ليلى العساف
مشاهد
مشهد رقم 1:
أَبعد من وعاء ضوء
يَغوص كلّ ما هو جَلي
طريقٌ مزدحمْ
حِجارة وحُروب يُثبّتها بدبابيس
وَقواعد تنسج سكينة منشودة
يُتابع سيره
صاحبة النّظرة الثاقبة قالت:
عليه ألاّ يصلْ
لِيبقى متقدًا
أَحُس بجاذبية كبيرة نحو الأعالي
كائنات صغيرة تنْقر قدميه
اللّتين تشبهان عجلات تدوسها باِلحاح
متابعًا سَيره
مُستنشقًا رَغبة الصّمود
الأمر لن يحتاج سوى لِحبل مَتين يَتَدلّى
بعد كلّ هذي الحروب
قطرة ماء
تجعله يبحر
أمام شجرة مزهرة
كل ما يعانيه
يأْخذ شكل طيور مغردة
نافذة مشرعة
هواء طازج
الحلم الأول
لكن الطريق محتشد بالقضبان
لو أن جناحين أفلتا
أو ببساطة يسلم أطرافه للهواء
أمور خفية قد تحدث بين النجمات
كما في باطن الأرض
أنصافه المتساوية
تقفز مع آخر الهاربين
مشهد رقم 2:
قليل من حركات ليجّذّف تحت الشمس
ليس ما يجده سوى ضوء
أكثر شيخوخة من شجرة
يأوي إليها ليمتلك الدفء
ما تركه وراءه
لم يكن سوى ظل
ونور يعدو إلى نافذة
ابتعدت مليون عام
كأنما الأشياء تبدأ بعود ثقاب
حين نعاني كفاح الحطب في النار
شيء منا يبقى مأخوذا
بانعكاسات قليلة
لضوء نحفره
فيما أسراب البرغش تدخل في الحركة ذاتها
لضباب أصابعنا
مشهد رقم 3:
لَهَثَ كثيرا
كورقة أخيرة على غصن
لم يجد ماء ولا عشبا
سقط في مكان معتم
رفع صوته إلى الهواء
يشتعل بوحا واستغاثات
لم تكن دون جدوى تلك العصا
الساقطة في عينه
مدت إليه جذورها
مثابرة في بحثها عن بريق
مشهد رقم 4:
قريبا تصطبغ السماء بلون عينيه
طريق مُثلى لمحو ألوان مدن
لم يزرها
أنهار لم ينحن فوقها
لهب متوحش لشمس لم يعرفها
وأيد لم يلامسها
كان يبحث عن مكان ينعس فيه
بينما أشباح تميل من زاوية إلى أخرى
ومن القلب إلى أقل الأشياء صمتا
تنحدر نجمة كنقطة فوق أشكال غريبة
تلوح وتختفي في أوراق شجرة
يعاني الريح والمطر
كأنه يكتنز شتات روحه
ليس هناك زركشات
فقط مقعد من حجر
ركن ساكن
جريان الماء
الأحلام طيور ذهبية
تنتشله من كثافة عتمته
مشهد رقم 5:
صيحات لا يسمعها أحد
زحمة أشياء بهتت
منذ اللحظة الأولى على هذا الكوكب
الأحمر إلى رمادي
الأزهار البرية تهرب بعيدا
أحب قطفها
سقوط بتلاتها
كان يزحف نحو جناح حشرة
جعلته يرف بعيدا
يلوح في شجرة مخضرة
أو في رغيف ساخن
ثم في خبطة واحدة
يحتفي بالماء
شكلنا الأولى
الماء وما يعكسه
الكروموزومات!!!
قضبان تنتصب بكامل أشرعتها
عيناه مفتوحتان
منذ أكثر من مليون عام
نحو هذا الشيء اللامرئي
ما هو محذوف
الذي نسميه
حرية!!!
مشهد رقم 6:
أكثر ما يفرحه
ضحكات أطفال
فراشات في ضوء ثابت
تحوم وتنتصر
أحيانا يقف تحت مطر
خيوطه فولاذ
يعلق عليها قميصه وبنطاله
ويمضي إلى شمس
طالعة في القصائد
عندما لا يكون لديه شيء يفعله
ينفخ رمادًا وخرائب
داخل بالونة
راحت تلمع في البعيد
غير مكترث بالوقت والثورات
تلمع عيناه…….
يعاود التقاطها
في الحلم ..
مشهد رقم 7:
قبعته اللينة انحناء يبني سقفا
لأفكار لا تأتي ولا تمضي
الأحلام ببساطة تغني
الفتى بشعره المشعث وعنقه النحيل
يتحسس بطنه
القمر لا يعرف شيئا عن الجوع
فقط يتمايل
نوره يملأ طبقا فارغا
يقطعه خيال غصة
تتدحرج إلى أسفل البطن
فتحدث طقطقة
جريان الماء
ليست صرخة ولا طيفها
بل المسافة بينهما
الضفدع الذي راح ينط
في عينيه………
وحده ينجو
من يحتفظ بطين أكثر
مشهد رقم 8:
أُمسية هادئة
نبضاته تطرز يوما يغادر
قمرا يترنتح
أشياء كان يجب أن تصمت
كأساطير الأولين
عجلات سريعة
أو صدى معارك
تشكل شقا في ماء ساكن
تطير في فضاء شاسع
اللحظة الأكثر خشونة
أن تنحدر إلى اسفل
باتجاه تفاحة نيوتن…
مشهد رقم 9:
تحت نظرات سماء وطيور
لم يكن يكترث بحروبهم ولا بثوراتهم
فقط يبتكر سلما لصعود نجمة
بشكل وردة تصغي
كأن الأرض لم تكن طريقا
لتشبه جدارا يرتطم به
أو يحفر عليه أشياء تحيا حياتنا
هي أيضا ضربات
بطيئة مثل حلزون
تكاد تكون وشاحا
أو شبكة صياد
تحمل أسرار عملاق بأنياب ومخالب
يمضي بمحاداته؟؟؟
مشهد رقم 10:
بدفء أحلامه المائة ألف
يعلو فوق موج ودمع ونواويس
بين حلم وآخر
ماء على صخر ثقيل
نازلا برقة امراة تحدق
قطرات ساقطة
بينما سحلية تفصلها
طحالب عن استغاثات
كأن العاصفة مرت قبل قليل
لينحني بعمق أكثر
وأحمر قلبه الذهبي يذوب
فيما محارة قديمة
تهرول في البعيد
تهتف للحرية
مشهد رقم 11:
قلبه اللاهث بقوة
كأنه مطر قادم
ملابسه تخفق
تصادم حبالًا وأسلاكًا
تتبع خلجاته
أي ضوء يلوح منفردا
في وعاء جسده المعتقل
في هروب قدميه
لا يستطيع أن يجذف وحيدا
عمرك يذوب حتى آخره
انفخ عليه بسرعة
لتشرئب أغانيك
تطوي عصافير
وهتافات
أين تتجه
في رحلة اكتشاف يديك
لاستدارة الأرض؟؟
مشهد رقم 12:
تاركًا سيلًا من خطى وانكسارات
تشكل برجا عاليا مع أمنية قرمزية وقمر…
أجسامهم تومض بالإيقاع الأكبر
لصرخة كأصغر حصاة
تحيي ماء ساكنا
تحدس أن الحياة خفقه في غير أوانها
كأنه عنكبوت
يلتف بالعالم
ربما كان الوصف كافيا
لتتخيل فراشة بأجنحتها
تحت الدرابزين
تلملم رغبات بسيطة
كأدنى وميض بالعالم…
مشهد رقم 13:
واحدة واحدة تلملم الريح انحناءاتها
ترفع بعضا من ألم حشرة تنسحق
غبارا بلا هدف
أحاديث الأحبة الأكثر قدما
همسا عذبا لزهرة تلوي عنقها للشمس
إشارات خفية لنواة تبزغ
صرخة كأذرع ممدودة
أصابعه لا يمكنها العد
ربما تأتي من ناحية أخرى
غيمة خبأته في تجوالها
أشياء تحطمت لتكشف عن حدها المرهف
أو تشير أنه يبتعد عن المرفأ
مَشْهَد رقم 14 (الحَجِرْ):
أَقْنِعَة علّمتني كيف أَخْتَفي
وأَحْتَفي بِرهْبَةِ النّزولِ إلى حفرةِ الرّوح
لقد اجْتزْتُ مِيتَاتٍ كثيرة
السّماء!!
كم أنا بعيدة…
مِن عَتْبةِ بيتي أَقِف على رُؤوسِ أَصابعي
أرَى العالم بِطقوس حياة قليلة
قبل النّوم وبعد النّوم
يَمُرْ رَبيع
تَضُجْ طيور
تَحْبِس أرض أنفَاسها
الفايروس!!!
إلى هذا الحدْ أرانِي هَشّة!!
بابِي مَردود
على الطّاولة مَفَكّات، مَسامير وبَراغٍ
لكّني لا أَملكْ أدواتي لِصُنْعِ هَواء
يَدْفع الحُروب إلى قاعِها
عمّا قَريب تَمْتَلِئْ مُجَدَدًا
مدينة أفْرِغَتْ
سَيَسْخَر بائِع مُتَجَوِل من كَلْبٍ
مازال يَهُز ذَيْلَه
في شارع مُفْقِر….
مشهد رقم 15 (الجُوع):
بِنَهَمِ فَكّيْهِ يَبتلِع فَضلات وقُشور وأشياء كان لها
اسم وَنَكهة لمْ تَدُم….
يَكفي أن يَغمِض عَينيْه لِيَطْرد ذُبَابَ مَسافةٍ طَويلةٍ
بين كَفّيْهِ و فَمِهِ
أيْ طَعْم؟؟
أي رائحة؟؟
بالحماسةِ نفسها تَقْتَرِب قِطّة في صَمْتِها
الهواءُ ذاته الذي كَنّسَ خُطَى كَلْب لاهِث
وبذات المعنى إنسان بكامل حَواسه
يَسيل لُعاب تِمْثَال انْتَصَبَ قريبًا
و تَسْتَمر الطّيور في عَدم مُبالاتها…
مشهد رقم 16 (العُزْلَة):
صاحِب دُكّان الخُرْضَوات
لَطالما سألَ هو أيضًا
عمّا تَبَقّى مِن بُقَع دَكْنَاء
فوق مِصْطَبَة خَشَبِيّة حَيْثُ عَجُوز
رَاحَت تُكَنّس رَمَاد نَهارات مَحرُوقة
وحِكايات عَن عَدُوٍ يَغْدُو أكثر طُولًا في عيون
مازالت تَلْمَع تَحت سَرير
مَع إيمَاءات وشِعارات وفيروسات
تَكيدُ لَنا في هُدوء مِسْمَار
مازال مُسْتَقِرًا
داخِل خِزانَة مَلابِس تَفَسّخَت
كَضَوْء لا يَدخل ولا يَخرج
الشّمس تَحْتَرِق في تَفاصيل أُغنية
لِوطن يَنْهَمِر في الخَفَاءِ…
مشهد رقم 17:
مرة أخرى تتباعد حبات السبحة
الستيني يعد أصابعه خوفا أن تتدفق
مع أنشودة المطر
مشهد رقم 18:
وضع حقيبته تحت رأسه كوسادة
نظر إلى جدار مغطى بشعارات
وصور من حلموا بضياء شاف
منذ زمن لم يطرح أسئلة
اليمامة التي تشدو
تعده بشيء
والريح التي تهب تدحرجه
مازال الوقت مبكرا
لتستقيم مدينة
في أعماق مراة..
مشهد رقم 19:
صاحب الضحكة المتجمدة قرر مصيره بطلقة نارية
هذه الألحان في معدته الفارغة
لا يسمعها أحد
يَقْتَتِلون وتستمر الحياة
ذاك الذي ينساب دون ضجيج تجمع أيضا
إلى حد أن قطره تدوم
تلمع من أشد الثقوب عتمة
لكثرة ما كانت مضيئة
تتبعها فراشة تحوم
وكأنها تخلخل شيئا ما
وسط الحشد
من الجهة الأخرى شمس
تسقط
الأغنياء لا يرون هذا الشيء
ربما تحول إلى كوكب..