الأفكار البلاغية الموروثة عن اليونانيين دعمت فكرة أن الاستخدام البارع للغة يمكن تلمسه دائمًا في التعبيرات الفصيحة، وأن الصمت إما أن يكون خللا أو نقصا في المهارة. وكلما تعمق فهمنا للصمت الذي غلَّف واحدة من أعظم حضارات الأرض، واذا نظرنا إلى البلاغة المصرية سوف نجد وجهات نظر بديلة حول ما يجعل المتكلم ماهرًا. وفي حين كان المصريون القدماء يقدرون الكلام الفصيح، وهي مهارة كان لها في الواقع قيمة كبيرة في مجتمعهم، فإن القواعد المصرية البلاغية تنص صراحة على أن التعرف على المواقف التي يجب فيها الصمت هي معرفة بلاغية ضرورية وتحظى باحترام شديد. ومن ثمَّ فإن المقاربة المصرية للبلاغة هي مزيج متوازن من البيان والصمت الحكيم.
كما تلح القواعد المصرية للكلام بقوة على تبني السلوكيات الاجتماعية التي تدعم الوضع القائم الذي يتسم بالمحافظة. الكلام الفصيح بالنسبة للمصريين –بدرجة أكبر بكثير من اليونانيين- هو الكلام الذي يدعم المجتمع، وليس الذي ينتقده. لقد ناقشت الدراسات السابقة المعدودة حول البلاغة المصرية بعض المكونات الأخلاقية لهذه البلاغة وأهمية الصمت. والدراسة الحالية تلقي نظرة على التوجهات المصرية نحو البلاغة بوصفها عنصرًا سحريًا وعمليًا من مكونات الحياة، كما ترسخ هذه الدراسة قواعد البلاغة في النسق الاجتماعي المصري.
مصر القديمة في كل مكان، حيث تُصادف بشكل متكرر صور الأهرامات، أو النقوش الهيروغليفية، أو الفن المصري. ومع ذلك فإن الصورة الشائعة لثقافة مصر القديمة هي لبشر يبدو، غرائبيين exotic، لكنهم بلا صوت voiceless. إن معتقدات المصريين وطرق تعبيرهم عن أنفسهم- مثل الحكايات التي يروونها- كل هذه الأنشطة اللغوية الانسانية ليست جزءًا من الطريقة التي تُفكر بها المجتمعات الغربية في مصر القديمة. من المؤكد أن مثل هذه الثقافة المعقدة كانت لديها ممارسات لغوية متطورة، لكن هذه الممارسات لم تُدرس بعمق من وجهة نظر بلاغية. وبلا شك فإنه مما يبرر نقص هذه الدراسات صعوبة نظام الكتابة المصري، والحالة المتردية للعديد من المخطوطات التي كتب لها البقاء. وعلى الرغم من ذلك فقد وصلنا إلى نقطة تجعل من الممكن ليس اختراق الصمت فحسب بل التحقق من بعض المعايير البلاغية التي كانت تعمل في ثقافة المجتمع المصري القديم. سوف أناقش في هذا المقال بعض القواعد البلاغية التي كان المصريون يتبعونها خلال عصر المملكتين القديمة والمتوسطة (حوالي 3100- 1550 قبل الميلاد)(1).
القواعد الأساسية للبلاغة المصرية في الفترة التي أدرُسها تقوم على كون المرء رجلاً صالحًا في المجتمع؛ سواء في حياته العامة أم الخاصة. بشكل عام، كان المصريون يعطون قيمة كبيرة لقلة الكلام، إيمانًا منهم بأن اللغة يجب ألا تستخدم بدون احتياط، وغالبًا ما كان يُؤيَّد الصمت، بوصفه المقاربة البلاغية الأكثر ملاءمة. عززت القواعد البلاغية المقدمة للمواطن الصالح الوضع القائم للمجتمع، بدلاً من تحديه أو استكشافه كما كان عليه الحال في الممارسات اليونانية. وقد أعطت البلاغة المصرية قيمة كبيرة للتكرار الدقيق لما يقوله الأشخاص ذوو المكانة الاجتماعية العالية أو لما يُتلقى من خلال التقاليد. وقد أيدت البلاغة المصرية كذلك ضرورة أن يكون المواطن الصالح واعيًا بالمكانة الاجتماعية، وأن يتكلم وفقًا لها، ومع ذلك كان يتم غالبًا إبراز ضرورة قول الصدق. وبالإضافة إلى قواعد الكلام التي تتأسس على كون الفرد مواطنًا صالحًا، نجد ممارسات بلاغية مصرية معنية بكيفية الكلام بشكل جيد في الحياة الخاصة. كان هناك تأكيد على التواضع أثناء الكلام، وذلك بمعيَّة التحكم في الغضب، وقول الصدق دائمًا. ويُشير الإلحاح على قول الصدق إلى أن البلاغة المصرية كانت ذات أساس أخلاقي قوي. وبالطبع كانت هذه القواعد نموذجية، ويمكن أن نكون على يقين من أن المصريين القدماء – شأنهم شأن البشر الآخرين- غالبًا ما كانوا ينتهكون قواعدهم الخاصة.
كان المجتمع المصري مجتمعًا شديد المحافظة، وبسبب التماثل الثقافي الظاهر طوال الامتداد الزمني الهائل للتاريخ المصري، من الشائع إطلاق أحكام حول مصر القديمة تُغفل التغيرات الحادثة. ومع ذلك فإن الفحص الجاد للثقافة المصرية لا يجب أن يبالغ في تبسيط الاستمرارية، خاصة فيما يتعلق باللغة، إن هذا التماثل الثقافي المفترض خادع إلى أقصى مدى. فقد كانت هناك تغيرات جذرية في اللغة المنطوقة. وعلى مدار الزمن تغيرت اللغة المصرية من لغة تركيبية إلى لغة تحليلية(2)، كما كانت هناك تغيرات نحوية رئيسة كذلك(3). بالإضافة إلى ذلك فقد تأثرت اللغة ببعض المؤثرات اللغوية الخارجية؛ ويجعلنا ذلك ندرك أن عبارةً مثل: «البلاغة المصرية تقول كذا.. « ربما لا تُعد عبارة صحيحة لوصف الفترة الكاملة الممتدة من توحيد المملكة حوالي 3100 قبل الميلاد، إلى الاحتلال اليوناني حوالي 30 قبل الميلاد. الكتابات الأكاديمية السابقة حول البلاغة المصرية درست هذا الموضوع وفي خلفيتها فرض مسبق ربما لم يُصرَّح به، هو أن ما يبدو صحيحًا في أي نقطة من التاريخ المصري هو صحيح للحقبة بأكملها. وعلى خلاف المقاربات السابقة، اخترتُ مدخلاً يقسم الفترة التاريخية التي أدرسها وفقًا للدول التاريخية. ونظرًا لأن المؤثرات اللغوية قد أصبحت أكثر بروزًا في عصر الدولة الحديثة التي بدأت في حوالي 1550، فقد فصلتُ هذه الفترة عن عصري الدولة القديمة والوسطى السابقتين عليها. يجب أن تبحث الدراسات اللاحقة البلاغة المصرية في عصر الدولة الحديثة بشكل مستقل، وعلى الرغم من أن المقال الحالي يتعامل مع فترة ممتدة من الزمن تشمل الدولتين القديمة والوسطى والفترة الواصلة فيما بينهما (حوالي 1500 عام)، فقد كانت مصر في هذا الوقت ما تزال ثقافة منغلقة على ذاتها إلى حد كبير. وكما سيرى القارئ، تُظهر أدلة مأخوذة من كتابات هذين العصرين، كيف كانت التوجهات attitudes في تلك الفترة تتسم بالانسجام(4). ومهما يكن من أمر، ربما تستخلص دراسات لاحقة بعض الفروق التي توجد في تلك المرحلة أيضًا. ويجدر بنا التأكيد على الحذر فيما يتعلق بالتواريخ التي تنتمي إليها النصوص المدروسة هنا. ففي حين يمكن أن نكون متأكدين على نحو معقول من تواريخ النقوش والأعمدة الحجرية؛ فإن النصوص الأدبية يمكن أن تثير مشكلة فيما يتعلق بتاريخ ظهورها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تقدم الحقب المختلفة نسخًا مختلفة من نص ما، ويصبح من الصعب إرجاعه لتاريخ محدد. وسوف أعمل على نصوص أرخ لها خبراء في علم المصريات، ومع ذلك – وبسبب غياب اليقين- لابد من أن أقدم نتائجي بوصفها قابلة للمراجعة في المستقبل.
لم تُفحَص البلاغة المصرية بشكل شامل بعد. تقدم ميريام ليشثم Miriam Lichtheim في مقدمة كتابها حول الأدب المصري القديم إشارة سريعة للبلاغة المصرية، ذكرت فيها أنه «فيما يتعلق بالمصريين فقد كان البيان ينبع من التفكير المستقيم (الصريح). وقد تُرك لليونانيين اكتشاف أن البلاغة يمكن أن تدعم غاية لا تستحق unworthy cause» . (5) ومن ثمَّ، فإن ليشثم تسلِّم بالأساس الأخلاقي للبلاغة المصرية. قام ميشيل فوكس Michael Fox بإلقاء نظرة أكثر تفصيلية على البلاغة المصرية في العدد الأول من مجلة Rhetorica، عندما نشر مقالاً بعنوان «البلاغة المصرية القديمة». وقد استخدم فوكس في مقاله – كما أفعل في مقالي هذا- نصوصًا من عصري الدولتين القديمة والوسطى، مع التركيز على نصوص أُطلق عليها الأدب الحكيم wisdom literature، أو التعاليم ‹instructions›. في هذا المقال صُنِّفت الممارسات البلاغية وفقًا لما أسماه فوكس المبادئ(6) canons . تتكون مبادئ فوكس من:
1) البقاء صامتًا،
2) كبح المشاعر،
3) معرفة اللحظة المناسبة للكلام،
4) الكلام بطلاقة،
5) قول الحق.
وقد لاحظ فوكس كذلك أن القيم ethos جزء أساسي من الممارسات المصرية، مقررًا أن «القيم هي الطريقة الأساسية للحجاج في البلاغة المصرية»(7). وقد درس المقال حكاية الفلاح الفصيح، التي قُدِّمتْ على أنها تُناقض فعليًا المبادئ الخمسة سابقة الذكر(8).
بعد مقال فوكس نُشرَت مناقشتان حول البلاغة المصرية لباربرا ليسكو Barbara Lesko وجورج كيندي George Kennedy. كتبت ليسكو عن البلاغة بين النساء المصريات مقالاً ظهر ضمن كتاب «الاستماع إلى أصواتهن: الأنشطة البلاغية لنساء تاريخيات»(9). تبدأ ليسكو بمبادئ فوكس، لكنها تستخدم رسائل نسائية (ربما تم إملاؤها على كاتب)، وتطرح مسألة أن النساء اللاتي أملين الرسائل لم يكُن يتبعن القواعد التي وصفها فوكس. وقد عزت ليسكو هذا الاختلاف إلى حقيقة أن النساء لم يكن متدربات في المدارس التي يحتمل أن قواعد البلاغة كانت تُدرَّس فيها. وتقدم ليسكو مثالًا للبلاغة المصرية يختلف عن الرسائل المملاة المتواضعة. فقد انخرطت الملكة حتشبسوت – في البيانات الملكية المكتوبة على النصب التذكارية- في تبجيل الذات الذي كان أمرًا شائعًا لدى الفراعنة جميعًا؛ ولم يكن مقصورًا على الملكات فحسب. تنتهي مناقشة ليسكو لبلاغة النساء بنظرة موجزة على قصيدتي حب كتبتهما امرأتين من عصر الدولة الحديثة. الطرح الأساس الذي تقدمه ليسكو من كل الأدلة التي توفرت لديها هو أن النساء لا يتقيدن بالتصور المدركللبلاغة المصرية (وهو في الواقع مأخوذ غالبًا من كتابات الرجال). وقد قدم جورج كينيدي مناقشة موجزة للبلاغة المصرية في كتابه الصادر في عام 1998 بعنوان «البلاغة المقارنة Comparative Rhetoric»، حيث يتناول مناقشة فوكس لمبادئ البلاغة المصرية. ويتكلم كينيدي كذلك بالتفصيل عن تعاليم بتاح حتب التي يدعوها «أقدم كتب البلاغة التعليمية المعروفة»(10).
تعد مقاربات فوكس وليسكو وكينيدي للبلاغة المصرية، مع التركيز على النظرية البلاغية غير عادية. ربما كان من الشائع بدرجة أكبر أن تُناقش الكتابات المصرية انطلاقًا من النظرية الأدبية وليس البلاغة. في كتابه (Topos und Mimesis: Zum Ausl?nder in der gyptischen Literatur) يفحص أنتونيو لوبرينو Antonio Loprieno، موضوع الأجانب في الأدب المصري(11). من المؤكد أن توافر مثل هذه الدراسات سوف يساعد في تعميق فهمنا للبلاغة المصرية على نحو مشابه لما فعله أ. ج. فيرارا A. J. Ferrara، مع موضوعات بعينها في النصوص السومرية(12). وفي دراسة شيقة للغاية للممارسات الأدبية المصرية ناقش فان دير وال Van der Walle المعادلات الرقمية منذ عهد الدولة القديمة. وبحسب ما يقول فإن هذه الأرقام بالنسبة للمصريين «كانت محمَّلةً بقيم مقدسة وصوفية»3.(13) وقد أظهر فان دير وال أن هذه المعادلات كانت تُستخدم في عهد الدولة القديمة في إبداع شكل شعري. وحديثًا درس ريندسبرج Rendsburg عددًا من الأساليب الأدبية في «قصة البحار الغريق (أو الملاح التائه)»، وهي أيضًا تنتمي إلى كتابات الدولة الحديثة. وقد عُني رندسبرج على نحو الخصوص بأساليب أدبية مثل التكرار والجناس(14).
من المؤكد أن الدراسات الأدبية يمكن أن تعين على فهم الممارسات البلاغية المصرية، وذلك بمعية دراسات فقه اللغة مثل دراسة «الاقتباسات اليونانية من اللغة المصرية»، التي تدرس العلاقة بين اللغتين اليونانية والمصرية(15). ومع ذلك، فإذا أردنا أن نفهم كيف أثرت الأفكار المصرية البلاغية على المتكلمين والكتاب في ذلك العصر فإننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات ذات التوجه البلاغي.
عناصر الموقف البلاغي والتوجهات نحو اللغة
يمكن التدقيق في الممارسات البلاغية المصرية من خلال التفكير في العناصر المختلفة التي تشكل الثلاثي البلاغي الذي يضم المتكلم والمتلقي والمقام البلاغي rhetorical circumstance. ومع ذلك فإنه لا يمكن التعامل مع هذا الثلاثي بوصفه تحديدًا كاملاً للموقف البلاغي، لأن مثل هذا التعريف سوف يتجاهل طريقة التواصل، كما يتجاهل إدراك أن اللغة ليست وسيطًا شفافًا لتوصيل الأفكار. وبناءً على ذلك، يُصبح إضافة اللغة كعنصر رابع أمرًا ضروريًا، ومن السهل بالنسبة لنا أن نحدد بعض توجهات المصريين نحو اللغة نفسها، وهي توجهات كانت ذات تأثير في الطريقة التي استخدمت بها اللغة.
استنادًا إلى الكتابات المصرية التي وصلتنا يمكن القول إن بعض قواعد اللغة التي تخص العنصر الأول في الثلاثي –أعني المتكلم- ربما يُحتمل أن تكون مناسبة لأي متكلم. وعلى الرغم من ذلك فحين ننظر – على سبيل المثال- في التعليمات الخاصة بالنوع، بما فيها بعض القواعد التي تخص الكلام، سوف نجد أن المتلقي يكون ذكرًا غالبًا، وغالبًا ما يكون منتميًا إلى جماعة أخرى غير جماعة الفلاحين، وهي أقلية صغيرة في مجتمع زراعي. ونظرًا لأن القواعد البلاغية التي تُوصَف في هذا المقال تستند إلى نصوص مكتوبة، فإنني أرغب أيضًا في لفت الانتباه إلى حقيقة أن كل المعلومات مأخوذة من جماعة نخبوية صغيرة من أفراد متعلمين. وكما تذكر ليسكو فإن قواعد البلاغة التي توجد في كتابات المتعلمين ربما لا تنطبق دائمًا على المتكلمين غير المتعلمين. وأنا أنطلق من افتراض أن قواعد البلاغة الموصوفة هنا تنطبق على الثقافة المصرية في عمومها، لكن يجب أن يظل باب التفسيرات البديلة مفتوحًا لاحتمال ظهور مصادر مختلفة.
فيما يتعلق بالمستمع – العنصر الثاني من ثلاثي التواصل- فقد كانت البلاغة المصرية تُحدده وفقًا للطبقة الاجتماعية. ومع ذلك فنظرًا لأن «الطبقة الاجتماعية» مفهوم حديث فربما كان من الأدق القول بأن المصريين – بحاسة عملية للغاية- كانوا يميزون المتلقي استنادًا إلى علاقات القوى. والسؤال الأهم بالنسبة للمتكلم المصري كان: هل الشخص الذي أوجه كلامي إليه يحوز سلطة أقل مني أم أعلى مني؟ وهذا المفهوم مغاير للغاية لمفهوم اليونان والرومان عن المستمع، الذي تطور في ظل الديمقراطية الأثينية والجمهورية الرومانية، وفي كليهما يمكن أن يحدث تبادل للأفكار يقوم على المساواة. أما الدولة المصرية فقد كانت دائمًا إما يحكمها حاكم مستبد – مثل الفرعون- أو غارقة بشكل مؤقت في الفوضى. ومن ثم فإن الحكم على المستمع استنادًا إلى علاقات القوى هو تطور منطقي في البلاغة المصرية. أما فيما يتعلق بالمقام البلاغي – العنصر الثالث من عناصر الثلاثي البلاغي- فلا يوجد نص مصري يحدد المقامات البلاغية على نحو ما يفعل كتاب البلاغة لأرسطو الذي يقسم البلاغة إلى قضائية واستشارية واحتفالية، ولكننا نستطيع أن نستخلص بعض النتائج عنها. فاستنادًا إلى الكتابات التي وصلتنا، أُعطيت قواعد للكلام في تنويعة من المواقف؛ تشمل المحادثات الفردية والاجتماعية، الفحوصات القضائية، الاحتفالات الدينية، والحوارات في الساحة الملكية، وإن كنا لا نملك صورة مكتملة عن هذه القواعد.
اللغة بوصفها سحرًا
العنصر الرابع من عناصر التواصل هو أكثر استعصاءً على النقاش، لأنه موضوع متصل بالطريقة التي كان يشعر بها المجتمع المصري – ربما بشكل غير واعٍ- نحو شيء يبدو غاية في الطبيعية؛ أعني الطريقة التي نتكلم بها. ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للأدلة الموجودة يتيح لنا وصف بعض المعتقدات التي تشكل أساس الممارسات اللغوية. أحد هذه المعتقدات التي توجد أدلة تؤكده هو التصور الشائع بين المصريين بأن اللغة ذات قوى سحرية، على الأقل في السياق الديني. ومن بين أساطير الخلق المتنوعة التي توجد في الدين المصري أسطورة أخاذة من وجهة النظر اللغوية. تصوِّر هذه الأسطورة أن خلق العالم تم من خلال الكلام (وهو ما يستدعي مقارنة مع قصة الخلق في سفر التكوين). وفقًا للأسطورة المصرية – التي ترجع إلى عصر ممفيس في الدولة القديمة- فإن «بتاح الأعظم هو واهب الحياة لجميع الآلهة ولقرنائهم الروحيين (16) Kas، بواسطة هذا القلب وهذا اللسان» (ليشثيم، ص 54). تقوم قوة التفكير وقوة الكلام في هذه الأسطورة بفعل الخلق. وقد وصفت قوة اللغة ربما بشكل أكثر حيوية في سطر آخر من نفس الأسطورة «النظر والسمع والتنفس، كلها تصب في وعاء القلب، وهو يجعل كل بصيرة ممكنة. أما اللسان فهو يكرر ما استنبطه القلب. وهكذا ولدت جميع الآلهة، واكتملت تساعية بتاح» ص54. بل يذهب فيليب درشين Phillippe Derchain إلى أنَّ فكرة الخلق بواسطة اللغة ربما نشأت من اعتقادات مصرية أقدم بأن الفرعون يمتلك قوة محاربة أعدائه بواسطة اللغة. يقول دورشين في سياق كتابته عن نقش لسيزوستريس الثالث إن «قدرة الملك ذات طبيعة كلامية صرفة4»(17). ويخرج ديرشين من ذلك بفكرة أننا «يمكننا أن نعتقد أن خلق الكون من خلال الكلمة يوجد فى نظرية السلطة الملكية، وهذه الأخيرة هى نفسها صادرة عن تخمينات مستلهمة من صيغ أدبية5».(18)
بالإضافة إلى امتلاك اللغة سلطةَ خلقٍ هائلة، فإن سحر اللغة يمكن أن يؤثر كذلك على المصريين بشكل فردي، سواء في العالم الدنيوي أو العالم الآخر. فالتعاويذ السحرية يمكن أن تكون جزءًا من العبادة (وقد كانت هذه التعاويذ في الواقع جزءًا من الدين). ونجد في عصر الدولة الوسطى شكوى من أن لغز التعاويذ قد فُقد؛ ففي كتاب ’تحذيرات Ipuwer‘ نقرأ قول «لو»: «لقد ذاع سر التعاويذ السحرية، فأصبحت التعاويذ عديمة النفع بسبب ترديد الناس لها» (ليشثيم، 155). أما في حكاية الحفلة المقامة على المركب فقد اقترح أحد السحرة استخدام الكلمات لتحريك نصف مياه البحيرة: «ثم أطلق كلماته السحرية، وعاد ماء البحيرة إلى مكانه» (ص 127). حتى في العالم الآخر، يمكن أن تؤدي معرفة الكلمات الصحيحة إلى تغيير مصير الروح، ونظرًا لأن الموتى كانوا يحتاجون في بعض الأحيان إلى معرفة الكلمات الصائبة في العالم الآخر لكي يتجنبوا المخاطر، فإن «هؤلاء الذين ماتوا دون أن يعرفوا ما يجب عليهم قوله عندما يخضعون للحساب أمام الآلهة في العالم السفلي سوف يضيعون إلى الأبد»(19). ومعرفة الكلمات الصائبة يمكن أن يعني – بشكل حرفي – إنقاذ روح مصرية.
لقد كان إيمان المصريين بالسحر قويًا للغاية إلى حد أن الثقافة اخترعت تشخيصًا لرب الكلام الفصيح، اسمه ’هوْ‘ Hu. وقد وجد هذا التشخيص بالفعل في فترة مبكرة من عصر الدولة القديمة، وفي أحد نصوص الأهرام في عصر الدولة القديمة نجد سطورًا تتحدث فيها ربة سماوية إلى الفرعون أوناس Unas:
اجعل كرسيك في السماء
إلى جوار نجوم السماء
لأنك النجم الوحيد
أنت رفيق ’هوْ‘ Hu» (ليشثيم).
ويشير نص تابوتي يرجع إلى عصر الدولة الوسطى إلى أن ’هوْ‘ كان ما يزال مفهومًا ضروريًا، كما يظهر في النقش الآتي: «إن أوصالي لا ترتعش خوفًا، لأن ’هوْ‘ و’هايك‘ Hike دمروا لأجلي ذلك الكائن الشرير(20)»، وقد وجد ضمن نقوش أبنية الدولة الحديثة في عهد سيزوستريس الأول النقش الآتي: «ثم أجاب الرفقاء الملكيون ربهم، وتكلموا قائلين: أيها الملك إن ’هوْ‘ Hu في فمك، وسيا Sia خلفك(21)». كما نلاحظ من خلال هذه النقوش أن أحد الصفات المعزوة للفرعون شبيه الإله هي قوة البيان.
سلطة الأسماء
موقف المصريين من سلطة الأسماء يظهر بشكل مثير للاهتمام في اعتقادهم بأن للأسماء قوى سحرية، وهو موقف يأخذ عدة أشكال. يكتب ستيفن كيرك Stephen Quirke وجيفري سبنسر Jeffrey Spencer أن التعاليم المصرية المبكرة للمعرفة كانت تتكون بشكل أساس من قوائم من الأسماء، وأن هذه القوائم «تكشف عن الاعتقاد في القوى الشاملة للكلمات(22)». وقد تجلى الاعتقاد في أن للأسماء قوة في فكرة أن القدرة على تسمية شيء ما تعطي للمرء سلطةً على هذا الشيء. وتوجد إشارات إلى هذا المعتقد في عصري الدولتين القديمة والوسطى. أما في الإطار الديني فنجد قصة تحكي عن كيفية اكتساب الآلهة إيزيس سلطة مساوية لسلطة الإله رع إله الشمس بواسطة استدراجه إلى إخبارها باسمه». ويمكن أن نقرأ أيضًا من أحد نصوص الأهرام التي ترجع إلى عصر الدولة القديمة أن «الفرعون أوناس Unas هو سيد الدهاء، حتى إن أمه لا تعرف اسمه» (ليشثيم، ص36). وهكذا فإن الفرعون أوناس شديد القوة إلى حد أن أمه – التي تُسمِّي طفلها في العادة- لا تمتلك القدرة على معرفة اسمه. ويواصل نص تابوتي يرجع إلى الدولة الوسطى فكرة امتلاك السلطة من خلال امتلاك اسم مجهول: الكلمات التي نطقها هو، المجهولة أسماؤه، الرب الكامل، حين تكلم أمام من أسكتوا العاصفة» (ص 131). وعلى نحو مشابه نجد في الترانيم الموجهة للإله حابي – إله النيل- نجد النص الآتي: «حابي الجليل في ملكوته، اسمه مجهول لمن هم أدنى منه، لا يكشفه للآلهة» (ص 209). وفي جميع هذه الإحالات من الواضح أنه يُستحوَذ على القوة من خلال عدم الكشف عن مصدر هذه القوة؛ أعني الاسم.
يوجد بعد آخر من أبعاد قوة الأسماء يناقض البعد السابق؛ حيث وجِدَ اعتقاد بأن الاسم يعبر عن القوة من خلال الكشف عنه. وقد طورت الملكية المصرية – فيما يتعلق بذلك- عُرفًا هو أن يكون لدى الفرعون خمسة أسماء، كل اسم يكوَّن من نمط معين (مثل اسم حورس)(23)، ويعبَّر عن بعض جوانب القوة التي يريد الفرعون الدعاية لها. ويكشف أحد نصوص التوابيت، يرجع إلى عصر الدولة الوسطى، عن الفكرة ذاتها بقوله: «رب الرياح الذي يعلن هبوب رياح الشمال، الغني بالأسماء في فم التساعي The Enead (ص 132). وتشير عبارة ’الغني بأسمائه‘ غير العادية إلى الموقف من قوة الأسماء، فكلما كثرت الأسماء زادت القوة. وقد وُجِد بُعد ثالث يخص الأسماء، هو قدرتها على جلب الخير للشخص الذي ’يمتلكها‘. بعض هذه المنافع الخيرة قد تكون أشياء يمكن إدراكها في الوقت الراهن مثل السمعة الطيبة، لكن الاعتقاد السحري في الأسماء كان كذلك تصورًا دينيًا، مع الوضع في الاعتبار المعتقد المصري الذي يرى أن روح الإنسان تحيا ما دام اسمه حيًا. وتعود فكرة أهمية الأسماء الطيبة إلى عصر الدولة القديمة، مع تعاليم بتاح حوتب «إذا كان اسمك طيبًا فإنك غير هالك» (ليشثيم، ص 67)(24). واستمرت الفكرة في العصر الانتقالي في التعليمات الموجهة للملك ميريكار Merikare (كما أن اسم الرجل لم يُستصغر بسبب أفعاله، فإن المدينة المستقرة لن يمسسها سوء). كما استمرت الفكرة في عصر الدولة الوسطى، وإن أخذت شكل صيغة نفي مثيرة للاهتمام، جاءت على لسان السارد المكتئب في قصة «الخلاف بين رجل وتجليه الروحي (25) ba» («لو: تنبعث من اسمي أدخنة/أشد نتنًا من رائحة الجيف/في أيامٍ صيفية صهدة»). وتوجد أبيات شعرية ثمانية أخرى تتضمن استعارات تشوه الاسم). ص 166. لقد كان الاحتفاظ باسم طيب أمرًا مهمًا لدى المصريين، وربما كانت محاولة الحصول على اسم طيب والمحافظة عليه مصدرًا للتأثير في السلوك الأخلاقي.
يكشف لنا الاستشهاد التالي – الذي يعود تاريخه إلى ما بعد الدولة القديمة- عن أهمية الاسم لدى المصريين فيما يتعلق بأفكارهم حول الحياة الأبدية. وتحتوي التعاليم الموجهة للملك مركار التي ترجع إلى الفترة الانتقالية بين الدولتين القديمة والوسطى على السطور الآتية: «اجعل أعمالك الباقيات تليق بالإله/ حتى تحفظ اسم فاعلها حيًّا» ص 102. وتشير التعاليم إلى الرابط الديني بشكل أكثر وضوحًا في قسم آخر: «اعمل لله، سوف يعمل الله لك أيضًا/مع القرابين التي تجعل الآخر يزدهر/مع النقوش التي تجعل اسمك يحلق في الآفاق/ يشكر الله هؤلاء الذين يعملون لأجله.» (ص 106). أثناء الدولة الوسطى كُتبت نقوش على بناء للفرعون سيزوستريس الأول تقول: «من يخطط لنفسه لا يطويه النسيان، لأن اسمه سوف يظل يتردد بسبب أعماله.» ص 117. وفي إشارة مشابهة إلى خلود الاسم تقول حكاية الفلاح الفصيح»
-عندما ووري الثرى وغطاه التراب
-لم يتلاش اسمه من الأرض
-فقد ظل مذكورًا بسبب أعماله الصالحات» ص 181،
وقد نُقشت أغنيةٌ ملحنةٌ على عمود تأبيني تحمل السطور الآتية: «لديك نسمة رياح الشمال المنعشة!/هكذا يقول مغنيه الذي حفظ اسمه من الفناء.» ص 194. ومن خلال فهمنا للمعتقد الكامن وراء جميع هذه الاستشهادات، ندرك إلى أي مدى يعتبر سعي فرعون ما لمحو اسم فرعون سابق عملاً شديد الخطورة، لأنه يشبه محاولة محو الشخص.
قيمة الكلام البارع
يمكن أن تنطبق فكرة ديرشين – القائلة بأن أسطورة ممفيت عن الخلق بواسطة اللغة قد نشأت من أفكار شائعة، وإن كانت أسطورية- على المعتقدات الخاصة بقوة اللغة. من المحتمل أن هذه المعتقدات السحرية ظهرت كامتداد لبعض الملاحظات اليومية حول ما يمكن إنجازه بواسطة الاستخدام البارع للغة. وقد وجدت إشارات إلى القوة الأكثر واقعية التي يحوزها المتكلم البارع في بعض الكتابات المصرية. وتحتوي التعاليم الموجهة إلى الملك مركار على السطور الآتية:
«إذا ما كنت بارعًا في الكلام، فسوف تحرز الفوز
فاللسان سيف ملكي
والتكلم أقوى من جميع أنواع القتال
فالبارع في الكلام لا يغلبه أحد» ص 99.
وفيما بعد في عصر الدولة الوسطى يقول راوي حكاية الملاح التائه: «يجب أن تكون حاضر البديهة حين تتحدث مع الملك. يجب أن تجيب دون لعثمة! لسان المرء قد ينقذه من الهلاك. وكلماته يمكن أن تهبه الغفران» ص 212. ومن ثمَّ، هناك اعتراف عملي بقوة الفصاحة في الحياة اليومية.
ترتبط بفكرة أن الكلام الفصيح يحوز قوة فكرة أخرى هي أن مثل هذا الكلام مفيد وقيم. ومنذ الدولة القديمة تحتوي تعليمات بتاح حتب على إشارات توضح هذه الفكرة. «لو أنه طليق اللسان/فسوف يكون من غير الصعب على الرسول إعلامنا.» (ص 67) و»المتكلم الفصيح هو من يحق له الكلام في المجلس». وتُظهر هذه الاقتباسات أهمية فصاحة الكلام في الظروف السياسية. ويمكن الوقوف على قيمة الكلام الفصيح من خلال عملين آخرين من الحقبة الوسيطة الأولى. فالسيرة الذاتية لأنختيفي Ankhtifi تقرر «أنا غُرَّة الرجال (..) قوي في الكلام، جامع في التفكير» ص 86. وبالإضافة إلى هذا العمل، فإن القدرة على استخدام الكلام بهدف تجنب المتاعب ووصِفت من خلال رسوم، ربما تحمل طابعًا استعاريًا، نُقشت على شاهد قبر ميرر كبير الخدم بإدفو. هذه الشواهد غالبًا ما كانت تستخدم كنوع من امتداح السيرة الذاتية، يعلن الميت من خلالها عن فضائل أعماله. «لم أُسرَق، ولم يُبصق على وجهي، وكانت أفعالي على قدر أقوالي» 87. وهكذا كان من بين المزايا العملية للكلام الطيب أنه يجعل حياة المرء أسهل عن طريق تجنب المصاعب. وقد كرر شاهد آخر هو شاهد أنتيف بن سنت – يرجع إلى فترة أحدث من فترات الدولة الوسطى- هذا التراث، ومرة أخرى نجد إشارات متعددة إلى مهارة الميت في استخدام الكلام (ويشير ذلك إلى أن هذه المهارة كانت من الخصال الطيبة للميت، ربما ببعض المبالغة كما رأينا من قبل مع الفراعنة): «أنا سهل الانقياد، عطوف ودود/ أنا من يمسح دمع المحزونين بكلماته الطيبة»؛ «أنا امرؤ مستقيم في البيت الملكي/يعرف ما يجب أن يُقال في كل مقام»؛ «أنا المفوَّه في ساحة العدل (القضاء)/ماهر في الكلام في المواقف العصيبة» ص122. ويشير شاهدُ قبر مشابه – هو شاهد اخرنفرت الذي يرجع إلى العصر الوسيط- إلى المتوفَّى باستخدام ضمير الغيبة، كما لو أن فرعون كان يتحدث إليه مستخدمًا ضمير المتكلم: «لقد اتخذ منك مولاي رفيقًا عندما كنت شابًا في السادسة والعشرين. لقد فعل مولاي ذلك لأنني رأيت فيك امرءًا حسُن التصرف، عفيف اللسان، كأنك ولدت من رحم الحكمة.» ص 124. ويُشار في هذا النص إلى مهارة الكلام، لأن الشخص الذي تلقى عطاء فرعون مذكور بشكل جزئي بسبب مهارته في الكلام؛ وبالتحديد بسبب عفة لسانه. وفي عصر الدولة الوسطى أيضًا نجد حكاية الفلاح الفصيح التي يعاني فيها الفلاح – على سبيل المفارقة- لأن كلامه الرائع يحظى بإعجاب كبير، لكن القصة بشكل واضح تشير في الوقت ذاته – من خلال الإعجاب بالمهارة اللغوية التي يبديها- إلى المدى الهائل الذي كان يصل إليه تقدير مثل هذا الكلام الماهر. «ثم وقف القهرمان الكبير رينسي ابن ميرو بين يدي فخامته وقال: «مولاي: لقد وجدت من بين هؤلاء الفلاحين من هو حقًا رائع الكلام». «قال فخامته: بقدر ما ترغب في أن تراني معافى، عليك أن تتحفظ عليه هنا. . ولكي تجعله يواصل الكلام، الزم الصمت» ص172- 173. ولقد كانت مهارة كلام الفلاح عظيمة للغاية إلى حد أن فرعون يتحايل لكي يستمع إليه.
وتشير حكاية الفلاح الفصيح إلى معتقد تكرر أكثر من مرة هو فكرة أن المهارة في استخدام اللغة أو البيان لا تنتمي بالضرورة إلى طبقة بعينها أو جماعة محددة من البشر. ففي هذه القصة، كان الشخص الذي حظي بهذه المهارة فلاحًا عاديًا من عامة الشعب، يُحتَال عليه بشكل سيكولوجي لكي يستمر في الكلام، ومن ثم يتسنى لفرعون الاستمتاع بشكواه الفصيحة. وتعود نفس الفكرة إلى عصر الدولة القديمة أيضًا، وذلك في تعاليم بتاح حتب التي تتضمن السطر الآتي: «الكلام الجيد أكثر ندرةً من الحجر الأخضر/ ومع ذلك يمكنك العثور عليه لدى الخادمات اللواتي يُدرن الطواحين الحجرية» ص 63. وفي هذا النص كذلك، فإن شخصًا من طبقة اجتماعية متواضعة (وامرأة)، ينص على احتمال أن تحوز مثل هذه المهارة. ويثير هذه النص ملاحظات على مسألتين مترابطتين. فبالنظر إلى علاقات القوى في المجتمع المصري، نجد أن الهوة كانت شاسعة بين الطبقات الاجتماعية؛ وعلى الرغم من أن اللغة كانت معترفًا بها كمصدر عظيم للقوة، فإن القدرة اللغوية كان يُعترَف بوجودها (على الأقل في الأعمال الأدبية) لدى أقل أعضاء المجتمع حيازة للقوة. والملاحظة الثانية تتصل بسياق النقاش الذي دار في البلاغة اليونانية حول ما إذا كانت المهارة البلاغية فطرية أم مكتسبة. واستنادًا إلى الاستشهادين السابقين فإن وجهة النظر المصرية ترى بوضوح أن أي شخص يمكن أن يولد بقدرة أساسية (على الرغم من أنه توجد إحالات أخرى تشير إلى فكرة التعلم بهدف التحول إلى متكلم ماهر)(26).
تعطينا النصوص المصرية كذلك معلومات عن التوجهات نحو الكتابة، بالإضافة إلى أفكار حول مهارة التكلم. لقد كانت مصر القديمة – مثل اليونان القديمة- مجتمعًا شفاهيًا على النحو الأغلب، ومثل اليونان القديمة أيضًا كانت الكتابة غير شائعة. مع ذلك – وعلى خلاف اليونان- كانت الكتابة في مصر مرتبطة بشكل أساس بالخدمات الحكومية، وتُتعلَّم في مدارس حكومية، ويؤدي اكتسابها إلى حيازة مكانة حكومية مرغوبة. وبسبب ارتباط الكتابة بالمكانة الاجتماعية في مجتمع شديد المحافظة، والتعقد الشديد لنظام الكتابة المصري، من المحتمل بقوة أن تعلم الكتابة بدا للمصري العادي شيئًا لا يمكن تخيله (على الرغم من أن المواطنين العاديين كانوا يستخدمون النساخ لكتابة الرسائل). ومن المحتمل أن العوامل السابقة ساهمت جزئيًا في أن يربط المصريون بين الكتابة والسحر والمعارف الخاصة، وهي فكرة ظهرت أيضًا في ثقافات أخرى. والكتابات التي وصلتنا من عصر الدولة الوسطى تُظهر الارتباط بين الكتابة والسحر. وتصف نبؤات نفرتي The prophecies of Neferti رجلًا يقوم بقراءة المستقبل لفرعون. هذا الرجل الذي يستطيع معرفة المستقبل يعمل ناسخًا أيضًا: «أيها الملك، يا ربنا، يوجد مرتل- كاهن عظيم ببسطاط؛ اسمه نفرتي. إنه كاهن ذو ذراع باسلة، وناسخٌ ذو أصابع ماهرة» ليشثيم 140. وفي قصة أخرى هي قصة حفلة المركب يطلب الفرعون إحضار ساحر بواسطة الجملة الآتية: «اذهب، وأحضر رئيس المرتلين- الكهنة، ناسخ الكتب.» ص 216. وفي ’الساحر دجدي‘ يقول الساحر أثناء استعداده للذهاب إلى الفرعون: «دعني آخذ زورقًا كي يتسنى لي إحضار أبنائي وكتبي» ص218. وقد ساد الاعتقاد بأن القدرة على الكتابة ترتبط بالقدرة على فهم الأشياء التي توجد فيما وراء المعارف اليومية، وصولاً إلى السحر. لقد تغير نظام الكتابة المصري على نحو هائل في شكله المرئي – وربما في بنيته كذلك- على امتداد ثلاثة آلاف عام من الهيروغليفية إلى الهيرطقية إلى الديموطيقية. وعلى الرغم من أن الشكل الديموطيقي كان أكثر يسرًا في الكتابة، فإن المصريين احتفظوا بالشكل الأصلي الهيروغليفي – الأكثر تعقيدًا- لأجل الأغراض الدينية، وقد كانت الهيروغليفية تُسمَّى «كلمات الإله»(27). لقد كانت الكتابة في الواقع على نحو كبير من الأهمية، وكانت مهارة نادرة إلى حد أنه كان يتم تصوير الفراعنة والنبلاء نحتًا أو رسمًا وهم يقومون بالكتابة بأنفسهم(28).
كيف تكون بلاغيًا جيدًا: القواعد المصرية للبلاغة
لقد كانت قواعد الكلام في مصر القديمة تُعلَّم من خلال عدة طرق، ربما كان أشيعها ملاحظة ومراقبة ما يستحسنه أو يستهجنه أناس آخرون. ومع ذلك يبدو أن بعض هذه القواعد ربما كانت تُدرَّس بشكل صريح (كما يظهر ذلك من خلال نوع التعاليم)(29). وهو جانب من جوانب البلاغة المصرية نشأ من السياق الثقافي المصري على نحو واضح، وينقسم إلى مجموعة من القواعد التي تُعلِّم المصري كيف يكون مواطنًا صالحًا في حياته العامة، ومجموعة أخرى تخص كيف يمكن أن يكون إنسانا صالحًا في حياته الخاصة. واستخدام اللغة في الحالتين يهدف إلى جعل المتكلم إنسانا أفضل، سواءً في حياته العامة أم الخاصة. ويتناسب هذا مع تأكيد ليشثيم الذي أوردتُه سابقًا حول أن الفصاحة المصرية تُربَط بشكل مباشر بالتفكير المستقيم، وأن الإغريق اكتشفوا أنها يمكن أن تُستخدم لأغراض دنيئة. تُذكرنا فكرة الارتباط بين الفصاحة وصلاح المرء، وفكرة وجود قواعد بلاغية تجعل من المتكلم مواطنًا صالحًا بمقولة كينتليان «الرجل الصالح حَسَن الكلام»، كما تذكرنا باهتمام شيشرون بالبلاغة في الجمهورية. ومما لا شك فيه أن القواعد المصرية للبلاغة، الهادفة إلى خلق مواطن صالح، تنبع من حقيقة أن مصر كانت مجتمعًا طبقيًا محافظًا.
أن تكون مواطنًا صالحًا
أحد القواعد البلاغية الصريحة – والتي يمكن استخلاصها من إشارات ومصادر عديدة متنوعة وتعكس بشكل مميز الطبيعة المحافظة لهذه الثقافة- هو الأمر بالاتباع وليس الابتداع، بل الأمر بترديد الأشياء كما تُلقَّن. مثل هذه القاعدة يُحتمل أن تصون تقاليد الثقافة وتحافظ عليها، وربما تكون هذه الوصية قد نشأت في ثقافة شفاهية قبل أن تُخترع الكتابة. وتكشف العديد من الاستشهادات التي ترجع إلى عصر الدولة القديمة بالفعل عن وجود هذه القاعدة البلاغية. فمن بين نقوش مقبرة نفر- سيشم ري نجد النص الآتي: «لقد تكلمت على النحو اللائق، لقد كررت ما قيل على النحو اللائق» (ليشثيم، ص 17). ونجد في هذا النص المبكر ارتباطًا بين الكلام والترديد، وسوف تتكرر التوصية بترديد الكلام على نحو متكرر. فالسطور الآتية وردت في السيرة الذاتية لهرخوف Harkhuf «أنا المرء الذي تكلَّم على نحو ملائم، وردَّد ما كان يُرغب فيه» (ص 24). ومن تعاليم بتاح حُتب تُعلِّم القاعدة البلاغية على نحو مكشوف. «علِّم ابنك أن يكون منصتًا، أن يكون شخصًا يُقدره النبلاء، شخصًا يسترشد في كلامه بما قيل له» (ص74). ويكشف لنا شاهد قبر يرجع إلى عصر الدول الوسطى عن أن الترديد الصحيح كان ما يزال يلقى تقديرًا حتى ذلك الوقت. فشاهِد سحتب- اب- ري يصفه بأنه «سيِّد الأسرار في المعابد؛ مراقب جميع الأعمال في بيت الملك، أكثر دقة من الفادن6 موفِّي الموازين، إنه صبور، كفء في المجلس، يقول ما هو طيب، ويكرر ما يُبهج» (ص127). وتوجد أدلة ممتدة من عصر الدولة القديمة إلى الوسطى حول تقدير المصريين للترديد بوصفه كلامًا طيبًا(30).
هناك قاعدة ثانية من قواعد الكلام الناجح في البلاغة المصرية – ساعدتْ المتكلم أيضًا لكي يتصرف بوصفه مواطنًا صالحًا في إطار هذه الثقافة- هي فكرة أن الكلام الملائم يعتمد على المكانة الاجتماعية للمستمع. ولأن مثل هذه القاعدة سوف تساعد على بقاء بعض التمييز الاجتماعي بين الطبقات؛ فإنها تعكس علاوة على ذلك الطبيعة المحافظة للمجتمع المصري. كما أنها اعتراف بالحاجة إلى الكلام بشكل مختلف أمام جمهور مختلف. هذه القواعد التي تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية دُرِّسَتْ على نحو صريح في تعليمات بتاح حتب في عصر الدولة القديمة. يُسمِّي الكاتب في أقسام مختلفة من التعليمات ثلاث طبقات اجتماعية يُوجَّه الحديث إليها («الرجل القوي ذو المكانة الأعلى منك، ونظيرك الذي يُضاهيك، والرجل الفقير الذي لا يُضاهيك.» ليشثيم، ص 64)، ثم يقدم الكاتب بعض النصائح. تقدم نفس التعاليم أيضًا نصائح تخص الكلام أثناء العشاء مع الطبقة العليا «إذا كنت أحد الضيوف/على مائدة شخص أكبر مكانة منك. . . لا تتحدث معه حتى يدعوك للكلام/ فالمرء لا يعرف ما الذي قد ينزع السرور/فتكلم عندما يوجِّه إليك الكلام». كما تُلمِح التعاليم كذلك إلى عواقب اجتراءات اللسان، «حقير هو مَنْ يعارض مَنْ هو أعلى مكانةً منه» (ص72). وينتج عن الاستشهاد السابق أن قاعدة تكييف الكلام بحسب المُخاطَب تتخذ من الاعتراف بالسلطة أساسًا لها.
يمكن أن نجد القاعدة نفسها في فترة لاحقة في عصر الدولة الوسطى. فعلى الرغم من أن حكاية الملاح التائه كُتِبت بعد تعليمات بتاح حتب بعدة مئات من السنين فإنها تحتوي على النصائح نفسها بشأن إجابة أسئلة مَنْ هم أعلى مكانة: «يجب أن تجيب عندما تُسأل، يجب أن تكون حاضر البديهة عندما تخاطب الملك، يجب أن تجيب دون لعثمة» (ص 212). وتقدم هجائية الحرفيين The satire of the trade، نصيحة أخرى تخص التكلم مع مَنْ هم أعلى مكانة في قسمٍ عن التعامل مع رجال رسميين جاء فيها:
عندما تدخل منزل رجل
ويكون مشغولاً مع شخص ما حضر قبلك
اجلس واضعًا يدك على فمك
لا تطلب منه شيئًا (..) كن راسخًا وذا نبل
لا تتكلم في أشياء سرية
لا تقل أشياءً دونما اكتراث» ص 190.
وتكشف هذه القطعة كذلك عن أنه من الحصافة احتفاظ المرء بأفكاره لنفسه. وقد كان هذا التكتم (قلة الكلام) قيمة أخرى من قيم البلاغة المصرية. ففي قصة سنوحي ذائعة الصيت، كان سنوحي على يقين بأنه لا يجدر به أن يكون خائفًا لأنه لم يُسئ لفرعون: «ما الذي فعلته ويمكن أن يُحسب عليك؟ لم تَلعن حتى يُستنكر كلامك. ولم تتكلم ضد مجلس النبلاء حتى يُعترض على كلماتك» ص229. ولأن سنوحي لم ينتهك قاعدة تكييف كلامه حتى يتناسب مع مَنْ هم أعلى مكانة منه فإنه قد أُخبر بألا يخشى شيئًا.
بالإضافة إلى مطلب تكييف الكلام وفقًا لمكانة المستمع عوَّلت قاعدة بلاغية ثالثة بدرجة عظيمة على قول كلام صادق عادل. ويبدو أن البلاغة المصرية تتسق – على خلاف البلاغة اليونانية- مع اعتقاد أفلاطون بأن البحث عن الحقيقة أهم بكثير من الإقناع الماكر للبلاغة. وقد لخص باركينسون هذه القاعدة التي عُبِّر عنها في تعاليم (أو دروس) نوع الكتابة: «في هذه الدروس توجد توصيات متكررة بأن يُقال أو يُفعل الصدق في سياقات الحياة العامة والخاصة»(31). وتوجد أدلة على هذا منذ البواكير، فالنص الآتي نُقش على قبر نفر- سيشم- ري: «لقد قلتُ الحق، لقد فعلتُ الحق» ليشثيم 24، وعلى نحو مشابه فإن السيرة الذاتية لحرخوف تمدحه بالسطر الآتي: «لقد كنتُ المرء الذي يتكلم على نحو ملائم (عادل)». وقد أُعطيت التوصية بقول الحق في شكلين سلبي وإيجابي في تعاليم بتاح حتب:
لو أنك كنت قاضيًا حسن السمعة
مفوضًا لإرضاء الكثيرين
التزم بالسراط المستقيم
وعندما تتحدث لا تنحز إلى جانب واحد
احذر .. خشية أن يختصمك أحد» ص71،
والنص الآتي يقدم النصيحة بشكل سلبي: «الأحمق يعيش على ما يموت به المرء/غذاؤه تحريف الكلام» ص 75. في هذا النص يُعد التزييف صفة سلبية يمكن أن تقود إلى تدمير المتكلم. وتستمر هذه الفكرة حتى العصر الانتقالي بعد الدولة القديمة في التعاليم الموجهة للملك ميركار، التي يقول فيها: «قل الحق في منزلك»، ص 100. وقد وجدت قاعدة الصدق البلاغية على نحو شائع في عصر الدولة الوسطى. فعلى شاهد قبر حدودي كُتب: «بقدر ما يعيش أبي لي سأقول الصدق» ص 119. وفي حقبة الفوضى الاجتماعية تنوح شكاوى شخبير- سونب على «غياب قول الحق» ص 148. وقد ذكر الفلاح الفصيح شكوى مماثلة، عندما انتُقد موظف رسمي لأنه تجاهل الالتماس الذي قدمه للمساعدة، وعن طريق هذه الشكوى يعطي الفلاح بالفعل نصيحة عن الكلام بشكل فصيح: «أنت لا تُجازي كلامي الطيب الذي ينسال من فم رع نفسه!/ اعدل في قولك وفعلك/فالعظمة تكمن في ذلك.» 181. هذه الوصايا المتكررة عبر مئات من السنين تؤكد باستمرار قيمة قول الصدق بوصفه قيمة من قيم الثقافة المصرية.
أن تكون إنسانًا صالحًا
بموازاة القواعد البلاغية المصرية التي تخص كيفية التصرف كمواطن صالح في الحياة العامة، كانت توجد قواعد بلاغية تخص كيفية التصرف كإنسان صالح في الحياة الخاصة. أن يكون المرء صالحًا في هذه الثقافة كان بنفس بدرجة أهمية أن يكون بلاغيًا مقنعًا ومؤثرًا. كانت قاعدة قول الصدق والحق قاعدة هامة في صلاح المرء كمواطن وإنسان، كما سبق أن أسلفنا. وبالإضافة إلى هذه القاعدة كانت توجد أربع قواعد بلاغية أخرى، تعد جميعًا تفريعات للوصية العامة التي تضع قيدًا على الكلام، والتي صيغت في اقتباس سابق على النحو الآتي: «لا تتحدث من غير اكتراث» 190. تشير هذه القواعد الكابحة للكلام إلى أن المصري يجب أن يكون متواضعًا في كلامه، متجنبًا للكلام الغاضب، لا ينتقد من هو أعلى مكانة منه، وأن يبقى صامتًا. ومما لا يثير الدهشة وجود مثل هذه القواعد في مجتمع محافظ مثل المجتمع المصري القديم، ولذلك فإن هذه القواعد على الرغم من أنها قواعد للسلوك الشخصي فإنها تعمل على هذا النحو كما لو أنها ذات وظائف اجتماعية أوسع.
القاعدة الكابحة الأولى هي أن يُظهر المتكلم التواضع أثناء الكلام(32). ومنذ عصر الدولة القديمة، تنصح التعاليم الموجهة لكاجمني Kagemni، أن المتكلم سوف يستفيد من التواضع: «الرجل الناجح، الجدير بالاحترام والمديح، هو الأكثر تواضعًا» (ليشثيم 59)، وفي نفس العمل نجد النص الآتي: «عندما تُستدعى للمثول (بين يدي أحد الكبراء)، لا تتفاخر بالقوة». ص 60. وأثناء الدولة القديمة كان التفاخر والتباهي من السلوكيات غير المقبولة على نحو واضح. وفي عصر الدولة القديمة أيضًا كانت تعاليم بتاح حتب تنصح بأن «لا تتفاخر على جيرانك» ص 66. وقد وجدتْ فضيلة عدم التفاخر منقوشة على شاهد مقبرة سيزوستريس الثالث: «لم يخرج من فمي أيَّ تباهٍ» ص119.
لقد كان تجنب الكلام الغاضب المغيظ هو القاعدة الثانية للكبح. وقد عُدَّ هذا مهمًا بما يكفي إلى حد أن تعاليم بتاح- حتب تكرر هذه النصيحة خمس مرات:
1) خذ الحذر من السباب/ الذي يوقع بين العظماء/ الزم الحق، لا تُجاوزه/واحرص ألا يعاودك الغضب (الهيجان) ص65.
2) وجاء ضمن نصيحة تقدم للأب بشأن التعامل الأمثل مع ابنه يقول: لو أن (الابن) ضلَّ الطريق، وأغفل نصائحك/ وعصى كل ما قيل/ وانثال من فمه كلام شرير/ فعاقبه على كل ما قال» ص 67.
3) «الرجل الموثوق به الذي لا يثقب صرة كلامه/ هو ذاته يُصبح قائدًا(33)».
4) لا تُردد الافتراءات/ولا تستمع لها/إنها نفثات بطن منتفخة» ص70.
5) من يتلاسن (بالكلام) هو شخص لا عقل له، ص 72.
إن شعور كاتب هذه التعاليم بأنه من الضروري تكرار هذا المبدأ عدة مرات يؤكد في الحقيقة أهمية كبح الكلام الغاضب. وتشير إحالتان ترجعان إلى عصر الدولة الوسطى أن هذه القاعدة كانت لا تزال تحظى بالتقدير بعد مرور مئات السنين. نقرأ على شاهد مقبرة أنتف ابن سنت: «أنا بارد الأعصاب، لا أتعجل/ أعرف النتائج، وأتوقع ما سيحدث/ متكلم في مواقف النزاع/ أنا الشخص الذي يعرف أي العبارات تثير الغضب.» ص122. بالإضافة إلى ذلك، تُعطَى في حكاية الفلاح الفصيح النصيحة الآتية: «التحكم في الغضب شيمة المتكلم المتواضع؛ /فالرجل الأهوج لا ينال مرتبة الامتياز.» ص 177. القاعدة الثالثة للكبح توجد فقط إشارتان لها في عصري الدولة القديمة والوسطى، وهي قاعدة تتصل بعلاقة مختلفة مع الناس الآخرين. وهذه القاعدة هي عدم الوشاية بأحد أمام رؤسائه. فقد كان من بين الأخلاق الحميدة التي تتضمنها السيرة الذاتية لحرخوف: «لم أتكلم أبدًا بسوء ضد أي شخص أمام رئيسه» ص 24، وفي تعاليم بتاح حتب: «لا تقدح في أحد» ص65. ومن المحتمل أن هذه القاعدة تعني لا تشي بأحد ظلمًا، ويمكن القول إن هذه القاعدة مرتبطة بقاعدة قول الصدق.
أعتقد أن القاعدة الرابعة لكبح الكلام هي الأكثر تشويقًا، وقد تجلت بوضوح في عصري الدولة القديمة والحديثة معًا. وهي قاعدة الصمت. هذا الصمت ليس نتاجًا لنقص القدرة على الكلام، وليس ناشئًا بالضرورة عن الضعف والخوف من الكلام. على العكس من ذلك، فغالبًا ما كان المصريون يُعلمون طريقة في الكلام يُستخدم فيها الصمت على نحو مقصود كاختيار بلاغي. كان الصمت ذهبًا في هذه الثقافة. ومنذ عصر الدولة القديمة، تُبشر التعاليم الموجهة لكاجمني Kagemni بالفوائد التي يجنيها قبول الصمت والترحيب به. «الفسطاط مفتوح للصامت،/كرسي الغارق في السكون رحب فسيح،/فلا تهذر بالقول!» ص 59. ونفس التعاليم تنصح كذلك بـ«دع صيتك يذيع/ في حين يظل لسانك صامتًا» ص 60. وتكرر تعاليم بتاح حتب تدريس قيمة الصمت. ففي متوالية أشرت إليها من قبل، تنصح هذه التعاليم بالتعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة (مثل التحدث مع شخص أعلى اجتماعيًا من المتكلم، أو مساوٍ له، أو أقل منه) لكن النصيحة في الحالات الثلاث هي البقاء صامتًا.
إذا تنازعتَ بالفعل
مع من هو أقوى منك، وأرفع مكانةً
فاضمم يدك ( إلى جناحك)، وأحن ظهرك
فاستهزاؤك به لن يجعله يتفق
معك
إذا تنازعت
مع من يُضاهيك قوة ومكانة
سوف تجعل فضائلك تتجاوز فضائله
بالصمت
وإذا تنازعت
مع رجل فقير، لا يضاهيك
فلا تهاجمه لضعفه
دعه وشأنه، فسوف يدحض نفسه.
ليشيثم، ص 64.
في نصٍّ تالٍ يقول بتاح حتب «المرء يملؤه احترام عظيم للرجل الصامت.» ص 66. «صمتك خير من هذرك؛ / فتكلم حين يكون لديك حل.» ص 70. في وقت لاحق في عصر الدولة الوسطى، كان الصمت لا يزال يحظى بتقدير كبير. ففي السيرة الذاتية لأنتف ابن سنت المنقوشة على شاهد قبره، والتي يتحدث فيها عن خصاله الصالحة، يقول: «أنا صامت مع الغاضب/صبور مع الجاهل» ص 121. ويؤكد الفلاح الفصيح أنه «لن ينجو مِنَ التهور مَنْ يتعجل الكلام.» ص177. وفي أهجوَّة التجار تعطَى نصيحة بشأن كيفية السلوك أثناء زيارة منزل أحد رجال السلطة: «اجلس واضعًا يدك فوق فمك، /ولا تسأله شيئًا/ وافعل ما يطلبه (ربُّ المنزل)منك فحسب» ص 190. وفي مثال آخر من كتابات التعاليم، هو كتاب (دروس رجل لابنه) تقول بعض النصائح الموجهة للابن: «كُنْ دقيقًا، صموتًا، محترمًا!/كُنْ ذا قلب ممتاز!/افعل ما تؤمَر به»(34). ومن خلال تكرار التأكيد على استخدام الصمت تبتعد البلاغة المصرية بوضوح عن الممارسات اليونانية والرومانية، حيث يحظى البيان العظيم بقيمة أكبر.
من الواضح أن المصريين القدماء اعترفوا بالقيمة التنفيسية للكلام، بل قُدِّمت في بعض الأوقات نصائح بأن تُهيأ الظروف لحدوث مثل هذا التنفيس. وقد صيغَ ذلك بوضوح شديد في بدايات عصر الدولة القديمة في تعليمات بتاح حتب:
لو كنتَ رجلاً يُمسك بمقاليد الحكم
أنصت بهدوء لكلام الشخص الذي يُقدم التماسًا للقضاء.
فالرجل المكروب يرغب في أن ينفِّث مما يضيق به صدره
أكثر مما يرغب في كسب قضيته.
ويخاطِب من يمنع رجلاً من إكمال التماسه قائلا:
لماذا اعترضت على إكماله؟
ليس كل ما يلتمسه المرء يستطيع الحصول عليه
لكن الإنصات الجيد يخفف عن القلب» ليشثيم 68.
وتستخدم شكاوى شخبير- سونب، التي ترجع إلى عصر الدولة الوسطى، عبارات سلبية في وصف التنفيس بالكلام. «أنا ملتاع القلب/ومن الصعب أن ألتزم الصمت حيال ذلك» ص 147، و»من المؤلم أن يظل المرء ساكتًا في مواجهة ما يسمعه.» ص 148.
وهذا الاعتراف بما يحدثه الكلام من راحة، موجود أيضًا في شكاوى الفلاح الفصيح، عندما ينتقد الفلاح موظفًا رسميًا بسبب سوء التصرف: «نفتقد وجود رجل صموت يمكن التحدث إليه» ص 180. ومن الشيق رؤية هذا الجزء من قواعد البلاغة المصرية الذي يختص بالسماح للآخرين بالكلام، وهو ما يُزيد من أخلاقيات المستمع بوصفه شخصًا متعاطفًا.
خاتمة
من الواضح أن طبيعة الثقافة المصرية القديمة التي تتسم بالمحافظة الشديدة قد أثَّرت بقوة على الممارسات اللغوية للبشر في هذه الثقافة. لقد قامت بعض القواعد البلاغية التي أمكن الوصول إليها من خلال قراءة الأدب المصري بتشكيل السلوك على نحو ما؛ لكي تعين على الاحتفاظ بالممارسات القديمة، والبنى الاجتماعية القائمة. كما تختلف الثقافة المصرية اختلافًا مذهلاً عن الثقافة اليونانية في إلحاحها على السلوك اللغوي الصحيح أو الجيد. وربما يكون هذا الاختلاف مرتبطًا إلى حد ما بالاختلاف بينهما في العقائد الدينية كذلك. لقد اخترع اليونانيون بلاغة غير أخلاقية، وآمنوا بحياة أخروية يذهب فيها جميع الموتى إلى المكان نفسه، أما المصريون فقد اعتقدوا في أن الكلام الطيب الصادق جزء من الأخلاق الشخصية، وآمنوا كذلك بأن الناس سوف يُحاسبون بعد الموت على ما فعلوه، فيثاب المحسن على إحسانه، ويُعاقب المسيء على إساءته(35).
لقد قُسمت القواعد البلاغية المصرية إلى قواعد عامة وخاصة؛ أو إلى تلك القواعد التي تجعل المتكلم مواطنًا صالحًا في الحياة العامة، وتلك التي تجعله شخصًا صالحًا في الحياة الخاصة. وبشكل عام، فإن أحدى الثيمات البارزة للغاية في المجتمع المصري هي كبح الكلام وليس البيان، على الرغم من أن البيان يحظى بالقيمة. وقد كانت فكرة الكبح قوية للغاية في البلاغة المصرية (على العكس من الإلحاح على التعبير في البلاغة اليونانية) إلى حد أنني أرغب في وضع المقاربة البلاغية المصرية في عصر الدولتين القديمة والوسطى تحت المقولات الثلاث الآتية «الصمت، الكبح، الصدق».
هوامش وتعليقات
1 – نُشر المقال في دورية Rhetorica التي تصدر عن الرابطة الدولية لتاريخ البلاغة في صيف عام 2002، المجلد 20، العدد الثالث. وعنوان المقال بالإنجليزية:
Ancient Egyptian Rhetoric in the Old & Middle Kingdoms
3 – بالفرنسية في الأصل (المترجم).
4 – بالفرنسية في الأصلة (المترجم).
5 – بالفرنسية في الأصل (المترجم).
6 – الخيط المائي أو الفادن هو أداة مؤلفة من خيط في طرفه قطعة رصاص يُسبَر بها غور المياهأو تمتحن استقامة الجدار.
-1 لم يناقش المصريون مسألة اللغة أبدًا بشكل واضح مثلما فعل اليونانيون، على حد ما نعرف من خلال النصوص التي وصلتنا. وهكذا فإنه لا توجد دراسة مصرية قديمة عن البلاغة. ومن ثمَّ فإن مناقشتي للبلاغة المصرية تقوم على فحص النصوص الأدبية المصرية التي وصلتنا، وتجميع الأفكار التي تخص اللغة من هذه النصوص. إن دراسة الأدب المصري لصالح أي غرض تعترضه مشاكل جمة. أحدها صعوبة تعلم وقراءة اللغة النصوص الأصلية (حتى مع تجاهل الفروق الجوهرية بين أنظمة الكتابة المختلفة؛ الهيورغليفية والهيرطيقية والديموطيقية). وسوف أستخدم في هذه الدراسة ترجمات، ولحسن الحظ فإنه توجد ترجمات جيدة، خاصة لترجمات ميريام ليشثيم (انظر الملاحظة رقم 5). توجد أيضًا مشاكل أخرى مع النصوص المصرية؛ مثل عشوائية المخطوطات التي وصلتنا، وحالة العطب التي توجد في المخطوطات الباقية، وكلا المشكلتين أديتا إلى وجود فجوات في معارفنا. وبسبب مشاكل النقل والفجوات التي توجد في معلوماتنا عن تطور اللغة يوجد في بعض الأحيان اختلاف حول ما يقوله النص بالفعل.
2Stephen Quirke and Jeffrey Spencer eds, The British Museum, Book of Ancient Egypt, New York: Thames and Hudson (1992), p. 118.
33. Leo Depuydt, “Four Thousand Years of Evolution: On a Law of Historical Change in Ancient Egyptian”, Journal ofNear Eastern Studies 56 (1997) pp. 21–35.
4 – أستخدم لأجل التحليل الذي أقوم به تنويعة كبيرة من أصناف الكتابات؛ تضم منحوتات على الحوائط ورسوم على الجدران أو مواد أخرى، وكتابات على البردي. وتشمل أساطير الخلق التي تعود إلى ممفيس (التي نُحتت فيما بعد على الصخور)، والتعاليم الخاصة بالسلوك القويم (يُطلق عليها أيضًا كتابات الحكمة)، والنصوص المرسومة داخل الأهرامات، وعلى الأكفنة، وحوائط المقابر (وتشمل كتابات السيرة الذاتية) النقوش التي توجد على الأبنية، وشواهد القبور، والحكايات، والشكاوى التي تخص حالة المجتمع (وهو نوع من الكتابات المصرية القديمة).
5 – Miriam Lichtheim, Ancient Egyptian Literature: A Book of Readings. Volume I: The Old and Middle Kingdoms (Berkeley:University of California Press, 1975) p. 10. ، كل اقتباساتي مأخوذة من الجزء الأول، وتشير صفحة الإحالة في نص المقال إلى كتاب المختارات.
6 – لقد وجدت أن كلمة «canon» في المناقشات البلاغية حول الكتابات المصرية تستدعي «canons» مختلفة للغاية، لذا اخترت أن أستخدم مصطلحًا مختلفًا.
7 – Michael V. Fox, “Ancient Egyptian Rhetoric”,
Rhetorica 1 (1983) pp. 9–22 (p. 16).
8 – أنا غير مقتنع بأن هذه الحكاية تتناقض مع القواعد البلاغية، وسوف أستخدمها في هذا المقال.
9 – Barbara Lesko, “The Rhetoric of Women in Pharaonic Egypt”, in Molly Meijer Wertheimer ed., Listening to TheirVoices: The Rhetorical Activities of Historical Women (Columbia, SC: University of South Carolina Press, 1997) pp. 89–111.
10 – George A. Kennedy, Comparative Rhetoric: An Historical and Cross-Cultural Introduction (New York: Oxford University Press, 1998) p. 138.
11 – Donald B. Redford, “Book Review: Topos and Mimesis: Zum Ausl?nder in der ?gyptischen Literatur by Antonio Loprieno”, Journal of the American Oriental Society 112 (1992) pp. 134–35.
12 – See A. J. Ferrara, “Topoi and Stock Strophs in Sumerian Literary Tradition”, Journal of Near Eastern Studies 54 (1995) pp. 81–117.
13 – «عيناها تنطويان على قيم مقدسة أو صوفية» ص 371. انظر:
Badouin Van der Walle, “Formules et poems numériques dans la littérature égyptienne”, Chronique d’?gypt 60 (1985) pp. 371–78.
14 – See Gary A. Rendsburg, “Literary devices in the story of the shipwrecked sailor”, Journal of the American Oriental Society 120 (2000) pp. 13–23.
15 – See Jean-Luc Fournet, “Les emprunts du grec ? l’égyptien”, Bulletin de al Société de Linguistique de Paris 84 (1989) pp. 55–80.
16 – «الكا» كانت نوعًا من القرين الروحي، أو قوى الحياة ، وهي أحد العناصر الثلاثة التي تكوِّن الروح في المعتقدات المصرية. ويمكن للآلهة أيضًا أن يكون لها كا (قرين روحي) خاص بها.
17 – «سلطة الملك هي سلطة لغوية صرف» (بمعنى سحري)، انظر:
Phillippe Derchain, “Magie et politique: A propos de l’hymne à Sésostris III”, Chronique d’?gypt 62 (1987) pp. 21–29.
18 – «يمكن للمرء أن يفكر في أن نشأة الكون بواسطة الكلمة يضرب بجذوره في نظرية القوى الملكية، التي تنبع بدورها من الأفكار المستلهمة من الصيغ الأدبية». انظر:
Derchain, “Magie et politique”, pp. 27–28.
19 – Denise Dersin, ed., What Life Was Like on the Banks
of the Nile (Alexandria, VA: Time-Life, 1996) p. 151.
20 – Lichtheim, Ancient Egyptian Literature, p. 132.، و Hike تجسيد للقوة السحرية.
21 – Lichtheim, Ancient Egyptian Literature, p. 117. ، و ٍSia هو تجسيد للتفاهم.
22 – Quirke and Spencer, British Museum Book of
Ancient Egypt, cit. in n. 2 above, p. 131.
23 – حورس – ابن إيزيس وأوزوريس- هو إله سماوي؛ عادة ما يُصوِّر على صورة رأس صقر. وقد عدَّ كذلك أول الفراعنة.
24 – يمكن أن يستخدم هذا بصورة سلبية كذلك، مثلما حدث عندما حاول ابن أخ (أم أخت) الفرعونة حتشبسوت أن يمحو اسمها بواسطة إزالته بالأزاميل من فوق جداران المعابد التي بنتها، وكما حاول سيتي الأول والفراعنة الذين جاءوا بعده محو إخناتون وحكام العمارنة (مثلما حدث مع حتشبسوت) بنفس الطريقة.
25 – «البا Ba» هو القرين الروحي للميت، يمثَّل في الرسوم المصرية على هيئة طائر مفرود الجناحين، له رأس إنسان. وعادة ما يُرسم محلِّقًا على مومياء المتوفَّى. (المترجم).
26 – على نقيض الإعجاب الشائع بالكلام الماهر، يمكن أن نعثر على قلق واضح من الكلام في أدب مصر القديمة. فالتعليمات الموجهة إلى الملك ميركار منذ الفترة الوسيطة الأولى تكشف عن هذا التوتر من خلال السطر الذي يقول: «المتكلم المفوه هو الشخص الذي يثير المتاعب للمدينة»
Lichtheim, Ancient Egyptian Literature, cit. in n. 5 above, p. 99
والأمر كذلك في المملكة الوسطى، فتنبؤات نفرتيتي التي تصف مستقبلا لنهاية العالم تقول: «الكلام يقع على القلب مثل الجمر المشتعل/ والمرء ينوء تحت ثقل كلمات اللسان»، (p. 142).
27 – Quirke and Spencer, British Museum Book
of Ancient Egypt, cit. in n. 2 above, p. 131.
28 – Richard H. Wilkinson, Reading Egyptian Art: A Hieroglyphic Guide to Ancient Egyptian Painting and Sculpture (London: Thames and Hudson, 1992) p. 209.
29 – لكي أشكل لوحة للقواعد البلاغية في المملكتين القديمة والوسطى، أستخدم كتابات عثرتُ عليها وترجمتُها، لكن نظرًا لأننا نتطلع إلى أن تتاح كتابات أكثر في المستقبل، فإنه يصبح من الممكن الإضافة إلى هذه القواعد، وتعديل ما قُدِّم هنا.
30 – في المقابل يشكو نص من نصوص الدولة الوسطى من الممارسة المتعلقة بتكرار الماضي. ويوجد في شكاوى خاخبير- سونب السطور الآتية:
«ليس ثمة ما يدعو للتباهي بكلمات السلف
فقد وجدت بواسطة من خلفوهم».
ومع ذلك، فإن حقيقة وجود الشكوى، تشير إلى أن الممارسة كانت شائعة إلى حد كافٍ بما يدعو إلى وجود شعور بالضيق لدى هذا المبدع النادر الذي يناضل ضد ثقافته.
31 – R. B. Parkinson, The Tale of Sinuhe and Other
Ancient Egyptian Poems 1940–1640 BC (Oxford:
Oxford University Press, 1998) p. 13.
32 – يبدو أن بعض القواعد تتغير بعد الموت. فقاعدة التواضع لا تنطبق على السلوك السليم المرتبط بالحياة الثانية (الأخروية)، كما نشهد ذلك من خلال السير الذاتية العديدة المنقوشة على شواهد القبور (التي تصرح على نحو واسع بالسمات الإيجابية للمتوفى)، أو في صلوات كتاب الموتى، الذي يوصى فيه المتوفى بأن يُعلن بجرأة براءته التامة أمام الإله أوزيريس، بشكل مبالغ فيه على نحو ما نجد في عبارات من قبيل: «أنا نقي، أنا نقي، أنا نقي». انظر:
Alfred J. Andrea and James H. Overfield, The Human Record: Sources of Global History. Vol. 1: To 1700 (Boston: Houghton Mifflin, 1994), p. 19.
33 – Lichtheim, Ancient Egyptian Literature, p. 67.
استخدم المصريون القدماء تعبير «فش السرة releasing the belly» ليعنوا به التعبير عن مشاعر سلبية قوية.
34 – parkinson, The Tale of Sinuhe and Other Ancient
Egyptian Poems, cit. in n. 30 above, p. 292.
35 – يوجد ضمن العديد من رسومات المقابر أشكال عديدة تصور يوم الحساب، حيث يوضع قلب المتوفى في كفة ميزان أمام الإله أوزيريس.
ديفيد هوتو / ترجمة: عماد عبداللطيف /باحث وأكاديمي من مصر