«في إطار برنامجها الثقافي، وسعيها الدائب للمساهمة الفكرية في المشهد الثقافي العماني، أقامـــت شبكـــة المصنعــة الثقافية بتاريخ 21/11/2012 في قاعة نادي المصنعة، الفعالية الفكرية «احتفاء…. احتفال»؛ احتفاءً بالذكرى السنوية الثامنة عشرة لصدور مجلة نزوى، واحتفالاً باليوم العالمي للفلسفة، حيث تم استضافة طالب المعمري مدير تحرير المجلة ويحيى الناعبي منسق التحرير،بالإضافة إلى الدكتور محمد الزيني أستاذ الفلسفة الإسلامية في معهد العلوم الشرعية.
اشتملت الفعالية-والتي أدارها سعود بن عبدالله الزدجالي على كلمة للشبكة، ومحورين، الأول تضمن الحديث عن تجربة نزوى كمشروع فكري تنويري رائد في المشهد الثقافي العماني والعربي، والثاني محاضرة حول الفلسفة: تعريفها، وموضوعاتها، وأهميتها في ترسيخ القيم الإنسانية.
في بداية الندوة ألقت نايلة البلوشية كلمة شبكة المصنعة الثقافية،رحبت فيها بالحضور، وقد تضمنت الكلمة تعريفاً بشبكة المصنعة الثقافية كمؤسسة ثقافية ناشئة تسعى للمساهمة في تحريك المشهد الثقافي في ولاية المصنعة بصفة خاصة، وعُمان بصفة عامة،من خلال شعارها: نحو جيل يعي قيمة الثقافة،ورؤيتها التي ترتكز على أهمية الثقافة والفكر في بناء الشخصية الإنسانية. وأشارت إلى أهم الفعاليات التي أقامتها الشبكة منذ بداية نشاطها الفكري والثقافي في شهر مارس من العام الحالي، وما تعتزم القيام به من أنشطة وفعاليات في المرحلة المقبلة، يأتي على رأسها إصدار كتاب يتضمن جميع الفعاليات التي أقامتها الشبكة خلال الفترة الماضية.
n في المحور الاول تحدث طالب المعمري مدير تحرير مجلة نزوى، عن المجلة باعتبارها مشروعاً ثقافياً عمانياً رائداً، بدأها بتوجيه كلمة شكر وتقدير بالنيابة عن أسرة تحرير المجلة لشبكة المصنعة الثقافية، لإقامتها الفعالية، فهي أول فعالية من نوعها يحتفى فيها بمجلة نزوى منذ صدور عددها الأول في نوفمبر عام 1994.
تطرق في كلمته إلى بداية التفكير في إنشاء مجلة ثقافية عمانية تحتضن مختلف الكتابات والإبداعات العمانية، من أجل تأكيد حضور الكاتب العماني في المشهد الفكري والثقافي الناطق بالعربية، بالإضافة إلى توفير المجال للكاتب العماني للاطلاع على مختلف الإبداعات والكتابات من مختلف دول العالم ومختلف الثقافات والتوجهات، وذلك من خلال استقطاب مختلف الأقلام والكتابات، تكريساً لقيمة التعددية الفكرية التي سعت دوماً لتمثلها فيما تنشره من كتابات ومواد متنوعة المشارب والمذاهب والاتجاهات.
وأشار إلى ما حققته المجلة من مكانة مرموقة بين المجلات الثقافية العربية-فقد تم اختيارها عام 2009 كأفضل مجلة ثقافية عربية-، بفضل تبنيها رؤية معرفية تجمع بين الإيمان بقيمة الإرث الفكري العماني والحضارة العمانية العريقة، والتأكيد على كونها مرآة شاملة لمختلف التوجهات والإبداعات والآراء والمذاهب والفلسفات، في إطار التأكيد على حق الاختلاف، وبعيداً عن روح التعصب والجمود والانغلاق.
وأكد طالب المعمري على حضور المجلة في سماء الثقافة والإبداع والفكر، من خلال شهادات عديدة لمشتغلين بالثقافة والفكر والإبداع، وهذا تأتى من خلال مئات الدراسات والمقالات والاستطلاعات والتغطيات واللقاءات والنصوص القصصية والشعرية والإبداعية، التي نشرت خلال سنوات مسيرة المجلة الحافلة بالإنتاج والعطاء، هذا العطاء ساهم في تعريف غير العمانيين بالكتابات العمانية سواء التراثية أو الحديثة، فكانت مجلة نزوى –بحق-سفيرة لعمان في مختلف دول ومدن العالم.
وأما يحيى الناعبي منسق التحرير في المجلة، فقد تحدث عن مراحل إعداد المجلة أو ما وصفه بما يجري خلف الكواليس، الذي يبدأ باستقبال مواد النشر وهي مواد كثيرة ومتنوعة من مختلف دول العالم، عربية ومترجمة عن لغات أخرى، ويتم اختيار المواد المنشورة من قبل أسرة تحرير المجلة برئاسة سيف الرحبي رئيس تحريرها، وفق تقاليد وسياسات النشر المعمول بها في المجلة،مع التأكد من عدم نشر المواد في وسائل أخرى، خاصة الإلكترونية منها.
وأشار الناعبي إلى قيام المجلة في بعض المناسبات بالتنسيق المسبق مع بعض الكتاب المتخصصين عندما تعتزم نشر ملف حول موضوع ما أو كاتب معين. كذلك أكد على استقطاب المجلة لأقلام كبار الكتاب العرب والأجانب، نظراً لما تمثله كتاباتهم من قيمة فكرية عالية، يصب نشرها في تأكيد دور المجلة الريادي، وفائدتها للمتلقي من خلال تزويده بأبرز الإبداعات الفكرية والأدبية.
بعد الانتهاء من عرض التجربة فتح المجال لأسئلة الجمهور التي تركزت حول فكرة إنشاء المجلة، والظروف السياسية والفكرية التي صاحبت إنشاءها، ونخبويتها، وعدم وصولها لشريحة كبيرة من الجمهور العماني، وقلة مساهمة الكتاب العمانيين في ما تنشره، ومن بينها السؤال الذي وجهه الدكتور سعيد الخميسي حول تخوف القائمين على تحرير المجلة وحذرهم من نشر بعض المواد مع النجاح والاستمرارية التي حققتها المجلة في سنواتها الثماني عشرة. أما تركي البلوشي فقد تساءل عن حضور الكاتب العماني في مجلة نزوى مقارنة مع ما ينشر لبقية الكتاب غير العمانيين.
وقد رد طالب المعمري على السؤالين، حيث أشار إلى أن لكل مجلة سياسة نشر محددة تسير وفقها، وهذا معلوم ومشهور في كل وسائل الإعلام. أما حضور الكاتب العماني فالمجلة ومنذ بداية صدورها جعلت إحدى مرتكزاتها تمكين الكاتب العماني، وفتح المجال له للنشر، لكن وفق معايير وضوابط فنية يخضع لها جميع ما ينشر في المجلة.
n أما المحاضرة حول الفلسفة فقد مهد لها الدكتور محمد الزيني بالحديث عن مهمة العقل ودوره في رقي الإنسان وبناء المدنية وتطور الحضارة، وتناول فيها تعريف الفلسفة، ونشأتها في اليونان، ومساهمات أمم الشرق الفلسفية كالمصريين والإيرانيين والهنود.
انتقل بعدها للحديث عن موضوع الفلسفة ومباحثها الأساسية، مبحث الوجود، الذي يناقش قضية العالم هل هو مخلوق أم غير مخلوق، هل هو مادي أم روحي، وإذا كان من خلق الله فما هي صفاته وكيف تتحدد علاقته بمخلوقاته. ومبحث المعرفة الذي يناقش إمكان المعرفة وحدودها وأدواتها، وطبيعتها، وعلاقتها بالأشياء المدركة.ومبحث القيم الذي يدرس الحق والخير والجمال، من خلال علوم المنطق والأخلاق والجمال.
في ختام محاضرته تساءل الزيني حول سر كراهية الجماهير للفلسفة، وعزاه إلى أسباب متعددة من أبرزها البحث المتعمق الذي تحتاجه القضايا الميتافزيقية، وإلحاد بعض المذاهب الفلسفية مخالفتها لثوابت الدين الإسلامي، وأخيراً الحملة التي شنها أبو حامد الغزالي في كتبه على الفلسفة والفلاسفة خاصة كتابه «تهافت الفلاسفة».
بعد انتهاء المحاضرة فتح المجال للمناقشة، التي وجه فيها الجمهور مجموعة متنوعة من الأسئلة حول الفلسفة، وأسباب احتفال اليونسكو بها، وأبرز الفلاسفة والفلسفات، وفائدتها للناس، وكان من أبرزها سؤال جاسم الطارشي، الذي جاء فيه:
مع ما يراه البعض من تأثير سلبي للفلسفة من خلال القول المأثور من تمنطق فقد تزندق، ما هي فائدة الفلسفة بالنسبة للإنسان المؤمن؟
أجاب الدكتور الزيني: إن الفلسفة تلعب دوراً محورياً في تطوير حياة الإنسان بصفة عامة كما حدث في تاريخ المجتمعات الغربية، وبالنسبة للمؤمن فهي تعمل على تقوية إيمانه، فهناك فرق بين إيمان المقلد وإيمان المفكر، فإيمان المقلد إيمان تحيط به الشكوك ولا يقوم على أدلة وبراهين، بينما إيمان المفكر فيقوم على أدلة عقلية مبرهن عليها، فهو إيمان عميق قائم على أدلة وبراهين لا يتطرق إليها الشك والحيرة والأوهام التي ربما تعرض للمقلد الذي يلغي عقله.
n صاحب الفعالية معرض تضمن مجموعة من أعداد مجلة نزوى ونماذج من إصدارها «كتاب نزوى»، وعدد من دواوين الشاعر سيف الرحبي رئيس تحرير المجلة، والشاعران طالب المعمري ويحيى الناعبي، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من مؤلفات الدكتور محمد الزيني.
في ختام الفعالية قام يونس بن جميل النعماني نائب رئيس الشبكة بتكريم مجلة نزوى وأسرة تحريرها، بالإضافة إلى الدكتور محمد الزيني.
سعيد الطارشي
باحث من عُمان