الحديث عن التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر, حديث يشوبه الارتباك, لأنه مرتبط بحقيقة المجتمع الجزائري قبل كل شيء, فالإبداع فن ومن أهم قوائم الفن بعد الموهبة: الحرية, وعنصر الحرية يبدو عنصرا غير واضح الملامح في الأجواء الجزائرية خاصة ما يتعلق بحرية المرأة. ولأن الكتابة قبل أن تكون تركيبا لغويا فهي تعبير وبوح فإن المسألة تتعقد أكثر حين تأخذ الكتابة منحى البحث عن الخلاص من الوضع الاجتماعي الذي تعاني منه المرأة. و لنقرأ مثلا ما تقوله الكاتبة اللبنانية هدى بركات مفسرة لمن تكتب,تقول <<نكتب, نبعث بما يشبه تلك الرسائل التي تودع زجاجة وتلقى في مياه البحر, ولو كان المرسل مستتبا في يأسه الكامل لما أرسلها, إنه على الحافة, على الصراط الذي يجعله بين صورة القعر وصورة عينين تقرآن<<(1).
و ربما في هذا القول ما يفسر تلك الحقيقة التي تخفي وراء كل كتابة قضية, وحين أقول <<كتابة>> فإني حتما هنا أقصد ما هو بمستوى الأدب, وحين أقول << قضية>> فحتما أقصد ذلك الوجع الحقيقي الذي يشعر به كاتبه في نفسه ويراه عند غيره, وبالنسبة للمرأة فإن وجعها الأول هو البحث عن إرساء قواعد احترام لكيانها وفكرها بشكل مستقل. وهنا يحضرني ما قاله الفرنسي <<جان فواييه>> (وزير العدل سنة 1979): <<يستمد الرجل كرامته وثقته من عمله, أما المرأة فتدين بهما للزوج>>(2)
فإذا كانت هذه العبارة صادرة من مثقف فرنسي من خلال مجتمعه المنفتح, فإن مشكلة المرأة في الوطن العربي تكون أعمق وأعنف, ولعل الموضوع يفرض علي أن أتقيد بالتجربة الإبداعية النسائية في الجزائر لهذا أعود إلى مقولة للكاتبة الجزائرية جميلة زنير وهي تصف انتحار الشاعرة صفية كتو بقولها: <<الموت المأساوي رسالة احتجاج قاسية اللهجة من ذات كاتبة أنثوية عانت القهر والقمع الاجتماعي لا لشيء إلا لأنها متهمة بخطيئة الكتابة>>(3).
قد يقول البعض أن كتابا كثيرين انتحروا من أجل قضايا وطنية أو سياسية- فلماذا يجب اعتبار انتحار <<كَتُّو>> رسالة احتجاج على أنوثتها المهدورة? ذلك أن المختلف بالنسبة للمرأة الكاتبة هو أنها تحارب من أجل قضيتها التي هي قضية نصف المجتمع, حيث تقول جميلة زنير: <<كنت أكتب من غير أن يطلع أحد على كتاباتي أو يشجعني حتى على مواصلة الكتابة فأنت تلاحظ أن القمع ينطلق من الأسرة إلى المجتمع (القبيلة), هذا المجتمع القبلي يمارس عليك قمعا آخر أشد وأقسى: عدم الاهتمام بما تكتب, فهو لا يشجعك, لأنه يرى هذه الأشياء ضربا من العبث وتدخل في خانة( لا يجوز), فكنت أول فتاة في جيجل تتجرأ على كسر أعراف القبيلة وتنشر اسمها عبر الإذاعة في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات.
و إذا كانت جميلة زنير تصف تجربتها بجرأة وألم دون أن تعتمد أسلوبا مستفزا في طريقة كلامها فإن الشاعرة زينب الأعوج تتخذ موقفا فيه شيء من الاستفزاز حيث تصف المجتمع الجزائري ب<<المتخلف>>(4) و<<المريض>>(5) حيث تتعلق القضية بالمرأة والكتابة فتقول: <<مجتمع مثقل بالتقاليد البالية, بإرث طويل من الظلم والفكر الإقطاعي, إنه مجتمع يمشي على كثير من جثث النساء البريئات>>(6) ويبدو الأمر مثيرا لأكثر من تساؤل بالنسبة للأعوج حيث تقترب من تلك الصورة التي يجتمع فيها الرجل والمرأة الجزائريان بشكل يجمع بين التوافق والتنافر معا, فهما <<بالرغم من ارتباطهما في العمق مع مشاكل يومية ذات بعد اجتماعي واقتصادي في الأساس>>(7) إلا أنهما لا يلتقيان عند مشاكل المرأة. وبدبلوماسية تتعرض الكاتبة زهور ونيسي لهذا الموضوع من خلال حديثها عن تجربتها الكتابية قائلة: <<ما أردت طرحه لا تدوينه, وروايته كحياة امرأة وأحداث وطن تلخص ما طرأ على الإنسان عموما عبر مراحل الطفولة والثورة إلى منصب الوزارة في هذا الجزء من المجتمع العربي الذي لا تزال فيه المرأة ذلك الهامش الذي يقدس تارة ويستعبد تارة أخرى, حسب مفهوم النفعية والمصلحة والمفهوم الضيق للشرف>>(8). وعلى هذا الأساس جاءت التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر عموما شحيحة سواء من حيث الكم أو من حيث الكيف, خاصة منها ما هو مكتوب باللغة العربية واتصفت تقريبا بما اتصفت به التجربة الإبداعية في الوطن العربي, فمثلا <<يغيب عن مضمون القصة النسائية بوجه عام الوعي بأن قمع المرأة هو اجتماعي في أساسه, ويضرب جذوره في تقسيم العمل القديم قدم المجتمعات الطبقية التي استغنت عن دور المرأة في الإنتاج , وحولتها إلى لعبة في متحف الإقطاع/…./ حيث تسلي وتمتع وتنجب الورثة, أي أن المؤامرة الأساسية على حرية المرأة كمنت بالتحديد في اختزالها إلى جسد, وتجريدها من أسلحة الفكر والعمل الاجتماعي المنتج, التي تشكل الضمانة الوحيدة للحرية والتجربة الحرة>>(9) وحيث ظهر للمرأة أصوات جاءت قليلة وضعيفة <<وجاءت على استحياء ووجل>>, أو لعلها تعرضت لعمليات مسخ وتحريف وتحويل وهذا هو الأقرب, ولعل على ذلك علامات من أبرزها كتاب <<ألف ليلة وليلة>> وهو كتاب يوحي بأنه حكايات نسائية في أصلها ولكنها عندما حولت إلى كتاب مدون تعرضت إلى التحريف والمسخ على يد الرجل أو الرجال المدونين, وتحولت القصص من خطاب نسوي شفهي إلى مدونة مشوهة اختلط فيها صوت الأنثى بصوت الرجل, فاختلطت الأساليب والحبكات حتى صار الكتاب كتابا عن المرأة وضد المرأة في آن واحد>>(10) و إذا كانت المسافة الزمنية بين شهرزاد الأصل وشهرزاد التي وصلتنا مسافة طويلة غاب خلالها التدوين الأمين لحكاياتها ولذلك حرفت, فإن ما تكتبه المرأة اليوم يخضع لنوع جديد من التشويه, ألا وهو التأويل أو القراءة الخاطئة للنص, فالغالبية الساحقة من النقاد يفكرون من خلال تلك الفروق الجنسية بين الجنسين, فيتعاطون النصوص النسائية على أساس هذا الوصف, ومنذ البداية يتتبعون آثار الأنثى في النص, فتتحول القراءة إلى تشريح جسدي قبل كل شيء, ثم تأتي الوقفة المجابهة لكل فكرة تعبر عن وجع المرأة في مجتمعنا إذ يدخل القارئ(الرجل) نص المرأة من موقع الهجوم, متوقعا مسبقا أن هذه المرأة التي كتبت قد أخذت حقا ليس لها بممارستها الكتابة وبالتالي من وراء هذه الخلفية تتكون لديه مجموعة من التهم-التي يعرفها في سلوكه- ويجدها في النص فيقرأ كرافض لما كتب, لا كمرحب لإبداع المرأة, ولعل الأمثلة في أدبنا الجزائري كثيرة إذ تقول الكاتبة مريم يونس مثلا :<<كانت دروبي في هذه المدينة الجميلة جيجل كلها أشواك وعقبات, كانت عذابا واضطهادا خاصة عندما بدأت الكتابة فقد غصت في دوامة من القيل والقال ولكنني لم أستسلم, قاومت في هدوء ومازلت إلى أن انتصرت لوجودي بين الأديبات الجزائريات>>(11) ويبدو أن مقاومة مريم للمجتمع لم تستمر فقد غابت عن الساحة وتلاشى اسمها تماما إلا من ذاكرة من عايشوها وربما فعلت ذلك لإنقاذ سمعتها حين تحولت الكتابة إلى مصدر أذى يسيء للسمعة.
إن وضع المرأة الكاتبة في مجمله متشابه من شرقه إلى غربه, وهذا يعني أن المشكلة الأولى لدى الكاتبات هي أنوثتهن لا كعقبة جسدية ولكن كعقبة تعبير فقد بلغنا مستوى ثقافيا لابأس به سمح للمرأة عموما بإدراك لغة جسدها: طبيعة الجسد, متطلباته, تغيراته….إلخ. لكنها لم تستطع إيجاد جسد كتابي يترجم كل ما أدركته بعقلها وحواسها كامرأة ولعل المتتبع للمادة الإعلامية الأدبية يلاحظ أن الكتابات النسائية كثيرة ولكنها تتسم بعدد من الصفات التي تقلل من وزنها:
1- كتابة الخاطرة:
تعتبر هذه الميزة أول علامة من علامات اللانضج, فالكتابة غير المنظمة في إطار محدد تعكس تلك الخطوات غير المتزنة أو الأولية للكاتبات الشابات نحو نوع لم يهتدين إليه بعد, بل إننا نجد نصوصا تمنح لها صفة الشعر أو القصة وهي أبعد من ذلك. والملاحظ أيضا أن أغلب هذه الخواطر تنتهي بصاحباتها إلى الصمت فالاختفاء الكامل عن الساحة وكأن الحافز للكتابة حافز مؤقت. أما النصوص التي تظل في تدفق وتنبئ عن أقلام طموحة فقد تصاب بغياب فجائي سببه: الزواج مثلا الذي يشبه مفعوله بالنسبة للكاتبة الجزائرية مفعول الموت بنسبة كبيرة والذي لم تنج منه إلا حالات نادرة من النساء الكاتبات.
2-الخلو من المحتوى الفكري:
ينحصر النص النسائي في مناجاة العاطفة أو سرد الحدث على نسق الأحاديث النسائية العادية والإغراق في الوصف والإكثار من الحوار ولا نفهم هل صعب على المرأة الكاتبة ان تزاوج بين الفكرة والفن لتعطي متانة لنصها كأن نجد متابعة وضع سياسي معين أو تحليلا منطقيا لواقع إجتماعي ثقافي, أو إبراز فكرة علمية في قالب أدبي أو غيرها.
3-الكتابة من موقع ضعف:
يمكن أن نجد كاتبة قد تفوقت وتجاوزت النقطتين السابقتين لكن موقع الكتابة فيها ينطلق من نفس أنثوية جريحة ومطحونة, ضائعة ومخدوعة ومهزومة ومنكسرة تحت سنديان الرجل مما يجعلنا نشعر أن النتاج الأدبي النسوي حقنة لإحداث مزيد من الإحباط لدى المرأة وربما من خلال احتكاكي بكاتبات عربيات وأصناف من البشر من الوطن العربي اكتشفت شيئا مهما غاب عن الكاتبة الجزائرية على الخصوص لتأثرها بمثيلاتها من المشرق- أقصد دائما الكاتبات باللغة العربية- وهي أن تركيبة المرأة الجزائرية مختلفة في عدة جوانب عن المرأة العربية ومن أهم هذه الجوانب أن المرأة الجزائرية تضحي بالكثير من أجل بيتها وتهب نفسها كلية لزوجها وعلى حساب رغباتها وطموحاتها ومن هنا نرى الاختلاف واضحا بينها وبين المرأة في الخليج مثلا أو في مصر أو لبنان حيث المرأة في كل رقعة من هذه الرقع تعطي لنفسها وقتا تخصصه لنفسها ولهذا نجد النهضة النسوية تبدأ من المشرق وكل تغيير في الواقع النسائي بدأ من هناك أيضا. تقول هدى بركات مثلا: <<أكتب كذلك للبيت لذلك الذي ولدت فيه ومنذ عرفت أنني سأغادره يوما لأن البنت كائن لا يقيم, كائن يسير ولا مكان له, ومنذ عرفت بأنني سأغادر اسمي أيضا حين سأغادر ذلك البيت, أكتب ربما لأملأ ذلك البيت مني كأني أعود إليه, ولأملأ فراغ اسمي الذي عليه أن يكون طيعا كالإناء فيتخذ شكل الإلحاق المناسب>>(12)
إن فكرة الاسم واستمراريته تنبهت لها المرأة المشرقية بحكم تلك التقاليد التي تحكم على المرأة أن تنتسب لزوجها والتخلي عن اسم والدها بمجرد الزواج, ثم الانصهار في لقب أم فلان بعد الإنجاب, من هنا سلبت المرأة المشرقية حقا دون أن تعي تماما أنه سلب منها أما المرأة الجزائرية فبالرغم من أنها لم تسلب اسمها إلا أنها سلبت ما هو أكثر فقد كانت مشاركتها في الثورة التحريرية فعالة جدا ولكن بعد الاستقلال أهمل دورها ذاك وه مشت تماما وهذا التهميش مقصود من الرجل للاستحواذ على المراكز القيادية وما شابه ذلك من امتيازات نالها المجاهدون.
و هذا التهميش تبعته نتائج الاستعمار الطويل التي تمثلت في انتشار الأمية بين الجنسين وخاصة بين النساء , أما الأقلية المتعلمة فكانت مفرنسة ولهذا جاء النص الأدبي الفرنسي في الجزائر سباقا.
4-قصر النص المبدع:
لا نجد روائيات في الجزائر بعدد الروائيات المتوفرات في بلد عربي آخر وهذا يعني أن الكاتبة الجزائرية لم تتقن كتابة النص الطويل لأسباب قد تبدو غير منطقية ولكنها حقيقية وتتعلل بها أغلب الكاتبات أولها عدم توفر الوقت الكافي للكتابة والبعد عن الوسط الثقافي وعدم توفر المنشورات الأدبية في الأسواق الجزائرية لفترة طويلة اللهم مؤخرا لكن يبقى ان سعر الكتاب ليس في متناول الجميع.
و ربما يحق لنا أن نستثني زهور ونيسي وأحلام مستغانمي من فئة الكاتبات الكادحات فالأولى حققت مركزا اجتماعيا مهما وحصلت على امتيازات كثيرة والثانية تزوجت من مثقف لبناني وعاشت في فرنسا حيث الحرية والانطلاق أما باقي الكاتبات فهن ربات بيت من الدرجة الأولى حتى وإن كن يمارسن وظيفة وهذا عبء إضافي يعوقهن عن الإبداع بل إن الوظيفة في هذه الحالة تصبح سببا لطرح تساؤل كبير :<<هل هي وسيلة لتحقيق الكيان أم لهدمه?>> وغير ذلك فالكاتبة الجزائرية عموما تجد نفسها معزولة داخل وسط النساء متوسطات الثقافة أو الأميات حيث الموضوعات المطروحة للحديث لا تتعدى موضوعات الطبخ والكنس والغسيل والفساتين والمسلسل العربي…. إلخ.
وتظل الأسباب التي تعمل على تعطيل عجلة الإبداع الأنثوية في الجزائر كثيرة ويدركها المبدعون جميعهم كما يدركون أن المرأة لم تنصف في الجزائر سواء كمبدعة أو كإنسان وهذا موضوع لا يحق لي الخوض فيه الآن, لكن أيضا علي أن أسجل اعترافا بالجميل للكتاب والشعراء باللغة العربية منذ العشرينيات إلى مطلع الاستقلال فقد كانوا سببا في توجيه التجربة الابداعية النسائية باللغة العربية نحو مسار أنضج حتى أنها في بدايتها اختلفت -عكس ما يتوقع كثيرون-عن تلك التي كانت باللغة الفرنسية.
في تاريخ مبكر (1925-1930) <<الكتاب والشعراء باللغة العربية كانوا أكثر تحمسا لمصير المرأة وقد بلغ اهتمامهم الأول حد المطالبة برفع الحجاب عن المرأة مثل صالح خبشاش سنة 1925 وفي عام 1930 نادى رمضان حمود أن تكون المرأة شريكة للرجل في ثورة الحياة أما رضا حوحو فقد نادى باحترام المرأة الجزائرية بقدر أكثر في نفس الوقت الذي لم يكن فيه الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية يهتم بقضايا ومشكلات المرأة إذ استغلها لهدف غريب ودخيل>>(13) ومن هنا يتضح أن الكاتبة باللغة الفرنسية كتبت للتعبير عن مشاكلها كما كتبت للرد عما كتب عنها سلبا أما الكاتبة باللغة العربية فقد كتبت واقعها دون تزييف من خلال التشجيع الذي وجدته لكن للأسف ذلك التشجيع لم يستمر بعد الاستقلال من طرف فئة جديدة من الكتاب الذين انشغلوا بتشجيع ثورة بناء الوطن وتبني بعض التيارات الفكرية الجديدة التي هبت على الوطن.
في هذا الموضوع بالذات ينتابني الألم كدارسة حين أصادف الغش النسوي يمتد إلى الأدب وإلغاء النساء لبعضهن بعضا رغم محاولات الإقصاء التي يتعرضن لها من طرف بعض الأقلام الرجالية…. ففي أكثر من لقاء صحفي أجري مع الكاتبة أحلام مستغانمي التي نالت من الشهرة مالم ينله إلا قلة من الأدباء تقول: <<كان إصداري الأول (على مرفأ الأيام) ديوان شعر في الجزائر وللمصادفة التاريخية كان أول ديوان باللغة العربية في الجزائر, تماما مثل روايتي (ذاكرة الجسد) فللمصادفة أيضا كنت أول روائية عربية في الجزائر>>(14) والواضح ان مستغانمي قدمت هذه المغالطة للإعلام العربي في المشرق دون أن تفكر في الإساءة التاريخية والمعنوية التي ألحقتها بالأدب الجزائري النسوي -إن صح التعبير- وبكاتبات سبقنها في النتاج والمحاولة وعلي هنا أن أشير فقط أن مجموعتها الشعرية ألأولى (على مرفأ الأيام) صدرت عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع في الجزائر(15) أما أول ديوان صدر باللغة العربية لشاعرة جزائرية فهو ديوان (براعم) للشاعرة مبروكة بوساحة المعروفة كصوت إذاعي بإسم نوال عن الشركة نفسها سنة 1969 , وإن كان الفارق الزمني بين الديوانين خفيفا نسبيا فإنه لا يستهان به بين أول رواية نسائية منشورة وهي للكاتبة زهور ونيسي (من يوميات مدرسة حرة) الصادرة عام 1979 ورواية مستغانمي التي صدرت في 1993, علما أن الكاتبة الراحلة زليخا السعودي كانت قد سبقت الجميع في كتابة الشعر والقصة والرواية في منتصف الستينيات لكن الموت غيبها باكرا وهي في الثلاثينيات من عمرها قبل أن ينشر لها أي عمل.
إننا واثقون أن مستغانمي قدمت نموذجا روائيا ناضجا ولكنها لم تحترم السلم الزمني للتجربة الإبداعية النسائية في الجزائر. علما أنه خلال الفترة الفاصلة بين رواية ونيسي ورواية مستغانمي سجلت محاولات للكتابة الروائية منها نص طويل للكاتبة جميلة زنير ونصوص أخرى للكاتبة زليخة خربوش بن اسماعيل.
من الواضح أن ولادة كاتبات للرواية العربية في الجزائر ارتبطت ارتباطا وثيقا بالوضع الثقافي في البلد إذ لم تظهر أول رواية نسائية باللغة العربية إلى الوجود إلا بعد الاستقلال بأكثر من عشر سنوات وهذا يعني أن هناك تحولا ما حدث في وضع المرأة من خلال اكتسابها لعناصر وعي جعلتها تدرك قيمة التحرر والمساواة وكسر تبعيتها لسلطة الرجل وتعرضها لنمط جديد من الحياة بعد الإستقلال حظيت فيه الفتاة بالتعليم وإمكانات العمل. وهذا التعليل لا يعني أن المرأة ذهبت مباشرة إلى الرواية كتعبير ذاتي فني لجأت إليه لتدعيم مطالبها في المجتمع. لقد برزت شاعرات مثل زينب الأعوج وربيعة جلطي في السبعينيات وقاصات مثل جميلة زنير ثم كوكبة من الشاعرات والقاصات في الثمانينيات ولكن لم تكن ظروف النشر متوفرة لبقائهن مع الظروف التي سبق التطرق إليها إلى أن نصل إلى فترة أواخر التسعينيات التي شهدت ولادة عدد لا بأس به من الكاتبات في شتى الألوان الأدبية فبرزت نصيرة محمدي التي ظلت تقاوم من أواخر الثمانينيات حتى لحقت بفترة تسهيلات النشر فنشرت أكثر من مجموعة في منتهى الجمال, مثلها مثل حبيبة محمدي التي بحثت عن فرصة نشر خارج الجزائر, ومثل فاطمة شعلال , ومثل شاعرات أخريات وقاصات وروائيات أهمهن ياسمينة صالح وزهرة ديك وشهرزاد زاغر وفضيلة الفاروق.
و كل ما يمكن استنتاجه في آخر هذه اللمحة المختصرة عن التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر هو أنها تجربة ذات مخاض عسير لكنها أنجبت في النهاية أقلاما تفخر بها الجزائر من حيث النماذج المنتجة وهي نماذج ناضجة وغنية وتستحق وقفة طويلة للحديث عنها.
الهوامش:
(1)باحثات,الكتاب الأول 1994-1995, كتاب متخصص يصدر عن تجمع الباحثات اللبنانيات, ص 224
(2 litterature20eme siecle textes et documents,bernard
lecherbomier ,dominic rincé, pierre Brunel,christiane Moatti,in
troductio historique de pierre Miquel,edition nathan,juin1992,p721
(3) الشروق الثقافي (أسبوعية جزائرية)العدد35 الخميس 12 شوال 1414 الموافق لـ24 مارس 1994.
(4) المرجع نفسه.
(5)زينب الأعوج, السمات الواقعية للتجربة الشعرية في الجزائر,دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع, الطبعة الأولى 1985, ص50.
(6)نفسه ص 51.
(7)نفسه.
(8) نفسه ص 54.
(9) النهار (يومية لبنانية) السبت 3 كانون الثاني (جانفي) 1998,ص20.
(10) عفيف فراج,الحرية في أدب المرأة,دار الفارابي, بيروت 1975, ص14.
(11) عبد الله محمد الغذامي : الوجه الآخر للثقافة (مقال) جريدة الحياة (يومية عربية تصدر من لندن) الإثنين 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1996 الموافق 9 جمادى الأخيرة 1417, العدد 12292.
(12)أحمد دوغان :الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر,الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, رغاية, الجزائر,1982, ص9.
(13 Ahlem mostaghanemi el rassi,Lafemme dans la litterature
algerienne contomporaine tome 2(these pour le doctorat de 3eme
cycle) ecole des hauts etudes en sciences sociales ,1980,p541
(14) نفسه,ص 224-225
(15) أحمد دوغان, الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر, ص121.
* هذا جزء من رسالة ماجستير بعنوان : بنية النص الروائي عند الكاتبة الجزائرية (جامعة منتوري قسنطينة كلية الآداب واللغات).