1- مقدّمة
الحرب ظاهرة اجتماعية، يقول جاستون بوتول.(1) ولأن الواقع الاجتماعي هو العالم المرجعي الذي تنطلق منه الرواية وتحيل إليه، ولأن الرواية ترصد المجتمع بظاهراته وتحوّلاته في محاولةٍ منها لتقديم شهادةٍ فنيةٍ عليه تدخل في التاريخي وتخرج منه في آن، كان لا بدّ لها من الاهتمام بالحرب/الظاهرة الاجتماعية لا سيّما في بعدها الداخلي. فالحرب الأهلية «من أشدّ الحروب ضراوةً اذا نظرنا إليها من ناحية نوعيّتها وشدّتها، ومن وجهة النظر الكمّيّة والسكّانيّة، فانّ الحروب الأهلية تسبّب بوجه عام أعظم تخريب وأكثر ضحايا. » كما تقتبس رفيف رضا صيداوي عن بوتول.(2)
من هنا، تمخّضت دور النشر عن عشرات الروايات التي راحت ترصد الحرب الأهلية بتداعياتها ونتائجها على ذلك العالم المرجعي بمكوّناته الثلاثة، على الأقل، الانسانِ والمكانِ والزمان. لذلك، يعتبر بعض الباحثين أن «الحرب هي البوتقة التي صنعت الرواية اللبنانية الجديدة على اختلاف آفاقها»، وشكّلت الحاضنة «لولادتها الحقيقية، كفنٍّ روائيٍّ يحاكي الفنَّ الروائيَّ الغربيَّ روحاً وجوّاً وتقنيّاتٍ وأساليب.. . »
واذا كانت رواية «الرغيف» لتوفيق يوسف عواد، بمعالجتها البنية الاجتماعية اللبنانية، من أولى الروايات التي أرهصت بالحرب وتنبّأت بها، يرى البعض أن الانطلاقة الحقيقية لرواية الحرب كانت مع الياس خوري في «الوجوه البيضاء»، تلته حنان الشيخ في «حكاية زهرة»، ثم كرّت السُبحة، وراحت تتلمّس ملامحها في ثمانينيات القرن الماضي حتى اكتسبت وجهَها وشخصيتَها في التسعينيات منه، وتمخّضت هذه المرحلة التاريخية عن أسماء مهمّة لا يتّسع المقام لذكرها توزّعت على أجيالٍ تلا بعضُها بعضاً. (3)
هذه العجالة لا تحاول مسحاً للنتاج الروائيِّ «الحربيِّ» والإحاطةَ به، ممّا يدخل في باب البحث العلميِّ الأكاديمي. وحسبُنا الإشارة الى ما تسنّت لنا قراءتُه من هذا النتاج ورصدُ تمظهراتِ الحرب فيه، على مستويي الحكاية والخطاب، لعل الجزءَ يُغني عن الكل، فالثمرةُ تومىء الى الشجرة، والشجرةُ تُحيل الى البستان. مع العلم أن المقروءَ قد لا يكون الأهمَّ في اكتنازِ الحرب والتعبير عن تمظهراتِها المختلفة.
2- على مستوى الحكاية.
الحديث عن الحرب ليس بالحديث المرجّم، « فما الحربُ إلاّ ما علمتُم وذقتُم / وما هو عنها بالحديث المرجّمِ»، على حد تعبير الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى. لذلك، من نافل القول أن الحرب تتمخّض عن القتل، التدمير، التنكيل، الغربة، الاغتراب، الهجرة، التهجير، القصف، الخطف، تفكّك الأسرة، المرض، الجنون، العزلة، العجز واليأس.. . الى ما هنالك من مفردات يصعب حصرها تنتمي الى الحقل المعجمي للحرب. على أن هذه المفردات، بعضَها أو جلَّها، تنعكس في رواية الحرب بطريقة تختلف من رواية الى أخرى. فالواقع الاجتماعي غير محدود، هو متحرّكٌ ومتحوّلٌ باستمرار، والرواية محدودة كمّاً ونوعاً، وليس للمحدود أن يقبض على غير المحدود. ومع هذا، فانّ البطولة في رواية الحرب تتراوح بين الحرب نفسها، وضحاياها، وأماكنها، وسائر عناصر العالم المرجعي الذي تحيل اليه.
في روايةِ ربيع جابر الأخيرة «طيور الهوليداي ان»(دار التنوير 2011)، تبدو الحربُ بطلاً روائيّاً مكتمل السمات والملامح، أعضاؤه الجثثُ المتفسّخةُ وتبادلُ القصفِ والخطفُ على الهويةِ وأوصالٌ مبتورة وحمرةٌ سوداءُ خانقةُ الرائحة، ويبدو البشرُ، الذين منعَ عنهم الروائيُّ صفةَ البطولة، نثاراً متطايراً تعالجُها الحرب ولا ترفضُ المعالجةَ الغريبة»، كما جاء في قراءة فيصل درّاج. (4)
في «حارث المياه» (دار النهار 1999)، تُسند هدى بركات دورَ البطولةِ الى المكان، ترى بعيني الراوي / نقولا تاجر القماش تأثيرَ الحربِ على منطقةِ وسط بيروت الفاصلةِ بينَ المتحاربين، فيبدو المكانُ خالياً من البشر، تقتصرُ الحياةُ فيه على الكلابِ الشاردةِ والنباتاتِ البرية، المحالُّ فيه تحوّلت الى فجوات، والأعشابُ البريةُ أكلت الجدرانَ المتهدّمة، وأشجارُ الخروعِ تملأُ المكان. ويكتسبُ المكانُ دوراً سياسيّاً حينُ يفتقدُ الراوي المقيمُ فيه الاحساسَ بالأمان. لعلّ الروايةَ أرادت القولَ أن المكانَ الوسطَ بين المتحاربينَ لا يبعثُ على الطمأنينة، وان الالتحاقَ بأحدِ الطرفينِ شرطٌ لازبٌ للاحساسِ بالأمان. فللحربِ منطقُها أيضاً. (5)
وتَقرنُ بركات بين السياسيِّ والجنسيِّ في «حجر الضحك» (دار رياض الريس 1990) حينَ تربطُ بينَ الذكورةِ والحرب، فتعتبرُ أنّ الحربَ هي «نتاجُ ثقافةٍ ذكوريةٍ بنت تاريخَها على مفهومِ العنف». وهي تفعلُ ذلك لتنتقدَ الحرب، ومن خلالِها الذكورة، ولتُعلنَ انحيازَها الى الأنوثةِ بما هي مرادفٌ للهدوءِ والسلام، كما جاء في قراءة يمنى العيد. (6)
تأثيرُ الحربِ على المكانِ وشاغليه هو الحكايةُ التي تحكيها مي منسّى في «المشهد الأخير» (دار النهار 2003)، فالمكانُ ليس مجرّدَ بنيةٍ ماديّةٍ بل هو فضاءٌ اجتماعيٌّ بامتياز. لذلك، فانّ تدميرَ المسرحِ/المكانِ الروائي طوّحَ الممثّلينَ الذين أرادوه تعويضاً عن الحياةِ أو جسرَ لقاءٍ معها، كأنّ المكانَ هنا معادلٌ روائيٌّ للمكانِ الأكبرِ/الوطن، وكأنّ مصائرَ الممثّلين الفاجعةَ معادلٌ روائيٌّ لمصائرِ اللبنانيين خلالَ الحرب. ينتهي شريف في مصحٍّ عقلي، نديم يتشرّدُ في الغربةِ متسوّلاً بموسيقاه، منذر يعيشُ في قريتِه غربتَه الثانية، سارة تفقدُ ذاكرتَها وتعيشُ في عزلةٍ تامة، ومريام تُهاجر. هذه النهاياتُ نتائجُ طبيعيةٌ للمقدماتِ الماثلةِ في الحربِ، وتدميرِ المسرح، وانطواءِ كلِّ شخصيّةٍ على مأساتِها. (7)
واذا كانت هذه النهاياتُ وقعت على مجموعةٍ من الأفرادِ/الأسرِ، فانّ نهاياتٍ مماثلةً تقع على أسرةٍ واحدةٍ في «أنتعل الغبار وأمشي» (دار الريس 2007)، فتقول الروايةُ ما فعلته الحربُ بماريا بطلةِ الروايةِ وأسرتِها، وما عانَته من قتل، ونفي، وهجرة، وغربة، وبكم، ووحدة. تهربُ من مصيبةٍ الى أخرى، يُطاردُها قدرُها الملعونُ فتبدو طالعةً من مأساةٍ اغريقية؛ تشهدُ مقتلَ أمِّها طفلةً، تُصابُ بالبكم، تتهجّرُ، يضيعُ أخوها الصغيرُ سامي، يموتُ أخوها الأسيرُ العائدُ من سجونٍ شقيقة، تهاجرُ الى فرنسا.. . (8)
مصائر مشابهة بدرجة أقلَّ من العنف، تحصلُ على المستوى النفسي لا الجسدي، تؤول إليها شخصيات «مريم الحكايا» لعلوية صبح (دار الآداب 2002)، وهي ناجمة عن الحربين الخارجية والداخلية. فاذا كانت الأولى سبباً في النزوح، فانّ الثانية شكّلت فضاءً لتبلور الأحلام وانكسارها في مرحلة لاحقة. الحرب هي «الفضاء الروائي الأوسع في الرواية، يفكك الأشخاص والأسر، ويجهض الأحلام ويكسرها»؛ ويُحدث تحوّلات جذرية في مسارات الشخصيات ومصائرها؛ فمريم راوية الحكاية تتحوّل من حالمة، رافضة، متمرّدة، ثائرة «الى القبول بزواج سبق أن رفضته، والى السفر لتحقيق هذا الزواج، تؤثر الوحدة، وتغدو اليقظة عندها نوعاً من الخدمة الاجبارية». والمصير نفسه تؤول اليه ابتسام التي «حاولت أن تغيّر العالم فتغيّرت هي». و«ياسمين تعود الى بيئتها المحافظة بعدما حلمت بتغييرها، فتتحجّب». وعلوية الشخصية الروائية تتماهى مع حالة الاجهاض العامة فتجهض يدها لكي لا تكتب. وكريم ينكفىء الى طائفته وعائلته. والدكتور كامل يئس من الحرب والفقراء، يئس من الدنيا وتحوّل الى الدين. و«عائلة أم طلال تفككت في الحرب، وهرهرت حبّات عنقودها لتغدو مجرّد أب متقاعد فقد سلطته وقدرته الجنسية، وابنة مريضة تُعالج بأساليب بدائية غيبية، وابن مدمن يموت في المستشفى وحيدا». هي الحرب تجهض كل شيء: الأحلام، الذكريات، المدينة، الشوارع، الجدران، القرى، الحياة. هي الشخصيات الضحايا تؤول الى: انكسار الأحلام، الانكفاء على الذات، الوحدة، التديّن، الزواج، الموت، الرحيل، الجنون والتفكّك. (9)
في «تأخّر الوقت» (دار المسار 1997) تقرن الكاتبة منى فياض بين الحرب على المدينة والحرب على الجسد، ترصد تأثير الحرب على الانسان والمكان والزمان، وتأثير المرض على الجسد المحكوم بالشرط الانساني والمقيّد بقيدي الزمان والمكان. وهي تفعل ذلك «من خلال الحركة المكوكية ينسجها السرد بين الخارج والداخل أو بين المكان والانسان في زمان معيّن، فيختلط الحيّزان ويتداخلان ويتفاعلان. الخارج يترك تأثيره على الداخل فيختل ويتضعضع، والداخل يرى الى الخارج من خلال اختلاله فيُسقط عليه أوهامه وتصوّراته، فيبدو، بدوره، مختلاًّ، متضعضعاً. وهذه، بالطبع، محصّلة طبيعية للحرب-المرض حيث لا مجال للرؤية الموضوعية». (10)
في «الذكريات الملغاة» تقول نازك سابا يارد تأثير الحرب في الاجتماعي من خلال الاقتصادي، فتفكُّك الأسرة في الرواية ينجم عن ضرب مستواها الاقتصادي. شريف وهدى ضحيّتا النتائج الاقتصادية التي ترتّبت على الحرب، ذلك أنّ ضرب الطبقة الوسطى، وتدنّي مستوى المعيشة، واختلال سلّم القيم، وصعود فئة من الوصوليين المتملّقين، جعلت شريفاً يتردّى في الاحباط واليأس وهدى تؤول الى عدم الرضى والتبرّم بواقع الحال. (11)
اذا كانت مقاربة موضوعة الحرب روائيّاً تمحورت في الأغلب الأعم حول الحرب الداخلية، فثمة مقاربات ربطت بين هذه الأخيرة والحرب الخارجية. في «ساعة مرمورة» (دار الساقي 2008) تربط نرمين الخنسا بين الحربين الخارجية والداخلية؛ تخصّص الوقائع للأولى، والذكريات للثانية. تتناول في الوقائع حرب تموز 2006، وفي الذكريات السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب اللبنانية، في سياق روائي تتكامل فيه الوقائع والذكريات. ولعلّها تشير روائيّاً الى التكامل بين الحربين في مضاعفاتهما وتأثيرهما على البشر والحجر. على أن الحرب اللبنانية تتمظهر روائيّاً في قدرة قوى الحرب على منع التلاقي والتواصل وإجهاض مشاريع الحب؛ فعلاقة الحب بين ريم وسامر المختلفين طائفيّاً تحدّيا فيها الحواجز المادية والمعنوية، وجاء لقاؤهما الأول في المتحف المنطقة الفاصلة بين المتحاربين ليجعل منها منطقة وصل بين حبيبين ويشي بقدرة الأفراد على تحدّي منطق الحرب، غير أن اللقاء الأخير الذي لم يتم بسبب خطف سامر جاء ليكرّس منطق قوى الحرب في منع تلاقي الأفراد والجماعات. (12)
الربط بين الحربين الخارجية والداخلية من حيث مضاعفاتهما وتأثيرهما يظهر أيضاً في «ركام» (دار الفارابي 2009). غير أن هدى عيد تفصل بين من يقع عليه التأثير؛ فترصد في روايتها مضاعفات حرب تموز 2006 على أسرة جنوبية، وانعكاساتها التي تمظهرت تفكّكاً أسريّاً وأعطاباً على أجساد ونفوس أفرادها، من جهة. وترصد، من جهة ثانية، مضاعفات الحرب الداخلية على أسرة جبل لبنانية وانعكاساتها التي تمظهرت في: خرس الأم، تحطّم عبدالله، مقتل أنريكو، خواء حياة منار، وحزن عقل.. . (13)
3-على مستوى الخطاب.
لم تجترح رواية الحرب تقنيات جديدة في خطابها الروائي، فالتقنيات المستخدمة موجودة في رواية ما قبل الحرب. غير أن استخدام هذه التقنيات بمقادير معيّنة، وتغييب بعضها، وحضور البعض الآخر بما ينطوي عليه ذلك من دلالات روائية مرجعية هو ما يمنح الخطاب الروائي لعدد من روايات الحرب خصوصية ما، مع العلم أن التقنية نفسها تختلف دلالاتها من رواية الى أخرى.
واذا كانت رواية الحرب اللبنانية تميّزت «بتكسّر زمن السرد، وبتقديم عالم متخيّل يوحي بالتفكيك، قوامه، لدى بعض الروائيين، شخصية ملتبسة تعاني تمزّقها وغربتها، وتعكس هوية مجتمعية مسكونة بهواجس الموت والدمار»، كما ترى الناقدة يمنى العيد (14)، فانّ التكسّر والتفكّك والالتباس هي جزء من تقنيات رواية الحرب وليست كلّها، ولا تكتسب الدلالات نفسها في الروايات المختلفة.
في «حارث المياه» لهدى بركات تغلب الذكريات على الوقائع ما يحيل الى فقدان الاحساس بالمكان وعكوف الناس على الذاكرة. يغيب الحوار ويحتكر راوٍ واحدٌ عملية الحكي ما يحيل الى سيطرة الصوت الواحد، واحتكار الرجل الكلام، وعدم سماع الرأي الآخر. تتداخل الأزمنة وتتكسّر ما يحيل الى انكسار ايقاع الزمن وانتظامه في الحرب. (15)
في «المشهد الأخير»، «تصطنع مي منسّى لروايتها خطاباً غير تقليدي، يتعدّد فيه الرواة، تتوازى الحكايات أكثر مما تتسلسل. واذا كان التسلسل يتوافر ضمن الحكاية الواحدة، فانّ خط السرد ضمن كل حكاية لا يعكس تسلسل الأحداث والذكريات، بل هو خطٌّ متكسّر. ولعلّ مثل هذه التقنية يلائم واقع الحرب الذي تمتاح منه الرواية وتحيل إليه. وهو واقع يقوم على الافتراق والتشظّي». (16)
في «الذكريات الملغاة» لنازك سابا يارد تنعكس الحرب في الخطاب الروائي من خلال: تعدّد الرواة، تعدّد الرؤى، طغيان التذكّر، غياب الحوار عن الوقائع؛ «فتعدّد الرواة في الرواية ورؤية كل منهم الى الأحداث من زاويته الخاصة مع ما في هذه الزوايا من تضاد يشير الى صعوبة التفاهم والالتقاء. وطغيان تقنية التذكّر على ما عداها انما يحيل الى عكوف الانسان في زمن الحرب على ذاكرته هرباً من الحاضر والآخر. واقتصار الحوار على الذكريات انّما هو تغييب له عن الوقائع الراهنة، وهو حتى في هذه الحالة حوار متشنّج يفتقر الى الهدوء والموضوعية ما يعكس تأثير الحرب على الخطاب الروائي». (17)
في دراستها «النظرة الروائية الى الحرب اللبنانية» التي شملت تسعة عشر نصّاً روائيّاً لاثني عشر روائيّاً تتلمّس رفيف رضا صيداوي كيفيّات بناء الزمن والمكان والشخصية في رواية الحرب، وتربط تلك الكيفيّات بدلالاتها الاجتماعية المرجعية، وتتخذ من الفني مؤشّراً على الاجتماعي، فالرواية شكلٌ فنّيٌّ ينطلق من الاجتماعي الى الفني ليعود الى الاجتماعي من جديد، في مسار دائري يربط بين الحقلين.
تربط صيداوي بنتيجة دراستها بين تكسير الزمن ودلالات عدة تختلف باختلاف الرواية أو الاتجاه الروائي. ومنها: انفتاح الزمن على الذاكرة التاريخية، ارتباط الحرب بالتاريخ، انحصارها في اطارها الفيزيقي وتوصيف معاناة الروائي/المثقف، الانفتاح على الذاكرة التاريخية وتشظّي ذاكرة المثقف في آن. (18)
وتربط بين نوع المكان والدلالة السوسيولوجية الخاصة به؛ فالمكان الرحب يحيل الى رحابة المنظور القيمي للحرب، والمكان المحدود يشير الى ضمور هذا المنظور، والمكان البؤرة يدلّ على ذاتية المكان وطغيانه، والمكان الكثيف يومىء الى شمولية المعرفة المقدمة عن الحرب. (19)
واذ تميّز بين ثمانية نماذج من الشخصيات الروائية؛ منها: الايجابي، الاشكالي، السلبي، الهروبي، اللامنتمي، الانهزامي، والهامشي، تربط بين الشخصية والمرجع الذي تحيل اليه في العالم المرجعي. (20)
4-خاتمة
تمخّضت الحرب اللبنانية كظاهرة اجتماعية مفارقة للسياق الاجتماعي التاريخي عن تجارب روائية كثيرة، متعددة ومتشعّبة، شكّلت قفزة نوعية في تاريخ الرواية اللبنانية كمّاً ونوعاً، على ما بينها من تفاوت في الكم والنوع. واليوم، وبعد عقدين على وضع أوزارها، ما تزال تغري بالكتابة. كأن المجتمع الذي أنتج هذه الظاهرة بمجموع أفراده يرغب بالتطهّر منها بالعدد القليل من روائيّيه. فهل تراه يفلح في ذلك؟
المراجع
1- بوتول، جاستون، الحرب والمجتمع، تر. عباس الشربيني، القاهرة، دار المعرفة الجامعية، ط1، ص113.
2- رضا صيداوي، رفيف، النظرة الروائية الى الحرب اللبنانية، دار الفارابي، الطبعة الأولى 2003، ص18.
3- وازن، عبده، رواية الحرب اللبنانية، كتاب دبي الثقافية، مايو 2009، ص21، 24.
4- جريدة الحياة، الجمعة في 18 تشرين الثاني 2011.
5- زين الدين، سلمان، شهرزاد والكلام المباح، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى 2010، ص186، 187.
6- العيد، يمنى، الرواية العربية، المتخيّل وبنيته الفنية، دار الفارابي، بيروت 2010، ص121.
7- زين الدين، سلمان، م . س . ص 153.
8- م . ن . ص 158.
9- م . ن . ص 90، 91.
10- م ، ن . ص 142.
11- م . ن . ص 170، 171.
12- م . ن . ص 181، 183.
13- م . ن . ص 198، 199.
14- العيد، يمنى، م . س . ص 117.
15- زين الدين، سلمان، م . س . ص 189، 190.
16- م . ن . ص 153.
17- م . ن . ص 174.
18- رضا صيداوي، رفيف، م . س . ص 169، 170.
19- م . ن . ص 175، 176، 206، 220، 224، 240.
20- م . ن . ص 248.