محمّد صالح حمراوي
كاتب وأكاديمي تونسي
أولى النّقّاد الإيقاع حظوة في منجزهم النّقديّ باعتباره أداتهم التي يحتمون بها لتمييز المنظوم من غيره. فهو عندهم أولاه به خصوصيّة1، ليقيه من “التّلاشي في ما ليس منه أي إنّه حدّ فاصل بين الشّعر وما ليس بشعر”2، على أنّ الكلف بهذا المفهوم الزّئبقيّ لم يبرئه من غموضه وتبدّل وسومه. وهذا ما حفّزنا لضرب من المخاطرة نتبيّن بها طرائق سرد الذّاكرة في جنس أدبيّ من بدع الحداثة هو الرّواية، ليقيننا أنّه يوجد في المخاطبات كلّها. وهي رؤية ميشونيكيّة3. ولذا، اعتبرناه مدخلا مهمّا إلى تدبّر النّظر في هذا المبحث بتعقّب تاريخيّة المفاهيم الّتي نصدر عنها باعتبارها الأطروحة الكبرى وعقد صلة تجاوب بينها. وهي الإيقاع والسّرديّات والذّاكرة وقد اتّخذنا لها مجال إجراء رواية “طوفان من الحلوى… في معبد الجماجم”4 لأمّ الزّين بنشيخة بتنطّعها عن قيد الجنس الأدبيّ وفكّها ألفة القراءة بحثا عن جمالية جديدة وعن قارئ يشبهها حلاّ لشفرتها.
إنّ اللاّفت للنّظر في هذا النّصّ الرّوائيّ أنّ صاحبته قد شرعت الباب مفتوحا حوله للنّقاش إلى حدّ اللّدد لتجبرنا على طرح الأسئلة التّالية: لم تخير الإيقاع بألاعيبه مدخلا إلى سرديّات الذّاكرة؟ كيف تمّ الجمع بين المتنافرين؟ لم الاشتغال على سرد الذّاكرة بأعاجيبها في جنس سرديّ حديث لعوب هو الرّواية؟ ما الخيط النّاظم بين الإيقاع وسرديّات الذّاكرة في الرّواية؟ وكيف يسرد إيقاع خاضع لنظام تعاوديّ مقيّد الحركة بمدد زمنيّة دقيقة نصّا سرديّا فالتا عن كلّ ما يقيّد حركته وهديره؟ وأي ذاكرة تسردها أمّ الزين بنشيخة؟ أهي ذاكرة الفيلسوفة؟ أم ذاكرة الرّواية بتنوّعها؟ أم ذاكرة الشّاعرة؟ أم ذاكرة الرّسّامة؟.
تقتضي الإجابة عن الأسئلة الوقوف عند تاريخيّة هذه المفاهيم إيقاعا وسرديّات وذاكرة لتقريبها من أذهان المتلقّين. لذلك، تمّ استدناء بعض الدّراسات السّابقة المتعلّقة بها استئنافا للبحث في ما توصّلت إليه الجماعة الباحثة اصطفاء لبعض الجهود البحثيّة قدّرنا فاعليّتها لخدمة مقصدنا. فأفدنا في مجال الإيقاع من أثري “نقد الإيقاع”5 و”بحث في إيقاع الشعر والنّثر”6. واحتكمنا في مجال السّرديّات إلى “معجم السّرديّات”7 و”السّرديّات والتحليل السّرديّ الشّكل والدّلالة”8. وأفدنا في حدّ الذّاكرة وتغايرها من “الذّاكرة في الفلسفة والأدب”9 و”الذّاكرة وأسرارها وآليّاتها”10، و”خطاب الذّاكرة في الرّواية النّسائيّة المكتوبة بالعربيّة من 1993–2019، مقاربة موضوعاتيّة”11 و”سرديّات الذّاكرة المأزومة (قراءة في الرّواية العراقيّة المعاصرة)”12.
إنّ الخيط الجامع بين هذه الجهود النّقديّة هو تطاول هذه المفاهيم على الضّبط. فهي تأبى القيد ملتحمة بالغموض تحتمي به لتتباين الآراء حولها. وهذا ما يرصد في حدودها ووسومها. فبات الإيقاع متبدّل الملامح ” قد اتسع الكلام فيه وتلوّن هنا وهناك بمعان استعاريّة تكاد توهن دلالة الاصطلاح وتطمس الأصول المعرفيّة الّتي تقوم عليها. ولعلّ الاختلاف بين الدّارسين ينتظم -وإن بدا كبيرا- في قضيّتين رئيستين هما الحدود والمكوّنات”13، ويرفد باحث آخر هذه الرّؤية بقوله: “فمبحث الإيقاع شهد تحوّلا واضحا بدءا من إميل بنفنيست، مرورا بالشّكلانيين الرّوس ورومان جاكوبسون وغيرهم، وصولا إلى هنري ميشونيك الّذي أفاد من أعمال بنفنيست وقوّض تصوّرات الإيقاع المنبثقة عن سيادة مبدأ العلامة لينتقل إلى نظريّة الخطاب. لذلك، وضع تصوّرات جديدة ميّز بها رؤيته للإيقاع، من أهمّها انّه مفهوم إشكاليّ، وليس شكلا بسيطا مثلما تصوّرته الشّعريّة الكلاسيكيّة”14 . أنّه مفهوم مفتوح الأفق واسع الدّوائر وبالغ التّعقيد.
أمّا السّرديّات فما شذّت عنه في وسمها فهي كثيرة الدّوران على الخلاف. إذ عبّر عنها باحث خبير بها بالقول: “كثيرون صاروا اليوم يتحدّثون عن السّرديّات في العالم العربيّ في دراساتهم وأبحاثهم ومقالاتهم. كما أنّ هناك مختبرات للسّرديّات أو جماعات للسّرد في العديد من الأقطار العربيّة. تتفاوت أشكال التّعامل معها أو الاشتغال بها بتفاوت القدرات السّرديّة والكفاءات المنهجيّة، كما تختلف التّصوّرات وتتباين المنطلقات. فهل نعني الشّيء نفسه حين نتحدّث عن السّرديّات؟ أم أنّ لكلّ منّا “سرديّاته” الخاصّة..؟”15. هذا قول يعلّق بعسر مبحث السّرديّات، وكأنّه الوجه الآخر من الإيقاع في عتمته. وهو رأي يؤيّده باحث آخر في مشروعه السّرديّ بصوغ إسهامه في سؤال لبوسه الآتي: السّرديّات كيف نقرؤها؟16. ولهذه الرّؤية سبقها. إذ رصدت هذه الصّعوبة في اعتبار السّرديّات مفهوما وأفقا مبحثا محيّرا لاتّساعه والتقاء علوم شتّى فيه. إذ باتت “مجال درس مقاربات جديدة تجمع بين الشّعريّة البنيويّة في امتداداتها الأسلوبيّة والنّصيّة والسّيميائيّة، والشّعريّة الجدليّة أو التّأويليّة المعتمدة على معطيات اللّسانيّات والتّحليل النّفسيّ والفلسفة وعلم الاجتماع متجاوزة النّطاق الضّيّق للنّمذجة الوصفيّة ذات الطّابع العامّ والمجرّد، في أفق الانفتاح عن أسئلة وإشكاليّات جديدة، تتداخل فيها الأبعاد النّصّيّة والسّيميائيّة والتّداوليّة والتّواصليّة”17.
هذه الجهود النّقديّة الحديثة لعلم السّرديّات أظهرت أنّه متفلّت عن الضّبط، وأنّه وجب على المقاربات أن تجرّب أفقا جديدة اكتشافا لسرديّة أجناس أخرى ظنّ أنّها تجافيه ولكنّها أعلق به. لذا، أكرهت المؤسّسة النّقديّة على تجديد أدواتها في مقاربة هذا العلم الّذي بات مجال تقاطع نصوص وعلوم ومعارف متنوّعة، ممّا عسّر المبحث.
أمّا الذّاكرة فهي صنو الإيقاع والسّرديّات في العتمة حتّى قيل: «إنّ مشكلة أنواع الذّاكرة يمكن أن تكون أشدّ تعقيدا ممّا تمّ ذكره حتّى الآن»18 . ويرفده قول آخر مداره على أنّها “من بين الألفاظ الّتي يؤدّي الامتداد الشّاسع لحقلها الدّلاليّ إلى سوء الفهم. ابحثوا في العديد من القواميس العامّة والفلسفة أو السيكولوجيّة وقارنوا بين التّعريفات المقدّمة، وستجدون أنّ أكثر الدّلالات تنوّعا ذات صلة بهذا اللّفظ”19. والخطر اقترانها بالإيقاع والسّرديّات على وعر شعابهما مدخلين إلى فكّ غموضها وتصنيفيّتها.
حقّا، إنّ الحديث عن سرديّات الذّاكرة في هذه الرّواية مؤرق، قد لا نظفر بقدر بسيط منه لقاء جهد ينفقه الباحث خصاما مع هذه الرّواية. فهذه الذاكرة لم تدرس إلّا عرضا بحسب كلّ تخصّص. وهو ما يضعف هذا الشّاغل. ووعي صاحبتها بتنوّعها جعلها تشقّق لها مفهوما جديدا أساسه الذّاكرة المضادّة الّتي تشظّت إلى ذاكرات، تنبيها إلى ضرورة صوغها وفق رؤية جماعيّة لأنّ عملا مستقلاّ لمحاصرة حدّ الذّاكرة تقصير بيّن عن إدراك عمقها، وإن حاول النّقاد القدامى الإشارة إليها، مركّزين على الإيقاع محفّزا على التّذكّر بترسيخ قيمة القافية في القصيدة باعتبارها «ذاكرة إيقاعيّة» 20 . إلاّ أنّنا سنركبه أداة سرد لهذه الذّاكرة في هذا المنجز السّرديّ ليقيننا أنّه قد فكّ نظامه الصّارم ليجمع بين الأجناس الأدبيّة المتنافذة في طيّات هذه الرّواية وما فاض عنها إلى فنون أخرى بالبدء بـ:
إيقاع الفلسفة في سرد الذّاكرة:
أقرّ الفلاسفة بصعوبة حدّ الذّاكرة وتحدّثوا عن أشكال منها متغايرة الملمح، وإن قيّدوها بشرط استحضار الماضي، لأنّه “فردوس ونحن مطرودون منه (…) وعلى هذا الأساس فإنّ الصّورة تنقل لنا، إذا اعتبرناها صورة ذاكرة إحساسا بالفرح لأنّنا نستعيد شيئا اعتقدنا أنّه ضاع إلى الأبد”21. ولذلك، باتت “أداتنا إلى إعادة الفردوس الّذي طردنا منه”22. ونقدّر أنّ تمثّل الفلاسفة لكنه الذّاكرة قد أوقعهم في تقديسها. ذلك أنّ أساتذتهم يرونها “سقطت بهذا الشّكل من سماء الآلهة فوق رأس البشر، سرّا من الأسرار”23. إلاّ أنّ هذا التّقديس لهذه الذّاكرة واتّصالها بالفردوس الضّائع سيباينه الفيلسوف هنري برغسون الّذي شقّ عصا الطّاعة عن هذه الرّؤية مقرّا بتنوّع الذّاكرة شادّا نوعا منها إلى الماضي ليباينه نوع آخر منها بالاكتفاء بالحاضر ووجهته المستقبل ليخلص إلى استنتاج قائلا: “هكذا، فإنّ إحدى هاتين الذاكرتين تتخيّل والأخرى تكرّر”24. هذه رؤية تقرّ بفكرة تعدّد الذّاكرة. وقد صارت الفيلسوفة في هذا الرّكاب متطاولة على رؤية القدامى إلى الذّاكرة وطرائق سردها مجرّبة القول بتعدّدها. فكيف سردت الفيلسوفة ذاكرتها؟.
صنعت الرّوائيّة ذاكرة مضادّة تذهب ألفة الذّاكرة المأنوسة فسردتها باقتفاء أثر الفلاسفة في سرد ذاكرتهم عابثة بالتّنقيط على محمود سنّتهم لأنّ “غياب التّرقيم أو تغييره غالبا ما يكون سببا في اتّساع الدّلالة، أو إنتاج معنى نقيض. لهذا السّبب حسب “ليوطار” امتنع أرسطو عن ترقيم نصوص هيراقليطس خوفا من منحها معنى مضادّا، كما منع ملارميه ترقيم النّصوص الشّعريّة لأنّ إيقاعيّتها تكفي، وهكذا اجتهد هذا الأخير في تجريد علامات التّرقيم من طبيعتها”25، لذلك تمطّط الكلام وغابت فواصله وازدادت حيرة القارئ الّذي بات يحنّ إلى ما ألفته ذاكرته من وقفات قصيرة ملائمة للطّابع الشّفويّ لحضارته. وقد رسب في مخياله أنّ النّقطة تعادل قافية البيت. إنّها ذاكرة الجملة السّرديّة قياسا إلى القافية باعتبارها ذاكرة البيت الشّعريّ، فلا هي جرس ينبّه السّامع فحسب بل “يساعده أيضا على التّذكّر، أو هي تصنع ذاكرة للذّاكرة نفسها أي ذاكرة الصّوت الّذي لا يكاد يشرد من سمع المتقبّل مع بداية كلّ بيت حتّى يطرق أذنه ثانية”26. لقد انساب القول هديرا وعبث بصرامة كلّ نظام ليحافظ على هويّته السّرديّة ويبدّل الإيقاع أداة سرد ليحرج الرّؤية المسيّجة له بالشّعر ليقاسمه السّرد الحظوة.
إنّ الاحتكام إلى الإحصاء قد دلّنا على أنّ المشهد الأوّل من الرّواية قد كانت فيه نقاط التّوقّف في حكم المعدوم أو تكاد. هذا العبث النّقطيّ فرضته رؤية الفلاسفة إلى التّنقيط وبخس جدواه خاصّة في الأشعار. وكانت الرّوائيّة قد صرّحت أنّها تعارض قاماتهم، عبثا بتنقيطها وبالذاكرة صنعا لذاكرة مضادّة27، خلافا للمعهود من الذّاكرة وكأنّها تستعيد نماذج فريدة من المبدعين الّذين تطاولوا على “الذّاكرة الأنموذج” لتقيس قامتها على علوّ هامتهم.
هكذا، لاحت الرّوائيّة واعية بطرائق الفلاسفة في سرد ذاكرتهم فسارت سيرهم راكبة مطاياهم لتكثّف السّؤال باعتباره أمارة وعي الإنسان وخصوصيّته، لأنّه “ليس هو فقط الكائن النّاطق كما قال أرسطو، إنّما الإنسان، أي الكائن البشري جماعة وفردا، هو في جوهره الكائن المتسائل بامتياز”28.
لذا، أفاضت في نقاط الاستفهام في سرد ذاكرتها لتتحوّل إلى سمة مهيمنة دلّت عليها عبارتها الآتية: “طابور من الأسئلة كانت تحرص على تنظيم الجولان داخل دماغها الذي شغّلته طيلة أسبوع كامل”29. نرفد هذا الشّاهد بآخر يظهر حيرة عقل الفيلسوفة إزاء واقع يأكل مثقّفيه ويسيّج أفقهم آتيا بأسئلة مثقلة بالمعاناة وفق الآتي: “كانت تقول في نفسها: “ماذا لو صرت من الشّخوص التّشكيليّة لقرية الرّؤوس المذبوحة؟ أين سينزّلني كاتبها حينئذ؟ أيّة منزلة تشكيليّة سيمنحني الرّسّام؟ هل أكون اللّوحة المفضّلة لديه؟”…كانت تعلم جيّدا أنّ كلّ أسئلتها ستبقى معلّقة بجدار عقلها المتعب كما الرّؤوس المذبوحة.. وأنّها لن تجد من يرسم ملامح هذه الأسئلة.. ولا من يرعاها أو يجسّد أحلامها.. أسئلتها كانت تعاني من يتم المكان والزّمان والعالم الآيل إلى السّقوط في كلّ لحظة..ورغم ذلك قرّرت أن تتوغّل أكثر في قدرها وأن تتخيّل سيزيف سعيدا رغم بعد القمّة الّتي سيظلّ يدفع الصّخرة نحوها..”30.
راكمت الرّوائيّة أسئلتها الّتي صنعت إيقاعا متمايزا لكنها في الحقيقة. فلم يعد الإيقاع صاعدا عنيفا، بل أصبح بطيئا جدّا، لأنّ هدف الأسئلة هو الدّعوة إلى التّأمل في الفرد يواجه مصيره الّذي يقوده إلى وجهة معلومة. إنّها الموت المحقّق. بذلك تخالف الرّوائيّة الحدّ الحقيقيّ للذاكرة. فليست هي أداة لإعادة الفردوس الّذي طردنا منه31، بل هي استعادة لماض قد أنجب من رحمه حاضرا أكثر ألما فتسرده بذاكرة عجزت عن تكرار ألقها لعطالة ذاكرة بطلها بفواجعه وآلامه، وكثرة شروده وانسداد أفقه بحفر طريقه32. هو سرد إعاديّ تأتيه لتوقّع به نصّها. لذا يطوّع لخدمة التّوقيع الّذي يشترط التّعاود سمة أساسيّة لوجوده.
لم تخف الرّوائيّة فعل الفلسفة فيها لتذكر أنّها تكتب رواية فلسفيّة وتعارض الفلاسفة في رواياتهم وتؤثّث بأقوالهم مشاهدها الرّوائيّة، وبها تسرد ذاكرتها باعتماد الاسترجاع من طريق النّاسخ “كان” لتدلّ على ذلك بالقول: وكان يتذكّر كلمة عثر عليها في نصّ لفيلسوف اسمه جيل دولوز يقول: «إنّ قانون اللّوحة أن ترسم من قريب، بالرّغم من كونها تبصر من بعيد.. يمكننا التّراجع أمام أمر ما، لكن لا نعتبر رسّاما ماهرا ذاك الّذي يتّخذ مسافة ما بينه وبين اللّوحة الّتي هو بصدد إنجازها…» ذاك الفيلسوف كان بصدد كتابة ألف مسطّح من أجل تحرير الرّغبة من الدّولة والمكان من الطّغاة والحياة حيثما يتمّ اعتقالها من طرف المدمنين على ثقافة الموت”33.
هذا الولع باقتفاء سرد الفلاسفة لذاكراتهم تجلّيه نزعتها التّفسيريّة في بعض المشاهد الّتي لاحت فيها ساردا عليما عالما بدقائق تفاصيل الرّواية ومفسِّرا أعلم من المفسَّر له بكثرة تعاريفها نصطفي استدلالا لها مثلا يتيما قدّرنا خدمته لمقصدنا. ومداره القول الآتي:كان يجيبها بوابل من المعلومات المغرية لعقلها في تلك السّنّ المبكّرة قائلا:«لا أحد يأبه للعالم الميكروسكوبيّ..لأنّهم لا يدركونه بحواسّهم.. فالنّاس مجبولون بطبعهم على الكسل… العالم المرئيّ قد لا يكون سوى بقعة دم على سطح دماغ يخفي نزيفا حادّا داخله.. أمّا العالم اللاّمرئيّ فهو مزدحم بالأجسام الصّغيرة جدّا أكثر من ازدحام مدننا بالسّيّارات والأسواق وضجيج الباعة”34. هذا شاهد يعلّق بالدّعوة إلى التّأمّل ليصبح القول خطاب عقل بإيقاع ضعيف الملمح جرّاء غلبة التّوضيح إفهاما للمتلقّي بركود الفكر آنها.
إنّ الذّاكرة تسرد فلسفةً، اعتراضا على عطالة العقل وتشريحا لواقع الذّبح وهيمنة رأس المال وفساد السياسة. وإذا الإيقاع حجاج واحتجاج على مجتمع فقد عقله وتعطّلت ملكاته، بل احتالت به سخطا على العالم كلّه لأنّه “مهدّد بأن يصير بلا ذاكرة…وبالتّالي بلا ماض…وسيختلّ الزّمن في عقول النّاس إلى حدّ لن يميّزوا فيه بين ما حدث ولم يحدث، بين الواقع والخيال… بين الأحلام والكوابيس”35.
إنّنا إزاء روائيّة تستعيد طرائق الفلاسفة في سرد ذاكرتهم، لا بحثا عن الألفة والفردوس المفقود، بل صنعا لذاكرة جديدة نستعير لها ما أسماه النّقّاد بـ “ذاكرة الضّحايا”36 بما هي “حشد ذاكراتي مخيف، مبني على حالة شعوريّة ماضية ضاغطة على الذّاكرة لتملأها بالألم واللوعة، ولكن لا مفرّ للذّاكرة من ثقلها إلاّ ببثّها على العلن علّها تفي بلحظة الألم المروّع تلك حقّها من الحفظ في ذاكرة الزّمن كي لا تتكرّر، لأنّ ما يبني الماضي يكرّر أحداثه، وتنشد الخلاص من وطأة ثقلها عليها في الوقت نفسه”37.
هذه طريقة سرد درج عليها الفلاسفة ترصد في رواية “الرّأس المقطوع”38 الّتي “أرسل من خلالها تحسين كرمياني إشارات فلسفيّة تارة، وسياسيّة تارة أخرى عن وضعه كأديب، وسط وضع البلد المضطرب المجهول النّهايات ليتحوّل الرّأس المقطوع من مجرّد قمامة كغيرها من قمامات المدينة إلى رأس الأسئلة تحاول أن تفرض كيانها التّعبيريّ والشّكليّ، فتتحوّل من أسئلة أدب تطرحها حكاية إلى أسئلة (وجود) ويفرضها واقع راهن”39.
هذا النّهج الفلسفيّ في سرد إيقاع الذّاكرة بفضح المسكوت عنه بجرأة السّؤال تعرية لعوالمه المخفيّة تقزّزا من حاضر يكره أن يرى رأسا كلفة بزعزعة المسلّمات يعيد مراجعتها وزحزحة ثوابتها حفيّة بحرقة السّؤال باعتباره فعل الفلسفة، بل يطرب إلى عقول مشدودة إلى طرق مسطورة ترقص داخلها بلا إضافة. لذلك، تبيّنت الرّوائيّة أنّ الفلسفة وحدها عاجزة عن رتق ما اهترأ من الذّاكرة فأغنتها بفنون أخرى طرائقَ سرد تجمّل بها حكيها معلنة عن ذلك باستنبات ذاكرة مضادّة متبدّلة الوسوم إيقاعا وطرائق سرد وأنواع فنون متنافذة بالقول: “ولمست سروال الدّجين المحشوّ بالميتافيزيقا وشعارات ماركس وتقعّرات هيدغر ولاهوت غادامار.. وتمرّد سيزيف.. ولكنة دريدا.. ووكوكة كافكا تحت قلم دولوز.. وحزن بلانشو.. وأشعار لوركا المقتول.. والنّزعات الماديّة في الإسلام التي وقع اغتيالها مع حسين مروّة.. كلّ هذا في عقل واحد.. لم تشأ الاسترسال في التّذكّر.. كان عليها أن تضيف ترسانة الفنّ المعاصر…. وكلّ آراء المدينة الفاضلة..”40. هذا الشّاهد يشرّع على مكر السّرد وألاعيبه. وقد أجبرت الرّوائيّة على إظهار ثرائه وصعوبة تشكيله لالتصاقه بأذيال فنون متنافذة ومتنافرة لتصهر معا تحقيقا لهذه الذّاكرة الّتي سيتمّ سردها بطرائق الرّوائيّين في الآتي:
إيقاع الرّواية في سرد الذّاكرة:
تأبى هذه الرّواية أن تصنّف وإن حاول دارسوها عبثا كبح جماحها. فإن استنرنا بشروط السّرد الذّاتيّ ألفيناها مستجيبة له، معارضة لطه حسين طرائق تعبيره باعتماد النّاسخ الفعليّ “كان” لدلالة استغراق الحدث في الماضي وتكاثف برهة الزّمنيّة إيهاما بالحنين إلى الفردوس المفقود (الماضي). ولوحظ أنّ السّاردة قد تركت في نصّها فراغات لأنّ “النّسيان –أو العجز عن التّذكّر– كان وما يزال في السّير الذّاتيّة زخرفا وتوشيحا ضروريّا بما أنّها قصص مبنية على الإحياء ( إحياء الذّاكرة) لا الإنشاء. فالنّسيان موضوعا وعاملا محدّدا في الكتابة لمن صميم السّيرة الذّاتيّة لأنّ الذّاكرة لا وجود لها إلاّ بمقابلها وإلاّ بطلت. فمن قواعد اللعبة أن ينسى المتذكّر فيترك في نصّه فراغات. وقد أورد جورج ماي فقرة لروسو يعترف فيها لقارئه أنّه ينسى فيروي الحدث كما يبدو له أنّه وقع”41. هذا دليل أنّ “الذّاكرة مترجرجة قلّب خؤون، وحسبنا في هذا المقام أن نلمع إلى هذه الفكرة مجرّد إلماع لشيوعها بين النّاس”42.
لذا، تضاعفت ثقوب ذاكرتها وقد شكّلتها بصرا يرى رأي العين باعتماد النّقطتين تبرّما بالحاضر الّذي ذبحوا ذاكرته. ولها سنده في الآتي: “ذبحوا هذا الصّباح تحديدا.. حين انسحبت اللغة من المشهد.. لكنّهم شطبوا دماءهم سريعا.. كي لا تتعطّل حركة مرور مسؤول حكوميّ لا زال منشغلا بغسل يديه جيّدا.. لكنّهم ذبحوا في رمشة عين.. لم يستغرق ذبحهم وقتا طويلا.. إنّ الزّمان يستحي من مخاطبة العدم.. ذبحوا وكان الخبر سريعا.. لم يكن يستغرق غير بعض دقائق على شفاه المذيعة الرّسميّة لأخبار التّلفزة الوطنيّة.. بعد أن علّقوا الوطن عاريا على قارعة السّفن..”43.
تغني السّاردة النّقطتين بعطف منفيّ أطال أمد السّرد وأرهق الجملة تعميقا للتوتّر وإشعال الذّهن أسئلة تفكّرا في سبل خلاص لبلد دبّ السوس في أحشائه. ولهذا عمقه في أمثلة كثيفة طيّ الرّواية، نصطفي منها ما قدّرنا خدمته لمقصدنا يرصد في بعض المشاهد بصورته الآتية: “الصّيف هو الكائن الوحيد الّذي كان يتطاول على هذا الجبل.. فهو لا يخيفه ما يحدث داخله.. لا القتل ولا أصوات التّفجيرات المدوّية هناك كلّ يوم.. ولا تجارة الآلهة.. كلّ سكّان المنطقة قد رحلوا خوفا من سكّان ذاك الجبل.. وبقي الصّيف وحيدا يطيل من القيلولة الحارقة كلّ يوم… في هذا القحط الكبير.. الصيف وكوشمار الغريب وبعض الأغنام والكثير من الثّغاء المتقطّع.. هؤلاء هم الباقون في قرية الرّؤوس المذبوحة”44.
إنّ الرّوائيّة لم تعد إلى تقريظ الماضي، خلافا لرواد السّيرة الذّاتيّة الّذين يستشعرون لذاذة لحظة استحضاره بسعادته ليمارس حضوره بألق فيزداد بهاؤه تقزّزا من ألم الحاضر45، إلاّ لحظة حديثها عن لقاء ميارى بعبد الباقي تحيّزا إلى الأنثى “وعادت بها الذّاكرة ونسيت أنّها هناك طبيبة وهو مريض وبدأت ذاكرتها تقصّ عليها ما قرّرت دفنه في أغوارها العميقة”46. لعلّها تستحضر فعل “دانتي” الّذي “جعل فرانشيسكادا ريمييني تنطق من ماضيها غرامياتها السعيدة47. إلا أنّ عبد الباقي صار بلا ذاكرة ولا هويّة. لذلك، خالفت السّاردة شروط التّذكّر منها أنّه “من المتع الّتي لا تكتمل نكهتها إلاّ إذا شارك المرء فيها غيره”48.
يوغل السّرد في تفاصيله الدّقيقة تذكيرا بنهج الرّوايات الواقعيّة معارضة لروايتي “حكايتي مع رأس مقطوع”49 و”يا مريم”50، فيثقل الواقع ويثقل إيقاعه حتّى انخرطنا في عيشه وكأنّنا منه. فباتت أقرب إلى المشاهد السّينمائيّة بكثافة وصفها الّذي حلّ محلّ علامات الوقف الأخرى. لقد تعطّلت ملكات الذّاكرة فتعطّلت ملكات الزّمن. وفقد الجميع الذّاكرة عدا الرّوائيّة الّتي حلّت في أبطالها لسانا وروحا وذاكرة، مقيّدة أحداثها بتاريخ صارم دقيق في زيّ مذكرات يجلّيها الآتي: “وتلتقي الرّؤوس المذبوحة أيضا..
اليوم 3 جوان 2017، عامان ونيف مرّا على قطع رأس مبروك وكان ذلك يوم 14 نوفمبر 2015.. واليوم يقتل أخوه خليفة السّلطانيّ بنفس الطّريقة… وبعدها جاءت أحكام القطب القضائيّ”، “وقع الاحتفاظ بإرهابيّين تورّطا في ذبح الأخوين مبروك وخليفة السلطاني على ذمّة التحقيق”51. وقد تنبّه باحث إلى حال الرّوائيّة الّتي فكّت حيادها صوتا لعلعا غضوبا تلعن به حكّامها كفرا بهم وهي تشرّح واقعها وقد غلب عليها الانفعال تقزّزا من واقع الوأد إنسانا وذاكرة لتمثّل الصّوت التّاريخيّ، وبه “كتبت عمّا يدور أمام أنظار السّلطة من مظاهر الفساد والقتل والتهريب والارهاب فتستعمل عبارات فيها الكثير من التّشنّج والتّوتّر: “ذبحنا حكّامنا”، “من أنتج هؤلاء الحمقى.. شعب من الحمقى”52.
هكذا، بدت السّاردة لا تثق في كتابة المؤرّخين للأحداث وللذّاكرة وللواقع. فهي تسرد ما لم يسرده الآخر باعتبارها أفضل الحاضرين وقد كانت النّاجية من ربقة القتلة دلّ عليها قولها: “غالبا ما يقوم بهذا الدّور روائيّون عاشوا المأساة وتمثّلوها، ليكون النّاجون السّياسيّون أفضل الشّهود التّاريخيّين”53. إنّنا إزاء “رواية الجمهور” قياسا إلى “مسرح الجمهور” عند ونّوس وقد عارضته الرّوائيّة وأضافت إليه المسرح الذّهنيّ باستدعاء ميارى السّد لمحمود المسعديّ، لكن بذاكرة جديدة، فرأس المملوك جابر انتهازي يتظاهر بإرضاء سيّده وفي ذهنه حلم بالجاه والثّروة “لا أبتغي إلاّ مرضاة سيّدي، إلاّ أنّي أجد نفسي ضعيفا أمام كرمه”54، وميارى المسعديّ طيف خيال “ما أعذبه في السمع اسما، حروف ليّنة سيّالة في رقّة الأثير الّذي منه قُدّت، ولذّة الأحلام التي فيها تُمثّل. اسم خلاّب ولكنّه مشتبه المعنى من مير ومراء… وهي من مرايا الخيال طيف، صفات ولا ذات وظاهر بلا باطن… جاءت غيلان في الوقت المناسب ترفرف عند رأسه… وشدّت، وهي الطّوح ساعده المشلول”55. وبدت ميارى الطّوفان طبيبة مفكّرة تقف سندا إلى حبيبها لحظة وهنه لا لحظة عزمه. هذه ميارى تشبه ميارى وقد زادت عنها لأنّها تبعث الحياة في البطل لينتفض من رماده ويعود إلى عتوّه ورسمه وفنّه ليبدّل قبح الواقع وينبت رؤوسا أخرى تقف شوكة في لهاة الطّغاة لصنع الفكر والإنسان معا. لذلك، هدفت إلى اختبار قدرة المتلقّي على صنع دلالة تليق به وذاكرة تناسبه. فاستدعت نوعا ضديدا للمنثور، إنّه الشّعر باختزاله بحثا عن الكثافة الشّعريّة، إلغاء للتّفاصيل حتّى لا تذهب حرارة القول تشكيلا لذاكرة مغايرة لها فرادتها وسردها. وهو ما سيتعقّب في الآتي:
طرائق الشّعر في سرد الذّاكرة:
اقترن الشّعر بصون الذّاكرة لأنّها تقيه من التّلف وتقدره على مقارعة قضايا الفرد والجماعة والإنسانيّة وترغّب القرّاء في الإصغاء إلى النّصّ الشّعريّ لاحتكامه إلى الذّائقة الجماليّة لمخاتلة الأذهان وإذعانها على فعل التّذكّر. لذا، تكفّ الذّاكرة عن كونها ذاكرة سرد بضيقه، إلى الالتحام بذاكرة الشّعر إطلاقا وتجاوزا لحدود الموجود إلى منشود أكثر امتدادا وشساعة. وإذا الذّاكرة في الشّعر “أفق خلاص من حرائق الرّاهن، ترتحل عبرها إلى زمن ماض يبدو أرحم وأرحب… هي ذاكرة فرد: الذّات الشّاعر، وهي ذاكرة جمع: مجتمعه، وهي ذاكرة الإنسان: الإنسانيّة… فالشّعر يتجاوز حدود الذّات الضيّقة، ليعبّر عن هموم الجماعة قبل أن يصوغ أوجاع الإنسان في المطلق”56. آنها، احتمت الرّوائيّة الشّاعرة بالقوافي تصنع بها ذاكرة للذّاكرة نفسها، وبالأروية الّتي تخيّرتها من الطّبقة الأولى الشّائعة حروفها في أروية الشّعر العربيّ القديم منافسة لها إعلانا عن تمكّنها من قول المنظوم، وتمّ الاحتكام إلى بحور الجدّ بفخامتها تنظم عليها شعرها. لكنّها في هذه الرّواية قد احتمت بالأزجال غناء شعبيّا وبالشّعر، وعيا منها -وهي الشّاعرة- ما قيل في كتب النّقد “ما تكلّمت به العرب من جيّد المنثور أكثر ممّا تكلّمت به من جيّد الموزون؛ فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره”57. فلها من الشّعر الآتي:
” أفق يتلوّى فوق رموشها عشقا
والسّحاب يغار على شفتيها من ضوء القمر
ورحيق من عسل الرّوح يتدفّق بين عينيها
شوقا.. إلى حمرة الغسق”58
لقد صاغت الرّوائيّة شعرا حرّا له ذاكرته الخاصة، فتغايرت أسطره الشّعريّة بسرد متموّج استدلالا لحال الشّاعرة ارتياحا وتوتّرا لترصد عينا لا سمعا. إذ لاحت لنا ذاكرة جديدة بدلا من “ذاكرة السّماع”، إنّها ذاكرة يمكن تسميتها بـ”الذّاكرة البصريّة”. فيتمدّد الكلام تعبيرا عن الألق، وتسترسل الشّاعرة في سردها وينقبض أحيانا لانقباضه اختزالا له (السّرد) وتكثيفا للطّاقة الشّعريّة وكأنّها تستدعي مقوّمات الفنّ الأقصوصيّ. وإن حاولت إيهامنا بشدّ ذيل أسطرها إلى حروف تتّسم بوضوحها السّمعيّ وبقوّتها جبرا لما أصاب فواعلها من وهن في مجتمع يتلذّذ بهمِّ مثقّفيه وغمّهم.
هكذا تطاول شعرها على الأنموذج القديم. فتمّ تخطي السماع بالاعتراض على وحدة الرّويّ والبحر والقافية وإرساء لجماليّة جديدة عمدتها التّنقيط الّذي اعترض عليه النّقّاد في الشّعر. ويلوح العنت في الإبانة عن شاعر تخطى بيته الأوّل وقد ألفه إلف عاشق متيّم لمعشوقته ففقد ذاكرته الأولى تخطّيا لاستقلالية البيت التي مثّلت أمارة حسن إلى تنافذ الأسطر تأسيسا لذاكرة جديدة بمقاييس تناسب عصرها وتشرّعه على أفق كونيّ باعتماد التّوازي واللّازمة التّركيبية بسرد تكراري جبرا لخلل في الوزن نرصد ذلك في شدو ياسمين مترنّمة:
” وأشفقت على الضّحى..
ظلّ واقفا منذ الصّباح.. ولم يأت..
وأشفقت على الصّمت.. ممدودا على الحصى
ممنوعا من الصوت.. ممنوعا من الرقص
ممنوعا من الحبّ.. ممنوعا من الموت”59.
هذا الشّدو قد أخبر صرامة الوزن بصرامة التّوازي التّركيبيّ بكثافة توقيعه وصرامة تركيبه الّذي شدّ القول إلى نظام تعاوديّ دقيق هو كنه الإيقاع، فيه تبئير على المعنى المراد من معاناة وكثير ضيم. ونلفت النّظر إلى شدو آخر هو “نشيد الرّاعي الأخير” الّذي خيّب أفق انتظارنا لأنّنا انتظرنا تمايزه عن بقيّة الأغاني بما فيه من سينين مقترنتين بفعلين مضارعين “سيسقط” و”سيعبر”. لقد أدرنا الرّقاب إلى الرّؤيا استشرافا لآت أفضل، بحثا عن تنفيس بعد حين، إلاّ أنّ السّاردة تشوّقنا ولا تذوّقنا. وتلك هي “خيبة الانتظار”. هكذا، يفعل السّرد ما لا تهوى أنفسنا فيخاتلنا لنعيش لعبته في حضرة الشّعر “إطلالة على مدار الرّعب”60. إذ تعطّلت ملكات الفكر وتعطّبت ذاكرته وركن الأمل إلى الألم يماثله، وهذا ما تضوّعه النشيد الآتي:
” نهار من الذاكرة التّائهة
والرّبيع يزحف ثانية نحو قلبك
ودمعة حبّ تسقط سهوا
حذو ورد وعدوه بالرحيل
إلى بلاد الأقحوان..
لكنّهم بدّدوا كلّ الوقت هدرا
قبل وصول الحكاية..
ألف شهر آخر سيسقط قتيلا بين يديك..
ومعه سيعبر وطن من الحكايات…”61.
لقد حرّرت الرّوائيّة ذاكرتها، على تعمّد السّاسة ذبحها بتعليقها في سردها بأزمنة متباينة، فصاغتها شعرا وأغنيّة فكّا لها من عقال قيد المكان، وإن كانت مغروسة في تربة بلدها حيث الذّات المصلوبة بالعذاب، ومن ربقة الزّمان لتجعلها ذاكرة كونيّة بتقييدها بذاكرة الشّعوب المضطهدة التي فقدت عقلها وباعت رأسها. والغاية فضح الفساد السّياسيّ الّذي كشف سوأته الرّوائيّ “تحسين كرمياني” الّذي عارضت روايته “حكايتي مع رأس مقطوع” أمّ الزّين بنشيخة. إذ أفاضت في سردها بسرد تفصيليّ ثقيل الإيقاع لواقعة شابّ ودّ إطفاء شهوة جسده فقطع رأسه بتهمة التّلصّص. وهذا عمق روايتها “حكايتي مع رأس مقطوع”62. وهذه السّخرية ستجليها بلاغة المسرح في صوغ ذاكرة مغايرة لذاكرة بقيّة الفنون الأخرى في هذه الرّواية سنتعقّبها في الآتي:
إيقاع المسرح وسرد الذّاكرة:
يشترط الخطاب المسرحيّ قصر جمله واختزالها، ممّا يسِمها بإيقاع خفّة. والطّريف في حكي الذّاكرة أنّها ترد على لسان الرّؤوس بعد قطعها، ممّا يلحق القول بالعجيب والغريب المدهش فيُكَثَّف التّشويق لأنّ المحكيّ من غير معدنه وتُؤْسَرُ آذان القرّاء شدّا لمتابعة هذا الخطاب العجب. وصورته الآتية:
يتجلّى هذا الإيقاع في حوار الرّؤوس وفق الآتي:
الرّأس الأولى: “حين يتخلّى عنك الأفق تمسّك بغيمة صغيرة أفضل من التّحديق بالظّلام”.
الرّأس الثّانية: “حين يصير الوجود قليلا.. حافظ على كميّة العدم فيك..”.
الرّأس الثّالثة: “قهقه عاليا.. حتّى وإن كنت تقيم في الأسفل جدّا”.
الرّأس الرّابعة: “حين ينهار العالم من حولك.. اشطب الطّريق.. كي لا تلحق بك الكارثة”.
الرّأس الخامسة: “تسلّق قامتك وحيدا.. لا تعوّل على القلوب المرتعشة”.
الرأس السّادسة: “لا تتألّم من الفراغ .. فالحياة مليئة أكثر من اللاّزم”.
الرّأس السّابعة: “لا تجعل من العابرين نافذة لأوجاعك.. المتطفّلون لا يصلحون إلاّ للثّرثرة..”63.
يظهر السّرد استدعاء الرّوائيّة خطابا شفويّا متّسما بالخفّة رغم مقام قطع الرؤوس. لذا، أجبر الإنشاء بأمره ونهيه ثقل الوطء دفعا لحركة النّصّ الّذي يجري إلى غاية تقديس الرّأس، فأنطقه بعد قطع، وأخصب الموت حياة لتتألّق الرؤوس مسلّمة الحوار للأرواح حفاظا على جلباب المسرح لتتمّ ممارسة الدّور في المسرحيّة بحضور مباشر لمتحاوريه. وهو ما سنقف عنده في الآتي:
“الرّوح الأولى: إنّى أشعر بالصّقيع..
الرّوح الثّانية: أريد أن أرى وجه أمّي..
الرّوح الثّالثة: السّماء لم تعد هنا..
الرّوح الرّابعة: لماذا قتلوني قبل أن أحيا؟ ..
الرّوح الخامسة: أين الله؟
الرّوح السّادسة: أكره رائحة الكرتون..
الرّوح السّابعة: لقد حلمت البارحة أنّهم قتلوني..
الرّوح الثّامنة: سئمت من الفراغ..
الروح التّاسعة: أشعر أنّي سأسقط..
الرّوح العاشرة: ثمّة حريق في بيتنا
الرّوح الحادية عشرة: رأيت الله يقبع هناك حذو الجبل.. لقد كان حزينا جدّا..”64.
بدا خطاب الأرواح موجزا، لا إفاضة فيه. إلاّ أنّه مجاف لما رسب في الذّاكرة. فالعادة أنّ خطاب الأرواح لا ينقال، لأنّه لا يقال في العادة، بل مكرت السّاردة بأرواحنا وأنزلتها إلى عالم الأرض حيث الجور، والقتل، واللاّمساواة. فيخفت الإيقاع ويقترب من الدّرجة الصّفر. وكاد الحوار باعتباره الخطاب الديمقراطيّ الذي تتاح فيه الحريّة للشّخصيّات ليغادر السارد مملكة سرده يكون باهتا، لكأنّه مجرّد جمل سرديّة فحسب لا خيط ينتظمها. إنّه تشتّت الذّاكرة وتشظّيها، ممّا تناسلت عنه جمل سرد متنافرة إشارة إلى ضياع الإنسان والإنسانيّة في واقعنا وفي الإقليميّ والكونيّ معا.
لهذا الفنّ المسرحيّ قدرة على سرد الذّاكرة سردا مباشرا موهما بالواقعيّة ليشكّلها الرّسم تشكيلا بصريّا في الآتي:
إيقاع الرّسم وسرد الذّاكرة:
يبدو أنّ الرّوائيّة تقيم مهرجان نصوص متنافذة في هذه الرّواية. فنظرة ثاقبة تظهر انشدادها إلى الفنّ التّشكيليّ تشكّل به رؤيتها، ليدحر هذا الفنّ كلّ أجناس القول الأخرى، تقزّزا من الوجود وصنعا لواقعه بذاكرة جديدة عجزت عنها اللّغة لأنّه “لم يعد ثمّة لغة… إيماءات وبعض الأشكال الهندسيّة… هنا النّقطة وهناك الخطّ… والمحدّب والمقعّر… وبعض المربّعات الحزينة… لولب أشبه ببكتيريا تحتضر… أمّا الذّاكرة فانسحبت من هذا الرّكح… انتهى عهدها… إيقاع حجر يسقط ببطء من مئذنة لم تعد قبلة لأحد.. ودمدمة جدار مجهول نسي لأيّ غرض انتصب ههنا.. والرب قد صار أقليّة لغويّة حزينة ..”65.
ترفد هذا الدّليل براعة الرّوائيّة في ترديد الألفاظ الّتي ترتدّ إلى الرّسم قطبا لها وخيطا ناظما لمعانيها وحيا بالمعاناة. إذ بات هذا الفنّ الأقدر على مغالبة انغلاق الفكر وعجز بقيّة الفنون والأجناس الأدبيّة عن رتق ثقوب ذاكرة تمّ ذبحها وفقدت لسانها جسّدته حال بطلها قائلة: “ها هو يهمّ بالكلام وهو واقف كجثمان قديم بقامة فارغة تهمّ بالسّقوط من فوق عمود فقريّ تكاد تفاصيل فقراته أن تكون لوحدها مشهدا سرياليّا خاصّا جدّا.. وبأحشاء فارغة شرعت منذ أيّام في أكل نفسها بعد أن فقد عواطفه تجاه أمّه.. وقرّر طردها من ذاكرته مرّة واحدة.. وإذا بالصّوت يتكرّر وينبثق فجأة من لوحة إلى أخرى.. وتنتقل العدوى بين الرّؤوس المذبوحة فتختلط أصواتهم وتتزاحم وتتقاطع إلى تكوين ضرب من النّشاز الجميل”66. وقد انطبع ذلك على أديم الرّواية باعتماد المدّ النّقطيّ تعبيرا عن مجتمع فقد لسانه وذاكرته، وربّما تمدّدت نقاطه ليوسم إيقاعه بالإجهاد رشحا عن إعياء ذاكرة لا تجيد قراءة واقعها يجلّيها القول الآتي: “.. يستفيق عماد من حلمه على إيقاع صوتها البعيد:
«اذهب عميقا في قدرك.. ستلتقي بأحلامك.. التقطها حتّى لو جاءتك في شكل قصّة خياليّة»….”67.
هذه أدلّة تكشف أهميّة الرّسم في قدرته على تأثيث ذاكرة جديدة تعيد الرّؤية في مواطن عطالتها وتكره الرّوائيّة على العدول عن إقرارها بغطرسة الرّواية جنسا أدبيّا يعصف بكيان بقيّة الفنون الأخرى لتتبيّن أنّ نصّها أجناس من القول وفنون من السّمع والبصر متنافذة درءا لما أقرّته سابقا من طريق السّؤال: “كانت تسائل صاحب الرّواية الذي تراءى لها وهو يحدّق في عينيها المخضّبتين بالسّواد لكن الفارغتين تماما من كلّ شهوة.. “لماذا قتلت، يا ألبارتو، الرّسام فيك منذ بداية الرّواية.. ويحك أنت توشك بأن تخيّب أملي وأن تزيد من سأمي” .. ويجيبها ألبرتو ضاحكا كما لو أنّه قد تحرّر من كلّ السّأم في قهقهة واحدة: “ألا تدرين أيّتها العالمة النّفسانيّة أنّ الرّواية تقتل كلّ شكل آخر من الفنّ؟”68.
لقد كان الرّسم أداة عبد الباقي في الإبقاء على ذاكرته بالحفاظ على الرّؤوس بجعله لغتها فـ”صمّم لغة خاصّة تجعل التّواصل بينها ممكنا… فكان يحمّل الدّائرة والمثلث والخطّ والمربّع والمنحني والمكعّب والمقعّر… كلّ الإيحاءات الكفيلة باختراع قطرة العبور إلى أخيه وأفكاره وأحلامه معا.. أمّا يوسف فقد تعلّم سريعا تلك اللّغة وصار يرسم الدّائرة من أجل أن يحمله أخوه في نزهة إلى الجبل.. ويرسم المثلّث من أجل أن يسأله عن أمّه إن كانت ستعود قريبا من الاحتطاب.. ويرسم المربّع كي يقول لأخيه “إنّني جائع”.. ويرسم المقعّر كي يعبّر عن حزنه”69. إنّها، حقّا، رسومات تصنع جمالا مضادّا مباينا لعالمه الموجود بفرط قبحه. فالرّوائيّة تعترض على ربط الذّاكرة بالألفة لتصنّفها بعين مائزة هي عين الفنّ. وقد كثّفت المشاهد ووهنت حركة السّرد قتلا لحياة تعترض عليها الرّوائيّة صنعا لفردوس مفقود أساسه ذاكرة مغتصبة ورؤوس مبتورة، انتصارا لغلبة الرّسم الّذي بات “ديوان العرب” قهرا لأعداء الإنسان وإعادة لذاكرته لأنّ “العالم كلّه مهدّد بأن يصير بلا ذاكرة.. وبالتّالي بلا ماض.. وسيختلّ الزّمن في عقول النّاس إلى حدّ لن يميّزوا فيه بين ما حدث وما لم يحدث، بين الواقع والخيال.. بين الأحلام والكوابيس”70. فكثّفت الرّوائيّة معاجم مقيّدة بفنّ الرّسم أجبرت الكلمات على رسم الصّورة. فتكاثفت التشابيه وتمدّد السّرد واتّسعت العبارة وطال أمد الزّمن إعطاء للذاكرة فرصتها لجبر ثقوبها تجليها الجمل الآتية التي حوّلت القول إلى رسم يوغل أحيانا في الهزء لتكتسب المشاهد حرارتها تحفيزا على تدبّر عمقها بكشف مخبوئه وفضحه، ومنه الآتي: “هاهو الآن يقف أمام لوحاته التي قد حرص على تأثيثها بعناية كمّ هائل من الخطوط والألوان والأشكال المضادّة للهندسة الرّسميّة.. كانت خطوطه كلّها طافرة هاربة تندفع نحو ثنايا لا تؤدّي.. تسكنها إرادة الهروب نحو مكان آخر.. فكلّ الأمكنة على اللوحة تغصّ بالطاقة الحراريّة كما لو كانت تدميرات.. كان ثمّة قطيعات فجئيّة ومغاور وأقبية.. ورائحة الهاوية والشّعور بالقلق.. والقدرة على مطاردة الشّكل المنسجم والطّيّع.. رسومات مضادّة لبلاهة الجمال المطمئنّ إلى عالمه… تشنّجات وأشكال من الصّداع الحادّ يصيب الرّؤوس المذبوحة إلى حدّ رسم مواضع الذّبح بخطوط لونيّة تغصّ بالدّم.. إلى حدّ أنّ عمق الوجع يمزّق رأس الرّسّام ويذبحه هو الآخر من الوريد إلى الوريد”71.
هذا الشّاهد يدفع دارسي السّرديّات إلى صوغ مصطلحات سرد جديدة في هذه الرّواية لها صلة بعالم الرّسم، لأنّها تجرّب آفاقا جديدة لا قبل لنا بها في عوالم السّرد. فالرّسم يعبّر بريشة الرّسّام وباللّون وبالأشكال والأحجام لترصد أفعال الشّخصيّات بصرا. إنّه السّرد بالعلامة.
لقد صنعت الرّوائيّة برسومها بلاغة جديدة أربكت القراء في صوغ ذاكرة من صنوها. إنّها ذاكرة تتدبّر بصرا لتخاطب الأبصار كلّها حديدها وكليلها، بل تحتال على الإنسان للتّقزّز من شنيع قطع الرّؤوس وتعطيل ملكة العقل والذّاكرة معا. وقد بدت هذه اللّعبة كونيّة استهوت السّاسة عبثا بمفكّر في رأسه عقل وبكادح كلّ متنه لبناء وطن آخر له ذاكرة متنافذة الفنون حتى لا تعجزه حياة متغايرة التّحولاّت في عصر سريع الحركة متباين المشارب ثقافة.
خاتمة:
لقد فتحت هذه الرّواية مسلكا جديدا في عوالم السّرد، لتعيد النّظرة إلى ما ينقص السّرديّات لتثري به طرائقها. فلم يعد الإيقاع في تقديرنا مقترنا بالشّعر يقيه من التّلاشي في بقيّة الأنواع الأدبيّة الأخرى، بل بات يغشاها حثيثا ليتحوّل إلى أداة سرد تتلوّن بحسب كلّ لون من ألوان الأدب. فيتشكّل في زيّ خطاب تكراريّ يكرّر أفعال الشّخصيّات في الرّوايّة مركّزا على تعاود الذّبح وقتل الذّاكرة. ويلتفع بالأسئلة لا تصعيدا للنّغمة ودفعا لحركة القصّ، بل تعميقا للتّأمّل، ويراوح بين قصره وطوله تسريدا للشّعر، تعبيرا عن حال الرّوائيّة قلقا عن واقع دبّ السّوس في أحشائه، أو يقلّص الأقوال اختزالا للسّرد حفاظا على حرارة المسرح تعرية لقبح الواقع، أو سردا باللّون والشّكل تشكيلا لراهن مأزوم منعا للأفراد من الاندماج معه، بل للسخط عنه وإعادة تشكيله بعين الفنّ حتّى لا تميته الحقيقة وتميتنا.
لذا، فطرافة هذه الرّواية أنّها تدرّب دارس السّرديّات على تجديد أدواته بعيدا عن رؤيته الضّيّقة والتّفكير في اللاّمفكّر فيه من قبيل اعتبار الإيقاع الّذي خصّ به الشّعر دون غيره أداة سرد تصنّف أنواع الفنون في هذه الرّواية وتعطي ذاكرتها وسوما متغايرة صنعا لها بصورة ضديدة يحرسها الفنّ حتّى لا يلفّها النّسيان. فتسرد بفنّ جديد وبعقل جريء الفكر.
الهوامش
1 – ابن رشيق، في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، ج1، حقّقه، وفصّله، وعلّق حواشيه محمّد محي الدّين عبدالحميد، لبنان، بيروت، دار الجيل، ط 5، العمدة 1981، ص: 134.
2 – اليوسفي، محمّد لطفي، الشّعر والشّعريّة الفلاسفة والمفكّرون العرب ما أنجزوه وما هفوا إليه، الدار العربيّة للكتاب، 1992، ص: 57.
3 – Meschonnic, Henri, Critique du rythme, Editions Vardier, 1982, p : 705
4 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى… في معبد الجماجم، تونس، الدّار التّونسيّة للكتاب، ط1، 2021
5 – Meschonnic, Henri, Critique du rythme, Editions Vardier, 1982
6 – Dessons, Gérard, Meschonnic, Henri, Traité du rythme des vers et des proses , Ed. Dunod, Paris, 1998
7 – مجموع، معجم السّرديّات، تونس، دار محمّد علي الحامّي للتوزيع والنّشر، ط1، 2010
8 – يقطين، سعيد، السّرديّات والتّحليل السّرديّ الشّكل والدّلالة، المغرب، الدّار البيضاء، المركز الثّقافيّ العربيّ، ط1، 2012.
9 – ورنوك، سيري، الذّاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاّح رحيم، لبنان، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2007
10 – لورون، بوتي، الذّاكرة أسرارها وآليّاتها، ترجمة عزّ الدّين الخطابيّ، مراجعة فريد الزّاهي، هيئة أبوظبي للسّياحة والثّقافة (مشروع كلمة)، ط1، 2012
11 – ناصري، رملة، خطاب الذاكرة في الرّواية النّسائيّة المكتوبة بالعربيّة من 1993 -2019 -مقاربة موضوعاتيّة– أطروحة دكتوراه، الجزائر، جامعة 8 ماي 1945، س/ج: 2012–2022، ص: 32 – 49.
12 – الهنداوي، مها، سرديّات الذّاكرة المأزومة– قراءة في الرواية العراقيّة، الذّاكرة في مشغل السّرد الأوّل، شباط، 2016
13 – حيزم، أحمد، فنّ الشعر ورهان اللغة بحث في آليات الخطاب الشعري عند البحتري، صفاقس، دار صامد للنشر، 2012، صص: 41-42. وينظر أيضا إلى:
خميّس الورتاني، نحو إيقاعيّة عربيّة حديثة، تونس، دار مسكيلياني للنشر والتوزيع، ط1، 2016، ص: 07.
سمير السحيمي، بحث في إنشائيّة قصيدة نزار قبّاني، تونس، دار زينب للنّشر والتّوزيع، ط1، 2018، ص: 13.
وهذه رؤية قد سبق إليها هنري ميشونيك في كتابه « نقد الإيقاع» في الآتي:
Meschonnic, Henri, Critique du rythme, p :173
14 – سحيمي، سمير، أجراس الشّعر وإيقاع الذات بحث في إنشائيّة قصيدة نزار قباني، تونس، دار زينب للنّشر والتوزيع، ط1، 2018، ص: 13
15 – يقطين، سعيد، السّرديّات والتّحليل السّرديّ الشّكل والدّلالة، ص: 211
16 – الخبو، محمّد، السّرديّات كيف نقرؤها؟ ضمن أشغال اليوم الدّراسي «مقاربات مقارنة» نظّمتها جمعيّة مؤمنون بلا حدود بالاشتراك مع المعهد العالي للّغات بنابل، جوان 2021.
17 – لشهب، يونس، السّرديّات: مفهومها وحدودها وآفاقها، مجلّة كلمة، ع 37، مايو 2010.
18 – ورنوك، سيري، الذّاكرة في الفلسفة والأدب، ص: 25
19 – نقلا عن بوتي لوران، الذّاكرة أسرارها وآليّاتها، ص: 13
20 – الوهايبي، منصف، الطائية في الشّعر مذهب الطائي– أبو تمّام حبيب بن أوس، تونس، دار الاتحاد للنّشر والتّوزيع، ط 1، 2016، ص: 119
21 – ورنوك، سيري، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ص: 120
22 – م ن، ص: 139
23 – لوران، بوتي، الذّاكرة أسرارها وآليّاتها، ص: 13
24 – م ن، ص: 21
25 – الماكري، محمّد، الشّكل والخطاب مدخل لتحليل ظاهراتي، الدار البيضاء، المركز الثّقافي العربي، ط 1، 1991، صص: 109 – 110.
26 – الوهايبي، منصف، الطائيّة في الشّعر، ص: 118
27 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى… في معبد الجماجم، ص: 17 – 29
28 – نور، أحمد، سكالوتين جوزبي، التجليات الروحيّة في الإسلام نصوص صوفية عبر التاريخ، القاهرة، الهيئة المصريّة للكتاب، 2012، ص: 28
29 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى… في معبد الجماجم، ص: 168
30 – م ن، صص: 140 – 141
31 – ورنوك، سيري، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ص: 139
32 – بنشيخة، أمّ الزّين، طوفان من الحلوى، ص: 48
33 – م ن، ص: 17
34 – م ن، ص: 152
35 – م ن، ص: 251
36 – الهنداوي، مها، سرديّات الذّاكرة المأزومة (قراءة في الرّواية العراقيّة المعاصرة)، بغداد، الجامعة المستنصريّة، كليّة الآداب، الذّاكرة في مشغل السّرد مؤتمر السّرد الأوّل، 22- 23 شباط 2016 ، ص: 07
37 – م ن، ص ن
38 – كرمياني، تحسين، حكايتي مع رأس مقطوع، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط1، 2011
39 – الهنداوي، مها، سرديّات الذّاكرة المأزومة ( قراءة في الرّواية العراقيّة المعاصرة)، ص: 04
40 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى، في معبد الجماجم، ص: 91
41 – المبخوت، شكري، سيرة الغائب سيرة الآتي السّيرة الذّاتيّة في كتاب الايّام لطه حسين، تونس، دار الجنوب للنشر، 1992 ، ص: 39
42 – ماي، جورج، السيرة الذاتية، تعريب محمد القاضي وعبد الله صولة، تونس، بيت الحكمة، 1992 ، ص: 83.
43 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى.. في معبد الجماجم، ص: 61
44 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى، ص: 220
45 – ماي، جورج، السيرة الذّاتيّة، ص: 57
46 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى، ص:
47 – ماي، جورج، السّيرة الذّاتيّة، ص: 57
48 – م ن، ص ن.
49 – كرمياني، تحسين، حكايتي مع رأس مقطوع، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط1، 2011
50 – أنطوان، سنان، يا مريم، منشورات الجمل، ط1، 2012
51 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى، ص: 75
52 – الخبو، محمّد، تقديم رواية «طوفان من الحلوى… في معبد الجماجم» لأمّ الزين بنشيخة، ص: 10
53 – الهنداوي، مها، سرديّات الذّاكرة المأزومة، ص: 03
54 – ونّوس، سعد الله، مغارة رأس المملوك جابر، الأعمال الكاملة، بيروت، دار الآداب، 2004، ص : 276
55 – بكّار، توفيق، مقدّمة السّدّ للمسعدي، تونس، دار الجنوب للنشر، 1992، ص: 21
56 – بن جمعة، بوشوشة، ذاكرة الماء ترسم مدائن العشق والحصار، مجلة علامات، السعودية، النادي الأدبي الثقافي بجدّة، مج 12، ج 46، 2002، ص: 428
57 – ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمّد محي الدّين عبدالحميد، بيروت، دار الجيل، ط5، 1981 ، ص: 20
58 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى … في معبد الجماجم، ص: 247
59 – م ن، ص: 246
60 – اليوسفي، محمّد لطفي، لحظة المكاشفة الشّعريّة إطلالة على مدار الرّعب، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1992 ( العنوان).
61 – بنشيخة، أمّ الزين، طوفان من الحلوى، ص: 249.
62 – الهنداوي، مها، سرديّات الذاكرة المأزومة، ص: 04
63 – م ن، صص: 63 – 64
64 – م ن، صص: 227 – 228
65 – م ن، ص: 50
66 – م ن، ص: 111
67 – م ن، ص: 73
68 – م ن، ص: 108
69 – م ن، ص: 147
70 – م ن، ص: 251
71 – م ن، ص: 221