تقديم : آنا حداد (جامعة ريو دي جانيرو الوطنية)
ترجمة : صفاء جبران – أكاديمية ومترجمة لبنانية
أدب ماركو لوكيزي يسكن ويعبرُ حياتنا وحساسيتنا أبدًا، إنه يدعونا إلى لقاء مع الحرية والعزلة، مع صمت الصحاري العميق لنتحرّر من الملل المعتاد الذي يسببه كل ما هو شائع ومكرور. تُظهر شاعرية أعمال ماركو لوكيزي بشكل فعال إلى أيّ مدى يتيح الأدب طرقا جديدة للتفكير والانتهاك والكتابة، وقبل كل شيء المحبّةَ إلى هذا الحدّ. من المهم تسليط الضوء على أن أدب لوكيزي بصفة عامة، ليس ترفيهًا أو تهربًا أو هروبًا أو ما شابه ذلك، كلا، فأدبه هو ذلك الذي يتمكن -من بين أمور أخرى- من التقاط الاستعارات والصور؛ أدب لوكيزي يتخلله الفكر. في هذه اللحظة التي تمرُّ بها البشريَّة، نحتاج حقًا إلى الصور والاستعارات؛ لأنها وحدها القادرة، كما ذكر العديد من المفكرين العظماء، على التقاط الصور التي تظهر أمام أعيننا، خاصة عندما تميل السماء المظلمة إلى هزيمتنا.
إن شعرية ماركو لوكيزي، بمعناها الأكثر شمولًا، تبني واحات من الخيال، وهي الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. لم يعد كوكبنا في حاجة قط إلى أدوات جديدة لتوضيح تفسيرنا لكل ما يسبب الدمار. نحن بحاجة إلى المزيد من الرؤى من أجل ثقافة السلام، ولدينا الكثير من هذا في أدب ماركو لوكيزي، الذي يزيل مع كل عمل من أعماله طبقات التفسير التي تؤدي إلى نسيان أننا جزء من الإنسانية، بمعنى آخر، يزيل ذلك الضباب غير المرئي للقوى المؤسسة والمتحدة بشكل منافق، والتي تضع نفسها فوق الخير والشر.
عندما ننظر إلى مجموعة أعمال لوكيزي، يبدو أنه يسترشد ويحكمه شعورٌ عميق بالأصوات والألوان والمفاهيم التي تمتزج في وقت واحد بطريقة معقدة للغاية. إنّه بحث، إذا جاز التعبير، تتخلله حساسيّة فائقة، لا تنفد أبدًا. لقد كان لوكيزي شاعرًا منذ ولادته، ومن واجبنا أن نتذكر مقولة الفيلسوف الكبير جيل دولوز: هناك أشخاص لديهم نوايا أدبية؛ ويمكننا أن نقول معظمهم؛ إلا أن هناك كتابا حقيقيين.
يخبرنا ستيفان زفايج، بوضوح شديد، بأن أحد أعظم أسرار هذه الحياة هو محاولة الكشف، وفي الواقع هي عملية خلق فنان أو شاعر حقيقيّ. يمكننا بوضوح معرفة العالم الذي يقدمونه لنا؛ لكننا بالطبع؛ لن نتمكن أبدًا من اختراق أكوانهم وعوالمهم. مفارقة حقيقية في أنه لا يمكننا المشاركة في فعل الإبداع الفني؛ فأصل العمل الشعريّ لا يمكن فكّ شفرته لأن مفهوم الشاعر باطنيٌّ خالص؛ مساحة معزولة وغير قابلة للوصول، ومع ذلك يمكننا البحث عن علامات للوصول إلى قاع هذه الألغاز. مثل هذه المهمات مدرجة في قائمة التطلعات بعيدة المنال تقريبًا، فهي مليئة بالمخاطر والتحديات والكثير من المنعطفات، ومع ذلك يمكننا خوض المغامرة والمخاطرة.
من خلال كتبه والمقابلات التي أجراها؛ نعرف أن الشاعر يتفوق ويناضل من أجل صمته. نحن نعلم أنه فقط من خلال الصمت يمكننا في الواقع الوصول إلى الذات؛ وعلاوة على ذلك، سماع النجوم، والشمس، وأصوات رمال الصحراء. ومن ناحية أخرى، فإن صمته يُحكِم البناء، عفويًّا، وهو نوع نادر من الحدس، لا يجوز إلا لأصحاب الحكمة العظيمة.
لذا، وبسبب الألغاز المعقدة التي تحيط بالموضوع، تطرح أسئلة مهمة: إلى أي مدى يمكن تحديد موقع الحدس وتقييمه؟ وفي حالة شاعر مثل ماركو لوكيزي، لا يمكننا أن نترك جانبًا الأسئلة التي طرحها المفكرون العظماء. هناك حدس اقترحه كانط؛ فقد اعترف بحدسٍ حسيٍّ يمتلك أرضية ثابتة يعمل عليها العقل، وبدونها يمكن أن ينتهي الأمر إلى الغرق في الرمال المتحركة. كل شيء يشير إلى أن الحدس الحسيّ فطريٌّ. ومع ذلك فإن السير في مثل هذا المنظور، حتى ولو على رمال غير صلبة، سيؤدي، وفقًا لطريقة تفكير العديد من المفكرين، إلى تنمية الحدس الفكري. ما الحدس الفكري؟ إنه ليس أمرًا فطريًّا مثل الحسيّ عند كانط؛ لذا يجب البحث عنه بصيغة متطورة ومغايرة. إننا نواجه عملية إثبات صعبة للغاية؛ فقلّة قليلة من الناس يتمكنون من تطوير الحدس الفكري؛ وهذه هي حالة ماركو لوكيزي. هناك شكل من أشكال المعرفة يتجاوز العقل بكثير؛ لقد أصبحت الحاجة ملحة، وخاصة في أيامنا هذه، إلى إعادة النظر فيما يطرحه العقل الغربي من أفكار ونظريات.
كان لدى شاعرنا مخاوف صغيرة غير معتادة بالنسبة لعمره منذ أن كان طفلًا. شاهدتُ مقابلاته الثرية والمتنوعة التي أجريت معه، إلى جانب مصادر أخرى، فضلا عن اطّلاعي على تراثه الأدبي. وكلها تحمل سمات البحث واللهفة والأرق والدّرجة العالية من التجريب، إلى جانب الرغبة التي لا تقبل الجدل، أي الرغبة -التي لا يُمكن احتواؤها- في عبور مجالات المعرفة المتعددة واللغات المختلفة. التحدي بالنسبة له هو التفكير بعمق قدر الإمكان. كيف تبدو رؤية ماركو لوكيزي للحدس الفكري؟ هو طريقة، على منوال منظور قراءة دولوز الرائعة للحدس عند برغسون، الطريقة التي تنتقل إلينا. بمعنى آخر؛ هو انعدام الثقة المطلق في جميع أشكال الإدراك. ومن هنا، نفهم جزئيًا بحثه الدؤوب عن الحقيقة؛ أين الحقيقة؟ لذلك فإن تعقيد فكره تحكمه هذه التوليفات الحسيّة والفكريّة.
ولاستكمال تماسك هذه الأقوال؛ تأتي مسألة اللغات التي يتقنها الشاعر، وهي أكثر من عشرين لغة مع قواعدها الخاصة. يعرف متعدد اللغات -مثل لوكيزي- أن كل لغة تشكل طريقنا في التفكير وإدراكنا للعالم، دون تجاهل حقيقة أننا نستطيع التفكير من خلال الإشارات غير اللفظية. هناك هوّة لا يمكن التغلب عليها بين أذهاننا ومعطيات الواقع الذي نعيش فيه. وللتعمق أكثر علينا أن نعتبر، قبل كل شيء، أن تعدد اللغات يكشف نسبية المعرفة، حينها تصبح المشكلة الوجودية والمعرفية للغة واضحة. هناك العديد من الأنظمة اللغوية، وبالتالي، العديد من أنواع المعرفة، والمترجمُ من اللغات الأكثر تنوعًا عظيمٌ، وهذا ما يدعونا إلى أن نتخيل عدد الأكوان التي تعجّ في عقل لوكيزي.
دعونا نتذكر أن مجموعة أعمال ماركو لوكيزي تتميز بجماليات المتاهة.
بطريقة مبررة، تخضع جماليات المتاهة لهندسة موسيقية متأرجحة على نحو صاعق؛ لا توجد متغيّرات أو ثوابت سحيقة. إن إنشاء العمل الشعري لماركو لوكيزي لا يمكن فهمه، مثل كل الشعراء الآخرين؛ لكن درجة أصالته العالية تأتي من حدسه الحسيّ والفكري. الحدس الفكري هو ما يسمح، بالإضافة إلى الحدس الحسي، بمشاركة أعمق لإدراك العلاقة بين الوجود والكون، كما نجده في هذا العمل الشعري. وفي حين أن الحدس الحسي فطري، فإنه يجب تنمية الحدس الفكري، بالعبور بدون علامات للنادرين مثل ماركو لوكيزي. ولعل المعابر تحكمها حوارات مع النجوم، فمن يدري؟ يطلب ماركو لوكيزي الدقة فيما يراه ويلاحظه ويشعر به. لكنه يعرف عن الهاوية، التي تكون أخف أحيانًا، وأحيانًا أعمق، والتي غالبًا ما تفصلنا عن الحقائق. إن حرية الشاعر في جميع محاورها وطبيعتها ودرجاتها هي السيادة. فهو إلى حد كبير يبرر عدم إمكانية تحقيقه الذي يميزه. وختاما، فإن ماركو لا يترك أي أدلة واضحة حول ماهية الحاضر والماضي والمستقبل وما كان عليه وما سيكون عليه.
***
سماء من نار
I
انتظر الشمس
كلا ليلى
عندما تنزلين إلى قلبي
II
قط
فوق السقف
ينظر إلي كما الآلهة
III
مرة واحدة
مرة واحدة فقط،
قال الشاعر،
مرة واحدة فقط.
مسموح للجميع مرة واحدة.
على الرغم من أنها مرة واحدة،
فهي هدية لا رجعة فيها.
اليد الخاملة والزهور المنسية،
ضباب الصباح في رماد السيجارة.
يحب أوراق الغار والرمان.
جسد بلا جسد،
الكل يتقدم،
والعدم ينهار.
مرة واحدة فقط،
قال الشاعر، مرة واحدة فقط.
لا شيء سوى مرة واحدة.
IV
حب
أحيانا:
ولكن في بعض الأحيان فقط.
ودائما
موت
ولكن دائما فقط.
يمكن أن يكون لا
بالكاد
أو ربما.
قطع وحيد
عنيد وصعب.
V
بعد الظهر المحاصر بالظلال،
يغسل ذكرى الموتى.
طقوس الربيع.
قبلة الموت.
VI
ليلة هاربة تتسلق السقالة
وتنزف على خنجر الفجر.
VII
كل نجمة في الليل حجر
يدق الجرس أبكم وأصم.
البحر المضطرب ينزف
الوحدة.
الموت يجعل الكل أجانب.
VIII
الصمت ليس إنكارًا خالصًا.
ولكن قلب منتشر مليء
بالواجهات.
IX
كم من طبقات الصمت تفصل
بين الأحياء والأموات!
X
النجم المضيء والسحابة العابرة. البحر العميق والمحار
النائم. الصمت العمودي.
الارتفاع والسقوط.
XI
بالكاد أتعرف على البحر الذي يبزغ.
قارب صيد (أبكم وساكن) لا يهجر الميناء المدمر.
بحر هادئ.
مثل أسد ملقى في قفص.
يندد بالعاصفة.
الدراجة الشقراء ترقد على الحائط.
الساعة توقفت عند الخامسة صباحًا.
الأشجار اللعوبة تتعرى.
قطٌّ أحول.
يعرف (ولكن لا يقول).
مقيدة عند رصيف السرير تنامين في الميناء قبل أن توقظك طيور الببغاء المناسبة.
XII
الأمواج العالية في بحر آب.
نفسٌ من الجمال المعدني.
الجسد المشرقي ينتظر الصليبيين.
الأقمار التي لا تحصى.
لا تنير ليلة واحدة من القدر.
XIII
أحاول إعادة تركيب شظايانا وكأنها أجزاء من محرك قديم.
وقطع من زجاج نافذة ملون.
في الظلام بقع سوداء على جسم جاكوار.
XIV
جوع عديم الفائدة.
علامات صمت.
قاسية.
عنيدة.
سماء معدنية داكنة.
أسكب حفنة من النجوم في فم الليل.
XV
أشعر أنني محاصر في فلكة تذوب.
كما لو لم يكن مسافة بعد تتعدى نطاق الجلد النادر.
ضباب كثيف أنحل داخله.
كيف أحاسبك على الأجزاء التي تؤذيني وتعبر؟
XVI
سرب من الكلمات في القلب.
المعبَر المعيب.
وجه ينكشف في مرآةِ طحال الليل.
وَشْك السقوط يعصر حنجرتي.
XVII
تحت دويّ المطر، أوراق النعناع تتجدد حلقات الظلام.
فسحة من النرجس.
نقاط التلاشي.
آفاق عبثية.
XVIII
زيتك يستهلكني.
سهم قزحي اللون.
نجمة جديدة في سماء اضطرام تام.
شعاع لا يهدأ.
تنفجر السحابة المكتنزة.
تصير البشرة أكثر إشراقًا في كل مسام.
XIX
الصوت الذي لا يتغير على شفاه الليل.
عندما تستنفد قوى الضوء السحيق.
نظرتك، غير العادية والتائهة، تتوسط جوع المسافة.
XX
اليوم الصباحي المتلألئ
وسائل نداك البلوري في بستان من الرمان المراهق،
يتهاوى جسدان ويتشابكان.
قصيدة أخرى
اللّيْلُ بارِد
والنٌّجوم
تَلْمَعُ في البَعيد
لا بُدَّ من العَذاب
فالرّحابة
كَمَنْ يَسْتَسْلِم
كَضَحِيّةٍ لإله
اِنْتَقَلْتُ مِنَ الْقَلَق
الداكِن
إلى صَفاء
المَجَرّة
كَثيرَةٌ وَمُخْتَلِفَة
أَشْكالُ
أرْجاسِ الجَمال
الكلب الأكبر
والنجم سيريوس
الأَشَدُ لَمَعانًا فَي كُلِّ
السَماء
قلب العقرب
نَدّ
للمَرّيخِ مختلف الحمرة
يشبهه بالقوة وبالحيوية
النبّال
مَعْ قَوْسِهِ
الْبَهِي
والسُّدُم الشاسِعة
تَتَكَثَّفُ
فوق ذَنَبِ الْعَقْرَب
عَلى ذِراعَيّ
النَّبال
سديمة البُحَيْرة
تريفِدا الحدوة
والكثير غيرها
مثل م 55
حُلْمي الكيمْيائيّ
يَضيعُ في السُّكون
حَيْثُ يُصْدي السَّلام الأعْمَق
وَيَأْتي،
قَبْلَ ظُهورِ الزُّهْرة
مَخْتَرَقَةً الظَّلام
بِقْوَّةِ أَشِعَّتِها
قَبْلَ أَنْ تُعاوِدَ
ليا بِعِوائِها
مُطارِدَةَ
قِطَطًا فَراشات
لا بُدَّ أَنْ أَرْجِعَ هادِئا
إِلى ذِراعَيْ الصَّباح
كَيْ أَصْطادَ أَشْكالَ
الجَمالِ
الأَكْثرِ عُمْقًا وعُنْفًا
آهٍ يا عالم
شاسِع
يَضيقُ
وَيَتَكَثَّفُ
مِنْ حُلْم
إِلى حُلْم
مارْكو لوكيزي
اِسْمُ غَيْمَةٍ
هُوَ
شاقّة مُتَعَدِّدَةُ الأشْكال
سَريعة
غَيْر قابِلة للتّحَرّي
تَتَلاشَى
وَهْيَ تُظْهِرُ نَفْسَها
مِطْواعٌ
كَساروفيم
مُتَعْجْرِفٌ
كَجاسِئ
بِئْرٌ
غَريبَة
خَرْساء
وَطويلُ الأطْراف
الخَوْفُ للخارِج
والصُّراخُ
للدّاخِل
مارْكو لوكيزي
غَيْمَة
جاسِئ
وَحْشُ هوةٍ
بلا قاع
ملاكُ الأَرْض
مارِدُ
التَّناقُضِ الأَعْمى
والصّارِم
كوسْتانْسا ذَهَبَتْ إِلى السَّماء
لِزِيارَتي
كانَ فُسْتانُها
أخْضَرَ
كَأَحْجارِ
إِتاكْواتْيارا
جَلَبَتْ في عَيْنَيْها
كَنارٌ،
باقَةُ وَرْدٍ
وَنَهْدَيِّ
أُمّي
نَفَخَتْ في رِئَتَيَّ
كَمَنْ يُخَلِّصُ
غَريقًا
في أَراضِ القَلْبِ التي
لا مسالك لها
عائِمةٍ
بالبُكاءِ
وبِلَهْجاتٍ غَيْرِ مَفْهومة
وهُناكَ وَضَعَتْ كُلَّ الزُّهور
كأنّها جَنَّةُ
عَدَن
في سَماءِ مُرْوِعَةِ
الزُّرْقَة
(لا بُدَّ
لنا، كُلُّنا
مِنَ العَوْدَة إِلى الحَياة
يومًا تَحْتَ
نَفْسِ هَذِهِ
الزُّرْقَة)
ريحُ رِئَتَيَّ
تُغَني وَتَسْكُت
تَتَراجَعُ وَتَتَقَدَّم
لا أَخْفي دُموعي
فالمَسيح أَيْضًا بَكى
فِي جَبَلِ الزَّيْتون
الحَياةُ أَرْخَبيلٌ
مِنَ الحبِّ
المُعَذَّب
هِيَ روما
تُصارِعُ في هَذَيان
بَيْنَما تَنْتَظِرُ
وُصولِ البرابِرة
أَوْ مَجيء المَسيح
الصاعِق
صيدلية
لا أَعْرِفُ أَنا شَيْئا
عَنْ المَرَضِ الذي مِنْهُ أُعاني
وَمَعْ ذاكَ أَعْتَرِفُ
بِما ابْتُلِيْت
أَشْعُرُ بآلامٍ قَوِيَّة
عندما أَرى الزُّرْقة
فالجَمالُ يُؤْذيني
يُدْهُشُني ويُسْحِرُني
مُرورُ الوَقْتِ
يُدَوِّخُني
وَيَحْبِسُني
في نَسيجِ
عَدَمِ عَكْسِيَّتِهِ
العَصافيرُ تَتْرَكُني
مُضْطَرِبًا في المَغيب
وَعِنْدَما أَرَى وَجْهَكِ
تَتَسارَعُ دَقاتُ قلْبي
أَحْتاجُ
لِدواء
يُداويني مِنْ داءِ
أَني وُلدْتُ
وتستلقي
كالمغيب
في البعيد البعيد عن
آهٍ لِهَذِهِ العَتْمة
التي تتلاشى فيها
الزُّهرة
مساءٌ يَسْتَعْجِل
وَجِبالٌ هناك
وطُيورُ
الوَقْتْ
أَشْكالُ الجَمال
تَسْتَغْرِق طويلاَ
في الصَّمْتْ
وكيف يُكشَفُ عن
الجَميلِ الذي
في العَتْمَة يَضيع؟
جِذْعُ
أفروديت
الرّفيع،
كَفُّ قَدَمِها
الناعم
عُيونُ بَحْرِ إيجة الخَضْراء
وَعِطْرُ
الوُرود
في حَدائقِها
المعلقة
(هَذِهِ العَتمة التي
تَحُطُّ على
الغرب)
أشربُ الشّعاعات
الأخيرة التي تَنْبَثِقُ
مِنْ عَينَيْها
ولا أطْلُبُ المزيد
لأَنّي أَعْلَمُ أَنَّ الْحَياة
مُصِرَّةً
تُطالِب بِحِصَصِها
مِنَ اللامُتَناهِي
السِّرُّ العميق
حَوْلَ مَنْ نَحْنُ
وَحَوْلَ ما حَوْلِنا
الطبيعة هي إله يفكر!
شكرًا
يا سماء ملتهبة
يا طفولة كآبة
شكرًا
يا زهورالربيع
يا فناءات لانهائية
يا شواطئ الليمي والأربوادور
شكرًا
يا الراديو – المنبه
محركا رغباتي
دون أن أشعر أنا بالساعات
(بعد الشمس
من يضيء الدار
هو الرواق البري
شكرا لهذا العمل
السامي: إنارة
كل البيوت
شكرًا
يا روضة شانغاي
يا ساحة بينيا تسعة عشر
شكرًا
يا مساءات يا فجر
يا بازارت يا أفاويه
يا حب وأحلام
شكرًا
يا لغات وشعوب
كل المِزوَلة
أغراض السماء العميق
يا حلقات زُحَل
وفُوّهات القمر
يا بثرات في الوجه المراهق
شكرًا
يا حمى للوراثة
من خمول وغموض
تتركينها عند الرحيل
شكرًا
يا فييرا ويا أيام
قضيتها مخبئا
أسلحة
البرتغال ضد أسلحة
هولاندا
شكرًا
يا أحلاما ليلية
يا كنائس باروكية ومساجد
يا الصلوات الأولى
والمسبحة الكحلية
شكرًا
يا كلاب، يا قطط ويا عصافير
مرت بي
وجعلتني أكثر رهافة
شكرًا
يا ما تبقى لي من البراءة
وما من السخرية ما يزال يغريني
شكرًا يا دم
يا افتراء ركبات مجروحة
من الوقوع عن الدراجة
برأت منذ زمن طويل
صحارى ومغامرات
قصيرة وعجيبة
لكنها لي
وتخترقني
شكرًا
يا أصدقاء
لا كلام لي ولا صمت
سيوف حادة
وبحار حارة