أحمد الفيتوري
انتفض كمحامٍ لينبهني أنه ليس ناقدا، لكنه كقاص تنبه حين قرأ قصة تشيكوف «الحوذي»، أن السارد نسج سرده حول الحوذي، ليس جسدا فحسب ولكن أيضا الروح، فالقصة تشكيل يبين أن الحوذي تجسيد لمهنته، عندي أن تشيكوف، الطبيب الذي قام بتشريح الحوذي جسدا ونفسا. ومن هذا الاعتبار فإني فيما كتبت، كنت أستعيد التمثال المنسي في الطين، هكذا كنت كثيرا ما أضبط نفسي كمحامٍ حين أكتب قصصي، مهنتي زوادة روح القاص فيّ.
كان هذا تعليقا على مشاركة لي، في مطلع السبعينيات، في ندوة حول قصص الكاتب كامل المقهور، الذي -بالمناسبة- كان أيضا محاميا ليبيا مشهورا.
وبعدها بزمن قرأتُ رواية أمبرتو إيكو الأولى (اسم الوردة)، ثم كتابه (التأويل والتأويل المتطرف)، ما منه تبقت في النفس شذرة من شذرات الفكر. على ما أذكر، أنه ذكر مشاركة له، بإحدى دول شرق أوروبا، في ندوة حول أعماله الفكرية والسردية، ودخل في مناطحة فكرية مع ناقدة تشيكية، من أصرت أن إيكو انبثق من سيرته في كتابة روايته، ومما أشرت إليه أن مسألة المخطوط سر روح الرواية، هي من تجارب الكاتب الشخصية، كما أن الشخصية النسائية في الرواية تبدو من محبوباته، وقال: «رددت عليها بقوة، فما أشارت إليه ليس حقيقيا بالمرة ،وليس السرّ المدفون. لكن عندما عدت إلى البيت، ما شغلني إلحاح وحماس الناقدة التشيكية، حول مسألة علائق روايتي بشخصي، فأخذت في البحث، لأتحقق مما جاءت به الناقدة المبدعة ودفن في لاوعيي، أنها على حق».
ذات مرة كتبت لصديق مصري رسالة، مضمونها ملاحظة، حول أني أقرأ الآن أعمال طه حسين الكاملة، وأني حين قرأتُ في المدرسة بالشهادة الإعدادية (الأيام)، كنا نقرأها في الفصل المدرسي جهرا وبصوت إيقاعي. الآن يتكشف لي بعد عقود، أثناء قراءة الأعمال الكاملة، أن ثمة إيقاعا في جملة طه حسين ولضم جمله، ثمة منحى صوتيا في نثره، كأنه يكتب شعرا عموديا، فهل هذا يُومئ إلى علاقة ما بعمى طه حسين؟.
قلت في نفسي أن العلائق، بين مهنة السارد وشخصه ونصوصه أمرٌ كثيرا ما أثير وأشير إليه ودار حوله لغط، وإن لم أطالع دراسة، أو تناهى لسمعي بحث معمق في الخصوص، لكن المثار شكل بواعثَ للتفكر في المسألة، ومثارا للمناقشة مع بعض الأصدقاء. فالسرد والكتابة النثرية، فيهما خاصية الموضوعية وحتى المجتمعية، وليسا لصيقين بالذات كما الشعر، وفيهما مثل ذلك كثير، ولهذا أثارا ذاك اللغط، وأحدثا شكوكا حول العلائق والوشائج بين النصوص وكُتابها.
لكن الشعر ظل خارج هذا اللغط إلى حد ما، رغم ما أشير له من ارتباط الشعر بالكهانة، حتى إن العرب اتهموا القرآن بالشعر، ولم يجدوا غضاضة في أن القرآن ليس كما الشعر الذي يكتبون، ومن هذا ما جاء بخصوص الشاعر والنبي والمجنون، كما أشار إلى ذلك الناقد خليفة التليسي، الذي أورد ذا في سياق دفوعه عن قصيدة النثر. كذلك حول تعظيم الشاعر لذاته، كقول المتنبي، منبهين إلى كنية المتنبي ذاتها: ما عرف بها دون اسمه الحقيقي أحمد بن الحسين الكندي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
إلى:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
حتى قيل إن المتنبي في كل ما مدح كان مادحا نفسه، وحتى قال أبو العلاء المعري: كأنما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب إذا قال: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي.
بعيني أبي العلا أرى التمثال!
أريد في هذا المقام أن أستعير عيني أبي العلاء، وأنظر بهذا السياق في شعرية جمال القصاص من خلال المنسي في الطين، الذي هو الشاعر نفسه، التمثال جمال القصاص. مستعينا في مبحثي هذا بعلائق شخصية بالتجربة الشعرية، وبصداقة لعقود مع جمال القصاص، ومع شعره.
أعرف الطريق
إلى الأوبرا ومجمَّع الفنون
وكازينو الحَمَام
ومقهى «صُدفة»
وسوق السّمك
لكنني لا أعرف الطريق إلى نفسي
اجتهدتُ كثيرا
مثل ربِّ عملٍ يقسو على نفسه
يحمل سلة المطر في يد
بينما تفر الغيوم من اليد الأخرى
ماذا فعلتُ إذن
هل جننتُ فعلا
هل سطا أحدهم على ذاكرتي
إذن فليهنأ بها
ربما يستطيع أن يسدّد فواتيري المؤجلة
عن ذنوب ما زلت أستعيرها برشاقة
من امرأة تتمنى أن تضلّ الطريقَ
إلى جسدها.
تُنبئ نصوصه به، بل تشي بمكنونه، فالشاعر مثل ربّ عمل يقسو على نفسه، كمثقف عضوي ينغمس في الحراك الثقافي، وفي التجربة الشعرية على قطيعة مع أجوائها. هناك جمال القصاص مفرد بصيغة الجمع، فهو الشاعر في كل الوقت بينما الشعر عند غيره مناسبة ما أو فكرة، أما هو فالشعر أكسجين حياة والدم في الأوردة.
جمال القصاص الصحفي، يكدح يوميا، ويعايش معاش الناس من خلال أخبارهم وعواجلها، لعقود طويلة هذا ما يفعل يوميا تقريبا، يتعامل مع التقارير ويصوغ لغتها السلسة والمباشرة. ومن هذا يستل شعره «ربما يستطيع أن يسدّد فواتيره المؤجلة»، فتبدو نصوصه كما يوميات، وخروج عن سياق الحياة المعتاد، ولكن أيضا في سياق المعتاد، ومن هذا فإن هذه النصوص معجونة بالتفاصيل، والمدهش فيها أنها تفاصيل معتادة وحتى المبتذلة، ما يضعه في صور شعرية وإطار جمالي بحنكة ودربة، ودون تمحك وغرضية خارجة عن النص.
النصوص هي التي تتشكل، بين يدي الشاعر، من خلال ما يحوطه، والمدهش فيها أيضا كسر السياق بالقفزات من جملة إلى أخرى، فالجملة التالية أحيانا تعطي النص نفحة مفارقة للجملة السابقة، فالقصاص الشاعر يعيش حتى الثمالة، ما يكتب بوعي السكران، من ينتشي بما يفعل، هذه النشوة ما تجعل للقارئ فسحة، في أن يقرأ النص ويشتبك معه، باعتباره نصه.
جمال القصاص ليس لديه وقت خاص للكتابة، لكنه ينسج النص بتؤدة وتأنٍ وعلى نار هادئة، وإن تلقينا مفردات من المطبخ وشعرنا بأجوائه مثلا، فهذا لأن القصاص يلتقط مفرداته، ومكون جمله في بيته، من غرفة النوم والمطبخ والحمام، وكل مكان وزمان، يوفر مكنة لكتابة النصوص، سواء دونت على الورق أو في الذهن، أو في مرحلة أخرى على الجدار الأزرق.
هذه الحرية يلاحظها القارئ في النص، وفي النصوص جملة، وحتى الدواوين. بالإضافة لذلك فإن قارئ الدواوين والمتابع لما ينشر القصاص من نصوصه، ما يلاحظه أن الشاعر القصاص غير حريص على نشرها، فكثير منها نُشر للمرة الأولى في ديوان. وكذلك المتابع، يرصد أن ما كُتب نزر قليل عن هذه الدواوين أو النصوص، ذلكم لأن الشاعر يغرد بعيدا عن الشجرة المزدحمة، بمن ينشرون ويلقون قصائدهم في كل محفل.
كنت ذات مرة، أبديت ملاحظة: أن ناقد شعر محمد عفيفي مطر هو محمد عفيفي مطر، وأن هذا شكَّل له الخلاص من النقد التأويلي، نقد المعنى، من النقد الذي لا يهتم بالنص بل بواعثه وسياقاته الخارجية والتاريخية. ومن هذا فإن نصوص القصاص ناقدة نفسها، ولا تركن لمنجزها، ولا تعير اهتماما رئيسا بتعبير الشعر المتاح. وفي النصوص، نجد انشغالا مقلقا بمعيار الشعر في النص في ذاته، أو عند الشاعر في اللحظة الاستثنائية، لحظة تشكله، ومن هذا، فالرؤية والرؤيا في نص القصاص يتشابكان حتى يتماهيا.
تعبت من نفايات الأحلام
من جراثيم المحبة
سأعمل لدى جمال القصاص
أرعى قصائده
أعرف من أحبته
من التصقت به أكثر
من تمردت على طيبته
ومن ثقلت مفاتنها عليه
أشياء كثيرة يجب أن أخلصه منها
أو على الأقل أحذرهُ من تقلبات الطقس
أريد أن أفهم حقيقة ما يشتهيه الآن
في هذه السن الحرجة
ولماذا يبتسم كلما مرت
«السحابة التي في المرآة»
يتلعثم كل ما صعدت
«من أعلى بمحاذاة الموسيقي»
نداءات المجهول ليست منشورا سياسيا
يمكن أن تعيد النظر فيه
النحلة وحدها تعرف زَنة العطر
ماذا خبأت خلف جدارك الأزرق
حبلك السري
ذاكرة تشبه النسيان
امرأة يشتهي البحر ضحكتها؟
الإسكندرية لا تكف عن الغرق
وكفافيس لم يكن مولعا بالآيس كريم
سأقول له: سهمك طاش مرتين
الأولى احترق تحت «شمس الرخام»
الثانية لا أعرف بالضبط
هل كان سهما
أم قمرا جائعا
انفلت من مدار شهوته
سأعمل لدى جمال القصاص
سنكون رائعين جدا
ونحن نتبارى
على من يسقط أولا
يرتطم بكينونته ويضحك:
لا شيء
كنت أعلمك
كيف ترقص في فم الهواء.
في هذا النص وما قبله، جدل الشاعر مع نفسه، فالشعرية هنا تحاور نفسها وتنقدها وتنقضها، حيث لا تفصل الرؤية بين الذات والموضوع، فلا ثنائية في شعرية القصاص، كل ما هو متاح شعر ،وكذلك ما ليس متاحا تتيحه الرؤيا. ومن هذا ينشغل القصاص بكل نأمة في قماشة القصيدة، ويطارد الغزالة حتى التعب، وإن لم يمسك بها أمسك بزغبها، المفردة محمول الشعرية قبل الجملة، حتى أن بعض المفردات تسبح في ملكوت الشعر، ومنها مفردة اعتيادية، لكن الصياد يمنحها من روحه.
نص جمال القصاص، كأنه محاورة بين الشاعر وذاته، وفي سباق مجهد بينهما، فيرتطم بكينونته ويضحك، مما يجعل النص يتدفق ويتنقل في سخرية ماكرة، لا تجهد نفسها، هكذا تأتي النصوص وكأنها كتبت في نفس واحد وعلى نسج المنوال. لكن هيهات فالنص أيضا، يبدو وكأنه نصوص لضمت بمعاناة وكد، والصحيح أن الوشائج والعلائق بين النصوص قوية ومتينة، نتبينها من هذه الرؤية الشعرية والنظرة للحياة وفي الحياة، تجربة جمال القصاص المتعددة في الحياة معجونة في تجربته الشعرية: الطفل اليتيم، الطالب المناضل، الجندي، الصحفي، الناقد التشكيلي، دارس الفلسفة، المسافر….إلخ، حياة عريضة طويلة، الشعر فيها الأُس.
طريقة النقد التفسيري أو التأويلي!
ابْقَ في البيت/ القُبلات في الفريزر وفوق الرّف/ الأحضان بلا أجنحة / الحياة معطلة في المقهى/ والسوبر ماركت/ وفوق الأرصفة/ من الصعب أن أتنفس صفاءك أو ضجركِ/ أضاعف رغبتي فيكِ/ كل شيء عن بُعد/ ابقي في البيت/ لا بأس أن نصنع كمامة للجسد/ نمنحه علامة مائية/ ربما يفكّ حبالَ متاهته/ لا بأس أن نعتقل الهواءَ/ نُحدِّد إقامته فوق الأريكة/ أو في الشرفة/ نعلِّمه كيف تعطشُ الموسيقى/ كيف يجفّ اللحن…/هذا زمن الكورونا/ علينا أن نبحث عن تمارين أخرى/ تشبه النوم/ أو الحلم/ أو الجنس/ ربما نتذكر كم كنا قُساةً/ ونحن نرضع من ثدي هذه الأرض/ ونحن نتخفَّى في ثوب البشر .
ابْقَ في البيت/ الشعر، ما نلقاه حين مسغبة، الشاعر من يتنبه أن البيت الرحم، رحم البشرية، ما أعجز الأهوال والديناصورات، فالكورونا، أن تقتحمه، ملاذنا الأول والأخير، فالبيت «كمامة الجسد»، يقول جمال القصاص: إننا كنا قساة على بيتنا الكبير «الأرض»، و»نحن نتخفى في ثوب البشر»، دون بيتنا نحن لسنا بشر، هكذا يفضح الشاعر وضوحنا البشع، بسلاسة ويسر، يُعيدنا إلى الغامض فينا، أننا نحيا أكثر إن هددنا الموت، المتقنع بالكورونا، هذه المرة.
أن ننثر الشعر، أن نستيقظ من وله، أن نبيت في البيت، سنبذل الغالي والرخيص، وقد بذلنا لأجل العودة، وجسر العودة ليست الحروب التي اخترعنا، فحتى حبيبتنا هيروشيما، لم توقظنا من الذل الذي تلبسنا، «هذا زمن الكورونا/ علينا أن نبحث عن تمارين أخرى/ تشبه النوم/ أو الحلم/ أو الجنس»، تمارين أخرى في زمن الكورونا، يمارسها الشاعر جمال القصاص في البيت.
ابْقَ في البيت، من أجل الحياة: «القبلات في الفريزر وفوق الرّف/ الأحضان بلا أجنحة…»، شعرية جمال القصاص، تقتنص اللحظة الاستثنائية هذه، وتتخذ اللغة السبرانية، صهوة للاختزال وتكثيف الحالة البشرية، وقد تلبستها الكورونا، كما فيروس الحياة، فلا وقت للموت، واليأس ترف، في اللحظة المقتنصة هذه، شعرية «ابْقَ في البيت»، ما تنثر في الساحات، وتبددها السرديات الكبرى.
ما أقصر الطريق، إلى البيت، إلى الأرض، الحياة، الشاعر يرى في «الكورونا» البصيرة، لنُبصر سر الروح في البيت، حيث الموت والحياة متلازمان في اللحظة، هذه اللحظة الشعرية بامتياز..
«لا بأس أن نعتقل الهواءَ/ نحدِّد إقامته فوق الأريكة/ أو في الشرفة/ نعلِّمه كيف تعطشُ الموسيقى»، مفردة «لا بأس» مشحونة بالتناقض، وتسيغ صياغة الجملة التالية المركبة: نعتقل الهواء، نحدد إقامته، نعلمه عطش الموسيقى، فيجوز ما لا يجوز في هذه الحالة، حيث ليس كل شيء على ما يرام، لكن بالإمكان أن نبدع بيتنا الأرض مرة ثانية.
«ابْقَ في البيت»، الجملة التي تردد الأفواه، المضاد الحيوي، لما يجول في رقعة الشارع، تكون اللازمة الموسيقية، والنأمة ما ينسج الشاعر، وما يُطرز بها نسيجه الشعري، الحامل للتضاد بين البيت والكورونا، بين الموت والحياة، بين العبث البشري بالأرض، وبين اللحظة الاستثنائية المفارقة، «ابْقَ في البيت»، فعل الأمر، ما يصدره الشاعر جمال القصاص، وما يصدر شعريته العفوية الآن وهنا، في «زمن الكورونا» ما هو ليس «زمن الكوليرا».
«ابْقَ في البيت»، يقول الشاعر…
قصائد القصاص يومياته الشعرية!
غزير الكتابة لا يراعي أي حدود، دائما على عجل من أمره، من يهتم بروح النص يمس لهاثا، فالجمل وقبل المفردات في تدفق نفس لحوح، ليس ثمة هندسة عقلانية تحسب الفروق، بين ما هو شعري وما هو ليس كذلك، وعند القراءة المتأنية نجد النصوص مترعة بالشعرية.
ومؤخرا من على علاقة بصفحة جمال القصاص على الفيس بوك، سيجدها منشرة، دار نشره الأولى التي تتلقى القصائد المتدفقة دون رقيب غير قارئه. قارئ جمال القصاص بات المحرر، من يساهم في تشكيل وكتابة النصوص، لقد توسعت دائرة نقاد شعرية جمال القصاص، فبنية النص ينسجها الشاعر مع القارئ مباشرة. حتى إن له ديوانًا أسماه «الجدار الأزرق»، ما يمكن اعتباره بيانًا شعريًا، لمرحلة أخرى في شعرية القصاص، البيان يفصح أن القصاص جعل للشعر خلوة زرقاء، فيها لكل قارئ قراءة، للنصوص المنشورة كما رغيف ساخن على صفيح الفيس بوك.
لكن هذا، من غزارة ما يكتب وما ينشر، حتى التلقي المباشر لقارئه الافتراضي، زاد من حميمية قصائد القصاص، لكن من ناحية أخرى وضعت متراسا جديدا، يستدعي من الشاعر الشغل على النص أكثر من مرة. ثمة سلطة افتراضية مضافة، سلطة القارئ الافتراضي، من أمسى شريكا للشاعر في نصه، وقبل كما نعرف، بين القارئ والشاعر مسافة، المرسل فيها يتشكل عبر عتبات عدة، حتى يصل المتلقي.
ومن خلال معايشة خلال العقد الأخير، لما يكتب جمال القصاص وكيفية ما يكتب، ألاحظ أن دواوينه الأخيرة تمثل مرحلة شعرية أخرى مضافة إلى تجربته الشعرية، وأن دراستها والبحث فيها يحتاج إلى مقاربة مختلفة، لا تخص نتاج جمال القصاص فحسب، لكن تخصه بمعنى ما. من حيث أنها مرحلة غزيرة لكن قماشتها واحدة، فكأنما الدواوين الأربعة الأخيرة، الديوان الواحد ما كتب للقارئ وبه ومعه، القصائد لا تروم السلامة، القصائد على عجل من أمرها، فالقارئ عند عتبة الروح، لكن القصاص لا يكتب قصائد قارئ ما، بل يكتب يومياته، وهنا المقاربة المفارقة.