صدر حديثا ً عن دار الفارابي اللبنانية كتاب «الأصولية والعقلانية: دراسات في الخطاب الديني العُماني» وهو الكتاب الأول للباحث والكاتب العُماني: علي سليمان الرواحي، حيث يقع الكتاب في 247 صفحة من القطع المتوسط. يتناول الباحث وللمرة الأولى في تاريخ الثقافة العُمانية المعُاصرة بالبحث التاريخي والمرجعي الموثق وبالإحصائيات المرجعية الرسمية والشخصية وعلى مدى أربع دراسات متفاوتة من حيث المواضيع والاهتمامات والآفاق المطروحة، يتناول مواضيع تتعلق بالسياق الفكري العماني: المعُاصر والقديم. في هذه الدراسات يستخدم الباحث العديد من المنهجيات الضمنية والصريحة لسبر أغوار وأعماق الخطاب الديني العُماني. وهو بذلك يقدم لنا تطبيقا ً عمليا ً على ضرورة تطبيق منهجيات العلوم الإنسانية على كل شيء، بما في ذلك الخطاب الديني، وضرورة استقصاء مساراته المستقبلية، بناء ً على المسارات التي قام عليها ولا يزال. يقدم لنا الباحث صورة تاريخية على ترابط العناصر المختلفة في المجتمعات المعُاصرة، حيث إن كل عنصر يؤثر بالضرورة في بقية العناصر المجتمعية، مما يعني ضرورة توازن الخطابات والقوى في المجتمعات المعُاصرة بشكل ٍ يضمن لها الاستمرارية والازدهار. ذلك ان كل انفراد خطابي يعني – من ضمن ما يعنيه – الاستبداد وإلغاء بقية الخطابات التي تساهم بشكل أو بآخر في إثراء الحياة الفكرية والإبداعية البشرية، في زمن ٍ لم يعد الانفراد بجميع مستوياته ممكنا ً ومقبولا ً. تعتبر الأطروحة المعُلن عنها في هذه الدراسات – وهي تتبع الخطاب الديني العماني والاباضي بشكل خاص – من الأطروحات المثيرة للجدل والنقاش بشكل ٍ كبير. فهذا الحقل لا يزال جديدا ً في تسليط الضوء عليه بشكل ٍ تحليلي يصل الى حد النقد في بعض الأحيان، وبشكل ٍ خاص اذا كان مصدر هذه القراءة التحليلية هو الداخل العُماني تحديدا ً. من العناوين والمواضيع الملفتة للنظر بشكل ٍ كبير- والتي كانت بمثابة عامل جذب للكثير من القراء والباحثين العُمانيين المتعطشين والمتابعين للإنتاج الفكري بشكل ٍ عام، حيث أدت هذه المتابعة من قبلهم الى نفاد نسخ هذا الكتاب من معرض الشارقة للكتاب في نهاية 2011م- هي تلك الدراسة التي قام بها الباحث بهدف تسليط الضوء على آليات وطرق إنتاج وإعادة إنتاج المجتمعات المعُاصرة بشكل ٍ عمومي، والمجتمع العُماني المعاصر بشكل خاص، بما فيها تلك الآليات الرمزية، الناعمة، التي لا تُرى، ومن ضمنها بالطبع، وربما أهمها: الخطاب الديني الاباضي المهيمن– حسب وصف وتحليل الباحث – بالتضافر مع الخطاب السياسي، بكل ما يمتلكه هذا الأخير من آليات أدلجة، وبسط أجنحة. من جانب آخر، يطرح هذا العمل قضية إشكالية وبشكل ٍ خاص في ربيع الثورات العربية، وهي صعود التيار الأصولي الإسلامي بشكل ٍ عام، والاباضي بشكل ٍ خاص – بما أن موضوع البحث هو الخطاب الديني العُماني – وهو في ذلك يتطرق لتلك العملية التمويهية – المقصودة أحيانا ً وغير المقصودة في أحيان ٍ كثيرة – التي تقوم بها الأصولية وذلك عن طريق إستخدام المصطلحات والألفاظ المعُاصرة، التي توهم القارئ العمومي بأنها تختلف عن الاصولية التقليدية التي تنتمي للقرون الوسطى من الناحية الفكرية والمعرفية، غير ان هذا الاختلاف – حسب الكاتب – لا يتعدى فقط القشور الخارجية للتفكير دونما الوصول للعمق المنهجي الذي نستطيع من خلاله اجتراح امكانيات فكرية غير مسبوقة، تساهم في فتح نوافذ للتفكير البشري وذلك عن طريق استخدام المكتسبات العلمية المتجددة على المستويات الانسانية المتعددة : العلمية والاخلاقية والفكرية… وغيرها. هذه الامكانيات الاخيرة لا تأتي من فراغ او بشكل ٍ عشوائي، بل هناك الكثير من الخطط والاستراتيجيات التي ينبغي أن تتبناها الكيانات السياسية لبلوغ هذه الاهداف على المستويات العمومية الشعبية، ولتحقيق هذا الهدف الكبير والمهم جدا ً لا يمكن للكيانات السياسية أن تقوم بعملية إصطفاء مؤسساتي تعليمي – حسب وصف الكاتب – بل عليها تكريس التعليم الذي يساهم في الاعلاء من شأن الانسان وقيمته الذاتية وعدم إقتصار التعليم على المتطلبات الوظيفية أو الآنية التي لا تساهم في ديمومة الدولة ونقلها من المراحل الأولية الى المراحل الانتاجية المتعددة. ختاما ً: من الممكن أن نقول عن هذا الكتاب من جهة اولى، بأنه يمثل اشتغال فكري منهجي هادئ يلتقي بشكل ٍ او بآخر مع ربيع الثورات العربية التي جاءت بالكثير من التحولات السياسية، ذلك ان هذه التحولات الأخيرة تحتاج بشكل ٍ كبير الى ثورة فكرية موازية تعمل على ترسيخها وتعميقها. من جهة أخرى : نلاحظ من خلال هذا الكتاب بأنه يندرج في إطار نقد العقل الديني/ الأصولي بشكل ٍ عام، والاسلامي بشكل ٍ خاص بجميع تفرعاته، وكيفية تجاوزه، وضرورة الانتقال الى العقل المتجدد، الذي قام عن طريق الكثير من الجهود البشرية المتعددة الجنسيات والعرقيات.