[1] يبدو أن سؤال الشعر: امكانه وفعاليته وحركة وجوده، لم يعد قادرا على استمالة الآذان، حتى كأنما قد فض الى الابد ليهبط من الثقافة الى الحياة، ولينحل في جماع الممارسات الشعرية. ولكن حركة الشعر لم تعدم غطاء تتحرك في حراسته، وكان هذا الغطاء هو فكرة "الممارسة" ذاتها، ومباشرة العمل دون توسط، "العمل" بما تتضمنا هذه الكلمة من تواضع المطلب وبساطته وحدود الانشغال. فليفرغ الشاعر الى قصيدته مطرحا وراءه الاسئلة !لكبرى، والآمال الكبرى ايضا، والاهم من ذلك نافضا يديه من "الفكرة".
لكن النقاشات التي تدور هنا او هناك ربما بمحض الصدفة تكشف عن "الوجه الآخر للتكوين ".
فلماذا يقفز النقاش فجأة من المنطوق الى امتحان المعنى؟ ومن المعنى الى امتحان الضمير؟ هكذا: الضمير! ولا يكاد يتبدد الغبار الا عن مرارة لا يعلم احد مصدرها!
من حقنا ان نتضجر لان مفاهيم مثل: الصدق. موضوعيا كان ام فنيا -، والعالم – موضوعا كان ام ذاتا كلية -، والجمال – علاقة كان ام جوهرا خالصا – واللغة – مساحة للتواصل او سجنا للاعراف – ما تزال تنجذب اليها المخاصمة في العمق رغم ما تراكم ويتراكم ارتالا من القصائد والبيانات وحتى الطرقات القوية على المناضد والمنصات التي تحلف بالمغلظات ان هذا عهد مأفون قد مضى الى غير رجعة وان هذه المفاهيم قد تم تجاوزها في سلم الجدل، وأخلت طريقها لما هو اكثر راهنية وألصق بأسئلة العصر.
ولكن يبدو ان المرور فوق هذه المفاهيم كان مرورا فوقها حقا، وليس من خلالها ولهذا لم تكتمل شرائط الجدل المذكور، بينما تتراوح القصائد بين تقعيد الثورة وتقعيرها من الداخل والى الداخل، بين "حواديت " اليوم والليلة، وبلغة تبيع التضحية في الكلام تعويضا عن الفشل في التعايش وفي الفهم، وترفع شعار العدمية دون ان تكون قادرة على تحمل مسؤولية عدميتها، على السعي بالكلمة الى نهاية الطريق.
[2] في عام 1960 صدر ديوان " لن " لانسي الحاج، وبين يديه مقدمة، تبدأ بالسؤال التالي: "هل يمكن ان يخرج من النثر قصيدة ؟" كان السؤال محددا واضحا، كان سؤالا في النوع. الا ان المقدمة لم تفرغ قط للتحليل الوصفي لطبيعة «قصيدة النثر» حدها وآفاقها وما تعد به، بل لعل هذا الشاغل كان عنصرا فقط في إطار سؤال اعم واشمل. دون مبالغة، كان سؤالا حضاريا، هكذا لم تكتف المقدمة بالتنويه بـ "الشاعر الحقيقي" فراحت تكيل التوبيخ للـ "مهللين عن جهل". شجبت «المقلدين الراكدين». وتساءلت عن "النهضة.. اي نهضة ؟". تكلمت بحرارة عن "الف عام من الضغط " وعن ضرورة "الهدم والهدم والهدم ". حتي اننا لندهش الآن امام هذه الكثرة الكاثرة من التعريفات والتحديدات والاحكام، واصابع الاتهام الموجهة هنا وهناك.
ألم تكن هذه هي حقبة الايديولوجيات القوية، والكاريزمات السياسية الساحقة ؟ الحقبة التي اندمجت فيها-حسب تعريف المقدمة نفسها-غوغائية النخبة والرعاع على السواء لتشكلا سلطة واحدة في وجه الحرية والتطور؟
لعل هذه المبررات ان تكون كافية، فقد وقع الشعر فريسة "الارهاب " وانتقل الى موقع الدفاع عن النفس. لكن الغريب ان جملة العلاقات التي تنشأ عن "حالة الدفاع عن النفس" ليست باقل مخاتلة او امراضا من التحزب الايديولوجي والوثوقية. فما كانت تمارسه السلطة من ارهاب وقمع خارجيين، كانت تمارسه ايضا (فكرة) الدفاع عن النفس مستعينة بسلطة داخلية على الضمير، مؤجلة – وفق تكتيكات استراتيجية – كل النقاط الحاسمة والاشكالات الوجودية التي تميز الفرد. نعم.. ما كان يقع في الخارج كان رجع صداه يسمع في الداخل ايضا: "لا صوت يطو فوق صوت المعركة".
لقد بدا حينئذ ان الحلم و"الجنون"، «الهستيريا» و"النرجسية" – هكذا بالحرف – هي مفاتيح الخلاص لاعمال شعرية لم تدرك آنئذ كيف انها محسوبة على تاريخيتها بالذات، مرهونة اكثر مما تتصور بطبيعة الصراع. ماذا فعل «الصراع»؟ لقد تحول بالفكرة – فكرة الايمان – الى مجرد حائط استراتيجي. هكذا اضحت الفكرة مرهونة اكثر بضرورة خارجية، انفصلت نهائيا -او كادت- عن اصحابها، واذ لم تعد ملكا لاحد، فقد فقدت جانبها الاشكالي وظهرت في النهاية كألفاظ لا تقل غموضا ولا شعوبية عن ألفاظ السلطة ذاتها. ماذا يبقى من الفكرة حينئذ الا جانبها الاستهلاكي؟ وربما مهمتها كذلك كـ "كلمة سر" او "سيم " بين أهل الصناعة ؟
[3].. على لسان "دلجوروكي" بطل "المراهق" أجرى ديستويفسكي هذه الكلمات: "متى استقر في ذهن المرء شيء ثابت، دائم، مستمر… فان هذا المرء ينفصل في الوقت ذاته عن العالم معتصما بالعزلة.. حتى ادراكاته الحسية تصبح غير صحيحة.. كانت "الفكرة" تعزيني عن العار وعن التفاهة، ولكن جميع دناءاتي كانت تحتمي تحت "الفكرة" ايضا. على ان فهم الظروف والاشياء فهما يبلغ هذا المبلغ من الاضطراب لا يمكن الا ان يضر بالفكرة نفسها.."
كانت فكرة "دلجوروكي" ان يكون "روتشيلد" وكانت فكرة انسي الحاج "الجنون": "بالجنون وحده ينتصر المتمرد ويفسح المجال لصوته كي يسمع، ينبغي ان يقف في الشارع ويشتم بصوت عال، يعلن وينبىء.. هذه البلاد، وكل البلاد متعصبة لرجعتها وجهلها، لا تقاوم الا بالجنون "… الى اي مدى عصفت هذه الفكرة بمصائر تماهت مع "روح الفكرة " ورأت الطريق امامها سهلا: الجنون، وهو لا يكاد يكلف شيئا، بيد ان الجنون "الشعبوي" الجنون "كتعبئة عامة" كان قد افرغ من محتواه الروحي الاختياري تحديدا، ليصبح جنونا بالفعل، هذيانا لا "يهدم ويهدم ويهدم" الا ذاته فقط.
أعود الى "دلجوروكي" مرة أخرى وبعد صفحات قليلة من اعترافه السابق "ما من فكرة تستطيع ان تبلغ من فتن المرء حد منعا من التوقف فجأة امام حادث محزن، والتضحية بكل ما قام به خلال سنين من العمل في سبيل الفكرة.."
[4] خمسة عشر عاما تمر ليظهر ديوان "الرسولة بشعره الطويل حتى الينابيع"، موقعا بإمضاء لعله لإ يخلو من مغزى: "مغلوبك". وبين «لن» و"مغلوبك" رحلة. ترى.. هل استوقف انسي الحاج حادث كذلك الذي ألمح اليه "دلجوروكي"؟ يبدو على اية حال انه لم يكن محزنا.. ويبقى السؤال، فالمسألة لا تتوقف عن حدود "مغلوبك" ذلك ان "الرسولة" على الرغم من غنائيته الشفيفة والمصحوبة بشهوة الحكى والاعتراف، يعيد بالفعل طرح العلاقات الجوهرية للاسئلة التي بدأنا بها عن "الصدق، والعالم، والجمال، واللغة ". وبينما يخلو العمل من مقدمات الا انه وعقب الفراغ من قراءته يدفع بالسؤال مرة اخري: من أين يأتي الشعر؟
كان من المفترض ان تدفع "موضوعات" الرسولة بالشعر الى نطاق التطرف، فهي تتناول انماطا ذات وجود مشاع غير زمني فـ "الآلهة" و "المرأة" و " العالم" و"الآخرون" – وفق منظور الفرادة الصارمة – كلها كانت تمثل من قبل الآخر في كليانيته، والذي لا حياة الا بنفيه ولا وجود الا بالتعيش على خراب وجوده. ان كلمة "الموضوع" في حد ذاتها تعد سيئة السمعة ومثيرة للحساسية لان كل ما هو موضوع يمثل عبء الخارج وسلطته. وسيظل "الموضوع" مهددا دائما طالما بقيت العلاقة على هذا النحو من توازن القوى ومن الناحية الأخرى يمكن النظر الى موضوعات الرسولة. وفق منظور قصائد اليوم والليلة – على انها ضرب من الكهانة والعرافة بعيدا عن الهموم الحقيقية.
لكن «الرسولة» يطرح مفهوما مغايرا تماما يتأسس على المجاورة والصداقة، صداقة العالم والآخرين، صداقة "الموضوع".
هل المجاورة أو الصداقة يمثلان صيغة وضيعة للتعايش ؟
صحيح أن الجنون – وهو مشروع "لن " – كان في منبته السريالي ايغالا وراء الحقيقة الام، الحقيقة الاكثر بدائية وبراءة، لكن طريق الحقيقة ليس واحدا، لان الحقائق ايضا ليست واحدة.
[5] "الرسولة"، قصة الاخطاء المتكررة واللعنة او الاثم اللذان من الممكن تلافيهما، وهو ما يحدث عند لحظة يصعب تبينها، لانها اللحظة التي تفصل بين الرغبة والحب. فالرغبة تنظر امامها الى مستقبلها، تضع نقطة في الامام يتوجه اليها القلب تحت وطأة ضرورة لا يكاد يفهمها ولكنه يحسها، وفي انطلاق الرغبة الى المستقبل يتعرف الحب الى نفسه، وتتشكل سيرورة الروح.. حتى ان الطريق يصبح هو الحقيقة، الحقيقة المحايثة للكائن ذاته.
"هذه قصة الوجه الآخر من التكوين
وجدتها وعيناي مغمضتان
فالطريق حبيبتي "
اما "الرسولة" نفسها فهي "الحادث" موضوع الرغبة والحب والافتتان الذي يدفع بالمرء الى "التضحية بكل ما قام به خلال سنين من العمل في سبيل الفكرة"، نموذج الروح المغيرة بالفعل دون ان تفطن انها تغير، والتغيير هو عطاؤها التلقائي حتى انها لتفجأ الحياة بثقتها الساذجة:
"أنت المضمونة
تغيرين الحياة دون انتباه"
من رحلته مع الرسولة يعود الراوي- او الشاعر- من الطريق ذاتها وقد فهم، يعود الينا ليحكي. يتوسل ليحكي
"اسمعوا
لا تغلقوا الابواب"
لكن، أليس الحكى – ولنتناس النبوءة والشتيمة بصوت عال – هو نكوص عن موقع "لن "؟ فالحكى لا يفترض فقط بعث التواصل والمشاركة وقسمة مخزون الفرح والحنان، اكثر من ذلك انه يفترض اساسا اصالة المحكي. اعني اصالة الموضوع حتى ليكاد الراوي أن ينحني، ويركع امام "الحكاية" مستشعرا حرج موقفه:
"هذا بحرك من مركبي الصغير"
هذا الذوبان في أصالة الموضوع لعله ان يكون الاختبار الحقيقي لاصالة الذات، وحين تطل الصداقة في النهاية فلن تكون صيغة متواضعة للتعايش، بل كطريق محفوف بالمخاطر، مخاطر السحق والاستسلام لشهوته، ومخاطر الانسحاق ايضا، فبين الموضوع واغراءاته وبين الجماعة وانظارها الملحاحة يحكي الراوي، الحكي هو جدارته، هو النقطة التي تجتمع لديها خيوط الاشياء الزمن نفسه تعاد صياغة معياريته وفق لحظة كشف دون اللجوء الى التخلص منه بالحديث عن ازاحته او التدبير لاغتياله مثلا، بل هو ينضغط، يلتهم دفعة واحدة، وتبقى فحسب بذوره العارية.
كانت لـ "كيرجورد" فكرة طريفة عن الفردية مؤداها، انه يرثي لهؤلاء الذين يخوضون «الكل»، رغبة فقط في التأكيد على فرديتهم، مشيرا الى هذه "الفردية" على انها خالية من المضمون او القيمة، لانها – وهي السابقة على الكل – لا تعني اكثر من الفرادة البيولوجية والنفسية، اما الفردية الحقيقية – في تصوره – فهي الذوبان في "الكل"، ثم تجاوز والتعالي عليه.
لكأنما هذه هي الطريق الوحيدة لتجاوز اخلاقية. ولنقل ايضا:
معيارية – الكل، باعتبارها الضرورة التي لابد من الاكتواء بها، الى ان تحين اللحظة التي تنفرد فيها الذات بأخلاقيتها ومعياريتها.
[6] هل "الرسولة" رحلة تكفير عن الصلف ؟ تراجع عن التحدي الى الاعتراف والغنائية ؟ فالرسولة غناء كله، غناه للآخر، للأقوى، والاغزر عطاء. هذا العطاء الذي كشف عن زيف التراتبية القديمة القائمة على مفهوم خاص للقوة. كانت القوة تعني ملكية أشد، واستخداما اوسع وبأبخس الشروط – وافدحها كما سنرى -. هكذا ونحن نتابع الجانب الآخر من التكوين نكتشف كيف انفصل الرجل عن المرأة بوازع الاستهلاك، انفصال عن الموضوع من اجل ضمان ملكية الى الابد.
"مالكا وحده
وبغير شبيه سيكون
وانشق عن انشاه
سحبها كمنديل وكسفها
وأبعدها، رماها ليهجم بارتياح
ليتفوق"
وكأنه لا سبيل الى تبين فاعلية الذات سوى استغلالها لموضوع تؤكد حضورها فيه تنفصل عنه لتكون ضربتها اوسع. ان عرضية الموضوع – موضوع الاستهلاك – تثبت اكثر فأكثر مفهوم الاستهلاك نفسه، كعامل مشترك وحيد، كمفهوم أجوف لا ينطوي على ري، ومن ثم يتكرر الهجوم دون ان يحقق أي غاية او اشباع. أليس من الطبيعي ان يسود الحسر العدمي اذاك كافة المستهلكين.
أراد الرجل ان يتخفف من مسؤولية الوجود – الوجود كتعايش – فأفرغ "المركب من نصف حملة" فاذا به قد افرغه من الرقة. هنا تتبدل الموازين، فما نفقده في علاقة التملك تحديدا يصير هو الاقوي، لاننا نصبح اسرى له. وهكذا تتعقد علاقتنا به وتذهب البراءة الى الابد. ها ان الانسان يقتل ويقتل
"واصلا الجبال بالجحيم
لعنته تهدر في سلالته
يقتل كبهيمة ويقتل كعاقل
يقتل كباغ ويقتل كخائف
الجبار الشقي
يطارد الموت فيقتل الحياة"
يقتل لتأمين الرقة، لضمانها في حوزته، فاذا هو يفقدها اكثر، ويطل ملتاعا بإثمه ورغبته حتى يصبح مضمون الرغبة نفسه خليطا من الحب والتأثم.
انه يطارد الرقة، ثم يطارد من اجلها شهوده، ولا يعرف انه انما يطارد الفكرة، الفكرة التي ما برحت رأسه.
[7 ] من اين تدخل الحياة ؟ ما دامت الفكرة مسيطرة ؟ هل كما اشار "دلجوروكي" المراهق: حين تقع حادثة محزنة ؟ ثمة شرط غاب عن "دلجوروكي" شرط في الكائن نفسه المستقبل للحادثة، هذا الشرط هو الغفلة: لا تدخل الحياة الا من مكان الغفلة، هذا ما قاله الراوي من البداية "وعيناي مغمضتان".
الغفلة هي البادرة الطبيعية حين ننحاز الى شخص ما، شيء ما، موضوع ما.. الانحياز نفسه لا يتحقق الا بهذه الغفلة، من هنا تسرب حياة الشخص او الشيء او الموضوع، وهنا تمتحن الذات في أرضها، وليس في ارض وسيطة تؤمن الغالب والمغلوب.
انها المخاطرة الحقيقية ان ينفتح الوجود للخارج، ولكنها مخاطرة لا تذهب هباء، لان لكل وجود أصالته التي سيتعرف اليها حتما حين تكون المخاطرة قد صفاها، وفرز انحيازاتها الحقيقي منها والمتوهم. انه ثمن الاضطراب والقلق والفجيعة أحيانا
"حبك حياتي في الاضطراب، واستقبلني في اليقين
ادخلني وخلصني
حررني من الصراع الاحمق، وسقاني خمر العرس
صفاني وابدعني"
هنا يقف الراوي، يستمح الله ان يتذكر، وما يتذكره هو خطيئته العظمي: الغفلة الحقيقية هذه المرة، غفلة الانانية والسطوة التي لا ترى في العالم الا صورتها ولا تحسب اللغة الا صوتها تتعشقه، حتى اذا ما دنت الى النبع وحركت مياهه اختفى كل شيء، انها ليست غفلة المنحاز ببراءة رغبته ونوافذها المشرعة، بل غفلة المحاذر المعتصم بكبرياء تشيخ كل يوم بأسرع مما يظن.
"كنت أخاطب الحب وبابي مقفل في وجهه
كنا اخاطبه وذراعاي تعانقان لغة"
[8] قليلا نتوقف عن لغة "الرسولة" اللغة التي ترجع اصداء التراتيل والابتهالات، بيد ان تماهيها لا يعبر عن الوظائف المألوفة في مثل هذه المواقف (الترميز – التهكم، الاسقاط..) انها لغة دينية فحسب، لدرجة تبدو معها ساذجة، سذاجة المؤمن الذي لا يعرف كيف يقول، فيقع على أكثر اللغات قداسة لعلها تنهض بعبئه الا انه على طول الطريق وبجرأة الجاهل يقول لغته هو وصوته هو.
ها نحن نعود الى الايمان، من التكاتف الاستراتيجي الى القلق الفرد، حيث المسؤولية كاملة ومتواضعة ايضا لأنها مساوية لقامة المؤمن. وفي النهاية قد تولد الحكمة لا كاستباق للخبرة او تجاوز لصيغة الذكاء العملي وتصنعا الصنعة ايضا، وانما هي الحكمة الطائشة، الملقاة عرضا مقرونة بالحكم دون تورع او حساب للمكاسب والخسارات.
صور تتابع، صور مبهرة، ولا نعلم كيف -رغم كثافتها – تنقل هذا الاحساس بالاتساع، ذلك أن ثمة حقيقة تضاء شيئا فشيئا، الحقيقة التي تجذب اليها خيط المجاز، خيط اللغة، وكلما اقتربت اللغة من صداقة موضوعها حفرت لنفسها طريقا هو محصلة مخاطرتها كلها.
" وبعد ما كان جيشي جبارا وأرضي مكسورة
صار جيشي مكسورا بصداقة الحياة، وأرضي جبارة"
[9] أنسي الحاج.. من أين يأتي الشعر؟
مهاب نصر (كاتب من مصر)