أوْقَدتْني نهاراتكِ
أشعلتْ عمراً يبصرُ يومي ويتقاطرُ في يدي
خبَّأتُ شمسَ الظهيرةِ
وراوَدَتْني منكِ جمرةٌ عن جسدي
ومن مدائن الخوفِ الراجفةِ، قرأتني طرائق الروحِ، أوْلَمَتْني نبضاً، كتبْتَني شوطاً من هجْسِ مساءٍ أخيرٍ ينمو في وقتي، ويرمي بزوغَ الساعةِ
ومن أرْوِقَةِ القلبِ النافرةِ ، الظلالُ تبسطُ حميمَها، وتزهرُ وارَفها، وتنشرُ وافرَها، وتهدي أغنياتٍ راقصةٍ أوْدَعَتْني فناءاتها ،واستوى أفقٌ، لا يجْهدُ القرْبَ ، ولا يُلْقي بعْدهُ، ولا يُومئُ حدّهُ
وانسكَبَ اللحنُ صريحاً، وبابُ الدفقِ وجيهاً، وماءُ الصبِّ شفيفاً
والوجْهةُ جامعةٌ، وما مِنْ خبيئةٍ تقرأكَ في البدْءِ، وما مِنْ دفينةٍ تقولكَ في الصمتِ، أو تجهرُ بكَ النهايةُ
وتحملُ البلادُ واديها، وتهطلُ المداخلُ مراياها، ويصحبكَ منها طرْفٌ لا يغادرُ البصيرةَ، ولا يهدُّ صداقاتهِ، ولا يُغالبكَ النظرةَ، أو يشاغبكَ الوهلةَ، أو يزاحمكَ الوصولَ، أو تضيئكَ أزقّةٌ شاحبة
ُتمالؤكَ الجهاتُ، صحبةً قائمةً، تسْتَقيكَ رُؤًى من معاطف شتاءٍ خجلٍ، أو تشاغلكَ أمطارُ الندْرة، أو يحتفيكَ موائد من ربيعٍ ، لا يسكنُ فصلهُ
ومثْلَ من يسفحُ قولي في سقطةِ الغفلةِ على سرادق الوقت، أو مصاطب الفُسحةِ
ومثل من يلقي رداء النوم ويُسْقطُ وهْدةَ اللبثِ أو مكوثَ اللَّحْظِ
ومثلَ من يمضي أنحاءَ الليلِ في سكرةِ الصمتِ، وفي جسر النجمِ، وفي عبور الدفء، وفي مصابيح شاحبةٍ، وفي دكنةٍ من خرائب الفضاء
وجْهٌ منْ قَدَرٍ
وجْهٌ منْ وطْأَةٍ
هيَ ذي القراءاتُ، على شُرفةٍ من جراحٍ لا تعبأُ بالمشهدِ، أو تقيمُ عزفَ الوصفةِ، أو تُفلِتُ غيبةَ النومِ، أوتغسلُ الضفافَ، أو تمسحُ العيونَ، أو تتهادى النظر
تلْغو بكَ الفقراتُ في جنباتك، وتشحدُ ماءَ الأطرافِ، وتشهدُ وبْلَ العناقِ، وتغدو فيك مقاطعَ من فائت الصحو، أو من لاحقِ الهطلِ، أو صائبِ الطلِّ، أو قطرةِ الوقتِ
يدٌ من حَجَرٍ
يدٌ من دمٍ
هُوَ ذا قميصٌ من وطنٍ، على نارٍ من روحٍ، وروحٍ من نارٍ، ومن جسدٍ، و في تفاصيل من وقعٍ، ومن شغفٍ، ومن خرائط لا تصطفيكَ ولا تمنحكَ التضاريسَ ، أو تُعيْرُكَ فسحةَ الطبيعة المُسْتَفَزّة
عَلَقٌ من قدمٍ
علقٌ من كلامٍ
تطّايَرُ البيوتاتُ في ردهةِ العمرِ، وعلى مهبطٍ من وصلٍ، وأشقى من حنينٍ، وأمضى من قطعٍ، وأكثر من صراطٍ، وأقلّ من صمتٍ، وأكبر من دفءِ جنون
والطرقاتُ، ثكنةٌ من أرواحٍ وأجسادٍ، وأثوابٍ تقْطرُ حشداً من جنودٍ، ومن عرباتٍ، ومن عبورٍ، ومن شتائم، ومن جمعٍ، لا يصاحبهُ غير ظلّهِ، ولا يشخصهُ الدفءُ، ولا تصدفهُ غير فضاءاتٍ تائهة
عَلَقٌ من غيمٍ
عَلَقٌ من بحرٍ
الوصلُ حممٌ من ركبٍ، أو دفقٌ من زخٍّ، أو سلالم قَصْدٍ
تهرعُ النواحي وتبذرُ محطاتٍ من وهج ٍ أو محطّاتٍ من ألمٍ، وتشاغلكَ الرايةَ والقدومَ وتمنحكَ القواطعَ والزوايا والأمكنةَ الطارئة
عَتَبٌ من بداية
غَضَبٌ من نهاية
الصورةُ قبضةٌ أو قُلْ فتنةٌ، وتشخصُ الأصواتُ وتقرأُ الآذانُ المشاهدَ، وتنمو الطرائدُ، والحقلُ متسعٌ، والحفلُ رؤىً ، والجنْيُ مُرهقٌ ، وغنيٌّ هو الفعلُ، وماءُ الغيبِ حاضرٌ، والقدَحٌ أوّلٌ وأخيرُ
وهيئتكَ المدوّنةُ في عمركَ تقولكَ، والنوافذُ تلقفُ المطافَ، وتلقي النظرات وزرقةَ الهواءِ واصطخابَ السماءِ واكتظاظَ القمرِ وحشوَ الرصيفِ وعتمةَ الشجرِ
يسقطُ فيك الليلُ، يحضرُ أبوابَ رفرفةٍ ، يكسرُ موجَ أجنحةٍ ، يخبطُ جدرانَ العالمِ ، يشعلُ الوريدَ، وترْكنُ المساءاتُ جوانَبها، فينغمرُ القمرُ
تدقُّ شمساً
والغمامُ طائرٌ
يمْرقُ العشبُ
وتمْرقُ الأرضُ
ويمْرقُ الرشقُ
والبلادُ كتابُ نهارٍ يقرؤنا
والبلادُ شجرُ قلبٍ يُورِقُنا
وأنتَ وارفُ الصمتِ
وأنتَ وارفُ الظلِّ.
أحمد مدن