تابع العُمانيون والعالم وصول الروح الجديدة إلى عُمان، كنت أظن أن اللاحقين سيتمكنون من تجنب خسائر الأرواح أكثر من السابقين، غير أني كنت مخطئاً، فثمن الحرية كما هو غالٍ في ليبيا، هو غالٍ في كل مكان، أيها الشهداء الذين قدمتم أرواحكم ثمناً للهيب الحياة العُمانية، للحرية، لا يوجد كلامٌ يمكنهُ أن يفي حقكم، وقد ذهبتم عن هذه الدنيا كي تهدونا الحرية والحقوق، هل نقيم للبوعزيزي وللغملاسي ولأبي القاسم الشابي تمثالاً وقصيدة في كل الدول العربية؟
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
يا إرادة الحياة من أجل هؤلاء الذين تساقطوا في الطريق إليك، من أجلهم، عجلي بالقدوم اكنسي النظام القديم، واستبدليه بنظام القرن الحادي والعشرين، يا روح العصر، يكفي ما ذهب من الدماء الغضة الشابة في الطريق إليك، فتعالي واكنسي غبار القرن الماضي، ليدخل العُمانيون والعرب إلى القرن الجديد، حيث إرادة الشعب الوثابة وحقوقهم تضيء الحرية. صدقاً وحقاً.
من يراهنون على الاستثناء سقطوا ويتساقطون، من يسخرون من الآلام ومن معاناة الشعوب من التخلف يعيدون حساباتهم كي يلحقوا بالزمن، من كذّبوا الدم النازف في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا عندنا بدأوا يصدقون الآن، والدرب طويل وصعب، والبناء شاق.
حين يأخذ الشباب الحياة على عاتقهم في هذا العالم، يذهبون بالجميع إلى الزمن الجديد، لأنهم مدركون أن البناء ليس بمجرد القطيعة مع النظام القديم، وإنما ببناء جسور النظام الجديد وأعمدته، بالحب الذي يجمع الوطن والعصر في لحظة واحدة ويمضي بانياً، إنها قطيعة بالبناء، قطيعة ببناء الزمن الجديد للتخلص من الزمن القديم.
ما أجمل الشعب حين يحافظ على الوطن، مرت أحداث جعلت الدموع تبكي إجلالاً لتلك المواقف الرائعة، شباب يتضامنون ضد من يحاول إشاعة الفتن القبلية والمذهبية، الإباضي يقول أنا سني وهابي، والوهابي يقول أنا شيعي، وشيخ القبيلة يقول هذا ليس عصر القبائل، بل هو عصر الشعوب مجتمعة، في دولة الحريات والحقوق، شباب يشكلون اللجان الشعبية كي يحموا الممتلكات العامة، شباب يحمون ميناء صحار، يحمون المحلات التجارية آخر الليل في شناص، يضربون بيدٍ من حديد على المخربين والمفسدين، إنها ثورة الشعب العُماني ضد كل أشكال الفساد في الأرض.
ومن جديد أثبت الإعلام العُماني أنه ما زال على خطابه القديم البطيء الذي لا يعرف أنه في زمن السرعة، وبدل الخبر في دقيقة فإن إعلامنا يمشي بسرعة كلمة في الدقيقة، حتى الأغنية أسرع منه.
الحياة الجديدة قادمة تهز أركان الفساد وستسقطها، الحياة المستقبلية قادمة تهز أركان المختبئين في الظلام، الذين يحاولون قهر الشعب وسرقته في الظلام، الحياة قادمة لروح هذه الأرض الطيبة، ولا يوجد عاقل حقيقي يقف مع الفساد بعد أن تعرى الفساد، كما لا يوجد عاقل لا يختار الشعب على إدارة فاسدة.
عُمان ونفوس أهلها الأبية الآن والعاقلة لسنين والحكيمة تتجه نحو التغيير والحرية، وما أعظم هذا الشعب حين يفعل ذلك، لأن الشعب حين يفعل ذلك وعلى عكس التمرد الجماهيري الأعمى العارم يقوم بالتمييز بين الصالح والطالح، ويقوم بالتفكير في مستقبل وطنه.
الشعب يفكر في وطنه أكثر مما يفكر ظالموه فيه، الفاسدون الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم وثرواتهم وسلطاتهم، والشعب يبدي وعياً أفضل من الجميع، حين يفكر في الحاضر وفي المستقبل. وحين يقود شباب الشعب التغيير، هنا أعرف أن هذا شعبٌ مبارك، وهنا أدرك هذه الروح العُمانية التي صنعت كل هذا المجد الذي يطالعنا في كتب التاريخ، كل تلك الدماثة الأخلاقية الرفيعة التي تقف مع الحياة دائماً وتصنع الحياة على الدوام وتحافظ عليها حتى في أزمنة الظلام العام، شعب يشعل نوراً في الظلام. يضيء حقبة زمنية بيديه.
عُمان أيتها الجغرافية المتنوعة الزاخرة أشهد أنك رعيت على ترابك أرواح شعبٍ عظيم، أرواح شعب سلمي مسالم، يعرف كيف يؤدي الحقوق ويعرف كيف يرعاها، أشهد أيتها البلاد الرائعة أني أحبك، أنني أحب هذا التنوع فيك، أيها الوطن الرائع لقد جعلتنا جميلين مثلك، أيها الوطن الواقف على الهامش بما يكفي كي نرى وكي نختلف وكي نشارك، أيها الوطن الذي يهمس لك البحر والريح كل صباح ومساء كم أنت رائع، وكم تستحق الحرية.
الوطن نفسه غاضب هذه المرة ممن يشيعون الفتن كي يثنوا الشباب عن رحلتهم إلى المستقبل، الوطن والأرض، غضب في الطبيعة يسري من المفسدين، من المفسدين على الأرض، لقد أخرجت الأرض خيراتها لكل أبنائها، خيرات الحرية والثروة والمناخ المناسب تماماً لحياة الإنسان، لكن هناك من يريدون أن يستحوذوا على تلك الخيرات لأنفسهم، ويريدون أن يمنعوا الإنسان من الحياة، يريدون أن يحجبوا شمس الحياة الرائعة، ويعجبهم أن يروا الإنسان مهموماً ومظلوماً ويشعر بالغبن في وطنه، واليوم سيسقط كل أولئك الناس الذين هم ضد الحياة، وسيبقى كل الناس الذين مع الحياة، يمضون إلى المستقبل الرائع، مع الشباب الحيوي، مع شباب الحياة الحرة والعيش الكريم الحقيقي، لا المزيف.
زمن جديد يا عُمان على يد أبنائك يسع الجميع.
شاعر من عُمان