إسحاق الخنجري
يمشون وحيدين كالعناكب
بلا وجهة أو حلم
في أعينهم تلمع التلال
وفي خطواتهم
تبتهج المراعي والشياه
اعتادوا على سماء سافرة
وأشجار أورقَها الزمن
كأنها قدر المحارب
في معركة
لا يرى فيها غير الرماح
اعتادوا على غيوم
يعرفونها وتعرفهم
وكلما رأتهم متعبين
ترشدهم إلى مباهج الظلال
اعتادوا على الكلمات التي يقولها
طائر مشرد خلف الينابيع
يجمعونها
ويرتبونها في أغنية
تحفزهم لاشتهاء المكان
لديهم أجنحة في ضلوعهم
ولديهم أعوام
لم يقرأها كثير من الناس
الصمت قاربهم الوحيد
عندما تغرب الشمس
والليل خذلانهم الكبير
نحو أقدامهم التي لا تتعب
يشاهدون في البراري
أطلال قوم عاد وثمود
وليالي امرئ القيس
وأوهام الشنفرى
وينذرون أنفاسهم للبعيد
كي يخبئوا في العراء
أسرارهم وذكرياتهم
ربما يستحثون الكون
أن يكون حديقة أطفال
ربما دثرهم الفجر
بحب هذي البرايا
أو ربما أدمنوا المطلق
مثلما أدمن المسيح أسرار الغيب
تحت أقدامهم
الأرض يحركها الهواء
وفوق رؤوسهم
السماء تاريخ من المطر
يمرون على غدران وروابي
وأعشاب ترتعش
وحين يمرون على ريح
لا يوقفهم الخوف
بل تجرهم رحلة الأخضر
إلى ما يشبه بريق الأبدية
لعلهم يطلون على مسافات
لا يراها إلا الأعمى
عندما يبصر الأشياء
بمشاعل الأعماق
لا يتحسسها غير الذين تركوا الألم
وحيدا في البيت
وتساموا مع الغزلان
ملامحهم البريئة ترمم العالم
و ضحكاتهم تشد الخيول
أشجانهم نيازك تنطفئ سريعا
وآثارهم فتيات بلا معاطف
حين البرد أقسى من الجمر
لطالما خدرهم الوقت
وناموا مع أحلامهم
في عراء مكتظ بالظلام
وكأن الظلام
لا يعرف أحدا سواهم
لطالما أدركوا
أن الغياب نسر جارح
والجهات محطات
لمن لم يجدوا أرواحهم
حالمة في الحياة
كثيرا أتعبهم الزمن
لكنهم لا يلتفتون إلى أي شيء
عدا الخضرة التي تشع
في النسائم الباردة.