مروى بن عبدالجليل
يروم هذا البحث انطلاقا من تسليط الرؤية على التأويل الديني أزمنة الكوارث، وتحديدا زمن انتشار الأوبئة والأمراض بناء مقاربة جديدة لفهم المرض من زاوية التأويل الديني حسب ممارسات الإنسان ككائن ثقافي.
وتسعى هذه الدراسة إلى تحليل المرض كظاهرة ثقافية اجتماعية وكتصور داخل ذهن المريض، ويستوحي المرض تأويلاته انطلاقا من سياقات ثقافية ومرجعيات وتصورات ذهنية مختلفة، وتختلف وتتعدد هذه الثقافات باختلاف المعتقدات المنتجة لها، وانطلاقا من هذا التعدد والتنوع الثقافي، تبرز رؤى وزوايا نظر مختلفة في تحديد مفهومية المرض ودلالته، فنجد تصورات مختلفة حاولت تحديد ماهية الأمراض والأوبئة ومضمونيتها وأسبابها، فمنهم من اعتبرها عقابا ومنهم من اعتبرها ابتلاء أو نقمة (على غرار وباء كورونا المستجد الذي ظهر في السنوات الأخيرة، فقد اعتلى الفقهاء المنابر واعتبروا المصاب بالوباء في حالة ابتلاء وكل من مات به كان في مرتبة الشهداء). وتتعدد التفاسير والتأويلات بتعدد المرجعيات الثقافية. ولذلك، يسعى هذا البحث إلى النظر في تأويلية المرض بتحديد مفهومية هذه الظاهرة، فهو مجال دلالي تتنازع فيه الثقافات والمرجعيات المختلفة، كما ترتبط دلالة المفهوم بمعانٍ مختلفة يغيب فيها الاتفاق.
فالغوص في ثنايا البحث في تأويلية الأمراض والأوبئة منفتح على مجموعة من المفاهيم الرمزية والتصورات الذهنية، وتسعى هذه الدراسة إلى الخروج من حصر ظاهرة المرض وسجنها في التصور القائم على تأويل أحادي وتفسير واحد إلى الانفتاح والتوسع على مجال مشبع بالمعاني والرموز والتأويلات المتعددة، وهذه التفاسير والتأويلات يقدمها مجموعة من الأفراد تحمل في ذاتها تصورات ثقافية متعددة ومختلفة.
لا بد من الإشارة إلى أن لكل ثقافة قوالبها التفسيرية وتصوراتها الخاصة بها، وتتميز كل ثقافة في تحديد إدراكات الأمراض والأوبئة وتأويلها وفي تحديد ردود الأفعال تجاهها أيضا. وستظل الثقافة محور اهتمام الدراسات الأنثروبولوجية لما لها من أهمية كبرى في حياة الإنسان ولما تمتلكه من تأثير في مختلف قراراته وأساليب عيشه ونمط تفكيره في هذا الكون، فالإنسان في أصله ليس ذلك الكائن البيولوجي أو الفيزيقي، وإنما هو ذلك الكائن الثقافي. يرجع إلى استجابة الفرد للمرض بطرق مختلفة تتنوع بتنوع البيئة التي توضح بعض القيم الثقافية والاجتماعية والتصورات العقدية لذلك المجتمع. فالأمراض والأوبئة في حاجة إلى تحليل ما يترتب عن ظهورها من تأويلات فردية وجماعية في تفسير ظهورها وانتشارها وتحديد وسائل العلاج والوقاية منها. وقد يكون الجانب العقدي حاضرا وبشدة فترة ظهور الأوبئة والأمراض، فضلا عن تفسير سبب بروز هذه الأزمة من منطلق المرجعيات الدينية أساسها النص المقدس.
منذ القدم، تكونت صلة متينة ربطت الدين بالسلامة الجسدية أو بالأحرى بالصحة والمرض، فلازم الطب المعابد. كما أن المرض يُفسرُ تفسيرا دينيا، إلا أنه ومع تطور العلوم الطبية أصبحت الأمراض والأوبئة تُعالجُ في انفصال عن المريض وعما ورثه من تصورات ومرجعيات ثقافية ويعالج أيضا منفصلا عن المعتقدات التي يُنتجها مجتمع المريض عن مرضه. فحسب النصوص والأخبار1 تبين أن مفهوم الصحة والمرض مرتبطان بجملة من التصورات والتأويلات الثقافية الخاصة بالمجتمع الذي يعاني من الأزمة، فقد تختلف ردود الأفعال حول مرض معين باختلاف المجتمعات والثقافات.
لذلك وُجهت هذه الدراسة صوب مجتمع متعدد الثقافات وهو المجتمع الأندلسي، ومن بين الأمراض والأوبئة التي واجهته سيتم دراسة ظاهرة الطاعون الأسود أو كما اشتهر باسم الموت الأسود.
وسبب اختيار الأندلس يعود إلى سببين رئيسين:
الأول، أن الدراسات المخصصة لاستقراء الوضع الصحي لبلاد الأندلس لا يزال بكرا، ومعظم الأبحاث انصبت حول الاهتمام بالواقع السياسي والعسكري وحتى الحضاري بجوانبه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والفنية، في حين أن البحث في إشكالية الأوبئة والأمراض بالأندلس ينطلق من استنطاق كتب التراجم والمناقب والرحلات لمعرفة كل الخبايا واستكمال كل ما هو ناقص، إضافة إلى الإحاطة بالمصادر المخطوطة والمطبوعة المعاصرة للوباء، وانطلاقا من هذه الملاحظات يتم النظر في جوانب عديدة من خبايا الواقع الصحي والفكري للبلاد خلال القرن الثامن هجري.
الثاني، أنه مجتمع متعدد الثقافات والمعتقدات الدينية في حد ذاته، فهو مجتمع منفتح على الرموز وتعدد التفسيرات والتأويلات لهذه الظاهرة، خاصة وأن وباء الطاعون قد ظهر في الأندلس مرات عدة وظهر في أنحاء العالم، ولكن ما الذي ميز الطاعون الأسود عما سبقه من طواعين في الأندلس؟ هذا من جهة أولى.
من جهة ثانية، شهدت فترة ظهور الوباء أو بالأحرى الموت الأسود كما فضل المؤرخون تسميته، بروز دراسات طبية هامة، على غرار رسالة ابن الخطيب: “مقنعة السائل عن المرض الهائل”2، ورسالة الشقوري: “النصيحة”3 ورسالة ابن خاتمة: “تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد”4، وتميزت هذه الرسائل بقيمتها العلمية والطبية في استقراء أسباب ظهور الوباء وتحديد كيفية انتشاره انطلاقا من تفسير علمي.
من جهة ثالثة، برزت خلال هذه الفترة رؤية دينية حاولت تأويل سبب ظهور هذه الظاهرة انطلاقا من مرجعيتها وتصوراتها الذاتية، فانبثقت رؤيتان مختلفتان:
الأولى، انطلقت من الملاحظة والاستقراء.
الثانية، انطلقت من الموروث الديني.
منهجية الدراسة:
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الأنثروبولوجي للصحة والمرض لما له من أهمية في فهم المقومات والعوامل الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالصحة والمرض في مجتمع ما، لأنه انطلاقا من هذا المنظور يُنظر إلى المرض كظاهرة، فالمجتمع هو من يقوم بتحديد من هو المريض ومن هو السليم: “عندما يُعرف المرض على أنه انحراف بيولوجي غير طبيعي في وظائف الجسم، من هو الذي يقرر ما هو الانحراف الطبيعي وما هو الانحراف غير الطبيعي”5.
ليس المرض حدثا بيولوجيا يصيب الجسد بقدر ما هو حدث ثقافي له علاقة متينة بالعوامل الخارجية عن جسد الإنسان مرتبطة بالتصورات الاجتماعية والثقافية والطبيعية والبيئية المميزة لمحضن ما.
الإشكالية:
يكون سبب انتشار الأمراض نتيجة عدة أسباب منها ما يتعلق بنوعية الحياة وأسلوبها ومنها ما هو شديد الصلة بالثقافة السائدة ضمن المجتمع، ونعني بذلك دراسة الثقافات باعتبارها وحدات عضوية وأنظمة متكاملة تعبر عن ذاتها من خلال المعتقدات واللغة والتصورات والعادات والتقاليد والقيم والرموز والفنون. كيف تتجلى صورة المرض أو الوباء في التصور الثقافي؟ ما مدى انتشار الأوبئة والأمراض في سلوك الأفراد والجماعات؟ كيف أوَّل المجتمع الأندلسي بمرجعياته الثقافية المتعددة ظاهرة الطاعون الأسود؟ كيف تقبل أفراد المجتمع الأندلسي هذه التفسيرات والتأويلات للوباء؟ ما مدى تأثير الجانب الطبي العلمي في هذه المسألة؟ كيف تقبل المجتمع الأندلسي التصور العلمي لتأويل الطاعون الأسود؟ كيف تعامل الفقهاء أزمنة الكوارث والأزمات؟ وكيف تم تأويل النصوص الدينية؟ وما هي الرهانات التي ارتكز عليها التأويل الديني فترة انتشار الطاعون الأسود بالأندلس؟
1 – التأويل الديني للأمراض والأوبئة:
المرض هو حالة خروج الجسم عن مزاجه الطبيعي المستقر، فهو خلل واضطراب فيزيولوجي يحدث في الجسد. وعرّف “ابن أعرابي” المرض أنه “النقصان”6.
ويوجد شُح ضمن المصادر الأندلسية والمغربية أيضا، لاهتمام علماء المغرب بالشأن الأندلسي وذلك للقرب الجغرافي والتلاقح الثقافي بين البيئتين، في ذكر الأمراض والأوبئة المنتشرة فترة الحكم الإسلامي، ويكتفي المؤرخون بذكر إشارات طفيفة عن تفشي بعض الأمراض والأوبئة أو قد يُذكر المرض أو الوباء مرتبطا بوفاة أحد الأعلام به.ولعل هذا التكتم عن ذكر الأمراض والأوبئة يرجع إلى التصورات الثقافية والعقدية7 للأمراض. ذلك وأنه عبارة عن عذاب تسلطه الآلهة على الإنسان لانحراف في سلوكه. ولقد أسهم “ابن عذاري” نسبيا في وصف بعض مظاهر ظهور طاعون 571هـ/ 1176م وطاعون آخر برز سنة 634هـ/ 1237م، لكنه انتهى فيهما إلى الإشارة إلى أن كل الفارين من الوباء قد ماتوا في الطريق8. ولعل في نقله هذا الخبر اعتقاد منه أن لا جدوى من الفرار من الطاعون أو من أي وباء. وانطلاقا من هذا المفهوم، تتجلى صورة المرض كشكل من أشكال المعاناة والألم، ولهذا السبب اعتبره رجال الدين في مختلف الديانات ابتلاء وأن على الإنسان المصاب الرضى بقضاء الله وقدره والصبر على ذلك. فهل المرض يفسره الأطباء أم رجال الدين؟ وما غاية الفقيه في تأويل أمر دنيوي مرتبط بحياة الإنسان؟
2 – التمثلات الدينية
للأمراض والأوبئة:
يعتبر رجال الدين المرض أو الوباء عقابا إلهيا منذ القدم، ورغم تعدد الحضارات التي سادت الأرض فإن مفهوم المرض متشابه عند جميع المعتقدات رغم اختلافها، فهو عقاب تفرضه الآلهة على منتهك الحرمة الأخلاقية، أو مرتكب المحرمات، وفي هذا السياق ذهب Degrave إلى أنه “يسود اعتقاد لدى العديد من الشعوب أن المرض يُعتبر عقابا من الإله للفرد على انتهاكه القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع وارتكابه لبعض المحرمات وذنوبه المتكررة وإهماله أداء أحد الطقوس الدينية والأخلاقية جزاؤه عقوبات رادعة تتمثل في الإصابة بالأمراض المختلفة الفتاكة9. إن حضور التأويل الديني في تفسير مسألة دنيوية لها صلة بصحة الإنسان وسلامته الجسدية كان سببه ركود الخطاب الديني السائد في تلك الفترة وعجزه أمام التحولات والتطورات السريعة التي يعيشها المجتمع آنذاك على جميع الأصعدة: سياسيا واقتصاديا وثقافيا وطبيا. في المقابل، ظل النص المقدس مرتبطا بزمن ولى ومضى. ورغم ذلك يسعى رجال الدين إلى إعادة إحياء هذه النصوص وربطها بأحداث راهنة معتقدين أن هذه النصوص وحي من الله وهي صالحة لكل مكان وزمان بحسب حاجة الجسم الاجتماعي. وبذلك لا ينفصل الإنسان عن الجانب الروحاني الذي يربطه بالله. وحسب معظم التأويلات الدينية، ترجع أسباب المرض إلى ما اقترفه الإنسان من ذنوب وخطايا كالإقدام على فعل محرم أو اقتراف بعض الذنوب كالخيانة وغيرها من الأفعال، وهذا ما يُعدُّ ابتعادا عن القيم المثالية مما يستوجب حدوث عقوبة لكل من اقترف هذه الذنوب، وتتمثل هذه العقوبة حسب التصور الديني في حدوث الأمراض والأوبئة. وانطلاقا من هذا التأويل، أصبح المرض عقابا عن تلك الانحرافات ويحمل مدلولا دينيا إيجابيا حيث يتحول إلى محرر من تلك الذنوب، فالإصابة بالداء تطهير من الخطايا. فكل ارتكاب للذنوب ينتج عنه إصابة بالمرض، ولعلاج المرض يلتزم المريض بالقيام بالشعائر الدينية للتكفير عن ذنوبه وفي حديث ورد: “داوُوا مَرْضاكم بالصَدَقةِ”10، ويلتجئ العديد إلى زيارة الأضرحة وإقامة الاحتفالات والولائم بها، ويعتقد العديد في كرامة الأولياء وقدرتهم في الشفاء بالقيام بحركات كالتمسح والبصق وغيرها من الحركات التي لا يقبلها العقل وليس لها صلة بالعلاج، كما يقوم العديد من المرضى بالتصدق والدعاء في المساجد والكنائس ودور العبادة كل حسب معتقده، خاصة ونحن أمام بيئة فسيفسائية من الثقافات ألا وهي بلاد الأندلس، بغية الدعاء وطلب الشفاء. وما يمكن استقراؤه من خلال هذا التصور أن المؤمن باختلاف معتقده لا يكتفي بالتعاليم الدينية المجردة، بل يلجأ إلى البديل ويبتكر لنفسه إيمانا مجسدا ملموسا، فاعتقدوا في قدرة الأولياء على شفاء المرضى، فهذا التصور كان شائعا ويعتقد الكثيرون في صحة وجوده11. وبالتالي، نخلص إلى أن علاقة الفرد بالدين باعتباره شأنا جمعيا، تخضع لعدة عوامل، فالتنشئة الاجتماعية التي يكتسبها الفرد داخل الوسط الاجتماعي تحدد بشكل كبير درجة تدينه، ونجد عوامل أخرى هامة على غرار الجنس والسن والمستوى التعليمي والمستوى الاجتماعي، لكن التجربة الروحية للفرد تتأثر بالأحداث الأليمة أو السارة التي تمر بحياته، ويعد المرض أحد هذه التجارب التي يمر بها الفرد، وباعتبار المرض تجربة أليمة قد تكون نهايتها الموت، يندفع الإنسان نحو تجربة روحانية في حال عجز الطب العلمي لعل يد الله تنقذه من موت محقق، لأن الفرد في تلك التجربة بحاجة ماسة إلى معجزة تخلصه من حقيقة حدوث الموت.
يعتبر من يقوم بهذه الطقوس أنها تتوافق مع معتقداته الدينية، وفي هذا الشأن ذكر صالح المازقي في مدخل إلى علم اجتماع الصحة أن الإسلام لم يبتعد عن التفسيرات الغيبية لظاهرتي الصحة والمرض، إذ ألحقتهما بالغيب وبالآلهة بعد أن وحدها في إله واحد ثم أضاف أن المسلمين: “نبغوا في الطب ووضعوا تصورات اجتماعية للصحة والمرض هي أقرب ما تكون للتفسيرات العلمية منها للتفسيرات الغيبية وأن الإسلام يرى في المرض ظاهرة طبيعية تُصيب عُضوا أو مجموعة من أعضاء الجسم ويخلص في قوله إلى أن المسلم لا يعتبر تعرضه للمرض أو الإعاقة من غضب الله عليه بل ابتلاء”. ولعل هذا التصور في ربط المرض بالابتلاء هو إيمان من الذات البشرية بصدق إيمانها الروحي، كأن يعتبر المؤمن الحق المرض ابتلاء12 وليس عقابا بل هو اعتقاد راسخ في ذاته بأن الله يعاقب كل منحرف عن أداء الطقوس الدينية ولكنه يبتلي الشخص الذي يحبه، جاء في حديث: ” إذا أحبَ اللهُ عبدًا ألصَق به البلاءَ”13. إذن نخلص أن تأويل المرض يختلف باختلاف التصور الديني للمصاب، فالمتخلي عن أداء الشعائر الدينية والمنقطع عن أداء واجباته الدينية إذا أصيب بداء يعتبر معاقبا، أما الإنسان الملتزم فعندما يُصاب بالمرض يُعد ذلك ابتلاء وما على المؤمن إلا الصبر على ما ابتلي به، وفي ذلك ثواب في الدنيا والآخرة. فهذا التصور هو المتحكم في صياغة صورة سيئة أو حسنة للمريض.
لا يخفى أن للكنائس دورا هاما أيضا في الجانب الصحي للمسيحيين، فتصدر تعليماتها الدينية للاهتمام بالمرضى ورعايتهم في الأديرة والمستشفيات، وبهذا اصطبغت العناية الصحية بالصبغة الدينية في جل أنحاء أوروبا، والأندلس جزء من المجتمع الأوروبي وهي ملتقى الحضارات والثقافات والمعتقدات، فإلى جانب الرعاية الصحية المسيحية ظهرت البيمارستانات14 في الأندلس وانتشرت في أنحاء البلاد الأندلسية، وارتبطت الرعاية الصحية بالحضور الديني باعتبار أن الله تعالى هو الشافي وهو خالق الشفاء. ورغم عجز رجال الدين عن خلق العلاج أو تخفيف الألم ظل الدين حاضرا بقوة في الحياة الصحية وإن على المستوى الفردي خصوصا مع ظهور بعض الأمراض التي أعادت إلى الأذهان عجز الطب. ويوجد مثال يعبر فيه ابن زهر عن عجزه أمام شفاء مصاب بالطاعون: “إنه قد يكون وباء من غير سبب معلوم عندنا وذلك من غضب الله…وهذا إذا وقع ليس فيه للطبيب مجال”15. ويقف الطبيب هنا عاجزا عن خلق العلاج، فيظهر الجانب الديني فيه، وبدل الاستسلام إلى أبحاثه الطبية بحثا عن علاج يستسلم إلى التأويلات الدينية المترسخة في مرجعيته الثقافية. فما الطبيب إلا إنسان تتحكم فيه المرجعيات الثقافية الموروثة، وقد تشكل هذه التصورات عائقا أمامه لتجاوز عراقيل مهنية تصادفه في أبحاثه الطبية، فيعجز حينئذ على تطوير ذاته وتقوده تمثلات ورثها عن السلف بأن الله هو خالق الداء والدواء، وقد يكون الخوف وراء انسياقه لفكرة الاستسلام لقضاء الله، إذ يشكل المرض أو الوباء الحلقة الفاصلة بين الإنسان والحياة، فإما أن ينجو فتستمر حلقة الحياة وطقوسُها بشكلها الطبيعي أو قد يُعطل المرضُ أو الوباء بعضا من وظائف أعضاء البدن العادية ولكنها تمنعه عن مواصلة الحياة، وإما يهلك وينتهي وجوده فيها. وبالتالي، نرجح أن خوف الطبيب من خلق الشفاء ودفع الذات البشرية إلى الاستمرار نحو ممارسة طقوس الحياة يدفعه إلى الاستسلام إلى قضاء الله وقدره ودعوة المبتلى، بالمرض، إلى التوبة.
3 – التمثلات الاجتماعية
للأمراض والأوبئة:
دلت الدراسات الفولكلورية على وجود السحر في جميع المجتمعات دون استثناء، ويتم استعماله لعدة أغراض من بينها إحداث المرض16. ويُستخدم للسحر عدة وسائل من بينها التعويذات التي هي عبارة عن كلمات غير مفهومة يقولها الساحر أو يكتبها بطريقة معينة لشخص محدد يأمرهُ بأن يضعها في مكان سواء في ثيابه أو جسمه من أجل قهر أو إبطال أفعال عدو أو إحداث أمراض. وقد يكون السحر وسيلة من وسائل الاستشفاء أيضا.
قد يكون الجن أو الأرواح الخفية مسببا للأمراض، وهذا ما ينتشر في تفسير الأندلسيين لنشأة داء الطاعون الأسود. والجن من الكائنات الخفية غير المرئية وغير المحسوسة: “كل شيء لا يُرى ولا يُلمس”، وحسب المعتقدات الشعبية فإن الجن بشكل عام “مؤذية شريرة تجلب النحس والمرض والفشل وتنشر الرعب فيسود أن الشخص قد يُصابُ بمس من الجان، وقد يصل الأمر إلى مكوث الجن في جسم الشخص وتقمصه والسيطرة عليه وإصابته بالأمراض17.
اهتم عدد من الأنثروبولوجيين منهم “راد كليف براون” بالدلالات الاجتماعية والثقافية للمرض وذلك بالتركيز على الخلفية الاجتماعية له، فهذا الأخير يتجذر في المجتمع دلالة وتعاملا وأسبابا فهو من هذه الزاوية ظاهرة من صنع المجتمع وسيظل دائما متأثرا بالواقع الاجتماعي18.وترى “باونز” Eleanor Bauens أنه في كثير من المجتمعات والثقافات الإنسانية تربط فكرة المرض ببعض المفاهيم والخصوصيات الثقافية كالدين والقيم والمعايير والعادات الاجتماعية والثقافية السائدة في هذه المجتمعات وتفسير ذلك بكون الثقافة المحلية تعتبر مسؤولة عن ظهور هذه الرؤى الثقافية للمرض ولأسبابه ولأساليب العلاج. أما فوستر19 George Foster فقد أكد أن الثقافة المحلية السائدة هي التي تقوم بصياغة وتحديد تقييم الأفراد لحالتهم الصحية والمرضية، وتختلف هذه الأحكام والتصورات باختلاف الخلفية الثقافية والاجتماعية والعرقية للأفراد20.
المسار الاجتماعي للمرض وتفسير أسباب ظهوره يتأثران بشكل كبير بالمضمون الثقافي للمجتمع ويعبر تمثل المجتمع للمرض من خلال المرجعيات الثقافية للمجتمع. والمجتمع الأندلسي في حد ذاته متعدد في ثقافاته، مختلف في أصوله العرقية، فهو مجتمع تلتقي فيه الديانات الكتابية الثلاث، ولا تختلف التصورات الدينية لكل من المسيحيين والمسلمين واليهود في تفسيرهم أسباب حدوث الأزمات الصحية، فربطوا حدوثها بقوى خفية خارجة عن طاقة الإنسان، وقد يحتاج إلى من يملك قوى معادلة لهذه الطاقة للقضاء عليها. إذن، يعتبر السحر من التفسيرات الثقافية لأسباب المرض والعلاج منه، وقد يرجع ذلك إلى الإيمان بوجود قوى فوق طبيعية لها القدرة في السيطرة على حالة الفرد والتحكم في رغباته وتوجيهها لصالح أفراد آخرين.
4 – تجليات التأويل الديني زمن الطاعون الأسود بالأندلس:
وجد الوباء أرضية خصبة تتمثل في المجاعات المتكررة التي عرفها الغرب الإسلامي، والتي أضعفت مقاومة الأشخاص للمرض، ويُضاف إلى ذلك عامل الفتن والاضطرابات والحروب، لا بسبب ما تُخلفه من موتى، وإنما بسبب إضرارها بالمحاصيل وآثارها المخربة على المستوى العمراني21.
5 – التأويل الطبي
للطاعون الأسود:
ظهر الطاعون الأسود أو الموت العظيم أو الموت الأسود22 black death في ألمرية23 ثم انتشر في باقي أرجاء الأندلس سنة 750هـ/1348م أفضى إلى هلاك العديد من البشر، وهذا دفع العديد من الأطباء إلى فهم أعراضه كي يجدوا حدا لتفشيه وانتشاره، إذ يعتبر المرض أو الموت من الظواهر التي قد ترتبط بما يُشكل كُنه الإنسان ونعني بذلك سلامته الجسدية ومصيره، اعتمادا على ما ذُكر، القلق الذي ينبع من شدة الألم والمعاناة، والخوف من المصير المجهول يكونان مصدر تساؤل وبحث، نتيجة لذلك سعى الأطباء في الأندلس إلى فهم الوباء وتفسيره انطلاقا من وسائل علمية بحتة. ولعلنا نقف أمام أهم دراسة عدت لنا العلماء المتوفين من جراء هذا الوباء والتي قدمتها الأستاذة الإسبانية ماريا إيزابيل كاليرو سيكال24.
ويبدو أن المصادر الأندلسية والمغربية قد أطنبت في ذكر الوباء غرضا لا عرضا مشيرة إلى أسبابه المناخية والفلكية والبشرية وحتى السياسية مشيرة إلى آثاره ووسائل الوقاية منه، فألف “ابن الخطيب” سنة 750هـ رسالة في الطاعون تشتمل على خمسة أبواب، وهي مقنعة السائل عن المرض الهائل25، جمع فيها مادة تاريخية دقيقة. أما محمد علي اللخمي الشقوري فألف “تحقيق النبأ في أمر الوباء”26 وهو كتاب مفقود لم يصلنا منه غير ملخص منه عنوانه “النصيحة” عرض فيه بعض التدابير الوقائية من الطاعون وعلاجه. وأبو عبدالله محمد بن محمد بن جعفر ابن مشتمل الأسلمي البلياني من أهل ألمرية، وهو الآخر من عُلماء الأندلس، برع في النحو الأدب، ذكر ابن الخطيب أن له تأليفا في الوباء سماه “إصلاح النية في المسألة الطاعونية”27 إلا أننا لم نهتد إلى معرفة ما تضمنه الكتاب، وذكر ابن الخطيب في الإحاطة كتاب ابن صفوان المالقي (ت763هـ) له كتاب في الطاعون يبقى أحد أبرز ما كُتب في علم الوباء إلا أنه لم يخص بالذكر وباء منتصف القرن 8هـ، وتناول أبو عمرو محمد بن أبي بكر محمد بن منظور القيسي (ت888هـ) (وهو خطيب وإمام تولى القضاء بمدينتي مالقة وبسطة وقضاء الجماعة في غرناطة) أمر الوباء “وصية الناصح الأود في التحفظ من المرض الوافد إذا وفد” حيث تناول ثلاثة فصول النصوص والأحاديث المتعلقة بالوقاية ومسائل العدوى28. عموما ما يُمكن أن نخلص إليه أن هذه الدراسات وغيرها مما لم نذكره قد تباينت في ذكر أمر الوباء بين ما هو علمي محض وما هو مجرد نصائح وتذكير بالشرع الديني في مواجهة الأوبئة لا غير (النصيحة للشقوري، ابن مشتمل البلياني في وصية الناصح) لكن ما علاقة العلم بالدين والفقه بالطب؟
تُعد رسالة ابن الخطيب “مقنعة السائل” الأهم من بين ما ذكرنا من دراسات أندلسية في موضوع الطاعون، نظرا إلى المنهج العلمي الذي اعتمده في تفسير أسباب نشأة الوباء وتفشيه، إذ اعتمد الاستقراء والمشاهدة والتجربة لإثبات نظرية العدوى: “وقد ثبت وجود العدوى بالتجربة، والاستقراء والحس، والمشاهدة والأخبار المتواترة، وهذه مواد البرهان، وغير خفي عمن نظر في هذا الأمر أو أدرك هلاك من يباشر المريض بهذا المرض غالبا، وسلامة من لا يباشره كذلك.”29
اختزل ابن الخطيب أسباب دخول الوباء إلى ألمرية في سببين: الأول، تمتعت ألمرية بتضاريس هيأت محضنا قابلا لاستقبال المرض30. الثاني، ارتبط باقتصاد البلاد المتمركز في ألمرية، وموقعها الاستراتيجي المنفتح على البحر الأبيض المتوسط سمح لها بأن تحظى بهذه المكانة الاقتصادية منذ القدم. حذر الأطباء إذن، من خطورة انتقال العدوى من المريض إلى المعافى، فبينوا أن العدوى تحصل نتيجة تسرب الأعضاء الحيوية الصغرى إلى الجسم وشرعوا إلى ضرورة الحجر الصحي.
اعتبارا لما سبق نخلص إلى أن الطب الأندلسي عموما والذي تشبع من العلوم الطبية اليونانية31، انساق صوب تحليل عقلاني مستندا على التجربة والملاحظة والاستقراء، فاعتبروا أن أسباب الوباء فلكية بدرجة أولى، وتساهم الزلازل الأرضية وتلوث الهواء أو الماء أو الغذاء في تفشي الوباء بدرجة ثانية. وتميزت الدراسات الأندلسية، خاصة منها مقنعة ابن الخطيب، بتناول علمي دقيق للمسألة فضلا عن وجود جانب جدالي، وهذا الجانب الجدالي موجه إلى فقهاء المالكية المتعصبة، وحظي الفقه المالكي في الأندلس بمكانة هامة رغم وجود مذاهب أخرى على غرار الشافعية32 والظاهرية33. ولا شك أن خصوصية الإسلام في الأندلس الأجدر بالملاحظة تكمن في أحادية الشرعية والدينية المبكرة التي مثلها المذهب المالكي وعززتها السلطة السياسية الأموية34.وعليه فمهما اختلفت المذاهب وتعددت الآراء فالمنهج الفقهي المسيطر آنذاك هو المذهب المالكي وكل معارض لما سنه فقهاء المالكية هو خارج عن الجماعة وبالتالي ما سيدعو إليه الأطباء هو خارج عما نطق به الفقيه.
6 – التأويل الديني
للطاعون الأسود:
يتشكل الخطاب الديني في جملة من التصورات والرؤى التي سادت طويلا في مجال علاقة العلم بالدين، والفقه بالطب والمقدس بالمدنس، سواء منها التي اعتبرت أنه لا وجود لحقيقة خارج النص الديني ولا وجود لمعرفة خارج المعرفة الدينية ولا وجود لعلم ولا طب إلا الذي مارسه الأنبياء والرسل أو بالأحرى الطب النبوي. فالطب النبوي لا يمكن إنكاره البتة، ففي التصور الديني النصوص المنسوبة إلى النبي عبارة عن وحي فهو لا ينطق عن الهوى، وبالتالي لا فرق بين كلامه في الأمور الطبية وغيرها. يقول ابن تيمية: “فما أخبر به الرسول عن ربه مما ثبت به النقل عنه وتلقى القبول عن أئمة هذا الشأن، فإنما الإيمان به واجب، سواء أدركنا معناه واستوعبنا فهمه أم لم نفعل، لأنه الصادق المعصوم وأمته لا تجتمع على تصديق كذب عنه”35. فهل الطب النبوي اجتهاد بشري أم وحي إلهي؟
تعتبر أحاديث الطب إبداء رأي في أمر من أمور الدنيا، ليس أمرا ملزما للأخذ بها وممن ذهب إلى هذا الرأي “ابن خلدون” حيث قال في مقدمته: “وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارث عن مشايخ الحي وعجائزه وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج… والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر عاد للعرب”36.
مما يبدو إذن أن ابن خلدون يرى أن الأحاديث النبوية الواردة في الطب ومعالجته لبعض الأمراض وإرشاده وتوجيهاته إنما هو اجتهاد منه وعادة لما عليه قومه وقول برأي وليس وحيا من النبي، وزعم أن المقصود من خطاب النبي الديني هو إرشاد الناس إلى أمور المعاد والآخرة وليس لأمور الدنيا والمعاش، ولهذا فإنه لا يُحمل الأحاديث الواردة في الطب على أنها تشريع يجب العمل به إلا أنه يمكن استعماله للتبرك بالأمور الدنيا والمعاش، ولهذا فإنه لا يُحمل الأحاديث الواردة في الطب على أنها تشريع يجب العمل به إلا أنه يمكن استعماله للتبرك بالأثر النبوي37. وفي الأحاديث النبوية ما نص على عدم وجود العدوى، فتدخل فقهاء المالكية لما وجدوا الناس يفرون من الطاعون إلى مكان آمن، فبينوا خطأ ذلك وأن الصواب إذا نزل الطاعون بأرض لا يخرج الناس فيها ولا يدخلون إليها، ومن هؤلاء محمد بن يوسف بن عمران المزدغني الذي صنف رسالة على حديث “إذا نزل الوباء بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”، وكان شأن الظاهرية كشأن المالكية بخصوص هذا الأمر إذ بينوا للناس الحكم الشرعي للطاعون، وأوضحوا أن موتى الطاعون شهداء لحديث الرسول: “الطاعون شهادة لكل مسلم” ولقوله المبطون شهيد والمطعون شهيد”38. وعليه أن المذهب السائد بالأندلس آنذاك كان المذهب المالكي39، وتراوح القوانين الفقهية في الأندلس بين اللين والشدة، ويظهر ذلك في عدة مواقف ترويها الأخبار الأندلسية على غرار محاربة الدولة صناعة الخمور في حين أنها لم تمنع صناعتها وتناولها نهائيا، في المقابل نجد رؤية فقهية أخرى زمن الطاعون الأسود. فرغم بروز التفسير الطبي للطاعون وتسليم الأطباء بوجود العدوى: “وقد ثبت وجود العدوى بالتجربة والاستقراء والحس والمشاهدة والأخبار المتواترة وهذه مواد البرهان وغير خفي عمن نظر في هذا الأمر أو أدركه هلاك من يباشر المريض بهذا المرض غالبا وسلامة من لا يباشره”40، نجد للفقيه نظرة شرعية تتماشى مع القرآن والسنة، وذلك بتأويل الأحكام المنزلة في كتاب الله وسنة نبيه بحجة أن كل نازلة نزلت بالمسلمين لها حكم في كتاب الله وسنة رسوله وله الحق في تصويب آراء عامة الناس في كل ظاهرة تطرأ في بلاد المسلمين، وفق الشرع حتى لا يقعوا في المحظور. والطاعون الأسود ظاهرة هددت حياة الناس. وبناء على ما سبق ذهب الفقهاء حسب النصوص الدينية إلى تأويل هذه الظاهرة انطلاقا من:
أولا، حديث: “إذا سَمِعْتُمْ بالطَاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها فَقُلتُ: أنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا، ولا يُنْكِرُهُ؟ قالَ: نَعَمْ.”41 ثانيا: “لا يُورِدَنَ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍ”42 ثالثا: “لا عَدوى، ولا طيَرةَ، ولا صفرَ، ولا هامَة، فقالَ أعرابيٌ: ما بالُ الإبلِ تَكونُ في الرَملِ كأنَها الظِباءُ فيخالطُها البعيرُ الأجرَبُ فيجربُها؟ قالَ: فَمن أعدى الأوَلَ”43.
نجد تعارضا بين الأحاديث، والمالكية يسلكون عند التوفيق بين النصوص أوجه الجمع المعروفة عندهم ويلجؤون إلى التأويل ولكي يكون اللفظ المُراد تأويله قابلا للتأويل، كما أنه يشترط أن يكون التأويل موافقا لعرف الاستعمال، وموافقا لأصول اللغة أو اصطلاح الشرع، والقول عبارة عن وحي. وتعارض القولين كأن يأتي حديثان عن النبي أحدهما يثبت حكما والآخر ينفيه44، كحكم العدوى الذي ذكرنا. واعتمادا على ما قيل، يتجلى التأويل الديني في اعتبار أن كل شيء مقدر مسبقا بما في ذلك المرض الذي يُصيب الإنسان وما ينجر عنه من شفاء أو موت، مستشهدين بقوله تعالى: “قُل لَن يُصِيبَنَآ إِلَا مَا كَتَبَ ٱللَهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَهِ فَلْيَتَوَكَلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ”45.
اعتبروا أن حياة الإنسان ليست ملكا لأحد من بني البشر بل هي بيد الله: “وَمَا مِنْ دَابَةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”46
ربطوا الظاهرة التي يعاصرونها بزمن النبي، فاستحضروا حدثا شبيها بما تواجهه الأندلس في 749هـ، واستعادوا بذلك الأحكام التي أمر بها النبي في فترة سابقة. بيد أن المجتمع الأندلسي بثقافاته المتعددة ومرجعياته الفكرية والعقدية وما توصل إليه الأطباء من خطورة هذا الطاعون ينفي ما ربطه الفقيه بسياق تاريخي ومحضن مختلف عن البيئة الأندلسية. ولئن لم يتمكن “ابن الخطيب” إلى صياغة نظرية مكتملة في العدوى فإن مقاربته التجريبية للمرض أثبتت دقة ملاحظته وأفصحت على وجود أسباب بشرية للطاعون وهو ما رفضه فقهاء المالكية الذين اعتبروا الوباء وخزا من الجان وابتلاء إلهيا مثلما ورد ذلك في المصنفات الفقهية السنية على غرار رسالة ابن حجر في الطاعون47 وأجوبة الرصاع48. ويتنزل موقفه الحازم لأمر العدوى ضمن فترة مشحونة بالتوترات السياسية والاقتصادية إلى جانب انتشار الوباء وتفشيه. ولهذا السبب تعتبر رسالة مقنعة السائل من بين مؤلفاته التي اتخذها أعداؤه من فقهاء المالكية المتعصبين حجة تثبت إلحاده وطالبوا بمحاكمته. فالجدال الفقهي-الطبي كان قائما بالأساس حول قضايا الفرار من المناطق الموبوءة ممن سلم من الطاعون صوب المناطق الخالية من وجود الداء، والمرجحُ أن “مالقة” كانت من المدن التي سلمت من وجود الطاعون. وظل الجدال قائما خلال فترة حرجة تتطلب التدخل الاستعجالي لإنقاذ أرواح الأبرياء من موجة الطاعون الجارفة التي أهلكت آلاف الأرواح وعاثت بالبلاد، غير أننا نجد الصراع قائما لا ينفك بين الفقهاء والأطباء.
الفقيه في هذا المجال كان إلى حد كبير صوت سيده ومولاه. ومما لا يخفى علينا أن فترة انتشار الطاعون برزت فيها الأزمات الاقتصادية والآفات الاجتماعية وتدهورت الأوضاع بسبب تدني المستوى المعيشي وتراجع المعاملات التجارية خوف العدوى.
7 – رهانات التأويل الديني في الأندلس:
عاشت الأندلس منذ القرن 5هـ/11م حركة استردادية قوية بعدما تفككت الدولة الأموية إلى دويلات الطوائف. وتحول المسلمون إلى حرب دفاعية تراجعية فيفقدون عقب كل مواجهة بعض الأراضي، ولم ينفع تدخل الدول المغربية من مرابطين وموحدين ومرينيين في وقف النزيف إلا جزئيا ومؤقتا، بينما صارت إمارة بني نصر التي قامت بعد ضعف الموحدين في حالة حرب دائمة وتقاتل وتفاوض للحفاظ على أكبر جزء ممكن من الأراضي التي تكون إمارة غرناطة جنوب شرقي الأندلس49.
لم يعد الصراع إزاء الحكم العربي الإسلامي داخل البلاد يساهم في توحيد البلاد، وتحديدا منتصف القرن13م، فضلا عن تراجع الحكم العربي السياسي بالبلاد، وبدأت الدول الإسلامية في الاضمحلال والانحلال. وزاد ظهور هذا الوباء من حدة الأزمة السياسية، ووقف الفقهاء عاجزين أمام هول الطاعون وما تقره النصوص التشريعية، حسب فهمهم، بالرضا بالقضاء والقدر والصبر لنيل الشهادة. فالأندلس في اضطراب متواصل طيلة فترة حكم المسلمين، فهل سيكون من اليسير الإقرار بوجود العدوى والتفريط بأراضي المسلمين؟ ألن يكون في فرار المسلمين من أراضيهم فتح المجال أمام الإسبان لاسترجاع أراضيهم والاستغناء عن الحكم الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية خاصة وأن فترة ظهور الوباء الأسود كانت في فترات ضعف الدولة الإسلامية بالأندلس وتقلصها؟ فالفتاوى بالبلاد متعلقة في معظم الأحيان بالحاجة إلى المجاهدين للحفاظ على أراضي المسلمين50. وينبغي الاعتراف وراء عدد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ففي مجتمع ينبني اقتصاديا على الغزو بعد استعلاء الجيش من الأمور العادية جدا، غير أن هذا الاستعلاء يتضاعف أوقات اضمحلال الدولة بسبب قلة العطاء الذي درج الخلفاء والسلاطين على منحه لأجنادهم51. وساهم تهاون الدولة في تراجع دورها في حفظ صحة رعاياها فترة انتشار الأوبئة، إذ سخر الساسة جميع جهودهم للحفاظ على الاستقرار السياسي الإسلامي بالأندلس. وانبنى موقف الفقهاء بخصوص الطاعون الأسود على ثلاثة مبادئ مستوحاة من الأحاديث النبوية: أولا، الطاعون رحمة وشهادة للمؤمنين الأتقياء وعقاب للكفار، فهو خير. ثانيا، إذا نزل الطاعون بأرض فعلى المسلم ألا يخرج من تلك الأرض التي حل بها الوباء، وإذا سمع بوجوده في بلد فعليه ألا يقدم على ذلك البلد الذي أصابه الطاعون. ثالثا، انتفاء العدوى انبناء على حديث لا عدوى ولا طيرة52. رفض الموقف الفقهي فكرة العدوى وفي الإقرار بوجود العدوى نفي لسلطة الله وقدرته على خلق الداء والشفاء، ولعل هذا ما يجعلنا أمام نظرة فقهية تؤمن بعدم الاقتراب من أرض بها الوباء وفي الآن ذاته تنفي وجود العدوى. وقد أجمع معظم الفقهاء بمختلف انتماءاتهم المذهبية على عدم تحريم الفرار من الطاعون، واعتبروا الفرار مكرها أو جائزا. فالقضية حسب الفقهاء إذن هي قضية مرتبطة بتصور للعدوى، فنحن أمام تصور يقصي الذات الإلهية وينسب فعل العدوى إلى انتشار المرض تلقائيا من كائن إلى آخر، انطلاقا من منظور تأثير الأشياء بعضها في بعض، وهذا التصور كان سائدا عند العرب قبل الإسلام ولدى الفلاسفة ولدى المعتزلة. فالفقيه يؤول الظاهرة حسب ما يفهمه هو، ويعتبر نفسه الوسيط المركزي لفك اللبس والغموض عما أنزله الله، والكاهن له نفس الدور أيضا. وبذلك يفرض رجل الدين سُلطته الاجتماعية. فيظهر في صُورة الراعي للأسس الدينية والحافظ لها من الزوال والنسيان. والقضية المركزية لظهور هذه التأويلات الدينية ليست إشكالية تحفظ من العدوى أو إقرار بوجود العدوى، بل هي قضية مرتبطة بالعقيدة، فالخوف كان من أن ينتهي هذا الأمر بالإقرار بأن العدوى تنفي القدرة الإلهية، ويُعد موقف الفقهاء الأندلسيين أكثر تشددا وتصلبا إذا ما قورن بمواقف العلماء في بلدان إسلامية أخرى، فالمعتزلة تذهب مذهب أن الإنسان له سُلطة الإرادة الحرة المطلقة وسلطة القدرة المؤثرة فعندهم كل أفعال الإنسان مرادة له ومخلوقة له بالقدرة الإنسانية53، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أخرى منها هيمنة المذهب المالكي، إذ تدخل بعض الفقهاء المالكيين لما وجدوا الناس يفرون من الطاعون خشية أن تتغير قناعتهم الدينية وقناعتهم العقدية بأن الله هو الشافي والممرض، وأن على المريض التوجه إلى الله بالدعاء والصلاة والصدقات لرفع البلاء، وفي الغالب، خشي الفقيه أن تتقلص مكانته وسط المجتمع ويغيب حضوره تدريجيا إلى أن يتلاشى، فما يواجهه المجتمع الأندلسي أزمة صحية تنذر بهلاك البشر وهو في حاجة إلى طبيب ينقذه من الهلاك لا إلى فقيه يستحضر أحداثا تاريخية يعيد صياغتها في زمن مغاير وبيئة مختلفة، هذا إلى جانب فرض قوانين لم تعد تتواءم مع المحضن البيئي الذي تعايشه بلاد الأندلس. فالأعمال البشرية ما هي إلا أعمال تاريخية نسبية مرتبطة بظروف تاريخية ومكانية معينة. ومما لا شك فيه أن حضور التأويلات الدينية في شأن الطاعون كانت غايته الأولى سياسية وهو الحفاظ على استقرار الحكم الإسلامي أمام مواجهات الحركات الاستردادية المسيحية. إذن ما نخلص إليه أن رجل الدين كان في حاجة إلى الحاكم السياسي ليطبق الأحكام الدينية في تنظيم الحياة الاجتماعية ورجل السياسة كان بدوره محتاجا إلى رجل الدين لإضفاء شرعية على حكم ليس دينيا. إن ما يبحث عنه الأطباء هو إعلاء لقيم الفرد ورفع لذاته البشرية أما ما يبحث عنه الفقهاء فلا قيمة للفرد فيه بل إعلاء للحكم الإسلامي ودعوة لاستمرار الجماعة.
الخاتمة:
المرض هو مفهوم اختلفت تفسيراته وأسباب ظهوره منذ نشأة الإنسان ككائن ثقافي بتعدد الثقافات إلى حدود الإنسان ذي البعد الواحد. ويعد انتشار الأوبئة والأمراض من أهم الظواهر التي تعيق استقرار البلاد. فتضعف من القوة الاقتصادية والسياسية للبلاد. وفي ظل غياب الاستراتيجيات السياسية المحكمة لتنظيم الرعاية الصحية للعامة فترة الطاعون الأسود، تم استغلال هذه الفترة لمواصلة استرجاع الأراضي الإسبانية، وفي المقابل خصص الساسة الأندلسيون جانبا هاما من ثروتهم لمجابهة هذه الحروب. ويبرز حضور الفقيه بشدة خلال فترة انتشار الطاعون، فقد شملت صلاحياته كل مجالات الحياة اليومية. وظاهرة المرض إحدى العراقيل التي تُحدثُ تغييرا في حياة الإنسان الطبيعية، فيُحافظ على استمرارية سُلطته حتى في زمن الأمراض والأوبئة مستندا إلى النص المقدس. ولعل مدة النازلة التي نزلت بأهل “الأندلس” في تلك الفترة شكلت حيرة المسلمين وانتشار الفتنة في صفوفهم. فالفقيه مرتبط باستمرارية وجود الحكم الإسلامي بالبلاد. لذلك نجده حاضرا ليحلل أو يحرم قرارا لضمان استقرار البلاد. فاعتبر الدعاء منهيا لرفع الطاعون لأنه ابتلاء من عند الله ولأن المطعون نُصب من الشهداء، وأجازوا من ناحية أخرى الدعاء لرفع المرض. أوليس الطاعون مرضا أيضا؟
اتسمت فترة بروز الطاعون الأسود بالاضطرابات السياسية الشديدة، وتوفي خلالها أهم أعيان البلاد. وحاول المسيحيون الانقضاض على الدولة الإسلامية، واسترجاع أراضيهم. واعتبروا أن ظهور الوباء يضعف الجيوش الإسلامية ويوهن الدولة وسياستها. فسعوا إلى استغلال الموقف. فغابت السياسات الواضحة، ولم تخصص ميزانيات خاصة في الأندلس، لتوفير مراكز صحية من بيمارستانات مخصصة للفقراء. في المقابل وُضعت أموال لتهيئة الجيوش الحامية لاستمرارية الحكم الإسلامي. وشهدت هذه الفترة صراعات سياسية بين المسلمين والمسيحيين. وسعى النصارى إلى استرجاع أراضيهم. وما أقره الأطباء من أمر العدوى يتعارض مع رغبة المسلمين في الحفاظ على الحكم في أوروبا واستمرار امتلاك الأندلس. لذلك لقيت المصنفات الطبية صدا ورفضا فقهيا. ونال ابن الخطيب بسبب الجرأة التي تحلى بها، الهلاك. فتأرجح المحضن الأندلسي خلال تلك الفترة الحرجة بين ثنائية الجبر والقدر، شق يتوق إلى التجديد والانعتاق من الموروث الديني اللاعقلاني الذي يغيب عنه المنطق، وشق يسعى إلى الحفاظ على استمرارية سلطته، فوجد في بعض التأويلات الدينية ملاذه، فاستأنس بما أوله رجال الدين من أحكام جبرية لفرض سُلطته على العامة.
الهوامش
المراجع:
آنجل جانثالث، بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة: حسين مؤنس، الط1، مكتبة الثقافة الدينية، 1928
إيليديا، ميريا، صور ورموز، ترجمة: كاسوحة، الط1، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1998
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الط1، إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 2004
البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الط1، دار ابن كثير بيروت، (د.ت)،
حقي، محمد، الحج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط الجدال حول استمرارية فريضة الحج، مجلة عصور الجديدة، عدد 26، المجلد 7، شتاء ربيع 2017
ابن حجر، الحافظ أحمد بن علي، بذل الماعون في فضل الطاعون، تحقيق: أحمد عصام عبد القادر الكاتب، دار العاصمة الرياض، (د.ت)
ابن خاتمة، تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد، تحقيق: محمد حسن، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة تونس، 2013
“ابن الخطيب، لسان الدين، معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق: محمد كمال شبانية، الط1، مكتبة الثقافة الدينية، (د.ت)
ابن الخطيب، مقالة مقنعة السائل عن المرض الهائل، تحقيق وتقديم: حياة قارة، دار الأمان (د.ت)
ابن الخطيب، لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، الط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003
ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، الط1، دار الكتب العلمية، بيروت_لبنان، 1992
الدرر السنية، إشراف: علوي بن عبد القادر السقاف،
https://dorar.net/hadith
الذويبي، عبد السلام بشير، علم الاجتماع الطبي، الط1، مكتبة النصر الحديثة، القاهرة، 1966
الرصاع، محمد المواق محمد، حول الأندلس وإفريقية قبيل سقوط غرناطة: الأجوبة التونسية على الأسئلة الغرناطية (886هـ/1481م)، تحقيق: محمد حسن، الط1، دار المدار الإسلامي 2007
السهلي، محمد توفيق، حسن البائي، المعتقدات الشعبية في التراث العربي، الط1، دار الجليل، دمشق، (د.ت)
السيد عبد الهادي، عبد الباقي، الظاهرية والمالكية وأثرهما في المغرب والأندلس في عهد الموحدين، الط1، دار الآفاق العربية، 2014
الشقوري، النصيحة، تحقيق: محمد حسن، الط1، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس 2013
صالح، أحمد رشدي، الأدب الشعبي، الط3، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1971
الطوخي، أحمد محمد، مظاهر الحضارة الأندلسية في عصر بني الأحمر، تقديم: أحمد مختار العبايدي، الط1، مؤسسة شباب الجامعة، 1997
ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق: ليفي بروفنسال، ج.س كولان، الط1، دار الثقافة بيروت لبنان، 1983
فرايز، جيمس جورج، الغصن الذهبي، الط1، دراسة في السحر والدين، ترجمة: نايف الخوص، دار الفرقد للنشر، 2014
فتحة، محمد، الوباء الجارف بالمغرب الإسلامي: معطيات ومواقف، المعرفة الطبية وتاريخ الأمراض في المغارب، إشراف: آسية بنعدادة، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، 2011
فيارو، ماريبال، الأندلس معارف ومبادلات ثقافية، ترجمة: حمادي الساحلي، الط2، منشورات المتوسط أليف، ديسمبر 2006
قارة، حياة، مقدمة تحقيق مقنعة السائل عن المرض الهائل، الط1، دار الأمان (د.ت).
بولقطيب، الحسين، جوائح وأوبئة المغرب عهد الموحدين، الط1، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2001
لعور، بوعلام، مسالك أئمة المذهب المالكي في دفع تعارض القول والفعل في الأحاديث النبوية، مجلة البحوث العلمية والدراسات الإسلامية، عدد5، مجلد14 2022
المازقي، صالح، مدخل إلى علم اجتماع الصحة، مركز النشر الجامعي، تونس 2008
محمد، علي آدم علي، العدوى في منظور العقيدة الإسلامية دراسة وصفية تحليلية، مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية، مج2، عدد2، ديسمبر 2018
المنصر، محمد، موقف علماء المغرب من الأوبئة والإجراءات الصحية الاحترازية، المعرفة الطبية وتاريخ المعارف الطبية، إشراف آسية بنعدادة، الط1، منشورات عكاظ، 2011
ابن منظور، لسان العرب، الط7، دار صادر 2011
الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب، تخريج بإشراف محمد حجي، الط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، (د.ت)
Eleanor, Bowners, the anthropology of health, Saint Louis CU, mosby company, 1987, p68
Foster, George, Medical anthropology, New York, 1960
Gigandet, Suzanne, la grande peste en Espagne musulmane 749_1347 dans sa ville Almaria, Arabica : Revue d’études arabes et islamique T53 fasc 1 2006, p143_152, Leiden, EJ, Brill, 1954
Kelvyn Jones, Graham Moon, Health disease and society : A critical Medical Geography, Routledge and kegan Paul, 1987
millas, A cristina, Tresopusculosinéditos sobre la peste en un manuscritoinéditosmagrebi, Anaquel de Estudios arabes, n°3, 1992
Maria, Isabel CaleroSecall, La peste en Malaga, Segun el malagunoal_Nubehimenaje al prof, JacintoBoschvilla, vol1, 1991 ? p57 , 72
Marc Augé, Claudine Herzlich, Le sens du mal anthropologie, histoire, sociologie de la maladie, éd,
الهوامش
ما يروم البحث إبرازه من خلال هذه الدراسة هو: تحديد كل ثقافة مفهومها الخاص للمرض، وانطلاقا من هذا المفهوم تتحدد أشكال العلاج والوقاية حسب نمط تفكير الشعوب وثقافتها المتوارثة عبر الأسلاف، فتدابير الصحة والعلاج تعكس وجهة نظر سكان المجتمع وتمثلاتهم للمرض والعلاج ودور المريض ضمن حياتهم، إذ كان للثقافة والدين والتنشئة الاجتماعية تأثير تعبيرات الألم، ويذكر على سبيل المثال كيفية تعامل المجتمع الأندلسي مع مرضى الجذام، وهذا الأخير داء انتشر في الأندلس وأقدم النصوص (ابن عذاري، البيان المغرب، تحقيق: ليفي بروفنسال، ج.س كولان، الط1، دار الثقافة بيروت لبنان،1983، المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: صلاح الدين الهواري، الط1، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 2006) تؤكد عزل مرضى الجذام “كانت سائدة في “قرطبة” منذ القرن 3هـ/9م، ويبدو أن عزل الجذامى لم يكن إجراء عاما وشاملا لكل السكان، لأننا نُصادف بعض الأشخاص رغم إصابتهم يستمرون في العيش مع عائلاتهم، ولعل ذلك كان نابعا من مكانتهم الاجتماعية التي حظوا بها، وتقبل الأسرة لهم ثم عدم تفاحش مرضهم، ومنهم “محمد بن مروان القرشي الإشبيلي (ق4هـ/10م) الذي امتحن بعلة الجذام فلزم بيته إلى أن مات” القاضي، عياض، ترتيب المدارك، الط2، وزارة الأوقاف الدينية، المغرب، 1983، ج4، ص439، ج6، ص87، 90
قارة، حياة، مقدمة تحقيق مقنعة السائل عن المرض الهائل، الط1، دار الأمان (د.ت).
الشقوري، النصيحة، تحقيق، حسن، محمد، ثلاث رسائل أندلسية في الطاعون الجارف، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس، 2013
ابن خاتمة، تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد، تحقيق: محمد حسن، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة تونس، 2013
Kelvyn Jones, Graham Moon, Health disease and society : A critical Medical Geography, Routledge and kegan Paul, 1987, p4
ابن منظور، لسان العرب، الط7، دار صادر 2011، الج14، ص56، 57
إن هذا التعفف لدى المؤرخين وغيرهم في متابعة موضوع الأوبئة والأمراض إذن، يعود في الغالب إلى أسباب دينية وثقافية وإلى الاعتقاد السائد لدى الناس بأن انتشار الوباء لا يعود للعدوى وإنما لقضاء الله وقدره، فهو حسب حديث نبوي: ” أنَه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَه لَنْ يُصِيبَهُ إلَا ما كَتَبَ اللَهُ له، إلَا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَهِيدِ”.
البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الط1، دار ابن كثير بيروت، (د.ت)، ص5734، حديث محكم.
فما يمكن استخلاصه أن الثقافة والبيئة التي يعيش فيها الفرد هما المتحكمان الرئيسان في تفسير المرض أو الوباء وفهم أسبابه، وتحدد الثقافة سبب ظهوره وفق تصورات ومعتقدات موروثة.
فـ”المعتقدات الشعبية تلك الأفكار التي يؤمن بها الشعب فيما يتعلق بالعالم الخارجي وما وراء الطبيعة، وهي من جهتها قد تتخذ طابع الخرافة التي تعتبر أفكارا وممارسات وعادات لا تستند إلى أي تبرير عقلي ولا تتفق مع قواعد المعرفة العلمية”
عيسوي، عبد الرحمان، سيكولوجية الخرافة والتفكير العلمي مع دراسة ميدانية على الشباب المصري، الط1، مطبعة الأطلس، القاهرة، 1982، ص8.
لا زالت تلقي بظلالها فيما يخص أسباب المرض مثل تأثير العين الشريرة التي تُلحق الأذى بالآخرين دون هجوم مباشر.
الجوهري، عبد الهادي، قاموس علم الاجتماع، الط2، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1998، ص120،121
ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق: ليفي بروفنسال، ج.س كولان، الط1، دار الثقافة بيروت لبنان، 1983، ص 136 و ص45
D disease : Religion concepts in the encyclopedia of Bioethics, 1960 Frank, de Grave, Health an
The pressa division of macnil plan, New York, vol 2, p585_589
البخاري، المرجع نفسه، ص140، حديث ضعيف
“ونقل الونشريسي في معياره استفسار أحدهم عن رجل من أهل الخير والصلاح يكتب للحمقى ويرقي ويعمل النشر ولا يأخذ على ذلك شيئا ويعالج أيضا صاحب الصرع والجنون بأسماء الله والعزائم والخواتم وينتفع بذلك كله من عمله”
الونشريسي، المعيار المغرب، الط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1981، ج11، ص29
المازقي، صالح، مدخل إلى علم اجتماع الصحة، مركز النشر الجامعي، تونس 2008، ص577
الدرر السنية، إشراف: علوي بن عبد القادر السقاف، الراوي: سعيد بن المسيب، المحدث: العلجوني، المصدر: كشف الخفاء، حديث مرسل، إسناده ضعيف https://dorar.net/hadith
“أقيم في آخر ممالك المسلمين في الأندلس وفي غرناطة بيمارستان في عهد محمد الخامس في الفترة ما بين (767هـ_768هـ/ 1365م_1367م) للمسلمين الفقراء المرضى، وكان عبارة عن مبنى مستطيل مكون من طابقين، له فناء رئيسي وبه بركة كبيرة تزينها نافورات الماء الذي يقف على أسدين من الرخام يقفان على أرجلهم الخلفية ويحيط بهذا الفناء أروقة من طابقين مستندة على أعمدة من آجر”
الطوخي، أحمد محمد، مظاهر الحضارة الأندلسية في عصر بني الأحمر، تقديم: أحمد مختار العبايدي، الط1، مؤسسة شباب الجامعة، 1997، ص379
ابن خاتمة، تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد، تحقيق: محمد حسن، الط1، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس 2013، ص157
“يظهر استعمال السحر لإحداث المرض في الأساطير الهندية القديمة حيث يُستخدم الربط (وهو عنصر مميز وأساسي في السحر) وهو من العناصر المسببة للمرض وهو على مستويات، فالربط المطلق شكل في أساطيرهم الموت المحتوم بعد المرض”.
إيليديا، ميريا، صور ورموز، ترجمة: كاسوحة، الط1، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1998، ص142
السهلي، محمد توفيق، حسن البائي، المعتقدات الشعبية في التراث العربي، الط1، دار الجليل، دمشق، (د.ت)، ص34
الذويبي، عبد السلام بشير، علم الاجتماع الطبي، الط1، مكتبة النصر الحديثة، القاهرة، 1966، 304
Eleanor, Bowners, the anthropology of health, Saint Louis CU, mosby company, 1987, p68
Foster, George, Medical anthropology, New York, 1960, p146
فتحة، محمد، الوباء الجارف بالمغرب الإسلامي: معطيات ومواقف، المعرفة الطبية وتاريخ الأمراض في المغرب، إشراف: آسية بنعدادة، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، 2011، ص58
عرفه ابن خاتمة تعريفا دقيقا: “إنه حمى خبيثة مهلكة في الغالب يتبعها كرب وعرق غير تام لا يعقب راحة ولا ترفع عقبه حرارة وقد يوجب لها فتور في اليوم الثاني واضطراب في عامة الأوقات ثم تتزايد من بعد وقد يتبعها تشنج واختناق مع امتناع الابتلاع ووجع في الرأس ودوران وغثيان، وقد يكون ذلك مع نتوء وطواعين تحت الإبطين أو خلف الأذنين… وقد تحدث قروح سود في مواضع من الجسد، خصوصا بالظهر والعنق وقد تحدث بالأطراف” ابن خاتمة، المرجع نفسه، ص4
“ألمرية: بحرية أصيلة سرية، معقل الشموخ والإبانة ومعدن المال وعنصر الجباية وجنوة الأسطول غير المعلل بالنصر ولا المطول، ومحط التجار، وكرم النجار، ورعي الجار. ما شئت من أخلاق معسولة، وسيوف من الجفون السود مسلولة وتكك محلولة، وحضارة تعبق طيبا، ووجوه لا تعرف تقطيبا، ولا تزال دار نساك وخلوة اعتكاف وإمساك (…) بحرها مرفأ السفن الجبار”، ابن الخطيب، لسان الدين، معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق: محمد كمال شبانية، الط1، مكتبة الثقافة الدينية، (د.ت) ص100_102
Maria, Isabel CaleroSecall, La peste en Malaga, Segun el malagunoal_Nubehimenaje al prof, JacintoBoschvilla, vol1, 1991 ? p57 , 72
ابن الخطيب، مقالة مقنعة السائل عن المرض الهائل، تحقيق وتقديم: حياة قارة، دار الأمان (د.ت)
الشقوري، النصيحة، تحقيق: محمد حسن، الط1، سلسلة التاريخ، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس 2013
ابن الخطيب، لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، الط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003، ج2، ص362
millas, A cristina, Tresopusculosinéditos sobre la peste en un manuscritoinéditosmagrebi, Anaquel de Estudios arabes, n°3, 1992, P185_186
Gigandet, Suzanne, la grande peste en Espagne musulmane 749_1347 dans sa ville Almaria, Arabica : Revue d’études arabes et islamique T53 fasc 1 2006, p143_152, Leiden, EJ, Brill, 1954, p3
المرجع نفسه، ص8
ابن خاتمة، المرجع نفسه، ص140
“يُعزى دخول المذهب الشافعي إلى الأندلس إلى قاسم بن محمد بن سيار من أهل قرطبة. رحل إلى المشرق على أواسط القرن الثالث هجري، ودرس على كبار شيوخ الشافعية، فلما عاد إلى الأندلس أنكر على فقهائه تقليدهم الأعمى لما كان عليه شيوخهم، وانصرف إلى نشر المذهب الشافعي بين أهل بلده عن طريق التدريس والتأليف” بالنثيا، آنجل جانثالث، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة: حسين مؤنس، الط1، مكتبة الثقافة الدينية، 1928، ص431
“وأما الفقه في صيغته السنية المقتبسة من الكتاب والسنة فقد استكمل وتم تأويله بواسطة أساسين آخرين هما الإجماع والقياس وقد خُصص علم قائم بذاته يدعى أصول الفقه لدراسة هذه الأصول الفقهية إلا أن الأندلسيين لم يتعاطوا هذا العلم إلا في فترة متأخرة، ولكنهم عندما تفرغوا له كانت مساهمتهم حاسمة وطريفة ذلك أن أعمال أبي إسحاق الشاطبي الغرناطي (790هـ) الذي عاش في فترة بني نصر، وأبدى حزما كبيرا بلا ملل ولا كلل في بحث عن أهداف الشريعة، وأخذ المصلحة العامة في الاعتبار قد حظيت بما تستحقه من مراعاة لدى المشرعين المسلمين المصلحين في العصر الحديث، وقد كان الشاطبي يؤلف كُتُبه في إطار المذهب السائد في الأندلس ألا وهو المذهب المالكي. واقترح ابن حزم القرطبي صاحب مذهب آخر (المذهب الظاهري) من جانبه بديلا دقيقا لأصول المذهب المالكي ورغم أنه لم ينجح في إزاحتها من مواقعها المُهيمنة، إلا أنه أجبر الأجيال الصاعدة من المالكيين على إعادة النظر في قواعدها المذهبية، وصياغة دفاع قادر على نقض الاعترافات التي قدمها خصم يحظى بتلك الشهرة…..أضفى المذهب الظاهري (ابن حزم) الشرعية على استعمال النظر العقلي في صورة عدم وجود نص من الكتاب والسنة يسمح ببيان القاعدة المعيارية”
فيارو، ماريبال، الأندلس معارف ومبادلات ثقافية، ترجمة: حمادي الساحلي، الط2، منشورات المتوسط أليف، ديسمبر 2006، ص30_58
المرجع نفسه، ص75
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الط1، إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 2004، ج3، ص41
ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، الط1، دار الكتب العلمية، بيروت_لبنان، 1992، ص650
ابن خلدون، المرجع نفسه، ص651
السيد عبد الهادي، عبد الباقي، الظاهرية والمالكية وأثرهما في المغرب والأندلس في عهد الموحدين، الط1، دار الآفاق العربية، 2014، ص232
“لا زالت مسألة من أدخل المالكية إلى الأندلس غامضة، فيذهب المقري إلى أن الأندلسيين كانوا على مذهب الأوزاعي كأهل الشام، ثم أقبل إلى الأندلس أثناء خلافة الحكم المستنصر (179هـ_796م/205هـ_821م)
ويذكر المقري أيضا تحول الأندلس إلى المالكية على يد نفر من الفقهاء أعظمهم عبد الملك بن حبيب ويحيى بن يحيى الليثي وأبو عبد الرحمان زياد ابن عبد الرحمان اللخمي الملقب بشبطون، ويقال إن هذا الأخير كان أول من أدخل المالكية إلى الأندلس…من أكثر أعلام المالكية في الأندلس شأنا أبو الوليد سليمان بن خلف بن أسعد بن أيوب بن وارث التجيبي الباجي (402هـ_1012م/473هـ/1081م)” آنجل جنثالث، بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة: حسين مؤنس، الط1، مكتبة الثقافة الدينية، 1928، ص417_420
ابن الخطيب، مقنعة السائل، ص28
الدرر السنية: https://dorar.net
المرجع نفسه
المرجع نفسه
لعور، بوعلام، مسالك أئمة المذهب المالكي في دفع تعارض القول والفعل في الأحاديث النبوية، مجلة البحوث العلمية والدراسات الإسلامية، عدد5، مجلد14 2022، ص427_446
التوبة: 9، 15
هود: 11، 6
ابن حجر، الحافظ أحمد بن علي، بذل الماعون في فضل الطاعون، تحقيق: أحمد عصام عبد القادر الكاتب، دار العاصمة الرياض، (د.ت)
الرصاع، محمد المواق محمد، حول الأندلس وإفريقية قبيل سقوط غرناطة: الأجوبة التونسية على الأسئلة الغرناطية (886هـ/1481م)، تحقيق: محمد حسن، الط1، دار المدار الإسلامي، 2007
حقي، محمد، الحج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط الجدال حول استمرارية فريضة الحج، مجلة عصور الجديدة، عدد 26، المجلد 7، شتاء ربيع 2017، ص89
“عكست النوازل هذا الوضع فوجدنا أول فتوى محفوظة بنصها خاصة بالربط بين الجهاد والحج على لسان الأمير المرابطي علي بن يوسف وعلماء المغرب موجهة لابن رشد الجد (515هـ/1121م)، وجه سؤال مشابه للقاضي لأبي بكر الطرطوشي والقاضي بن أحمدين. فالحج شكل معضلة حقيقية وتحديا كبيرا. ظهر تيار عقلاني تزعمه فقهاء المرحلة الكبرى في الأندلس فيرى أن انعدام أمن البدن والمال والحاجة إلى الذود عن بلاد الإسلام مبيحة للتخلي عن الحج ومن الحرام التمسك والإصرار عليه. فقد أفتى أبو عمران بسقوط فرض الحج عن أهل الأندلس منذ زمان”.
الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب، تخريج بإشراف محمد حجي، الط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، (د.ت)، ج1، ص433
بولقطيب، الحسين، جوائح وأوبئة المغرب عهد الموحدين، الط1، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2001، ص31
المنصر، محمد، موقف علماء المغرب من الأوبئة والإجراءات الصحية الاحترازية، المعرفة الطبية وتاريخ المعارف الطبية، إشراف آسية بنعدادة، الط1، منشورات عكاظ، 2011، ص77
محمد، علي آدم علي، العدوى في منظور العقيدة الإسلامية دراسة وصفية تحليلية، مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية، مج2، عدد2، ديسمبر 2018