سنوَاتٌ عدّة قضَاها المثقفون في سلطنة عُمان يجاهدُون لمنحِ حضورهم في المشهد الثقافي العمانيّ صفة الشرعية وإلبَاسِ وُجودهم هُوِيّة وسقفاً واضحاً يستظلونَ به ..
جهُودٌ كتلكَ لمْ تكن تسعى إلى شرعنة وجُودها بقدرِ الرغبة في إدراكِ من حولها من المثقفين العَرب الذين مُنِحُوا مؤسساتهم الخاصة التي يتكئون عليها بشكلٍ مستقلٍ منذ عقُودٍ طويلة وهوَ ما حدا بالمثقفين العمانيينَ إلى تكثيفِ جهُودهم لسدّ هذهِ الفجوة التي خلقهَا غيابُ منظومَة موحّدة يستمدّ منها المثقفون بكافّة توجهاتهم، الاستقلاليّة التي لطالمَا كانتْ شرطاً رئيساً لأيّ حراكٍ ثقافيّ حقيقيّ علَى صعِيد أيّ مشهَد ..
بَدَا الأمْر مشتتاً في البداية وخجُولا لا يبدأ إلا وينتهي إلا أنّ السنواتِ الأخيرة شهدَت إجماعاً على ضرورةِ أوان ولادَة هذه الجمعية بعدَ مخاضٍ طويل ، وربمَا كانَ هذا الإجماع الحقيقي دافعاً رئيساً حدا بنخبَةٍ من الأصواتِ البارزة ساحاتيّاً إلى المبَاشرةِ بشكلٍ ملموسٍ للتخَاطب مع الجهاتِ المعنيَّة لشرعَنة وجُود كيَان جمعيَّةٍ تظلّ الكتّاب والأدبَاء العمانيينَ ، ما سَاعد علَى تسريعِ سيرِ الأحدَاثِ هو ظهُور عددٍ من الجمعيَّات الأهليّة التي أشهِرتْ في السنوَات الأخيرة والتي بدأتْ تباشرُ عملها الأهْليّ بأريَحيّة واضحةٍ منحَتِ المثقفينَ حجّة للمطالبةِ والتأكيدِ على دورِ هذهِ الجمعيّة وأهدافها الداعيةِ لتشكيلها ، وظهرَ إلحاح هذا الأمرِ مع ظهُور صحوة فكريّة ثقافيّة على مستوَى الإصدارات الثقافيّة العمانيّة وعلى مستوى الفعاليّات التيْ بدأت في التّزايد مع تنَاسل الأصوَات الأدبيَّة التيْ بدت في حالة تعالقٍ حقيقي مع المنظومة الثقافية العربية والعالمية إبداعيّاً ما حتّم نِديَة هذهِ العَلاقة على كافّة مستوياتها ..
الحدثُ الرّئيس الذي كانَ تميمَة نجاحِ هذهِ الجهود هو حضُور عامِ 2006 كعَامٍ اختيرتْ فيْهِ مسقط عَاصمَة للثقافَة العربيّة وهوَ ما خلق جوَّا ثقافيّا على مستوى الفعاليّات والإصدارات الثقافية وعلى مستوى تكثيف حضور المثقف العربي إلى مسقط وانصهارهِ في التجربة الإبداعيّة العمانيّة ، فكانَ لابد من حدثٍ يؤرّخ لهؤلاء المثقفينَ هذا العَام ويمنحهم خلاصَة عَامٍ وَجد فيهِ المثقّف العمانيّ جرعَة كبيرَةً من الحضُور الثقافيّ البَارز فكَانَ إعلان إنشاء الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أوَاخر العام في اكتوبر 2006م مكللاً جهُود أعوامٍ طويلةٍ من السعي بالنجاحِ ..
وبتشكِيل مجلسِ إدارة أول تكوَّن من الأعضاء الأبرز جهوداً من أجل إشهَار الجمعيّة باشرَت الجمعية فعالياتها الثقافية التي انطلقت بقوّةٍ عبر تكاتف أعضاء الجمعية لتنظيم فعاليّات ثقافية مساندة للسكان المنكوبين من إعصار جونو والذي أوضحَ ملياً مدى تكاتف المثقف العمانيّ مع من حوله وتفاعله مع الأحداث عبر ما أقيم من ندواتٍ وأمسياتٍ ومعرضٍ تشكيلي مصاحب ذهبَ ريعهُ لدعم المتضررين من الإعصار وعبر هذه الانطلاقة الأولى استطاعت الجمعية وضع حجر الأساس للانطلاق بفعالياتٍ متوالية خلالَ العامِ تبعتها مباشرةً الأسبوع الثقافي الذي أقامته الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء مصاحباً لمهرجان خريف صلالة ٧٠٠٢م والذي شهدَ أولَ حضور ملموس لأعضاء الجمعية فيه بإقامة عدد من الندوات والأمسيات، وعبرَ هذه الفعاليات كانت الجمعية تمهّد للخروج عبر الحدود والانصهار مع تجارب الاتحادات العربيّة للكتَّاب لأنّ أياً من المشاريع الثقافية لن يكتبَ لها النجاحُ ما لم تُبْنَ على التعاطي مع الآخرين والخروج من إطارها الداخلي عبرَ توسيع دائرة التعاون الثقافي مع الآخر غير العمانيّ الذي حظيَ بمنظومة مستقلةٍ منذ عقودٍ طويلةٍ بالتالي كانت الخطوة القادمة هي الانضمام إلى كيانٍ يتخطى المحلية إلى الاقليمية عبر اتحاد الكتّاب العرب الذي نجحت جهُود مجلس إدارة الجمعية في ضمّها إليهِ بشكلٍ رسميّ في ديسمبر ٧٠٠٢ في فترةٍ قياسيّة تعكسُ حجمَ القلق الداخلي في إكمال معالم هذه الجمعية وتوطيدها على كافّة الأصعدة ورغبة الجمعية الملحة في الانتماء القانوني إلى الاتحاد ما يخوّل أعضاءها كل تبعات الحماية الفكرية والقانونية التي ينضوي تحتها الاتحاد فما يمس الكيان الصغيرَ يمسّ الكيان الأكبر الذي ينتمي إليهِ ، تلا ذلك خطوة إيجابية كبيرة تحسب للجمعيّة عبر اتفاق التعاون الثنائي المشترك بين الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء وأسرة الكتاب والأدباء في البحرين عبر تبادل الإصدارات الثقافية عن الجهتين وتبادل الوفود الثقافيةِ، الأمرُ الذي عُدَّ خطوةً مهمة تحسب بشكلٍ أساسي لصالح الجمعية التي لم تكمل عامها الأول مقارنةً بنظيرتها البحرينية التي أتمت ما يزيد على أربعة عقودٍ منذ إنشَائها بتجربة عميقة على المستويينِ الزمنيّ والإبداعيّ .
ما لمْ يكن من المنصفِ إغفاله هو دور الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء المشاركة في صياغة بيان حريّات الفكر والتعبير في العالم العربي لعام 2007م والصادر عن اتحاد الكتاب العرب والذي أكد على رفضِ محاسبة الكتّاب ووضع قيود تشريعية تحدّ من حرية التعبير وتنامي حظر كتب وإصداراتِ العديد من الكتاب العرب إضافةً إلى تزايد الممارسات التعسفية للرقابة على مستوى وسائل الاتصال والتعبير المختلفة، تبعاً لذلكَ مؤكدين في ختامِ البيان على أن الحرية هي شرطٌ أساسيٌ للإبداعِ وأن المثقف لا يمكنُ أنْ يخرجَ من شرنقتهِ كاملةً ما لم يمنحْ كافّة حقوقهِ المالية والفكرية والقانونية على حدٍ سوَاء ..
لم يكن المثقف العمانيّ بعيداً عن كل هذهِ الإنجازات الأولى في صعيد صناعة الصورة المكتملة للجمعية إنما كان على مقربة مباشرة من كل ما يحدثُ عبرَ إصدارٍ ارتأت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء إخراجهُ إلى النورِ ليكُون منبرَ الجمعية وصوتها الناطق باسم الثقافة ويدها المصافحة للمثقفينَ عبرَ إصدَار ملحقَ (نون) الشهريّ الذي باركتهُ أسماءٌ عمانيّة مهمّة طالما نشطت في الحراك الثقافي الأهلي مقدّماً أفكاراً بلورها الملحقُ إبداعيّاً عبرَ الأسماء غير المكرّسة التي حرصَ الملحقُ على تقديمها بشكلٍ ملفتٍ لجميع المثقفينَ، فكانَ (نون) أوَّل ما أنجزَ من طمُوحاتٍ على مستوَى النشر الصحفيّ الذِيْ هدَفت الجمعيّة إلى الدخول في معتركهِ ..
الحدث الأبرز الذي انشغلت بهِ الجمعية أواخر عام 2007م هو التعاون الأول بين الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء مع جهةٍ أهليّة ناشطةٍ أخرى تمثلت في ملتقى الوعد الثقافي الذي نشطَ بشكلٍ ملفت في المملكة العربية السعودية عبرَ أعضائهِ من الأدباء السعوديين البارزين على المستوى النقدي والشعري والقصصي والتشكيلي والروائي والمسرحي والموسيقي ما أهلهُ لتنظيم الأسبوع الثقافي السعودي الذي احتضنتهُ مسقط والذي أقيمت على هامشهِ عددٌ من الفعاليات الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية والموسيقية وشهد تجربَة حقيقية في الانصهار الإبداعي عبر ما أقيم من صالوناتٍ ثقافية مشتركة بين الطرفين العماني والسعوديّ ، الأمر الذي عُدّ إنجازاً حقيقياً للجمعية على مستوى التعاون الأهليّ الثقافيّ ..
عامٌ مضَى على ولادة هذه الجمعية بعد مخاضٍ عسيرٍ ، عامٌ شهد تبلور المعالم الأولى لهذا الكيان الجديد الذي أطلقهُ عام 2006م إلى النور .. مُطلقاً طموحات المثقف العمانيّ الذي علّق من آماله الكثير على هذا الكيان الثقافي الذي منحَ مظلةً شرعيّة ينضوي تحتها هذا المثقف ..
عامٌ مضَى والكثير من الخطواتِ لا تزال تجدُ طريقها للخروجِ من العتمةِ غيرَ أنّ حجمَ ما أنجز خلال هذا العام يؤكّد على مدى تعطّش هذا المثقف لصناعة الشيء الحقيقي الذي يؤمنُ بهِ والذي ناضلَ من أجلهِ في سبيل إنشاءِ هذه الجمعية الوليدة.. جمعيَة لن تكُون إلا بأفرادها ولن تتنفس أوكسجينها إلا من خلال رئةٍ يتنفّس عبرها الجميع ويبصرون بها أهميّة هذا الحراك الثقافي الذي على الجمعيّة إنجازهُ ..
دعمٌ حكوميّ كبير لم تكن الجمعية لتتشكَّل لولاهُ ، ودعمٌ ثقافي أكبر من المثقفين الذين لم تكن الجمعية لتقف على قدميها دونهُم ولن تكملَ ما بدأتهُ إلا بهم ..
إنّها أعوامٌ من الانتظار وأعوامٌ من الطموح التي خلقت هذا الوعي بأهمية هذا المنجز واحترامِ سلطتهِ الثقافية والفكريّة المستقلّة ..
فهل يدركُ المثقّف العمانيّ حجم الدور الملقى على عاتقهِ لصناعةِ هُويّتهِ عبر هذه الجمعيّة ؟!
أعوَامٌ قادمَة تنتظرُ الإجابة لتكملَ مسيرةَ ما أنجزهُ أعضاء الجمعيّة بعدَ أعوامٍ طويلةٍ من الكفَاح وعامٍ أوَّل من تجسّد الطمُوح إلَى حقيقَة !