموع 271 مقطعة. ويقودنا الرّجز باعتباره شكلا وجيزا إلى مسألة التّناسب بين الوزن والمعنى أو ما اصطلح عليه النّقد القديم بمحاكاة الأغراض للمقاصد(33). فالنّاظر إلى الرّجز الوارد في الدّيوان يلاحظ أنّ الوزن يناسب المعاني من جهة وضوحها وجريانها في مقامات تكاد تدور لدى جلّ الشّعراء، وإنّ هذا التّكرار تأكيد لزعمنا بقدرة الرّجز على التّعبير عن هواجس الشّعراء بالوجيز من اللّفظ.
وتتعدّد المعاني المشتركة المستوحاة من إيقاع الرّجز بين الشّعراء، ومنها:
إظهار الشّاعر الخارجي الفخر بالانتماء إلى الشّراة، وهو من المعاني الثّابتة في هذا الشّعر، ونستدلّ على ذلك بقول عبدالله بن وهب الرّاسبي يوم النّهروان
أَنَا ابْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِي الشَّارِي
أَضْرِبُ فِي القَوْمِ لِأَخْذِ الثَّـارِ
حَتَّـى تَزُولَ دَوْلَةُ الأَشْـرَارِ
وَيَرْجِعَ الحَقُّ إِلَى الأَخْيَــارِ (34)
وقد كشف عن خوف دائم مردّه ملاحقة قادة الجند للخوارج عموما على نحو ما يظهره هذا الخارجي من خوف من المهلّب في قوله
أَكُـلَّ يَوْمٍ يَبْــعَـثُ المُهَلَّـبْ
خَيْـلاً عَلَيْهَــا مِنْ بَنِيهِ أَغْـلَبْ
لَيْـسَ لَنَـا فِي الأَرْضِ مِنْهُ مَهْرَبْ
لاَ شَيْءَ إِلاَّ المَوْتُ وَ أْلاً فَاهْرَبُـوا(35)
بل إنّ الرّجز قد يستوعب معاني أخرى كالرّثاء والهجاء والوعيد وغيرها من المعاني مدار البحث لاحقا. ولقد اعتنى النّقد الحديث هو أيضا بالرّجز فاعتبره علي يونس «أقرب البحور إلى النّثر لكثرة ما يتحمّل من تغييرات»(36). ونتّفق مع رأي النّاقد من جهة قرب الرّجز من لغة النّثر لغياب الصّنعة فيه. فالمتأمّل في معاني الشعر الموزون على الرّجز يلاحظ ارتباطها بأحداث كانت طارئة على الخوارج، فتارة ينشد الشّعراء أبياتا على الرّجز رثاء(37) لأحد الشّراة، وتارة أخرى يظهر سخطه على الدّولة وهو هارب من المهلّب أو الحجّاج وغيرهما من القادة، وطورا يرتجز أبياته وهو يستعدّ للحرب على من يعتبرهم أعداءه، بل تتعدّد المعاني لتشمل الفخر(38) والشّكوى(39)والهجاء(40). وإنّ أغلب ما قيل من أراجيز في ديوان الخوارج تراوحت بين البيتين والسّبعة أبيات. والرّجز ذو سبعة أبيات ذُكر في مناسبة وحيدة لعمرو القنا وارتبط بوصف معركة بين الأزارقة والمهلّب(41).
لقد كان الرّجز باعتباره شكلا وجيزا في هذا اللّون من الشّعر السّياسي أمينا في تقديم صورة واضحة المعالم لما خفي من حياة الخارجي وما ظهر منها في مراحلها المختلفة، فهي حياة امتزج فيها اليأس بالأمل، والانكسار بالانتظار، والفنّ بالعقيدة بوجه خاص. ولعلّ ذلك ما يعلّل ميل الشّعراء إلى العبارة الوجيزة في الرّجز توسّلا بلفظ ذي طاقة إيحائيّة كبيرة.
ما ننتهي إليه في هذا المستوى من العمل أنّ التّأكيد على سمة الوجيز في شعر الخوارج ملمح لا مراء فيه. وتقتضي الإشارة إلى أنّ هيمنة المقطوعات مثير لقضيّة وحدة الموضوع فيها، لأنّه من خصائص الإيجاز تكثيف العبارة المؤدّية لمقاصد الشّاعر وهي غاية ثابتة في هذا اللّون من الشّعر الوجيز، لأنّه امتداد لشخصيّة صاحبه إن جازت العبارة، ويظهر خاصة فيما له صلة بالجانب النّفسي، سواء في إظهار الذات عاجزة أو متألمة أو محبطة.
شعريّة اللّفظ في شعر الخوارج
لمّا كان شعر الخوارج في جوهره استجابة لما يعتمل في النّفس من مشاعر ثرّى عن القهر حينا وعن الاضطهاد حينا آخر، ولمّا كان في عمومه قطعا وأراجيز متفرّقة، كان لزاما على الباحث النّبش في خبايا هذا الشّعر إجابة عن الإشكاليّة المركزيّة التّالية : كيف استطاع شعر الخوارج باعتباره شكلا وجيزا التّعبير عن عالم الشّاعر؟ أي ما هي الوسائط اللّغوية التي استعاض بها الشّعراء عن الإطالة وكانت محقّقة للمقاصد؟.
تتعدّد الوسائط وتتنوّع، وانصراف الخارجي عن الشّكل الطّويل اقتضى منه العناية بالكلمة في مختلف سياقاتها حتّى تمتلك الشّعرية المحقّقة لمقاصده. ولا شكّ في أنّ اختيار الخارجي هذا النّهج في القول يجعلنا نقرّ بأنّ الكلمات في خطاب الشّعراء « مسكونة بالنّوايا42، متناغمة مع السّياق، فنهضت كلّ كلمة بوظيفة البوح الصّريح بنوايا أصحابها طالما أنّها تحدد ذواتهم.
ولقد نوّع شعراء الخوارج الألفاظ في قصائدهم، حتّى غدت مفاتيح محيلة على عالمهم الدّاخلي والخارجي معا، وأُكسب اللفظ الوجيز شعريّة فيما أنتجه من معاني متنوّعة كالشّكوى والحنين والخوف والوعيد وغيرها من المعاني الأخرى. وعلى هذا الأساس اعتنى الشّعراء باللفظ في قصائدهم بما أنّه المثير المباشر لما يعتمل في ذواتهم. ومن الألفاظ الأكثر دورانا في شعر الخوارج نذكر:
أ- الشّكوى:
تعدّ الشّكوى من الألفاظ المتواترة لدى الشّعراء، إذ كانت مجال اشتراك تصدق على كلّ أفرادها. ولقد وردت الكلمة على هيئتين :
يشتكي الخارجي في الهيئة الأولى من ضروب الزّمان. بينما يخصّ في الهيئة الثّانية شكواه إلى الله.
و تتعدّد الأمثلة عن الهيئة الأولى، فمنها قول الرّهين بن سهم المرادي في قطعة تتكوّن من ستّة أبيات إذ يقول [البسيط]
يَا نَفْسُ قَدْ طَالَ فِي الدُّنْيَا مُرَاوَغَتِي
لاَ تَأْمَنِـي لِصُرُوفِ الدَّهْرِ تَنْغِيصَا
إِنِّـي لَبَــائِعٌ مَا يَفْنَى لِبَاقِيَــــــةٍ
إِنْ لَمْ يَعُقْنِي رَجَاءُ العَيْشِ تَرْبِيصَا(43)
وقول حبيب بن خدرة الهلالي [الرّمل]
قَدْ أَصَبْنَا العَيْشَ عَيْشًا نَاعِمًا
وَأَصَبْنَا العَيْشَ عَيْشًا رَنَقَا (44)
تعدّ شكوى الزّمان وضروب الخذلان من المعاني الأصيلة في شعر الخوارج بل تعتبر لازما من لوازم العقيدة الخارجية في صراعها الدّائم مع الزّمان، وإنّ سبيل الخارجي للانتصار عليه هو طلب الموت. وقد رأى إحساس عبّاس أنّ «الموت لم يعد إلاّ دخول الجنّة أو لقاء الإخوان والأحباب والأتقياء الذين تقدّموا على الطّريق» (45). وإذا ما كانت شكوى الزّمان تفهم من سياق القول تلميحا، فإنّ الشّكوى في الهيئة الثّانية وردت على التّصريح. ولا يخفى ههنا أنّ اعتماد المسلك المباشر داخل ضمن إستراتجيّة عديدة عِلَلها، منها «ما هو موصول بالظّرف الذي ينعقد فيه فعل الإيصال، ومنها ماله علاقة بطبيعة المحتوى» (46). وإذا ما كان المحتوى معقودا على الشّكوى كما ذكرنا، فإنّ المقصود بالظّرف الدّواعي المباشرة التي حدت بالشّاعر الخارجي إلى القول الوجيز. وبإمكان الباحث ملاحظة دوران المقطّعات الشّاكية على داعيين اثنين:
يتعلّق الدّاعي الأوّل بانسداد السّبل أمام الخارجي، فلا يجد غير الشّكوى إلى الله بديلا، من ذلك قول العيزار بن الأخنس الطّائي في بيتين [الطّويل]
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو أَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ
مِنَ النَّاسِ قَدْ أَفْنَى الحِمَامُ خِيَارَهَا (47)
ومثله قول عبيدة بن هلال اليشكري في بيتين كذلك [الطّويل]
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو لاَ إِلَى النَّاسِ أَشْتَكِي بِقُومِسَ إِذْ فِيهَا الشُّرَاةُ حُلُولُ (48)
ولقد كان مدار الدّاعي الثّاني على ما هو نفسي، إذ يسعى الخارجي إلى تحقيق ضرب من التّوازن النّفسي المفقود من خلال نقل همومه إلى الخالق من باب تعزية الذّات ما دام العالم الأرضي يفيض بألوان من تلك الآلام، ونستدلّ على ذلك بقول أحد الخوارج في بيت وحيد [الطّويل]
إِلَى اللهِ أَشْكُو كُرْبَةً أَنْ تُفَرَّجَا
وَهَمًّا وَ خَيْلاً لاَ أَرَى فِيهِ مَخْرَجَا(49)
لقد مكّن التّعبير المباشر من جعل المعنى مشتركا بين الشّعراء. فاللّفظ في موضعه من القطع المتفرّقة حقّق استجابة نوعيّة لما يعتمل في النّفس من مشاعر عديدة.
إنّ ذات الخارجي المتصدّعة ذات أرهقتها صروف الزّمان وويلات العباد، فشكت وجعا مراوحة بين التّلميح والتّصريح، وظلّت الشّكوى اللّفظة المحوريّة التي دارت حولها المعاني، وحقّقت بدلالتها تلك مقاصد الشعراء. وإنّ في تأذّي فئة الخوارج الشّاكية ما دفعها في أحيان عديدة إلى طلب أمنيات هي إلى الشّذوذ أقرب، لعلّ أشدها غرابة على الإطلاق أمنية الموت باعتباره أسّا من أسس العقيدة. أو لم يقل كعب بن عميرة [الطّويل]
وَ يَا رَبِّ هَبْ لِي ضَرْبَةً بِمُهَنَّدٍ
حُسَامٍ إِذَا لاَقَى الضَّرِيبَةَ يَهْبُرُ(50)
بعد التباس السّبل عليه وضجره من حياة البشر، فتمنّى اللّحاق بمن قتلوا في معركة النّهروان.
ب- التّذكّر
يوصل لفظ التّذكّر بحقل دلالي مجاله الوجدان. وتربطه باللّفظ السّابق وشائج متينة. وما يبرّر حضوره إحساس الشّعراء بالانقطاع عمّا يشّدهم إلى الحياة الأرضيّة إن جازت العبارة، وتوقهم إلى ملاقاة إخوانهم في الدّار الأخرى، لذلك تكثر في شعر الشّعراء الدّلالات المزدوجة لهذا اللفظ. فهو موصول بتذكّر الشّراة الرّحلين أوّلا، وهو قادح للحنين ثانيا تمنّيا الموت للّحاق بهم.
و ما يلاحظ أنّ توظيف اللّفظ جاء مُدرجا في عمومه داخل البيت الوحيد باستثناء إشارة ذات أربعة أبيات وردت في قول الأصمّ الضّبّي في هذا السّياق [الطّويل]
ذَكَرْتُ الشُّرَاةَ الصَّادِقِينَ بِقُومِسَ
وَذِكْرِي لَهُمْ مِمَّا يَهِيجُ شُؤُونِي(51)
و مثله قول زياد الأعسم [الطّويل]
تَذَكَّرْتُ إِخْوَانِي فَفَـاضَتْ لِذِكْرِهِمْ
دُمُوعِي وَ طَارَ القَلْبُ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَجْدَا
وَكَـمْ مِنْ خَلِيـلٍ قَدْ رُزِئْتُ إِخاَءَهُ كُهُـولاً وَ شُبَّـــــــابًا غَطَـــــــــــارِفَةً مُرْدَا
فَـقَدْتُهُمُ مِنْ بَعْـدِ إِلْفٍ وَ صُحْـبَةٍ
فَأَحْـدَثْتُ لَمَّـا فَـارَقُونِـي لَهُمْ فَقْـدَا (52)
لقد حقّق لفظ التّذكّر في المقطّعات بشعريّته وبشكله الوجيز تمام المعنى، لأنّ الأبيات فيما يبدو أكّدت وحدة موضوعها، فمتقبّلها يدرك مقاصد الشّعراء دون الحاجة إلى إطالة القول فيها. ولقد ربط شعراء الخوارج اللّفظ بمثيرات فهو المكان (قومس) تارة، وهم الأشخاص الشّراة تارة أخرى، لذلك تكثّف المعجم الدّال على الوجدان والحنين والشّجون والفَقْد.، مما صبغ مقطّعاتهم بإحساس هو إلى الغربة أقرب تجاوزت الجانب الّنفسي إلى غربة مكانيّة ضاق فيها المكان بالخوارج على رحابته. فتناسلت المعاني الموصولة بالإحساس بالغربة وتراوحت بين اليأس والثّورة.
ج- الخوف
هو أكثر المعاني الجزئية تردّدا في شعر الخوارج في المقطّعات أو الأراجيز. وتُظهر الكثرة مدى التّلازم بين لفظ الخوف والسّلطة الأمويّة، فتصنيف الخوارج ضمن حركات المعارضة للدّولة جعلهم محلّ تتبّع الولاة وقادة الجند. بل إنّ الأمر وصل حدّ المطاردة العسكريّة في الأمكنة التي تطولهم فيها يد السّلطة. فتعددّت الألفاظ الدّائرة على معجم الخوف ومنها الجزع (53) والإحساس بالظّلم(54).
والذي لا مراء فيه أنّ لفظ الخوف يكاد يخترق منجز الخوارج الشّعري تقريبا، وغدا من الألفاظ المحورية، وعلّة ذلك أنّ حياة الخارجي غدت منذ إعلانه الثّورة على الدّولة مسكونة بقلق دائم لسعي السّلطة الأمويّة القضاء على تلك الحركة. فكانت الإشارات الوجيزة إلى الخوف تضاهي إحساس الخارجي بالخوف ذاته. ونفهم ذلك من الأراجيز والأبيات أيضا. ومن الأمثلة ما ورد في الرّجز قول عبيدة بن هلال اليشكري
حَتَّى مَتَى يَقْتُلُنَا المُغِيرَهْ
ومُدْرِكٌ فِيكُمْ لَهُ غَفِيرَهْ
أَصْغَرُكُمْ وَحْدَكُمْ كَبِيرَهْ (55)
ونتمثّل على ما ورد في الأبيات بقول عمران بن حطّان [البسيط]
حَتَّى إِذَا خِفْتُهُ فَارَقْتُ مَنْزِلَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا قِيلَ عِمْرَانُ بْنِ حطّاَنِ(56)
وكذلك قول الشّاعر نفسه في تنقّله خائفا بين القبائل] الوافر[
نَزَلْنَـا فِي بَنِي سَعْدٍ بْنِ زَيْدٍ
وَفِي عَكٍّ وَعَامِرِ عَوْبَثَانِ
وَفِي لَخْمٍ وَ فِي أُدَدِ بْنِ عَمْروٍ
وَفِي بَكْرٍ وَ حَيِّ بَنِي الغُدَانِ (57)
إنّ استنطاق الأراجيز والأبيات المتضمّنة للفظ الخوف يكشف دورانها على ثنائيّة المكان والعباد معا ممثّلين في رجالات الدّولة الأمويّة، فقلق الخارجي نفسيّا كان وليد ضيق المكان المحاصر له في حريّته بسبب مطاردته من قبل قادة الجند. ولقد أتى الشّعراء ذكرا لمن عُرف بتشدّده في ملاحقتهم فأفاضوا الحديث عن الحجّاج والمهلّب والمُغيرة. وغذّى المكان ومن فيه إحساس الخوارج بالانفصال عن المجتمع، فتنامى الشّعور بغربة وجوديّة مادام الخارجي بات مهدّدا في حياته. أو لم يقل مالك المزموم نتفة وجيزة في شكلها بليغة في محتواها عرّت واقعه النّفسي وهو مُتوار عن الحجّاج [الطّويل]
أَلَمْ يَأْنِ لِي يَا قَلْبُ أَنْ أَتْرُكَ الصِّبَا
وَأَنْ أَزْجُرَ النَّفْسَ اللَّجُوجَ عَن الهَوَى
وَلَوْ قُسِمَ الذَّنْبُ الذِي قَدْ أَصَبْـتُهُ
عَلَى النَّاسِ خَافَ النَّـاسُ كُلُّهُمُ الرَّدَى (58)
فحين تشدّد الدّولة ضغوطها على الخوارج مطاردة تتنامى مشاعر الخوف من التّنكيل والقتل، لذلك كان انتشار الخوف وتردّد ألفاظه في الشّعر وليد سياسة الدّولة، وهذا التلازم جليّ في المنجز الشّعري، فكانت العبارة رغم ما تتّسم به من إيجاز صريحة في إبانة ما يعتمل في الذّات من مشاعر قلق وخوف فكأنّ الوجيز كان استجابة آنية لحدث الخوف وكشفا عمّا يعتمل في الذات من مشاعر وأثرا من آثار التّنقّل بين الأماكن تخفّيا عن السّلطة.
د- الوعيد
لم ترد لفظة الوعيد على التّصريح في شعر الخوارج، غير أنّ إنعام النظر في الوجيز من المقطّعات والأراجيز يوحي بمركزيّة معنى الوعيد في شعرهم. فكأن الوعيد كان نتيجة حتميّة للمواجهات المسلّحة بين الخوارج والدّولة الأمويّة في وقائع عديدة. لأنّ نذر النّفس إلى الله أو بيع الدّنيا بالآخرة يعدّ من أسس عقيدة الخارجي، لذلك يكاد المعجم الدّال على الوعيد يختصّ بالإحالة على القتال والحروب بين الطّرفين. فتارة يوظّف لفظ القتل الدال دلالة صريحة كما في رجز شريح بن أوفى العبسي
أَقْتُلُهُمْ وَ لاَ أَرَى عَلِيَّـا
وَلَوْ بَدَا أَوْجَرْتُهُ الخُطِّيَا (59)
وتارة أخرى يذكر ما يشير إلى الحرب بتوظيف أدواتها كالسّيف في رجز الشّاعر نفسه
أَضْرِبُهُمْ وَ لَوْ أَرَى أَبَا حَسَنْ
ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ حَتَّـى يَطْمَئِنْ (60)
وطورا بالوعيد حربا شديدة في قول حارثة بن صخر القيني [الطّويل]
سَتَلْقَحُ حَرْبًا يَا ابْنَ حَرْبٍ شَدِيدَةً
وتُنْتِجُهَا يُتْنًا بِسُمْرٍ ذَوَابِلِ(61)
إنّ الإشارات الوجيزة لمعنى الوعيد كانت نتيجة حتميّة للصّراع بين الخوارج والدّولة الأمويّة، ويدخل سياق الحرب ضمن إستراتجيّة ترهيب العدوّ، لذلك عدّ إحسان عبّاس شعر الخوارج ثوريّا جامحا (62) أظهر شدّة التّلازم بين المذهب والحياة العمليّة، فكان الوعيد السّمة الثّانية المكوّنة لشخصيّة الخارجي. وإذا ما كان الخارجي في صورته الأولى خائفا شاكيا جزِعا، فإنّه ليس على تلك الهيئة يكون في صورته الثّانية، فهو محارب مستميت عن المذهب، مضحّ بنفسه من أجل العقيدة، وإنّ ما تمثّلنا به من شعر يدعم الرّأي القائل بأنّ شعر الخوارج يشترك في وحدات ثلاث هي: وحدة الغايات ووحدة الخصائص ووحدة التّيّارات النّفسيّة (63). ولقد شكّلت هذه الوحدات صورة لنموذج خارجي أوفى تصحّ أنّ تتلبّس في كلّ خارجي لتكرارها لديهم من جهة وتشابههم هاجسا وفكرا من جهة ثانية.
فالعبارة الشّعريّة الوجيزة نهضت بوظيفة كشف عالم الخارجي النّفسي والمادي، فلا تثريب على الشّعراء إذن من توسّل اللّفظ نفسه والعبارة نفسها في الأبيات والأراجيز مادامت وحدة الغايات الرّابط الذي يشدّ بعضهم إلى بعض، فلحظة تقبّل شعر شاعر من الخوارج تستوقفنا صور مألوفة ومعنى متكرّر يجعل الحدث كأنّه ذاته يدور بين الخوارج أنفسهم وهو ما عبّرنا عنه بالقول بأنّ المقام مؤثّر في الوجيز من الأشكال في شعر الخوارج. فلمّا كان الخارجي في صراع دائم دفاعا عن العقيدة، لم يكن في صورة تسمح له بتجويد العبارة وإحكام سبكها، وإن كنّا قد نظرنا في شعريّة بعض الألفاظ أو العبارات، فإنّ ذلك لا ينقي تواتر ألفاظ أخرى في الوجيز من الأشكال من قبيل العدوّ(64) أو الهجر(65) وغيرهما من الألفاظ المفاتيح.
شعر الخوارج وتعدّد المعنى
لمّا كان شعر الخوارج شكلا وجيزا فيما تبيّنّا من ملامح تدرّجا من القراءة البصريّة غوصا في البنى العميقة فيما يتعلّق بالرّجز بحرا متواتر الاستعمال إلى اكتناه شعريّة الألفاظ المؤسسّة لكون الشّعراء الخوارج نظرا لما شُحنت به من طاقات تعبيريّة جعلت المعنى متكثّفا ضاربين بذلك صفحا عن مقولة عجز الشّكل الوجيز عن تأدية مقاصد صاحبها، فإذا البيت أو المقطوعة يختزلان معاني قد تستغرق في غير تلك الحال قصائد طوالا، فتوتّر حياة الخارجي دفعت به إلى ارتياد مسالك في القول يستجيب فيها المقال لمقامه ولقد انتهينا إلى إثبات أنّ المقام مشكّل للخطاب الشّعري لدى الخوارج إذ تمكن دراسة ما قيل من شعر وجيز الوقوف عند الحياة الاجتماعيّة لهؤلاء الشّعراء بكلّ ملابساتها. ولمّا كان ذلك كذلك فيما يتعلّق بالقسم الأوّل من البحث، فإنّ استنطاق المنجز الشّعري لدى الخوارج لاستبيان المقاصد الكبرى لديهم ينتهي بنا إلى إقرار أنّ الخطاب ههنا يُمَفْهم موضوعه بعبارة باختين(66) لأنّ المواضيع خضعت لخطط الشّعراء المشبعة بالايدولوجيا، وليست المعاني المتعددة إلاّ إفرازا من إفرازات تلك الايدولوجيا.
ولقد بدا أنّ المعنى في شعر الخوارج معنيان: نطلق على المعنى الأوّل صفة المعنى القريب وهو ما كان يدور في فلك الذّات. ونفصل أهمّ معانيها حسب حالة الشّاعر إلى الثالوث التالي:
– الذّات المنتشية، وندرسها في سياق الفخر.
– الذّات المتفجّعة، وندرسها في سياق الرّثاء.
– الذّات المحبطة، وندرسها في سياق الهجاء.
بينما نطلق على المعنى الثّاني صفة المعنى البعيد، ونقصد به موقف الذّات من بعض عيوب المجتمع، وهي تدور على محورين اثنين هما :
– نقد العيوب السّياسيّة.
– نقد العيوب الاجتماعيّة.
1- المعنى القريب
أ- الذّات المنتشية
لم يكن إحساس الشّاعر الخارجي على الدّوام مرهفا تعلوه مشاعر الانكسار والقلق، وإنّما تحضر في الأشكال الوجيزة لحظات المسرّة والانتشاء ويظهر خاصّة في سياق الفخر، وقد بدا الفخر متردّدا بين ما هو ذاتي وآخر جماعي. وإنّ التّقسيم الذي نجريه شكليّ لا غير لأنّ الفخر في الهيئتين يتنازعه معنيان اثنان: هما الفخر بالمقدرة الحربيّة سواء لدى الفرد أو الجماعة، والفخر بتحدّي الموت ومناجزته والإصرار على طلبه ليس عن خوف، وإنّما فوزا بالشّهادة والحياة الخالدة.
يرتجز عبيدة بن هلال اليشكري مفتخرا بالمقدرة الحربيّة وإظهار القوّة في تحدّي الأعداء قائلا
إِنِّي لَمُذْكٍ لِلشُّرَاةِ نَــارَهَــا
وَ مَـانِـعٌ مِمَّنْ أَتَاهَا دَارَهَــا
وَ غَـاسِلٌ بِالطَّعْنِ عَنْهَا عَارَهَـا
حَتَّـى أُقِرَّ بِالقَنَــا قَرَارَهَــا(67)
و يحضر النّفس الحماسي الحربي في الفخر الجماعي في قول الأصمّ الضّبّي[الطّويل]
وَ إِنَّـا لَخَوَّاضُـونَ لِلْمَوْتِ غَمْـَرةً
عَلَى كُلِّ مَوَّارٍ رِقـَاقٍ مَلاَطِمُـهْ
وَ إِنَّـا لَـتُرْدِي بِالأَكُفِّ رِمَـاحُنَـا
وَ يُبْنَى بِهَا مِنْ كُلِّ مَجْدٍ مَكَارِمُهْ
إِذَا ذُعِرَتْ ذَاتُ الرِّمَاحِ جَرَتْ لَنَـا أَيَامِنُ بِالطَّيْرِ الكَثِيـرِ غَنَـائِمُهْ (68)
وكثيرا ما تغنّى الخارجي في فخره الذّاتي بإظهار حبّ جارف للعقيدة ونذر للنّفس دفاعا عنها. ويرسم لنفسه صورة لزاهد في الدّين همّه الأساسي الجهاد في سبيله، فلا يتحدّث إلاّ عن حاجته من دنياه لتحقيق غايته، فيذكر آلالته الحربيّة من سيف وقناة وفرس تلبية لنداء العصبة. وتعدّ هذه الرّغبة من الرّغبات المشتركة بين الشّعراء، وعلى هذا الأساس، فإنّ قول عمرو القنا بن عميرة [الطّويل]
فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا دِلاَصٌ حَصِينَةٌ
وَ أَجْرَدُ خَوَّارُ العِنَانِ نَجِيبُ
أُجَاهِدُ أَعْدَائِي إِذَا مَا تَتَابَعُــوا
وَ أُدْعَى بِاسْمِي لِلْهُدَى فَأُجِيبُ(69)
شبيه بقول عطية بن سمرة اللّيثي لفظا ومعنى [الطّويل]
وَ حَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا دِلاَصٌ حَصِينَةٌ
وَ مِغْفَرُهَا يَوْمًا وَ صَدْرُ قَنَاةِ
وَ أَجْرَدُ مَحْبُـوكُ السَّرَاةِ مُقَلِّـصٌ
شَدِيدٌ أَعَالِيهِ وَ عَشْـرُ شُـرَاةِ(70)
إنّ من خاصيّة ترديد الخارجي لمعاني الحماسة للعقيدة في شعره سعيه إلى إماتة الخوف السّاكن وجدانه من قادة الدّولة وخاصة ما يسميّه إحسان عباس «بعقدة المهلّب»(71). فالهزائم المتكرّرة والإخفاقات المتعدّدة تركت رواسب في لا وعي الشّعراء قد يعسر محوها بسهولة، لذلك كانت السّبيل الوحيدة للانصراف عن ذلك الإحساس خلق بديل نفسيّ يكون استحضاره غاية الغايات التي تلتقي عندها أحلام الشّراة والمتمثّلة خاصّة في طلب الشّهادة في سبيل الله أو ما ينعتونها هم أنفسهم بطلب الموت. فيتلاشى بهذا الإجراء الشّعور بالخوف لدى الخارجي مادام الموت يمثّل الدّين الحقيقي لديهم، لذلك نفهم حرصهم الشديد على الاحتفاء بأنفسهم تصويرا سواء استعدادا للحرب أو أثناءها، فيطول الحديث عن الشّراة كقول حبيب بن خدرة
[الكامل]
وَ هُمْ الأُسُـودُ لَـدَى العَرِينِ بَسَـالَةً
ومِنَ الخُشُوعِ كَأنََّهُمْ أَحْبَارُ
يَمْضُونَ قَدْ كَسَرُوا الجُفُونَ إِلَى الوَغَى مُبْتَسِمِينَ وَ فِيهُمُ اسْتِبْشـَارُ
يَرِدُونَ حَوْمَـات ِالحِمَـامِ وَ إنَّهَــا
تَاللهِ عِنْدَ نُفُوسِهِمْ لَصِغَـارُ(72)
ب- الذّات المتفجّعة
يكاد الرّثاء يعدل الفخر كمّا. ويلاحظ الباحث أنّ الرّثاء بدا متضائلا في الفترة الأولى أيّام عليّ، ثمّ ما انفكّ يتكاثر في الفترات اللاّحقة. ولعلّ الأمر يعلّل بكون الحركة كانت في بدايتها ميّالة إلى المهادنة، ثم أضحت أكثر ثوريّة، وترجمت ذلك في حروبها مع الدّولة الأمويّة وما صاحب ذلك من كثرة قتلاها.
وقد يعلل اعتناء الشّعراء بالرّثاء بدوران معانيه على الشّراة ورموزهم.
و لقد درج الخوارج في مراثيهم على رثاء الأفراد تارة ورثاء المجوعة تارة أخرى. فكانت المعاني الجامعة في المرثيّات أقرب إلى المدح مادام الرّثاء تعدادا لمناقب الموتى في الحروب.
و من الشّراة الرّموز الذين تواتر ذكرهم في شعر الخوارج أبو بلال مرداس بن أديّة، إذ رثته امرأة من بني سليط قائلة [الطّويل]
سَقَى اللهُ مِرْدَسًا وَ أَصْحَابَهُ الأُلَى
شَرَوْا مَعَهُ غَيْثًا كَثِيرَ الزَّمَاجِرِ(73)
و مثله قول عبيدة بن هلال اليشكري في رثاء حصن بن مالك [الطّويل]
قُلْ لِلْحُصَيْنِ لَقَدْ أَصَبْتَ سَعَادَةً
وَ مَا كُنْتَ فِيمَا رُمْتَهُ بِمَعِيبِ(74)
وتتعدّد مراثي المجموعة من ذلك قول فروة بن نوفل الأشجعي في رثاء قومه [الطّويل]
هُمْ نَصَبُوا الأَجْسَادَ لِلنَّبْلِ وَ القَنَا
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا اليَوْمَ إِلاَّ رَمِيمُهَا (75)
و قول امرأة من الخوارج من بني شيبان [البسيط]
ظَعَنَ الأَبْرَارُ فَارْتَحَلُوا
خَيْرُهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ ظَعَنُوا
مَعْشَرٌ قَضَوْا نُحُـوبَهُمُ
كُلُّ مَـا قَدْ قَدَّمُـوا حَسَنُ
صَبَرُوا عِنْدَ السُّيُوفِ فَلَمْ
يَنْكُلُـوا عَنْهَا وَ لاَ جَبُنُوا(76)
و لقد اتّخذ الخوارج من رموزهم القتلى مناسبة لطلب الموت، فغدا هذا المطلب لازما من لوازم عديد المراثي التي به تختم كقول الضّحاك بن قيس الشّيباني في رثاء سعيد بن بهدل [الطّويل]
سَقَى اللهُ يَا خَوْصَاءُ قَبْرًا وَحَشْوَهُ
إِذَا رَحَـلَ الشَّـارُونَ لَمْ يَتَـرَحَّلِ
فَيَا مُلْحِقَ الأَرْوَاحِ هَلْ أَنْتَ مُلْحِقِي
بِمَوْتَى مَضَى فِيهُمْ سَعِيدُ بْنُ بَهْدَل(77)
ونقف على الطّلب نفسه في مرثيّة عمران بن حطّان لأبي بلال مرداس [البسيط]
يَا عَيْنُ بَكِّي لِمِرْدَاسٍ وَ مَصْرَعِه
ِ يَا رَبَّ مِرْدَاسٍ أَلْحِقْنِي بِمِرْدَاسِ (78)
أو لم ننعت سابقا رغبات الخوارج بالشّذوذ؟. وأيّ شذوذ أقرب إلى تمنّي الإنسان الموت في الحياة؟.
إنّ هذه الرّغبة تصبح من الرّغبات المألوفة إذا ما نزّلت في صميم العقيدة الخارجيّة القائمة على نذر النّفس إلى الله، أو بيع الدّنيا بالآخرة. فلا مراء إذن من اتّخاذهم ذكرى موتاهم مناسبة تمتّن صلتهم بالله من خلال تأجيج النَّفَس الدّيني دواخلهم، فيصبح تمنّي الموت من الأمور المرغوبة المطلوبة لديهم.
إنّ الذّات المتفجّعة في الأمثلة المذكورة تحتفي بذاتها، فحوّلت مشاعر الحزن على الشّراة الموتى إلى لحظة هي إلى الاحتفاليّة أقرب ما دام الشّراة ارتضوا طلب الموت فوزا بالجنان في إطار ملؤه الإصرار على المضيّ في إرادتهم تلك.
ج- الذّات المحبطة
يعدّ الهجاء أقلّ الأغراض حضورا في شعر الخوارج إلى جانب المدح، وقد يعلّل ذلك بانصراف الخوارج عمّا من شأنه أن يبعدهم عن روح العقيدة والمبادئ التي لأجلها نذروا أنفسهم. فالهجاء مناف للأخلاق التي حاربوها، والمدح لم يكن شاغلا من شواغلهم ماداموا زاهدين في دنياهم، معرضين عن المادّة الآسرة لحياتهم. وعلى هذا الأساس كان الهجاء من النّدرة بمكان، غير أنّ النظر في المهجيات يمكّن الباحث من إثبات أمر متعلّق بالوظيفة المناطة بهذا الغرض. فلقد اتّخذه الشّعراء وسيلة للدّفاع عن النّفس المحبطة إمّا خوفا من عدوّ متربّص كقول منير بن صخر بن يعمر الرّاسبي هاجيا أخواله لرفضهم إجارته من عبدالله بن زياد [الطّويل]
وَجَدْتُ بَنِي قَيْسٍ لِئَامًا أَذِلَّةً كَثِيرًا خَنَاهُمْ ضُحْكَةً فِي المَحَافِلِ
وَجَدْتُهُمْ لَمَّـا أَتَيْتُ بِلاَدَهُمْ
ضِعَــافًـا قُواهُمْ نُهْزَةً لِلْقَبَـائِلِ(79)
فقد عمد الشّاعر إلى إخراج مهجوّه في صورة سلبيّة نزعت إلى إثبات السّيئ من الصّفات. فهم لئام، كثيرو الفحش، مجلبة للهزل، ضعاف، عاجزون عن الذّود عن حمى القبيلة.
و تمتدّ جرأة الخارجي في مهجياته لتطول رموز الدّولة أمثال الحجّاج بن يوسف الثّقفي. ولقد حرص عمران بن حطّان على إخراج المهجوّ في صورة هزليّة سلب فيها من صفاته الحقيقيّة التي عرف بها في قوله [الكامل]
أَسَدٌ عَلَيَّ وَ فِـي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ رَبْذَاءُ يَجْفُلُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ
هَلاَّ بَرَزْتَ إِلَى غَزَالَةٍ فِي الوَغَى
بَلْ كَانَ قَلْبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَـائِر(80)
إنّ خاصية المهجيّات التي رأينا دوران معانيها على ثنائيّة الإقذاع والسّخرية، إذ سعت الذّات المحبطة إلى ضرب من التّعويض النّفسي، فتوخّت أسلوب مهاجمة الخصوم دفعا للخوف السّاكن ذاتها، كما يمكن عدّ الهجاء وسيلة من جنس الوسائل المعتمدة في الحروب يعتمدها الضّعاف لعلّ فاعليّتها تضاهي الحروب الحقيقيّة مادام للشّعر سلطة تأثير قويّة في متقبّله.
ب- المعنى البعيد
نقد العيوب السّياسيّة
لم يكن شعر الخوارج وقفا على الذّات في صراعها اليومي مع السّلطة القائمة، بل اضطلع هذا الشّعر بنقد الحياة بشكل عام وذلك بمهاجمة ما ظهر من عيوب في المجتمع الأموي. وكانت السّياسة على رأس تلك العيوب، فتناسلت القضايا الدّائرة في فلكها من قبيل غياب العدل وانتشار الجور كقول عمران بن حطّان [البسيط]
حَتَّى مَتَى لاَ نَرَى عَدْلاً نَعِيشُ بِهِ
وَلاَ نَرَى لِدُعَاةِ الحَقِّ أَعْوَانَا(81)
و مثله قول أبي بلال مرداس[الطّويل]
وَ قَدْ أَظْهَرَ الجَوْرَ الوُلاَةُ وَ أَجْمَعُوا عَلَى ظُلْمِ أَهْلِ الحَقِّ بِالغَدْرِ وَ الكُفْرِ (82)
و كذلك قول أبي الوازع الرّاسبي [الطّويل]
سَأَشْتَرِي وَ لاَ أَبْغِي سِوَى الله صَاحِبَا
وَأَبْيَضَ كَالمِخْرَاقِ عَضْبِ المَضَارِبِ
فَقَدْ ظَهَرَ الجَوْرُ المُبِيـرُ وَ أَجْـَمعَتْ
عَلَـى ذَاكَ أَقْوَامٌ كَثِيِـرُو التَّكـَاذُبِ(83)
نقد العيوب الاجتماعيّة
كان شعر الخوارج عنيفا في محاربة العيوب الاجتماعيّة، فنقد سقيم الأخلاق من نفاق وتملّق وميل بعضهم – وخاصة شعراء المدح – إلى الكذب كقول عمران بن حطّان[الخفيف]
أَيُّهَا المَادِحُ العِبَادَ لِيُعْطَى
ِإنَّ للهِ مَا بِأَيْدِي العِبَادِ(84)
و حارب الخوارج حاشدي المال وتفشّي ظاهرة الجشع بين الناس. يقول الطّرماح في هذا الشّأن
[الخفيف]
عَجَبًا مَا عَجِبْتُ لِلْجَامِعِ المَالَ
يُبَـاهِي بِهِ وَ يَرِتَـفِـدُهْ(85)
و من جماع هذه المواقف من عيوب المجتمع تتشكّل للباحث صورة عن الخارجي لم تكن على المذهب مكتفية بل جعلت من المجتمع بمختلف تناقضاته هدفا لها. فتفرّعت شواغل الخوارج وجمعت السّياسي إلى الاجتماعي إلى الأخلاقي إلى المالي، وتلك سمة التّفرّد في شعر الخوارج، إذ استطاع أن يكون عينا راصدة للمجتمع، فنقد حدّ التّجريح، وذبّ عن المذهب باستماتة قلّ ما توجد لدى المذاهب الأخرى في تلك الحقبة.
الخاتمة
هكذا تراءى لنا شعراء الخوارج شكلا وجيزا متعدّد المعنى، بدا متضائلا في كلّ جوانبه الشّكليّة والمضمونيّة، ولكنّه ما فتئ أن أصبح متكثّرا في أبياته ومقطّعاته وأراجيزه، غير أنّ التّطوّر الكمّي لم يكن دافعا لهؤلاء إلى الاهتمام أكثر بشعرهم تجويد عبارة وسبْك شكل، لأنّ الواقع لم يهيّئ لهم تلك الفرص. فأغلب حياة الخوارج هجرة ونزوح ومطاردة ممّا انعكس في شعرهم بناء ودلالة، فكان الإيجاز الشّكل الأنسب لتلك الحياة، فجاءت العبارة عفوا في مجملها عكست صدق المشاعر. إلاّ أنّ الغوص في ثنايا ذلك الشّعر السّياسي يمكّن الباحث من الوقوف على معان ثرّى تعدّدت تعدّد الشّواغل التي ندب الخوارج حياتهم لأجلها، فكانت العقيدة هي اللّبنة الأولى المنتجة لذلك الشعر وما انفكّت القضايا الأخرى السّياسيّة والاجتماعية والماليّة تذكي جذوة هذا الشّعر فترة بعد أخرى حتّى استوى على هيئته الأخيرة شكلا وجيزا ولكنّه متعدّد المعنى.
قائمة المصادر والمراجع
* المصدر
– ديوان شعر الخوارج، جمع وتحقيق إحسان عباس، ط 4، دار الشرق، 1982.
* المراجع بالعربيّة
– ابن المدبر، الرّسالة العذراء، تحقيق زكي مبارك، ط 2، القاهرة ( د ت ).
– أبو الحسن حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، ط 3، دار الغرب الإسلامي، 1986.
– أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون،طبعة بيروت، دار الجيل،( د ت ).
– رسائل الجاحظ، شرح وتحقيق، عبد السلام محمد هارون، المجلة 2، دار الجيل بيروت(دت).
– أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، تقديم وشرح صلاح الدين الهوّاري وهدى عودة، ط1، دار ومكتبة الهلال، 1996.
– أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر، تحقيق وضبط، مفيد قميحة، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.
– عبد الله البهلول، الوصايا الأدبيّة في القرن الرّابع هجريا، مقاربة أسلوبية حجاجيّة، ط 1، مؤسّسة الانتشار العربي، دار محمد علي الحامي، 2011.
– علي يونس، نظرة جديدة في موسيقى الشّعر العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
– ميخائيل باختين، الخطاب الرّوائي، ترجمة محمد برّادة، ط 1، دار الفكر للدّراسات، القاهرة، 1987.
* المراجع بالفرنسيّة
– Benveniste ( E) , Problèmes de linguistiques générales ,Ed, Cérès 1995.
– Montandon Alain , Les formes brèves collection contours littéraires, Ed Hachette, Paris 1992.
– – Mounin George, Clefs pour la linguistique, Ed, Seghers, Paris 1971. – Orchioni Katherine Kerbrat , L implicite, éditeur , Armand colin , Paris1986.
– Roukhmovsky (B) , Lire les formes brèves, Ed Nathan 2001.
1 انظر، جميل بن علي، الأجناس الوجيزة في النّثر العربي القديم، منشورات كلية الآداب سوسة، 2013.
2 نضيف إلى أطروحة جميل بن علي مقالا لأحمد الحذيري وعنوانه، التّمييز بين المثل والحكمة، حوليّات الجامعة التونسيّة، العدد 31، سنة 1990.
3 تعدّدت التّسميات التي أطلقها النّقاد العرب خاصّة على الوجيز. ومن المصطلحات نذكر: القصير والمختزل والاختصار والحذف..
4 انظر، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، تقديم وشرح صلاح الدين الهوّاري وهدى عودة، ط1، دار ومكتبة الهلال، 1996، ص 397. والضّرب الثاني يسمّونه الاكتفاء وهو داخل في باب المجاز.
5 ابن المدبر، الرّسالة العذراء، تحقيق زكي مبارك، ط 2، القاهرة (د ت ) ص 84.
6 انظر جميل بن علي، الأجناس الوجيزة في النّثر العربي القديم، ص 87.
7 العمدة، ص 23.
8 أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، رسائل الجاحظ، شرح وتحقيق، عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، (د ت)، المجلّد 2، ص 151.
9 م ن، مجلد 2، ص 152.
10 أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر، تحقيق وضبط، مفيد قميحة، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989 ص 193.
11 George Mounin, Clefs pour la linguistique, Ed, Seghers, Paris 1971, p 39.
12 كتاب الصناعتين، ص 193.
13 انظر، م ن، ص 195.
14 رسائل الجاحظ، مجلد 2، ص 1991.
15 Montandon Alain ,Les formes brèves, collection contours littéraires, Ed Hachette, Paris 1992, p 13
16 انظر، أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، ص 195.
17 رسائل الجاحظ، المجلد 2، ص 152.
18 Montandon Alain, les formes brèves p 193.
19 راجع Benveniste ( E) , Problèmes de linguistiques générales ,Ed, Cérès 1995, T2, p 21
20 أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتّبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طبعة بيروت، دار الجيل، (د ت)،ج 7، ص 143.
21 العمدة، ج 1،ص 186.
22 كتاب الصناعتين، ص 193.
23 م ن، ص 194.
24 راجع Roukhmovsky (B) , lire les formes brèves, Ed Nathan 2001, p 4
25 نقصد بالقصر شكلا ما تعلق بشعر الخوارج الوارد أبيات مفردة ومقطعات وأراجيز وهو ما سنعمل على تفصيله لاحقا.
26 نقصد بالشكل الجانب الكمي للشعر إذ لاحظنا هيمنة المقطّعات والأبيات المفردة على هذا اللون من الشعر.
27 العمدة، ص 164.
28 نشير إلى أنّنا سنعتمد رأي ابن رشيق في حدّه القصيدة، فتكون سبعة أبيات الحدّ الأدنى المكوّن لها.
29 نكتفي فيما يتعلق بالأراجيز بإيراد العدد دون التّعليق على ذلك لأنّنا سنخصّص لها قسما مستقلا من العمل.
30 كانت بعض الأبيات واضحة المعاني ممّا يؤكّد استقلاليتها.
31 انظر نقلا عن مصنّف جميل بن علي، الأجناس الوجيزة في النّثر العربي القديمOrochioni Katherine Kerbrat ,L implicite, Armand colin , editeur, Paris1986, p 9.
32 لم نعتمد الأراجيز الواردة في ملحق الديوان والبالغة ثلاث أراجيز واكتفينا بالرّجز الوارد في المتن في المراحل الأربعة.
33 انظر، أبو الحسن حازم القرطاجنّي، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، ط 3، دار الغرب الإسلامي، 1986، ص 266.
34 انظر، ديوان شعر الخوارج، جمع وتحقيق إحسان عباس، ط 4، دار الشرق، 1982، ص 43.
35 انظر، م ن، ص 149.
36 انظر، علي يونس، نظرة جديدة في موسيقى الشّعر العربي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1993، ص 112.
37 انظر، مرثية محارب بن دثار في مطر بن عمران بن شور، ديوان شعر الخوارج، ص 209.
38 انظر، رجز صالح بن مخراق العيدي في حروبه مع المهلّب، ديوان شعر الخوارج، ص 138.
39 انظر مهجية عبيدة بن هلال اليشكري، م ن، ص 110.
40 انظر شكوى عبيدة بن هلال اليشكري، م ن، ص 110.
41 انظر، ديوان شعر الخوارج، الأرجوزة ص 101.
42 انظر ميخائيل باختين، الخطاب الرّوائي، ترجمة محمد برّادة، ط 1، دار الفكر للدّراسات، القاهرة، 1987، ص 63.
43 انظر، ديوان شعر الخوارج، ب 1-2، ص 76.
44 انظر، م ن، ب 6، ص 230. وانظر المصدر نفسه، ب 1-2، ص 62 قول أحد الخوارج في المعنى نفسه]الكامل[ مَازَالَ بِي صَرْفُ الزَّمَانِ وَرَيْبِهُ حَتَّى رَفَضْتُ مَجْلِسَ الفِتْيَانِ
وَ أَلِفْــــتُ أَقْوَامًـــا لِــغَيْــرِ مَوَدَّةٍ وَ هَجَرْتُ غَيْرَ مُفَارِقٍ إِخْوَانِي
45 انظر، مقدّمة محقّق الديوان، ص 19.
46 انظر، عبد الله البهلول، الوصايا الأدبيّة في القرن الرّابع هجريّا، مقاربة أسلوبيّة حجاجيّة، ط 1، مؤسّسة الانتشار العربي، دار محمد علي الحامّي، 2011، ص 357.
47 انظر، ديوان شعر الخوارج، ب 1، ص 46.
48 انظر، م ن، ب 2، ص 113.
49 انظر، م ن، ص 151.
50 انظر، م ن، ب 3، ص 74. وهي قطعة تتكّون من 5 أبيات ومعنى طلب الموت متواتر في شعر الخوارج.
51 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 140.
52 انظر، م ن، ب 1-2-3، ص 208. وانظر المعنى نفسه قول الأصمّ الضّبّي، ب 1-2، ص 140. وقول عمران بن حطّان في بيت وحيد ص 163.
53 انظر، قول أبي بلال مرادس بن أديّة، ديوان شعر الخوارج، ص 65]الطّويل[
فَقَدْ ضَيَّقُوا الدّنْيَا عَلَيْنَا بِرُحْبِهَا وَ قَدْ تَرَكُونَا لاَ نَقَرُّ مِنَ الذُّعْرِ
54 انظر، م ن، ص 65 قول أبي بلال مرادس كذلك]الطّويل[
وَ قدْ أَظْهَرَ الجَوْرَ الوُلاَةُ وَ أَجْمَعُوا عَلَى ظُلْمِ أَهْلِ الحَقِّ بِالغَدْرِ وَ الكُفِرِ
55 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 110. وانظر أرجوزة الشاعر نفسه ص 110.
56 انظر، م ن، ب 2، ص 179.
57 انظر، م ن، ص 183. والقطعة شكوى في بيتين.
58 انظر، م ن، ب 1-3، ص 192.
59 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 49.
60 انظر، م ن، ص 49. وانظر رجز أحد الخوارج يوم النهروان
أَضْرِبُهُمْ وَ لاَ أَرَى عَلِيَّا
وَ لَمْ أَكُنْ عَنْ قَتْلِهِمْ وَنِيَّا
أَكْسُوهُمْ أَبْيَضَ مَشْرِفِيَّا
61 انظر، م ن، ص 61. والقطعة تتكوّن من بيتين.
62 انظر، مقدّمة المحقّق، ديوان شعر الخوارج، ص 19.
63 انظر، مقدمة المحقق، ديوان شعر الخوارج، ص 21-22.
64 وتدخل هذه اللفظة ضمن الصّفات السلبيّة الدّالة على مشاعر التّوتّر بين الخارجي ومن يعتبرون أعداء من الدّولة الأمويّة ويرد اللّفظ لتأكيد فكرة الصّراع بين الطّرفين. انظر قول قطري بن فجاءة، ديوان شعر الخوارج، ص 133[الطّويل]
فَقِدَمًا رَأَى مِنّا المُهَلَّبُ فُرْصَةً فَهَا تِلْكَ أعَْدَائِي طََوِيلٌ سُرُورُهَا
65 ويرد هذا اللّفظ في سياق حديث الخارجي عن غربته النّفسية خاصة. انظر قول الضّحّاك بن قيس، ديوان شعر الخوارج، ص 240]البسيط[
بُدِّلتُ بَعْدَ أَبِي بِشْرٍ وَ صُحْبَتِهِ قَوْمًا عَليَّ مَعَ الأَحْزَابِ أَعْوَانَا
كَأنّهُمْ لمْ يَكُونُوا مِنْ صَحَابَتِنَا وَ لَمْ يَكُونُوا لَنَا بِالأَمْسِ خِلاّنَا.
66 انظر، ميخائيل باختين، الخطاب الرّوائي، ص 54.
67 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 111. والرّجز يتكوّن من أربعة أسطر.
68 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 140.
69 انظر، م ن، ص 102.
70 انظر، م ن، ص 79.
71 انظر، مقدّمة المحقّق، ديوان شعر الخوارج، ص 26.
72 انظر، م ن، ص 257.
73 انظر، ديوان شعر الخوارج، ص 67. والمرثية تتكّون من بيتين.
74 انظر، م ن، ص 109. وهي قطعة من أربعة أبيات تتكوّن.
75 انظر، م ن، ص 57.
76 انظر، م ن، ب 2-3-4، ص 237.
77 انظر، م ن، ص 234.و المرثية تتكوّن من بيتين.
78 انظر، م ن، ب 2، ص 158.
79 انظر، ديوان شعر الخوارج، ب 1-2، ص 78. والمهجية قطعة من 5 أبيات.
80 انظر، ديوان شعر الخوارج، ب 1 -2، ص 184. وهي قطعة تتكوّن من أربعة أبيات. وانظر في معنى إخراج المهجوّ في صورة سافرة الديوان، ص 115 في هجاء ابن جندب.
81 انظر، م ن، ب 1، ص 164.
82 انظر، م ن، ب 3، ص 56.
83 انظر، م ن، ب 1-2، ص 82.
84 انظر، م ن، ب 1، ص 176.
85 انظر، م ن، ب 10، ص 261.
رضى عبدالله عليبي