أصبحت كلمة التلقِّي موضة الدراسات المقارنة منذ شهر غشت 1979، التاريخ الذي انعقدت فيه بمدينة انسبروك INSBRUCK مؤتمرا للجمعية الدولية للأدب المقارن(AILC) حيث يرأس إحدى شعبها المسماة «التواصل الأدبي والتلقي»، ويتحمل مسؤوليتها هانس روبيرت ياوس HANS ROBERT JAUSS وهو الذي أسس مع ولفكانك ايزر Wolfgang Izer مدرسة كونسطانس.
يعتبر هـانس روبيرت ياوس كـ «داعية» أصلي لـ «جمالية التلقي» (Rezeption?stetik) التي ساهمت بشكل قوي في تحويل انتباه الباحث الأدبي من الاهتمام بثنائية المؤلف النص، إلى العلاقة بين النص القارئ،أو المؤلف والقارئ. ترتكز نظرية التلقي في نفس الوقت على التصورات الفينومينولوجية لرومان انجاردن، وعلى بنيوية مدرسة براغ،وخاصة لـ جان موكاروفسكي وفيليكس فوديكا، هذا فضلا عن هيرمينوطيقا الفلسفة الألمانية لهانس جيورج كادامر.
يمكننا أن نجد أفكار ياوس معبَّرًا عنها في مجموعة مقالاته المعنونة في كتاب «من أجل جمالية التلقي»، المنشور في الترجمة الفرنسية لسنة 1978 باريس، غاليمار مع مقدمة لجان ستاروبنسكي. وبالخصوص الفصول التالية
– تاريخ الأدب: تحد لتاريخ أدبي 1967، الدراسة الأصلية. (1)
– من إيفجيني لراسين إلى إيفجيني غوته الدراسة الأصلية (2)
نشر ايزر نظرياته في كتابه Die Appellstruktur der Texte (1970) بنيات نداء النصّ . وبخاصة في كتابه فعل القراءة (3) سنعود إلى ذلك.
بدون شك، ظهرت مجموعة من الدراسات حول التلقي بالمعنى العملي لهذا المصطلح. كما ظهرت تأملات نظرية -وسنذكرها فيما سيلي من هذه الدراسة- قبل أن تنشر أعمال كل من ياوس وإيزر، فمنذ سنة 1931 استعار المقارن الفرنسي Paul Van Tieghem بول فان تيغيم من نظريات التواصل مصطلحات المتلقي والباث لوصف على التوالي البلد المستضيف لعَمل مؤلف أجنبي معين و هذا المؤلِّف.
اقتضى إسهام ياوس وإيزر -مثلما هو الشَّأن لمن تبعهم- بالتوسع والمناقشة، أن يمنح أدوات مفهومية لما كان في غالب الأحيان مجرد تجريب. بالرغم من ذلك فإن الاشتغال لا يمكن أن يتجنب النزعة التجريبية والبحث الاستكشافي. بالفعل، تركز دراسات التلقي على وقائع وظواهر ملموسة، سواء كانت تيارات عامة أو حالات خاصة، فما نراه مثلا في فرنسا منذ سنة 1980، هو نتيجة لقاء لم يكن إلا مؤخرا من جهة بين الباحثين المقارنين، ومن جهة أخرى بين فلاسفة الفن مثل ياوس.
في موضع آخر، إن كلمة التلقي توجه لوحدها حقلا للدراسات هي بدورها توسع من سبقها.
فما هو أولا موضوع هذه الدراسات والمفاهيم التي يمكن لها أن تركز عليها؟ ما هو حقلها؟ مناهجها؟ سنختم بعد ذلك ببعض الملاحظات حول مظهر أساسي للتلقي: هوالتأويل.
موضوع ومفاهيم:
يمكن أن نعارض موقف منظري التلقي ادعاءهم تقديم حقل البحث كحقل جديد لم يكن كذلك من قبل . اشتغل الباحثون المقارنون فضلا عن المتخصصين في الأدب القومي، وسوسيولوجيي الأدب، قبل ياوس وإيزر على أنماط من العلاقات تشملها حاليا كلمة التلقِّي. إن كلمات مثل نجاح، ثروة،استقبال، تأثير، تأويل.. استعملت كعناوين كبرى أو صغرى (فرعية) لدراسات دقيقة للمقارنين منذ بداية القرن العشرين في مثل هذه الأعمال التَّالية:
تأثير بودلير في فرنسا وإنجلترا (4) .
التأثير الفرنسي في عمل روبن داريو. (5)
التأثير الفرنسي في إيطاليا في القرن الثامن عشر لبول هزار. (6)
عناوين عديدة بدون أن تتضمَّن أيا من هذه المصطلحات، فقد تعلن عن بحوث استكشافيَّة كما هو الشأن في سنة 1904 :
جوته المشهور جدًّا في فرنسا لفرنان بلدنسبرجر (7)
بل قبله أعمال كلود فوريال، جوزيف TEXTE.،وايهرار ..Ehrard الخ
وكمثال لدراسة التلقي قبل الرسالة، نذكر أيضا في سنة 1961:
تأويل رابليه في القرن السادس عشر- جنيف : دروز لمارسيل دو كريف (8)
حيث قد تمت دراسة هذا المظهر في فرنسا وكذلك في هولندا، وانجلترا، وألمانيا، CI.D.G)
إن بقاء ونجاح عمل أدبي كانا موضوع دراسات إحصائية وتأويلية من طرف سوسيولوجيي الأدب كـروبيرت اسكاربيت Robert Escarpit خاصة في كتابه: الأدبي والاجتماعي Le littéraire et le social. وكتابه «عناصر من أجل سوسيولوجية الأدب» (9) .
أما بالنسبة لنظرية التلقي (وكعمل ممهِّد،وبدون الصعود إلى العصور القديمة، مثلا في كتاب شعرية أرسطو، حيث ثمة معالجة للتطهير كشكل من العلاقة بين العمل المسرحي، والمتفرج – القارئ) . يمكننا أن نجد تمظهرا أوَّل، حتى ولو أنه سطحي في كتاب I.A.RICHARDS ريتشاردز النقد التطبيقي Practical criticism 1929 : . فقد جمع «قراءات» لقصائد وتعليقات قام بها طلبة بريطانيون، ثم عرفت هذه المسائل اهتماما متزايدا في السويد، وهولندا، وأمريكا، قبل أن يؤسِّس كل من إيزر وياوس جمالية التلقي Rezeption?stetik. ومن ثم، ففي السويد قام Gunnar Hanson كونار هانسون منذ سنة 1959 في كتابه «القصيدة والقارئ « Dikten och l?saren بالتمييز بين طريقتين لايجاد قصيدة: قصيدة المؤلِّف وقصيدة القارئ. فقصيدة المؤلِّف، من وجهة نظر شكل المحتوى، هي إعادة بناء صيرورة يقال عنها «للإبداع»،بمعنى إعادة بناء أصل القصيدة، ومقاصد وأفكار الشاعر. أما قصيدة القارئ هي إعادة بناء لشكل (جديد) للمحتوى كما حدَّدها قارئ معين: هي الأفكار، المشاعر، الحوافز، الطِّيمات، المسنودة للنصِّ بواسطة القارئ.
يكمن الاهتمام الذي اكتسبته كلمة التلقي كما برهن على ذلك Yves Chevrel ايفيس شوفريل في مجموعة من الكتابات أوَّلاً في افتراض وجود علاقة دينامية بين النص والقارئ، مادام فضلا عن ذلك تحيل هذه الكلمة على إرادة تمَلُّك شيء ما، ولنشاط تملكيٍّ . سنضيف أن هذا المصطلح يقدِّم طابعا أشمل مما كان يُستعمل حينذاك . إنَّ المفهوم يشمل كلَّ مظاهر الأثر الذي يخلِّفه العمل وراءه، الكاتب، الجنس الأدبي، التيَّار الأدبي، بل كل مجال أدبي في منطقة جغرافيَّة أصليَّة،أوفي منطقة أجنبيِّة(بلد ما أو جهة). يمكننا تقسيم هذه المظاهر إلى مقولتين كبيرتين، خصبتين ودالّتين من وجهة نظر التبادلات الأدبيَّة، إنها أوّلا هذه المظاهر ذات الطبيعة الكمِّية، مثل ذلك النجاح بالخصوص ( الذي يمكن قياسه بحسب عدد منشورات العمل الأصلي، في البلد أو الجهة التي أنتج فيها المؤلف أو الدولة من نفس المنطقة اللسانية؛ أو بحسب عدد الترجمات في مناطق الألسنة المختلفة إلخ. مهم جدا الاهتمام كذلك بإعادة المنشورات، أو إعادة طبعها ) . أما الإهمال le rejet الذي قد يكون صريحا بواسطة الرفض، أوضمنيا بواسطة الصمت، وغياب النشر. وثانيا، توجد كذلك مظاهر ذات طبيعة كيفية جوهرية كما يمكن أن نرصدها عند النُقَّاد، المترجمين المقتبسين les adaptateurs، المؤلفين: كالتقويم والتأويل، خصائص التَّرجمة، الاقتباس، التَّأثير (القابل للإدراك بصعوبة) فضلا عن كل ظواهر التَّناص، من الاستشهاد العابر إلى حدود التَمَلُّك المُبْدِع.
إن الميزة المتقدِّمة لياوس، رغم الفراغات التي يمكننا ملاحظتها في نصوصه (مثلا قِلَّة انتباهه إلى العلاقات الأدبيَّة الكونيَّة الحديثة) تكمن في تجديد التَّاريخِ الأدبيِّ، أو على الأقل اقتراح رؤية جديدة حوله، فضلا عن بعض المفاهيم الإجرائيَّة.
من جهة، في مواجهة المناهج الشكلية والماركسية الناقصة من وجهة نظره، وفي الوقت «التي تدرك الحدث الأدبي في الحلقة المغلقة لجمالية الإنتاج والتصوير» (10)، وتجرِّده من تأثيره على الجمهور، فقد جدَّدَ التَّاريخ الأدبي بمدحه للـ»تَّجربة» التي يصنعها القرَّاء من الأعمال بشكل أكثر موضوعيَّة (11) من تصنيف هذه الأعمال التي لا نعرف أية سلطة (قوة) (مؤسسة ما، مؤرخ معين، أو افتراض فلسفي في النظرية الماركسية). هذا لا يعني طبعا أن المؤسسات الدِّينية والسِّياسية والأدبيَّة (دور النشر، الأكاديميات، الجوائز) لا تلعب دورا أساسيا حول مصير عمل ما، لكن حسب ياوس، القرَّاء يحكمون، يعيدون قراءة الأعمال، بل إذن يقرِّرون أو يجب أن يقرِّروا مصير هذه الأعمال.
إنَّ النَّاقد أو المؤرِّخ الأدبي نفسه هو أولاًّ قارئ ، وعوض أن يُختزل التَّاريخ الأدبي في تاريخ المؤلِّفين، والأدباء فإنه ينجح في أن يصبح تاريخا للحوار القائم بين النصِّ وقرائِّه المتعاقبين. وبالتَّالي،يمكن لهذا التَّاريخ الأدبي أن يتخلَّى عن طابَعِه الأُحْدوثي أحيانا، ويصبح ديناميا عن طريق أخذه بعين الاعتبار قراءات متنوعة في حِقَب مختلفة . وهكذا تطرح مسألة الحداثة في الأدب: من هو الحداثي حقا؟ كيف يمكن تجاوز جدلية القديم والجديد؟ كيف يتلقى جمهور ما الجِدَّة؟
من هذه الزاوية. ومن جهة أخرى، فقد دفع ياوس الباحثين إلى دراسة ليس فقط ما يحدِّد أو على الأقل ما يجعل المؤَلِّفِين خاضعين لتأثير معين، بل مايجعل المتلقِّين كذلك . إن سيرورة التلقّي تتعلق كذلك بما يسميه ياوس بأفق توقُّع (Erwartungshorizont) الجمهور، على أساس أن العمل لا ينبثق في «صحراء خالية من الإخبارات» . يعرف ياوس بالتّالي هذا المفهوم سنة 1974 بكونه « نظام الإحالات القابل للصياغة موضوعيا الذي ينتج بالنّسبة لأي عمل في اللَّحظة التَّاريخية التي ظهر فيها عن ثلاثة عوامل أساسية: تمرُّس الجمهور السَّابق بالجنس الأدبي الذي ينتمي إليه هذا العمل، ثم أشكال وموضوعات أعمال ماضية تفترض معرفتها في العمل، وأخيرا التَّعارض بين اللغة الشّعرية واللّغة العمليّة بين العالم الخيالي والعالم اليومي» (12).
يمكننا مناقشة عبارة «القابلة للتّحديد الموضوعي» التي تتجاهل وضعيتنا ككائنات نسبية relatifs مأخوذين بأنفسنا في تلك الحلقة… لكن أهمية هذا التَّعريف تكمن في ما ما كان قد وضعه ياوس بجانب الجمهور، فيما قد برهن عليه مع ذلك أحد الشّكلانيين الرّوس مثل Youri Tynianovيوري تينيانوف بجانب المؤلفين، الإنتاج، وتكوُّن هذه الأعمال. لقد شجب تينيانوف تجاهل الباحثين «السّلاسل الأدبيّة» في التاريخ الأدبي لزمنه، بل حتى الحقب السّابقة (لم يكن بالفعل التاريخ الأدبي وبالخصوص في روسيا السوفياتية يأخذ بعين الاعتبار إلا السِّياقات الاجتماعية السّياسية والاقتصادية،بينما تفسير هذه الآثار المتعلِّقة بالعمل الأدبي على الجمهور ليست بالأحرى قابلة للاختزال في هذه السّياقات من تفسير تكوُّن هذه الأعمال). لم يفصل ياوس بالرَّغم من ذلك التّاريخ الأدبي عن التّاريخ بصفة عامة، لكنَّه يقترح أن يعطي لكل واحد حقه.
هذا ما حاول البرهنة عليه سنة 1976 في خاتمة مقالته: من«De l› Iphigénie de Racine à celle de Goethe» من ايفيجيني لراسين إلى إيفيجيني لجوته) المعنونة بـ «L›esthétique de la réception, une méthode partielle». «جمالية التلقي: منهج جزئي « في مواجهة مجموعة من النقاد، مثل C. trager تريجر وشارل غريفل Charles Grivel اللذين انتقدا شدَّة ارتباطه بالمظهر الجمالي، وبالضبط الجانب المتعلق بالتلقي . فقد اعترف ياوس بأن مفهوم أفق التوقع «يمكن ويجب أن يعدل سوسيولوجيا، حسب التوقُّعات النَّوعية للجماعات والفئات،وأن يعود أيضا إلى اهتمامات وحاجات الوضعيَّة التاريخية والاقتصادية التي تحدد هذه التوقُّعات»(13).
ومن ثم، جاء اقتراح تمييز «أفق التوقُّع الأدبي الذي تضمَّنه العمل الجديد وأفق التوقُّع الاجتماعي» لكنه لا يؤكد على الأقل بأن نظريته تفترض رابطا منطقيا بين الإثنين: «لكن العلاقة بالنصّ هي دائما في نفس الوقت متَلَقِّيَة réceptif لا يمكن للقارئ أن «يستنطق» النصّ بمعنى أن يحقِّقَ في دلالة راهِنِيَّة المعنى المحتمل للعمل، إلا بقدر ما يدمج فهمه القبليّ للعالم والحياة في إطار الإحالة الأدبيَّة المتضمَّنة بواسطة النصِّ» (14). هناك مفهوم كبير أطلقه ياوس واعتبر مكملا لأفق التوقُّع: هو مفهوم الانزياح الجمالي (15) الممكن بين العمل وسياقه المتلقِّي .إن هذه المسافة وهذا الانزياح يمكن لهما بعد ذلك أن يدمجا في أفق توقع القراء اللّاحقين، أو يحدثا تغييرا في الأفق أو يعدِّلا أذواق الجمهور. إنَّها حالة الأعمال المشوِّشة كالأرواح الميّتة لجوجول les âmes mortes de Gogol وأزهار الشر لبودلير، وأعمال أخرى، انتهت إلى أن تصبح «أعمالا كلاسيكيَّة».
فكَّر ياوس في إحدى تعريفاته، في السياق الأول لتلقِّي العمل، الذي اعتبر في أغلب الحالات وطنيا أو إقليميا، بينما وكما يمكن أن نفكِّر في ذلك جيِّدًا، أن ما يقوله قابل للنَّقل في السِّياقات الأولى الأجنبيّة لظهور عمل ما.
يمكن لكلِّ أمثلة العالم أن تسمح بفحص دور التوقُّعات الأدبيَّة للقرَّاء، ثقافتهم، وفي تلقِّي عمل ما، كما السِّياق الاجتماعِي.
إنَّ هذه المفاهيم هي أكثر خصوبة بالأحرى من الاتِّفاق بين عمل ما وأفق التوقُّع الأدبي ؛ أو على العكس من ذلك، لايرتبط الانزياح الجمالي بتوقُّعات القرَّاء فقط دائما مباشرة بالقرب أو المسافة الجغرافيَّة واللِّسانية.
وهكذا، وكظاهرة مثالية فقد طابقت مجموعة عديدة من الأعمال تنتمي إلى الأدب الفرنسي ببلجيكا، توقُّعات وأذواق القرَّاء والمتفرِّجين، من بلدان بعيدة أكثر من قرَّاء البلدان القريبة، مثل فرنسا، في مؤلف «الطير الأزرق» L’oiseau bleu لسنة 1906 لـموريس ماتيرلينك Maurice Maeterlink .لم يُنشر هذا العمل في فرنسا إلاَّ في سنة 1909 بواسطة منشورات فسكويل Fasquelle وخاصة بفضل إخراج روسي محرِّك للنصِّ قام به Constantin Stanislavski كونستنتان ستانيسلافسكي حيث لُعبت بالفعل المسرحيَّة في باريس، بمسرح Réjane سنة 1911.
تلعب هنا المفاهيم المقترحة من طرف ياوس دورا كاملا . إنَّ هذا العرضَ الخيالي للجنِّ الذي أدركه الشَّاعر كحكاية خرافية noël لعيد ميلاد المسيح بالنِّسبة للأطفال، كان قد اشتغل عليها جيِّدًا إخراج ستانيسلافسكي،Stanislavski، خاصَّة وأنَّها كانت تطابق تطابقا تامًّا «أفق توقُّع» الجمهور الروسي حيث أثَّرت في المتفرِّجين/ القرَّاء المتأثرين جدًّا بجنس الحكاية الخرافية، كما يشهد على ذلك نجاح نقل هذه الحكاية الخرافية إلى فن الباليه ballets أو فن الأوبرا مثل الديك الذهبي le coq d’or، sadko لـريمسكي كورساكوف Rimski –Korsakov . هذا فضلا عن نشر فلادمير بروب عمله .
من ناحية أخرى، رأى الجمهور المسرحي الفرنسي فضلا عن النَّاشرين والنُّقاد الذين شاهدوا مسرحية Pelléas et Mélisande وهي تُبْدَعُ سنة 1889 بمسرح l’œuvre العمل من طرف Lugné-Poe لينيي بو؛ فتم أيضًا انتظار في سياق رمزي، سنة 1908 ماترلنك الرمزي، في الصورة التي بواسطتها لا يمكن أن يظهر عرضه المسرحي الخيالي، في بساطته الواضحة، إلَّا كـ «انزياح جمالي»، فقط لصالح تعديل في أفق التوقُّع، الكسل (الملل) في مواجهة أدب أصبح تشاؤميًّا، حيث أصبح ممكنا تمثيل «الطير الأزرق» l’oiseau bleu، وبنجاح سنة 1911.
انْتُقِد ياوس أحيانا لكونه أعطى الامتياز لصالح البعد التَّاريخي للتلقِّي، بعبارة أخرى، يعتبر المُتَلَقُّون الواقعيُّون بعقلياتهم وأذواقهم بالنِّسبة للنُّصوص نفسها كحاملين لقراءة مُبَنْيَنَة مسبقا .إنَّ هذا الحضور هو الذي برهن عليه نقاد آخرين سنرى ذلك، ولفكانك ايزر وامبرطو ايكو في كتابيه :القارئ في الحكاية(16) .، وحدود التَّأْويل (17)
لكن المفاهيم التي تم الكشف عنها والبرهنة عليها من طرف ياوس لا تفترض أنَّ الباحثين الذين يدرسون تلقِّي نص ما يعرفون الخصائص البنيويَّة والأسلوبيَّة لهذا النص، مثل ما يجعل انتماؤه إلى جنس أدبي معروف أو بعيدٍ عنه، أو ينتسب إلى بلاغة معينة… إلخ . إنَّ ياوس من جهة أخرى، لا ينكر هذا التعالق بين سيرورة الإنتاج وسيرورة التواصل عندما يثير «الممكن الدلالي» «Potentiel de signification» المحايث للعمل، وعندما يضع كهدف بالنِّسبة لدراسات التلقي هو الكشف عن «التغيرات التاريخية للانزياح بين الدّلالة الراهنة والدّلالة الاحتمالية للعمل» (18) يمكننا مناقشة المتفرِّد،ولكن مفهوم «الاحتماليات» virtualités كان قد دخل إلى معجم النَّقد لبلدان مختلفة. وهكذا فعلا، إنَّ احتماليات النص، و «علاماته» التي تشارك في تلقِّيه لا يمكن أن يتمَّ تحديثها إلا بواسطة تردُّدٍ للحركة جِيئةً وذهابًا بين العمل وتلقِّياته الواقعية، والتي يمكن أن تكون قد أثارتها و تثيرها. مثلا كيف يمكن تفسير النَّجاح الفوري لبؤساء فكتور هوجو في فرنسا وفي بلدان أخرى لأوروبَّا؟ أكيد، بواسطة الحضور في هذا النصّ لنقاشات اجتماعية ودينية، وكذلك (من خلال مختلف الشَّهادات) وبواسطة موجة «رواية المغامرة الاجتماعية» حيث أوجين سو Eugène Sue هو الممثِّل الكبير لها:فقد تشكل بواسطة ذلك أفق توقُّع القراء. كيف يمكن فصل هذه القضيَّة عن التَّحليل ولو كان موجزا، لتقنيات رواية المغامرة المستثمرة من طرف مؤلِّف البؤساء؟ وعلى العكس من ذلك، إنَّ الفضيحة التي أثيرت في روسيا بواسطة عمل مثل (الأرواح الميتة) لجوجول تفسِّر بالتَّأكيد بواسطة السِّياق الاجتماعي للعبودية،والإيحاءات الدِّينية لكلمة روح التي تناقض النَّعت، وكذلك أيضا بواسطة «الانزياح الجمالي» المسجَّل منذ عتبات النص . يتَّخِذ هذا الأخير عنوانا فرعيا له «قصيدة» تبدأ مثل رواية المغامرة، كحافز لحكايات متنوعة من النَّمط التقليدي لتنقلب بعد ذلك إلى السُّخرية. تنتج الفضيحةعن الخصائص البنيويَّة المرصودة للرَّصد والتَّحليل، فضلا عن حضور اللُّغات اللاَّمتجانسة من اللُّغة الأكثر نبلا إلى الأكثر تفاهة (الانزياح بالنِّسبة إلى «اللُّغة الشعرية» و العالم المتخيَّل»).
توجد بالضَّرورة أنماط مختلفة من التَّلقِّي. يعتبر فيها المتلقِّي المحفل الضروري لترهين النُّصوص.
تصور جديد للقارئ
إن الأدوات مثل مفاهيم «أفق التوقُّع» و»الانزياح الجمالي» كما «الاحتمالية» بإمكانها فعلا أنْ تستكمل من طرف باحث ألماني آخر اسمه ولفكانك إيزر، الذي وعي بها في كتابه «فعل القراءة» بواسطة مفاهيم تسمح له بتنويع المتلقِّين،ودراسة الرَّوابط الدَّقيقة جدا بين سيرورتي التلقِّي والإنتاج. إن هؤلاء المتلقِّين هم أساسا قرَّاء رغم أنَّ عملا يمكن أن يكون كما نعرف له التَّأثير الأوَّل على متفرِّجين أو مستمعين، سواء باعتبارهم كذلك أو بواسطة الاقتباس. ففي حالة المسرح إنَّ أغلب النُّصوص تم «إبداعها» على الخشبة قبل نشرها، الحكايات الخرافيَّة، في أغلب الأحيان تمَّ سماعها قبل كتابتها وجمعها في مجموعة. كما أن بعض الأعمال لم تكن معروفة عند جزء من الجمهور إلاَّ بواسطة التَّأليف (الاقتباس) السِّينمائي والمسرحي، والأوبرالي . يمكننا إذن بشكل مخصّب عن طريق الأخذ بعين الاعتبار هذه الاستثناءات، أن نحتفظ إذن بالتَّصنيف الذي أنجزه Yves Chevrel في كتابه أعمال ونقاد(19) œuvres et critiques سنة 1983 . قسَّم يفيس شوفريل القرَّاء إلى ثلاثة أصناف: القارئ التخييلي أو الخيالي le lecteur fictif ou fictionnel المهدى إليه dédicataire أو المذكور في النص(مثلا المسرود له) القارئ المتورط le lecteur impliqué المتصوِّر «القصدي» envisagé, «intentionnel» أو أيضا «القارئ الضِّمني»«lecteur implicite» (حسب مصطلح إيزر) بمعنى القارئ الذي يبنيه المؤلف،أو يعيد بناؤه من أجله قبل أن يكتب، أو في اللَّحظة التي يكتب فيها، والقارئ الواقعي التجريبي، التاريخي le lecteur réel, empirique, historique سيهتمُّ ياوس بمجموع هؤلاء القرَّاء وخاصَّة هذا النمط الأخير. سيقسِّم ياوس هذه المجموعة بشكل تخطيطي إلى ثلاث مجموعات فرعيَّة بقوله: «القارئ الذي يقرأ، النَّاقد الذي يتأمل، والكاتب نفسه المدعوُّ إلى أنْ ينتج بدوره» (20)
ما هي أهمِّية هذا التَّمييز، مادام بالفعل لا يوجد دائما قارئا تخييليا، وأنَّ القارئ القصدي لا يكون دائما قابلا لإعادة التَّشكيل بسهولة؟ في الوقت الذي نأخذ فيه بعين الاعتبار هذين النَّمطين من القرَّاء، خاصة النمط الثَّاني، فإننا نثَمِّنُ بشكل أكبر ردود فعل القارئ الواقعي.
عندما يوجد النَّمط الأول من القرَّاء، فإنَّه يكشف عن ميثاق للقراءة المعلنة، بإمكانه أن يؤسِّس للعبة مع القارئ الواقعي، فالمؤلِّف يخلط بين المسارات، بتلغيز قارئه: هذا هو حال مؤلف Lazarillo de Tormes حيث البطل السارد يتوجه بالكلام إلى الرجل الغامض فيسميه رسميا «سيدي» إذ طلب منه أن يحكي له «قضيته» (في الواقع يدرك متأخرا القارئ، أن الأمر يتعلق بالسيِّد Le Maître حيث Lazarillo هو مناد بقدوم النبيذ) وكذلك أيضا لـ «أولئك الذين يجدون بعض الذَّوق» بمعنى القيمة «الأخلاقيَّة» لكتابته).
يعتبر النمط الثاني من القراء، ـ يسمى «القارئ الضمني» بواسطة إيزر، أو «القارئ القصدي» (Y.Chevrel) أو أيضا «القارئ النموذجي» (U.Eco) أقلَّ صعوبة في التَّعريف عند الباحث من تمييز القارئ الواقعي الذي يعتبر هو نفسه كذلك. يعتبر «القارئ الضمني» حسب إيزر، مفهوما مؤسَّسا على فكرة أن النصَّ الأدبي يتميَّز بطابعه اللاَّمحدد (Unbestimmtheit) هو ما ستتمُّ تسميته فيما بعد بتعددية معانيه . إن المعنى حسب إيزر أو معاني العمل الأدبي لا توجد مسبقا، لكنها تتشكل خلال سيرورة القراءة بواسطة قارئ ضمني: «بخلاف أنماط القراء المطروحة في موضع التساؤل إلى حد الآن […] إن القارئ الضمني غير منغرس في جوهر (قوام) تجريبي ما، إنه منخرط في النص نفسه» (21) لكن الصعوبة بالنسبة للباحث تكمن في إعادة تشكيل هذا الدَّور الذي بناه المؤلِّف نفسه.
يمكن لإعادة التشكيل هذا أن ينجز بمساعدة قرائن خارجية أو خارج نصية (بيانات المؤلف، رسائل، الأجناس الأدبية للحقبة إلخ) كضمانة واقية ضد التماهي بين الذات نفسها Soi-même والقارئ الضمني.
والقرائن الداخلية والنصية : كترتيب مقاطع النص حسب استمرارية معينة أو انقطاع ما، لكن أيضا الصمت، الفراغات، البياضات (les blancs («Leerstelle», المفهوم الأساس عند إيزر). كل هذه العناصر الدَّاخلية قادرة على إحداث «أثر جمالي» وهم أو صدمة (وهو الشيء الذي لا يطابق حتما التلقِّي أو التلقِّيات الواقعيَّة للعمل). تفترض القرائن النصِّية تفاعلا بين مؤلف النص والقارئ الناقد، من الملائم قبول حصِّة من الاعتباطية، والافتراضية في إعادة تشكيل القارئ الضمني (أو النموذجي، كما يشدِّد على ذلك امبرطو إيكو في كتابه « القارئ في الحكاية» (22).
ومن ثمَّ، يمكن للأخذ بعين الاعتبار بهذه المقولة الوسيطة للقارئ الضمني أن يسمح بقياس التَّفاوتات، أو يعيد التفكير في العلاقات التي يمكن أن توجد بين أهداف المؤلِّفين أو احتمالات les virtualités نصوصهم من جهة، مثلما يمكننا الإحاطة بها. ومن جهة أخرى، يمكن أن يسمح بتأمُّل التلقِّي الذي تجده هذه النُّصوص من طرف القرَّاء الواقعيين réels. وهكذا فإن مجموعة من الكتَّاب، على قيد الحياة، قد أقلقهم النجاح أو الفضيحة التي صادفت عملهم، أو بواسطة تأويلات سياسيَّة وأخلاقيَّة أو فلسفية مختلفة عن تلك التي يعتقدون أنها ملهمتهم. ومن ثم، فتؤثِّر هذه العوامل على تصورهم لأعمالهم المستقبلية. يمكننا أن نأخذ مثل جوجول gogol المندهش بعد عرضه الأول revizor، ثم نشر عمله الأرواح الميِّتة les âmes mortes بعد أن رأى أنَّها قد أفرزت تأويلات سياسية بين أطراف الجمهور والنقاد، وأنَّ أعماله قد تمَّ اعتبارها كأفكار سجالية قادرة على إلهاب المَشاعر، ضِدًّا على النِّظام الفيودالي القيصري .أما جويس joyce مع أوليس Ulysses فقد كان موضوع محاكمة من أجل فاحشة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، محاكمة غير متوقَّعة كذلك: فقد انبثقت فيما بعد، بالنِّسبة لهؤلاء المؤلفين انطلاقا من هذه الواقعة سيرورة للتَّفاعل الدَّائم بين التلقِّي والإنتاج . صراع ثنائي بين القارئ الضمني والقارئ الواقعي الوسيط. يظهر الدَّور الحيوي للمرسل إليه في إنتاج النصِّ حتما في الأدب الشَّفوي، فالتَّبادلات بين المرسل والمرسل إليه تعتبر مباشرة: كما أن التجلِّيات المدحية أو الانتقادية توجد في أصل الأشكال النَّاتجة إما عن الإشباع الذَّاتي (تكرارات التشديد على بعض الإجراءات إلخ) وإما عن لا إشباع الشاعر المؤد l’exécutant من أجل مستمع ضمني جديد. بعد موت المؤلِّفين هم الناشرون العلميون وكل أنواع البدائل تأخذ مكانا ما في سيرورة التفاعل، إمَّا بواسطة إجراء تعديلات على العمل (الرَّقابات مثلا) أو تعليقاتهم. بالفعل، يمكن القول على غرار بارط في كتابه «نقد وحقيقة» « إننا بمحونا إمضاء المؤلف فإن الموت يشيِّد حقيقة العمل الأدبي في كونه لغزا» (23).
باستحضار المفهوم الجوهري «للقارئ الضِّمني» الافتراضي في الذهن، يمكن أيضا أن تبْرُزَ أهمِّية دراسة التَّرجمات أو الاقتباسات من أجل قُرَّاء اللُّغات الأجنبيَّة، يمكننا أنْ نتصوَّر إذن مواجهة، ليس فقط بين النصِّ الأصل والنصِّ الهدف، ولكن أيضا بين النصِّ الهدف، وقُرَّائه الأجانب الافتراضيين، الضِّمنيين كما تصوَّرهم المترجم. يعتبر هذا الأخير بالفعل وفي نفس الوقت مرسَلاً إليه (القارئ الضمني للمؤلف)، ومُرْسِلاً (القارئ الواقعي والمؤلِّف وهو يعيد كتابة النص).
مادامت جمالية التلقي كما الهيرمينوطيقا، والنظريات السيميائية وهي تحيل على القارئ المثالي وعلى ظاهرة التفكيك، فإنها تجد أصلها في التركيز على القارئ. لا يختزل هدفها مع ذلك في النتائج التجريبية لفعل القراءة، النشاط الذي ينبثق بالأحرى من سوسيولوجيا التلقي. يكمن موضوع بحث جمالية التلقِّي في دراسة وظيفة البناء/ والتفكيك النصِّيين، في الوقت الذي يتم فيه ترهين هذه الوظيفة في فعل القراءة، والتي قد تشكِّل شرطا ضروريا لهذا التَّرهين.
حقل دراسات التلقي
في غالب الأحيان، تكشف دراسات التلقي ما يسميانه المقارنين الفرنسيين Claude Pichois كلود بيشوا وأندري ميشيل روسو André Michel Rousseau منذ سنة 1967 في كتابيهما حول الأدب المقارن (24)، الصياغة «x و y» الثنائية يمكن أن تكون مشبعة مسبقا بواسطة مجموعة من المتغيرات، ومهيأة حسب Yves Chevrel لأربع وخمسين (54) تركيبة ممكنة (25). ومن ثمَّ، توجد سلسلة كاملة من الإمكانيات بين حالتين لصور قصوى تعتبر دراستها غير قابلة للتحقُّق: كتلقِّ جملة أو بيت شعري في العالم بأسره (مثلا تكون أو لا تكون) (to be or not to be) وتلقِّ كل الآداب المعروفة في بلد ما.
من بين الإمكانات الموجودة بعضها تم اكتشافه بطريقة وفيرة نسبيًّا، بعضها الآخر لم يكتشف بعد أو بشكل قليل. رسمي Yves Chevrel . شوفريل لوحات متنوعة سنحيل عليها من أجل التفاصيل (26)
سنحتفظ بثلاثة حقول تم اكتشافها سابقا بشكل جيِّد، للتنويع: أوَّلا دراسة عمل محدد في بلد أجنبي (يمكن أن يكون من نفس المنطقة اللسانية أو لا يكون)،( مثلا كتاب «الفردوس المفقود» Le Paradis perdu لميلتن Milton في فرنسا من فولتير إلى شاتوبريان لـجون جيلي Jean Gillet ) ؛ ثانيا تسمح دراسة مؤلف من نفس نمط المنطقةاللسانية بتقويم تنوُّعات استقبال وتأويل هذا العمل أو ذاك لنفس المؤلِّف (مثلا جوته الآخر في فرنسا مذكور سلفا، فولتير والأدب الروسي بواسطة زاباروف Zabarov، دوستويفسكي في فرنسا بواسطة Jean Louis Backes جان لويس بكيس، من يقول نعم، ومن الذي يقول لا أو تلقي بريخت في فرنسا. (1956-1945) من طرف Daniel Mortier دانييل مورتيي وفي سنة 1986 بودلير في روسيا من طرف ادريان فانر Hadrian Wanner سنة 1996) .
إن هذا النمط من الأبحاث يمكن أن يتَّسع نحو بلدان أخرى، بل نحو قارات أخرى متلقِّيَة، والتي سبق لها أن انطلقت (أثارت جدلا) بفضل المؤتمرات الدَّولية (مثل ندوة عن الإشعاع الدولي لفكتور هوجو، المنظمة من طرف Francis Claudon خلال مؤتمر L’AILC سنة 198527/ .
ثالثا كما أنَّ دراسة مؤلِّف ما عند مؤَلِّف أو مؤَلِّفِين أجانب، هي عمل يمكن أن يشمل التَّأثيرات، الأحكام، التَّأويلات، الاستشهادات، وكل ظواهر التملُّك (مثلا كلوديل وشكسبير لـبيير برونيل Pierre Brunnel) من درجة إلى درجة، يمكن للتلقِّي أن يصل عند الكتَّاب إلى تَمَلُّكٍ إبداعي.
إنَّ هذه الأبحاث رغم قِلَّة استكشافها ووعودها، يمكن أن تشمل هذه الحقول الأربعة: تيار أدبي في بلد أجنبي (نذكر هنا أعمال يوفيس شوفريل Yves Chevrel حول النزعة الطبيعية الفرنسية في ألمانيا ) ؛ جنس أدبي معين في بلد أجنبي (القصة القصيرة الأمريكية في فرنسا كانت قد درست في مختلف المقالات والأعمال، ونذكر هنا بالخصوص كتاب Claire Leich-Galland كلير ليش لالاند التلقي المسرحي الفرنسي في ألمانيا (28) ؛ كل أدب بلد معين في منطقة لسانية أجنبية، الشيء الذي لن يكون ممكنا دون أن نطرح بالشكِّ مشكل الحدود الزمنية (مثلا الأدب الروسي، الكلاسيكي أو الحديث في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية) وكل أدب بكامله عند مؤلف معين (مثلا الأدب الروسي عند نابوكوف nabokov ).
لقد سبق لهذه الدِّراسات المقارنة أنْ سمحت بتفجير الإطارات الوطنية أو الجهوية، بل أحيانا ببعض الشوفينية، في بعض الأماكن، وفي بعض اللحظات سمحت بالاستمتاع والعمل على الاستمتاع بنسبية الأذواق والأنماط والتيَّارات الفكرية حسب الجماهير، بم فيها تلك الموجودة في نفس البلد: وهكذا فإن ايزابيل نيير Isabelle Nières في أطروحتها حول Lewis Caroll لويس كارول في فرنسا قد بيَّنَت جيِّدًا أنَّ الجمهور لم يكن متجانسا، إذ يتشكَّل من الأطفال والراشدين . أتاحت هذه الدراسات تقويم الدَّور الممارس على استقبال الكتَّاب وتأويلاتهم بواسطة العلاقات الدولية بين الدول، بل حتَّى بين الشعوب خطاب شعبي بل شعبوي، حامل لصور مسكوكة لشعوب مقاومة مثل الأميركي الطفل الكبير، الذي حدَّد شروط تلقِّي هيمنغواي، روسيا البربرية لجوجول أو روسيا الملْغِزَة لتشيخوف. سمحت هذه الدِّراسات- وهي قادرة على فعله – بالبرهنة عن تنوُّع وغنى التَّأويلات التي يمكن أن يثيرها عمل أو مجموعة من الأعمال ليس فقط في بلد ما،ولكن عبر المكان كما الزَّمن. ومن ثم، فبإمكانها أن تسمح طبعا باكتشاف احتمالات العمل،وكذلك الخصائص التي تعتبر ركيزة هذه التَّأويلات،والتي أهملها النُّقاد الوطنيون. ومن ثمَّ، فإن دراسات ولو جزئيَّة لتلقي موباسان Maupassant في أمريكا، مثل مقالة سيليفان E.D. Sullivan «موباسان والقصَّة القصيرة» (29) قد شجَّعت على اكتشاف عند موباسان فن مدروس للقصة القصيرة وليس فقط كما هو الشأن في غالب الأحيان، طيمات القصة القصيرة أو مواجهات بين القصص القصيرة والواقع الفرنسي.
منذ بضع سنوات فقد وسَّع مع ذلك بعض الباحثين صياغة « y » و« x » إلى «x et (y+z+n…)» باقتراح تحليلات مقارِنة لتلقِّيين أو عدة تلقِّيات . في فرنسا، تم اقتراح هذا التَّوسيع، بدون زيادة، من طرف كلود بيشوا وميشيل روسو في هذه الجملة حول «ثروة» fortune كاتب معين:
«يمكن للثَّروة […] أن تكون وطنيَّة أو دوليَّة عموما تسبق الأولى الثانية، هذا صحيح بالنِّسبة للكرنولوجيا، ولكن أيضا بالنِّسبة لمظاهر العمل المأخوذة بعين الاعتبار لمعرفة الثَّروة الأجنبيَّة لمؤلف ما، من الجيِّد تتبُّع أولا شهرته في بلده الأصلي:تكون ثروته خارج الحدود قابلة للتَّمَثُّل (الاستيعاب)نحو الذَّبذبات التي ستتوسَّع انطلاقا من مركز معيَّن» . (30) رغم أن بيشوا وروسو لم يلحَّا بإصرار على هذه الإمكانيَّة فقد مهَّدا الطريق لأبحاث تدمج على الأقلِّ بلدًا أجنبيا، والبلد الذي يكتب فيه مؤلف ما وينشر (ليس بالضَّرورة بلده الأصلي ). على كل حال،لقد دفعا وأكَّدا على بعض الباحثين بالتركيز على مجموعة لا متجانسة من المتلقِّين، يمكن أن يفهم من هذا المجموع، إما البلد المتلقِّي الوطني أو البلد الأجنبيِّ أو بلدين أجنبيَّين أو أكثر . من أجل التَّدقيق والتَّوضيح نكتفي بالإحالة إلى مقالة Claude De Grève، التلقِّي المقارن: مجال في طور النمو (31)
وبشكل تكميلي إلى أطروحته حول جوجول في روسيا وفرنسا أبحاث في التلقي المقارن (32)
بالنسبة للمقدِّمات، الخاتمة والحصيلة في نهاية كل جزء فضلا عن أطروحة Régis Salado حول اوليس لجويس مختبر الحداثة.دراسة في التلقي المقارن في الميدانين الفرنسي والأنجلوسكسوني(33) .
يمكن أن يرتبط بهذا الحقل تأويل رابليه لمارسيل دو كريف Marcel De Grève (34)/ وأعمال ندوة تلقِّي الرِّواية الفرسية المعاصرة في أوروبا بين الحربين المنشورة بواسطة آن راشيل هيرميتي (35) Anne-Rachel
سنلخِّص اهتمام المجابهة بين تلقِّيين على الأقل (وقبل ذلك بين تلقِّ وطني وتلقِّ أجنبي) في خمس نقاط. يمكن للمواجهة بين تلقٍّ وطني لمؤلِّف معيَّن وتلقٍّ أجنبي لنفس المؤَلِّف أوَّلا أن تكشف عن غياب أي بحث حول تلقِّ مؤلف معين في بلده الأصليّ، يمكنه أن يَحُولَ دون بروز عناصر تفسيريَّة بل مؤسِّسَة لتلقِّي هذا المؤَّلِّف في الخارج. (بلد أجنبي آخر) . ليس من قبيل الصدفة مثلا أنه بين الحربين العالميَّتين، انحصر النقد الفرنسي حول الكتاب الروسيين الكلاسيكييين تقريبا وبشكل حصريّ في مجرَّد تأويلات سيكولوجيَّة وميتافيزيقيَّة. تجد هذه الظاهرة بالفعل تفسيرها في تلقّي الكتَّاب الكلاسيكيين في روسيا نفسها: تقبل التَّأويلات السُّوسيولوجيَّة الماركسية في روسيا السوفياتية بينما يتمُّ إهمالها في فرنسا ؛ في روسيا ماقبل الثَّورية حيث تتم استعادة التَّأويلات البعيدة جدًّا عن السوسيولوجيا،والنزعة الوضعية الأدبية بمعنى التَّأويلات الرمزية لنقطة التحوُّل وبداية القرن.
يكشف هذا النَّمطُ من المقارنة بين تلَقِّييَن على الأقل مشكلة التَّزامنية الثقافية la simultanéité culturelle,،كما طرحها ياوس نفسه، وأحيانا يطرح غياب التَّزامنية تغير الزَّمن الثَّقافي أحيانا كما نعرف من بلدٍ لآخر ومن نسقٍ إلى آخر.
ومن ثمَّ،لا نجد أننا بين سنة 1925 و 1930 في نفس المنحنى الزمني سواء كنَّا نعيش في باريس أو موسكو. هذا ما يبيِّنُه تلقِّي موسكو1926 ثم باريس (1930) لإخراج مسرحية Revizor لجوجول بواسطة Meyerhold مايرهولد .نصا أو عرضا مسرحيا بالمناسبة .
تسمح هذه المواجهة بتقسيم الحصة في تلق معين، من جهة، للعناصر الاعتباطية contingents،المتغيرة من بلدٍ لآخر. ومن حقبة لأخرى (الأنماط، والأحداث التَّاريخية، التبادلات الثَّقافية مع انفتاح الحدود أو عدمها)، ومن جهة أخرى، بتطور دولي عام، للأدب، والأذواق والأخلاق، والنَّقد ونظرية الآداب، تطور غير قابل للاختزال في التطوُّرات الوطنيَّة. ومن ثمَ،فالانطلاق من مواجهة تلقِّيات جوجول في فرنسا وروسيا السُّوفياتية نفسها يُمَكِّنُنَا من استخلاص تطوُّر نقدي نحو تصوُّر جديد لل»عمل مفتوح» لم يستطع أي ضغط إيديولوجي كبح جماحه.
يؤدِّي التلقِّي المقارن بالباحث إلى تدقيق وتوسيع في نفس الوقت الاكتشافات المنجَزة بواسطة الدِّراسة الكلاسيكية للتلقِّي حول سلسلة كاملة من التَّأويلات التي يمكن أن تثير عملا، حول احتمالاته إذن (ليس فقط الانتقادات بل إخراجات وتملُّكَات الكُتَّاب والتي بإمكانها أن تكون مضيئة).
أخيرا .. يمكن لهذه المواجهة أن تضيء في بعض الحالات، الدَّور الرَّئيس وأحيانا المدهش، للتَّرجمة لنا نموذج متميز: يتعلَّق بخرافة Thyl Ulenspiegel (1867) لـ Charles De Coster شارل دوكوستر
، رواية تقوم طيمتها على الجمع بين انتقام Thyl من موت أبيه والصِّراع من أجل تحرير هولندا، وإسبانيا لفيليب الثاني وضدا على حكومة الدوق ألبي d’albe،بينما ورغم تعقُّدها من وجهة نظر أسلوبيَّة، فإنَّ تقديم الرِّواية أحيانا المُحَيِّر في شكل آيات versets ولا تجانسها التجنيسي (رواية تاريخية، ملحمة قصيدة غنائيَّة) فإن هذا العمل البلجيكي غير المعروف كثيرا في فرنسا بشكل كبير حصل في روسيا على نجاح دائم، نجاح في العمق. بدون شك،فقد لعبت طيمة الثَّورة ضدًّا على الملكية القامعة دورا معيَّنًا في نشر ونجاح هذا النصّ على الأقلّ في روسيا السُّوفياتية، وبدون شكّ فإن أفق التوقُّع الجديد للقرَّاء المألوفين ل»الأرواح الميتة» لجوجول حيث الحدود بين الأجناس غامضة قد شجَّع هذا التلقِّي،ولكن قبل ذلك فإن التَّرجمة تُوَازِن، بل تجعل تعدُّدِية الأساليب متجانسة يصعب على القارئ الفرنسيِّ الولوج إليها ….من فرنسا.
مشاكل منهاجية
يجد الباحث المقارن نفسه بخلاف المُنَظِّر باعتباره كذلك، في مواجهة مشاكل مِنْهاجية متنوِّعة وملموسة، وبالخصوص في مسألة اختيار مكان وزمن الدِّراسة، وتشكيل المتن وتنضيد الموارد.
يمكن لمعايير اختيار المكان و الزَّمن أن تتنوَّع .إنَّ هذا الإمكان: قد يكون نجاحا مهمَّا بالخصوص أو على العكس من ذلك، صمتا مُحَيِّرًا من جانب النقَّاد والكتَّاب القريبين من النَّاقد المرسِل (36) أوعبارة عن تقلُّبَات غير عادية ( من التجاهل الى الإعتراف ) ؛عدد وأصالة التَّأْوِيلات، الترهينات المتكرِّرة والاقتباسات…إلخ من هذه الزاوية، سنتجنَّب مثلا، دراسة تلقي بيرنجي Béranger في إيران على عكس Béranger في بولونيا، أو في بلغاريا اللّذين يمكن أن يصبحا مواضيع للدِّراسة.
يمكن لخصائص المكان التي تشمله الدِّراسة في المنطقة اللِّسانية المختارة، أن تتعلَّق بتطوُّر تاريخيٍّ. أوَّلا من الملائم تثبيت وشرح اختيار الحقبة المدروسة حسب معيارين: المدَّة والتَّواريخ المُحَدِّدة للحقبة (إلا إذا كانت الحاجة تدعو إلى شرح مشاكل التَّحْقيب التي تطرح داخل هذه المُدَّة) . إن اختيار هذه المدَّة للدِّراسة يمكن أن يجيب عن أسباب عقلية عملية أو علمية حتَّى ولو كانت الأسباب عقلية (الزمن الذي نتوفر عليه، توسيع الدِّراسة). نختار حقبة محدَّدَة . من الملائم أن نكون واعين بظاهرتين ملاحظتين من طرف سوسيولوجيي الأدب مثل Escarpit, Bourdieu بورديو، اسكاربيت والمنظرين أمثال Gadamer كادامر.
أوَّلًا على مستوى الوقائع، تؤثر المُدَّة على استمرار من عدمه لنجاحِ أو بقاء العمل حيًّا، وكذلك على المؤَلِّف… إلخ . في المقام الأوَّل، لا يمكن أن يكون تقويم نجاح جمهور العمل، في مرحلة معيَّنة وفي منطقة لسانيَّة محدَّدَة موحيا،إلَّا إذا كانت دراسة هذا النَّجاح تشمل على الأقل خمسة عشر عاما، مدَّة جيل معيَّن، كما بيَّن ذلك روبير اسكاربيت في كتابه الأدبي والإجتماعي le littérature et le social (37)/. يجب الحصول على أكثر من خمسة عشر عاما لقياس كيف لـ «نجاح الصدمة» أو «نجاح الفضيحة» قد أصبح «نجاحا في العمق» Succés de fond أيْ بواسطة إعادة تجديد للأجيال «يمكننا قبول الإعتراف بكاتب معيَّن أنَّه لا يدوم إلا بدوام تأثيره على جمهوره السَّنَد، بمعنى خمسة عشر عاما، يجب إذن أن يتجدَّد بواسطة جمهور أكثر شبابا» (38)
يبيِّن روبير إسكاربيت أيضا أنَّه يمكن السُّكوت على نجاح ما، لكن إذا ما الكاتبُ استمرَّ في الإنتاج، يمكن لعمله أن يعود إلى الطليعة. وفي المقام الثاني، إن الزمن الضروري – حسب اسكاربيت وآخرين – لبقاء العمل وحياته داخل التراث الأدبي بل عبوره إلى الأجيال اللاَّحِقة قابل للتَّقويم لمدَّة عشرين عاما على الأقل بعد نشْر هذا العمل. يتعلَّق هذا البقاء نفسُه في جزء منه بالسُّوق الأدبي، وفي جزء آخر بالمؤَسَّسات المدرسيَّة الجامعية «بينما إن بقاء العمل حيًّا كإمكانية إعادة القراءة في وضعية تاريخية جديدة، يتمُّ تحديده شرطيا بواسطة البقاء كالمحافظة على بقاء عرض الكتاب في السُّوق . تقصي اللُّعبة الاقتصاديَّة في عام واحد ما يقرب 90% من الأعمال المنشورة .ما يبقى يخضع لإقصاءٍ ثان من نفس النَّمَطِ من طرف الجماعات الَّتي تقود الرَّأي العام الأدبي، المُكَوَّنة أساسا من النَّقد والجامعة عشرين عاما بعد ظهورها، أصبحت نسبة 1% من الاعمال «كلاسيكية» منخرطة في اللاَّئحة النِّهائية لما يشكِّل مسكوكية الثَّقافة الأدبيَّة ما نسميه بالفعل «الأدب» في الجامعة» (39)
يطرَح هذا التحليل لأولية فرز الأعمال المطبوعة بحسب رأينا مشكل دراسة الكُتَّاب على قيد الحياة بشرط (إلا) إذا شكَّلتْ أعمالهم مجموعا معروفا منذ أكثر من عشرين عاما،وكان قد كرَّسها النَّقْد. إن اختيار زمكان معيَّن،كما دراسته يمكن أن تصل إلى الدِقَّة والصَّرامة بفضل مفهوم «الحقل الأدبي» (أو الحقل الفني) الذي اقترحه بيير بورديو في كتابه «قواعد الفن، تكون وبنيةالحقل الأدبي» 40/
بمناسبة دراسة بيير بورديو لفلوبير فقد استخلص فكرة الحقل الأدبي في مقابل حقل السُّلطة. لقد حقَّقَ الحقل الأوَّل على الأقل في فرنسا استقلاليتَه المتزايدة بالنِّسبة للحقل الثَّاني 41/ .لقد وصل بيير بورديو عبر تحليل حالة فلوبير إلى بلورة ترسيمة تسمح بمَوْضعة هذه الحقول الواحدة بالنِّسبة للأخرى، وبالنِّسبة لضخامة الحقل الاجتماعي. فقد قسَّم الحقل الأدبي (أو بشكل شامل الإنتاج الثقافي) إلى حقلين فرعيَّين «حقل فرعي لإنتاج ضيق محدود ، و»حقل فرعي لإنتاج كبير» 42/ .
يكمن الاهتمام بهذه المفاهيم فضلا عن تلك المتعلِّقة ب»الرأسمال الإقتصادي» و «الرَّأسمال الرَّمزي» 43/ في أخدها بعين الاعتبار المظاهر الاقتصادية والمظاهر المؤسساتية للإنتاج والتلقِّي الأدبيَّين بدون افتراض علاقات محددة .44/ لقد استغل ريجيس صلادو Régis Salado في عمله المذكور آنفا بطريقة ملائمة مفهوم الحقل الأدبي. ومن ثم، فقد ميَّز الحقلين اللندني والأمريكي من جهة، والحقل الفرنسي من جهة أخرى .
لقد تمكَّن من وصف الحقل الأوَّل وجها لوجه « establishment» مع «المؤسَّسة «، والمجلَّتين مثل The Egoist et 45/ The Litle Review « 46/ « الأناني « و «النَّقد الصَّغير»كـ « ناطق غامض (ملتبس) شيئا ما للأهواء السياسية لليسار وبداياته،فيما يخصُّ النزعة الفوضوية والنزعة النسوية» . أما بالِّنسبة للحقل الفرنسي لتلقي جويس فقد عرف «تحرُّكًا» mobilisationهذه المرة حول مكتبتين في حي أوديون l’odéon، «Shakespeare and Company»شكسبير وشركاؤه أسَّسَها sylvia beach سيلفيا بيتش و « la maison des amis du livre » بيت أصدقاء الكتاب لأدريان مورنيييAdrienne Monnier .هنا يجب أن نأخذ مصطلح الحقل تقريبا بمعنى المحيط périmétre .
إذا تبنَّيْنا وجهة نظر منظِّري الهيرمينوطيقا، كلَّما كانت المدَّة المدروسة طويلة، كلَّما كانت النَّتائج علميا مقبولة بالنِّسبة للتَّأويلات التي يمكن أن تَسِمَ عملاً ما .ومنْ ثَمَّ، فقد بيَّن ياوس أثر الزَّمن على ولادة وتطوُّر التَّأويلات التي نقول عنها رسميَّة، ولآيات الكتاب المقدسde vulgates. بالفعل،تُوَحِّدُ «المعايير المسكوكة» مع مرور الزَّمن، العناصر اللَّامتجانسة للعمل، والمؤَلِّف، بتصفية البعض منها (لصالح الحقب، والمناطق المُتَلَقِّيَة). إنَّ هذه السيرورة تصل إلى تشكيل صور الكتَّاب المتعارضين أحيانا،أو ينتمون إلى برامج مختلفة : فلوبير واقعي، فلوبير استطيقي خالص، دوستويفسكي صوفي نبي أو مجرد روائي، إلخ. كما أن ياوس تمكن من البرهنة أيضا على دور الزمن في إدماج الإنزياحات الجمالية التي ينتجها العمل في أفق توقُّعي جديد: كعمل بروست مثلا، أمَّا كادامر في كتابه: حقيقة ومنهج 47/فقد ذهب بعيدًا جدًّا فيما يخصُّ الأهمِّية المعطاة لما يسميه «المسافة الزمنية» (أو الرجوع (recul)) . يجب أنْ تكون هذه الأخيرة بحسبه لا محدودة بشكل مثالي، إنَّ هذا الشرطَ كان هو الضامن لإضاءة معنى العمل.
«إن إضاءة المعنى الحقيقي المتضمَّن في النصِّ أو في الإبداع لايصل الى ذروته في نقطة محدَّدة. إنَّه في الحقيقة سيرورة لا محدودة .لا نكتفي فقط بإقصاء مصادر الخطأ في الوقت الذي تظهر بطريقة تستخلص دون شوائب المعنى الحقيقي التي قد تكدِّر صفوه. تولد بدون توقُّف مصادر جديدة للفهم تكشف علاقات معنى غير مشكوك فيها، إنَّ هذه المسافة الزَّمنية التي تشغل هذه التصفية ليست لها مساحة محددة، إنها مأخوذة في حركة دائمة، في توسع دائم» 48/.
يمكننا مناقشة الاعتقاد بوجود «معنى حقيقي» وفي أحادية الأعمال. ومن المستحيل طبعا تحقيق بشكل إنساني مثالا أكثر طموحا. لكن مصلحة مثال معيَّن تكون على الأقل في جَعْلِ الباحث واعيا بتاريخيَّته الخاصَّة ونسبيَّته في الزَّمن (ليس هو الإله) .تشكل الجملة المركزية حول المصادر الجديدة للفهم برهانا من عيار رفيع لصالح عمل طويل الأمد. أو على الأقل للأخذ بعين الاعتبار، لأفق هذه المدَّة، حتى ولو كَتب عنها أيضا ي. شوفريل Chevrel Y. أن الأساسي هو «خصوبة النَّتائج» 49/، مهما كانت المدَّة المُختارة ..
يمكن أن تطرح مشكلة أخرى للمدَّة هي مشكلة التَّحقيب. اختيار التَّواريخ الحُدود، يمكن لعدم تحديد تاريخ معيَّن بدِقَّة لظهور حدث معيَّن terminus a quo et terminus ad quem 50/ أن يتعلَّق في نفس الوقت بالكاتب المرسِل (العمل،الجنس الأدبي.. إلخ) وسياق مِنطقَة الاستقبال. يبدو أنَّهُ من الأفضل أنْ تتطابق هذه الحدود مع الأحداث الخاصَّة لتلقِّي المُرْسِل بالأحرى مع التَّواريخ الوحيدة المؤرَّخة، أو المرور من قرن إلى آخر ومن ألفية إلى أخرى. بالفعل، إن أحداث مثل نشر أصلي أو ترجمة أو اقتباس، مؤتمر أو عيد ميلاد له أهمِّيته على الأقلّ في الحياة الأدبيّة أكثر من حدث تاريخي . سنرى هنا في عمل Daniel-Henri Pageaux دانييل هنري باجو حول الأدب العام والمقارن 51/. يقترح علينا في فصل «قراءات» كرنولوجيا مقارِنَة بين المنشورات -الأصلية وترجماتها البعيدة أحيانا في الزمن،التي تضيء نشر عمل ما في الخارج، وصورة كاتب ما.52/
وهذا لا يمنع مع ذلك أن حدثا تاريخيا يمكن أن يشكِّل تاريخا محوريًّا، التَّاريخ-المفتاح في بعض الحالات: مثلا في أوروبَّا، وفي جزء كبير من العالم حدثت ثورات1789، 1977، وحروب (1914-18، 1939 -1945)، تاريخ لقاء يالطا ( فبراير (1945، 1989، كتاريخ سقوط حائط برلين 11 شتنبر 2001، أحيانا لا يمكننا أنْ نَعْقِل (نُمَنْطق) ذلك إلا بمصطلحات المنعطف tournant نظرا لعدم إمكانية التأريخ بدقة لظاهرة ما: مثل بداية «الحرب الباردة» (عبارة Cold War التي انتشرت بواسطة والتر ليبمان walter lippmann سنة 1947)،فقد كان لها تأثيرا كبيرا على الحياة الأدبيَّة، كما الحياة السِّياسيَّة في العالم (نهاية 1945، مع نزاعات ترومان وستالين ؟ وفي 5 مارس 1946 مع خطاب تشرشلchurchil إلى فولتون Fulton يدعو فيها إلى الحذر من الرُّوس ؟ وفي 5 أكتوبر 1946 ومع خطاب جدانوف jdanov حول تقسيم العالم إلى كتلتين ؟).
يلاحظ، في الأخير،حول هذه النقطة وخلال وقت قصير من الزَّمن،غياب لكل تلَقّ بارز (تلقِّ صفر) لعمل خاص أو مجموعة أعمال لمؤلِّف ما.وقد لايخلو ذلك من دلالة . يتعلق الأمر إما : بالسُّخط (المؤقت) للجُمهور، ظاهرة تحدث كثيرا بعد موت المؤلِّف (أناتول فرانس)؛ وإما بالصَّمت الحذِر للقرَّاء وهم يخضعون لإكراهات النِّظام الشُّمولي والقهري (فرويد ومجموعة من الكتاب الآخرين في ألمانيا النَّازية والكتَّاب المنشقِّين في الاتحاد السوفياتي)،أو مراسيم القوانين المنبثقة من التطرُّف الدِّيني (رابليه، سلمان رشدي)؛ وإما استنكار أو إنكار يقوم به طرف معيَّن من الجمهور.
أما فيما يخصُّ مكان أو أمكنة التلقِّي الذي يتمُّ تفضيله في خضمِّ المنطقة اللِّسانية أو المناطق اللِّسانية المختارة،فيتعلَّق غالبا بنمط حكومة البلد المختار (أو الجهة) .ومن ثمَّ،ففي فرنسا المكان /المركز يكفي أن نكتفي بالنِّسبة لغالبية المراحل الدِّراسية بالإشتغال على ما نُشر في باريس، ماعدا بالنّسبة للقرن 16 حيث كانت ليون lyon مدينة كبيرة لدور النشر مع ?tienne Dolet إتيان دولي، بعبارة اخرى، في نهاية القرن 20 فرضت نفسها منشورات جهويَّة تسمى Actes Sud بـ Arles آرل، وبعض الجرائد اليومية مثل يومية فرنسا- الغرب Ouest-France وتظاهرات مثل مهرجان أفينيون . ومن جهة اخرى، في الولايات المتحدة الأمريكية، تشكِّلُ مدن مثل نيويورك،شيكاغو، سان فرانسيسكو، لوس أنجلوس ..إلخ جميعها عواصم أدبيَّة ( أكثر من واشنطن ) . في هذه الدول الفيدرالية مثل ألمانيا وبلجيكا، ومدن أخرى غير العاصمة السياسية تلعب دورا من الدَّرجة الأولى في الحياة الأدبية،ففي روسيا عاصمتان تتنافسان.
إنَّ تكوين متن (شهادات تلقِّ معين،آثار ووثائق قادرة على إضاءة هذه الشَّهادات) يمكن أن يكون موضوع تساؤلات . بالنِّسبة لبعض الأخصائيين مثل Y. Chevrel ، ينبغي أن يكون جَمْعُ الأدوات شاملا. حتى ولو بالنِّسْبة لمكان و زمن محدودين،كما يدعو إلى ذلك، يمكننا أن نُقَدِّر أنَّ ما هو دالٌّ قادر على التفوُّق على ما هو شامل . انطلاقا من هذه اللَّحظة يمكن أنْ يتِمَّ تجميع موادّ تطابق المظاهر الكمِّية والكيفية للتلقِّي، فضلا عن موادّ ذات قيمة كمِّية وكيفيَّة في نفس الوقت.
تضم موادّ التَّجْميع باعتبارها آثاراً كمِّية، للنَّجاح أو الرَّفض، ليس بالضرورة عدد النُّسَخ المسحوبة tirages، وأرقام المَبيعات،ولكن عدد وتنَوُّعْ دُور النَّشر(منشورات خاصَّة بالجمهور الكبير، منشورات خاصة بهواة المكتبات، المنشورات العلمية إلخ…) ترجمات، واقتباسات .كذلك أيضا عدد مهم من الأنطولوجيات (مخصَّصة لمؤلِّف أو لعدة مؤلِّفين، أو لتيَار أدبي معيَّن)، مقدمات، وخواتم، مقالات في مجلَّات، مقالات في الموسوعات والمعاجم، وأشغال المؤتمر، وكل ما من شأنه أنْ يسمح برسم الحصيلة. وحسب الحاجة، فإن عدد الأعمال التي يتمُّ إخراجها يمكن أن تُعدَّ (المسرح ومن ضمنه مسرح العرائس، الأوبِّرا، السِّيرك، السِّينما) وتُوَسَّع بواسطة بحث استكشافي حول عدد الشَّهادات، والأصداء الصَّحافية التي تابعت هذه الإخراجات: إنَّها تفيدنا في معرفة استقبال الجمهور والنقَّاد. يمكننا أن نضيف هنا دراسة الأثر الذي يمارسه كاتب أجنبي (جنس أدبي، تيار أدبي …إلخ) حول كتاب المنطقة اللسانية المُتَلَقِّيَة، بواسطة تصفُّح لنصوص الكتَّاب المعروفين جدًّا في المكان – الزمن المدروسين؛ وليسوا بالضَّرورة الكتَّاب المُكَرَّسِين بواسطة المُؤَسَّسَات. بالفعل، تمَكَّنَ كُتَّاب تمَّ اعتبارهم من طرف الجيل اللَّاحق كتَّابا من الدَّرجة الثَّانية أو ليسوا من العيار الثَّقِيل،من المساهمة في تَلَقِّ مؤلف أجنبي بل في حياة وبقاء عمله، باعتبارهم وسطاء. في نهاية القرن 19 مثلا وبداية القرن 20 في فرنسا، ثمة كُتَّاب غير معروفين بشكل كبير مثل Armand Silvestre ارمون سيلفستر،أو جورج اوهني (مع مسرحيته Serge Panine ) . لقد ساهما في تلقّ الكتاب الروس، مثل جوجول وتورجنيف وتولوستوي.
باعتبار الآثار الكيفية، بمعنى التقويم للآثار القرائية، وتأويل الأعمال. يمكننا اللُّجوء إلى ثلاثة سلاسل كبرى من الشهادات: الصَّحافة اليوميَّة والأسبوعية، نَقْدُ الكتاب أو المجلَّة، ثم الأدب. في غالب الأحيان، يمكن أن نجدَ في الصحافة الصّدى الأوّل لنشر الكتاب (الوطني، الجهوي، أو الأجنبي، المترجم أو غير المترجم) أو التمثيل المسرحي. حسب التواريخ والفاصل الزمني المُتَصَوَّر، يمكننا أن نجني ردود أفعال مباشرة و فورية تقريبا، كما يمكننا أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا ردود الفعل المباشر لترجمة منشوره بعد صدور العمل الأصلي. في سياق مكاني زماني يمكن أن يكون مختلفا عن السِّياق الأصلي،أو إخراج جديد لمسرحيَّة قديمة : في الحالتين نجد أنفسنا في مواجهة «تحقُّق» جديد للعمل. في الممارسة (تلك المتعلقة بدراسة التلقي الشامل، أو على العكس التلقي الذي يتمحور استثنائيا حول الصحافة مثل إيزابيل تايلاندييه Isabelle Taillandier، 53/لا يمكن أن نتجنَّب مجلَّة الصَّحافة .كما لايمكن لهذه الأخيرة أن تكون شاملة، في حين أنَّها يجب أن تخضع لمعايير التَّصنيف. يمكننا أيضا أن نصنِّف ردود أفعال الصَّحافة حسب عاملين متغيِّرين قابلين للانفصال أو للإتصال أولا: 1- حسب الآراء السياسية،الدِّينية أو الخطوط العريضة لفلسفة التَّحرير، المُمَثّلَة بواسطة أعضاء الصحافة بدقَّة تقريبا حسب البلدان، مع الأخذ بعين الاعتبار كل الظَّواهر الخَاصَّة بمختلف البلدان،إما بالاحتكار بواسطة الحزب الوحيد ( من الاتحاد السوفياتي سابقا الى كوبا )، أو الاعتراف، الشيء الذي يقود الى البحث عن الفروقات الدَّقِيقَة جدًّا من صحيفة لأخرى، وإما الاستقطاب، كما كانت الحالة في فرنسا، بين اليسار واليمين، وإما الانقسامات المتقاطعة كما في بلجيكا (يسار، يمين، مركز التفكير الحر/النزعة الكاثوليكية، flandre فلاندر/ فالونيwallonie أو بروكسيل) .سندرك إلى أي حدٍّ يمكن لتقويم العمل وتأْويله أن يتنوَّع حسب ألوان النطاق السِّياسي و /أو الإيديولوجي.
ومن ثمَّ، فإن إخراج مسرحية revizorالمفتش العام بواسطة مايرهولد في سنوات 1930 صفقت لها جريدة l’humanité وأهانتها جريدة L›Action française… لنفس السبب: لأن المسرحية مصدرها الاتحاد السوفياتي. ثانيا : 2- حسب الجمهور المستهدف بواسطة الجريدة (قرَّاءَه الضمنيين) الجمهور الشعبي الكبير، جمهور بورجوازي كبير،حارس القيم الأكاديمية، الجمهور المثقف،الجمهور الميسور: ومن ثمة فإن ردود الأفعال تختلف في فرنسا، سواء انشغلنا بـ France-Soir. أو France-Dimanche بجريدة Monde LE، أو Libération، أو جريدة لوفيكاروFigaro. يمكن للجرائد فضلا عن ذلك أنْ تفيدنا بواسطة التَّقاطع (حول) بين استقبال الجمهور لكِتَاب ما أو إِخْراج معيَّن.
يمكننا انطلاقا من هذين المعطيين (1 و2) أن نستخلص أحيانا استنتاجات مفيدة حول العلاقات بين تقويم العمل، تأويله،والصُّحف المختلفة،حينما يتعلَّق الأمر بإخراج مثلا (مسرحي أو سينمائي) حول الأهمِّية الكبرى التي يعقدها الى حدِّ ما النُقَّاد الصحافيون لمُخْتَلف مكوِّنات النصِّ الذي أصبح فرجة: العمل- الأصلي، الإخراج كما هو، المخرج،الممثلون، الديكورات، من بين المناهج المستعملة لدراسة تلقي العرض المسرحي التداولية la pragmatique. لقد فرضت نفسها أيضا كما يبين ذلك السيميائي André Helbo في الفصل الأول من كتابه الكلمات والإشارات 54/
تتأسَّس طبعا الأبحاث حول تقويم وتأويل الأعمال في معظم الدِّراسات المنشورة في مجلات متخصِّصة، إنَّ نقد المجلَّات الأدبية وهي تتراجع إلى الخلف، بالمقارنة مع الجرائد،إنَّها تميل إلى العُمْق أكثر، مشكِّلة بذلك هذا التَّوازي مع الأعمال النَّقدية،الأطروحات، والمنشورات؛ حتى ولو كان جمهورها محدودًا. يمكن لهذه الكتابات أن تسمح ببقاء عمل (أو أعمال معيَّنة) حيًّا (أو حيَّة)، خارج أهواء الموضة، بالفعل، وكنتيجة لذلك، فإن الدِّراسات النَّقدية التي يمكن أن تظهر كأشغال مختبرية (أطروحات، أشغال المؤتمر إلخ) يمكن أن تمنح فرصة ظهور أعمال أو مقالات لجمهور واسع، أو منشورات تجعل هذه الأشغال العمل في متناول جمهور كبير جدا،ولكن على أسس علميَّة .هنا يمكن أن تستجيب مبادئ تصنيف التلقِّي النَّقدي لصور حول المؤلفين أو لتيَّارات نقديَّة خاصَّة بفضاء وزمن تم اختيارهما. ومن ثمَّ، ففي القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين يمكننا أن نميِّز على الأقلِّ في كثير من بلدان أوروبا أنماطا نقديَّة بيوغرافية سوسيولوجية، أخلاقية، ذات استلهام ديني أو ميتافيزيقي ؛ ثم بعد ذلك، في أوروبا وفي أماكن أخرى من العالم،كما نميِّز أنماطا رمزية، بنيوية، سيكولوجية،وسيمائية إلخ.
لن ننسى أن الكُتَّاب يمكن أن يصبحوا متَلَقِّين مُفَضَّلين لأعمال أخرى، وكتَّابًا آخرين،وتيَّارات أخرى، إلخ، من نفس المنطقة اللِّسانية أو المنطقة اللِّسانية الأجنبيَّة.يجب أن نأخذ كل ظواهر «التَّناص» أو التلقِّي الإبداعي بعين الاعتبار أو على الأقل تمييزهما عندما يشْهَدُ نصٌّ ما على نسب معيَّن. ينطلق ذلك من الاستشهاد والتَّلْميح الدَّقيق إلى إِعَادة الكتابة (مثلا الأساطير الكبرى) مرورا بالتَّعْليق على عمل معيَّن،أو مُؤَلِّفْ ما، المحاكاة الساخرة، التَّرجمة إلخ. يجب فحص أعمال المؤلِّفِين المتلقِّين، كما يجب أيضا فحص يومياتهم،مراسلاتهم بياناتهم، الدِّراسات النقديَّة، «الإبداع» الأدبي الذي يُمَرَّرُ في غالب الأحيان بواسطة وعي نقدي.
يمكننا أخير أن ندعو الى متن يكون الاهتمام به كميا وكيفيا في نفس الوقت:التَّرجمات، والاقتباسات .أخيرا (؟)، في دراسة للتلقِّي،لا يمكننا أن نقتصد في الشَّهَادَات حول السِّياقات، سياقات إنتاج الأعمال في المنطقة اللِّسانية المرسِلة، السياقات المتلقِّية: أعمال التَّاريخ الأدبي، باختصار التاريخ والمنشورة مؤَخَّرًا . مقدِّمات، مقالات موسوعيَّة، وكذلك شهادات المرحلة مثل المذكِّرات والمراسلات. تسمح هذه الآثار بإقامة روابط بين المتلقِّي والحياة الأدبيَّة، والسياسيَّة للبلد المتلَقِّي، ولكن كذلك بين التلقِّي والصُّور، بل المسكوكات المتداولة حول بلد أجنبِي وسكَّانه. يمكن لمؤلف أجنبي أن يبرز تلقِّيات «صور نمطية» (imagotypique) كتجسيد لروح بلد معيَّن (نعرف أسطورة الرُّوح الرُّوسية التي درسها ميشيل كادو (Michel Cadot، لن نقف طويلا عند مسألة التَّنضيد، المرتبط بشكل حميمي بحالات متنوعة جدًّا. لنا الاختيار بين إمكانيَّتين نظريَّتين جذريتين: أسبقية الدّياكرونية وأسبقية السَّانكرونية .تفترض الإمكانية الأولى تصنيفا وتحليلا خطِّيين،سنة بعد سنة،شهر بعد شهر، ولا يمكن أن تؤدِّي إلَّا الى تجزئة الظَّواهر. بحيث لايمكنها أن تأخذ بعين الاعتبار الحركات الأدبيَّة وهي تمتدُّ على عدَّة سنوات،لا الأسر الأدبيَّة السياسية والإيديولوجية حيث يمكننا أن نجمع أعضاءها وشهاداتها. أما الإمكانية الثَّانية الأكثر إغراء في الظاهر، والمؤسَّسة أحيانا على التَّأويلات وقد أصبحت معيارية. تعتبر هذه الدِّراسة غير قابلة للتحقُق إلَّا في دراسة موجزة. إنَّ الاشتغال طويل الأمد يتطلَّب تحقيبا داخليا، في عدَّة أجزاء،تستحيل معه النَّزعة السَّانكرونية. لأنه لا يمكن أن تظهر بشكل دقيق التقلُّبات المرتبطة بالتَّاريخ،الأحداث الفريدة، والتَّأويلات سريعة الزَّوال.
ومن ثمَّ، فإن الاختيار الأكثر ملاءمة، النِّظام شبه دياكروني، شبه سانكروني، يمكنه مثلا، أن يثير بعض الظَّواهر في كرونولوجيتها. وبالتَّالي صورة مهيمنة معيَّنة خلال حقبة بكاملها،أو حدث مجيء منهجيَّة نقديَّة معيَّنة وانعكاس نتائجها على التلقِّي… إلخ لكن في هذه الحالة، يعتبر الاستعراض الموجز ضروريًّا في نهاية كل جزء،قبل الخاتمة العامَّة.
تكمن الصُّعوبة هنا: كل دراسة للتلقِّي تثير مشاكل مختلفة يمكن أن تصل إلى التاريخ، والنظريَّة الأدبيَّة، ونقد الأعمال الفردية، وسيميولوجيا الفنون الفرجوية ..إلخ. السؤال هو معرفة أي نوع من التَّنظيم قد يظهرها بشكل جيِّد.
ملاحظات حول التلقي كتأويل
في كتابه «الأدب العام والمقارن 55/ يمنح دانيال هنري باجو لجمالية التلقي التي اقترحها ياوس الأهداف التالية: «تجديد التَّاريخ الأدبي و (…) تحويل الإهتمام بالمؤَّلف (المرسل) إلى القارئ والجمهور (المتلقي)،المرور من بعض أفكار الإبداع إلى التَّأويل وإلى هيرمينوطيقا النُّصوص الأدبيَّة» .56/
يعتبر الهدف الثَّالث هدفا أساسيا، تدرك الهيرمينوطيقا هنا كدراسة بل كنقد للتَّأويلات الصَّادرة من طرف معلِّقين من وضعيات مختلفة حول هذا العمل أو ذاك، حول هذا المؤلِّف أو ذاك. ومهما كان المكان المختار (في خضم المنطقة اللِّسانية المُرْسَلة أو من خارجها) فإن دراسة التَّأويلات يمكن أن تطرح على الباحث مشكلتين كبيرتين، أولا، هل يجب أن تؤسَّس بشكل استثنائي على «القراءات المنجزة فعليًّا» كما يصرُّ على ذلك Yves Chevrel 57/ أو هل يجب عليها أن تميل نحو إشكالية القراءات الممكنة (المحتملة، أوالضِّمنية)؟ بعد ذلك، إن دراسة التَّأويلات، والتعمُّق فيها . ألا يجب أن يأخذ التَّأويل نفسه للنصِّ بعين الاعتبار الانفتاح اللَّا محدود أو «حدود التَّأويل»،كي نستعيد عنوان عمل امبرطو إيكو؟ تظهر هاتان المسألتان المرتبطتان في منطقة لسانية وحقبة معينة، تقاطعات، وكذلك اختلافات تحثُّ على العودة إلى العمل، ومواجهة بين القراءات الواقعيَّة والقراءات الممكنة، انطلاقا من قرائن النصّ، و»احتمالاته» .
أكيد أن الباحث المقارن أو المتخصِّص في أدَب ما يمكن أن يختار دراسة تجريبيَّة للقراءات المُنجزة، لن يمنح ذلك تدخُّلا شخصيًّا في تصنيف التَّأويلات المجتمعة انطلاقا من المصادر المتنوِّعة (المذكورة هنا) من الملائم هنا، على الأقلّ، أن يبلور نمذجة لتأويلات معيَّنة حول بعض الاتِّجاهات الكبرى المطابقة لحقبة معيَّنة (مثلا في فرنسا، جوجول رسام واقعي، لمجتمعه أو كاشف لعوراته؟ جوجول كاتب أورتودوكسي، جوجول فنَّان الكلمة إلخ). ومع ذلك، فإنَّ الباحث يؤَوِّل شخصيًّا نصًّا ما، فيقترح بنفسِه الدّلالات الممكنة، أو يفحص التَّأويلات الأخرى، وباعتباره كائنا نسبيًّا، يوجد في مكان- زمن معينين، له مرجعيتُه الثَّقافية الخاصَّة، ومتخيَّله إلخ. فإنه مَدْعُوٌّ إلى التَّساؤل حول إِمْكانات انفتاح النص. لذلك، فإن مفهومي «القراءة المتعدِّدَة» و «حدود التَّأويل» يمكن أن يظهرا مهمَّين، سواء كنَّا متخصِّصين في أدب معيَّن أو باحثين مقارنين. تقوم هذه المفاهيم على نظريَّة الأدب العام، ففي أوروبا الغربية على الأقلّ، تمَّ إطلاق مفهوم القراءة المتعدِّدة لتشييد أدبيَّة العمل، من طرف منظِّرين ذوو توجُّه سيميائي مثل إمبرطو ايكو، في كتابه العمل المفتوح (1962) ورولان بارث الذي حلَّ مكان إيكو في كتابه نقد وحقيقة (1962). ففي كتابه، «العمل المفتوح» انطلق إيكو من الملاحظة التالية :»إنَّ العمل الأدبي هو مُرْسلة ملتبسة أساسا وميزته تعددية الدلالات التي تتعايش في دالّ واحد» 58/. يقسم إيكو الأعمال إلى ثلاثة أصناف، حسب درجة الانفتاح: في قطب معين، تظهر فيه كمشاريع لأعمال مفتوحة حيث الالتباس أصبح غاية صريحة، تلجأ إلى اللاشكلي l’informel، وإلى الحظ وتتطلب تقريبا تعاونا أداتيا من المؤدِّي أو القارئ، مثلما في الأدب Finnegans Wake لجويس، وفي القطب الآخر، كل عمل له بنية مكتملة في الوقت الذي يقترح فيه متعا جمالية متنوِّعة كقراءات متنوِّعة59/ ؛ بين هذين القطبين، تتطلب الأعمال تعاونا عقليا قويًّا، هذه المرة من القارئ، المستمع أو المتفرج مثل تلك التي ترتبط بالتَّيَارات الباروكيَّة والرَّمزية (بتقنياتها مثل الصورة المشوَّهة التي لا يمكن لمظهرها العادي أنْ يُدْرَك إلَّا بمساعدة مرآة محدَّبة أو بِتَغْيير المنظور anamorphose،الطُّرْس، وبالضبط الرَّمز) .يحيل بارث بالاسم على إيكو في فقرة «اللغة المتعددة» 60/ فيستعمله للكشف عن التعدُّد الدّلالي لكل عمل فنِّي،ومن ضمنه ذلك «الخطاب المتعلِّق بالعمل ذي المعنى الحرفي» (مثل عمل راسين أوفلوبير مثلا) بل حتَّى أن هذه الأعمال تنطوي على عدَّة قراءات يبحث فيها إيكو عن الافتراضات في العلوم الإنسانيَّة لعصره علم النفس،الانتروبولوجيا، السوسيولوجيا.
يفترض هؤلاء المنظرون إذن، حرِّية تقريبا لا محدودة للمتلقِّي في مواجهة العمل، وهكذا فقد سمح تعميق «سيميائيات الخطاب» لإيكو بتوسيع، العمل المفتوح بواسطة كتاب «القارئ في الحكاية lector in fabula (1979) و حدود التأويل (1990) إليك الخطوط العريضة.
أوَّلا: النصُّ نفسه ليس مجموعة من الصَّفحات البيضاء أو العلامات الجَبْرية (رغم بعض المشتقات التي تميل إلى اعتباره كذلك) ومن ثم فإن Umberto Eco امبرتو ايكو في كتابه القارئ في الحكاية قد طرح دراسة ليس فقط «ميكانيكية التَّعاون التَّأْويلي في النصوص اللَّفْظية» 61/ (وبالخصوص السَّردية» بل قوانين هذا التَّعاون. لهذه الغاية،فقد وحد بين السّيميائيات وجمالية التلقِّي، وبالخصوص تلك التي صوَّرها إيزر. يتعلَّق الأمر بالبرهنة «كيف أنَّه كل وصف لبنية ما يجب أن يكون في نفس الوقت، وصف حركات القراءة التي يفرضها» (إذن قراءة تأخذ باستمرار في اعتبارها قراءتها الواقعيَّة الخاصَّة والقراءات الممكنة) .وسنرى بالنسبة لما هو أساسي في الفصول III و IV. ففي الفصل الثَّالث يضع إيكو حدًّا لمفهوم الانفتاح بواسطة مفهوم «الاستراتيجية النصِّية» من طرف المؤلِّف التَّجريبي،الذي لا يمكن أن ينتج نصًّا بدون أن يتوقَّع قارئا ضمنيّا،والقارئ التجريبي الذي يفهم النصَّ تبعا لمؤلِّف ضمني، نوع من «فرضية المؤَلِّف». كذلك الأعمال الأكثر انفتاحا تفترض في هذا الحوار الاعتراف ببعض الإجراءات، في الفصل الرابع IV يدعونا إيكو إلى أن نأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت التَّأويلات المثارة بواسطة القراءة المتوالية للنصِّ (كنسق من «العقد»). في الوقت الذي تعتبر فيه جزءا من استراتيجية المؤلف، والتَّأويلات التي يمكن أن تظهر من القراءة الشَّاملة .يسمح ذلك بتجديد» تماكنات» «isotopies» 62/وهو ما يحدِّد فكرة الانفتاح الكلِّي للحكاية، والمرتبط بالحرِّية الشَّاملة للقارئ.
ومن ثم، لا يمكن لحرية القارئ أن تتجنب الطَّابع المحسوس للتخيُّل (fabula)، الذي يشكل الرواية .وهو ما تشهد عليه رواية ما دام بوفاري لفلوبير «إنَّنَا في الحقيقة عند ما نقول أن مادام بوفاري هي تاريخ امرأة خائنة بورجوازيَّة صغيرة تموت، فإننا نخطأ القول بأن مادام بوفاري هي تاريخ امرأة طبيب فرحانة بأن تحيا سعادة مثل هاته، حتى وإن كان بإمكان الأحوال الأولِّية للحكاية fabula أن تدعِّم هذا اليقين» 63/
يمكننا أن نضيف بأن بعض الثيمات، تضمر أشكالا للمحتوى الدَّقِيق، سيناريوهات، يمكنها أن تثير تَأْوِيلات معينة، مع وضْع حدود لها . نفس الشَّيْء بالنِّسبة للأساطير، مع متغيِّراتها. وهكذا فإنَّ عملا حاملا لثيمة المدينة، لا يمكن أن يستعمل نفس الدّلالات من عمل يستند إلى طيمة الطَّائر !
تتَّجِه إعادة كتابة لأسطورة قابيل نحو تأويلات أخرى أكثر من استعادتها لأسطورة دون خوان إلخ. ففي كتاب إيكو «حدود التأويل» يعلن معارضته لفكرة «السيميوزيس اللامحدود»،إنّه يبرهن عن المعرفة بواسطة الباحث عن السِّياق التَّاريخي للنُّصوص كحاجز واق»: إنه يتجنب خطأ الواقع: حد آخر من التَّأْويل. ومن ثمَّ، فإنه يقدِّم أمثلة من القراءات المبالغ فيها، لكلمة berial المستعمل بمعنى burial الدَّفن في رواية Finnegans Wake لقد رأى فيها بعض النقاد إعلانا نبوئيا حول فعل بيريا béria .هذا الأخير لن يصبح قائدا للشرطة السياسية إلا في سنة 1938، و لم يكن عشر سنوات قبل ذلك إلا مجرَّد موظَّف سوفياتي صغير لم يتعرَّف عليه جويس64/ .
أخيرا كشف إ. إيكو أيضا حدودا بنظام أخلاقي للتَّأويلات التي تظهر بالأحرى بالنِّسبة له كاستعمالات للأعمال، مثل التحليلات النفسية التي تنطلق من نصوصها حول الكُتَّاب، وخاصَّة الموتى منهم. إنَّهُ يستهدف بالخصوص أعمال Marie Bonaparte ماري بونابارت حول Poe بو.65/
لتوضيح تنوُّع هذه التأويلات الواقعيَّة،والكشف عن إمكانية القراءات المتعدِّدة مثل «حدود التأويل»، ومن أجل إدراك الطابع الاتِّفاقي aléatoire بالمعنى الرِّياضي لمصطلح للتَّلقِّي الأدبي. يشكل بذلك عمل فرانسوا رابليه François Rabelais حالة كاشفة بدرجة عالية.
وهكذا، أكثر من أربعة قرون، رفع رابليه السِّتار كما تريد الخرافة، يبدو أن عمله قد أصبح غير قابل للإدراك،لا يمكن اختراقه. حقيقة فقد أعلن لابريير La Bruyère ذلك بقوله»رابليه غير قابل للفهم،عمله لغز. مهما أردنا القول فإنه غير قابل للفهم». لم نرتكب خطئًا مع ذلك خلال هذه القرون الأربعة والنصف، في شرح وتأويل هذا العمل الغامض ومؤلِّفه. لقد قال brunetière برونتيير أنَّ هذا العملَ لمْ يُمارس أبدًا فعله من «التَّأثير الذي كان حكرا على معاصريه، ومع الخليط الفريد لخصائصه ونواقصه فقد ظهر لنا في التَّاريخ المعاصر.كواحد من الأساتذة باعتباره المثال الذي لم تعرفه المدرسة» . هذا لم يمنع من أن تكون المكتبة الرَّابْلية هي واحدة من المكتبات الغنِيَّة بشكل جيِّد.
ومن الأعمال الأكثر تَنَوُّعًا انطلاقا من التعليق البذيء grivois إلى دراسة فلسفية بشكل أستاذي. ومن العرض الأسراري (المقصور على فئة معينة)ésotérique إلى المدارس التاريخية. منذ نهاية القرن 16 كانت بعض الأقاليم ذات النُّزوع الفضولي، تعاني كثيرًا من أجل فك غموض (لغز) الوقائع chronique البانتغرويلية pantagruéline التي تقبلها كَكِتَابٍ يقدِّم شخصيات ووقائع حقيقية بطريقة مقَنَّعَة وبشكل تخْيِيلي.
فالخليعون les libertins جعلوا منه إنجيلا،أما فولتير فقد كرَّس تماهي أبطال رابليه بالشَّخصيات الواقعيَّة: Grandgousier هو لويس12، Gargantua François Ier، Pantagruel Henri II، هما Guinguené، فقد أعلن رابليه الثورة وحقوق الإنسان ؛ أما Johanneau فقد شيَّد انطلاقا من (قصاصات) مدونات Esmangart في تسع مجلدات وحشا تأويليا- تاريخيا أليغوريا لمغامرات بانتاغرييل.
أما الأحكام من جهة أخرى فقد تمَّ اقتسامها من طرف عدَّة أشخاص .ينزل La Bruyère لابرييه رابليه الى «صندوق الزبالة» بمصاحبة المازح Marot. يسحبه شاتوبريان ليصنِّفه بين « أمهات عباقرة» الإنسانية : هومير، ودانتي ،شكسبير. أما فكتور هوجو، فلن يفهم شيئا من صرخة ضحكة رابليه ويصفها ب «هاويه العقل» gouffre de l’esprit إعجابه لم يتوقف عن الإثارة .
للرومانيسيين جميعهم رأي حاسم وأصيل حول «معنى» رابليه، وآخرين، أكثر تواضعا، وأكثر نقدا: Faguet, Stapfer, Thuasne .. يقترحون بدورهم تأويلا لهذا النص الملتبس على ما يبدو.
يأتي هنا إذن العلماء «الحقيقيون» ابيل لوفران Abel Lefranc وفرقته . ليضع النِّظام في هذا الخليط،وبشكل فعلي . يصبح التَّأويل تفسيرا،حسب آخر المناهج العلمية (والوضعية ). وسيقترح تعليقاته في مقدمة الجزء III لطبعته: رابليه ملحد، إن التفكير السري لـ Gargantua و Pantagruel لن يكون شيئا آخر غير ثورة الفكر الحرّ ضدًّا على النَّزعة المسيحية التي تقمع الإنسان .رابليه سلف Bertrand Russel : الأطروحة كانت جديدة رغم ذلك لم تكن مقنعة. إن Jean Plattard، Jacques Boulenger، Lazare Sainéan،الذين يعتبرون مع ذلك جزءا من فريق Abel Lefranc كانوا قد ألمحوا إلى اعتراضات لا بأس بها،أما lecien febvre يقف مصدوما، ويصرخ من أجل النزعة اللَّازمنية: ففي كتاب «قرن يريد أن يعتقد» «siècle qui veut croire» . إن النزعتين الأكاديمية والعقلانية كما ندركهما اليوم مستحيلتان. هذا هو رأي Febvre, Henri Hauser ومؤلف (M.D.G) لهذا الضبط الحاضر يعطون كفالتهم.
وهكذا نحن تقريبا في [نهاية القرن العشرين] لأن Verdun-L. Saulnier لم ينجح في مشروعه للتلقين بالمعنى العميق والأصيل للنزعة البانتاكرولية «pantagruélisme». مهرج؟ مصلح؟ ملحد؟ رسام لأخلاق وعادات زمن؟ قائم بتجريد الجوهر الفلسفي؟ سيصبح لقب فرانسوا رابليه Alcofribas Nasier غير قابل للادراك أو الفهم. جارجانتيا Gargantua هل هو إنجيل النهضة؟ خاتمة العصر الوسيط؟ عرَّاف قرن العقل؟
بالفعل، هل نحن متقدمون عن لابريير ؟ ليس هذا مدهشا أبدا. لقد أهملنا دائما هذا السُّؤال الأساسي: بين هذا الرابليه المتعدد المختلف، هل يجب علينا الاختيار؟ (وحدها النزعة الإلحادية لرابليه ستكون «حدًّا للتَّأويل» )limite de l’interprétation الجميع متَّفق على أن رابليه غامض ولكن ماذا يعني إذن الغُموض في الأدب؟
توجد عدَّة أنواع من الغموض؟ غموض القصيدة حيث الدّلالة (الدَّقيقة) يمكن ألَّا تكون أساسية.
في هذه الحالة، إن غموض هذا العمل غير ذي أهمِّية كما هو الشَّأن من جهة أخرى كذلك وضوحه . فالرِّواية الغامضة هي رواية لا ندري بالضَّبط ماذا تريد قوله. ومع ذلك، مهما أرادت قول شيء،لانشكُّ في ذلك،فلن نَسِمه بالغموض. هناك أيضا غموض الصُّورة- اللُّغز التي تتضمَّن نزعة خطِّية (رسومات) .حيث يكون هدفها الوحيد هو أن تمنع من إدراك بشكل سريع الموضوع. تطبق في الرواية مما سيؤدي إلى رواية تُقَدَّمُ فيها الشخصيات والوقائع الحقيقية بطريقة مقَنَّعَة بواسطة التَّخييل.
يكفي الحصول على المفتاح لكي لا يعود العمل الرِّوائي غامضا أبدا. سيتِمُّ الاعتراف بذلك، سيكون Gargantua غير قابل للاختراق، رغم المفاتيح،التَّعليقات، التَّأويلات، غموضه إذن من نوعيَّة أخرى. لا يطرح رابليه أحابيل، وحواجز يجب تجاوزها أو حتى إذا طرحها، فإن هذه اللُّعبة لا تكفيه.
إن «غموض» عمله ملازم لهذا العمل. ليس هذا غموضا بالمعنى الخاص .إنه الالتباس l’ambiguïté الذي يعتبر وسيلة تعبيريَّة .إنَّه الأدبيَّة. يقتضي الخطأ تقسيم الرواية إلى قسمين : من جهة الحكاية الغامضة،ومن جهة أخرى الموضوع sujet الواضح، ولكن المختفي، إن الشَّكل التعبيري ليس حاجزا ولا يمكن أن يعتبر كذلك: عزله يعادل هدْم العمل.
أليس هذا ما كنا نقوم به دائما؟ عناوين لتسميات من أجل رابليه :أليس هذا حرمانا لعمله من الطَّابع الملتبس الذي يعتبر جوهرا باعتباره شكلا تعبيريا؟ لكن العبقرية لا يمكن أن تُخنق بسهولة أو تُقتل على الأقل. أكثر من أربعة قرون بعد موت المؤلِّف gargantua،هو هنا دائما يغوي قرائه ويضع لهم الدَّسائس ولكن أي gargantua أي رابليه؟ هل هو المهرِّج الإصلاحي، الكاتب؟ كل هؤلاء وآخرين أيضا،لأنَّ كل هؤلاء المنعوتين برابليه وجدوا ويوجدون أيضا .عندما يكون للعمل الأدبيّ درجة عاليه من الأدبيَّة،فإنه لا يكون معرَّضا للاستخدام (الاستغلال) تحت تأثير مجهود المعلّقين والمؤوِّلين كل مرة .على العكس من ذلك فإنَّه يظهر متجدِّدًا، يُعَاد خلقه من جديد. دائما هو هو،يتقدَّم عند كل قراءة، تحت مظهر آخر. إنGargantua جارجانتيا الذي خرج من قلم رابليه هُوَ هُوَ في نفس الوقت، ومختلف عن ذلك الذي أُعْجِب به هؤلاء الإنسيون humanistes .هو نفسه الذي أعجب به الشَّهوانيين، هو نفسه والمختلِف عن الذي علَّق عليه جون برنيي jean bernier (في القرن 17) أو جوهانو Johanneau (في القرن 19) .
الكاتبان :
> marcel de grève
> Claude De Grève
المصدر :
> http://www.flsh.unilim.fr/ditl/Fahey/RCEPTIONReception_n.html
>
>
> ترجمة سعيد بن الهاني
المراجع :
.1/ Jauss, Hans Robert.– Pour une esthétique de la réception.– Paris: Gallimard, 1978. Trad. fr. C. Maillard. «L›histoire de la littérature, un défi à l›histoire littéraire» (1967) (éd. orig., in: Literaturgeschichte als Provokation.– Frankfurt: Suhrkamp Verlag, 1974)
2/ Jauss, Hans Robert «De l› Iphigénie de Racine à celle de Goethe» (éd. orig.,in: Rezeptions?sthetik.– München: Wilhelm Fink Verlag, 1975) .
3/ Wolfgang Iser : l›Acte de lecture: théorie de l›effet esthétique
Philosophie et Langage (1970) Bruxelles: Mardaga,1985;1997; éd. orig.: Der Akt des Lesens .– München:Wilhelm Fink Verlag, 1976).
4 / Gladys Rosaleen Turquet-Milnes / The Influence of Baudelaire in France and England (London: Constable and Company, 1913
5/ [DARIO]. MAPES (E.K.).
L›Influence française dans l›oeuvre de Rubén Dario. P., Champion, 1925..
6/ H. Bédarida et P. Hazard, L›influence française en Italie au XVIIIème siècle, Paris, Belles Lettres, 1934. /
7/ Fernand Baldensperger, Goethe en France. ?tude de littérature comparée, Paris, Hachette, 2e éd., 1920, p. 196 sq
. L›interprétation de Rabelais au XVIe siècle ] 8/ DE GR?VE (Marcel
(1922-2002) / E. Droz / 1961/
9/ Robert Escarpit : ?léments pour une sociologie de la littérature (Paris: Flammarion, 1970)
10/ Jauss, Hans Robert.– Pour une esthétique de la réception.– Paris: Gallimard, 1978. Trad. fr. C. Maillard : pp43-44
11/Ibid P :47
12/ Ibid p : 49
13/Ibid p : 258
14/ Ibid p : 259
15/Ibid p. 53
16/ Eco, Umberto, Lector in Fabula. Le rôle du lecteur ou la coopération interprétative dans les textes narratifs, Paris, Grasset, Livre de Poche(1985) (éd. italienne 1979), 315p.
17// Eco, Umberto :Les Limites de l›interprétation (1992) (Myriem Bouzaher Traducteur)
Biblio Essais (I limiti dell›interpretazione, 1990) Editeur : Paris [France] : Bernard Grasset 1990
18/ Jauss, Hans Robert : (1978) Opcité page : 66
19/ Chevrel, Yves : Œuvres et Critiques, XI/2, 1986 : Méthodologie des études de réception : perspectives comparatistes . P : 148/149
Jauss, Hans Robert: (1978). Opcité p: 48 20/
21/Iser, Wolfgang : Der Akt des Lesens–.München: Fink Verlag, 1976. Trad. fr: L›acte de lecture : Bruxelles: Mardaga, 1985; 1997/2 édition p 70
22/ Eco, Umberto : (1985), Lector in Fabula Opcité pp
23 / Roland Barthes : Critique et Vérité, ?ditions du Seuil, Paris, 1966 p60
24/ Claude Pichois : Qu›est-ce que la littérature comparée ?, Armand Colin, Paris, 1983pp. 59-63
25/ / Chevrel, Yves : Œuvres et Critiques, 1986 Opcité p :153
26/ La Recherche en litte?rature ge?ne?rale et compare?e en France : aspects et proble?mes.Auteur : Socie?te? franc?aise de litte?rature ge?ne?rale et compare?e.
p. 93 Paris : S.F.L.G.C., 1983.
Le Rayonnement international de Victor Hugo : 27/ Francis Claudon
Actes du XI congrés internationale de l›AILC ,Paris ; Août ;1985 ; Ed ; Francis Claudon ;Peter Lang . New York . Bern , Frankfurt ,Paris ,1989 ;pp169-182
28/ Leich-Galland, Claire.– La réception du théâtre français en Allemagne ( 1918-1933).– Paris: Champion, 1998
29/ SULLIVAN Edward Daniel, « Maupassant et la nouvelle », CAIEF, n° 27, mai 1975, p. 223-236.
30/ Claude Pichois, André M. Rousseau La Littérature comparée
p 73المجلد 26 من Collection U2 A. Colin,
31/ De Grève, Claude.– «La réception comparée: un domaine en voie de développement», in: Bessière, Jean; Pageaux, Daniel-Henri. (éds).–Perspectives comparatistes.–Paris: Champion, 1999, pp. 211-229.
32/ Thèse de doctorat sur La réception de Gogol en Russie et en France, Essai de réception comparée Paris III-Sorbonne nouvelle, soutenue en janvier 1984. (La publication de cette thèse, remaniée et condensée, a été interrompue à la suite de la faillite des éditions Klincksieck : elle est consultable en l›état à l›Université de Paris III-Sorbonne Nouvelle et à l›Académie des Sciences de Russie, à Moscou)
33/ Salado R., Ulysses de Joyce laboratoire de la modernité. ?tude de réception comparée dans les domaines français et anglo-saxon (1914-1931). Tome 1, Thèse de doctorat, Claude de Grève, Nanterre, Université de Paris X-Nanterre, 1994, 558p .
34/ Marcel De Grève, La réception de Rabelais en Europe du XVIe au XVIIIe siècle, études réunies par Claude De Grève et Jean Céard, Paris, Champion, 2009, 303p.
35/ Hermetet, Anne-Rachel (éd.).– La réception du roman français contemporain dans l›Europe de l›entre-deux-guerres.– Lille: CEGES-Lille 3, 2002 .
36/ ظاهرة درسها مارسيل دو كريف على سبيل المثال بخصوص رابليه عند المثقَّفين الفرنسيين في القرن السادس عشر، ورابليه في أنجلترا انظر كتابه :
Marcel De Grève
Limites de l›influence
linguistique de Rabelais en Angleterre au XVIe siècle
Comparative Literature Studies
Vol. 1, No. 1 (1964), pp. 15-30
Published by: Penn State University Press
Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/40245624
ودراسة هارولد بلوم حول العلاقات بين بلوك وبودلير في كتابه : «قلق التأثير»
dans The Anxiety of Influence. A Theory of Poetry.–New York: OxfordUniversity Press,1973.
37/ Robert Escarpit : Le Littéraire et le social : éléments pour une sociologie de la littérature / sous la dir. de Robert Escarpit. Paris : Flammarion, 1970 [Nouvelle édition : Flammarion 1977. (Champs ; 5. Champ sociologique
38/ Ibid / p156
Ibid / p. 36 39/
40/ Pierre Bourdieu : Les règles de l›art. Genèse et structure du champ littéraire Paris: Seuil, 1992
41/Ibid /P :81
42/Ibid.P : (p. 178; pp. 304-305
43/ Ibid .P :(pp. 300-301)
44/ Ibid .PP :306/307
45/
هي مجلّة أدبية امريكية أسَّستها مارجريت أندرسون . تنشر الأدب والفن ( 1929-1914) بمساعدة مجموعة من الأدباء كجين هيب Jane Heap وإزرا باوند Ezra Pound . احتضنت هذه المجلّة طائفة واسعة من الكتَّاب الحداثيين، وقد احتضنت في وقت مبَكِّر عدد من الكتابات التَّجريبية . ساهم فيها مجموعة من الكتّاب البريطانيين والأمريكيّين الإيرلنديين والفرنسيّين،وفضلا عن نشرها باقة متنوِّعة من الأدب العالمي، طبعت المجلّة عدد كبير من نماذج الأعمال السّوريالية والدَّدائية . عرفت المجلة بنشرها سلسلة يوليسيس لجيمس جويس.
From Wikipedia, the free encyclopedia
Jump to: navigation, search
The Little Review, an American literary magazine founded by Margaret Anderson, published literary and art work from 1914 to 1929. With the help of Jane Heap and Ezra Pound, Anderson created a magazine that featured a wide variety of transatlantic modernists and cultivated many early examples of experimental writing and art. Many contributors were American, British, Irish, and French. In addition to publishing a variety of international literature, The Little Review printed early examples of surrealist artwork and Dadaism. The magazine’s most well known work was the serialization of James Joyce’s Ulysses.
46/ George Meredith (Author), Robert M. Adams The Egoist (A Norton Critical Edition) [Paperback
Publish Date: June 1, 1978)
47/ Gadamer, Hans Georg : Vérité et méthode, les quelques lignes d›une herméneutique philosophique (Paris: Seuil, 1976, trad. par E. Sacre et Paul Ricœur)
48/Ibid (p.139 )
49/Chevrel, Yves.– «Les études de réception»,in: Précis de littérature comparée Opcité p. 184
50/
كلمة باللاتينية تعني حدًّا،فاصلا، مدَّة محدَّدة، نهاية،كما تعني أيضا الإله الذي يحكم الحدود. تنطبق العبارة بالفرنسية على الحدِّ النِّهائي لمسار معيَّن : نهاية مسار قطار أو حافلة ,يستعمل المؤرِّخون مصطلح terminus للتَّقويم مرفوقة ب ad quem و a quo
عندما لايتِمُّ تحديد تاريخ معَيَّن بدِقَّة لظهور حدث ما، عبارة terminus a quo تعني الحدّ الزّمني تمكَّن انطلاقا منه هذا الشَّيء من الوجود، وعبارة terminus ad quem تعني الحدّ الذي يمكننا الرُّجوع به في تأريخ الحدث.
Mot latin qui signifie «borne», «limite», «terme», «fin» et qui désigne aussi le dieu qui préside aux bornes. En français, il s›applique à la limite ultime d›un trajet: le terminus d›un train, d›un bus… Les historiens utilisent le terme de terminus accompagné de a quo ou/et ad quem pour évaluer, lorsqu›une date n›est pas donnée avec précision, la parution d›un fait: terminus a quo (limite à partir de laquelle la «chose» a pu exister) et terminus ad quem (limite jusqu›à laquelle on peut reculer la datation du fait
51/ Pageaux, Daniel-Henri.– «Lectures», in: La littérature générale et comparée.– Paris: Armand Colin, 1994, pp. 41-57
52/ Ibid p : 45
53/›Isabelle Taillandier, La réception de la littérature espagnole dans l›édition et la presse françaises de 1975 à 1999.– Paris X-Nanterre, 2003
54/ André Helbo : «Approches de la réception» Les mots et les gestes Lille: Presses Universitaires, 1983
55/ Daniel-Henri Pageaux: La littérature générale et comparée ( Op. cit
56/Ibid p/50
57/ Chevrel, Yves.– «Les études de réception»,in: Précis de littérature comparée.–Paris:Presses Universitaires de France, 1989, pp. 163-213.
58/ Umberto Eco : l›Oeuvre ouverte
Collection «Points», ?ditions du Seuil, Paris 1965 P : 59.
59/Ibid p : 17
60/ Roland Barthes : Critique et Vérité Opcité p :50
61/ Eco, Umberto, Lector in Fabula Opcité p :7
62/
يعني « التّماكن « في علم الدّلالة والسّميائيات تكرار عناصر معيَّنة في نصّ ِ، عناصر تسمح بفهم نصّ ما . يعتبرها كريماس –المنظّر السيميائي صاحب المفهوم- مجموعة من المقولات الدّلالية التي تجعل ممكنا وجود قراءة منتظمة للحكاية .
) 63/ Eco, Umberto, Lector in Fabula Opcité p : (pp. 198-199
64/ Ibid p : pp131-133
65/Ibid p : pp39-40
هذه لائحة من المراجع والمصادرهي عبارة عن كتب ومقالات دراسية لم تتم الإحالة عليها بشكل مباشر، ووردت الإشارة إليها في هوامش المقالة نوردها كما وردت في دراسة الباحِثَيْن :
1/Blodgett, E.D.; Purdy, A.G.– Problems of Literary Reception/Problèmes de réception littéraire.– Edmonton: Research Institute for Comparative Literature, 1988.
2//Fokkema, Douwe W.: Kunne-Ibsch, Elrud.– Theories of Literature in the Twentieth Century: Structuralism, Marxism, Aesthetics of Reception, Semiotics.– London:C. Hurst & Co, 1977.
3/ Freund, Elizabeth.– Return to the Reader. Reader-Response Criticism.– London: Routledge, 1987 ( «New Accents»).
4/Grimm, C.– Rezeptionsgeschichte (vérif), 1977.
5/Groeben, Norbert.– Rezeptionsforschung als empirische Literaturwissenschaft.–Tübingen: Gunter Narr, 1977.
6/Holland, N.N.– The Dynamics of Literary Response (vérif), 1968.
7/Iser, Wolfgang.– Der implizite Lezer.– München: Fink, 1972.
8/Iser, Wolfgang.– Der Akt des Lesens–.München: Fink Verlag, 1976. Trad. fr.: L›acte de lecture.– Bruxelles: Mardaga, 1985; 1997.
9/Jauss, Hans Robert.– Literaturgeschichte als Provokation.– Frankfurt: Suhrkamp Verlag, 1970.
10/Holub, Robert.– Reception Theory. A Critical Introduction.– London: Routledge, 1984.
11/Ibsch, Elrud.– «La réception littéraire»,in: Angenot, Marc; Bessière,Jean;
Fokkema, Douwe; Kushner, Eva.– Théorie littéraire.– Presses Universitaires de France, 1989, pp. 249-271.
12/Konstantinovic, Zoran; Naumann, Manfred; Jauss, Hans Robert (éds).– Literary Communication and Reception/ Communication littéraire et réception/ Literarische Kommunikation und Rezeption, in Proceedings of the IXth Congress of the International Comparative Literature Association/ Actes du IXe congrès de l›Association internationale de littérature comparée .– Innsbruck: Verlag des Instituts für Sprachwissenschaft der Universit?t, 1981.
13/Labroisse, G. (éd.).– « Rezeption-Interpretation», in: Amsterdamer Beitr?ge zur neueren Germanistik, t. 3, 1974.
14/Mayhead, Robin.– Understanding Literature.– Cambridge: University Press, 1965.
15/Olsen, Stein Haugom.– The Structure of Literary Understanding.– Cambridge: University Press, 1978.
16/Schober, Angelika.– Ewige Wiederkehr des Gleichen?.– Limoges: Pulim, 2000.
17/Segers, Rien T. (éd.).– ?tudes de réception / Reception Studies. Actes du XIe Congrès de l›Association Internationale de Littérature comparée (Paris, aoüt 1985) .– Bern: Peter Lang, 1993.
18/Tomkins, J.P. (éd.).– Reader-Response Criticism.– (vérif), 1980.
19/Warning, Rainer (éd.)– Rezeptions?sthetik.– München: Fink, 1975.
20/Weimann. R.– « «Rezeptions?sthetik» und die Krise der Literaturgeschichte», in: Weimare Beitr?ge, 19 (1973).
21/Zumthor, Paul.– Performance, réception, lecture.– Longueil (Québec): Le Préambule, 1990.
مارسيل دو كريف – وكلود دو كريف
ترجمة : سعيد بن الهاني