* (1932-1981) ولدت وتوفيت في استانبول. أنهت دراستها في كلية الحقوق في جامعة استانبول. بعد أن عملت معيدة في نفس الكلية، سافرت إلى فرنسا، حيث كتبت هناك أولى قصصها. وبعدعودتها إلى تركيا عملت بالمحاماة حتى وفاتها. كتبت في الصحف والمجلات الأدبية، وامتازت كتاباتها بالرمزية في معالجة المعضلات النفسية لسكان المدن بأسلوب سردي مبسّط وسلس، وركزت على حالة فقدان الأمل عند شخوصها في صراعهم من أجل لقمة العيش. تركت عدداً من المجموعات القصصية وقصص الأطفال ورواية واحدة.
المرأة الشقراء،
«كفى أرجوك»، قالت. «ستعيدها روايتها ثانية. لقد مللت. كم مرة ستعيدها ! في الواقع،ليس عندك من حديث آخر ترويه.»
كان الرجل قد شرع بالحديث لتوه. لكنه لم يتمكن من إكمال جملته:
«لم تصغ حتى النهاية مطلقاً. دائماً، تقاطعني كلما تحدثت».
المرأة بعصبية ونزق،
«ليست مشوقة»، قالت. «لا أشعر بالإثارة أبداً. ما هو الطرف المثير بقصة دجاجة وخزتها شوكة في قدمها؟»
نظر الآخرون. كانوا يريدون موافقتها الرأي. وقال الرجل ذو اللباس الأسود ثانية:
«لم تدعيني أكمل. لم تدعيني أكمل حتى النهاية ولو لمرة واحدة. دائماً، لا تدعيني أكمل حديثي. أنتِ لا تعرفين سوى أن دجاجة قد وخزتها شوكة في قدمها.»
المرأة بنفاد صبر، «كلا»، قالت، «أعلم البقية أيضاً».
وأضافت بأناة: «تتقدم الدجاجة وهي تعرج نحو أرض نائية. في الأرض، عيدان هشيم تلمع. تتوقف الدجاجة برهة من الوقت. تنظر بعيداً بوهن. لا ترى شيئاً أبداً. لكنها لا تفقد عزيمتها، ولا تثبط همتها. تواصل السير ثانية وهي تعرج، بعزم وهمة أشد من ذي قبل».
استغرق الرجل في التفكير. جفل عندما توقفت المرأة عن الكلام. يشعر بالارتباك آنياً. ثم بانفعال،
«أكملي»، قال.
تلاشى تردده ووجله. المرأة بنفاد صبر،
«لا أعرف البقية»، قالت، «لا أعرف. هذا كل ما أعرفه».
يعاود الرجل شعور بالتردد والوجل،
«لم تدعيني أروِ»، قال. «لم تدعني أكمل مطلقاً».
استدارت المرأة نحو الحاضرين:
«هل هناك من طرف مشوق في هذا؟»
الرجل ذو الرأس الأصلع،
«دعيه يروي»، قال. «ليكمل ولو لمرة واحدة».
المرأة ذات النظارات كانت تجلس جوار الباب. لا تتحدث إلا قليلاً، تنظر إلى وجه من يتحدث. لم يكن جلياً إن كانت تصغي أم لا. ما إن أنهى زوجها حديثه:
«شاي»، قالت، هل تشربون الشاي ثانية؟»
المرأة الشقراء،
«أنا أشرب»، قالت. «أُعدَ الشاي بطريقة جيدة. ما عاد الشاي كالسابق. وما عدت أنجح بتحضيره. مهما حاولت لا أتمكن من إعداد شاي جيد. أعدّ شاياً بلا لون.»
سكتت، ثم أضافت بحزن:
«ما عدت أتمكن من تحضير شاي جيد.»
الرجل ذو اللباس الأسود،
«لا تبالي»، قال.
«كيف لا أبالي. أعدّ شاياً أصفر فاقعاً. عندما لا يكون أحمرا لا يليق حتى بالأكواب. عندما يُذكر الشاي، أول ما يتبادر للذهن اللون الأحمر».
المرأة ذات النظارات وافقت القول:
«في الحقيقة أمر مزعج»، قالت. «لكن دعونا نفكر، لابد وأن نجد حلاً له. لا تعكري مزاجك».
خيّم الصمت على الجميع فترة من الوقت، ثم استأنفت هي ثانية: «هل تغسلين الشاي، أقصد هل تبللينه في البداية؟»
المرأة الشقراء،
«أجل، أجل»، قالت. «دائماً أبلل الشاي أولاً».
أصيبت الأخرى بخيبة أمل:
«نعم»، قالت بصوت كسير.
ثم، «هل تضيفين السكر لإبريق تخمير الشاي؟ قطعة سكر صغيرة. تساعد على تخمّره».
كانت تنتظر رد المرأة الشقراء بقلق. الأخرى،
«أجل»، قالت، «أضيف».
المرأة ذات النظارات فقدت الأمل نهائياً. ما عادت تعرف ماذا تقول. المرأة الشقراء ثانية،
«لا تعلمين»، قالت، «حاولت بشتى السبل».
طغى صوت الرجل الأصلع فجأة على صوت النساء. قال موجهاً حديثه إلى الرجل ذي الطقم الأسود،
«هل قرأتم؟ سقطت طائرة. طائرة أميريكية. يقال إن مائة وثمانية عشر شخصاًقد قتلوا».
الرجل ذو الطقم الأسود:
«لم أقرأ»، قال. «يا للأسف، مائة وثمانية عشرشخصاً! …»
«نعم طائرة ضخمة. مائة وثمانية عشر شخصاً!»
«من المؤكد … أن كل واحد منهم صعد الطائرة بهدف مختلف …»
الرجل الأصلع قطع حديث الآخر،
«الجميع من أجل العمل»، قال. الطائرة ليست وسيلة مناسبة للنزهة. الوقت مهم للعمل ولرجال الأعمال. دولاب كبير. المصانع … ورش الصيانة …»
«هذا الدولاب، سيدور شاءوا أم أبوا. بل لقد بدأ بالدوران. في الواقع لا داعي لكل هذه السرعة».
«صحيح، صحيح لكن، سواء أرادوا أم لا، فهذا أمر واقع، سيركبون الطائرة. فهذا الدولاب ما إن دار سيجبرهم على ركوب الطائرة. سيحشرون أنفسهم بين مسننات الدولاب. لن يستطيعوا النجاة. بالنتيجة، فالطائرة تخدم العمل ورجال الأعمال، من جهة مناسبة ومن جهة أخرى واسطة نقل إلزامية. السرعة ليست ضرورية للتنزه. القطار، والباخرة، والحافلة مناسبة أكثر. الباخرة تعرّج على الموانئ. يستطيع المرء رؤية أماكن كثيرة. والحافلات أيضاً هكذا. يتوقفون بعض الوقت في العديد من المدن. يستطيع الركاب النزول والتجول فيها. كما يمكن التقاط صور كثيرة. في الواقع، المدن تتشابه فيما بينها. يوجد جسور جميلة في المدن …»
المرأة ذات النظارات بانفعال،
«أنا لم أقم بسياحة أبداً. لا بالقطار، ولا بالحافلة ولا بالباخرة …» قالت.
المرأة الشقراء،
«أنا لم أركب الطائرة قط.»
«أنا أيضاً لم أركب الطائرة. أخاف ركوب الطائرات. لكن لابد أن السفر بالقطار والباخرة والحافلة جميل جداً. كم أتوق إلى زيارة البلدان التي لا أعرفها: التي لم أرَ صورها من قبل … مهما يكن! قرى جبلية خضراء يانعة، مدن وصروح ضخمة، قرى جرداء مهملة …»
الرجل ذو الطقم الأسود قطع حديث المرأة فجـأة:
«صحيح! صحيح! قرى مهملة، عطشى وجرداء … عيدان القش تلمع كالشرر تحت أشعة الشمس …»
قرّبت المرأة الشقراء منديلها من عينيها. الدموع بللت وجنتيها.
وقعت المرأة ذات النظارات في حيرة. كانت تسعى لتهدئتها، وحزينة لعدم استطاعتها تدارك الموقف. نظرت إلى الرجل ذي الطقم الأسود، وكأنها تقول «هل أنتم راضون عما فعلتم». ثم إلى المرأة الشقراء،
«لا تكتئبي»، قالت، «لا تكتئبي».
الأخرى باحتقان،
«دائماً»، قالت، «تصوّري! أنا مجبرة دائماً على سماع ذلك. سيروي ثانية الطرقات التي سلكتها الدجاجة».
المرأة ذات النظارات في حيرة.
«لا تكتئبي، بالله عليكِ لا تكتئبي»، قالت مكررة.
الرجل الأصلع للمرأة الشقراء،
«دعيه يكمل حتى النهاية يوماً ما»، قائلا: «ليروي ولو لمرة واحدة. وأنتِ أصغي».
المرأة ذات النظارات استدارت نحو زوجها. أرادت قول شيء ما. ثم صوّبت عينيها نحو المرأة الشقراء.
الرجل ذو الطقم الأسود،
«لن أتمكن من الرواية»، قال. «لن أتمكن من الرواية أبداً!»
الرجل ذو الرأس الأصلع،
«يجب أن تروِ»، قال.
ثم استدار نحو المرأة الشقراء:
«يجب أن تصغي. ستصغين ولو لمرة واحدة».
شرعت المرأة بالبكاء مجدداً:
«كيف يمكنني ذلك»، قالت. «ليست مشوقة أبداً. ما هو الجانب المشوق في دجاجة وخزتها شوكة بقدمها! …»..
————————–
آيهان بوزفرات
الترجمة من التركية صفوان الشلبي