كلما أسقط ، أرى طريقا يغطي أرضية حجر بحري كثير، طريق يفضي الى جبال بركانية اللون ،تشبه تلك التي يحكي عنها أبي حين يكون عديدة لأماكن لم تكلأها قدماه :
أرى جبالا تحيط مدينة مطرح ، حيث القوارب المنتشرة على طول الساحل الذي يضم بين جوانبه
عمالا يمتطون الحمير أو يجرون العربات الخشبية المحملة بالبضائع التجارية ، يعبرون بها الجبال الفاصلة بين هذه المدينة المنعزلة عن مسقط ، عمال عمانيون من الزنجبار، أو البلوش والهنود الذين استوطنوا هذه الأرض البحرية منذ زمن طويل .
من هنا أرى المراكب الكبيرة التي تشق طريقها في خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي متحدية بذلك عصف الأمواج وعواصف الايام .
أشعر بخوف يدب في جسدي، كأني على يقين مما سيحدث ، عيناي تحدقان في الغيوم المظلمة السوداء وهي تنثر ندفا ناعما ، سماء داكنة تحلق فيها طيور جارحة ، أسير حافية على حجر بحري يمتد على طول الشاطئ أبدية سرابية من كائنات ، تتخلق في هذه المدينة التي تخفيها الجبال الداكنة ، المتراصة بعضها ببعض ، مشكلة سورا موحشا يعزل ناس الشاطئ عما وراء الجبال .
فجأة يظهر من خلف الجبال طاووس مقدس ، تسبقه صلصلة قوية لا تحتملها أذناي، حين ظهر فرد أجنحته الستة فحجب من خلفه عظمة الجبال الداكنة ، وازداد المكان نورا ولم أعد أرى للغيم مكانا في السماء، انحنى نحوي ، قرب وجهه مني حتى بدأت أشم رائحته الطيبة ، كانت عيناه تخترقان جسدي، قال لي مستغربا :
– هل أنت من يريد رؤيتي؟
– من قال لك ذلك ؟
– ثعلب أضاع عمره في مرافقتك .
– ربما.
– ماذا تعنين ؟
– لا شيء كنت أتوقع كائنا رهيبا، ولكنك تبدو أليفا ،
وناعما ، ويمكن لي مصاحبتك إن كنت تود أن تأخذني معك .
– ولكنهم أخبر وني انك فاضحة .
فنظرت الى صدري ، وطالعت هذا الطائر وقلت له :
– كنت أعتقد ذلك أيضا .
– ينبغي عليك أن تكبري، لا أستطيع أن أخذك معي الأن .
– هل تريد أمي، إنها هناك خلف هذه الجبال التي غطيتها بظلالك .
– لا. أريد بكرا.
ضرب بأجنحته فطارت الأتربة ، وهاج الموج بالقوارب الصغيرة المتناثرة على طول سواحل مطرح ، لم أعرف لماذا علي أن أصارع الوقت كي يبطئ دورانه ، والا أنسى أو استسلم لما سوف يهب علي في نهار الغد، هل هي نجمتي البعيدة التي لا تقترب من نجمة أبي، الا تكون ليلة النصف من شعبان ضمن روزنامة حياتي التي يصعب علي رؤيتها بوضوح ، هذه النجمة التي كلما نظر اليها الآخرون انطفأت بسرعة ، تتوالد في التراب من وجع ، ومن خوف ظاهر، نجمة ما إن تنظر لها حتى تختفي في فلك الأبراج .
أقف وحيدة ، يخرج العمانيون من خلف جبالهم ، فأسرد لهم حكاية الطائر وهم يعتقدون بأن ما حدث لجدي وجدتي مس ينبغي لنا أن نتوارثه حتى لو سكنا بعيدا عن عمان ، وان ما فعله جدي بتهريب أبي وإلقائه عند شواطئ قرية البسيتين في البحرين لن يفك لنا نحن الأحفاد هذه العقدة المربوطة في جذر أحد الجبال الداكنة في مطرح ، أحاول أن أحكي لهم عن جريان الوقت ، إلا أنهم يرأفون بي إذ يجد وو نني ألهث وأنا أحكي، فلا أجد فائدة سوى أن أعود بذاكرتي وأظل أخطو فوق الحجر البحري حافية القدمين ، أقف أمام أمي وأختي مريم ، وأخبرهما عن ضجري مما حدث فتقول لي أمي:
– اكبري أنت ودعي مريم تظل صغيرة .
X غدر الدهر والسقوط مقطعان من نص روائي بعنوان( البرزخ).
* مطرح: مدينة عمانية ، كانت تعتبر مركز التقاء القوافل البرية والسفن البحرية.
* الرفاع : مدينتان ( الشرقية والغربية) تقعان على هضبة جنوب عاصمة البحرين.