تقديم:
يمكن النظر إلى هذا النص الذي نقدم ترجمته العربية باعتباره تمثيلا للبعد الآخر للكاتب الفرنسي الشهير كي دي موباسان، الذي يهم على وجه التخصيص اشتغاله مراسلا صحفيا لجريدة لوكولوا الباريسية Le Gaulois . في هذا السياق المتميز، تأتي رحلته الطويلة إلى أقطار شمال إفريقيا وتحديدا الجزائر وتونس ومقالاته التي نشرها تباعا والتي سوف تضمها مجموعة «في الشمس» التي صدرت في طبعتها الأولى عام 1884. حقيق بنا في هذا المقام أن ننوه بأن فكرة كتابة هذا النص تخلقت إثر رحلة موباسان إلى الجزائر بدعوة من جريدة لوكولوا لتغطية المقاومة الفذة للبطل الجزائري الشيخ بوعمامة التي كانت تعتبرها السلطات الاستعمارية الفرنسية والصحافة الناطقة باسمها تمردا. وسوف يلاحظ القارئ في هذا الصدد أن موباسان سوف يكشف بأكثر من قرينة دالة عن وجهه العنصري القبيح المناقض جملة وتفصيلا للأفكار والقيم الإنسانية التي عبر عنها في منجزه الإبداعي القصصي والروائي. تأسيسا على ذلك، سوف يتحول الشيخ بوعمامة في هذا النص إلى مخادع زئبقي وأفاق وزعيم عصابة، وسوف تحضر كل الصور النمطية الجاهزة في خصوص العربي التي يمكن إجمالها في التوحش والعنف والاغتصاب والسطو والنزعة الغلامية. تجدر بنا الإشارة في السياق ذاته إلى اشتمال أغلب النصوص التي استلهم فيها موباسان فضاءات شمال إفريقيا على هذا المنزع العنصري؛ غير أننا نعثر على التجسيد القوي لذلك في قصة «علومة» التي سوف ننشر ترجمتها العربية لاحقا..
النص:
سوف يكون حاذقا جدا من سوف يزعم حتى في الوقت الراهن معرفة أي رجل كان بوعمامة. ذلك أن هذا المخادع الزئبقي اختفى تماما بعد أن دوخ جيشنا في إفريقيا؛ بحيث يمكن افتراض أنه لم يوجد قط.
كان بعض الضباط الذين اعتقدوا معرفته قد وصفوه لي بطريقة معينة، بيد أن أشخاصا آخرين يفتقدون للشرف وعلى يقين جازم من رؤيته وصفوه بطريقة أخرى.
لم يكن هذا الأفاق في كل الأحوال سوى زعيم عصابة قليلة العدد أرغمت دون ريب على التمرد بتأثير المجاعة. فهؤلاء البشر لم يخوضوا القتال إلا لكي يسطوا على مخازن الغلال وينهبوا حمولة القوافل. ويبدو أنهم لم يتصرفوا لا بدافع الحقد أو بدافع التعصب الديني، وإنما بفعل وطأة الجوع. ينبغي أن نعترف أن نظامنا الاستعماري الذي يتمثل في تدمير العربي وإفقاره ومطاردته دون هوادة وإرغامه على الموت جوعا سوف يفرز حتما انتفاضات أخرى.
ثمة ربما علة أخرى لهذه الحملة، وتتمثل في وجود تجار الحَلفاء الإسبانيين فوق النجود العليا. وفي هذا المحيط من الحلفاء، وفي خضم هذا الامتداد الأخضر العائم والجامد تحت سماء مشتعلة كان يعيش شعب حقيقي وحشود من الرجال الرحل والمغامرين من ذوي البشرة السمراء طردهم البؤس أو دواع أخرى من أراضيهم. وهم أكثر توحشا وإثارة للخوف من العرب. ولأنهم معزولون بهذا الشكل وبمنأى عن أية مدنية أو قانون أو سلطة، فإنهم حذوا كما يقال حذو أسلافهم في الأراضي المفتوحة؛ إذ كانوا عنيفين ودمويين وقساة حيال السكان الأصليين. الحق أن انتقام العرب كان فظيعا.
هي ذي في عجالة العلة الظاهرة لهذا التمرد.
كان اثنان من شيوخ الزوايا يدعوان بطريقة مكشوفة إلى التمرد داخل إحدى قبائل الجنوب. وقد تم إيفاد الملازم وينبرينر Weinbreinner بهدف إلقاء القبض على شيخ القبيلة. كان الضابط الفرنسي محاطا بأربعة رجال، بيد أن ذلك لم يحل دون اغتياله. وقد تم تكليف الكولونيل إينوسينتي Innocente بالانتقام لهذه الجريمة، وقد كلف آغا سعيدة بشد أزره.
في أثناء ذلك، التقت فرقة الكوم التابعة لآغا سعيدة بتجار قبيلة الطرافي الذين كانوا يتجهون صوب إينوسينتي. وقد اندلعت معارك بين القبيلتين أسفرت عن انهزام الطرافي ولجوئهم إلى بوعمامة. وهنا تتموضع قضية الشلالة التي رويت مئات المرات؛ فبعد الهزيمة التي حاقت بحملة الكولونيل إينوسينتي الذي يبدو أن الرأي العام يتهمه بعض الشيء، فإنه قرر الصعود قسرا إلى كريدر Kreîder لتنظيم صفوفه، وهو ما أفسح المجال لخصمه الذي لم يتردد في انتهاز الفرصة السانحة.
حقيق بنا في هذا المقام التنويه بواقعة مثيرة للفضول. ففي اليوم ذاته، كانت الأخبار العاجلة وذات الطابع الرسمي تشير إلى وجود بوعمامة في مكانين متباعدين عن بعضهما البعض بمائة وخمسين كيلومترا.
كان هذا الزعيم الذي استغل الحرية المطلقة الذي أتيحت له لكي يقترب باثني عشر كيلومترا من جيريفيل Gerryville . وقد قتل في أثناء ذلك العريف برينغارد Bringeard الذي أرسل مع مائة رجل إلى منطقة مشتعلة بالتمرد لكي يتيح الاتصال التلغرافي، ثم عاود الصعود إلى الشمال.
هكذا،إذن، عبر بوعمامة التراب الإقليمي لقبيلتي الحساسنة والهرار قبل أن يعطي لهما فيما يبدو الأمر لتنفيذ المجزرة الجماعية في حق الإسبان؛ وهو ما تم تنفيذه بعد ذلك بمدة قصيرة. ثم وصل في النهاية إلى عين قطيفة قبل أن ينصب خيامه بعد يومين في حاسي تيرسين على بعد اثني وعشرين كيلومترا من سعيدة.
كانت السلطة العسكرية التي أحست في النهاية بالانزعاج قد أشعرت في العاشر من يونيو الفرقة الفرنسية الجزائرية بضرورة استدعاء كل رجالها؛ لأن البلاد ليست آمنة على الإطلاق. كانت القطارات تسير طوال الليل إلى الحد الأقصى للخط، لكن لم يكن في المقدور في بضع ساعات استدعاء الأوراش المنتشرة في منطقة تمتد على مائة وستين كيلومترا، وفي الحادي عشر من الشهر ذاته بدأت المذابح..
تم التنفيذ تخصيصا بواسطة قبيلتي الحساسنة والهرار اللذين طفح بهم الكيل من الاسبان الذين كانوا يعيشون فوق أراضيهم.
على الرغم من ذلك، وبذريعة تجنب دفعهم إلى التمرد، لم يتم إزعاج هاتين القبيلتين، وكانت المحصلة ذبح ما يقارب ثلاثمائة من الرجال والنساء والأطفال. وقد تم العثور على عدد من الفرسان العرب محملين بالجثث، وتحت سروج خيولهم فساتين النساء الإسبانيات. غير أنه سرعان ما تم إطلاق سراحهم بدعوى نقص الأدلة.
كان بوعمامة قد نصب معسكره، إذن، في العاشر من يونيو في حاسي تيرسين على بعد اثني وعشرين كيلومترا من سعيدة. وفي الوقت نفسه، كان الجنرال سيريز Cérez يبرق إلى الحاكم بخبر مفاده إن بوعمامة يحاول العبور إلى الجنوب. وفي الأيام اللاحقة، كان شيخ الزاوية الجسور ينهب قرى تافراوا وقرالفلاح ويحمل جماله بالغنائم ويعود بقيمة ملايين من القوت والسلع.
لم يلبث بعد ذلك أن صعد إلى حاسي تيسرين لتنظيم صفوفه، حيث قام بتقسيم جيشه إلى قسمين قصد أولهما إلى عين قطيفة، وهناك، تم صدها ونهبها من لدن كوم الشراوي (طابور برونتيير Brunetiére). أما القسم الثاني الذي كان يقوده بوعمامة نفسه، فإنه وجد نفسه محاصرا بين طابور الجنرال ديتري Détrie المعسكر في الماية وطابور الكولونيل مالاري Mallaret المعسكر قرب كريدر في قصر كريليفة. كان لزاما عليه والحالة هاته أن يشق طريقه بين الطابورين؛ وهو ما لم يكن سهل المنال. عمد بوعمامة،إذن، إلى إرسال جزء من فرسانه قرب معسكر الجنرال ديتري الذي لم يلبث أن عمد إلى مطاردته بكل جنود طابوره إلى حدود عين صفيصيفة بعيدا عن الأغواط ، وقد تملكه اليقين من أن شيخ الزاوية في قبضة يده. وقد نجحت الخدعة، وأصبح المعبر آمنا. وفي الليلة التي تلت رحيل الجنرال، تمكن الزعيم المتمرد من احتلال معسكره، وكان ذلك في الرابع عشر من يونيو.
كان الكولونيل مالاري من جهته قد نصب معسكره في قصر كريليفة على بعد أربعة كيلومترات عوض مراقبة معبر كريدير. وقد أرسل بوعمامة في التو قسما من الفرسان للعبور أمام الكولونيل الذي اكتفى بالقذائف المدفعية الست الأسطورية. وأثناء ذلك، كانت قافلة الجمال المحملة تعبر باطمئنان الأغواط في اتجاه كريدر، وهو الموضع الوحيد الذي كان فيه العبور سهلا. ومن هناك، كان على شيخ الزاوية أن يذهب لوضع غنائمه عند قبيلته المغار على بعد أربعمائة كيلومتر جنوب جيريفيل.
سوف تتساءلون حتما: من أين استقيت هاته الوقائع ذات الدقة البالغة؟ وسوف يكون الجواب: من كل الناس. سوف يتم الاعتراض طبعا من لدن البعض على بعض النقاط، ومن لدن البعض الآخر فيما يخص أخرى. ولن يكون في مقدوري تأكيد أي شيء بما أنني لم أفعل سوى التقاط المعلومات التي بدت لي أكثر مطابقة للحقيقة. ينبغي الإقرار في السياق ذاته بأنه من المستحيل في الجزائر الحصول على تفصيلة صحيحة ودقيقة عما يحدث أو عما حدث على بعد ثلاثة كيلومترات من الموضع الذي نوجد فيه.أما فيما يخص المعلومات العسكرية، فيبدو على امتداد هذه الحملة أنها كانت مستقاة من لدن مازح سمج. ففي يوم واحد، تمت الإشارة إلى وجود بوعمامة في ست مواضع مختلفة وبواسطة ستة من قادة الألوية الذين كانوا يعتقدون الإمساك به. كانت ثمة تشكيلة من الإخباريات الرسمية التي ألحقت بها إخباريات وكالات الأنباء المرخص لها وكان كل ذلك يشكل مجموعة غريبة بكل معنى الكلمة. كانت بعض هاته الإخباريات التي كانت صحة معلوماتها مفرطة في البداهة قد تم تجميدها على أية حال في مكاتب الجزائر العاصمة.
عثرت في هذا السياق على رسم كاريكاتوري ذي نفحة روحانية أبدعه معمر فرنسي، وقد بدا لي مفسرا بامتياز للحالة. كان الرسم يمثل جنرالا عجوزا ضخم الجثة ذي شارب فخيم وصدر مغمور بالنياشين وقد وقف قبالة الصحراء. كان يحدق في الأرض المترامية الأطراف والجرداء والعامرة بالأودية بعين حيرى وهو يغمغم: إنهم هناك.. في مكان ما، ثم يخاطب الضابط الواقف كصنم خلفه بنبرة صارمة: أبرق إلى الحكومة بأن العدو أمامي وأنني آخذ في مطاردته.المعلومات المتسمة ببعض الصدق والتي حصلنا عليها كان مصدرها السجناء الاسبان الذين تمكنوا من الإفلات من قبضة بوعمامة. وقد تمكنت بوساطة مترجم من الحديث إلى أحد هؤلاء الرجال، وفيما يلي سرد لما أفضى به إلي. كان الرجل يدعى بلاس روخو بليسير Blas Rojo Pélisaire، وكان يقود صحبة بعض رفاقه في مساء العاشر من يونيو موكبا مشكلا من سبع عربات حين اكتشفوا في الطريق عربات أخرى محطمة، وبين العربات السائقين وقد نكل بهم. كان أحدهم على قيد الحياة، فكان أن سارعوا إلى معالجته، حين انقض عليهم عصابة من العرب. لم يكن بحوزة الاسبان إلا بندقية واحدة؛ وهو ما أرغمهم على الاستسلام؛ غير أن ذلك لم يحل دون قتلهم باستثناء بلاس روخو الذي جنب هذا المصير بسبب شبابه ومظهره الحسن. ونحن نعرف أن العرب لا يستطيعون صبرا حيال جمال الرجال. وقد تم اقتياده إلى المعسكر حيث يوجد غيره من السجناء. وعند متصف الليل، عمدوا إلى قتل أحد السجناء دون سبب واضح، وكان ميكانيكيا اسمه دومينكو و تتحدد مهمته في ضبط فرامل العربات. وفي اليوم الموالي وتحديدا في 11 يونيو، علم بلاس بمقتل سجناء آخرين أثناء الليل. كان ذلك اليوم يوم المذابح الكبرى. وقد لبث الجميع في المكان نفسه، وفي المساء، أحضر الفرسان امرأتين وطفلا.
12 يونيو: رفع المعسكر وشرعنا في المسير طوال النهار.
13 يونيو مساء: نصبنا المعسكر بجوار ضاية قرب.
14 يونيو: شرعنا في المسير باتجاه قصر كريفلة، وهو اليوم الذي شهد قضية مالاري. لم يسمع السجين صوت المدفع، وهو ما يحملنا على افتراض أن بوعمامة قد عمد إلى عرض جزء من فرسانه فقط أمام الفيلق الفرنسي، فيما كان الموكب المحمل بالغنائم يعبر في أمان الأغواط على بعد كيلومترات فقط.على امتداد ثمانية أيام، مشينا بكيفية متعرجة. وما أن وصلنا إلى تيس مولان حتى انفصل أفراد الكوم المنشقين، وقد ساق كل واحد منهم سجينه.
وقد أبان بوعمامة عن عناية خاصة بالسجناء وخصوصا النساء منهم الذين كان ينيمهن ويحرسهن في خيمة خاصة.
كانت إحدى هاته النساء، وهي امرأة بارعة الجمال في الثامنة عشرة من عمرها ، قد ارتبطت بأحد زعماء قبيلة الطرافي. وكان يهددها بالموت إن جنحت إلى مقاومة نزواته، غير أن شيخ الزاوية رفض مباركة علاقتهما.
تم إلحاق بلاس بخدمة بوعمامة دون أن يتمكن من رؤيته. ولم يكن رأى في الحقيقة إلا ابنه الذي كان يقود العمليات العسكرية. كان يبدو في الثلاثين من عمره ، وكان شابا أسمر طويل القامة، نحيفا وشاحب الوجه وذا عينين واسعتين ولحية صغيرة. وكان يملك حصانين أشقرين أحدهما فرنسي الأصل كان على ما يبدو في ملك الرائد جاكي. لم يكن السجين على علم بقضية كريدر.
تمكن بلاس روخو من الإفلات عل مقربة من باس يالا Bas_yala . ولأنه لم يكن على معرفة قوية بالبلاد، فإنه ألفى نفسه مضطرا إلى أن يمشي بمحاذاة الوديان الجافة. وبعد مسيرة ثلاثة أيام وثلاث ليال، وصل إلى مرهوم. كان برفقة بوعمامة خمسمائة فارس وثلاثمائة من الجنود المشاة علاوة على كوكبة من الجمال المخصصة لحمل الغنائم.
على امتداد خمسة عشر يوما بعد المجازر، كانت القطارات تسير على خط صغير في الأغواط، وكنا نستقبل في كل لحظة الاسبان المساكين المنكل بهم وفتيات فارعات الطول وباهرات الجمال وهن عاريات ومغتصبات ومغمورات بالدماء. كان في مقدور السلطة العسكرية كما يقول سكان المنطقة أن تدرأ هاته المذبحة بقليل من الحذر. ولم تتمكن في كل الأحوال من الانتصار على حفنة من المتمردين. ما هي الأسباب الكامنة وراء عجز جيوشنا المتطورة أمام مطارق وبنادق العرب؟ ليحاول أي شخص آخر اختراقهم والكشف عن العلل.
يمتلك العرب في كل الأحوال ميزة تجعلهم أفضل منا، ونحن نحاول دون جدوى مقاومتها. إنهم أبناء هذه الأرض، وهم يقتاتون ببضع حبات من التين وحفنة من القمح، كما أنهم عصيون على التعب في هذا الطقس الذي أنهك قوى رجال الشمال. وهم يقطعون فوق صهوات خيول بسيطة ولا مبالية مثلهم بالحرارة الخانقة ثلاثين كيلومترا كل يوم. ولأنهم لا يسوقون خلفهم لا أغراضا أو إرساليات أو أمتعة، فإنهم يتحركون بسرعة لافتة للنظر، ويخترقون طابورين من الجنود كي يهاجموا وينهبوا إحدى القرى التي كانت تعتقد أنها في مأمن منهم، ثم ما يلبثوا أن يعودوا أدراجهم حين تخال أنهم أبعد ما يكون.
في الحروب الأوربية، ومهما تكن السرعة التي يسير بها جيش ما، فإنه لا يتحرك دون أن يكون متوفرا على المعلومات اللازمة. ينضاف إلى ذلك أن السلع الثقيلة تبطئ حتما الحركة وتعين الطريق المتبعة. ولا يترك الجانب العربي من جهته أية علامات دالة على عبوره، وهو يشبه بهذا الصنيع طيران عصفور. وهؤلاء الفرسان يروحون ويغدون أمامنا بخفة وزوغان الخطاطيف.
يكون في مستطاعنا أن نهزم العرب عندما يعمدون إلى الهجوم، بل إننا غالبا ما نتمكن من دحرهم رغم شجاعتهم. غير أننا لا نستطيع اللحاق بهم عندما يلوذون بالفرار. هكذا، إذن، يتجنبون بعناية أي صدام مباشر، ويكتفون عموما بمناوشة جيوشنا.تراهم يشحنون بنادقهم على إيقاع الركض المجنون لخيولهم النحيفة، ويزحفون كعاصفة من الثياب الفضفاضة والغبار.
لا يلبثون بعد ذلك أن يفرغوا بنادقهم الموشاة الطويلة وخيولهم آخذة في الركض، وعلى حين غرة وفيما يشبه انحرافا مباغتا، ينسحبون زحفا كما أتوا مخلفين وراءهم في مواضع متفرقة ما يشبه علبة بيضاء تتحرك بعد سقوطها كعصفور جريح ما يفتأ ريشه مغمورا بالدم..
* Guy de Maupassant, Carnets de voyages, Au soleil, Sur l’eau, La Vie errante, édition critique et annotée par Gérard Delaisement, Paris, Editions Rive Droite, février 2006
ترجمة وتقديم: عبد المنعم الشنتوف \
\ قاص ومترجم من المغرب