سمر الديوب
ارتبط الشعر بالشكل منذ وجوده، فالشعر الشفاهيّ شعر ذو شطرين، بينهما وقفة تمثّل تشكيلًا سمعيًّا من جهة، وتحيل ذهن المتلقي إلى تصوّره من جهة أخرى.
وقد تطوّرت الهندسة الشكليّة للشعر فيما بعد حتى عُدّ الشكل جزءًا من المعنى، ولم تقتصر هذه الهندسة الشكليّة على الشعر، بل تعدّته إلى فنون التأليف المختلفة، ويعدّ كتاب “عنوان الشرف الوافي في الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي” لابن المقرئ أوّل كتاب نثريّ في تراثنا العربيّ وظّف الهندسة البصرية؛ لتكون هدفًا في حدّ ذاته، ولتوصل المؤلّف إلى هدفه الخاصّ.
ونسعى في هذا البحث إلى دراسة علاقة الهندسة البصريّة في هذا الكتاب الفريد من نوعه بالمعنى من جهة، وبالهدف من تأليفه من جهة ثانية، وننطلق من جملة فرضيّات، منها:
– محاولتنا إثبات فكرة مفادها أنّ الأنواع الشعريّة الحديثة، ولا سيما ما يسمّى “الشعر البصريّ في الأدب العربيّ الحديث المعاصر” تدين إلى هذه المحاولة الرائدة.
– إنّ ظهور الأدب الرقميّ التفاعليّ في الأدب العربيّ المعاصر ناجم عن التأثّر بالثقافة الأدبيّة الغربيّة، لكنّ هذا الكتاب اشتمل على ركائز من هذا الأدب قبل ظهوره بقرون، من ذلك أنه يُقرأ قراءة غير خطيّة، ويوظّف الأشكال الهندسية لتأدية معنى يضاف إلى النصّ اللغويّ.
– محاولة إثبات فكرة مفادها أنّ الإدراك البصريّ شرط لفهم هذا النصّ المشتمل على خمسة علوم في صفحة واحدة، يضاف إليها بيت من منظومة مثلثات قطرب، وذلك كلّه في أشكال هندسيّة مختلفة. ويعمل هذا الكتاب على تحدّي ذكاء المتلقي وهو يبحث في العلاقة بين العلم والشكل الذي تمّ تقديمه به، فالإدراك البصري شرط أساسيّ لفهم هذا النصّ والغاية منه.
– بما أنّ هذا الكتاب يفعّل حاسة البصر؛ لأنّه نصّ مكتوب على وفق نظام هندسيّ محدّد نفترض أننا لو حذفنا الأشكال الهندسيّة، وكتبناه كتابة خطيّة أفقيّة فقط لفقدَ الكتاب جزءًا كبيرًا من معناه، وفقدنا معرفة الدافع من وراء تأليفه، واكتشاف شخصيّة مؤلّفه؛ لأنّنا نفترض أنّ الهندسة البصريّة جزء من المعنى.
– يمثّل هذا الكتاب صفحات كثيرة تقوم على مبدأ الكلمات المتقاطعة قبل ظهورها بقرون، وهو أكثر تطوّرًا، وأشدّ تعقيدًا منها.
ويثير البحث جملة أسئلة، منها: ما الذي أضافه الشكل إلى العلوم التي اشتمل الكتاب عليها؟ وما علاقة هذه العلوم بالشكل الهندسيّ؟ وما علاقة منظومة مثلثات قطرب بالكتاب؟ ولماذا جمع العلوم الخمسة “الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي” تحديدًا؟ وما الدافع الذي جعل ابن المقرئ يلجأ إلى طريقة الكلمات المتقاطعة؟ واستخدام الأشكال الهندسيّة في هذه العلوم؟
ونستضيء في سيرنا في هذا البحث بمعطيات التأويل من جهة، والقراءة النفسيّة من جهة أخرى.
وثمّة ندرة في الدراسات التي تناولت هذا الكتاب الفريد، فثمّة مقالات صحفية تعرّف به، وبطريقة كتابته، ولم نعثر إلا على بحث واحد1 لم يضف إلى مقدّمة المحقّق جديدًا.
فمَن ابن المقرئ؟ وما دواعي تفكيره في تأليف كتاب ليس له مثيل؟ وما علاقة العلوم التي اشتمل الكتاب عليها بعضها ببعض؟ وبمثلثات قطرب؟
ابن المقرئ وصناعة الكتابة
حياته ومؤلّفاته
هو إسماعيل بن أبي بكر عبدالله المقرئ بن إبراهيم بن عليّ بن عطيّة بن عليّ الشريف، أبو محمد الشغَدريّ، لُقِّب باليماني الحسيني نسبة إلى أبيات حسين، وهو من اليمن الشافعيّ الأسويّ، ويُعرَف بابن المقرئ2، ولد في منتصف جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة هجرية، وله مكانة بارزة بين مؤلّفي عصره3.
وكانت له مكانة بارزة على مستوى النثر والشعر، وبالغ بعض النقاد في تقدير مكانة شعره، فقد ذكر محقِّق الكتاب عن أبي محمد الخزرجي ت: 838هـ صاحب الدرّ المنظّم في زيارة الجبل المقطّم أنّه يربو على أبي الطيب المتنبي في شعره4، لكننا لاحظنا أنّ الخزرجيَّ ينقض هذا القول بقوله: إنّه كان يتعانى في غالب شعره بالتجنيس، واستنباط المعاني الغريبة، فيأتي بما يعجز عنه غيره من الشعراء.
وقد شهدت اليمن حركة علميّة مزدهرة في القرن التاسع الهجريّ، وهو عهد الدولة الرسوليّة التي اشتُهرت بحرصها على نشر العلم والثقافة، وظهرت روح التنافس الإيجابية في ذلك العصر، وعرف الشعر العربي الأشكال الهندسيّة، كالدائرة وغيرها، لكنّ النثر لم يعرفه قبل ابن المقرئ، وقد حاول المعرّي في كتابه “الفصول والغايات” أن يقدّم شيئًا فريدًا، ففصوله وغاياته متشاكلة مع الأبيات الشعريّة والقوافي5
ومن كتبه: “إرشاد الغاوي في مسالك الحاوي”، ويندرج هذا الكتاب في فروع الشافعيّة، وكتاب “إخلاص الناوي من إرشاد الغاوي في مسالك الحاوي”، وهو شرح لكتاب الإرشاد، وكتاب “مسألة الماء المشمس”6، وله ديوان شعر يردّ فيه على أهل وحدة الوجود، ويدور حول تنزيه الخالق، والوعظ، والتذكير، وله بديعيّة ضمّنها أنواع البديع كلّها، وتحدّثت عن المديح النبويّ، وأبيات إن قرئت طردًا كانت مدحًا، وإن قرئت عكسًا كانت ذمًا7، وله شعر في الأحاجي التي تعدّ رياضة عقليّة أيضًا.
صناعة الكتابة وكتاب
عنوان الشرف الوافي
يحيل عنوان الكتاب إلى اشتماله على خمسة علوم في كتاب واحد، والحقيقة أنّه جمع ستّة علوم، فقد تحدّث عن النحو والصرف معًا، على الرغم من أنّ حديثه عن الصرف أتى مقتضبًا.
وثمّة دافع وراء تأليف الكتاب ذكره السخاوي، فقد طمع ابن المقرئ في قضاء الأقضية بعد المجد الشيرازيّ، صاحب القاموس المحيط، وتحامل عليه، وكان المجد قد قدّم للسلطان الأشرف كتابًا أوّل سطر منه ألف، فاستعظمه السلطان.8
وذكر الشوكاني أنّ ابن المقرئ لم يتمّ كتابه في حياة الأشرف، فقدّمه لولده الناصر، ووقع عنده وعند علماء عصره موقعًا عظيمًا.9
ولم يكن هنالك مثال اقتدى به ابن المقرئ، فأراد أن يثبت طول باعه في العلم، وقدرته على الابتكار والإبداع، وحاول بعض الكتّاب السير على منواله، فلم يصلوا إلى مرحلة الإبداع التي وصل إليها10، وعُدّ الكتاب تحدّيًا في التأليف، وفريدًا من نوعه، وقد ذكر السخاوي أنّه لم يُسبق إلى مثاله، والتزم أن تخرج من أوائله وأواخره وأواسطه علوم غير الفقه الذي وُضع الكتاب له11 وذكر ابن المقرئ في بداية كتاب العروض أنّه ألّفه بطلب من السلطان الأشرف إسماعيل بن العباس، وهو سبب وضعه لكي يسوّغ تأليفه، ويخفي رغبته في نيل المكانة التي رغب فيها.
وقد تحدّث النقاد القدامى عن أغراض التأليف، وحصرها ابن حزم في سبعة أغراض12، لكنّ ابن المقرئ أضاف إلى هذه الأغراض هندسة تأليفية جديدة، وابتكارًا لم يسبق إليه، وتصنيفًا يُضاف إلى ما تمّ في عصره.
وتشتمل كلّ صفحة من الكتاب على مستطيل مقسّم إلى واحد وعشرين مستطيلًا أفقيًّا، وواحد وعشرين مستطيلًا عموديًّا، ويتقاطع الخطّ الطوليّ مع الخطّ العرضيّ أكثر من مرة في بؤرة تمثّل نقطة يلتقي فيها عِلْمان من العلوم الخمسة.
إذا قُرئ الكتاب قراءة أفقية خطيّة قرأنا كتاب الفقه، وقد حمّله أربع رسائل، فبدأ بكتاب الطهارة، وانتهى بكتاب الإقرار على المذهب الشافعيّ، ورتّبه على أبواب المذهب متتبّعًا أساليب الفقهاء، ومستخدمًا مصطلحات فقهية.
أما كتاب العروض فيمثّل العمود الأوّل الأخضر الداكن، ويشتمل على أول حرف، أو حرفين من كلّ سطر، وتظهر الحروف أمام المتلقي ألغازًا في بادئ الأمر، لكنّه جمع حروف العمود الأول في القوس الأعلى من جهة يمين الصفحة تسهيلًا للقراءة، وبتتابع الحروف إلى آخر صفحة في الكتاب نحصل على كتاب العروض13.
ويمثّل كتاب التاريخ العمود الثاني الأصفر الفاتح، ويشتمل على حرف، أو كلمة، أو جزء منها، ويتحدث عن تاريخ الدولة الرسولية14 في اليمن: “… فهذه نبذة جمعتها، وطرفة اخترعتها مؤرّخًا دولة أئمّة الزمن، وعظماء ملوك الشام واليمن، بني الرسول…” لذا ننظر إلى كتاب التاريخ على أنّه خطاب يضمر نسقًا، فيقدّم صورة مشرقة لبني رسول؛ لينال حظوة عندهم، وهي الحصول على هدفه: قضاء الأقضية، فليس كتابًا في التاريخ، بل هو أقرب إلى الخبر الفنيّ الذي يروي حكاية تشتمل على عناصر تاريخيّة، وعناصر فنيّة حكائيّة معًا.
ويمثل كتاب النحو العمود الثالث الأخضر الفاتح، ويشتمل على حرف، أو جزء من كلمة، أو كلمة تامة، ويمثل كتابًا في النحو والصرف.15
ويمثل العمود الرابع كتاب القوافي بالأصفر الفاقع، واشتمل على حرف، أو أكثر، وجمع حروف العمود الواحد في الصفحة في القوس الأعلى على يسار الصفحة، وتتابعت الأعمدة مشكّلة كتاب القوافي16.
وثمّة أبيات في نصفيّ الدائرة على يمين الصفحة ويسارها هي أبيات منظومة قطرب التعليميّة، ويلجأ إلى المثلثات مَن أراد أن يتّخذ من الأدب سبيلا، وتقوم فكرتها على الذكاء الذي يلتقي ذكاء ابن المقرئ في جمعه العلوم الخمسة بطريقة الكلمات المتقاطعة.
وقد وضع قطرب تصنيف المثلّثات النثريّ، ثم نظمه بعد ذلك بعض العلماء، ووقع الالتباس بين كثير من الناس، فظنوا أنّ المثلّثات المنظومة لقطرب نفسه.17
تكامل العلوم في التأليف الهندسيّ
تكاملت علوم الكتاب، وتداخلت في مستوياتها البنائية والتركيبيّة والدلاليّة والصوتيّة، وأحالت إلى موسوعيّة ابن المقرئ، وقد سبقه علماء في الجمع بين العلوم كابن جنّي18، وأبي هلال العسكريّ، والجرجانيّ، وثمّة تكامل بين العلوم على نطاق واسع في تراثنا الفلسفيّ كجهود الفارابي، ت: 339هـ الذي ربط بين النظامين اللغويّ والذهنيّ، والإمام الغزالي، ت: 505هـ الذي ربط بين المنطق والعلوم الإنسانيّة.
وفي نقدنا المعاصر ثمّة تكامل بين اللسانيات والبلاغة والأسلوبيّة أدّى إلى صعوبة الفصل بين علم النصّ، والبلاغة، والأسلوبيّة.
ويعني ذلك أنّ ابن المقرئ أدرك تكامل العلوم قبل ثورة النقد الحديث، فالحدود بين العلوم واهية، وثمّة أساسيات مشتركة بين علوم هذا الكتاب.
والفقه لديه أساس القيم، والإيمان أساس العلم، والعلم أساس المعارف، فرؤيته كونيّة، ويعتمد العلم لديه على القيم، فثمّة وحدة معرفة.
وعلم الفقه وثيق الصلة بعلم التاريخ، فنشأة علم التاريخ في العصر الإسلاميّ مرتبطة بعصر التدوين وتصنيف العلوم، وكان مؤرّخو عصر الازدهار من الفقهاء، فاستخدموا مناهج الفقه في النقد والقياس والتحقيق والاستنباط في ميدان التاريخ، ومادة المؤرّخ مهمّة للفقيه، ويجب أن يكون المتبحّر في علم الفقه عالمًا بالعربيّة وأسرارها من نحو وصرف وبلاغة وعروض، وقد تمّت معالجة المسائل الفقهيّة على وفق قواعد علم النحو، وثمة تشابه في الاصطلاحات بين العِلمَين19.
فما التشكيل البصري؟ وما علاقته بالهندسة البصرية في الكتاب؟
الهندسة البصرية والتشكيل البصري
الشكل والتشكيل
الشكل قالب نمطيّ جاهز، لا يحمل دلالة ذات قيمة، وهو قيد للمضمون، وحين يسعى المضمون إلى الإفلات منه نتحوّل إلى التشكيل، وهو ما يقدّمه النصّ على مستوى الرؤية البصريّة، والرؤيا الضمنيّة المتخيّلة، فالشكل سابق على النصّ، والتشكيل ناجم عنه، وهو ليس كتابة فقط، بل كتابة بصريّة على وفق خطة، فيُقرأ النصّ، ويُبصر.
والثقافة البصريّة جملة رموز، وعلاقات، وأشكال ذات سمة نامية وجدليّة، ويعني ما سبق أنّ التشكيل إضافة جديدة للنصّ، لم تقلها كلماته.
التشكيل البصري والهندسيّ
يعدّ التشكيل البصري ظاهرة حديثة العهد في النقد العربيّ المعاصر، لم تستقرّ مفاهيميًا فيما بعد، لكنّنا نرى أنّ هذا الكتاب تشكيل قبل أيّ شيء آخر، فقد استغل طاقة التشكيل البصري ليقدّم جديدًا، فليس المهم ما قدّمه، بل كيف قدّمه.
وقد وجد أغلب منظّري التشكيل البصريّ أنّه وُجد مع الشعر الأندلسيّ، ثمّ الشعر الحديث والمعاصر20 لكنّ هذا الكتاب يمثّل أدبًا هندسيًّا بصريًّا، والأدب الهندسيّ هو الأدب المكتوب على وفق شكل محدّد، فلا ينهض التلقّي على لغة النصّ، بل على شكله الذي يضيف إلى لغته ما ليس موجودًا فيها.
وللبعد البصريّ أثر في المتلقي، وهو أمر حاضر في ذهن ابن المقرئ، وإلا لما أقدم على تقديم نصّ غير مألوف، فوازن بين حضور الكلمة والشكل معًا، واختار كلمات معيّنة لتوظيفها في تقاطع العلوم الخمسة، ويولّد كلّ تغيير في الاتجاه معنى يصل إلى المتلقّي مضاعفًا: مرة بالكلمة، ويثبت في الذهن بالشكل الفريد، والأصحّ أنّ المعنى الذي يريده يقدّم من اتحاد الشكل بالكلمة، فالكتابة بصريّة حركيّة، لا خطيّة تخاطب ذكاء المتلقّي، وأفق توقّعه، ويتعيّن عليه تحليل هدف الكاتب من وراء الشكل.
وتعني طريقة التشكيل هذه تجاوز الحدود المعياريّة الصارمة بين العلوم ولغتها، والتكثيف اللغويّ الصارم.
ويعني التشكيل البصريّ أنّ النتاج حصيلة تصور حاصل في ذهن المنشئ وصولًا إلى نتاج حاصل في الواقع، والتشكيل هنا قيود يفرضها على نفسه، نستشفّ منها جملة من المدلولات21.
ويمنح التشكيل البصري النصّ علامات تحمل معانيَ، وتخدم رؤية الكاتب، فهو بنية أساسيّة في الكتاب الذي لا ينفصل عن النسق الثقافيّ في عصره؛ لذا ننظر إليه على أنّه يُحدِث شعريّة خاصّة.
أما التشكيل الهندسيّ فهو رسم هندسيّ بالمفردات، أو توظيف أشكال هندسيّة بتقسيم الصفحة إلى حقول مستطيلة ومربعة ومثلثة… يُحدث نبرًا بصريًا مؤثّرًا، وثمّة تغيير للاتجاه السطريّ، وثمّة بداية للسطر، ونهاية تشاكلان بداية البيت الشعريّ ونهايته، وحين يُكتب حرف من الكلمة في حقل أو جزء منها يولّد ذلك نبرًا بصريًّا مؤثّرًا، يعدّ منبّهًا أسلوبيًا.22
ويعدّ الخط المستقيم أنسب للتعبير عن الفكرة، لكنّه يُقطع في نهاية السطر، وقد جعل ابن المقرئ أفكاره في قالب السطر الواحد، أو العمود الواحد الذي تُقطع الفكرة في نهايته، ويُحدث ذلك مدًّا بصريًا متساويًا على المستويين الأفقيّ، والعموديّ.
وإذا كانت الكلمات المتقاطعة ذات فضاء مكانيّ واسع يمتد إلى عشرات الصفحات في هذا الكتاب بخلاف الكلمات المتقاطعة المعروفة القائمة على إيجاد قوالب لغوية متقاطعة هندسيًا في قالب محدّد فما علاقة الكلمات المتقاطعة بالكتابة الخطيّة الأفقيّة، والعموديّة؟
الكلمات المتقاطعة
والكتابة الأفقيّة والعموديّة
لا يُقرأ هذا الكتاب إلا بدلالته الكلية: اللسانية والتشكيلية الدالة، فتتوجّه مادّته إلى العين مما يؤكّد صناعة الكتابة فيه.
وثمّة كتابة أفقيّة “كتاب الفقه” بخط مستقيم ثابت، وصلب23 وتعبّر الكتابة الأفقيّة عن الاستقرار، وثمّة خطوط عموديّة تتجه الكتابة فيها من الأعلى إلى الأسفل، لكنّ الحقلَين: الأيمن والأيسر يجعلان العين تتحرك إلى الأعلى حيث يميل، ليشكّل منحنيًا في أعلى الصفحة، فيحمل الحقل العموديّ دلالة الارتقاء، والشموخ.
وتداخلت الخطوط الأفقيّة والعموديّة بشكل متساوٍ، فحدث ترابط بصريّ على فضاء الورقة، فالمستطيل “الشكل العام” يعجّ بالحركة، ويوحي بالاستطالة، والاستمرار، والتكرار إلى ما لا نهاية.
وتوجد الخطوط العموديّة والأفقيّة المنفصلة، والمتصلة في آن فضاء جامدًا يوقف الزمن الخارجيّ الاجتماعيّ، في الوقت الذي يستمر فيه الزمن الشخصيّ جاريًا في فضاءات الأشكال الهندسيّة.
ولا معنى للقراءة من يمين الصفحة إلى يسارها، أو من الأعلى إلى الأسفل إلا في علاقة الخط الأفقيّ بالعمود؛ لذا نتحدث هنا عن فضاء صُوَريّ، لا خطّي، يتم فيه اختيار كلمات ذوات حروف تتبع نظامًا يناسب هذا التقاطع.
وفي هذا التقاطع يعدّ القارئ جزءًا من اللعبة الفنيّة، فتحرّضه طريقة التشكيل ليكتشف العلاقة بين التقاطعات، وعلاقته بفضاء الصفحة ناجمة عن موقع الكلمة المتقاطعة بين عِلْمَين، والشكل الذي تمّ تقديمه به.
ولا تتم الهندسة التشكيلية إلا في تقاطع الخطين العموديّ، والأفقيّ الذي يشدّ حركة العين إليهما، وإلى المقروء.
وقد كسر ابن المقرئ طاقة السطر الأفقيّ التشكيليّة بالتقاطع الأفقيّ، والعموديّ، فيجب أن يقرأ المتلقّي، ويفهم، ويستلزم ذلك وقتًا أطول؛ ليدرك التشكيل البصري24.
ويعني ذلك أنّ ابن المقرئ سعى إلى أن يسمع المتلقّي ما يريد قوله من وراء هذا التشكيل، وكلما كان الشكل أقلّ قابليّة للتعرف كان أكثر قابليّة لأن يُرى، ويقع في ميدان التشكيل البصريّ، فيرغم ابن المقرئ المتلقّي على الوقوف أمام الشكل ببطء، وجهد بصريّ يجعل العين مأخوذة بمدلولات الشكل.
إنّ ثمة بنية في الفضاء النصيّ، وتشكيلًا في الفضاء الصوريّ تجاورا معًا، وجعلا المتلقّي يؤوّل طموح ابن المقرئ في تعديل واقعه، والوصول إلى هدفه لدى السلطان الأشرف، ويغدو التشكيل -تبعاً لذلك- وسيلة نقل، وتعبير معًا.
وللبيت الشعري مطلع لكل شطر، ووسط، ونهاية، فيقترن بدورة من اليمين إلى اليسار فضائيًا، من صعود إلى ذروة إلى هبوط، وثمّة مسافة بيضاء بين الشطرين، وثمّة تقابل أفقيّ، أما البياض بينهما على مستوى القصيدة فعموديّ يمثّل نقطة لقائهما.
وإذا جمعنا المنظومة كلها وجدنا أنّ شطور الصدر تمثّل شكلًا عموديًّا يوازي الشكل العموديّ الذي تمثّله شطور العجز، ونجد أنّ كلّ شطر من المنظومة يوازي الأعمدة على يمين الصفحة، ويسارها، فتترافق حركة الصعود مع الشطر، والذروة والانخفاض مع حركة السطر الأفقيّة في النص النثريّ والحركة العموديّة المحدّدة بين حرفي المنحني، فانتهاء الشطر إعلان لبداية جديدة، وكذلك انتهاء السطر في الكتابة النثريّة مع كلّ صفحة.
وثمّة علاقة بين عدد أبيات منظومة قطرب، وعدد صفحات الكتاب، وقد جعل الأسطر المتقاطعة مع الأعمدة موازية لكلّ شطر من المنظومة، وترك العمود العريض في المنتصف لمتابعة كتاب الفقه يفعّل حاسة البصر، ويغدو العمود العريض في منتصف الصفحة بمنزلة البياض بين الشطرين الشعريّين؛ لأنّه استمرار لعلم الفقه، وهذا العمود في الشعر ركن أساس لبناء البيت الشعريّ، يتلازم معه السمعيّ، والبصريّ، وهو في النص النثري يقسم الأعمدة في يمين الصفحة عن الأعمدة في يسارها، فهو ركن أساس لبناء هذا النصّ النثريّ المختلف.
وقصد من مشاكلة الشكلِ البيتَ الشعريَّ تحقيق أثر لدى المتلقي يؤكد له تميّز المؤلِّف وفرادته، فثمة توازٍ عموديّ، وتقابل أفقيّ، وفراغ أبيض يتوسط كلّ بيت شعريّ، وثمّة توازٍ عموديّ، ونَفَس أفقيّ واحد في الصفحة الواحدة، ويتيح ذلك إمكان القراءة من اليمين إلى اليسار، ومن الأعلى إلى الأسفل، فثمّة كسر لنمطيّة القراءة، ونمطيّة التلقّي، فقد وُجد هذا الكتاب ليُقرأ، ويُرى، لا ليُسمع25.
وثمّة توازٍ هندسيّ فضائيّ، والحقل الواسع في المنتصف بمنزلة بياض، يعدّ مؤشِّر توقّف، وبدءَ استمرار جديد.
وفي الكتابة الخطيّة “كتاب الفقه” تأكيد للمعلومات التي يمتلكها؛ لذا أتى الفقه في خط أفقيّ يحيل إلى الاستقرار، أما التاريخ فقد أتى في عمود، حين ننظر فيه نجد أنّه ليس تاريخًا بل يمثّل تمجيدًا لبني رسول؛ للوصول إلى حال استقرار؛ لأنّه في حال قلق في واقعه.
ويعيّن في كتاب التاريخ الذي يماثل القصيدة المدحيّة أسماء الممدوحين، فالمقام مقام مدح؛ لتحصيل غاية، وقد توسّط التاريخ العنوان بين الفقه والعروض من جهة، والنحو والقوافي من جهة، فهو المركز، وهو واسطة العقد والغاية، ويعني ذلك أنّ التاريخ هو المقصود، فالمدح في التاريخ علاقة بين ابن المقرئ، والسلطان الأشرف.
ويقدّم في كتاب التاريخ العموديّ السلطان الأشرف بوصفه خير العالمين، وهو ما يناسب فكرة العمود الأساس بين الأعمدة، فذكَره باسمه وأوصافه، وهو هنا علامة أيقونيّة؛ ذلك لأنّه قدّم صورة بصريّة له.
وقد قصد أن يتوسّط التاريخ العنوان، والأَولى أن يكون الترتيب: الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي؛ لتلازم العروض والقوافي، ولعلاقة الفقه والتاريخ بالنحو.
ويدعم العمود الأوسط الواسع رأيه الفقهيّ، ويقدّمه، ويدعم توسّط التاريخ في العنوان غرض الكتاب.
يقول في كتاب التاريخ بأسلوب مسجوع، فيه بعض ركائز الشعريّة:
“الأول: السلطان الملك المنصور نور الدين عمر بن علي الرسولي، وهو باب خير فتحه الله على أهل الأرض، تواصل بعده الإسلام، وتواتر على المسلمين الإكرام…. كانت له الوقائع المشهورة، والآثار المذكورة، ولما دانت لصولته الرقاب، وانقادت له الأرباب من حضرموت إلى حرم الله اشتد ذلك على صاحب ديار مصر “الملك الكامل” ..”
هذا التاريخ أشبه بسيرة لبني رسول من وجهة نظره، ومن غير مصدر، أو دليل، فيغدو التاريخ أقرب إلى فنّ الخبر الذي يوهم بالمصداقيّة، والموضوعيّة، ويشتمل على عناصر فنيّة، حكائيّة.
والفقه حاضر في التاريخ في حديثه عن الملك المؤيَّد، وكان مشاركًا في العلوم، ويحفظ التنبيه في فقه الإمام الشافعي، وفي نهاية كتاب التاريخ يقول:
“وما زال مولانا السلطان الملك الناصر قائمًا على قدم الجدّ والاجتهاد، ناهضًا بأعباء الخلافة، قائمًا في إصلاح فاسد البلاد والعباد، نسأل الله أن يجمع الخلق على طاعته، وأن يمدّ في أيام دولته، إنّه على كلّ شيء قدير.”
إنّه ليس تاريخًا، بل يمثّل أدبًا تاريخيًا يقوم على الجانب الانفعاليّ؛ لكي يؤثر في بني رسول، وهو حدث تفاعليّ يظهر قدرته على التأثير في ممدوحيه، ويضمر رؤياه في الوصول إلى غايته، وقد اختار التاريخ سبيلًا إلى مدح بني رسول؛ لينفي عن نفسه سمة الرغبة في المنصب الذي يريده عن طريق المدح، فمرّر رسالته عن طريق كتاب التاريخ، وهذه صنعة إعلاميّة، إشهاريّة تستخدم الخبر والحكاية؛ لتوهم بصحة كتاب التاريخ، فيغدو نوعًا أدبيًا يحمل نقاط تقاطع مع خطابات أخرى.
وبلجوئه إلى التاريخ يضمن لفكرته النجاح، فثمّة جانب نفعيّ متخفّ، ارتبط بالسلطة، وهذا التاريخ بلاطيّ، وضع بني رسول في المرتبة الأولى، فما قدّمه يمثّل بعدين: بعدًا إشهاريًا، وهو مدح بغرض التكسب للحصول على المنصب عن طريق كتاب التاريخ، ومقصدًا إشهاريًا، وفيه مدح مباشر يتضمّن اعترافًا بقوة ممدوحيه، وخضوعه لسلطانهم، ويقوم خطابه على الإقناع بالحجّة، مركّزًا على صفة القوّة؛ لذا نظرنا إلى نصّ التاريخ على أنّه نصّ أدبيّ يضمر نسقًا، وحين يقدّمه إلى السلطان يقدّم كرمًا يجب أن يقابَل بكرم منه، وعلى الممدوح أن يوفيه حقّه، لا سيما وأنّه ذكر في مقدّمة كتاب العروض أنّه ألّف الكتاب بأمر من السلطان الأشرف، فثمّة عقد ضمنيّ بين الطرفين، وكلما رفع من درجة المديح زاد من درجة تحدّي العطاء، وسجن ممدوحه في دائرة خطابه، وشكله الهندسيّ المستطيل العموديّ الذي قدّمه.
ويعني ذلك أنّ بني رسول قد أضحَوا حدثًا أدبيًا يجب أن يقابَل بعطاء، وقبولهم هذا التاريخ قبول ولائه، وقبول تقديم المقابل، وليحصل على غايته اختار قالبًا فريدًا يتحرك قارئه فيه باتّجاهات مختلفة، يرسمها؛ ليفرض سلطته على القارئ.
ويلفتنا عنوان الكتاب وعتبة المؤلف الخاضعان للتشكيل البصري.
عنوان الكتاب وعتبة
المؤلّف والتشكيل البصريّ
يخضع عنوان الكتاب للتشكيل البصريّ، فقد وضع كلمة “عنوان” في سطر مستقلّ، أسود غامق، وتحته “الشرف الوافي” بخط أسود غامق مستقلّ، ثم وردت العلوم الخمسة بخطّ صغير، عادي، يتوسّطها التاريخ.
ويحيل وضع كلمة عنوان في عنوان الكتاب إلى محفّز خارجيّ يولّد لدى المتلقّي فكرة أنّ كلّ ما يقرؤه عنوان في بابه، وهو شرف واف لكلّ ما يُكتب في هذا الميدان، ويحيل العنوان إلى السبق والبداية، وفي هذا العمل تضخيم للأنا، يخفي وراءه ذاتًا قلقة، فهو يمتلك موهبة كبيرة لكنّه يحتاج إلى الوصول إلى هدفه لدى بني رسول بإقناعهم بعمله.
وقد يحيل العنوان إلى أنّ ما يقدّمه مختصر في بابه، لكنّه يفوق في تقديمه أي كتاب آخر.
وتعدّ مقدّمة الكتاب بخط يده عتبة نقرأ منها رغبته في تحقيق السبق، والوصول إلى الهدف، فبعد الاستفتاح بحمد الله تحدّث عن أهميّة العلم الذي تستضيء به الأمّة، وأشرف ما يستفتح العلم به الفقه لضرورته في تفاصيل الحياة العامّة، ولحاجة الأمّة إلى علماء يرشدونهم إلى الحلال والحرام.26
“وبعد.. فهذا كتاب جليل كتبته، لم أُسبق بعد إليه، ألّفته مختصرًا في الفقه، فإن أعان الله وتمّ حينئذ أمره على هذا فهذه نعمة من الله لا يوفي شكرها قول ولا عمل، رصّعته بمعان بديعة بليغة، منها نبذة من تاريخ الدولة الرسوليّة، وشيء من الكلام في معاني العربيّة.”
ثم يشرح طريقة بناء الكتاب، ونلاحظ أنّه افتتح بالفقه، وهو العلم الذي اشتُهر به، وذكر التاريخ قبل أيّ علم آخر، وذكر الاختصار، وهو يناسب كلمة “عنوان” في العتبة النصيّة.
وجّهت هذه المقدمة المتلقي إلى جملة مدلولات لا تنطبق على أيّ مؤلف سواه، فأرشد المتلقي إلى الارتقاء إلى عوالمه النصيّة، وذكر الرغبة الظاهرة وهي السبق في التأليف، وأخفى الرغبة المضمرة، وهي الحصول على مكانة لدى الأشرف، لكنّ تركيزه على التاريخ جعل هذا الجزء مهمًّا جدًا لديه، فهو بمنزلة قصيدة مدح لبني رسول.
والتفرّد واضح جدّاً في مسعاه، وفي تشكيله الهندسيّ، وتمثّل المقدّمة بخطّه سيرة ذاتيّة مختصرة له، ولا نتعامل مع السيرة الذاتيّة على أنّها واقعيّة، بل هي خطاب يشتمل على أنساق، فكلّ ما قدمه امتداد لهذه السيرة الذاتيّة؛ لذا تغدو مقدّمة الكتاب جزءًا من هذا التشكيل الهندسيّ الخصب في الكتاب كلّه.
الخطّان العموديّ والأفقيّ
ثمّة غياب لعلامات الترقيم في الكتاب كلّه في الخطوط العموديّة والأفقيّة، ويعني غيابها -في هذا المقام- أنّ التشكيل البصريّ كافٍ لضبط الدلالة، وتوجيه المتلقّي، يضاف إلى ذلك أنّ التشكيل العموديّ قد حال دون ذلك، فنهاية كلّ مستطيل محطة استراحة للقارئ، وليست الحقول منفصلة، بل ترتبط مع القراءة الأفقيّة، وثمّة جزء مشترك لغويًّا بين العموديّ، والأفقيّ في مربع، وهو نقطة تقاطع يجب أن تكون مناسِبة للعِلمَين معًا.
ويمتدّ الخطّ المستقيم الصاعد على جانبي الصفحة؛ ليشكّل منحنيًا على شكل نصف دائرة في الأعلى، ويمثّل في تعاضده مع المستقيمات الأفقيّة والعموديّة خطوط حياته، فالمستقيم صارم، والمنحني ليّن، وحياته موزّعة بين خطوط، ومنحنيات.
والأسطر كلّها متساوية عموديًّا، وأفقيًّا؛ لأنّها محدّدة بشكل هندسيّ صارم، ولا يستطيع المتلقي أن يتوقّف عن القراءة إلا بانتهاء السطر المتقاطع مع العمود، ونجد هذا التساوي في منظومة قطرب أيضًا التي تُفتتح بها كلّ صفحة، فهذا التساوي الافتتاحيّ تمهيد لتساوي الأسطر العموديّة، والأفقيّة.
ويشدّ هذا التشكيل البصريّ بمجمله إلى معرفة نفسيّة ابن المقرئ الممزّقة بين النمو والهبوط، النجاح والفشل، وتتجسد حقيقة الذات المبدعة الممزّقة بين المتضادات، بين الارتقاء، والخسارة.
لقد ركّز على النسب المتساوية في الصفحة الواحدة؛ لأنّه أدرك أنّ الورقة ستُرى بطريقة مؤثِّرة، فثمّة شكل هندسيّ غنيّ، وثمّة بياض يحيط به، وكلّ منهما يؤدّي وظيفته.27
ومع أنّ للمكتوب جاذبيته الخاصة نجد أنّه جعل من كتابته تشكيلاً جماليّاً، وترك مساحات صامتة، والصمت كلام من نوع آخر، وكلّ جزء من هذه الكتابة يشهد على الكلّ، وأي تغيير في أيّ صفحة يهدم العمل كلّه.
ويعني اكتساح السواد فضاء الورقة موقفًا انفتاحيًا لدى ابن المقرئ، وحاجة إلى ملء فضاء الورقة “المكاني” والصوتي “الزماني” بأشياء من خارج ذاته، ويحيل التنظيم والدقة إلى وضوح هدفه في ذهنه.
ولنفترض أننا نقرأ كتاب النحو قراءة خطيّة لما وجدنا أنّه ترك الأثر ذاته؛ لأنّ طريقة تركيب الكلمات المتقاطعة استدعت خصائص مضافة إلى النص لم تكن موجودة في النصّ الخطيّ الأفقيّ، فينجم الأثر عن موقع الكلمة بالقياس إلى نسقيّ المحورين: العمودي والأفقي، وهما نسقان لهما مرجعيّتهما في ذهن الكاتب.
إنّه وعي متطور سابق زمانه، فيحمل تشكيله الخاصّ بالتاريخ مثلاً، والمندرج في التشكيل العام مدلولات لا تقدّمها القراءة الخطيّة؛ لأنّه لم يعد كاتباً، بل أضحى صانعاً لنصّه، فالنثر صناعة -لديه- شأن الأدب الرقميّ المعاصر، والشكل تواصل غير لغويّ، يرتبط بأمور أخرى كالجانب النفسيّ للأشكال الهندسيّة.
الهندسة البصرية
والأشكال الهندسية
يستحيل حذف الشكل الهندسيّ؛ لأنّه جزء من الكتابة اللغويّة، ولأنّ حذفه يحذف الغاية من الكتاب.
الشكل المستطيل
والكاتب المستطيل
يفكر ابن المقرئ، ويكتب داخل مستطيل، ويدخل المستطيل في علاقة طباقيّة مع الخطّ المنحني في أعلى الصفحة، فيتحرّك عقله في علاقة تبادليّة بين قيد وحرية، فالمستطيل وجود متحدّ، ويبتعد الخطّ المنحني عن التوتر، وهو يريد أن يخرج ناجيًا من المستطيل إلى المنحني؛ لذا يتّجه الخطّ في جانبي الصفحة من الأسفل إلى الأعلى حيث الانحناء، ويُحدث هذا التشكيل البصريّ دلالة شعريّة خاصة؛ ذلك لأنّ التشكيل البصريّ ينطوي على جزء مفقود من النصّ، يصل إلى المتلقي بالتأويل.28
ويوحي المستطيل بمدلول الطول في عين المتلقّي، وربما اشتقّ اسمه من الاستطالة29 فهو يمثّل خطابًا طويلًا، متّصلًا، خاليًا من علامات الترقيم، وتمتدّ دلالة المستطيل إلى ابن المقرئ الذي تظهر عليه صفات الشخص المستطيل.
ويعني الشخص المستطيل -حسب بعض الدراسات النفسيّة- أنّه يخوض بعض التغييرات الكبرى داخل نفسه، وربما تعرّض لتغير مهني، أو يتوقع مثل هذا التغيير، فيرمز المستطيل إلى التغيير، وإلى شخص في حال تحوّل.
ويعني ذلك أن الشخص المستطيل يجد نفسه في مرحلة تشكّل، وعدم استقرار، وهو شخص لا يشعر بالرضا تجاه الطريقة التي تسير بها حياته، الأمر الذي يجعله في حال بحث عن الأفضل.30
وبمقارنة هذا التحليل مع ما عُرف عن ابن المقرئ نجد التماثل واضحًا، فمن الأخبار التي وصلتنا عنه أنّه ألّف هذا الكتاب؛ لأنّه طمح إلى الوصول إلى مكان أفضل، فلم يكن راضيًا عن نفسه، ولم يكن في مرحلة استقرار، وكان يمرّ بمرحلة تغيّر مهنيّ، فقد كان يطمح إلى الوصول إليه.
ومن العادات الشخصية للمستطيل النسيان31 وقد عُرف عن ابن المقرئ أنّه كان شديد النسيان بحسب ما ذكرت المصادر.32
وبحسب التحليل النفسي للشخص المستطيل تعدّ المستطيلية مرحلة33 والشخص الذي يمرّ بها ينتمي إلى شكل آخر، قبل أن يمرّ بها، فيحاول المستطيل أن يكون شخصًا أفضل، وذلك بقيامه بأشياء لم يقم بها من قبل34 ولأنّه في حال تحوّل يكون أكثر انفتاحًا على المعارف الجديدة35 وهذا ما نجده في هذا الكتاب.
والسبب الهندسيّ أنّ المستطيل ليس شكلًا خالصًا بنفسه، بل هو ناشئ عن شكل هندسيّ آخر هو المربع، وترى ديلينجر S. Dellinger أنّ أصحاب المستطيل في الغالب كانوا يعملون في وظائف المربعات، ويعيشون في حياتها سنوات إلى أن شعروا بالاستياء، وأنّهم لم يتلقّوا التقدير المناسب على عملهم36 فهم في مرحلة تغيير، وليسوا على يقين تامّ مما سيقودهم إليه هذا التغيير، لكنّهم ساخطون على الموقف الراهن، ومستعدّون لتجربة أيّ شيء كان.
ونرى أنّ كلّ صفحة تشتمل على مستطيل كبير، بداخله مستطيلات يشتمل عليها المستطيل الكبير: الشكل العام، وكلّ مستطيل يختلف عن الآخر، ويتضافر الشكل الكليّ مع منحنيين في أعلى الصفحة، فالصفحة كلٌّ شامل يشتمل على علامات خطيّة وهندسيّة، والعلامات الخطيّة رموز تحيل إلى موضوعاتها، وتحيل الأشكال الهندسيّة في الصفحة إلى معنى، فتعدّ أيقونات، والصفحة -بناء على ذلك- علامة رمزية أيقونيّة؛ لاشتمالها على تشكيل بصريّ، ومعطى لغويّ.
ويمثل المربّع نقطةَ انتظام الكلمة المتقاطعة ما بين المستطيل الأفقي والمستطيل العمودي، فلماذا ألحّ على وضع الكلمة المتقاطعة في مربع؟
المربع العنيد37
ترى الدراسة النفسية للأشكال الهندسية أنّ المستطيل متحوّل عن مربع، ويتّصف المربع بأنّ عقله منظم، وهو ذكيّ، وعلى درجة عالية من المعرفة والاطلاع، ويؤمن بالمبدأ القائل: إذا تفانى الإنسان في عمله فإنّه سيجني الثمار.38
وللشخص المربّع ميل شديد إلى بلوغ الكمال في عمله، ويحبّ الأشخاص من نمط المربع المخططات والجداول لأيّ عمل.39
وحين يكون المربع تحت الضغط النفسيّ ينسى، وسبب الضغط وظيفة غير ملائمة، ولأنّ الشخص من نمط المستطيل يكون متحوّلًا عن المربع نجد أنّه في حال التحول والتغيير؛ لذا يكون أكثر انفتاحًا على المعارف الجديدة40 وبسحب هذه الصفات على ابن المقرئ نجد أنّه سعى إلى التفرد، وقدّم عملًا شديد التنظيم؛ لرغبته في جني الثمار، وتحصيل منصب قاضي الأقضية لدى السلطان الأشرف، وبدت منهجيّته واضحة، واضطرابه واضحًا، وأراد من هذه الأشكال الهندسيّة أن يتحاور مع المتلقّي بصريًا، فتدلّ الكلمة في المربع على إصراره الشديد على الإتيان بمفردة، أو أكثر، أو حرف، أو أكثر؛ لكي يتناسب سياق العِلمَين المتقاطعين، وهذه مهمة شاقّة، وقد ظهرت الكلمة في المربّع مستقلّة عن السياق؛ ليزيد من نبرها البصريّ، ويسلّط الضوء عليها، فالجهد الأكبر موجود في المربّع.
وبالعودة إلى العمود الخاصّ بمدح بني رسول نجد أنّه قد حوّله إلى قصيدة بصريّة ملوّنة في أجزاء منها باللون الأحمر، فيولّد التشكيل إدراكًا شعوريا وحسيًا، وكأنّ هذا النبر البصريّ يولّد دلالة صوتيّة خاصة.
وتعني طريقة التشكيل الهندسيّ أنّ تفكير ابن المقرئ والتفكير العلميّ واحد، فثمّة عمليّة إحصائيّة في ميدان قاموسه اللغويّ، تقوم على مبدأ الإحصاء الرياضيّ؛ لاختيار الكلمة المتقاطعة، والمتناسبة مع الخطّين: العموديّ، والأفقيّ.
وبذلك يحمل الشكل الهندسيّ رؤية ابن المقرئ، ورؤياه، وبعودة إلى المخطوط الذي حفظه الزمن نجد أنّ ثمّة علاقة بين الخطّ، والرسم باليد، فيترك الخط أثرًا.41
ولشكل الحرف، وهيئته، ولونه في المربع أثر كبير حين يكون بخطّ اليد، فقد لجأ ابن المقرئ إلى مدّ الرسم الخطيّ للحرف؛ ليوازي المدّ الحاصل في الصوت في أثناء القراءة، فيظهر المدّ الصوتيّ بصريًّا مؤثرًا في كيان المتلقي كلّه.
وهذا القطع في أثناء إبصار المربّع ساوى القطع في أثناء النطق به، ثم يعيد المتلقّي تركيبه من جديد.
وتفسّر صورةُ المخطوط المقصودَ؛ لأنّه يعدّ جزءًا من الدلالة البصريّة، فيعي المتلقي في ذهنه هيئات الحروف، وأصواتها، ويربطها بالأشكال الشبيهة بها.42
ويحيل الخط إلى الشخصيّة التي كتبته43 فخطّ اليد أقرب إلى تجسيد الدلالة البصريّة من النصّ المطبوع؛ لأنّه يحمل بوحه، وصمته في آن، ويترك للمخيلة أن تتصوّر طريقة نطقه، فيتمّ الضغط على الدلالة البصرية؛ لتدعم المدلول.
ولجأ ابن المقرئ إلى المبالغة في توفية الحرف، كصورة الحرف “ق” في الصورة السابقة، وكأنّه أراد أن يقول إنّه حرف يحمل الكثير من المبالغة، فهو مستقلّ، لم يتصل، ولم ينحن، ولم يتشابك، فجسّدت مبالغته في التوفية حركة الكتابة لديه، وقدرتها على التصدّي لكل ما يعترضها، ويفعّل اللون الأحمر تقنية النبر البصريّ، فمع كلّ نبر لونيّ يرتفع الصوت، وتزداد درجة التركيز.
وجاء آخر حرف في كلمة “طلاق” في مربّع مستقلّ، فزاد من التركيز على الحالة؛ لزيادة التنفير منها، وكذلك جملة “كتاب الطلاق”، فقد وفّى حروف كلمة كتاب بطريقة مبالغ في تصويرها؛ لشدّ انتباه المتلقي إلى بدء مرحلة كلام جديدة44.
وأظهر تضخيم كلمة “كتاب”، واستقلال حرف “القاف” الجانب غير الملفوظ في فكره، وكذلك تضخيم /حر/ وق/45 في كلمتي “حرام وطلاق”؛ ليولّد مدلول الكره للطلاق، فتجنّب الوصل، وكان في إمكانه وهو صاحب الموسوعة اللغويّة أن يأتي بكلمات موصولة.
وثمّة فصل في الصفحة نفسها: “قالوا وبالعوض في إباحة الأصحا/ب فا/ لمباح لطلاق الآيسة والصغيرة..” وكذلك “كتاب الطلاق”، فقد مدّ حرف الباء أكثر من اللازم؛ ليولّد مدلولًا بصريًا متعلقًا باتساع الباب، وما يشتمل عليه من أحكام.
ويتعاضد المستطيل مع المربّع مع الخطين المنحنيين في أعلى الصفحة؛ لاكتمال المعنى المصوّر.
علاقة الخط المنحني بالمستطيل والمربع
ننظر إلى تشكيل الصفحة الهندسيّ على أنّه طريقة تفاعل بين ابن المقرئ والعالم الخارجي بوصفه مدركًا وظيفةَ الأشكال؛ لتحقيق هدفه.
ونجد نصفَي قوس دائريين متساويين في أعلى الصفحة، وثمّة شطر شعريّ داخل كلّ قوس، وبينهما مساحة بيضاء، واحتل الشطر الأوّل مساحة ثلاثة حقول يرأسها قوس، وكذلك الشطر الثاني، وقد توازت هذه الحقول أفقيًا مع شطرَيّ منظومة المثلثات، فتداخلت الهيئة البصريّة للنصّ الشعريّ التقليديّ مع الهيئة البصريّة للنصّ النثريّ، وجمع بين الشكلين: الشعريّ، والنثريّ، والأشكال الهندسيّة؛ لتحقيق أكبر قدر من التفرّد.
أما الكتابة في القوسين فتأخذ أحد شكلين: كتابة عاديّة في الطرف الأيمن، وكتابة مقلوبة في الطرف الأيسر من الصفحة؛ لزيادة الجذب البصريّ، والرغبة في التفرّد، فمرة يقرأ المتلقي حروف الحقل متناثرة على أحد طرفي الصفحة، ومرة يقرؤها مجتمعة في القوس، فلم يترك أيّ احتمال لشغل فضاء الصفحة يفلت منه.
وفي الصفحة دلالة خمسة علوم متعاقبة، ومتداخلة، ويمكن للقارئ أن يختار البداية التي يريدها بعد أن يدرك آلية الكتابة، وتشبه هذه العملية إلى حدّ كبير مبدأ الأدب الرقمي الذي يتيح للمُبْحِر أن يقرأ بحريّة من غير تقيّد بطريقة كتابة خطيّة، ويقرأ المتلقي العلوم في الأعمدة بتركيز أكبر من القراءة الأفقيّة التي لا تحتاج إلى مجهود.
وتتساوى أحجام الأعمدة المتوزّعة على يمين العمود الأوسط، ويساره، وهو يقابل البياض بين شطرَيّ البيت الشعري في أعلى الصفحة، وتولّد هذه الطريقة في هندسة الصفحة توترًا دراميًا لدى القارئ، فيتحدّى ذاته ليدرك المكتوب، وهو يوازي التوتر الدرامي لدى الكاتب في سعيه إلى تحقيق طموحه بتأليف فريد من نوعه، فثمّة قراءة خطيّة، وقراءة عموديّة، وكتابة صحيحة، وكتابة مقلوبة، وقراءة من اليمين إلى اليسار، ومن الأعلى إلى الأسفل، فجسّد الامتداد والاختلاف اللذين يرنو إليهما، وثمّة تضاد بين المستطيل الهابط في أثناء القراءة، والصعود في حافتي الخطّين على يمين الصفحة ويسارها؛ للوصول إلى المنحنيين، ولجأ ابن المقرئ إلى تقنية التطريز البصريّ، وهي تقنية شعريّة، وتعني أن يجعل الشاعر حروف أوائل الأبيات تشكّل اسماً معينًا46 فوسّع الدلالة هنا لتغدو حروف أوائل الجمل تشكّل جملة معيّنة مستقلّة عن الجملة الخطيّة الأفقيّة، كقوله في العمود الأيسر: ح/ روف/ ال/ م/ د/ و/ ال/ ل/ ي /ن/ يكون/ ب/ ع/ د/ ا/ ل/ وصل/ إذا/ ت/ حرك/ / وأما/ ا/ لحركات/ فهي47.
وفرّق -في ميدان تطريزه البصريّ- حروف الجملة على عمود بأكمله، ثم جمعها، فانسابت الحروف انسيابًا بصريًّا ماتعًا.
وإذا جمعنا نصفَي الدائرة العلويَّيْن تشكّل لدينا مثلث، رأسه إلى الأعلى، يوازي المثلث الموجود في الصفحة الأخيرة، مقلوب الرأس.
المثلث بين ابن المقرئ
وملتزِم طبع الكتاب
جمع القوسان في أعلى كلّ صفحة بيتًا من منظومة مثلثات قطرب، وإذا جمعنا المنحنَيين في أعلى الصفحة حصلنا على مثلّث رأسه إلى الأعلى، متساوي الأضلاع، والمثلّث في الأشكال الهندسيّة النفسيّة مثلث جسور حين يتجه إلى الأعلى48 ويحيل إلى فكرة تفوّق ابن المقرئ على الآخرين، وإلى الاتجاه إلى تغييرٍ نحو الأفضل.
أما في الصفحة الأخيرة فهو مقلوب، ويمثل كلامَ ملتزمِ طبع الكتاب الذي وصفه بالجليل:
أتت حاشيته منهالة إلى الأسفل على شكل مثلّث مقلوب الرأس، وتتابعت الكلمات إلى رأس المثلّث الذي اشتمل على كلمة واحدة “وكرّم” فالقوّة العلويّة في الصفحات المتعاقبة في حال هبوط، والمثلّث المقلوب طريقة تقليدية تُختتم بها الكتب القديمة، فيعني المثلّث المقلوب في هذه الحال تقليص الكتابة حتى الحرف الأخير من الكتاب.
ولأنّ الشخص المثلّث يرغب في الفوز بالتفوق لنفسه49 تفوّق ملتزم طبع المخطوط في إخراج الكتاب بهذه الصورة، وتم وضع عتبة الناشر في شكل بيضويّ على يمين الصفحة؛ لتوازي ما ورد على يسارها في مستوى أدنى، فقد وضع اسمه في دائرة في أسفل الصفحة، والدائرة أكمل الأشكال الهندسيّة، فيعلي من قيمة دار النشر، ويركّز عليها بصريًا.
خاتمة
تبين أنّ هذا الكتاب نثريّ، يعتمد على طريقة تلقّ خاصة في إطار جنس مختلف عن جنس الشعر الذي درجت عادة تقديمه في هيئة فضائيّة غير خطيّة، ويعدّ الأول من نوعه في التراث العربيّ على مستوى النثر.
ويمكن بناءً على ما سبق تسجيل النتائج الآتية:
– يحيل عنوان الكتاب إلى هدفه، فقد جاء كتاب التاريخ متوسطًا العلوم الأربعة؛ لزيادة التركيز عليه، ولارتباطه بجانب من طموحه في الوصول إلى المكانة التي يرغب فيها لدى بني رسول، أما الفقه فهو من أولويّاته؛ لذا جاء خطيًّا أفقيًّا أولًا، وجاء النحو، والصرف، والعروض، والقوافي مادة مختصرة، لم تقدّم جديدًا على مستوى مضمونها.
– حاولنا إثبات جملة فرضيات، بنينا البحث عليها، وهي سبق ابن المقرئ المعاصرين في التشكيل البصريّ الهندسيّ؛ لخدمة فكرته من جهة، وسبقه روّادَ الأدب الرقميّ التفاعليّ في تقديم نصّ غير خطّي، يُقرأ في أكثر من اتجاه، ويُبصَر، ويتحدّى ذكاء المتلقّي.
– وجدنا أنّ النبر البصريّ في التشكيل الهندسيّ، ونوع الخط، ولونه، وطريقة كتابته أمور تعادل النبر البصريّ في الكتابة التقليديّة الخطيّة.
– تفوّق التشكيل البصري في هذا الكتاب على ما ورد في ميدان التشكيل البصري لدى شعرائنا في التراث العربي، فقد حُكم الشعراء بالبنية العروضية، أما في هذا الكتاب فقد فرض ابن المقرئ على نفسه بؤر توتر تمثّل كلمات متقاطعة سابقة عصرها بقرون، أصّلت لمن أتى بعده من غير أن يتفوّق عليه.
– وثّقت هذه الطريقة في التأليف العلاقة بين ابن المقرئ وقارئه، فلم تعد اللغة فقط وسيلة تواصل، بل غدت جزءًا من كلّ، ولم يعد هنالك معنى محدّد يريد إيصاله، بل يتمّ استنتاجه من الكلمات في تنسيق أفقيّ، وعموديّ في أشكال هندسيّة، وهو أمر ناقَض الثقافة السائدة في الكتابة النثريّة في عصره، فخطابُه سمعيّ، بصريّ في آن.
الهوامش